آثار البلاد و اخبار العباد

اشارة

پدیدآورنده: تصنیف زكریاء بن محمد بن محمود القزوینی
تاریخ وفات مؤلف: 682 ه. ق
موضوع: جغرافیا - متون قدیمی تا قرن 14
سرشناسه فارسی قزوینی ، زكریا بن محمد1203 7-1283م .
عنوان قرارداد ی آثار البلاد و اخبار العباد
محل انتشار بیروت
ناشردارصادر
تاریخ نشر1389ق
رده بندی كنگره G 93 /ق4 2آ
رده بندی دیویی 2آ 4ق/93 G
برساخت
667ص
موضوع: جغرافیای عمومی
زبان: عربی
تعداد جلد: 1
سال چاپ: 1998 م
نوبت چاپ: اول
سرشناسه : قزوینی، زكریابن محمد، ۶۰۰؟ - ق‌۶۸۲
مشخصات ظاهری : ص ۶۶۷
وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی
یادداشت : پشت جلد لاتینی‌شده:Zakariya B. Mahmudd. Ataral -Bilad.
شماره كتابشناسی ملی : ۵۱۲۷۶

[خطبة الكتاب]

بسم اللّه الرحمن الرحیم
العزّ لك، و الجلال لكبریائك، و العظمة لثنائك، و الدوام لبقائك، یا قدیم الذات و مفیض الخیرات. أنت الأوّل لا شی‌ء قبلك، و أنت الآخر لا شی‌ء بعدك، و أنت الفرد لا شریك لك، یا واهب العقول و جاعل النور و الظلمات، منك الابتداء و إلیك الانتهاء، و بقدرتك تكوّنت الأشیاء، و بإرادتك قامت الأرض و السموات، أفض علینا أنوار معرفتك، و طهّر نفوسنا عن كدورات معصیتك، و ألهمنا موجبات رحمتك و مغفرتك، و وفقنا لما تحبّ و ترضی من الخیرات و السعادات، و صلّ علی ذوی الأنفس الطاهرات و المعجزات الباهرات، خصوصا علی سیّد المرسلین و إمام المتّقین، و قاید الغرّ المحجّلین محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب بن هاشم، أفضل الصلوات، و علی آله و أصحابه الطیّبین و الطیّبات، و علی الذین اتبعوهم بإحسان من أهل السنّة و الجماعات.
یقول العبد زكریاء بن محمّد بن محمود القزوینی، تولّاه اللّه بفضله، بعد حمد اللّه حمدا یرضیه، و یوجب مزید فضله و أیادیه: إنی قد جمعت فی هذا الكتاب ما وقع لی و عرفته، و سمعت به و شاهدته من لطایف صنع اللّه تعالی، و عجایب حكمته المودعة فی بلاده و عباده؛ فإنّ الأرض جرم بسیط متشابه الأجزاء، و بسبب تأثیر الشمس فیها، و نزول المطر علیها، و هبوب الریاح بها، ظهرت فیها آثار عجیبة، و تختصّ كلّ بقعة بخاصیّة لا توجد فی غیرها: فمنها ما صار حجرا صلدا، و منها ما صار طینا حرّا، و منها ما صار طینة سبخة. و لكلّ واحد
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 6
منها خاصیّة عجیبة و حكمة بدیعة، فإن الحجر الصلد یتولّد فیه الجواهر النفیسة كالیواقیت و الزبرجد و غیرهما، و الطین الحرّ ینبت الثمار و الزروع بعجیب ألوانها و أشكالها و طعومها و روایحها، و الطینة السبخة یتولّد منها الشبوب و الزاجات و الاملاح بفوایدها، و كذلك الإنسان حیوان متساوی الآحاد بالحدّ و الحقیقة، لكن بواسطة الالطاف الإلهیّة تختلف آثارهم، فصار أحدهم عالما محقّقا، و الآخر عابدا ورعا، و الآخر صانعا حاذقا. فالعالم ینفع الناس بعلمه، و العابد ببركته، و الصانع بصنعته؛ فذكرت فی هذا الكتاب ما كان من البلاد مخصوصا بعجیب صنع اللّه تعالی، و من كان من العباد مخصوصا بمزید لطفه و عنایته، فإنّه جلیس أنیس یحدثك بعجیب صنع اللّه تعالی، و یعرّفك أحوال الأمم الماضیة، و ما كانوا علیه من مكارم الأخلاق و مآثر الآداب، و یفصح بأحوال البلاد كأنّك تشاهدها، و یعرب عن أخبار الكرام كأنّك تجالسهم:
جلیس أنیس یأمن الناس شرّه‌و یذكر أنواع المكارم و النّهی
و یأمر بالإحسان و البرّ و التّقی‌و ینهی عن الطّغیان و الشرّ و الأذی
و من انتفع بكتابی هذا و ذكرنی بالخیر، جعله اللّه من الأبرار و رفع درجاته فی عقبی الدار. و أسأل اللّه تعالی العفو عمّا طغی به القلم أو همّ أوسها بذلك أو لمّ، إنّه علی كلّ شی‌ء قدیر و بالإجابة جدیر. و لنقدّم علی المقصود مقدّمات لابدّ منها، لحصول تمام الغرض، و اللّه الموفق للصواب و إلیه المرجع و المآب.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 7

المقدمة الاولی فی الحاجة الداعیة إلی إحداث المدن و القری‌

اعلم أن اللّه تعالی خلق الإنسان علی وجه لا یمكنه أن یعیش وحده كسایر الحیوانات، بل یضطرّ إلی الاجتماع بغیره حتی یحصل الهیئة الاجتماعیّة التی یتوقف علیها المطعم و الملبس، فإنّهما موقوفان علی مقدّمات كثیرة لا یمكن لكلّ واحد القیام بجمیعها وحده. فإن الشخص الواحد كیف یتولّی الحراثة فإنّها موقوفة علی آلاتها، و آلاتها تحتاج إلی النجّار، و النجّار یحتاج إلی الحداد، و كیف یقوم بأمر الملبوس و هو موقوف علی الحراثة و الحلج و الندف و الغزل و النسج، و تهیئة آلاتها، فاقتضت الحكمة الإلهیّة الهیئة الاجتماعیّة، و ألهم كلّ واحد منهم القیام بأمر من تلك المقدّمات، حتی ینتفع بعضهم ببعض، فتری الخبّاز یخبز الخبز، و العجّان یعجنه، و الطحّان یطحنه، و الحرّاث یحرثه، و النجّار یصلح آلات الحرّاث، و الحدّاد یصلح آلات النجّار، و هكذا الصناعات بعضها موقوفة علی البعض.
و عند حصول كلّها یتمّ الهیئة الاجتماعیّة، و متی فقد شی‌ء من ذلك فقد اختلّت الهیئة الاجتماعیّة، كالبدن إذا فقد بعض أعضائه فیتوقف نظام معیشة الإنسان.
ثمّ عند حصول الهیئة الاجتماعیّة لو اجتمعوا فی صحراء لتأذّوا بالحرّ و البرد و المطر و الریح، ولو تستروا بالخیام و الخرقاهات لم یأمنوا مكر اللصوص و العدوّ، ولو اقتصروا علی الحیطان و الأبواب كما تری فی القری التی لا سور لها، لم یأمنوا صولة ذی البأس، فألهمهم اللّه تعالی اتّخاذ السور و الخندق و الفصیل،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 8
فحدثت المدن و الأمصار و القری و الدیار. ثمّ إن الملوك الماضیة لمّا أرادوا بناء المدن، أخذوا آراء الحكماء فی ذلك، فالحكماء اختاروا أفضل ناحیة فی البلاد، و أفضل مكان فی الناحیة، و أعلی منزل فی المكان من السواحل و الجبال و مهبّ الشمال، لأنّها تفید صحّة أبدان أهلها و حسن أمزجتها، و احترزوا من الآجام و الجزائر و أعماق الأرض، فإنّها تورث كربا و هرما.
و اتّخذوا للمدن سورا حصینا مانعا، و للسور أبوابا عدّة حتی لا یتزاحم الناس بالدخول و الخروج، بل یدخل و یخرج من أقرب باب إلیه. و اتّخذوا لها قهندزا لمكان ملك المدینة و النادی لاجتماع الناس فیه، و فی البلاد الإسلامیة المساجد و الجوامع و الأسواق و الخانات و الحمّامات، و مراكض الخیل، و معاطن الإبل، و مرابض الغنم، و تركوا بقیّة مساكنها لدور السكان، فأكثر ما بناها الملوك العظماء علی هذه الهیئة، فتری أهلها موصوفین بالأمزجة الصحیحة و الصور الحسنة و الأخلاق الطیّبة، و أصحاب الآراء الصالحة و العقول الوافرة، و اعتبر ذلك بمن مسكنه لا یكون كذلك مثل الدیالم و الجیل و الأكراد، و التركمان و سكان البحر فی تشویش طباعهم وركاكة عقولهم و اختلاف صورهم.
ثمّ اختصّت كلّ مدینة لاختلاف تربتها و هوائها بخاصیّة عجیبة، و أوجد الحكماء فیها طلسمات غریبة، و نشأ بها صنف من المعادن و النبات و الحیوان لم یوجد فی غیرها، و أحدث بها أهلها عمارات عجیبة، و نشأ بها أناس فاقوا أمثالهم فی العلوم و الأخلاق و الصناعات، فلنذكر ما وصل إلینا من خاصیّة بقعة بقعة، إن شاء اللّه تعالی.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 9

المقدمة الثانیة فی خواصّ البلاد

اشارة

و فیها فصلان:

الفصل الأوّل فی تأثیر البلاد فی سكّانها؛ قالت الحكماء:

إن الأرض شرق و غرب و جنوب و شمال، فما تناهی فی التشریق و تحجّ منه نور المطلع فهو مكروه لفرط حرارته و شدّة إحراقه، فإن الحیوان یحترق بها، و النبات لا ینبت، و ما تناهی فی التغریب أیضا مكروه لموازاته التشریق فی المعنی الذی ذكرناه، و ما تناهی فی الشمال أیضا مكروه لما فیه من البرد الشدید الذی لا یعیش الحیوان معه، و ما تناهی فی الجنوب أیضا كذلك لفرط الحرارة، فإنّها أرض محترقة لدوام مسامتة الشمس إیّاها. فالذی یصلح للسكنی من الأرض قدر یسیر هو أوساط الإقلیم الثالث و الرابع و الخامس، و ما سوی ذلك فأهلها معذّبون، و العذاب عادة لهم، و قالوا أیضا: المساكن الحارّة موسّعة للمسام، مرخیة للقوی، مضعفة للحرارة العزیزیّة، محلّلة للروح، فتكون أبدان سكّانها متخلخلة ضعیفة، و قلوبهم خائفة، و قواهم ضعیفة لضعف هضمهم.
و أمّا المساكن الباردة فإنّها مصلبّة للبدن مسددة للمسام مقویة للحرارة العزیزیّة، فتكون أبدان سكّانها صلبة، و فیهم الشجاعة و جودة القوی و الهضم الجیّد. فإن استیلاء البرد علی ظاهر أبدانهم یوجب احتقان الحرارة العزیزیّة فی باطنهم.
و أمّا المساكن الرطبة فلا یسخّن هواؤهم شدیدا و لا یبرد شتاؤهم قویّا، و سكّانها موصوفون بالسحنة الجیّدة، و لین الجلود و سرعة قبول الكیفیّات و الاسترخاء فی الریاضات و كلال القوی.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 10
و أمّا المساكن الیابسة فتسدّد المسام و تورث القشف و النحول و یكون صیفها حارّا و شتاؤها باردا، و أدمغة أهلها یابسة لكن قواهم حادّة.
و أمّا المساكن الحجریّة فهواؤها فی الصیف حارّ و فی الشتاء بارد، و أبدان أهلها صلبة، و عندهم سوء الخلق و التكبّر و الاستبداد فی الأمور، و الشجاعة فی الحروب.
و أمّا المساكن الآجامیّة و البحریّة فهی فی حكم المساكن الرطبة و أنزل حالا و قد جری ذكر المساكن الرطبة.

الفصل الثانی: فی تأثیر البلاد فی المعادن و النبات و الحیوان.

أمّا المعادن فالذهب لا یتكوّن إلّا فی البراری الرملة و الجبال الرخوة، و الفضّة و النحاس والرصاص و الحدید لا یتكوّن إلّا فی الأحجار المختلطة بالتراب اللین، و الكبریت لا یتكوّن إلّا فی الأراضی الناریّة، و الزیبق لا یتكوّن إلّا فی الأراضی المائیة، و الأملاح لا تنعقد إلّا فی الأراضی السبخة، و الشبوب و الزاجات لا تتكوّن إلّا فی التراب العفص، و القار و النفط لا یتكوّن إلّا فی الأراضی الدهنة، أمّا تولّد الأحجار التی لها خواص فلا یعلم معادنها و سببها إلّا اللّه تعالی.
و أمّا النبات فإنّ النخل و الموز لا ینبتان إلّا بالبلاد الحارّة، و كذلك الأترج و النارنج و الرمان و اللیمون، و أمّا الجوز و اللوز و الفستق فلا ینبت إلّا بالبلاد الباردة، و القصب علی شطوط الأنهار، و كذا الدلب و المغیلان بالأراضی الصلبة و البراری القفار، و القرنفل لا ینبت إلّا بجزیرة بأرض الهند، و النارجیل و الفلفل و الزنجبیل لا ینبت إلّا بالهند، و كذلك الساج و الآبنوس و الورس لا ینبت إلّا بالیمن، و الزعفران بأرض الجبال بروذراورد، و قصب الذریرة بأرض نهاوند، و الترنجبین یقع علی شوك بخراسان.
و أمّا الحیوان فإنّ الفیل لا یتولّد إلّا فی جزائر البحار الجنوبیّة، و عمرها بأرض الهند أطول من عمرها بغیر أرض الهند، و أنیابها لا تعظم مثل ما تعظم بأرضها، و الزرافة لا تتولّد إلّا بأرض الحبشة، و الجاموس لا یتولّد إلّا بالبلاد
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 11
الحارّة قرب المیاه، و لا یعیش بالبلاد الباردة، و عیر العانة لیس له سفاد فی غیر بلاده كما یكون ذلك فی بلاده، و یحتاج أن یؤخذ من حافره و لا كذلك فی بلاده، و السنجاب و السمور و غزال المسك لا یتولّد إلّا فی البلاد الشرقیّة الشمالیّة، و الصقر و البازی و العقاب لا یتفرّخ إلّا علی رؤوس الجبال الشامخة، و النعامة و القطا لا یفرّخان إلّا فی الفلوات، و البطوط و طیور الماء لا تفرّخ إلّا فی شطوط الأنهار و البطائح و الآجام، و الفواخت و العصافیر لا تفرّخ إلّا فی العمارات، و البلابل و القنابر لا تفرّخ إلّا فی البساتین، و الحجل لا یفرّخ إلّا فی الجبال، هذا هو الغالب فإن وقع شی‌ء علی خلاف ذلك فهو نادر. و اللّه الموفق للصواب.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 12

المقدمة الثالثة فی أقالیم الأرض‌

قال أبو الریحان الخوارزمی: إذا فرضنا أن دائرة معدل النهار تقطع كرة الأرض بنصفین: یسمّی أحد النصفین جنوبا، و الآخر شمالا. و إذا فرضنا دائرة تعبر عن قطبی معدّل النهار و تقطع الأرض، صارت كرة الأرض أربعة أرباع: ربعان جنوبیّان، و ربعان شمالیّان، فالربع الشمالی المكشوف یسمّی ربعا مسكونا، و الربع المسكون مشتمل علی البحار و الجزائر و الأنهار و الجبال و المفاوز و البلدان و القری، علی أن ما بقی منها تحت قطب الشمال قطعة غیر مسكونة من افراط البرد و تراكم الثلوج، و هذا الربع المسكون قسموه سبعة أقسام، كلّ قسم یسمّی إقلیما، كأنّه بساط مفروش من الشرق إلی الغرب طولا، و من الجنوب إلی الشمال عرضا، و إنّها مختلفة الطول و العرض، فأطولها و أعرضها الإقلیم الأوّل، فإن طوله من المشرق إلی المغرب نحو من ثلاثة آلاف فرسخ، و عرضه من الجنوب إلی الشمال نحو من مائة و خمسین فرسخا، و أقصرها طولا و عرضا الإقلیم السابع، فإن طوله من المشرق إلی المغرب نحو من ألف و خمسمائة فرسخ، و عرضه من الجنوب إلی الشمال نحو من خمسین فرسخا.
و أمّا سائر الأقالیم فمختلف طولها و عرضها، و علی الصفحة المقابلة صورة كرة الأرض بأقالیمها.
و هذه القسمة لیست قسمة طبیعیّة، لكنّها خطوط وهمیّة وضعها الأوّلون الذین طافوا بالربع المسكون من الأرض، لیعلموا بها حدود الممالك و المسالك، مثل افریدون النّبطی و اسكندر الرومی و اردشیر الفارسی، و إذا جاوزوا الأقالیم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 13
السبعة فمنعهم من سلوكها البحار الزاخرة و الجبال الشامخة، و الأهویة المفرطة التغیّر فی الحرّ و البرد، و الظلمة فی ناحیة الشمال تحت مدار بنات النعش، فإن البرد هناك مفرط جدّا، لأنّ ستّة أشهر هناك شتاء و لیل، فیظلم الهواء ظلمة شدیدة و یجمد الماء لشدّة البرد، فلا حیوان هناك و لا نبات. و فی مقابلتها من ناحیة الجنوب تحت مدار سهیل یكون ستّة أشهر صیفا نهارا كلّه، فیحمی الهواء و یصیر نارا سموما یحرق كلّ شی‌ء، فلا نبات و لا حیوان هناك.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 14
و أمّا جانب المغرب فیمنع البحر المحیط السلوك فیه لتلاطم الأمواج. و أمّا جانب المشرق فیمنع البحر و الجبال الشامخة، فإذا تأمّلت وجدت الناس محصورین فی الأقالیم السبعة، و لیس لهم علم بحال بقیة الأرض. فلنذكر ما وصل إلینا بقعة بقعة فی إقلیم إقلیم، مرتبة علی حروف المعجم، و اللّه الموفق للسداد و الهادی إلی سواء الصراط.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 15

الاقلیم الاول‌

اشارة

فجنوبیّه ما یلی بلاد الزنج و النوبة و الحبشة، و شمالیّه الإقلیم الثانی، و أوله حیث یكون الظلّ نصف النهار إذا استوی اللیل و النهار قدما واحدة و نصفا و عشرا و سدس عشر قدم، و آخره حیث یكون ظلّ الاستواء فیه نصف النهار قدمین و ثلاثة أخماس قدم. و قد یبتدی‌ء من أقصی المشرق من بلاد الصین، و یمرّ علی ما یلی الجنوب من الصین جزیرة سرندیب، و علی سواحل البحر فی جنوب الهند، و یقطع البحر إلی جزیرة العرب و یقطع بحر قلزم إلی بلاد الحبشة، و یقطع نیل مصر و أرض الیمن إلی بحر المغرب؛ فوقع فی وسطه من أرض صنعاء و حضرموت، و وقع طرفه الذی یلی الجنوب أرض عدن، و وقع فی طرفه الذی یلی الشمال بتهامة قریبا من مكّة.
و یكون أطول نهار هؤلاء اثنتی عشرة ساعة و نصف الساعة فی ابتدائه، و فی وسطه ثلاث عشرة ساعة، و فی آخره ثلاث عشرة ساعة و ربع الساعة. و طوله من المشرق إلی المغرب تسعة آلاف میل و سبعمائة و اثنان و سبعون میلا و إحدی و أربعون دقیقة، و عرضه أربعمائة میل و اثنان و أربعون میلا و اثنتان و عشرون دقیقة و أربعون ثانیة، و مساحته مكسرا أربعة آلاف ألف و ثلاثمائة ألف و عشرون ألف میل و ثمانمائة و سبعة و سبعون میلا و إحدی و عشرون دقیقة، و لنذكر بعض بلادها مرتبا علی حروف المعجم.

إرم ذات العماد

بین صنعاء و حضرموت، من بناء شدّاد بن عاد، روی أن شداد بن عاد كان جبّارا من الجبابرة، لما سمع بالجنّة و ما وعد اللّه فیها أولیاءه من قصور
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 16
الذهب و الفضّة و المساكن التی تجری من تحتها الأنهار، و الغرف التی فوقها غرف، قال: إنی متّخذ فی الأرض مدینة علی صفة الجنّة، فوكل بذلك مائة رجل من و كلائه، تحت ید كلّ وكیل ألف من الأعوان، و أمرهم أن یطلبوا أفضل فلاة من أرض الیمن، و یختاروا أطیبها تربة. و مكّنهم من الأموال و مثّل لهم كیفیّة بنائها، و كتب إلی عمّاله فی سائر البلدان أن یجمعوا جمیع ما فی بلادهم من الذهب و الفضّة و الجواهر؛ فجمعوا منها صبرا مثل الجبال، فأمر باتّخاذ اللبن من الذهب و الفضّة، و بنی المدینة بها، و أمر أن یفضّض حیطانها بجواهر الدرّ و الیاقوت و الزبرجد، و جعل فیها غرفا فوقها غرف، أساطینها من الزبرجد و الجزع و الیاقوت. ثمّ أجری إلیها نهرا ساقه إلیها من أربعین فرسخا تحت الأرض فظهر فی المدینة، فأجری من ذلك النهر سواقی فی السكك و الشوارع، و أمر بحافتی النهر و السواقی فطلیت بالذهب الأحمر، و جعل حصاه أنواع الجواهر الأحمر و الأصفر و الأخضر، و نصب علی حافتی النهر و السواقی أشجارا من الذهب، و جعل ثمارها من الجواهر و الیواقیت.
و جعل طول المدینة اثنی عشر فرسخا و عرضها مثل ذلك، و صیّر سورها عالیا مشرفا، و بنی فیها ثلاثمائة ألف قصر، مفضّضا بواطنها و ظواهرها بأصناف الجواهر. ثمّ بنی لنفسه علی شاطی‌ء ذلك النهر قصرا منیفا عالیا، یشرف علی تلك القصور كلّها، و جعل بابه یشرع إلی واد رحیب، و نصب علیه مصراعین من ذهب مفضّض بأنواع الیواقیت.
و جعل ارتفاع البیوت و السور ثلاثمائة ذراع. و جعل تراب المدینة من المسك و الزعفران.
و جعل خارج المدینة مائة ألف منظرة أیضا من الذهب و الفضّة لینزلها جنوده.
و مكث فی بنائها خمسمائة عام، فبعث اللّه تعالی إلیه هودا النبی، علیه السلام، فدعاه إلی اللّه تعالی، فتمادی فی الكفر و الطغیان. و كان إذ ذاك تمّ ملكه سبعمائة سنة، فأنذره هود بعذاب اللّه تعالی و خوّفه بزوال ملكه، فلم یرتدع عمّا كان
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 17
علیه. و عند ذلك وافاه الموكلون ببناء المدینة و أخبروه بالفراغ منها، فعزم علی الخروج إلیها فی جنوده، و خرج فی ثلاثمائة ألف رجل من أهل بیته، و خلّف علی ملكه مرثد بن شدّاد ابنه، و كان مرثد، فیما یقال، مؤمنا یهود، علیه السلام. فلمّا انتهی شدّاد إلی قرب المدینة بمرحلة جاءت صیحة من السماء، فمات هو و أصحابه و جمیع من كان فی أمر المدینة من القهارمة و الصنّاع و الفعلة، و بقیت لا أنیس بها فأخفاها اللّه، لم یدخلها بعد ذلك إلّا رجل واحد فی أیّام معاویة یقال له عبد اللّه بن قلابة، فإنّه ذكر فی قصة طویلة ملخّصها أنّه خرج من صنعاء فی طلب إبل ضلّت، فأفضی به السیر إلی مدینة، صفتها ما ذكرنا، فأخذ منها شیئا من المسك و الكافور و شیئا من الیاقوت، و قصد الشام و أخبر معاویة بالمدینة، و عرض علیه ما أخذه من الجواهر، و كانت قد تغیّرت بطول الزمان. فأحضر معاویة كعب الأحبار و سأله عن ذلك فقال: هذا إرم ذات العماد التی ذكرها اللّه تعالی فی كتابه، بناها شداد بن عاد، لا سبیل إلی دخولها و لا یدخلها إلّا رجل واحد صفته كذا و كذا. و كانت تلك الصفة صفة عبد اللّه ابن قلابة؛ فقال له معاویة: أمّا أنت یا عبد اللّه فأحسنت النصح، و لكن لا سبیل لها. و أمر له بجائزة.
و حكی أنّهم عرفوا قبر شدّاد بن عاد بحضرموت، و ذلك أنّهم وقعوا فی حفیرة، و هی بیت فی جبل منقورة مائة ذراع فی أربعین ذراعا، و فی صدره سریر عظیم من ذهب، علیه رجل عظیم الجسم، و عند رأسه لوح فیه مكتوب:
اعتبر یا أیّها المغرور بالعمر المدیدأنا شدّاد بن عاد صاحب القصر المشید
و أخو القوّة و البأساء و الملك الحسیددان أهل الأرض طرّا لی من خوف و عیدی
فأتی هود و كنّا فی ضلال قبل هود آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 18 فدعانا لو قبلناه إلی الأمر الرّشیدفعصیناه و نادینا: ألا هل من محید؟
فأتتنا صیحة تهوی من الأفق البعید فشوینا مثل زرع وسط بیداء حصید و اللّه الموفّق للصواب.

البجّة

بلاد متّصلة بأعلی عیذاب فی غرب منه، أهلها صنف من الحبش، بها معادن الزمرذ. یحمل منها إلی سائر الدنیا، و معادنه فی جبال هناك، و زمرذها أحسن أصناف الزمرذ الأخضر السّلقی الكثیر المائیة، یسقی المسموم منه فیبرأ، و إذا نظرت الأفعی إلیه سالت حدقتها.

بكیل‌

مخلاف بالیمن؛ قال عمارة فی تاریخه: بهذا المخلاف نوع من الشجر لأقوام معیّنین فی أرض لهم، و هم یشحّون به و یحفظونه من غیرهم مثل شجر البلسان بأرض مصر؛ و لیس ذلك الشجر إلّا لهم یأخذون منه سمّا یقتل به الملوك، و ذكر أن ملوك بنی نجاح و وزراءهم أكثرهم قتلوا بهذا السمّ.

بلاد التّبر

هی بلاد السودان فی جنوب المغرب؛ قال ابن الفقیه: هذه البلاد حرّها شدید جدّا. أهلها بالنهار یكونون فی السرادیب تحت الأرض، و الذهب ینبت فی رمل هذه البلاد كما ینبت الجزر بأرضنا، و أهلها یخرجون عند بزوغ الشمس و یقطفون الذهب، و طعامهم الذّرة و اللوبیا، و لباسهم جلود الحیوانات،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 19
و أكثر ملبوسهم جلد النمر، و النمر عندهم كثیر.
و من سجلماسة إلی هذه البلاد ثلاثة أشهر، و التجار من سجلماسة یمشون إلیها بتعب شدید، و بضایعهم الملح و خشب الصنوبر و خشب الأرز، و خرز الزجاج و الاسورة و الخواتیم منه، و الحلق النحاسیّة.
و عبورهم علی براری معطشة، فیها سمایم بماء فاسد لا یشبه الماء إلّا فی المیعان، و السمایم تنشف المیاه فی الأسقیة، فلا یبقی الماء معهم إلّا أیّاما قلائل.
فیحتالون بأن یستصحبوا معهم جمالا فارغة من الأحمال، و یعطشونها قبل ورودهم الماء الذی یدخلون منه فی تلك البراری، ثمّ أوردوها علی الماء نهلا و عللا حتی تمتلی أجوافها، و یشدون أفواهها كی لا تجتر فتبقی الرطوبة فی أجوافها، فإذا نشف ما فی أسقیتهم و احتاجوا إلی الماء، نحروا جملا جملا و ترمّقوا بما فی بطونها، و أسرعوا بالسیر حتی یردوا میاها أخری، و حملوا منها فی أسقیتهم.
و هكذا ساروا بعناء شدید حتی قدموا الموضع الذی یحجز بینهم و بین أصحاب التبر، فعند ذلك ضربوا طبولا لیعلم القوم وصول القفل. یقال: انّهم فی مكان و أسراب من الحرّ و عراة كالبهائم لا یعرفون الستر. و قیل: یلبسون شیئا من جلود الحیوان، فإذا علم التجار أنّهم سمعوا صوت الطبل أخرجوا ما معهم من البضائع المذكورة، فوضع كلّ تاجر بضاعته فی جهة منفردة عن الأخری و ذهبوا و عادوا مرحلة فیأتی السودان بالتبر، و وضعوا بجنب كلّ متاع شیئا من التبر و انصرفوا. ثمّ یأتی التجار بعدهم فیأخذ كلّ واحد ما وجد بجنب بضاعته من التبر و یترك البضاعة، و ضربوا بالطبول و انصرفوا، و لا یذكر أحد من هؤلاء التجّار أنّه رأی أحدا منهم.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 20

بلاد الحبشة

هی أرض واسعة شمالها الخلیج البربری، و جنوبها البرّ. و شرقها الزنج، و غربها البجة. الحرّ بها شدید جدّا، و سواد لونهم لشدّة الاحتراق، و أكثر أهلها نصاری یعاقبة، و المسلمون بها قلیل. و هم من أكثر الناس عددا و أطولهم أرضا، لكن بلادهم قلیلة و أكثر أرضهم صحاری لعدم الماء و قلّة الأمطار، و طعامهم الحنطة و الدخن، و عندهم الموز و العنب و الرمان، و لباسهم الجلود و القطن.
و من الحیوانات العجیبة عندهم: الفیل و الزرافة. و مركوبهم البقر، یركبونها بالسرج و اللجام مقام الخیل، و عندهم من الفیلة الوحشیّة كثیر و هم یصطادونها.
فأمّا الزرافة فإنّها تتولّد عندهم من الناقة الحبشیّة و الضبعان و بقر الوحش، یقال لها بالفارسیّة «اشتركاوپلنك» رأسها كرأس الإبل، و قرنها كقرن البقر، و أسنانها كأسنانه، و جلدها كجلد النمر، و قوائمها كقوائم البعیر، و أظلافها كأظلاف البقر، و ذنبها كذنب الظباء، و رقبتها طویلة جدّا، و یداها طویلتان و رجلاها قصیرتان.
و حكی طیماث الحكیم أنّه بجانب الجنوب، قرب خطّ الاستواء فی الصیف، تجتمع حیوانات مختلفة الأنواع علی مصانع الماء من شدّة العطش و الحرّ، فیسفد نوع غیر نوعه فتولد حیوانات غریبة مثل الزرافة، فإنّها من الناقة الحبشیّة و البقرة الوحشیّة و الضبعان، و ذلك أن الضبعان یسفد الناقة الحبشیّة فتأتی بولد عجیب من الضبعان و الناقة، فإن كان ذلك الولد ذكرا و یسفد البقرة الوحشیّة أتت بالزرافة.
و لهم ملك مطاع یقال له أبرهة بن الصبّاح. و لمّا مات ذو یزن، و هو آخر الأذواء من ملوك الیمن، استولی الحبشة علی الیمن، و كان علیها أبرهة من قبل النجاشی، فلمّا دنا موسم الحجّ رأی الناس یجهزّون للحجّ، فسأل عن ذلك، فقالوا: هؤلاء یحجّون بیت اللّه بمكّة. قال: فما هو؟ قالوا: بیت من حجارة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 21
قال: لأبنینّ لكم بیتا خیرا منه! فبنی بیتا من الرخام الأبیض و الأحمر و الأصفر و الأسود، و حلّاه بالذهب و الفضّة و رصّعه بالجواهر، و جعل أبوابه من صفائح من ذهب، و جعل للبیت سدنة و دخنه بالمندلیّ، و أمر الناس بحجّه و سمّاه القلیّس، و كتب إلی النجاشی: إنی بنیت لك كنیسة ما لأحد من الملوك مثلها! أرید أصرف إلیه حجّ العرب. فسمع بذلك رجل من بنی مالك بن كنانة، انتهز الفرصة حتی وجدها خالیة، فقعد فیها و لطخها بالنجاسة.
فلّا عرف ابرهة ذلك اغتاظ و آلی أن یمشی إلی مكّة، و یخرّب الكعبة غیظا علی العرب. فجمع عساكره من الحبشة و معه اثنا عشر فیلا، فلمّا دنا من مكّة أمر أصحابه بالتأهّب و الغارة، فأصابوا مائتی إبل لعبد المطّلب، جدّ رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم. و بعث أبرهة رسولا إلی مكّة یقول:
إنی ما جئت لقتالكم إلّا أن تقاتلونی! و إنّما جئت لخراب هذا البیت و الانصراف عنكم! فقال عبد المطّلب، و هو رئیس مكّة إذ ذاك: ما لنا قوّة قتالك و للبیت ربّ یحفظه، هو بیت اللّه و مبنی خلیله! فذهب عبد المطّلب إلیه، فقیل له:
إنّه صاحب عیر مكّة و سیّد قریش، فأدخله، و كان عبد المطّلب رجلا وسیما جسیما، فلمّا رآه أكرمه فقال له الترجمان: الملك یقول ما حاجتك؟ فقال:
حاجتی مائتا بعیر أصابها. فقال ابرهة للترجمان: قد كنت أعجبتنی حین رأیتك، و قد زهدت فیك لأنی جئت لهدم بیت هو دینك و دین آبائك! جئت ما تكلّمت فیه و تكلّمت فی الإبل! فقال عبد المطّلب: أنا ربّ هذه العیر، و للبیت ربّ سیمنعه! فردّ إلیه إبله، فعاد عبد المطّلب و أخبر القوم بالحال، فهربوا و تفرّقوا فی شعاب الجبال خوفا فأتی عبد المطّلب الكعبة و أخذ بحلقة الباب و قال:
جرّوا جمیع بلادهم‌و الفیل كی یسبوا عیالك!
عمدوا حماك بجهلهم‌كیدا و ما رقبوا حلالك
لاهمّ إنّ المرء یمنع حلّه فامنع حلالك
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 22 لا یغلبنّ صلیبهم‌و محالهم أبدا محالك
إن كنت تاركهم و كعبتنا فأمر ما بدا لك!
و ترك عبد المطّلب الحلقة و توجّه مع قومه فی بعض الوجوه، فالحبش قاموا بفیلهم قاصدین مكّة، فبعث اللّه من جانب البحر طیرا أبابیل مثل الخطّاف، مع كلّ طائر ثلاثة أحجار: حجران فی رجلیه، و حجر فی منقاره علی شكل الحمّص. فلمّا غشین القوم أرسلنها علیهم فلم تصب أحدا إلّا هلك، فذلك قوله تعالی: و أرسل علیهم طیرا أبابیل، ترمیهم بحجارة من سجّیل، فجعلهم كعصف مأكول.
و منها النجاشی الذی كان فی عهد رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، و اسمه أصحمة، كان ولیّا من أولیاء اللّه یبعث إلی رسول اللّه الهدایا، و النبی، صلّی اللّه علیه و سلّم، یقبلها. و فی یوم مات أخبر جبرائیل، علیه السلام، رسول اللّه بذلك مع بعد المسافة، و كان ذلك معجزة لرسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، فی یوم موته، صلّی علیه الصلاة مع أصحابه و هو ببلاد الحبشة.

بلاد الزّنج‌

مسیرة شهرین، شمالها الیمن و جنوبها الفیافی، و شرقها النوبة و غربها الحبشة، و جمیع السودان من ولد كوش بن كنعان بن حام، و بلاد الزنج شدیدة الحرّ جدّا، و حلكة سوادهم لاحتراقهم بالشمس. و قیل: إن نوحا، علیه السلام، دعا علی ابنه حام فاسودّ لونه، و بلادهم قلیلة المیاه قلیلة الأشجار، سقوف بیوتهم من عظام الحوت.
زعم الحكماء أنّهم شرار الناس و لهذا یقال لهم سباع الإنس. قال جالینوس:
الزنج خصّصوا بأمور عشرة: سواد اللون و فلفلة الشعر و فطس الأنف و غلظ الشفة و تشقق الید و الكعب، و نتن الرائحة و كثرة الطرب و قلّة العقل و أكل
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 23
بعضهم بعضا، فإنّهم فی حروبهم یأكلون لحم العدو، و من ظفر بعدوّ له أكله.
و أكثرهم عراة لا لباس لهم، و لا یری زنجیّ مغموما، الغمّ لا یدور حولهم و الطرب یشملهم كلّهم؛ قال بعض الحكماء: سبب ذلك اعتدال دم القلب، و قال آخرون: بل سببه طلوع كوكب سهیل علیهم كلّ لیلة فإنّه یوجب الفرح.
و عجائب بلادهم كثیرة منها كثرة الذهب، و من دخل بلادهم یحبّ القتال، و هواؤهم فی غایة الیبوسة، لا یسلم أحد من الجرب حتی یفارق تلك البلاد.
و الزنوج إذا دخلوا بلادنا و آنقهم هذه البلاد استقامت أمزجتهم و سمنوا.
و لهم ملك اسمه اوقلیم، یملك سائر بلاد الزنج فی ثلاثمائة ألف رجل. و دوابهم البقر یحاربون علیها بالسرج و اللجم، تمشی مشی الدواب، و لا خیل لهم و لا بغال و لا إبل، و لیس لهم شریعة یراجعونها، بل رسوم رسمها ملوكهم و سیاسات.
و فی بلادهم الزرافة و الفیل كثیرة و حشیّة فی الصحاری یصطادها الزنوج.
و لهم عادات عجیبة، منها أنّ ملوكهم إذا جاروا قتلوهم و حرموا عقبة الملك، و یقولون: الملك إذا جار لا یصلح أن یكون نائب ملك السموات و الأرض.
و منها أكل العدوّ إذا ظفر به. و قیل: إن عادة بعضهم لیس عادة الكلّ. و منها اتّخاذ نبیذ من شربها طمس عقله؛ قیل: إنّها مأخوذة من النارجیل یسقون منها من أرادوا الكید به. و منها التحلّی بالحدید مع كثرة الذهب عندهم، یتّخذون الحلیّ من الحدید كما یتّخذ غیرهم من الذهب و الفضّة، یزعمون أن الحدید ینفرّ الشیطان و یشجّع لابسه. و منها قتالهم علی البقر و انّها تمشی كالخیل، قال المسعودی: رأیت من هذا البقر و انّها حمر العیون یبرك كالإبل بالحمل و یثور بحمله. و منها اصطیادهم الفیل و تجاراتهم علی عظامها، و ذلك لأن الفیل الوحشیّة ببلاد الزنج كثیرة، و المستأنسة أیضا كذلك، و الزنج لا یستعملونها فی الحرب و لا فی العمل، بل ینتفعون بعظامها و جلودها و لحومها، و ذاك أن
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 24
عندهم ورقا یطرحونها فی الماء، فإذا شرب الفیل من ذلك الماء أسكره فلا یقدر علی المشی، فیخرجون إلیه و یقتلونه، و عظام الفیل و أنیابها تجلب من أرض الزنج، و أكثر أنیابه خمسون منّا إلی مائة منّ، و ربّما یصل إلی ثلاثمائة منّ.

بلاد السودان‌

هی بلاد كثیرة و أرض واسعة، ینتهی شمالها إلی أرض البربر، و جنوبها إلی البراری، و شرقها إلی الحبشة، و غربها إلی البحر المحیط. أرضها محترقة لتأثیر الشمس فیها، و الحرارة بها شدیدة جدّا لأنّ الشمس لا تزال مسامتة لرؤوسهم، و أهلها عراة لا یلبسون من شدّة الحرّ، منهم مسلمون و منهم كفّار.
أرضهم منبت الذهب، و بها حیوانات عجیبة: كالفیل و الكركدن و الزرافة.
و بها أشجار عظیمة لا توجد فی غیرها من البلاد.
و حدّثنی الفقیه علی الجنحانی المغربی أنّه شاهد تلك البلاد، ذكر أنّ أهلها اتّخذوا بیوتهم علی الأشجار العظیمة من الأرضة، و ان الأرضة بها كثیرة جدّا، و لا یتركون شیئا من الأثاث و الطعام علی وجه الأرض إلّا و أفسده الارضة، فجمیع قماشهم و طعامهم فی البیوت التی اتّخذوها علی أعالی الأشجار. و ذكر، رحمه اللّه، انّه أوّل ما نزل بها نام فی طرف منها فما استیقظ إلّا و الارضة قرضت من ثیابه ما كان یلاقی وجه الأرض.

بلاد النّوبة

أرض واسعة فی جنوبی مصر و شرقی النیل و غربیّه. هی بلاد واسعة، و أهلها أمّة عظیمة نصاری بعامتهم، و لهم ملك اسمه كابیل یزعمون أنّه من نسل حمیر؛ قال، صلّی اللّه علیه و سلّم: خیر سبیكم النوبة. و قال أیضا:
من لم یكن له أخ فلیتّخذ أخا نوبیّا.
و من عاداتهم تعظیم الملك الذی اسمه كابیل، و هو یوهم أنّه لا یأكل،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 25
و یدخلون الطعام علیه سرّا، فإن عرف ذلك أحد من الرعیّة قتلوه لوقته، و یشرب شرابا من الذّرة مقوّی بالعسل، و لبسه الثیاب الرفیعة من الصوف و الخزّ و الدیباج، و حكمه نافذ فی رعیته، و یده مطلقة یسترق من شاء و یتصرّف فی أموالهم، و هم یعتقدون أنّه یحیی و یمیت و یصحّ و یمرض.
و جری ذكر ملك النوبة فی مجلس المهدی أمیر المؤمنین، فقال بعض الحاضرین إن له مع محمّد بن مروان قصّة عجیبة، فأمر المهدی بإحضار محمّد بن مروان، و سأله عمّا جری بینه و بین ملك النوبة، فقال: لمّا التقینا أبا مسلم بمصر و انهزمنا و تشتّت جمعنا، وقعت أنا بأرض النوبة، فأحببت أن یمكننی ملكهم من المقام عنده زمانا، فجاءنی زائرا، و هو رجل طویل أسود اللون، فخرجت إلیه من قبّتی و سألته أن یدخلها، فأبی أن یجلس إلّا خارج القبّة علی التراب.
فسألته عن ذلك فقال: إن اللّه تعالی أعطانی الملك فحقّ علیّ أن أقابله بالتواضع.
ثمّ قال لی: ما بالكم تشربون النبیذ و انّها محرّمة فی ملّتكم؟ قلت: نحن ما نفعل ذلك و إنّما یفعله بعض فساق أهل ملّتنا! فقال: كیف لبست الدیباج و لبسه حرام فی ملّتكم؟ قلت: إن الملوك الذین كانوا قبلنا، و هم الأكاسرة، كانوا یلبسون الدیباج، فتشبّهنا بهم لئلا تنقص هیبتنا فی غیر الرعایا. فقال: كیف تستحلّون أخذ أموال الرعایا من غیر استحقاق؟ قلت: هذا شی‌ء لا نفعله نحن و لا نرضی به، و إنّما یفعله بعض عمّالنا السوء! فأطرق و جعل یردّد مع نفسه: یفعله بعض عمّالنا السوء! ثمّ رفع رأسه و قال: إن للّه تعالی فیكم نعمة ما بلغت غایتها، اخرج من أرضی حتی لا یدركنی شؤمك! ثمّ قام و وكّل بی حتی ارتحلت من أرضه، و اللّه الموفق.

تغارة

بلدة فی جنوبی المغرب بقرب البحر المحیط، حدّثنی الفقیه علی الجنحانی أنّه دخلها فوجد سور المدینة من الملح، و كذلك جمیع حیطانها، و كذلك السواری
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 26
و السقوف، و كذلك الأبواب فإنّها من صفائح ملحیّة مغطاة بشی‌ء من جلد الحیوان كی لا یتشعّب أطرافها. و ذكر أن جمیع ما حول هذه المدینة من الأراضی سبخة و فیها معدن الملح و الشبّ، و إذا مات بها شی‌ء من الحیوان یلقی فی الصحراء فیصیر ملحا، و الملح بأرض السودان عزیز جدّا، و التجّار یجلبونه من تغارة إلی سائر بلادهم یبتاع كلّ وقر بمائة دینار.
و من العجب أن هذه المدینة أرضها سبخة جدّا، و میاه آبارهم عذبة، و أهلها عبید مسوّفة، و مسوفة قبیلة عظیمة من البربر. و أهل تغارة فی طاعة امرأة من إماء مسوّفة، شغلهم جمع الملح طول السنة. یأتیهم القفل فی كلّ سنة مرّة یبیعون الملح و یأخذون من ثمنه قدر نفقاتهم، و الباقی یؤدّونه إلی ساداتهم من مسوّفة، و لیس بهذه المدینة زرع و لا ضرع، و معاشهم علی الملح كما ذكرنا.

تكرور

مدینة فی بلاد السودان عظیمة مشهورة، قال الفقیه علی الجنحانی المغربی:
شاهدتها و هی مدینة عظیمة لا سور لها، و أهلها مسلمون و كفّار، و الملك فیها للمسلمین، و أهلها عراة رجالهم و نساؤهم، إلّا أشراف المسلمین فإنّهم یلبسون قمیصا طولها عشرون ذراعا، و یحمل ذیلهم معهم خدمهم للحشمة، و نساء الكفّار یسترن قبلهنّ بخرزات العقیق، ینظمنها فی الخیوط و یعلقنها علیهن، و من كانت نازلة الحال فخرزات من العظم.
و ذكر أیضا أن الزرافة بها كثیرة، یجلبونها و یذبحونها مثل البقر، و العسل و السمن و الأرز بها رخیص جدّا. و بها حیوان یسمّی لبطی، یؤخذ من جلده المجنّ یبتاع كلّ مجنّ بثلاثین دینارا، و خاصیّته أن الحدید لا یعمل فیه البتّة.
و حكی أنّه لمّا كان بها إذ ورد قاصد من بعض عمّال الملك یقول:
قد دهمنا سواد عظیم لا نعرف ما هو. فاستعدّ الملك للقتال و خرج بعساكره، فإذا فیلة كثیرة جاوزت العدّ و الحصر، فجاءت حتی ترد الماء بقرب تكرور،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 27
فقال الملك: احشوها بالنبل. فلم یكن یعمل فیها شی‌ء من النبال، و كانت تخفی خراطیمها تحت بطنها لئلّا یصیبها النبل، و إذا أصاب شیئا من بدنها أمرّت علیها الخرطوم و رمتها، فشربت الماء و رجعت. و اللّه الموفق.

جابرسا

مدینة بأقصی بلاد المشرق، عن ابن عبّاس، رضی اللّه عنه، قال: إن بأقصی المشرق مدینة اسمها جابرس، أهلها من ولد ثمود، و بأقصی المغرب مدینة اسمها جابلق أهلها من ولد عاد، ففی كلّ واحد بقایا من الأمّتین. یقول الیهود: إن أولاد موسی، علیه السلام، هربوا فی حرب بخت نصّر، فسیّرهم اللّه تعالی و أنزلهم بجابرس، و هم سكّان ذلك الموضع لا یصل إلیهم أحد و لا یحصی عددهم.
و عن ابن عبّاس، رضی اللّه عنه، أن النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم، فی لیلة أسری به قال لجبریل، علیه السلام: إنی أحبّ أن أری القوم الذین قال اللّه تعالی فیهم: و من قوم موسی أمّة یهدون بالحقّ و به یعدلون. فقال جبریل، علیه السلام: بینك و بینهم مسیرة ستّ سنین ذاهبا و ستّ سنین راجعا، و بینك و بینهم نهر من رمل یجری كجری السهم، لا یقف إلّا یوم السبت، لكن سل ربّك، فدعا النبی، صلّی اللّه علیه و سلّم، و أمّن جبریل، علیه السلام، فأوحی اللّه إلی جبریل أن أجبه إلی ما سأل، فركب البراق و خطا خطوات، فإذا هو بین أظهر القوم، فسلّم علیهم فسألوه: من أنت؟ فقال: أنا النبیّ الامیّ! فقالوا: نعم، أنت الذی بشّر بك موسی، علیه السلام، و إن أمّتك لولا ذنوبها لصافحتها الملائكة، قال رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم: رأیت قبورهم علی باب دورهم فقلت لهم: لم ذاك؟ قالوا: لنذكر الموت صباحا و مساء، و إن لم نفعل ذلك ما نذكر إلّا وقتا بعد وقت! فقال، صلّی اللّه علیه و سلّم: ما لی أری بنیانكم مستویا؟ قالوا: لئلّا یشرف بعضنا علی بعض،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 28
و لئلّا یسدّ بعضنا الهواء عن بعض. فقال، صلّی اللّه علیه و سلّم: ما لی لا أری فیكم سلطانا و لا قاضیا؟ فقالوا: أنصف بعضنا بعضا، و أعطینا الحقّ من أنفسنا، فلم نحتج إلی أحد ینصف بیننا، فقال، صلّی اللّه علیه و سلّم: ما لأسواقكم خالیة؟ فقالوا: نزرع جمیعا و نحصد جمیعا، فیأخذ كلّ رجل منّا ما یكفیه و یدع الباقی لأخیه. فقال، صلّی اللّه علیه و سلّم: ما لی أری هؤلاء القوم یضحكون؟ قالوا: مات لهم میت! قال: و لم یضحكون؟ قالوا:
سرورا بأنّه قبض علی التوحید! قال، صلّی اللّه علیه و سلّم: و ما لهؤلاء یبكون؟ قالوا: ولد لهم مولود و هم لا یدرون علی أیّ دین یقبض. قال، صلّی اللّه علیه و سلّم: إذا ولد لكم مولود ذكر ماذا تصنعون؟ قالوا: نصوم للّه شهرا شكرا. قال: و إن ولدت لكم انثی؟ قالوا: نصوم للّه شهرین شكرا، لأنّ موسی، علیه السلام، أخبرنا أن الصبر علی الأنثی أعظم أجرا من الصبر علی الذكر. قال، صلّی اللّه علیه و سلّم: أفتزنون؟ قالوا: و هل یفعل ذلك أحد إلّا حصبته السماء من فوقه، و خسفت به الأرض من تحته؟ قال: افتربون؟
قالوا: إنّما یربی من لا یؤمن رزق اللّه! قال: أفتمرضون؟ قالوا: لا نذنب و لا نمرض و إنّما تمرض أمّتك لیكون كفّارة لذنوبهم. قال، صلّی اللّه علیه و سلّم: أفلكم سباع و هوام؟ قالوا: نعم تمرّ بنا و نمرّ بها فلا تؤذینا.
فعرض علیهم النبیّ. صلّی اللّه علیه و سلّم، شریعته، فقالوا: كیف لنا بالحجّ و بیننا و بینه مسافة بعیدة؟ فدعا النبی، صلّی اللّه علیه و سلّم، قال ابن عبّاس: تطوی لهم الأرض حتی یحجّ من یحجّ منهم مع الناس.
قال: فلمّا أصبح النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم، أخبر من حضر من قومه، و كان فیهم أبو بكر، رضی اللّه عنه، قال: إن قوم موسی بخیر، فعلم اللّه تعالی ما فی قلوبهم فأنزل: و ممّن خلقنا أمّة یهدون بالحقّ و به یعدلون. فصام أبو بكر شهرا و اعتق عبدا، إذ لم یفضل اللّه أمة موسی علی أمّة محمّد، صلّی اللّه علیه و سلّم.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 29

جاوة

هی بلاد علی ساحل بحر الصین ممّا یلی بلاد الهند، و فی زماننا هذا لا یصل التجّار من أرض الصین إلّا إلی هذه البلاد، و الوصول إلی ما سواها من بلاد الصین متعذّر لبعد المسافة و اختلاف الأدیان، و التجّار یجلبون من هذه البلاد العود الجاوی و الكافور و السنبل و القرنفل و البسباسة، و الغضائر الصینی منها یجلب إلی سائر البلاد.

جزایر الخالدات‌

و یقال لها أیضا جزایر السعادات، و انّها فی البحر المحیط فی أقصی المغرب كان بها مقام جمع من الحكماء بنوا علیها ابتداء طول العمارات، قال أبو الریحان الخوارزمی: هی ستّ جزایر و اغلة فی البحر المحیط، قریبات من مائتی فرسخ، و إنّما سمیّت بجزایر السعادات لأن غیاطها أصناف الفواكه و الطیب من غیر غرس و عمارة، و أرضها تحمل الزرع مكان العشب، و أصناف الریاحین العطرة بدل الشوك.
قالوا: فی كلّ جزیرة صنم طوله مائة ذراع كالمنار لیهتدی بها، و قیل:
إنّما عملوا ذلك لیعلم أن لیس بعد ذلك مذهب فلا یتوسّط البحر المحیط، و اللّه أعلم بذلك.

جزیرة الرّامنی‌

فی بحر الصین؛ قال محمّد بن زكریّاء الرازی: بها ناس عراة لا یفهم كلامهم لأنّه مثل الصفیر، طول أحدهم أربعة أشبار، شعورهم زغب أحمر،
یتسلّقون علی الأشجار، و بها الكركدن و جوامیس لا أذناب لها، و بها من الجواهر و الافاویه ما لا یحصی، و بها شجر الكافور و الخیزران و البقمّ و عروق هذا
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 30
البقّم دواء من سمّ الأفاعی، و حمله شبه الخرنوب و طعمه طعم العلقم.
و قال ابن الفقیه: بها ناس عراة رجال و نساء علی أبدانهم شعور تغطی سوآتهم، و هم أمّة لا یحصی عددها، مأكولهم ثمار الأشجار، و إذا اجتاز بهم شی‌ء من المراكب یأتونه بالسباحة مثل هبوب الریح، و فی أفواههم عنبر یبیعونه بالحدید.

جزیرة زانج‌

إنّها جزیرة عظیمة فی حدود الصین ممّا یلی بلاد الهند، بها أشیاء عجیبة و مملكة بسیطة، و ملك مطاع یقال له المهراج؛ قال محمّد بن زكریّاء: للمهراج جبایة تبلغ كلّ یوم مائتی منّ ذهبا، یتّخذها لبنات و یرمیها فی الماء، و الماء بیت ماله، و قال أیضا: من عجائب هذه الجزیرة شجر الكافور و انّه عظیم جدّا، یظلّ مائة إنسان و أكثر، یثقب أعلی الشجر فیسیل منه ماء الكافور عدّة جرار، ثمّ یثقب أسفل من ذلك وسط الشجرة فینساب منها قطع الكافور و هو صمغ تلك الشجرة، غیر أنّه فی داخلها، فإذا أخذت ذلك منه یبست الشجرة.
و حكی ماهان بن بحر السیرافی قال: كنت فی بعض جزایر زانج فرأیت بها وردا كثیرا أحمر و أصفر و أزرق و غیر ذلك، فأخذت ملاءة حمراء و جعلت فیها شیئا من الورد الأزرق، فلمّا أردت حملها رأیت نارا فی الملاءة و احترق ما فیها من الورد و لم تحترق الملاءة، فسألت عنها فقالوا: إن فی هذا الورد منافع كثیرة لكن لا یمكن إخراجها من هذه الغیطة.
و قال ابن الفقیه: بهذه الجزیرة قوم علی صورة البشر، إلّا أن أخلاقهم بالسباع أشبه، یتكلّم بكلام لا یفهم و یطفر من شجرة إلی شجرة. و بها صنف من السنانیر لها أجنحة كأجنحة الخفافیش من الأذن إلی الذنب، و بها و عول كالبقر الجبلیّة، ألوانها حمر منقّطة ببیاض، و أذنابها كأذناب الظباء و لحومها حامضة، و بها دابّة الزباد و هی شبیهة بالهرّ یجلب منها الزباد، و بها فارة المسك.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 31
و بها جبل النصبان، و هو جبل فیه حیّات عظام تبلع البقر و الجاموس، و منها ما یبلع الفیل، و بها قردة بیض كأمثال الجوامیس و الكباش، و بها صنف آخر بیض الصدر سود الظهر.
و قال زكریاء بن محمّد بن خاقان: بجزیرة زانج ببغاء بیض و صفر و حمر، یتكلّم بأیّ لغة یكون، و بها طواویس رقط و خضر، و بها طیر یقال له الحواری دون الفاختة، أبیض البطن أسود الجناحین أحمر الرجلین أصفر المنقار، و هو أفصح من الببغاء، و اللّه الموفق للصواب.

جزیرة سكسار

جزیرة بعیدة عن العمران فی بحر الجنوب، حكی یعقوب بن إسحاق السرّاج قال: رأیت رجلا فی وجهه خموش، فسألته عن ذلك، فقال: خرجنا فی مركب فألقتنا الریح إلی جزیرة لم نقدر أن نبرح عنها، فأتانا قوم وجوههم وجوه الكلاب و سائر بدنهم كبدن الناس، فسبق إلینا واحد و وقف الآخرون فساقنا إلی منازلهم، فإذا فیها جماجم الناس و أسوقهم و أذرعهم، فأدخلنا بیتا فإذا فیه إنسان أصابه مثل ما أصابنا، فجعلوا یأتوننا بالفواكه و المأكول، فقال لنا الرجل: إنّما یطعمونكم لتسمنوا فمن سمن أكلوه، قال: فكنت أقصّر فی الأكل حتی لا أسمن، فأكلوا الكلّ و تركونی و ذاك الرجل لأنی كنت أقصّر فی الأكل حتی لا أسمن، فأكلوا الكلّ و تركونی و ذاك الرجل لأنی كنت نحیفا و الرجل كان علیلا، فقال لی الرجل: قد حضر لهم عید یخرجون إلیه بأجمعهم و یمكثون ثلاثا، فإن أردت النجاة فانج بنفسك! و أمّا أنا فقد ذهبت رجلای لا یمكننی الذهاب. و اعلم أنّهم أسرع شی‌ء طلبا و أشدّ اشتیاقا و أعرف بالاثر، إلّا من دخل تحت شجرة كذا فإنّهم لا یطلبونه و لا یقدرون علیه. قال: فخرجت أسیر لیلا و أكمن النهار تحت الشجرة، فلمّا كان الیوم الثالث رجعوا، و كانوا یقصّون أثری، فدخلت تحت الشجرة فانقطعوا عنی و رجعوا فأمنت.
حكی الرجل المخموش و قال: بینا أنا أسیر فی تلك الجزیرة إذ رفعت لی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 32
أشجار كثیرة فانتهیت إلیها، فإذا بها من كلّ الفواكه، و تحتها رجال كأحسن ما یكون صورة، فقعدت عندهم لا أفهم كلامهم و لا یفهمون كلامی، فبینا أنا جالس معهم إذ وضع أحدهم یده علی عاتقی، فإذا هو علی رقبتی و لوی رجلیه علیّ و أنهضنی، فجعلت أعالجه لأطرحه فخمشنی فی وجهی، فجعلت أدور به علی الأشجار و هو یقطف ثمرها یأكل و یرمی إلی أصحابه و هم یضحكون، فبینا أنا أسیر به فی وسط الأشجار إذ أصاب عینیه عیدان الأشجار فعمی، فعمدت إلی شی‌ء من العنب و أتیت نقرة فی صخرة عصرته فیها، ثمّ أشرت إلیه أن اكرع فكرع منها، فتحلّلت رجلاه فرمیت به، فأثر الخموش من ذلك فی وجهی.

جزیرة القصار

حدّث یعقوب بن إسحاق السرّاج قال: رأیت رجلا من أهل رومیة قال:
خرجت فی مركب فانكسر و بقیت علی لوح، فألقتنی الریح إلی بعض الجزائر، فوصلت بها إلی مدینة فیها أناس قاماتهم قدر ذراع و أكثرهم عور، فاجتمع علیّ جماعة و ساقونی إلی ملكهم فأمر بحبسی، فانتهوا بی إلی شی‌ء مثل قفص الطیر، أدخلونی فیه فقمت فكسرته و صرت بینهم، فآمنونی فكنت أعیش فیهم.
فإذا فی بعض الأیّام رأیتهم یستعدّون للقتال، فسألتهم عن ذلك فأومأوا إلی عدوّ لهم یأتیهم فی هذا الوقت، فلم تلبث أن طلعت علیهم عصابة من الغرانیق، و كان عورهم من نقر الغرانیق أعینهم، فأخذت عصا و شددت علی الغرانیق فطارت و مشت، فأكرمونی بعد ذلك إلی أن وجدت جذعین و شددتهما بلحاء الشجر و ركبتهما، فرمتنی الریح إلی رومیة.
و قد حكی أرسطاطالیس فی كتاب الحیوان تصحیح ما ذكر و قال: إن الغرانیق تنتقل من خراسان إلی ما بعد مصر، حیث یسیل ماء النیل، و هناك تقاتل رجالا قاماتهم قدر ذراع.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 33

جزیرة النّساء

فی بحر الصین فیها نساء لا رجل معهنّ أصلا، و إنّهنّ یلقحن من الریح و یلدن النساء مثلهن، و قیل: إنّهنّ یلقحن من ثمرة شجرة عندهن یأكلن منها فیلقحن و یلدن نساء.
حكی بعض التجّار أن الریح ألقته إلی هذه الجزیرة قال: فرأیت نساء لا رجال معهن و رأیت الذهب فی هذه الجزیرة مثل التراب، و رأیت من الذهب قضبانا كالخیزران، فهممن بقتلی فحمتنی امرأة منهن و حملتنی علی لوح و سیّبتنی فی البحر، فألقتنی الریح إلی بلاد الصین، فأخبرت صاحب الصین بحال الجزیرة و ما فیها من الذهب، فبعث من یأتیه بخبرها، فذهبوا ثلاث سنین ما وقعوا بها فرجعوا.

جزیرة واق واق‌

إنّها فی بحر الصین و تتّصل بجزائر زانج و المسیر إلیها بالنجوم، قالوا:
إنّها ألف و ستّمائة جزیرة، و إنّما سمّیت بهذا الاسم لأن بها شجرة لها ثمرة علی صور النساء معلّقات من الشجرة بشعورها، و إذا أدركت یسمع منها صوت واق واق، و أهل تلك البلاد یفهمون من هذا الصوت شیئا یتطیّرون به.
قال محمّد بن زكریاء الرازی: هی بلاد كثیرة الذهب حتی ان أهلها یتّخذون سلاسل كلابهم و أطواق قرودهم من الذهب، و یأتون بالقمصان المنسوجة من الذهب.
و حكی موسی بن المبارك السیرافی أنّه دخل هذه البلاد و قد ملكتها امرأة، و أنّه رآها علی سریر عریانة، و علی رأسها تاج و عندها أربعة آلاف و صیفة عراة أبكارا.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 34

جوف‌

واد بأرض عاد، كان ذا ماء و شجر و عشب و خیرات كثیرة، منها حمار بن مویلع، كان له بنون خرجوا یتصیّدون فأصابتهم صاعقة فماتوا عن آخرهم، فكفر حمار كفرا عظیما و قال: لا أعبد ربّا فعل بی هذا! و دعا قومه إلی الكفر، فمن عصاه قتله، و كان یقتل من مرّ به من الناس، فأقبلت نار من أسفل الجوف فأحرقته و من فیه، و غاض ماؤه فضربت العرب به المثل و قالوا: أكفر من حمار! و قالوا أیضا: أخلی من جوف حمار. و قال شاعرهم:
و لشؤم البغی و الغشم قدیماما خلا جوف و لم یبق حمار

حرث‌

أرض واسعة بالیمن كثیرة الریاض و المیاه، طیّبة الهواء عذبة الماء منها ذو حرث الحمیری و اسمه مثوّب؛ قال هشام بن محمّد الكلبی: كان ذو حرث من أهل بیت الملك یعجبه سیاحة البلاد، فأوغل فی بعض أوقاته فی بلاد الیمن، فهجم علی أرض فیحاء كثیرة الریاض، فأمر أصحابه بالنزول و قال: یا قوم إن لهذه الأرض شأنا، لما رأی من میاهها و ریاضها و لم یر بها أنیسا، فأوغل فیها حتی هجم علی عین عظیمة نظیفة، بها غاب و یكتنفها ثلاث آكام عظام،
فإذا علی شریعتها بیت صنم من الصخر، حوله من مسوك الوحش و عظامها تلال.
فبینا هو كذلك إذ أبصر شخصا كالفحل المقرم قد تجلّل بشعره و ذلاذله تنوش علی عطفه، و بیده سیف كاللجّة الخضراء، فنكصت منه الخیل و أصرّت بآذانها و نفضت بأبوالها، فقلنا: من أنت؟ فأقبل یلاحظنا كالقرم الصّؤول، و وثب وثبة الفهد علی ادنانا فضربه ضربة، فقطّ عجز فرسه، و ثنّی بالفارس جزله جزلتین. فقال القیل: لیلحق فارسان برجالنا لیأتینا عشرون رامیا.
فلم یلبث أن أقبلت الرماة ففرّقهم علی الآكام الثلاث و قال: احشوه بالنبل
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 35
و ان طلع علیكم فدهدهوا علیه الصخر، و لیحمل علیه الخیل من ورائه، ففرّقنا الخیل للحملة و إنّها تشمئزّ عنه، فأقبل یدنو و یختل، و كلّما خالطه سهم أمرّ علیه ساعده و كسره فی لحمه، فضرب فارسا آخر فقطع فخذه بسرجه و ما تحت السرج من فرسه، فصاح به القیل: ویلك! من أنت؟ فقال بصوت الرعد: أنا حرث لا أراع و لا ألاع! فمن أنت؟ قال: أنا مثوّب، قال: إنّك لهو؟ قال:
نعم. فقهقر و قال: الیوم انقضت المدّة و بلغت نهایتها العدّة، لك كانت هذه السرارة ممنوعة.
ثمّ جلس و ألقی سیفه و جعل ینزع النبل من بدنه، فقلنا للقیل: قد استسلم؟ قال: كلّا لكنّه اعترف دعوة فإنّه میّت، فقال: عهد علیكم لتحفرنّنی! فقال القیل: آكد عهد، ثمّ كبا لوجهه فأقبلنا إلیه فإذا هو میت، فأخذنا سیفه فلم یقدر أحد منّا یحمله علی عنقه، فأمر مثوّب فحفر له اخدود ألقی فیه، و اتّخذ مثوّب تلك الأرض منزلا و سمّاها حرث، و سمّی مثوّب ذا حرث.
و وجد علی أكمة صخرة مكتوب علیها: باسمك اللهمّ، إله من سلف و من غبر، إنّك الملك الكبّار الخالق الجبّار ملكنا هذه المدّة، و حمی لنا أقطارها و أصبارها و أسرابها و حیطانها و عیونها و صیرانها إلی انتهاء عدّة و انقضاء مدّة، ثمّ یظهر علینا غلام ذو الباع الرحب و المضاء العضب، فیتّخذها معمرا أعصرا ثمّ یجوز كما بدا، و كلّ محتوم آت و كلّ مترقّب قریب، و لا بدّ من فقدان الموجود و خراب المعمور.

حضرموت‌

ناحیة بالیمن مشتملة علی مدینتین، یقال لاحداهما شبام و للأخری تریم، و هی بقرب البحر فی شرقی عدن، و انّها بلاد قدیمة.
حكی رجل من حضرموت قال: وجدنا بها فخّارا فیه سنبلة حنطة و امتلأ
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 36
الظرف منها، و زنّاها كانت منّا، و كلّ حبّة منها كبیضة دجاجة.
و كان فی ذلك الوقت شیخ له خمسمائة سنة، و له ولد له أربعمائة سنة، و ولد ولد له ثلاثمائة سنة؛ فذهبنا إلی ابن الابن قلنا: إنّه أقرب إلی الفهم و العقل، فوجدناه مقیّدا لا یعرف الخیر و الشرّ. فقلنا: إذا كان هذا حال ولد الولد فكیف حال الأب و الجدّ؟ فذهبنا إلی صاحب الأربعمائة سنة فوجدناه أقرب إلی الفهم من ولده، فذهبنا إلی صاحب الخمسمائة سنة فوجدناه سلیم العقل و الفهم، فسألناه عن حال ولد ولده فقال: انّه كانت له زوجة سیّئة الخلق لا توافقه فی شی‌ء أصلا، فأثر فیه ضیق خلقها و دوام الغمّ بمقاساتها، و أمّا ولدی فكانت له زوجة توافقه مرّة و تخالفه أخری، فلهذا هو أقرب فهما منه.
و أمّا أنا فلی زوجة موافقة فی جمیع الأمور مساعدة، فلذلك سلم فهمی و عقلی! فسألناه عن السنبلة فقال: هذا زرع قوم من الأمم الماضیة كانت ملوكهم عادلة، و علماؤهم أمناء، و أغنیاؤهم أسخیاء، و عوامّهم منصفة.
منها القاضی الحضرمی، رحمه اللّه، لمّا ولی القضاء أتی علیه سنتان لم یتقدّم إلیه خصمان، فاستعفی الملك و قال: إنی آخذ معیشة القضاء و لا خصومة لأحد فالأجرة لا تحلّ لی! فاستبقاه الملك و قال: لعلّ الحاجة تحدث، إلی أن تقدّمه خصیمان فقال أحدهما: اشتریت منه أرضا فظهر فیها كنز قل له حتی یقبضها! و قال الآخر: إنی بعت الأرض بما فیها و الكنز له! فقال القاضی: هل لكما من الأولاد؟ قالا: نعم. فزوّج بنت البائع من ابن المشتری، و جعل الكنز لولدیهما و صالحا علی ذلك.
و بها القصر المشید الذی ذكره اللّه فی القرآن، بناه رجل یقال له صدّ ابن عاد و ذلك أنّه لمّا رأی ما نزل بقوم عاد من الریح العقیم، بنی قصرا لا یكون للریح علیه سلطان من شدّة إحكامه، و انتقل إلیه هو و أهله، و كان له من القوّة ما كان، یأخذ الشجرة بیده فیقلعها بعروقها من الأرض، و یأكل من الطعام مأكول عشرین رجلا من قومه، و كان مولعا من النساء، تزوّج بأكثر من سبعمائة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 37
عذراء و ولد له من كلّ واحدة ذكر و أنثی، فلمّا كثر أولاده طغی و بغی، و كان یقعد فی أعالی قصره مع نسائه، لا یمرّ به أحد إلّا قتله كائنا من كان، حتی كثر قتلاه فأهلكه اللّه تعالی مع قومه بصیحة من السماء، و بقی القصر خرابا لا یجسر أحد علی دخوله لأنّه ظهر فیه شجاع عظیم، و كان یسمع من داخله أنین كأنین المرضی، و قد أخبر اللّه تعالی عنهم و أمثالهم بقوله: فكأیّن من قریة أهلكناها و هی ظالمة فهی خاویة علی عروشها و بئر معطّلة و قصر مشید، و البئر المعطّلة كانت بعدن، سنذكرها إن شاء اللّه تعالی.
و بها قبر هود النبیّ، علیه السلام؛ قال كعب الأحبار: كنت فی مسجد رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، فی خلافة عثمان، رضی اللّه عنه، فإذا برجل قد رمقه الناس لطوله، فقال: أیّكم ابن عمّ محمّد؟ قالوا: أیّ ابن عمّه؟ قال: ذاك الذی آمن به صغیرا، فأومأوا إلی علیّ بن أبی طالب، رضی اللّه عنه، قال علیّ: ممّن الرجل؟ فقال: من الیمن من بلاد حضرموت. فقال علیّ: أتعرف موضع الأراك و السدرة الحمراء التی یقطر من أوراقها ماء فی حمرة الدم؟ فقال الرجل: كأنّك سألتنی عن قبر هود، علیه السلام؟ فقال علیّ: عنه سألتك فحدّثنی، فقال: مضیت فی أیّام شبابی فی عدّة من شبّان الحیّ نرید قبره، فسرنا إلی جبل شامخ فیه كهوف و معنا رجل عارف بقبره حتی دخلنا كهفا، فإذا نحن بحجرین عظیمین قد أطبق أحدهما علی الآخر، و بینهما فرجة یدخلها رجل نحیف، و كنت أنا أنحفهم، فدخلت بین الحجرین فسرت حتی وصلت إلی فضاء، فإذا أنا بسریر علیه میت و علیه أكفان كأنّها الهواء، فمسست بدنه فكان علبا، و إذا هو كبیر العینین مقرون الحاجبین واسع الجبهة أسیل الحدّ طویل اللحیة، و إذا عند رأسه حجر علی شكل لوح علیه مكتوب: لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه، و قضی ربّك ألّا تعبدوا إلّا إیّاه و بالوالدین إحسانا، أنا هود بن الحلود بن عاد رسول اللّه إلی بنی عاد بن عوض ابن سام بن نوح، جئتهم بالرسالة و بقیت فیهم مدّة عمری فكذّبونی، فأخذهم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 38
اللّه بالریح العقیم فلم یبق منهم أحد، و سیجی‌ء بعدی صالح بن كالوة فیكذّبه قومه فتأخذهم الصیحة؛ قال له علیّ، رضی اللّه عنه: صدقت، هكذا قبر هود، علیه السلام.
و بها بئر برهوت و هی التی قال النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم: ان فیها أرواح الكفّار و المنافقین، و هی بئر عادیّة قدیمة عمیقة فی فلاة و واد مظلم.
و عن علیّ، رضی اللّه عنه، قال: ابغض البقاع إلی اللّه تعالی وادی برهوت بحضرموت فیه بئر ماؤها أسود منتن یأوی إلیه أرواح الكفّار.
و ذكر الأصمعیّ عن رجل حضرمیّ انّه قال: إنا نجد من ناحیة برهوت رائحة منتنة فظیعة جدّا فیأتینا الخبر أن عظیما من عظماء الكفّار مات.
و حكی رجل أنّه بات لیلة بوادی برهوت قال: فكنت أسمع طول اللیل یا دومه یا دومه، فذكرت ذلك لبعض أهل العلم فقال: إن الملك الموكّل بأرواح الكفّار اسمه دومه.
و بها ماء الخنوثة؛ قال ابن الفقیه: بحضرموت ماء بینها و بین النّوب، من شربه یصیر مخنّثا.

دلان و دموران

قریتان بقرب ذمار من أرض الیمن. قالوا: لیس بأرض الیمن أحسن وجها من نساء هاتین القریتین. و قالوا: الفواجر بهما كثیرة یقصدهما الناس من الأماكن البعیدة للفجور! قالوا: إن دلان و دموران كانا ملكین أخوین، و كلّ واحد بنی قریة و سمّاها باسمه، و كانا مشغوفین بالنساء و ینافسان فی الحسن و الجمال، و الناس یجلبون من الأطراف البعیدة ذوات الجمال لهما، فمن هناك أتی أهل القریتین الجمال، و إلّا فالجمال بأرض الیمن كالسمك علی الیبس، و اللّه الموفق.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 39

دنقلة

مدینة عظیمة ببلاد النوبة، ممتدّة علی ساحل النیل، طولها مسیرة ثمانین لیلة و عرضها قلیل، و هی منزل ملكهم كابیل، و أهلها نصاری یعاقبة، أرضهم محترقة لغایة الحرارة عندهم، و مع شدّة احتراقها ینبت الشعیر و الحنطة و الذرة.
و لهم نخل و كرم و مقل و أراك. و بلادهم أشبه شی‌ء بالیمن، و بیوتهم أخصاص كلّها، و كذلك قصور ملكهم.
و أهلها عراة مؤتزرون بالجلود، و النمر عندهم كثیرة، یلبسون جلودها، و الزرافة أیضا و هی دابّة عجیبة منحنیة إلی خلفها لطول یدیها و قصر رجلیها، و عندهم صنف من الإبل صغیرة الخلق قصیرة القوائم.

ذات الشّعبین‌

مخلاف بالیمن، و قال محمّد بن السائب: حكی لنا رجل من ذی الكلاع أن سیلا أقبل بالیمن، فخرق موضعا فأبدی عن أزج، فإذا فیه سریر علیه میت علیه جباب و شی مذهبة، و بین یدیه محجن من ذهب فی رأسه یاقوتة حمراء، و إذا لوح فیه مكتوب: بسم اللّه ربّ حمیر، أنا حسّان بن عمرو القیل، حین لا قیل إلّا اللّه، متّ زمان خرهید و ماهید هلك فیه اثنا عشر ألف قیل، و كنت آخرهم قیلا، فأتیت ذات الشّعبین لیجیرنی فأجفرنی، قالوا:
لعلّ كان ذلك وقت الطاعون، فمات من مات لفساد الهواء، فأتی حسّان ذات الشعبین لیكون الهواء فیه أصحّ، بسبب هبوبها من الشعبین، فیسلم من الطاعون و ما سلم.

ذمار

مدینة ببلاد الیمن، حكی أبو الربیع سلیمان الزنجانی: انّه شاهد ذمار، و رأی علی مرحلة منها آثار عمارة قدیمة، قد بقی منها ستّة أعمدة من رخام،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 40
و فوق أربعة منها أربعة أعمدة، و دونها میاه كثیرة جاریة، قال: ذكر لی أهل تلك البلاد أن أحدا لا یقدر علی خوض تلك المیاه إلی تلك الأعمدة، و ما خاض أحد إلّا عدم، و أهل تلك البلاد متّفقون علی أنّها عرش بلقیس.

سبأ

مدینة كانت بینها و بین صنعاء ثلاثة أیّام، بناها سبأ بن یشجب بن یعرب ابن قحطان، كانت مدینة حصینة كثیرة الأهل طیّبة الهواء عذبة الماء، كثیرة الأشجار لذیذة الثمار كثیرة أنواع الحیوان، و هی التی ذكرها اللّه تعالی:
لقد كان لسبإ فی مسكنهم آیة، جنّتان عن یمین و شمال، كلوا من رزق ربّكم و اشكروا له، بلدة طیّبة و ربّ غفور؛ ما كان یوجد بها ذباب و لا بعوض و لا شی‌ء من الهوام كالحیّة و العقرب و نحوهما.
و قد اجتمعت فی ذلك الموضع میاه كثیرة من السیول، فیمشی بین جبلین و یضیع فی الصحاری، و بین الجبلین مقدار فرسخین، فلمّا كان زمان بلقیس الملكة بنت بین الجبلین سدّا بالصخر و القار، و ترك الماء العظیم خارج السدّ، و جعلت فی السدّ مثاعب أعلی و أوسط و أسفل لیأخذوا من الماء كلّ ما احتاجوا إلیه، فجفّت داخل السدّ و دام سقیها، فعمرها الناس و بنوا و غرسوا و زرعوا، فصارت أحسن بلاد اللّه تعالی و أكثرها خیرا، كما قال اللّه تعالی: جنّتان عن یمین و شمال. و كان أهلها اخوة و بنو عمّ بنو حمیر و بنو كهلان، فبعث اللّه تعالی إلیهم ثلاثة عشر نبیّا فكذّبوهم، فسلط اللّه تعالی الجرذ علی سدّهم.
منها عمران بن عامر، و كانت سیادة الیمن لولد حمیر و لولد كهلان، و كان كبیرهم عمران بن عامر، و كان جوادا عاقلا، و له و لأقربائه من الحدائق ما لم یكن لأحد من ولد قحطان.
و كانت عندهم كاهنة اسمها طریفة، قالت لعمران: و الظلمة و الضیاء و الأرض و السماء لیقبلنّ إلیكم الماء كالبحر إذا طما، فیدع أرضكم خلاء
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 41
یسفی علیها الصّبا! فقالوا لها: فجعتنا بأموالنا فبیّنی مقالتك! فقالت: انطلقوا إلی رأس الوادی لتروا الجرذ العادی یجرّ كلّ صخرة صیخاد بأنیاب حداد و أظفار شداد! فانطلق عمران فی نفر من قومه حتی أشرفوا علی السدّ، فإذا هم بجرذ أحمر فیقلع الحجر الذی لا یستقلّه رجال و یدفعه بمخالیب رجلیه إلی ما یلی البحر لیفتح السدّ.
فلمّا رأی عمران ذلك علم صدق قول الكاهنة فقال لأهله: اكتموا هذا القول من بنی عمّكم بنی حمیر لعلّنا نبیع حدائقنا منهم و نرحل عن هذه الأرض، ثمّ قال لابن أخیه حارثة: إذا كان الغد و اجتمع الناس أقول لك قولا خالفنی، و إذا شتمتك ردّها علیّ، و إذا ضربتك فاضربنی مثله! فقال: یا عم كیف ذلك؟ فقال عمران: لا تخالف فإن مصلحتنا فی هذا.
فلمّا كان الغد و اجتمع عند عمران أشراف قومه و عظماء حمیر و وجوه رعیّته، أمر حارثة أمرا فعصاه فضربه بمخصرة كانت بیده، فوثب حارثة علیه و اطمه، فأظهر عمران الغضب و أمر بقتل ابن أخیه فوقع فی حقّه الشفاعات.
فلمّا أمسك عن قتله حلف أن لا یقیم فی أرض امتهن بها، و قال وجوه قومه:
و لا نقیم بعدك یوما! فعرضوا ضیاعهم علی البیع و اشتراها بنو حمیر بأعلی الأثمان، فارتحل عن أرض الیمن فجاء السیل بعد رحیلهم بمدّة یسیرة، و خربت البلاد كما قال تعالی: فأعرضوا فأرسلنا علیهم سیل العرم و بدّلناهم بجنّتیهم جنّتین ذواتی أكل خمط و أثل و شی‌ء من سدر قلیل. فتفرّقوا فی البلاد، و یضرب بهم المثل فیقال: تفرّقوا أیادی سبا.
و كانوا عشرة أبطن: ستّة تیامنوا و هم كندة و الأشعریون و الأزد و مذحج و انمار و حمیر، و أربعة تشاءموا و هم عامرة و جذام و لخم و غسّان. و كانت هذه الواقعة بین مبعث عیسی و نبیّنا، صلّی اللّه علیهما و سلّم.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 42

سجلماسة

مدینة فی جنوب المغرب فی طرف بلاد السودان، فی مقطع جبل درن فی وسط رمل، بها نهر كبیر غرسوا علیه بساتین و نخیلا مدّ البصر. حدّثنی بعض الفقهاء من المغاربة و قد شاهدها: ان مزارعها اثنا عشر فرسخا من كلّ جانب لكن لا یزرع فی كلّ سنة إلّا خمسها، و من أراد الزیادة علی ذلك منعوه، و ذلك لأن الریع إذا كثر لا یبقی له قیمة فلا یشتری من الطّنّاء بشی‌ء. و بها أصناف العنب و التمر و أمّا تمرها فستّة عشر صنفا ما بین عجوة و دقل.
و لنسائها ید صناع فی غزل الصوف، و یعمل منه كلّ عجیب حسن بدیع من الأزر التی تفوق القصب، و یبلغ ثمن الازار ثلاثین دینارا و أربعین كأرفع ما یكون من القصب و یتّخذن منه عقارات یبلغ ثمنها مثل ذلك مصبوغة بأنواع الألوان، و أهل هذه المدینة من أغنی الناس و أكثرهم مالا لأنّها علی طریق غانة التی هی معدن الذهب، و لأهلها جرأة علی دخول تلك البریة مع ما ذكر من صعوبة الدخول فیها، و هی فی بلاد التبر یعرف منها، و اللّه الموفق.

سرندیب‌

جزیرة فی بحر هركند بأقصی بلاد الصین؛ قال محمّد بن زكریاء: هی ثمانون فرسخا فی ثمانین فرسخا، لها ثلاثة ملوك كلّ واحد عاص علی الآخر.
و من عاداتهم أن یأخذوا من الجانی سبعة دراهم علی جنایته، و المدیون إذا تقاعد عن اداء الدین بعث الملك إلیه من یخطّ حوله خطّا أی مكان وجده، فلا یجسر أن یخرج من الخطّ حتی یقضی الدین أو یحصّل رضاء الغریم. فإن خرج من الخطّ بغیر إذن، أخذ الملك منه ثلاثة أضعاف الدین، و یسلّم ثلثه إلی المستحقّ و یأخذ الملك ثلثیه.
و إذا مات الملك یجعل فی صندوق من العود و الصندل و یحرق بالنار،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 43
و ترافقه زوجته حتی یحتزقا معا.
و بها أنواع العطر و الافاویه و العود و النارجیل و دابّة المسك، و أنواع الیواقیت و معدن الذهب و الفضّة و مغاص اللؤلؤ.
و عن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم: خیر بقعة ضربت إلیها آباط الإبل مكّة و مسجدی هذا و المسجد الأقصی، و جزیرة سرندیب فیها نزل أبونا آدم، علیه السلام، بها جبل أهبط علیه آدم، علیه السلام، و هو ذاهب فی السماء یراه البحریّون من مسافة أیّام، و فیه أثر قدم آدم، علیه السلام، و هی قدم واحدة مغموسة فی الحجر. و یری علی هذا الجبل كلّ لیلة مثل البرق من غیر سحاب و غیم و لا بدّ له كلّ یوم من مطر یغسل موضع قدم آدم، علیه السلام.
و یقال إن الیاقوت الأحمر یوجد علی هذه الجبال یحدّره السیل منها إلی الحضیض و قطاع الماس أیضا و البلّور. و قالوا: أكثر أهل سرندیب مجوس و بها مسلمون أیضا، و دوابّها فی غایة الحسن لا تشبه دوابّنا إلّا بالنوع، و بها كبش له عشرة قرون.
منها الشیخ الظریف سدید الدین السرندیبی، ورد قزوین و أهل قزوین تبرّكوا به. و كان قاضی قزوین یدخل مع الولاة فی الأمور الدیوانیّة و العوامّ یكرهون ذلك، فربّما عملوا غوغاة و نهبوا دار القاضی و خرّبوها، فلمّا سكن السرندیبی قزوین و تبرّك القوم به، كلّما كرهوا من القاضی و خرّبوها، فلمّا سكن السرندیبی قزوین و تبرّك القوم به، كلّما كرهوا من القاضی شیئا ذهبوا إلی السرندیبی و قالوا: قم ساعدنا علی القاضی! فإذا خرج السرندیبی تبعه ألوف، فالقاضی لقی من السرندیبی التباریح.
فطلبه ذات یوم، فلمّا دخل علیه تحرّك له و انبسط معه و سأله عن حاله ثمّ قال: إنی أری فی هذه المدینة الأمر بالمعروف و النهی عن المنكر متروكا، و لست أری من لا یأخذه فی اللّه لومة لائم غیرك. و أخرج من داره قمیصا غسل مرارا و عمامة عتیقة، و أركبه علی دابّة و غلمان الاحتساب فی خدمته،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 44
و كلّ من سمع بهذا استحسن و صار السرندیبی محتسبا.
فإذا فی بعض الأیّام جاء شخص إلی السرندیبی و قال: فی موضع كذا جماعة یشربون. فقام بأصحابه و ذهب إلیهم فأراق خمورهم و كسر ملاهیهم.
و كان القوم صبیانا جهّالا قاموا إلیه و ضربوه و ضربوا أصحابه ضربا و جیعا، فجاء السرندیبی إلی القاضی و عرّفه ذلك، فالقاضی غضب و حولق و قال:
ابصروا من كانوا أولئك، فقالوا: ما نعرف منهم أحدا.
ثمّ بعد أیّام قالوا للسرندیبی: فی بستان كذا جماعة یشربون، فذهب إلیهم بأصحابه و أراق خمورهم و كسر ملاهیهم، فقاموا و قتاوا أصحاب السرندیبی و جرحوه، فعاد السرندیبی إلی بیته و أخذ القمیص و العمامة و ذهب إلی القاضی و قال: اخلع هذا علی غیری فإنی لست أهلا لذلك، فقال القاضی:
لا تفعل یا سدید الدین و لا تمنع الثواب! فقال له: دع هذا الكلام، أنت غرضك انی أقتل و أجرح علی ید غیرك، و إنی قد عرفت المقصود و لا أنخدع بعد ذلك.

سفالة

آخر مدینة تعرف بأرض الزنج، بها معدن الذهب، و الحكایة عنها كما مرّ فی بلاد التبر من أن التجّار یحملون إلیها الأمتعة، و یضعونها فی أرض قریبة منهم و یرجعون. ثمّ ان أهل سفالة و هم سودان یأتون و یتركون ثمن كلّ متاع بجنبه، و الذهب السّفالی معروف عند تجّار الزنج.
و بها الحوای و هو صنف من الطیر یعید ما سمع بصوت رفیع و لفظ صحیح أصحّ من الببغاء، و لا یبقی أكثر من سنة، و بها ببغاء بیض و حمر و خضر، و قال محمّد بن الجهم: رأیت قوما یأكلون الذباب و یزعمون أنّه دافع للرمد و لا یرمدون شیئا البتّة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 45

سلوق‌

مدینة بأرض الیمن؛ قال ابن الحایك: كانت مدینة عظیمة و لها آثار عظیمة باقیة، یوجد بها قطاع الذهب و الفضّة و الحلیّ، و كان بها صنّاع الدروع المحكمة النسج، قال الشاعر:
نقل السّلوقیّ المضاعف نسجه‌و یوقد بالصّفّاح نار الحباحب
و بها الكلاب الضّواری، و ذاك لأن الكلاب بها یسفدها الذئاب، فتأتی بالكلاب السلوقیّة و هی أخبث الكلاب؛ قال الشاعر:
منهم ضوار من سلوق كأنّهاحصن تجول تجرّر الأرسانا

سمهر

قریة بالحبشة، بها صنّاع الرماح السّمهریّة، و هی أحسن الرّماح؛ قاله الصولی، و قال غیره: إنّ هذه القریة فی جوف النیل یأتیها من أرض الهند علی رأس الماء كثیر من القنا، یجمعها أهل هذه القریة یستوقدون رذاله و یثقّفون جیّده و یبیعونه، و هو بأرض الحبشة معروف یحمل منها إلی سائر البلاد، و اللّه الموفّق.

سندابل‌

قصبة بلاد الصین و دار المملكة، یشقّها نهر أحد شقیّه للملك و الشقّ الآخر للعامّة؛ قال مسعر بن مهلهل: دخلتها و هی مدینة عظیمة قطرها مسیرة یوم، و لها ستّون شارعا، كلّ شارع ینفذ إلی دار الملك، و لها سور ارتفاعه تسعون ذراعا، و علی رأس السور نهر عظیم یتفرّق ستّین جزءا، كلّ جزء ینزل علی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 46
باب من أبوابها، تلقاه رحی یصبّ إلیها ثمّ إلی غیرها حتی یصبّ فی الأرض. ثمّ یخرج نصفه تحت السور یسقی البساتین، و یدخل نصفه المدینة و یدور فی الشوارع كلّها، و كلّ شارع فیه نهران: داخل یسقیهم، و خارج یخرج بفضلاتهم.
و فیها من الزروع و البقول و الفواكه و الخیرات و أنواع الطیب كالقرنفل و الدارصینی. و بها أنواع الجواهر كالیواقیت و نحوها و الذهب الكثیر. و أهلها حسان الوجوه قصار القدود عظام الرؤوس، لباسهم الحریر و حلیهم عظام الفیل و الكركدن، و أبوابهم آبنوس، و فیهم عبدة الأوثان و المانویّة و المجوس و یقولون بالتناسخ.
و منها خاقان، ملك الصین الموصوف بالعدل و السیاسة، له سلسلة من ذهب أحد طرفیها خارج القصر، و الطرف الآخر عند مجلس الملك لیحرّكها المظلوم فیعلم الملك. و من عادته ركوب الفیل كلّ جمعة و الظهور للناس، و من كان مظلوما یلبس ثوبا أحمر، فإذا وقعت علیه عین الملك یحضره و یسأله عن ظلامته.
و من ولد فی رعیّته أو مات یكتب فی دیوان الملك لئلّا یخفی علیه أحد.
و بها بیت عبادة عظیم، فیه أصنام و تماثیل، و لأهلها ید باسطة فی الصناعات الدقیقة، یعبدون الأوثان و لا یذبحون الحیوان، و من فعل أنكروا علیه.
و لهم آداب حسنة للرعیّة مع الملك و للولد مع الوالد: فإن الولد لا یقعد فی حضور أبیه و لا یمشی إلا خلفه و لا یأكل معه.
قال ابن الفقیه: أهل الصین یقولون بالتناسخ و یعملون بالنجوم، و لهم كتب یشتغلون بها، و الزنا عندهم مباح، و لهم غلمان وقفوهم للواطة. كما أن الهند وقفوا الجواری علی البدّ للزنا، و ذلك عند سفلتهم لا عند أهل التمییز.
و الملك و كلّ بالصّنّاع لیرفع إلی الملك جمیع المعمول، فما أراد من ذلك اشتراه لخزانته، و إلّا یباع فی السوق، و ما فیه عیب یمزّقه.
و حكی أنّه ارتفع ثوب إلی الملك فاستحسنه المشایخ كلّهم إلّا واحدا، فسئل عن عیبه فقال: إن هذا الثوب علیه صورة الطاووس، و قد حمل قنو موز،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 47
و الطاووس لا یقدر علی حمل قنو الموز، فلو بعث الملك هذا الثوب هدیة إلی بعض الملوك یقولون: أهل الصین ما یعرفون أن الطاووس لا یقدر علی حمل قنو الموز.

الشّحر

ناحیة بین عدن و عمان علی ساحل البحر. ینسب إلیها العنبر الشّحریّ لأنّه یوجد فی سواحلها. و بها غیاض كثیرة یوجد بها النسناس.
حكی بعض العرب قال: قدمت الشحر فنزلت عند بعض رؤسائها و سألت عن النسناس فقال: إنّا لنصیده و نأكله، و هو دابّة كنصف بدن الإنسان له ید واحدة و رجل واحدة، و كذلك جمیع الأعضاء، فقلت: أنا أحبّ أن أراه، فقال لغلمانه: صیدوا لنا شیئا منه. فلمّا كان من الغد جاءوا بشی‌ء له وجه كوجه الإنسان إلّا أنّه نصف الوجه، و له ید واحدة فی صدره، و كذلك رجل واحدة، فلمّا نظر إلیّ قال: أنا باللّه و بك. فقلت لهم: خلّوا عنه. فقالوا:
لا تغترّ بكلامه فإنّه مأكولنا، فلم أزل بهم حتی أطلقوه فمرّ مسرعا كالریح.
فلمّا جاء الرجل الذی كنت عنده قال لغلمانه: أما قلت لكم صیدوا لنا شیئا؟ فقالوا: فعلنا لكن ضیفك خلّی عنه. فضحك و قال: خدعك و اللّه! ثمّ أمرهم بالغدو إلی الصید، فغدوا بالكلاب و كنت معهم فصرنا إلی غیضة فی آخر اللیل، فإذا واحد یقول: یا أبا مجمر إن الصبح قد أسفر و اللّیل قد أدبر و القیض قد حضر فعلیك بالوزر. فقال الآخر: كلی و لا تراعی، فأرسلوا الكلاب علیهم، فرأیت أبا مجمر و قد اعتوره كلبان و هو یقول:
الویل لی ممّا به دهانی‌دهری من الهموم و الأحزان
قفا قلیلا أیّها الكلبان‌و اسمعا قولی و صدّقانی
إنّكما حین تحاربانی‌ألفیتمانی خضلا عنانی
لو بی شبابی ما ملكتمانی‌حتی تموتا أو تركتمانی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 48
فالتقیاه و أخذاه، فلمّا حضر الرجل علی عادته أتوا بأبی مجمر مشویّا، و ذكر خبر النسناس فی وبار أبسط من هذا.

شعب‌

جبل بالیمن فیه بلاد و قری، یقال لأهلها الشّعبیّون، قتل بها الشّنفری فقال تأبّط شرّا و هو خال الشنفری:
إنّ بالشّعب من دون سلع‌لقتیلا دمه ما یطلّ
منها أبو عمرو عامر بن شراحیل الشعبی، كان عالما ورعا فرید دهره، ولّی القضاء من قبل عبد الملك بن مروان، بعثه إلی الروم رسولا فأدخلوه علی الملك من باب لصّ حتی ینحنی للدخول، فیقولون: خدّم للملك، فعرف الشعبی ذلك فدخله من خلفه، فلمّا رأی صاحب الروم كمال عقله و حسن جوابه و خطابه قال له: أمن بیت الخلافة أنت؟ قال: لا، أنا رجل من العرب.
فكتب إلی عبد الملك: عجبت من قوم عندهم مثل هذا الرجل و ولّوا غیره أمرهم! فقال عبد الملك للشعبی: حسدنی علیك أراد أن أقتلك! فقال الشعبی:
إنّما كهر أمیر المؤمنین لأنّه لم یرك! فقال: للّه درّك ما عدا ما فی نفسی.
و حكی أن الشعبی جلس یوما للقضاء فاحتكم إلیه زوجان، و كانت المرأة من أجمل النساء، فأظهرت المرأة حجّتها. فقال للزوج: هل لك ما تدفع هذه؟ فأنشأ یقول:
فتن الشّعبیّ لمّارفع الطّرف إلیها
فتنته بدلال‌و تخطّی حاجبیها
قال للجوّار قرّبها و قرّب شاهدیها
فقضی جورا علی الحصم و لم یقض علیها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 49
قال الشعبی: دخلت علی عبد الملك بن مروان، فلمّا نظر إلیّ تبسّم و قال:
فتن الشّعبیّ لمّا رفع الطّرف إلیها ثمّ قال: ما فعلت بقائل هذا؟ قلت: أوجعت ظهره ضربا یا أمیر المؤمنین لما هتك حرمتی! فقال: أحسنت و اللّه و أجملت!
و حكی أن الشعبی دخل علی قوم و هم یذكرونه بالسوء فقال:
هنیئا مریئا غیر داء مخامرلعزّة من أعراضنا ما استحلّت
و سبّه رجل فقال: یا هذا إن كنت صادقا غفر اللّه لی، و إن كنت كاذبا غفر اللّه لك!
توفی سنة أربع و مائة عن اثنتین و ثمانین سنة.

شمخ‌

قریة بأرض الیمن، من عجائبها أن بها شقّا ینفذ إلی الجانب الآخر، فمن لم یكن ولد رشدة لا یقدر علی النفوذ فیه.
حكی رجل من مراد قال: ولیّت صدقات، فبینا أنا أقسمها إذ قال لی رجل: ألا أریك عجبا؟ قلت: نعم. فأدخلنی شعب جبل، فإذا أنا بسهم من سهام عاد كأكبر ما یكون من رماحنا مفوّقا، تشبّث بذروة الجبل و علیه مكتوب:
ألا هل إلی أبیات شمخ بذی اللوی‌لوی الرّمل من قبل الممات معاد
بلاد بها كنّا و كنّا نحبّهاإذ النّاس ناس و البلاد بلاد
ثمّ أخذ بیدی إلی الساحل، فإذا بحجر یعلوه الماء طورا و یظهر أخری، و علیه مكتوب: یا ابن آدم، یا عبد ربّه، اتّق اللّه و لا تعجل فی رزقك،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 50
فإنّك لن تسبق رزقك، و لن ترزق ما لیس لك، و من لم یصدّق فلینطح هذا الحجر حتی ینفجر!

شیلا

بلدة من أواخر بلاد الصین فی غایة الطیب، لا یری بها ذو عاهة من صحّة هوائها و عذوبة مائها و طیب تربتها. أهلها أحسن الناس صورة و أقلّها أمراضا، و ذكر أن الماء إذا رشّ فی بیوتها تفوح منه رائحة العنبر، و هی قلیلة الآفات و العلل، قلیلة الذباب و الهوام. إذا اعتلّ إنسان فی غیرها ثم نقل إلیها زالت علله.
قال محمّد بن زكریاء الرازی: من دخلها استوطنها و لا یخرج عنها لطیبها و وفور خیراتها و كثرة ذهبها. و اللّه الموفق.

صنعاء

قصبة بلاد الیمن، أحسن مدنها بناء و أصحّها هواء و أعذبها ماء، و أطیبها تربة و أقلّها أمراضا، ذكر أن الماء إذا رشّ فی بیوتها تفوح منه رائحة العنبر، و هی قلیلة الآفات و العلل، قلیلة الذباب و الهوام. إذا اعتلّ إنسان فی غیرها و نقل إلیها یبرأ، و إذا اعتلّت الإبل و أرعیت فی مروجها تصحّ، و اللحم یبقی بها أسبوعا لا یفسد.
بناها صنعاء بن ازال بن عنیر بن عابر بن شالح، شبّهت بدمشق فی كثرة بساتینها، و تخرّق میاهها و صنوف فواكهها.
قال محمّد بن أحمد الهمذانی: أهل صنعاء فی كلّ سنة یشتّون مرّتین و یصیّفون مرّتین، فإذا نزلت الشمس نقطة الحمل صار الحرّ عندهم مفرطا، فإذا نزلت أوّل السرطان زالت عن سمت رؤوسهم، فیكون شتاء، فإذا نزلت أوّل المیزان یعود الحرّ إلیهم مرّة ثانیة فیكون صیفا، و إذا صارت إلی الجدی شتّوا مرّة ثانیة، غیر أن شتاءهم قریب من الصیف فی كیفیّة الهواء.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 51
قال عمران بن أبی الحسن: لیس بأرض الیمن بلد أكبر من صنعاء، و هو بلد بخطّ الاستواء، بها اعتدال الهواء لا یحتاج الإنسان إلی رحلة الشتاء و الصیف و تتقارب ساعات نهارها.
و كان من عجائب صنعاء غمدان الذی بناه التبابعة؛ قالوا: بانیه لیشرخ ابن یحصب؛ قال ابن الكلبی: اتّخذه علی أربعة أوجه: وجه أحمر و وجه أبیض و وجه أصفر و وجه أخضر، و بنی فی داخله قصرا علی سبعة سقوف بین كلّ سقفین أربعون ذراعا، فكان ظلّه إذا طلعت الشمس یری علی ماء بینهما ثلاثة أمیال، و جعل فی أعلاه مجلسا بناه بالرخام الملوّن، و جعل سقفه رخامة واحدة، و صیّر علی كلّ ركن من أركانه تمثال أسد، إذا هبّت الریح یسمع منها زئیر الأسد، و إذا أسرجت المصابیح فیه لیلا كان سائر القصر یلمع من ظاهره كما یلمع البرق، و فیه قال ذو جدن الهمدانی:
و غمدان الذی حدّثت عنه‌بناه مشیّدا فی رأس نیق
بمرمرة و أعلاه رخام‌تحام لا یعیّب بالشّقوق
مصابیح السّلیط یلحن فیه‌إذا أمسی كتوماض البروق
فأضحی بعد جدّته رماداو غیّر حسنه لهب الحریق
و قال أمیّة بن أبی الصّلت یمدح سیف بن ذی یزن فی قصیدة آخرها:
فاشرب هنیئا علیك التاج مرتفقافی رأس غمدان دارا منك محلالا
تلك المكارم لا قعبان من لبن‌شیبا بماء فصارا بعد أبوالا
و ذكر أن التبابعة إذا قعدوا علی هذا القصر و أشعلوا شموعهم یری ذلك علی مسیرة أیّام.
حكی أن عثمان بن عفّان، رضی اللّه عنه، لمّا أمر بهدم غمدان قالوا له:
إن الكهنة یقولون هادم غمدان مقتول! فأمر بإعادته، فقالوا له: لو أنفقت
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 52
علیه خراج الارض ما أعدته كما كان، فتركه، و لمّا خربه وجد علی خشبة من أخشابها مكتوبا: اسلم غمدان، هادمك مقتول. فهدمه عثمان بن عفّان فقتل.
و وجد علی حائط ایوان من مجالس تبع مكتوبا:
صبرا الدّهر نال منك فهكذا مضت الدهور فرح و حزن بعده لا الحزن دام و لا السّرور و بصنعاء جبل الشبّ و هو جبل علی رأسه ماء یجری من كلّ جانب و ینعقد حجرا قبل أن یصل إلی الأرض، و هو الشبّ الیمانیّ الأبیض الذی یحمل إلی الآفاق.
و من عجائب صنعاء ما ذكر أنّه كان بها قبّة عظیمة من جمجمة رجل.
و بها نوع البرّ حبّتان منه فی كمام، لیس فی شی‌ء من البلاد غیرها، و بها الورس و هو نبت له خریطة كالسمسم، زرع سنة یبقی عشرین سنة.
و حكی أن أمیر الیمن لمّا آل إلی الحبشة، بنی أبرهة بن الصبّاح بها كنیسة لم یر الناس أحسن منها، و سمّاها القلّیس، و زیّنها بالذهب و الفضّة و الجواهر، و كتب إلی النجاشی: إنی بنیت لك كنیسة لیس لأحد مثلها من الملوك، و أرید أصرف إلیها حجّ العرب. فسمع ذلك بعض بنی مالك بن كنانة فأتاها و أحدث فیها، فسأل أبرهة عنه، فقالوا: إنّه من أهل البیت الذی یحجّ إلیه العرب.
فغضب و آلی لیسیرنّ إلی الكعبة و یهدمنّها، ثمّ جاء بعسكره و فیلته، فأرسل اللّه تعالی علیهم طیرا أبابیل ترمیهم بحجارة من سجّیل فجعلهم كعصف مأكول.
و بها الجنّة التی أقسم أصحابها لنصرمنّها مصبحین، و هی علی أربعة فراسخ من صنعاء، و كانت تلك الجنّة لرجل صالح ینفق ثمراتها علی عیاله، و یتصدّق علی المساكین، فلمّا مات الرجل عزم أصحابه علی أن لا یعطوا للمساكین شیئا، فانطلقوا و هم یتخافتون أن لا یدخلنّها الیوم علیكم مسكین، فلمّا رأوها قالوا
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 53
إنّا لضالّون، یعنی ما هذا طریق بستاننا، فلمّا رأوا الجنّة محترقة قالوا: بل نحن محرومون. و یسمّی ذاك الوادی الضّروان، و هو واد ملعون، حجارته تشبه أنیاب الكلاب، لا یقدر أحد أن یطأها، و لا ینبت شیئا و لا یستطیع طائر أن یطیر فوقه، فإذا قاربه مال عنه؛ قالوا: كانت النار تتّقد فیها ثلاثمائة سنة.

الصّین‌

بلاد واسعة فی المشرق ممتدّة من الإقلیم الأوّل إلی الثالث، عرضها أكثر من طولها، قالوا: نحو ثلاثمائة مدینة فی مسافة شهرین. و انّها كثیرة المیاه كثیرة الأشجار كثیرة الخیرات وافرة الثمرات، من أحسن بلاد اللّه و أنزهها، و أهلها أحسن الناس صورة و أحذقهم بالصناعات الدقیقة، لكنّهم قصار القدود عظام الرؤوس، لباسهم الحریر، و حلیهم عظام الفیل و الكركدن، و دینهم عبادة الأوثان.
و فیهم مانویّة و مجوس، و یقولون بالتناسخ و لهم بیوت العبادات.
من عجائب الصین الهیكل المدوّر؛ قال المسعودی: هذا الهیكل بأقصی بلاد الصین و له سبعة أبواب، فی داخله قبّة عظیمة البنیان عالیة السمك، و فی أعلی القبّة شبه جوهرة كرأس عجل یضی‌ء منها جمیع أقطار الهیكل، و ان جمعا من الملوك حاولوا أخذ تلك الجوهرة فما تمكّنوا من ذلك، فمن دنا منها قدر عشرة أذرع خرّ میتا، و إن حاول أخذها بشی‌ء من الآلات الطوال، فإذا انتهت إلیها هذا المقدار انعكست. و كذلك إن رمی إلیها شیئا، و إن تعرّض أحد لهمدم الهیكل مات، و فی هذا الهیكل بئر واسعة الرأس، من أكبّ علیها وقع فی قعرها، و علی رأس البئر شبه طوق مكتوب علیه: هذه البئر مخزن الكتب التی هی تاریخ الدنیا و علوم السماء و الأرض، و ما كان فیها و ما یكون، و فیها خزائن الأرض لكن لا یصل إلیها إلّا من وازن علمه علمنا، فمن قدر علیه علمه كعلمنا، و من عجز فلیعلم أنّه دوننا فی العلم.
و الأرض التی علیها هذا الهیكل أرض حجریّة عالیة كجبل شامخ لا یرام
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 54
قلعه، و لا یتأتی نقبه، و إذا رأی الناظر إلی تلك الهیكل و القبّة و البئر و حسن بنیتها، مال قلبه إلیها و تأسف علی فساد شی‌ء منها.
و من عجائب الصین ما ذكر صاحب تحفة الغرائب ان بها طاحونة یدور حجرها التحتانی، و الفوقانی ساكن، و یخرج من تحت الحجر دقیق لا نخالة فیه، و نخالة لا دقیق فیها، كلّ واحد منهما منفرد عن الآخر.
و بها قریة عندها غدیر فیه ماء فی كلّ سنة یجتمع أهل القریة و یلقون فرسا فی ذلك الغدیر، و الناس یقفون علی أطرافه، كلّما أراد الفرس الخروج من الماء منعوه، و ما دام الفرس فی الماء یأتیهم المطر، فإذا أمطروا قدر كفایتهم و امتلأ الغدیر، أخرجوا الفرس و ذبحوه علی قلّة جبل، و تركوه حتی یأكله الطیر، فإن لم یفعلوا ذلك فی شی‌ء من السنین لم یمطروا.
و بأرض الصین الذهب الكثیر و الجواهر و الیواقیت فی جبل من جبالها، و بها من الخیرات الكثیرة من الحبوب و البقول و الفواكه و السكر، و فی جزائرها أشجار الطیب كالقرنفل و الدارصینی و نحوها، قالوا: القرنفل تأتی بها السیول من جبال شامخة لا وصول إلیها و بها من الهوام و الحشرات و الحیّات و العقارب شی‌ء كثیر، و لا تظهر بالصیف لأنّها ملتفّة بأشجارها، تأكل من ثمارها و أوراقها و تظهر فی الشتاء.
و لأهل الصین ید باسطة فی الصناعات الدقیقة، و لا یستحسنون شیئا من صناعات غیرهم، و أیّ شی‌ء رأوا أخذوا علیه عیبا، و یقولون: أهل الدنیا، ما عدانا، عمی إلّا أهل كابل، فإنّهم عور! و بالغوا فی تدقیق صنعة النقوش حتی انّهم یصوّرون الإنسان الضاحك و الباكی، و یفصلون بین ضحك السرور و الخجالة و الشماتة. و إذا أراد ملكهم شیئا من المتاع، یعرضه علی أرباب الخبرة و لا یتركه فی خزائنه إلّا إذا وافقوا علی جودته.
و حكی أن صانعا اتّخذ ثوبا دیباجا علیه صورة السنابل وقعت علیها العصافیر، فعرضها الملك علی أرباب الخبرة و استحسنوها إلّا صانع واحد؛ قال: العصافیر
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 55
إذا وقعت علی السنابل أمالتها، و هذا المصوّر عملها قائمة لا میل فیها. فصدّقه الحاضرون و تعجّبوا من دقّة نظره فی الصنعة.
و من خواص بلاد الصین انّه قلّما یری بها ذو عاهة كالأعمی و الزمن و نحوهما، و ان الهرّة لا تلد بها.
و قال محمّد بن أبی عبد اللّه: رأیت فی غیاض الصین إنسانا یصیح صیاح القردة، و له وبر كوبر القرد، و یداه تنالان ساقیه إذا بسطهما قائما. و یكون علی الأشجار یثب من شجرة إلی شجرة و بینهما عشرة أذرع.
و قال ابن الفقیه: بالصین دابّة المسك، و هی دابّة تخرج من الماء فی كلّ سنة فی وقت معلوم، فیصطاد منها شی‌ء كثیر، و هی شدیدة الشبه بالظباء، فتذبح و یؤخذ الدم من سرّتها، و هو المسك، و لا رائحة له هناك حتی یحمل إلی غیرها من الأماكن.
و بها الغضائر الصینی التی لها خواصّ، و هی بیضاء اللون شفّافة و غیر شفّافة، لا یصل إلی بلادنا منها شی‌ء، و الذی یباع فی بلادنا علی أنّه صینی معمول بلاد الهند، بمدینة یقال لها كولم، و الصینی أصلب منه و أصبر علی النار، و خزف الصین أبیض؛ قالوا: یترشّح السمّ منه، و خزف كولم أدكن.
و طرائف الصین كثیرة: الفرند الفائق و الحدید المصنوع الذی یقال له طالیقون، یشتری بأضعافه فضّة، و منادیل الغمر من جلد السمندل، و الطواویس العجیبة، و البرادین الغرّة التی لا نظیر لها فی البلاد.

ظفار

مدینة قرب صنعاء، كان بها مسكن ملوك حمیر، و فیها قیل: من دخل ظفار حمّر أی تكلّم بالحمیریّة، و سببه أنّه دخل رجل من العرب علی ملك من ملوك حمیر، و هو علی موضع عال، فقال له الملك: ثب، فوثب الرجل من العلو فانكسرت رجله، و معنی ثب بالحمیریّة اقعد، فقال الملك: لیس عندنا
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 56
عربیّة، من دخل ظفار حمّر.
ینسب إلیها الجزع الظفاری الجیّد، و حكی انّه مكتوب علی سور ظفار علی حجر منها بقلم الأوائل: یوم شیّدت ظفار قیل لمن أنت؟ قالت: لحمیر الأخیار! ثمّ سئلت بعد ذلك، فقالت: للأحبش الأشرار! ثمّ سئلت بعد ذلك، فقالت: للفرس الأخیار! ثمّ سئلت بعد ذلك فقالت: لقریش التجّار! ثمّ سئلت بعد ذلك فقالت: لحمیر سنجار، و قلیلا ما یلبث القوم فیها ثمّ یأتیهم البوار، من أسود یلقیهم فی البحر و یشعل النار فی أعلی الدیار.
و بها اللّبان الذی لا یوجد فی الدنیا إلّا فی جبالها، و انّه غلّة لسلطانها، و انّه من شجر ینبت فی تلك المواضع مسیرة ثلاثة أیّام فی مثلها فیأتیها أهل ظفار و یجرحون أشجارها بالسكّین فیسیل منها اللبان، فیجمعونه و یحملونه إلی ظفار، فیأخذ السلطان قسطه و یعطیهم الباقی.

عمان‌

كورة علی ساحل بحر الیمن فی شرقی هجر، تشتمل علی مدن كثیرة، سمّیت بعمان بن بغان بن إبراهیم الخلیل، علیه السلام، و البحر الذی یلیه منسوب إلیه یقال بحر عمان.
روی ابن عمر عن النبی، صلّی اللّه علیه و سلّم، أنّه قال: إنی لأعلم أرضا من أرض العرب یقال لها عمان علی شاطی‌ء البحر، الحجّة منها أفضل أو خیر من حجّتین من غیرها.
و عن الحسن البصری هو المراد من قوله تعالی: یأتین من كلّ فجّ عمیق، یعنی من عمان، و عن النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم: من تعذّر علیه الرزق فعلیه بعمان. و أمّا حرّها فممّا یضرب به المثل.
بها اجتماع الخوارج الإباضیة فی زماننا هذا، و لیس بها من غیر هذا المذهب إلّا غریب، و هم أتباع عبد اللّه بن اباض الذی ظهر فی زمن مروان
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 57
ابن محمّد، آخر بنی أمیّة، و قد قتل و كفی شرّه.
و حكی ابن الأثیر فی تاریخه: إنّه فی سنة خمس و سبعین و ثلاثمائة خرج بعمان طائر من البحر أكبر من فیل، و وقف علی تلّ هناك و صاح بصوت عال و لسان فصیح: قد قرب! قد قرب! قد قرب! ثمّ غاص فی البحر، فعل ذلك ثلاثة أیّام ثمّ غاب و لم یر بعد ذلك.

غانة

مدینة كبیرة فی جنوب بلاد المغرب، متّصلة ببلاد التبر، یجتمع إلیها التجّار و منها یدخلون بلاد التبر، و لولاه لتعذّر علیهم ذلك، و هی أكثر بلاد اللّه ذهبا لأنّها بقرب معدنها، و منها یحمل إلی سائر البلاد، و بها من النمور شی‌ء كثیر، و أكثر لباس أهلها جلد النمر.
و حكی الفقیه أبو الربیع الملتانی أن فی طریق غانة من سجلماسة إلیها أشجارا عظیمة مجوّفة، یجتمع فی تجاویفها میاه الأمطار فتبقی كالحیاض، و المطر فی الشتاء بها كثیر جدّا، فتبقی المیاه فی تجاویف تلك الأشجار إلی زمان الصیف، فالسابلة یشربونها فی مرورهم إلی غانة، و لولا تلك المیاه لتعذّر علیهم المرور إلیها، و یتّخذون أقتاب البعران من خشب الصنوبر، فإن مات البعیر فقتب رحله یفی‌ء بثمنه.

غدامس‌

مدینة بالمغرب فی جنوبیّه ضاربة فی بلاد السودان، یجلب منها الجلود الغدامسیّة، و هی من أجود الدباغ لا شی‌ء فوقها فی الجودة، كأنّها ثیاب الخزّ فی النعومة.
بها عین قدیمة یفیض الماء منها، و یقسمها أهل البلد قسمة معلومة، فإن أخذ أحد زائدا غاض ماؤها، و أهل المدینة لا یمكنون أحدا یأخذ زائدا خوفا من النقصان. و أهلها بربر مسلمون صالحون.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 58

قاع‌

بریة بین عمان و حضر موت، من العجائب أن التاجر یمرّ بها إلی عمان بسلعته لیبیعها، فیسمع فی تلك البریة: فلان بن فلان معه سلعة تساوی كذا دینارا أو درهما! فیدخل عمان لم یزد علی ذلك شی‌ء أصلا، و اللّه الموفق.

قلعة الشرف‌

قلعة حصینة بالیمن قرب زبید لا یمكن استخلاصها قهرا لأنّها بین جبال لا یوصل إلیها إلّا فی مضیق لا یسع إلّا رجلا واحدا مسیرة یوم و بعض یوم، و دونه غیاض، أوی إلیه علیّ بن المهدی الحمیری المستولی علی زبیّد سنة خمسین و خمسمائة، و اللّه الموفق.

كاكدم‌

مدینة بأقصی المغرب جنوبیّ البحر متاخمة لبلاد السودان، منها صنّاع أسلحة.
منها الرماح و الدرق اللمطیة من جلد حیوان یقال له اللمط، لا یوجد إلّا هناك، و هو شبه الظباء أبیض اللون، إلّا أنّه أعظم خلقا، یدبغ جلده فی بلادهم باللبن و قشر بیض النعام سنة كاملة، لا یعمل فیه الحدید أصلا، إن ضرب بالسیوف نسبت عنه، و إن أصابه خدش أو بتر یبلّ بالماء و یمسح بالید فیزول عنه، یتّخذ منه الدرق و الجواشن قیمة كل واحد منها ثلاثون دینارا، و حكی الفقیه علی الجنحانی: انّه مرّ بقرب كاكدم بتلّ عال، و الناس یقولون من صعد هذا التلّ اختطفه الجنّ، و عنده مدینة النحاس التی اشتهر ذكرها، و سیأتی ذكرها فی موضعه إن شاء اللّه تعالی.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 59

كله‌

بلدة بأرض الهند فی منتصف الطریق بین عمان و الصین، موقعها فی المعمورة فی وسط خطّ الاستواء، إذا كان منتصف النهار لا یبقی لشی‌ء من الأشخاص ظلّ البتّة.
بها منابت الخیزران، منها یحمل إلی سائر البلاد.

كنام‌

قال عبد اللّه بن عمرو بن العاص: هی أرض بین الصین و الهند من عجائب الدنیا، بها بطّة من نحاس علی عمود من نحاس أیضا، فإذا كان یوم عاشوراء نشرت البطّة جناحیها و مدّت رقبتها فیفیض من الماء ما یكفیهم لزروعهم و مواشیهم إلی القابل.

كوّار

ناحیة من بلاد السودان جنوبی فزّان، بها عین الفرس، قیل: إن عقبة ابن عامر ذهب إلی كوّار غازیا، فنزل ببعض منازلها فأصابهم عطش حتی أشرفوا علی الهلاك، فقام عقبة و صلّی ركعتین و دعا اللّه تعالی، فجعل فرس عقبة یبحث فی الأرض حتی كشف عن صفاة فانفجر منها الماء، و جعل الفرس یمصّه، فرأی عقبة ذلك فنادی فی الناس أن احتفروا، فحفروا و شربوا فسمّی ذلك الماء ماء الفرس، و افتتح كوار و قبض علی ملكها، و منّ علیه و فرض علیه مالا.

لنجویة

جزیرة عظیمة بأرض الزنج، بها سریر ملك الزنج، و إلیها تقصد المراكب من جمیع النواحی، من عجائبها كروم بها تطعم فی كلّ سنة ثلاث مرّات، كلّما انتهی أحدها أخرج الآخر.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 60

مأرب‌

كورة بین حضر موت و صنعاء، لم یبق بها عامرا إلّا ثلاث قری یسمّونها الدروب، كلّ قریة منسوبة إلی قبیلة من الیمن، و هم یزرعونها علی الماء الذی جاء من ناحیة السدّ، یسقون أرضهم سقیة واحدة و یزرعون علیه ثلاث مرّات فی كلّ عام، فیكون بین زرع الشعیر و حصاده فی ذلك الموضع نحو شهرین.
و كان بها سیل العرم الذی جری ذكره فی سبأ.
ذكروا أن میاه جبالها تجتمع هناك و سیول كثیرة، و لها مخرج واحد؛ فالأوائل قد سدّوا ذلك المخرج بسدّ محكم، و جعلوا لها مثاعب یأخذون منها قدر الحاجة، فاجتمعت المیاه بطول الزمان و صار بحرا عظیما خارج السدّ، و داخله عمارات و بساتین و مزارع، فسلّط اللّه تعالی الجرذ علی السدّ یحفره بأنیابه و یقلعه بمخالیبه، حتی سدّ الوادی الذی نحو البحر و فتح ممّا یلی السدّ، فغرقت البلاد حتی لم یبق إلّا ما كان علی رؤوس الجبال، و ذهبت الحدائق و الجنان و الضیاع و الدور و القصور، و جاء السیل بالرمل فطمّها، و هی علی ذلك إلی الیوم، كما أخبر اللّه تعالی، فجعلهم اللّه أحادیث و مزّقهم كلّ ممزّق.
و العرم المسنّاة بنتها ملوك الیمن بالصخر و القار حاجزا بین السیول و الضیاع، ففجرته فأرة لیكون أظهر فی الأعجوبة؛ قال الأعشی:
ففی ذلك للمؤتسی أسوةو مأرب عفّی علیها العرم
رخام بنته لهم حمیرإذا ما نأی ماؤهم لم یرم
فأروی الحروث و أعنابهاعلی سعة ماؤهم إن قسم
فكانوا بذلكم حقبةفمال بهم جارف منهدم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 61

مذیخرة

قلعة حصینة قرب عدن، علی قلّة جبل لا سبیل للفكر إلی استخلاصها إذ لا مصیر إلیها إلّا من طریق واحد، و هو صعب جدّا، و فیها عین عظیمة علی رأس الجبل تسقی عدّة قری.
قال الاصطخری: أعلی هذا الجبل نحو من عشرین فرسخا، فیها مزارع و میاه كثیرة، و نباتها الورس، تغلّب علیها محمّد بن الفضل القرمطی الذی خرج من الیمن، و قصّته مشهورة، و اللّه الموفق.

مرباط

مدینة بین حضر موت و عمان، و هی فرضة ظفار، لأن ظفار مرساها غیر جیّد، بها اللبان یحمل منها إلی سائر البلدان و هو غلّة للملك.
أهلها عرب موصوفون بقلّة الغیرة، و ذلك ان كلّ لیلة نساؤهم یخرجن إلی خارج المدینة، و یسامرن الرجال الأجانب، و یجالسنهم و یلاعبنهم إلی نصف اللیل، فیجوز الرجل علی زوجته و أخته و أمّه و هی تلاعب آخر و تحادثه فیعرض عنها و یمشی إلی زوجة غیره یحادثها.
و قال صاحب معجم البلدان: رأیت بجزیرة قیس رجلا عاقلا أدیبا من مرباط، فقلت له: بلغنی منكم حدیث أنكرته. فقال: لعلّك تقول عن السمر؟ فقلت: نعم أخبرنی أصحیح أم لا؟ فقال: إنّه صحیح! و باللّه أقسم إنّه لقبیح، و لكن علی ذلك نشأنا، ولو استطعنا لأزلناه و لكن لا سبیل إلی إزالته!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 62

مسور

مخلاف بالیمن، بها قری كثیرة و مزارع و أودیة كثیرة من خواصّها العجیبة أن البرّ و الشعیر و الذرة یبقی بها مدّة طویلة لا یتغیّر، و ذكر أنّهم ادّخروا حنطة، فرأوها بعد ثلاثین سنة و لم یتغیّر منها شی‌ء.

مقدشو

مدینة فی أوّل بلاد الزنج، فی جنوبی الیمن علی ساحل البحر. و أهلها عرباء لا سلطان لهم، و یدبّر أمرهم المتقدّمون علی الاصطلاح، و حكی التجّار أنّهم یرون بها القطب الجنوبی مقاربا لوسط السماء و سهیلا، و لا یرون القطب الشمالی البتّة، و انّهم یرون هناك شیئا مقدار جرم القمر شبه قطعة غیم بیضاء، لا یغیب أبدا و لا یبرح مكانه، یحمل منها الصندل و الآبنوس و العنبر و العاج إلی غیرها من البلاد.

مقری‌

قریة علی مرحلة من صنعاء، بها معدن العقیق و نیله من أجود أنواع العقیق، حكی معالجوه أنّهم یجدون قطعة نحو عشرین منّا، فیكسر و یلقی فی الشمس عند شدّة الحرّ، ثمّ یسجر له التنّور بأبعار الإبل، و یجعلونه فی شی‌ء یكنّه عن ملامسة النار، فسیّر منه ماء یجری فی مجری وضعوه له، ثمّ یستخرجونه لم یبق منه إلّا الجوهر و ما عداه صار رمادا.

مهرة

أرض بالیمن؛ قال ابن الفقیه: بها شجرة إذا كانت الأشهر الحرم هطل منها الماء، فیمتلئ منه الحیاض و المصانع، و إذا مرّت الأشهر الحرم انقطع الماء.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 63
منها النجائب المهریّة، و انّها كریمة جدّا، ذكر أن سلیمان بن عبد الملك كتب إلی عامله بالیمن لیشتری له نجائب مهریة، فطلبوا فلم یجدوا شیئا، فقدم رجل من بجیلة علی جمل عظیم الهامة، فساوموه فقال: لا أبیعه.
فقالوا: لا نغصبك و لا ندعك، لكن نحبسك و نكاتب أمیر المؤمنین حتی یأتینا أمره! فقال: هلّا خیرا من هذا؟ قالوا: و ما هو؟ قال: معكم نجائب كرام و خیل سبّق، دعونی حتی أركب جملی و اتبعونی، فإن لحقتمونی فهو لكم بغیر ثمن. ثمّ قال: تأهّبوا. فصاح فی أذنه ثمّ أثاره، فوثب وثبة شدیدة فتبعوه فلم یدركوه.

وبار

قال اللّیث: هو أرض بین الیمن و جبال یبرین من محالّ عاد، فلمّا أهلكوا أورث اللّه أرضهم الجنّ فلا یتقاربها أحد من الناس.
قال أهل السیر: هی مسمّاة بوبار بن ارم بن سام بن نوح، علیه السلام، و هی ما بین الشّحر إلی صنعاء زهاء ثلاثمائة فرسخ فی مثلها.
قال أحمد بن محمّد الهمذانی: وبار كانت أكثر الأرضین خیرا و أخصبها ضیاعا و أكثرها شجرا و میاها و ثمرا، فكثرت بها القبائل و عظمت أموالهم، و كانوا ذوی أجسام فأشروا و بطروا لم یعرفوا حقّ نعم اللّه تعالی علیهم، فبدّل اللّه تعالی خلقهم و صیّرهم نسناسا، لأحدهم نصف رأس و نصف وجه و عین واحدة و ید واحدة و رجل واحدة، فخرجوا یرعون فی تلك الغیاض علی شاطی‌ء البحر كما ترعی البهائم، و هم فیما بین و بار و أرض الشّحر و أطراف الیمن، یفسدون الزرع فیصیدهم أهل تلك الدیار بالكلاب، ینفّرونهم عن زروعهم و حدائقهم.
حكی ابن الكیس النمری قال: كنّا فی رفقة أضللنا الطریق، فوقعنا فی غیضة علی ساحل البحر لا یدرك طرفاه، فإذا أنا بشیخ طویل كالنخلة، له
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 64
نصف رأس و نصف بدن و عین واحدة و ید واحدة و رجل واحدة، فأسرع مثل حضر الفرس العتیق و هو یقول:
فررت من جور الشّراة شدّاإذ لم أجد من الفرار بدّا
قد كنت دهرا فی شبابی جلدافها أنا الیوم ضعیف جدّا
زعم العرب أن سكّان أرض و بار جنّ، و لا یدخلها إنسی أصلا، فإن دخلها غالطا أو عامدا حثوا فی وجهه التراب، فإن أبی إلّا الدخول خبّلوه أو قتلوه، أو ضلّ فیها و لا یعرف له خبر، و لهذا قال الفرزدق:
و لقد ضللت أباك تطلب دارماكضلال ملتمس طریق و بار
لا تهتدی به أبدا ولو بعثت به‌بسبیل واردة و لا آثار
منها الإبل الحوشیة، تزعم العرب أنّها التی ضربها إبل الجنّ، و هی إبل لم یر أحسن منها؛ قال الشاعر:
كأنی علی حوشیّة أو نعامةلها نسب فی الطّیر أو هی طائر
حكی أن رجلا من أهل الیمن یوما رأی فی إبله فحلا كأنّه كوكب بیاضا و حسنا، فأقرّه فیها حتی ضرب إبله، فلمّا لقحها لم یره حتی كان العام المقبل، و قد نتجت النوق أولادا لم یر أحسن منها، و هكذا فی السنة الثانیة و الثالثة. فلمّا ألقحها و أراد الانصراف هدر فاتبعه سائر ولده، فتبعها الرجل حتی وصل إلی أرض و بار، فرأی هناك أرضا عظیمة و بها من الإبل الحوشیة و البقر و الحمیر و الظباء ما لا یحصی كثرة، و رأی نخلا كثیرا حاملا و غیر حامل، و التمر ملقی حول النخل قدیما و حدیثا بعضه علی بعض، و لم یر أحدا من الناس، فبینا هو كذلك إذ أتاه آت من الجنّ و قال له: ما وقوفك هاهنا؟ فقصّ علیه قصّته و ما كان من الإبل، فقال له: لو كنت فعلت ذلك علی معرفة لقتلتك!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 65
و إیاك و المعاودة، فإن ذاك لفحل من إبلنا، عمد إلی أولاده فجاء بها. و أعطاه جملا، و قال: انج بنفسك و هذا الجمل لك.
قالوا: إن النجائب المهریّة من نسل ذلك الجمل.

ورور

حصن منیع فی جبال صنعاء، من استولی علیه یختلّ دماغه، یدّعی نبوة أو خلافة أو سلطنة، و لمّا استولی علیه عبد اللّه بن حمزة الزیدی ادّعی الإمامة، و أجابه خلق من الیمن، زعم أنّه من ولد أحمد بن الحسین بن القاسم بن إسمعیل ابن الحسن بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب، و رواة الأنساب یقولون: ان أحمد لم یعقب، و كان ذا لسان و بلاغة، و له تصانیف فی مذهب الزیدیة، و له أشعار منها:
لا تحسبوا أنّ صنعا جلّ مأربتی‌و لا ذمار إذا أشمتّ حسّادی
و اذكر إذا شئت تشجینی و تطریبی‌كرّ الجیاد علی أبواب بغداد

الیمن‌

بلاد واسعة من عمان إلی نجران، تسمّی الخضراء لكثرة أشجارها و زروعها، تزرع فی السنة أربع مرّات، و یحصد كلّ زرع فی ستّین یوما، و تحمل أشجارهم فی السنة مرّتین.
و أهلها أرقّ الناس نفوسا و أعرفهم للحقّ، سمّاهم اللّه تعالی الناس حیث قال: ثمّ أفیضوا من حیث أفاض الناس، و قال، صلّی اللّه علیه و سلّم:
إنی لأجد نفس الرحمن من صوب الیمن. أراد به نصرة الأوس و الخزرج.
و قال أیضا: الإیمان یمان و الحكمة یمانیة.
قال الأصمعی: أربعة أشیاء قد ملأت الدنیا و لا تكون إلّا بالیمن: الورس و الكندر و الخطر و العقیق.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 66
و بها الأحقاف و هی الآن تلال من الرمل بین عدن و حضر موت، و كانت مساكن عاد أعمر بلاد اللّه و أكثرها عمارة و زرعا و شجرا، فلمّا سلّط اللّه تعالی علیهم الریح طمّها بالرمل، و هی إلی الآن تحت تلك الأحقاف، جعلها اللّه تعالی عبرة للناظرین و خبرة للغابرین، كما قال تعالی: أ و لم یسیروا فی الأرض فینظروا كیف كان عاقبة الذین من قبلهم، كانوا أكثر منهم و أشدّ قوّة، و أثاروا الأرض و عمروها أكثر ممّا عمروها.
و بها قصران من قصور عاد، و لمّا بعث معاویة عبد الرحمن بن الحكم إلی الیمن والیا، بلغه أن بساحل عدن قصرین من قصور عاد و ان فی بحرها كنزا، فطمع فیه و ذهب فی مائة فارس إلی ساحل عدن إلی أقرب القصرین فرأی ما حولهما من الأرض سباخا بها آثار الآبار، و رأی قصرا مبنیّا بالصخر و الكلس، و علی بعض أبوابه صخرة عظیمة بیضاء مكتوب علیها:
غنینا زمانا فی عراضة ذا القصربعیش رخیّ غیر ضنك و لا نزر
یفیض علینا البحر بالمدّ زاخراو أنهارنا بالماء مترعة تجری
خلال نخیل باسقات نواضرتأنّق بالقسب المجزّع و التّمر
و نصطاد صید البرّ بالخیل و القناو طورا نصید النّون من لجج البحر
و نرفل فی الخزّ المرقّم تارةو فی القزّ أحیانا و فی الحلل الحضر
یلینا ملوك یبعدون عن الحناشدید علی أهل الخیانة و الغدر
یقیم لنا من دین هود شرائعاو یؤمن بالآیات و البعث و النّشر
إذا ما عدوّ حلّ أرضا یریدنابرزنا جمیعا بالمثقّفة السّمر
نحامی علی أولادنا و نسائناعلی الشّهب و الكمت المعانیق و الشّقر
نقارح من یبغی علینا و یعتدی‌بأسیافنا حتی یولّون بالدّبر
ثمّ مضی إلی القصر الآخر و بینهما أربعة فراسخ، فرأی حوله آثار الجنان
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 67
و البساتین. قال: فدنونا من القصر فإذا هو من حجارة و كلس غلب علیه ماء البحر و رأینا علی بابه صخرة عظیمة علیها مكتوب:
غنینا بهذا القصر دهرا فلم یكن‌لنا همّة إلّا التّلذّذ و القصف
یروح علینا كلّ یوم هنیدةمن الإبل یعشو فی معاطنها الطّرف
و أضعاف تلك الإبل شاء كأنّهامن الحسن آرام أو البقر القطف
فعشنا بهذا القصر سبعة أحقب‌بأطیب عیش جلّ عن ذكره الوصف
فجاءت سنون مجد بات قواحل‌إذا ما مضی عام أتی آخر یقفو
فظلنا كأن لم تغن فی الخیر لمحةفماتوا و لم یبق خفّ و لا ظلف
كذلك من لم یشكر اللّه لم تزل‌معالمه من بعد ساحته تعفو
قال: فعجبنا من ذلك، ثمّ مضینا إلی الساحل الذی ذكر أن فیه كنزا، فأمرنا الغوّاصین فغاصوا و أخرجوا جرارا من صفر مطبقة بصفر، فلم نشكّ انّه مال حتی جمعت جرار كثیرة، ففتحنا بعضها فخرج منها شیطان و قال:
یا ابن آدم إلی متی تحبسنا؟ فبینا نحن نتعجّب من ذلك إذ رأینا سوادا عظیما أقبل من جزیرة قریبة من الساحل، ففزعنا فزعا فاقتحم الماء و أقبل نحونا، فإذا هی قردة قد اجتمع منها ما لا یعلم عددها إلّا اللّه.
و كانت تلك الجزیرة مأواها، و أمامها قرد عظیم فی عنقه لوح حدید معلّق بسلسلة، فأقبل إلینا و رفع اللوح نحونا، فأخذنا اللوح من عنقه فإذا فیه كتابة بالسریانیّة، و كان معنا من یحسن قراءتها فقرأها فإذا هی: بسم اللّه العظیم الأعظم. هذا كتاب من سلیمان بن داود رسول اللّه لمن فی هذه الجزیرة من القردة، إنی قد أمرتهم بحفظ هؤلاء الشیاطین، المحبّسین فی هذه الناحیة فی هذه الجرار الصفر، و جعلت لهن أمانا من جمیع الجنّ و الإنس، فمن أرادهن أو عرض لهنّ فهو بری‌ء منی، و أنا بری‌ء منه فی الدنیا و الآخرة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 68
فأردنا أن نمضی باللّوح إلی معاویة لینظر إلیه، فلمّا ولّینا وقفت القردة كلّها أمامنا و حاصرتنا، و ضجّت ضجّة فرددنا اللوح إلیها، فأخذته و اقتحمت الماء و عادت إلی الجزیرة.
و من عجائب الیمن ما ذكر ابن فنجویه أن بأرض عاد تمثالا علی هیئة فارس.
و میاه تلك الأرض كلّها ملحة، فإذا دخلت الأشهر الحرم یفیض من ذلك التمثال ماء كثیر عذب، لا یزال یجری إلی انقضاء الأشهر الحرم، و قد تطفّحت حیاضهم من ذلك الماء فیكفیهم إلی تمام السنة؛ قال الشاعر:
و بأرض عاد فارس یسقیهم‌بالعین عذبا كالفرات السّائح
فی الأشهر الحرم العظیمة قدرهایغنون عن شرب الزّعاق المالح
فإذا انقضی الشّهر الحرام تطفّحت‌تلك الحیاض بماء عین السّافح
و بها جبل الشّبّ، و علی رأس هذا الجبل ماء یجری من كلّ جانب، و ینعقد حجرا قبل أن یصل إلی الأرض، و الشبّ الیمانی الأبیض من ذلك.
و بها جبل شبام؛ قال محمّد بن أحمد بن إسحاق الهمذانی: إنّه جبل عظیم بقرب صنعاء، بینها و بینه یوم واحد، و هو صعب المرتقی لیس إلیه إلّا طریق واحد، و ذروته واسعة فیها ضیاع كثیرة و مزارع و كروم و نخیل، و الطریق إلیها فی دار الملك، و للجبل باب واحد مفتاحه عند الملك، فمن أراد النزول إلی السهل استأذن الملك حتی یأذن بفتح الباب له، و حول تلك الضیاع و الكروم جبال شاهقة لا تسلك و لا یعلم أحد ما وراءها إلّا اللّه. و میاه هذا الجبل تنكسب إلی سدّ هناك، فإذا امتلأ السدّ ماء فتح لیجری إلی صنعاء و مخالیفها.
و بها جبل كوكبان، إنّه بقرب صنعاء علیه قصران مبنیان بالجواهر، یلمعان باللیل كالكوكبین و لا طریق إلیهما. قیل: إنّهما من بناء الجنّ.
و بها نهر الیمن؛ قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض الیمن نهر عند طلوع الشمس یجری من المشرق إلی المغرب، و عند غروبها من المغرب إلی المشرق.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 69
و بها العلس، و هو نوع من الحنطة حبّتان منه فی كمام لا یوجد إلّا بالیمن، و هو طعام أهل صنعاء.
و بها الورس، و هو نبت له خریطة كما للسمسم، ذكروا انّه یزرع سنة و یبقی عشرین سنة.
و بها الموز و هی ثمرة شبیهة بالعنب إلّا أنّه حلو دسم، لا تحمل شجرتها إلّا مرّة واحدة.
و بها نوع من الكمثری، من أكل منها واحدة یطلق عشر مرّات، و ان أكل اثنتین یطلق عشرین مرّة، و إن أكل ثلاثا یطلق ثلاثین. و یتّخذ منه عسل یلعق منه صاحب القولنج فینفتح فی الحال.
و یجلب منها سیوف لیس فی شی‌ء من البلاد مثلها، و یجلب منها البرود الیمانیة، و قرودها أخبث القرود و أسرع قبولا للتعلیم.
و بها الغدار، و هو نوع من المتشیطنة یوجد بأكناف الیمن، یلحق الإنسان و یقع علیه، فإذا أصیب الإنسان منه یقول أهل تلك النواحی: أمنكوح هو أم مذعور؟ فإن قالوا منكوح أیسوا منه، و إن كان مذعورا سكن روعه و شجع، و من الناس من لم یكترث به لشجاعة نفسه.
و حكی عن الشافعی أنّه قال: دخلت بلدة من بلاد الیمن فرأیت فیها إنسانا من وسطه إلی أسفله بدن امرأة، و من وسطه إلی فوقه بدنان متفرّقان بأربع أید و رأسین و وجهین، و هما یتلاطمان مرّة و یصطلحان أخری، و یأكلان و یشربان.
ثمّ غبت عنهما سنین و رجعت، فسألت عنها فقیل لی: أحسن اللّه عزاءك فی أحد الجسدین! توفی فربط من أسفله بحبل حتی ذبل ثمّ قطع، و الجسد الآخر تراه فی السوق ذاهبا و جائیا.
و منها أبو عبد الرحمن طاووس بن كیسان الیمانی افتخار الیمن، كان من أعلم الناس بالحلال و الحرام، له نسل بقزوین مشایخ و علماء إلی الآن، و هو جدّی من قبل الأم، ذكر یوسف بن اسباط أن طاووسا مرّ بنهر سلطانی، فهمّت
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 70
بغلته أن تشرب منه فمنعها. و ذكر بشر بن عبد اللّه أن طاووسا مرّ بالسوق فرأی رؤوسا مشویّة بارزة الأسنان فلم ینعس تلك اللیلة، و قال إن اللّه تعالی یقول:
تلفح وجوههم النار و هم فیها كالحون.
و قال منعم بن ادریس: صلّی طاووس الیمانی صلاة الفجر بوضوء العتمة أربعین سنة. توفی سنة ستّ و مائة بمكّة قبل یوم الترویة عن بضع و تسعین سنة.
و كان الناس یقولون: رحم اللّه أبا عبد الرحمن، حجّ أربعین حجّة و صلّی علیه هشام بن عبد الملك، و هو خلیفة حجّ تلك السنة.
و منها أویس بن عامر القرنی. روی أبو هریرة عن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، أن للّه تعالی من خلقه الأصفیاء الأحفیاء، الشعثة شعورهم الغبرة وجوههم الخمصة بطونهم، الذین إذا استأذنوا علی الأمراء لم یؤذنوا، و إن خطبوا المنعّمات لم ینكحوا، و إن غابوا لم یفتقدوا، و إن طلعوا لم یفرح بطلعتهم، و إن مرضوا لم یعادوا، و إن ماتوا لم یشهدوا.
قالوا: یا رسول اللّه كیف لنا برجل منهم؟ قال: ذاك أویس القرنی! قالوا: و ما أویس القرنی؟ قال: أشهل ذو صهوبة بعید ما بین الكتفین معتدل القامة، آدم شدید الأدمة، ضارب بذقنه إلی صدره، رام ببصره إلی موضع سجوده، واضع بیمینه علی شماله، یتلو القرآن، یبكی علی نفسه، ذو طمرین لا یؤبه له، متّزر بإزار صوف و رداء صوف، مجهول فی أهل الأرض معروف فی أهل السماء، لو أقسم علی اللّه لأبرّ قسمه! الا و ان تحت منكبه الأیسر لمعة بیضاء، الا و انّه إذا كان یوم القیامة قیل للعباد: ادخلوا الجنّة، و قیل لأویس: قف و اشفع! یشفّعه اللّه، عزّ و جلّ، فی مثل عدد ربیعة و مضر. یا عمر و یا علیّ إذا أنتما لقیتماه فاطلبا إلیه أن یستغفر لكما. فكانا یطلبانه عشرین سنة، فلمّا كان سنة هلك فیها عمر قام علی أبی قبیس و نادی بأعلی صوته: یا أهل الحجیج من الیمن، أفیكم أویس؟ فقام شیخ كبیر و قال:
إنّا لا ندری ما أویس، لكن لی ابن أخ یقال له أویس، هو أخمل ذكرا و أقلّ
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 71
مالا و أهون أمرا من أن نرفعه إلیك! و إنّه لیرعی إبلنا حقین بین أظهرنا! فقال له عمر: إن ابن أخیك هذا عزمنا! قال: نعم. قال: فأین یصاب؟
قال: بأراك عرفات.
فركب عمر و علیّ سراعا إلی عرفات فإذا هو قائم یصلّی إلی شجرة و الإبل حوله ترعی، فأقبلا إلیه و قالا: السلام علیك و رحمة اللّه و بركاته! فردّ علیهما جواب السلام. قالا له: من الرجل؟ قال: راعی إبل و أجیر قوم! قالا:
ما اسمك؟ قال: عبد اللّه. قالا: اسمك الذی سمّتك أمّك به؟ قال: یا هذان ما تریدان إلیّ؟ قالا: وصف لنا رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، أویسا القرنی و قد عرفنا الصهوبة و الشهولة، أخبرنا أن تحت منكبك الأیسر لمعة بیضاء أوضحها لنا. فأوضح منكبه، فإذا اللمعة فابتدار یقبّلانه و قالا: نشهد أنّك أویس القرنی! فاستغفر لنا یغفر اللّه لك! فقال: ما أخصّ باستغفاری نفسی و لا أحدا من ولد آدم، و لكنّه من فی البحر و البرّ من المؤمنین و المؤمنات و المسلمین و المسلمات. یا هذان، قد شهر اللّه لكما حالی و عرّفكما أمری فمن أنتما؟ قال علیّ: أمّا هذا فعمر أمیر المؤمنین، و أمّا أنا فعلیّ بن أبی طالب!
فاستوی أویس و قال: السلام علیك یا أمیر المؤمنین و رحمة اللّه و بركاته، و علیك یا علیّ بن أبی طالب، فجزا كما اللّه عن هذه الأمّة خیرا! قالا: و أنت جزاك اللّه عن نفسك خیرا! فقال له عمر: مكانك یرحمك اللّه، حتی أدخل مكّة و آتیك بنفقة من عطائی و فضل كسوة من ثیابی، هذا المكان میعاد بینی و بینك. فقال: یا أمیر المؤمنین لا میعاد بینی و بینك، لا أراك بعد الیوم تعرفنی، ما أصنع بالنفقة و ما أصنع بالكسوة؟ أما تری علیّ إزارا و رداء من صوف متی ترانی أبلیهما؟ أما تری أنی أخذت رعائی أربعة دراهم متی ترانی آكلها؟
یا أمیر المؤمنین، إن بین یدیّ و یدیك عقبة كؤودا لا یجاوزها إلّا ضامر مخفّ مهزول! فلمّا سمع عمر ذلك ضرب بدرّته الأرض ثمّ قال بأعلی صوته:
یا لیت عمر لم تلده أمّه! یا لیتها كانت عاقرا لم تعالج حملها! قال: یا أمیر
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 72
المؤمنین خذ أنت هاهنا حتی آخذ أنا هاهنا؛ فولّی عمر نحو ناحیة مكّة و ساق أویس إبله، فأتی القوم بإبلهم و خلّی الرعایة و أقبل علی العبادة.
و حكی أن أویسا إذا خرج یرمیه الصبیان بالحجارة، و هو یقول: إن كان لا بدّ فبالصغار حتی لا تدموا ساقیّ فتمنعونی من الصلاة. و حدّث عبد الرحمن ابن أبی لیلی أنّه نادی یوم صفّین رجل من أهل الشام: أفیكم أویس القرنی؟
قلنا: نعم! ما ترید منه؟ قال: إنی سمعت رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، یقول: أویس القرنی خیر التابعین بإحسان. و عطف دابته و دخل مع أصحاب علیّ فنادی مناد فی القوم: أویس! فوجد فی قتلی علیّ، كرّم اللّه وجهه.
و منها أبو عبد اللّه وهب بن منبّه، و كان الغالب علیه قصص الأنبیاء و أخبار القرون الماضیة و الوعظ؛ قال: قرأت فی بعض الكتب أن منادیا ینادی من السماء الرابعة كلّ صباح: أبناء الأربعین زرع قد دنا حصاده! أبناء الخمسین ماذا قدّمتم و ماذا أخّرتم؟ أبناء الستّین لا عذر لكم! لیت الخلق لم یخلقوا و إذا خلقوا علموا لماذا خلقوا. قد أتتكم الساعة فخذوا حذركم؛ قال منعم بن ادریس:
إن وهب بن منبّه صلّی أربعین سنة صلاة الفجر بوضوء العشاء. مات سنة أربع عشرة و مائة.
هذا آخر ما عرفناه من الإقلیم الأوّل.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 73

الاقلیم الثانی‌

اشارة

هو حیث یكون ظلّ الاستواء، فی أوّله نصف النهار إذا استوی اللیل و النهار قدمین و ثلاثة أخماس قدم، و آخره حیث یكون ظل الاستواء فیه نصف النهار ثلاثة أقدام و نصف و عشر سدس قدم، یبتدی‌ء من المشرق فیمرّ علی بلاد الصین و بلاد الهند و السند، و یمرّ بملتقی البحر الأخضر، و یقطع جزیرة العرب فی أرض نجد و تهامة و البحرین، ثمّ یقطع بحر القلزم و نیل مصر إلی أرض المغرب.
و یكون أطول نهار هؤلاء فی أوّل الإقلیم ثلاث عشرة ساعة و ربع الساعة، و آخره ثلاث عشرة ساعة و نصف و ربع، و أوسطه ثلاث عشرة ساعة و نصف، و طوله من المشرق إلی المغرب تسعة آلاف و ثلاثمائة و اثنا عشر میلا و اثنتان و أربعون دقیقة، و عرضه أربعمائة میل و میلان واحدی و خمسون دقیقة، و مساحتها مكسرا ثلاثة آلاف ألف و ستّمائة ألف میل، و تسعون ألف میل، و ثلاثمائة و أربعون میلا و أربع و خمسون دقیقة، و أمّا المدن الواقعة فیها فسنذكرها مرتّبة علی حروف المعجم، ما انتهی خبرها إلینا، و اللّه المستعان.

الأبلق‌

حصن السّموأل بن عادیا الیهودی الذی یضرب به مثل الوفاء، و الحصن یسمّی الابلق الفرد، لأنّه كان فی بنائه بیاض و حمرة، و هو بین الحجاز و الشام علی تلّ من تراب، و الآن بقی علی التلّ آثار الأبنیة القدیمة، بناه أبو السموأل عادیا الیهودی. یقال: أوفی من السموأل.
و كان من قصّته أن امرأ القیس بن حجر الكندی، لمّا قتل أبوه مرّ إلی قیصر
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 74
یستنجده علی قتلة أبیه، و كان اجتیازه علی الأبلق الفرد، فرآها قلعة حصینة ذاهبة نحو السماء، و كان معه أدراع تركها عند السموأل ودیعة و ذهب.
فبلغ هذا الخبر الحرث بن ظالم الغسّانی، فسار نحو الأبلق لأخذ الدروع، فامتنع السموأل من تسلیمها إلیه، فظفر بابن السموأل و كان خارج الحصن یتصیّد، فجاء به إلی أسفل الحصن و قال: إن دفعت الدروع إلیّ و إلّا قتلت ابنك! فقال السموأل: لست أخفر ذمّتی فاصنع ما شئت! فذبحه و السموأل ینظر إلیه و انصرف الملك علی یأس! فضرب العرب المثل فی الوفاء. و قال السموأل:
بنی لی عادیا حصنا حصیناو ماء كلّما شئت استقیت
رفیعا تزلق العقبان عنه‌إذا ما نابنی ضیم أبیت
و أوصی عادیا قدما بأن لاتهدّم یا سموأل ما بنیت
وفیت بأدرع الكندیّ إنی‌إذا ما خان أقوام وفیت

أجأ و سلمی

آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی ؛ ص74
لان بأرض الحجاز، و بها مسكن طیّ‌ء و قراهم. موضع نزه كثیر المیاه و الشجر. قیل: أجأ اسم رجل و سلمی اسم امرأة كانا یألفان عند امرأة اسمها معروجا، فعرف زوج سلمی بحالهما فهربا منه، فذهب خلفهما و قتل سلمی علی جبل سلمی و أجأ علی جبل أجأ، و معروجا، فسمیّت المواضع بهم، و قال الكلبی: كان علی أجأ أنف أحمر كأنّه تمثال إنسان یسمّونه فلسا، كان طیّ‌ء یعبدونه إلی عهد رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، فلمّا جاء الإسلام بعث رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، علیّ بن أبی طالب فی مائة و خمسین من الأنصار، فكسروا فلسا و هدموا بیته و أسروا بنت حاتم.
ینسب إلیها أبو سلیمان داود بن نصیر الطائی الزاهد العابد؛ قیل إنّه سمع
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 75
امرأة عند قبر تقول:
مقیم إلی أن یبعث اللّه خلقه‌لقاؤك لا یرجی و أنت قریب
تزید بلی فی كلّ یوم و لیلةو تبقی كما تبلی و أنت حبیب
كان ذلك سبب توبته. و قیل: إنّه ورث من أبیه أربعمائة درهم، أنفقها ثلاثین سنة، و صام أربعین سنة، ما علم أهله أنّه صائم. و كان حرّازا یأخذ أوّل النهار غداءه معه إلی الدكان، و یتصدّق به فی الطریق، و یرجع آخر النهار یتعشّی فی بیته، و لا یعلم أهله أنّه كان صائما. و كان له دایة قالت: یا أبا سلیمان أما تشتهی الخبز؟ قال: یا دایة بین أكل الخبز و شرب القنیت أقرأ خمسین آیة! و قال حفص بن عمر الجعفی: إن داود الطائی مرّ بآیة یذكر فیها النار فكرّرها فی لیلة مرارا، فأصبح مریضا، فوجدوه مات و رأسه علی لبنة، سنة خمس و ستّین و مائة فی خلافة المهدی.
و ینسب إلیها أبو تمام حبیب بن أوس الطائی، الشاعر المفلق، فاق علی كلّ من كان بعده بفصاحة اللفظ و جزالة المعنی؛ قیل إنّه أنشد قصیدته فی مدح المعتصم:
ما فی وقوفك ساعة من باس‌تقضی ذمام الأربع الدّرّاس
فلمّا انتهی إلی المدیح قال:
إقدام عمرو فی سماحة حاتم‌فی حلم أحنف فی ذكاء إیاس
قال بعض الحاضرین: مه! من هؤلاء حتی تشبّه الخلیفة بهم؟ فأطرق أبو تمام هنیّة ثمّ رفع رأسه و قال:
لا تنكروا ضربی له من دونه‌مثلا شرودا فی النّدی و الباس
فاللّه قد ضرب الأقلّ لنوره‌مثلا من المشكاة و النّبراس
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 76
فتعجّب الخلیفة و الحاضرون من قدرته علی الكلام فولّاه الموصل.
و حكی البحتری أنّه دخل علی بعض الولاة، و مدحه بقصیدة قرأها علیه، قال: فلمّا تمّمتها قال رجل من الحاضرین: یا هذا أما تستحی تأتی بشعری و تنشده بحضوری؟ قلت: تعنی أن هذه القصیدة لك؟ قال: خذها! و جعل یعیدها إلی آخرها. قال: فبقیت لا أری بعینی شیئا و اسودّ وجهی، فقمت حتی أخرج فلمّا شاهد منی تلك الحالة قام و عانقنی و قال: الشعر لك و أنت أمیر الشعراء بعدی! فسألت عنه، قالوا: هو أبو تمام الطائی.
و ینسب إلیها حاتم الطائی، و كان جوادا شاعرا شجاعا، إذا قاتل غلب و إذا غنم نهب و إذا سئل وهب، و كان أقسم باللّه أن لا یقتل واحد أمّه، و كان یقول لعبده یسار إذا اشتدّ كلب الشتاء:
أوقد فإنّ اللّیل لیل قرّو الرّیح یا واقد ریح صرّ
عسی یری نارك من یمرّإن جاءنا ضیف فأنت حرّ
و قالوا: لم یكن یمسك إلّا فرسه و سلاحه.
و حكی أنّه اجتاز فی سفره علی عترة، فرأی فیهم أسیرا، فاستغاث بحاتم، فاشتراه من العتریّین و قام مقامه فی القدّ حتی أدّی فكاكه.
و من العجب ما ذكر أن قوما نزلوا عند قبر حاتم، و باتوا هناك و فیهم رجل یقال له أبو الخیبری، یقول طول لیله: یا حفر اقر أضیافك! فقیل له:
مهلا ما تكلّم من رمّة بالیة! فقال: إن طیّئا یزعم أنّه لم ینزل به أحد إلّا قراه! فلمّا نام رأی فی نومه كأن حاتما جاء و نحر راحلته، فلمّا أصبح جعل یصیح: وا راحلتاه! فقال أصحابه: ما شأنها؟ قال: عقرها حاتم بسیفه و اللّه و أنا أنظر إلیها حتی عقرها! فقالوا: لقد قراك! فظلّوا یأكلونها و اردفوه، فاستقبلهم فی الیوم الثانی راكب قارن جملا، فإذا هو عدیّ بن حاتم فقال:
أیّكم أبو الخیبری؟ قالوا: هذا. فقال: إن أبی جاءنی فی النوم و ذكر شتمك
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 77
إیّاه، و أنّه قد قری براحلتك أصحابك، و قال فی ذلك أبیاتا و هی هذه:
أبا الخیبریّ و أنت امرؤحسود العشیرة شامها
لماذا عمدت إلی رمّةبدوّیة صخب هامها
تبغی أذاها و إعسارهاو حولك غوث و أنعامها
و إنّا لنطعم أضیافنامن الكوم بالسّیف نعتامها
و أمرنی ببعیر لك فدونكه! فأخذه و ركبه و ذهب مع أصحابه.
و قال ابن دارة لمّا مدح عدیّا:
أبوك أبو سفّانة الخیر لم یزل‌لدن شبّ حتّی مات فی الخیر راغبا
به تضرب الأمثار فی النّاس میّتاو كان له إذ كان حیّا مصاحبا
قری قبره الأضیاف إذ نزلوا به‌و لم یقر قبر قبله قطّ راكبا

ارام‌

مدینة بأرض الهند، فیها هیكل فیه صنم مضطجم، یسمع منه فی بعض الأوقات صفیر فیری قائما، فإذا فعل ذلك كان دلیلا علی الرخص و الخصب فی تلك السنة، و إن لم یفعل یدلّ علی الجدب، و الناس یمتارون من المواضع البعیدة، ذكره صاحب تحفة الغرائب.

البحرین‌

ناحیة بین البصرة و عمان علی ساحل البحر، بها مغاص الدرّ، و درّه أحسن الأنواع، و ینتقل إلیها قفل الصدف فی كلّ سنة من مجمع البحرین، یحمل الصدف بالدرّ بمجمع البحرین، و یأتی إلی البحرین و یستوی خلقه هاهنا، و إذا وصل قفل الصدف یهنی‌ء الناس بعضهم بعضا، و لیس لأحد من الملوك مثل
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 78
هذه الغلّة، و من سكن بالبحرین یعظم طحاله و ینتفخ بطنه، و لهذا قال الشاعر:
و من سكن البحرین یعظم طحاله‌و یعظم فیها بطنه و هو جائع
و بها نوع من البسر، من شرب من نبیذه و علیه ثوب أبیض صبغه عرقه حتی كأنّه ثوب أحمر.
ینسب إلیها القرامطة أبو سعید و أبو طاهر، خالفوا ملّة الإسلام و قتلوا الحجّاج و نهبوا سلب الكعبة، و خروجهم سنة خمس و سبعین و مائتین فی عهد المعتمد بن المتوكّل، و قلعوا الحجر الأسود و أخذوه، و بعث إلیهم الخلیفة العبّاس بن عمرو الغنوی فی عسكر كثیف قتلوا الجمیع، و أسروا العبّاس ثمّ أطلقوه وحده حتی یخبر الناس بما جری علیهم، و الحجر الأسود بقی عندهم سنین حتی اشتراه المطیع باللّه بأربعة و عشرین ألف دینار وردّه إلی مكانه.
حكی أن بعض القرامطة قال لبعض علماء الإسلام: عجبت من عقولكم!
بذلتم مالا كثیرا فی هذا الحجر، فما یؤمنكم انّا ما أمسكناه ورددنا إلیكم غیره؟ فقال العالم: لنا فی ذلك علامة و هی أنّه یطفو علی الماء و لا یرسب!
فألقمه الحجر.

بدر

موضع بین مكّة و المدینة، بها الواقعة المباركة التی كانت بین رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، و المشركین، و حضر فیها الملائكة و الجنّ و الانس و المسلمون كلّهم. و بها بئر ألقی فیها قتلی المشركین، فدنا منها رسول اللّه، علیه السلام، و قال: یا عتبة یا شیبة هل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا؟
فقیل: یا رسول اللّه هل یسمعون كلامنا؟ فقال رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم: و الذی نفسی بیده، لستم بأسمع منهم إلّا أنّهم لا یقدرون علی ردّ الجواب!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 79

تبّت‌

بلاد متاخمة للصین من إحدی جهاته و للهند من أخری، مقدار مسافتها مسیرة شهر، بها مدن و عمارات كثیرة، و لها خواصّ عجیبة فی هوائها و مائها و أرضها من سهلها و جبلها، و لا تحصی عجائب أنهارها و ثمارها و آبارها. و هی بلاد تقوی بها طبیعة الدم، فلهذا الغالب علی أهلها الفرح و السرور، فلا یزال الإنسان بها ضاحكا فرحا لا یعرض له الهمّ و الحزن، و لا یكاد یری بها شیخ حزین أو عجوز كئیبة، بل الطرب فی الشیوخ و الكهول و الشبّان عام، حتی یری ذلك فی وجه بهائمهم أیضا، و فی أهلها رقّة طبع و بشاشة و أریحیّة تبعث علی كثرة استعمال الملاهی و أنواع الرقص، حتی ان أحدهم لو مات لا یدخل أهله كثیر حزن.
و بها معدن الكبریت الأحمر الذی فی الدنیا قلیل من ظفر به فقد ظفر بمراده.
و بها جبل السمّ، و هو جبل من مرّ به یضیق نفسه، فإمّا یموت أو یثقل لسانه.
و بها ظباء المسك و انّها فی صورة ظباء بلادنا، إلّا أن لها نابین كنابات الخنازیر، و سرّتها مسك و لكن مسك ظباء تبّت أحسن أنواع المسك، لأن ظباءها ترعی السنبل، و أهل تبت لا یتعرّضون للمسك حتی ترمیه الغزال، و ذلك أنّه یجتمع الدم فی سرّتها مثل الخراج، فإذا تمّ ذلك الخراج تأخذ الغزال شبه الحكّة، فإذا رأت حجرا حادّا تحكّ به سرّتها و الدم ینفجر منها، و الغزال تجد بذلك لذّة فتحكّ حتی تنصب المادة كلّها من السرّة و تقع علی ذلك الحجر، و أهل تبت یتبعون مراعیها، فإذا وجدوا تلك المادّة المنفجرة علی الحجر أخذوها و أودعوها النوافج، فإنّها أحسن أنواع المسك لبلوغ نضجه، و إن ذلك یكون عند ملوكهم یتهادون به قلّ ما یقع منه بید التجّار.
و بها فارة المسك، و هی دویبة تصاد و تشدّ سرّتها شدّا وثیقا، فیجتمع
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 80
فیها الدم ثمّ یذبحونها و یقوّرون سرّتها و یدفنونها فی وسط الشعیر أیّاما، فیجمد الدم فیها فیصیر مسكا ذكیّا بعدما كان نتن الرائحة، و هی أحسن أنواع المسك و أعزّها، و أیضا فی بیوتهم جرذان سود لها رائحة المسك و لا یحصل من سرّتها شی‌ء ینتفع به.
و أهل تبت ترك من نسل یافث بن نوح، علیه السلام، و بها قوم من حمیر من نسل من حملهم إلیها فی زمن التبابعة.

تكناباذ

ناحیة من أعمال قندهار، فی جبالها حجر إذا ألقی علی النار و نظر إلیه شی‌ء من الحیوان، ینتفخ بدنه حتی یصیر ضعف ما كان.
حكی لی الأمیر حسام الدین أبو المؤیّد نعمان أن تلك الخاصیّة فی المرة الأولی كراكب البحر، فإنّه فی المرّة الأولی یغشاه الدوار و الغشیان، و بعد ذلك لا یكون شی‌ء من ذلك.
و قال الأمیر أبو المؤید: حضرت عند بعض الأمراء بتلك الدیار، فأحضر عندنا مجمرة علیها عود، فرأیت وجه من كان قاعدا عندی انتفخ و شخصت عیناه و تغیّر علیه الحال و تهوّع، فأمر أمّ المثوی بإزالة المجمرة متبسّما فرجع صاحبی إلی حاله! قلت له: ما الذی دهمك، فإنی رأیت منك علی صفة كذا؟
فقال لی: و أنا أیضا رأیت منك مثل ما رأیت منی! فأخبرتنا أمّ المثوی أن هذا من خاصیّة هذا الحجر، و أنا أردت أن أریكم شیئا عجیبا.

جاجلی‌

مدینة بأرض الهند حصینة جدّا، علی رأس جبل مشرف نصفها علی البحر و نصفها علی البرّ. قالوا: ما امتنع علی الإسكندر شی‌ء من بلاد الهند إلّا هذه المدینة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 81
قال مسعر بن المهلهل: أهل هذه المدینة كلّها من الكواكب، یعظّمون قلب الأسد، و لهم بیت رصد و حساب و معرفة بعلم النجوم. و عمل الوهم فی طباعهم إذا أرادوا حدوث حادث صرفوا همّتهم إلیه، و ما زالوا به حتی حدث.
حكی أن بعض ملوكهم بعث إلی بعض الأكاسرة هدایا فیها صندوقان مقفّلان، فلمّا فتحوهما كان فی كلّ صندوق رجل، قیل: من أنتما؟ قالا:
نحن إذا أردنا شیئا صرفنا همّتنا إلیه فیكون. فاستنكروا ذلك، فقالا: إذا كان للملك عدوّ لا یندفع بالسیف فنحن نصرف همّتنا إلیه فیموت! فقالوا لهما:
اصرفا همّتكما إلی موتكما. قالا: اغلقوا علینا الباب. فأغلقوا ثمّ عادوا إلیهما فوجدوهما میتین، فندموا علی ذلك و علموا أن قولهما صحیح.
و بهذه المدینة شجرة الدارصینی و هی شجر حرّ لا مالك له.
و أهل هذه المدینة لا یذبحون الحیوان و لا یأكلون السمك و مأكولهم البرّ و البیض.

جزیرة برطاییل‌

جزیرة قریبة من جزائر الزانج، قال ابن الفقیه: سكّانها قوم وجوههم كالمجانّ المطرّقة، و شعورهم كأذناب البراذین، و بها الكركدن، و بها جبال یسمع منها باللّیل صوت الطبل و الدفّ و الصیاح المزعجة، و البحریّون یقولون:
إن الدجّال فیها و منها یخرج.
و بها القرنفل و منها یجلب، و ذلك أن التجّار ینزلون علیها و یضعون بضائعهم و أمتعتهم علی الساحل، و یعودون إلی مراكبهم و یلبثون فیها، فإذا أصبحوا ذهبوا إلی أمتعتهم فیجدون إلی جانب كلّ شی‌ء من البضاعة شیئا من القرنفل، فإن رضیه أخذه و ترك البضاعة، و إن أخذوا البضاعة و القرنفل لم تقدر مراكبهم علی السیر حتی یردّوا أحدهما إلی مكانه، و إن طلب أحدهم الزیادة فترك البضاعة و القرنفل فیزاد له فیه.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 82
و حكی بعض التجّار أنّه صعد هذه الجزیرة فرأی فیها قوما مردا وجوههم كوجوه الأتراك، و آذانهم مخرّمة و لهم شعورهم علی زیّ النساء، فغابوا عن بصره، ثمّ إن التجّار بعد ذلك أقاموا یتردّدون إلیها و یتركون البضائع علی الساحل، فلم یخرج إلیهم شی‌ء من القرنفل، فعلموا أن ذلك بسبب نظرهم إلیهم، ثمّ عادوا بعد سنین إلی ما كانوا علیه.
و لباس هذا القوم ورق شجر یقال له اللوف، یأكلون ثمرتها و یلبسون ورقها.
و یأكلون حیوانا یشبه السرطان، و هذا الحیوان إذا أخرج إلی البرّ صار حجرا صلدا، و هو مشهور یدخل فی الاكحال، و یأكلون السمك و الموز و النارجیل و القرنفل، و هذا القرنفل من أكله رطبا لا یهرم و لا یشیب شعره.

جزیرة جابة

جزیرة فی بحر الهند، فیها قوم شقر وجوههم علی صدورهم. و بها جبل علیه نار عظیمة باللیل و دخان عظیم بالنهار، و لا یقدر أحد علی الدنو منه، و بها العود و النارجیل و الموز و قصب السكّر.

جزیرة سقطری‌

جزیرة عظیمة فیها مدن و قری توازی عدن، یجلب منها الصبر و دم الأخوین. أمّا الصبر فصمغ شجرة لا توجد إلّا فی هذه الجزیرة، و كان أرسطاطالیس كاتب الإسكندر یوصیّه فی أمر هذه الجزیرة لأجل هذا الصبر، الذی فیه منافع كثیرة سیما فی الایارجات، فأرسل الإسكندر جمعا من الیونانیّین إلی هذه الجزیرة، فغلبوا من كان فیها من الهند و سكنوها.
فلمّا مات الإسكندر و ظهر المسیح، علیه السلام، تنصّروا و بقوا علی التنصّر إلی هذا الوقت، و هم نسل الحكماء الیونانیّین، و لیس فی الدنیا و اللّه أعلم قوم من نسل الیونانیّین یحفظون أنسابهم غیر أولئك، و لا یداخلون فیها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 83
غیرهم. و طول هذه الجزیرة نحو ثمانین فرسخا، و فیها عشرة آلاف مقاتل نصاری.

جزیرة السّلامط

جزیرة فی بحر الهند یجلب منها الصندل و السنبل و الكافور. و بها مدن و قری و زروع و ثمار، و فی بحرها سمكة إذا أدركت ثمار أشجار هذه الجزیرة تصعد السمكة أشجارها و تمصّ ثمارها مصّا ثمّ تسقط كالسكران، فیأتی الناس یأخذونها.
و حكی صاحب تحفة الغرائب: أن بهذه الجزیرة عینا فوّارة یفور الماء منها و ینزل فی ثقبة بقربها، فما یبقی من الرشاشات علی أطرافها ینعقد حجرا صلدا، فما كان من الرشاشات فی الیوم یصیر حجرا أبیض، و ما كان فی اللیل یصیر حجرا أسود.

جزیرة سیلان‌

جزیرة عظیمة بین الصین و الهند. دورتها ثمانمائة فرسخ، و سرندیب داخل فیها، و بها قری و مدن كثیرة و عدّة ملوك لا یدین بعضهم لبعض، و البحر عندها یسمّی شلاهط، و یجلب منها الأشیاء العجیبة.
و بها الصندل و السنبل و الدارصینی و القرنفل و البقم و سائر العقاقیر، و قد یوجد من العقاقیر ما لا یوجد فی غیرها، و قیل: بها معادن الجواهر، و انّها جزیرة كثیرة الخیر.

جزیرة الشّجاع‌

جزیرة عامرة واسعة، بها قری و مدن و جبال و أشجار، و لبلدانها أسوار عالیة، ظهر فیها شجاع عظیم یتلف مواشیهم، و كان الناس منه فی شدّة شدیدة، فجعلوا له كلّ یوم ثورین وظیفة ینصبونهما قریبا من موضعه، و هو
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 84
یقبل كالسحاب الأسود، و عیناه تقدان كالبرق الخاطف، و النار تخرج من فیه فیبلع الثورین و یرجع إلی مكانه، و إن لم یفعلوا ذلك قصد بلادهم و أتلف من الناس و المواشی و المال ما شاء اللّه، فشكا أهل هذه الجزیرة إلی الإسكندر، فأمر بإحضار ثورین و سلخهما و حشا جلدهما زفتا و كبریتا و كلسا و زرنیخا و كلالیب حدید، و جعلهما مكان الثورین علی العادة، فجاء الشجاع و ابتلعهما و اضطرم الكلس فی جوفه، و تعلّقت الكلالیب بأحشائه، فرأوه میتا فاتحا فاه، ففرح الناس بموته.

جزیرة القصر

فی بحر الهند، ذكروا أن فیها قصرا أبیض یتراءی للمراكب، فإذا رأوا ذلك تباشروا بالسلامة و الربح. قیل: إنّه قصر شاهق لا یدری ما فی داخله، و قیل: فیها أموات و عظام كثیرة، و قیل: إن بعض ملوك العجم سار إلیها فدخل القصر بأتباعه، فوقع علیهم النوم و خدرت أجسامهم، فبادر بعضهم إلی المراكب و هلك الباقون.
و حكی أن ذا القرنین رأی فی بعض الجزائر أمّة رؤوسهم رؤوس الكلاب، و أنیابهم خارجة من فیهم. خرجوا إلی مراكب ذی القرنین و حاربوها، فرأی نورا ساطعا فإذا هو قصر مبنیّ من البلور الصافی، و هؤلاء یخرجون منه، فأراد النزول علیه فمنعه بهرام الفیلسوف الهندی، و عرّفه ان من دخل هذا القصر یقع علیه النوم و الغشی، و لا یستطیع الخروج فیظفر به هؤلاء، و البحر لا تحصی عجائبه.

الحجاز

حاجز بین الیمن و الشام و هو مسیرة شهر، قاعدتها مكّة، حرسها اللّه تعالی، لا یستوطنها مشرك و لا ذمیّ، كانت تقام للعرب بها أسواق فی الجاهلیّة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 85
كلّ سنة، فاجتمع بها قبائلهم یتفاخرون و یذكرون مناقب آبائهم و ما كان لهم من الأیّام، و یتناشدون أشعارهم التی أحدثوا.
و كانت العرب إذا أرادت الحجّ أقامت بسوق عكاظ شهر شوال، ثمّ تنتقل إلی سوق مجنّة فتقیم فیه عشرین یوما من ذی القعدة، ثمّ تنتقل إلی سوق ذی المجار فتقیم فیه إلی الحجّ، و العرب اجتمعوا فی هذه المواسم، فإذا رجعوا إلی قومهم ذكروا لقومهم ما رأوا و ما سمعوا.
عن ابن عبّاس، رضی اللّه عنه، ان وفد ایاد قدموا علی رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، فقال لهم: أیّكم یعرف قسّ بن ساعدة؟ قالوا: كلّنا نعرفه. قال: ما فعل؟ قالوا: هلك! فقال، صلّی اللّه علیه و سلّم: ما أنساه بعكاظ فی الشهر الحرام علی حمل أورق و هو یخطب الناس و یقول: أیّها الناس اسمعوا و عوا، من عاش مات و من مات فات، و كلّ ما هو آت آت، إن فی السماء لخبرا: سحائب تمور و نجوم تغور فی فلك یدور. و یقسم قسّ قسما ان اللّه دینا هو أرضی من دینكم هذا! ما لی أری الناس یذهبون فلا یرجعون؟
ارضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا؟ ثمّ قال: أیّكم یروی شعره؟ فقال أبو بكر: أنا أحفظه یا رسول اللّه؛ فقال: هات، فأنشد:
فی الذّاهبین الأوّلین من القرون لنا بصائر لمّا رأیت مواردا للموت لیس لها مصادر و رأیت قومی نحوها تمضی الأكابر و الأصاغر أیقنت أنی لا محالة حیث صار القوم صائر لا یرجع الماضی و لا یبقی من الباقین غابر قال ابن عبّاس، رضی اللّه عنه: ذكر قسّ بین یدی النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم، فقال: رحم اللّه قسّا، إنی لأرجو أن یأتی أمّة واحدة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 86
حكی رجل من ثقیف انّه رأی بسوق عكاظ رجلا قصیر القامة، علی بعیر فی حجم شاة، و هو یقول: أیّها الناس هل فیكم من یسوق لنا تسعا و تسعین ناقة، ینطلق بها إلی أرض و بار فیؤدّیها إلی حماله صبار؟ قال: فاجتمع الناس علیه یتعجبون منه و من كلامه و بعیره. فلمّا رأی ذلك عمد إلی بعیره و ارتفع فی الهواء، و نحن ننظر إلیه إلی أن غاب عن أعیننا.
و یكثر لأهل الحجاز الجذام لفرط الحرارة، یحرق أخلاطهم فیغلب علی مزاجهم السوداء، سوی أهل مكّة فإن اللّه كفاهم ذلك.
و بها أشجار عجیبة كالدوم، و هو شجر المقل، قیل: إنّها شجر النارجیل فی غیر الحجاز و العنم، و لها ثمرة طویلة حمراء تشبه أصابع العذاری، و الاسحل شجر المساویك و الكنهبل و البشام؛ قالوا: هو شجر البلسان بمصر و الرتم و الضال و السمر و السلع.
و بها جبل الحدید و هو فی دیار بجیلة، و یسمّی جبل الحدید إمّا لصلابة حجره أو لأنّه معدن الحدید.
أسرت بجیلة تأبّط شرّا فاحتال علیهم حیلة عجیبة، و ذاك أن تأبّط شرّا و عمرو بن برّاق و الشّنفری خرجوا یرون بجیلة، فبدرت بهم بجیلة فابتدر ستّة عشر غلاما من سرعانهم و قعدوا علی ماء لهم، و أنذر تأبّط شرّا بخروج القوم لطلبة، فشاور صاحبیه فرجعوا إلی قلّة هذا الجبل، و إنّه شاهق مشمخّر، و أقاموا حتی یضجر القوم و ینصرفوا، فلمّا كان الیوم الثالث قالا لتأبّط شرّا:
رد بنا و إلّا هلكنا عطشا! فقال لهما: البثا هذا الیوم فما للقوم بعد الیوم مقام.
فأبیا و قالا له: هلكنا فرد بنا و فینا بقیّة. قال: اهبطا. فلمّا قربوا من الماء أصغی تأبّط شرّا و قال لصاحبیه: إنی لأونس و حبیب قلوب الرصد علی الماء! قالا: و جیب قلبك یا تأبّط! قال: كلّا ما وجب و ما كان وجّابا، و لكن رد یا عمرو و استنقض الموضع و عد إلینا. فورد و صدر و لم یر أحدا، فقال:
ما علی الماء أحد. فقال تأبّط شرّا: بلی ولكنّك غیر مطلوب. ثمّ قال: رد
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 87
یا شنفری و استنقض الموضع و عد. فورد الشنفری و شرب و صدر و قال:
ما رأیت علی الماء أحدا.
قال تأبّط شرّا: بلی ما یرید القوم غیری! فسر یا شنفری حتی تكون من خلفهم بحیث لا یرونك و أنت تراهم، فإنی سأرد فأؤخذ و أكون فی أیدیهم فابدلهم یا عمرو حتی یطمعوا فیك، فإذا اشتدّوا علیك لیأخذوك و بعدوا عنی فابدر یا شنفری حلّ عنی، و موعدنا قلّة جبل الحدید حیث كنّا، و ورد تأبّط شرّا و شرب الماء فوثب علیه القوم و أخذوه و شدّوا و ثاقه، فقال تأبّط شرّا:
یا بجیلة إنّكم لكرام فهل لكم أن تمنّوا علیّ بالفداء و عمرو بن برّاق فتی فهم و جمیلها علی أن تأسرونا أسر الفداء و تؤمنونا من القتل، و نحن نحالفكم و نكون معكم علی أعدائكم، و ینشر هذا من كرمكم بین أحیاء العرب؟ قالوا: أین عمرو؟ قال: ها هو معی قد أخّره الظمأ و خلّفه الكلال!
فلم یلبث حتی أشرف عمرو فی اللّیل، فصاح به تأبّط شرّا: یا عمرو إنّك لمجهود فهل لك أن تمكّن من نفسك قوما كراما یمنّون علیك بالفداء؟
قال عمرو: أمّا دون أن أجرّب نفسی فلا. ثمّ عدا فلا ینبعث، فقال تأبّط شرّا: یا بجیلة دونكم الرجل فإنّه لا بصر له علی السعی، و له ثلاث لم یطعم شیئا! فعدوا فی أثره فأطمعهم عمرو عن نفسه حتی أبعدهم، و خرج الشنفری و حلّ تأبّط شرّا و خرجا یعدوان و یصیحان: یعاط یعاط! و هی شعار تأبّط شرّا، فسمع عمرو أنّه نجا، و استمرّ عدوا وفات أبصارهم و اجتمعوا علی قلّة الجبل و نجوا ثمّ عادوا إلی قومهم، فقال تأبّط شرّا فی تلك العدوة:
یا طول لیلك من همّ و إبراق‌و مرّ طیف علی الأهوال طرّاق
تسری علی الأین و الحبّاب مختفیاأحبب بذلك من سار علی ساق
لتقرعنّ علیّ السّنّ من ندم‌إذا تذكّرن منی بعض أخلاق
نجوت فیها نجاتی من بجیلة إذرفعت للقوم یوم الرّوع أرفاقی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 88 لمّا تنادوا فأغروا بی سراعهم‌بالعیلتین لدی عمرو بن برّاق
لا شی‌ء أسرع منی لیس ذا عذرو لا جناح دوین الجوّ خفّاق
أو ذی حیود من الأروی بشاهقةو أمّ خشف لدی شثّ و طبّاق
حتی نجوت و لمّا یأخذوا سلبی‌بواله من قنیص الشّدّ غیداق
و قلّة كشباة الرّمح باسقةضحیانة فی شهور الصّیف مخراق
بادرت قلّتها صحبی و قد لعبواحتی نمیت إلیها قبل إشراق
و لا أقول إذا ما خلّة صرمت:یا ویح نفسی من جهدی و إشفاقی!
لكنّما عولی إن كنت ذا عول‌علی ضروب بحدّ السّیف سبّاق
سبّاق عادیة فكّاك عانیةقطّاع أودیة جوّاب آفاق!
و بها جبل رضوی، و هو جبل منیف ذو شعاب و أودیة یری من البعد أخضر، و به میاه و أشجار كثیرة، زعم الكیسانیّة أن محمّد بن الحنفیّة مقیم به، و هو حیّ بین یدی أسد و نمر یحفظانه، و عنده عینان نضّاختان تجریان بماء و عسل، و یعود بعد الغیبة یملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، و هو المهدی المنتظر، و إنّما عوقب بهذا الحبس لخروجه علی عبد الملك بن مروان، و قلبه علی یزید بن معاویة، و كان السیّد الحمیری علی هذا المذهب، و یقول فی أبیات:
ألا قل للوصیّ: فدتك نفسی!أطلت بذلك الجبل المقاما
و من جبل رضوی یقطع حجر المسنّ و یحمل إلی البلاد.
و بها جبل السراة؛ قال الحازمی: إنّها حاجزة بین تهامة و الیمن، و هی عظیمة الطول و العرض و الامتداد، و لهذا قال الشاعر:
سقونی و قالوا: لا تغنّ! ولو سقواجبال السّراة ما سقیت لغنّت
قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح الناس أهل السروات، أوّلها هذیل ثمّ
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 89
بجیلة ثمّ الأزد أزد شنوءة. و إنّها كثیرة الأهل و العیون و الأنهار و الأشجار، و بأسفلها أودیة تنصبّ إلی البحر، و كلّ هذه الجبال تنبت القرظ، و فیها الأعناب و قصب السكر و الاسحل، و فیه معدن البرام یحمل منه إلی سائر البلاد.
و بها جبل قنا، و هو جبل عظیم شامخ، سكّانه بنو مرّة من فزارة.
و حظّ صاحبة قنا مشهور؛ قال الشاعر:
أصبت ببرّة خیرا كثیراكأخت قنا به من شعر شاعر
و هو ما ذكر أن نصیبا الشاعر اجتاز بقنا، و وقف علی باب یستسقی، فخرجت إلیه جاریة بلبن أو ماء و سقته، و قالت له: شبّب بی! فقال لها:
ما اسمك؟ قالت: هند. فأنشأ یقول:
أحبّ قنا من حبّ هند و لم أكن‌أبالی أقربا زاده اللّه أم بعدا؟
أرونی قنا أنظر إلیه فإنّنی‌أحبّ قنا إنّی رأیت به هندا!
فشاع هذا الشعر و خطبت الجاریة و أصابت خیرا بسبب شعر نصیب.
و بها جبل یسوم فی بلاد هذیل قرب مكّة، لا یكاد أحد یرتقیه و لا ینبت غیر النبع و الشوحط، تأوی إلیه قرود تفسد قصب السكّر فی جبال السراة، و أهل جبال السراة من تلك القرود فی بلاء و شدّة عظیمة، لا یمكنهم دفعها لأن مساكنها لا تنال.
و فی الأمثال: اللّه أعلم بمن حطّها عن رأس یسوم؛ قیل: إن رجلا نذر ذبح شاة، فمرّ بیسوم فرأی فیه راعیا فاشتری منه شاة و أنزلها من الجبل، و أمر الراعی بذبحها و تفریقها عنه و ولّی. فقیل له: إن الراعی یذبحها لنفسه! فقال: اللّه اعلم بمن حطّها عن رأس یسوم.
و بها عین ضارج، عین فی بریة مهلكة بین الیمن و الحجاز فی موضع لا مطمع للماء فیه. حدّث إبراهیم بن إسحاق الموصلی أن قوما من الیمن
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 90
أقبلوا إلی النبی، صلّی اللّه علیه و سلّم، فضلّوا الطریق و مكثوا ثلاثا لم یجدوا ماء و أیسوا من الحیاة، إذ أقبل راكب علی بعیر له، و كان بعضهم ینشد:
و لمّا رأت أنّ الشّریعة همّهاو أنّ البیاض من فرائصها دامی
تیمّمت العین التی عند ضارج‌یفی‌ء علیها الظّلّ عرمضها طامی
فقال الراكب: من قائل هذا الشعر؟ قالوا: امرؤ القیس. قال: و اللّه ما كذب! هذا ضارج، و أشار إلیه فحثّوا علی ركبهم فإذا ماء عذب و علیه العرمض و الظلّ یفی‌ء علیه، فشربوا ریّهم و حملوا ما اكتفوا، فلمّا أتوا رسول اللّه قالوا: یا رسول اللّه أحیانا اللّه ببیتین من شعر امری‌ء القیس، و أنشدوا فقال رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم: ذاك رجل مذكور فی الدنیا شریف فیها، منسیّ فی الآخرة خامل فیها، یجی‌ء یوم القیامة و معه لواء الشعراء إلی النار.
و بها عین المشقّق. المشقّق: اسم واد بالحجاز، و كان به وشل یخرج منه ماء یروی الراكبین أو الثلاثة، فقال رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، فی غزوة تبوك:
من سبقنا اللیلة إلیه فلا یستقینّ منه شیئا حتی نأتیه. فسبقه نفر من المنافقین فاستقوا ما فیه، فلمّا أتاه النبیّ، علیه السلام، لم یر فیه شیئا، فقال: أولم أنهكم أن تستقوا منه شیئا؟ ثمّ نزل فوضع یده تحت الوشل، فجعل یصب فی یده من الماء فنضحه به و مسحه بیده المباركة، و دعا بما شاء أن یدعو ربّه فانخرق من الماء ما سمع له حسّ كحسّ الصواعق، فشرب الناس واستقوا حاجتهم، فقال، صلّی اللّه علیه و سلّم: لئن بقیتم أو بقی أحد منكم لیسمعنّ بهذا الوادی، و هو أخضر، ما بین یدیه و ما خلفه. و كان كما قال، صلّی اللّه علیه و سلّم.

الحجر

دیار ثمود بوادی القری بین المدینة و الشام. قال الاصطخری: هی قریة من وادی القری علی یوم بین جبال، بها كانت منازل ثمود الذین قال اللّه تعالی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 91
فیهم: و تنحتون من الجبال بیوتا فارهین. قال: رأیتها بیوتا مثل بیوتنا فی جبال تسمّی الاثالث، و هی جبال إذا رآها الرائی من بعد ظنّها متّصلة، فإذا توسّطها رأی كلّ قطعة منها منفردة بنفسها، یطوف بكلّ قطعة منها الطائف و حوالیها رمل لا یكاد یرتقی ذروتها.
بها بئر ثمود التی كان شربها بین القوم و بین الناقة، و لمّا سار رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، إلی تبوك أتی علی منازل ثمود، و أری أصحابه الفجّ الذی كانت الناقة منه ترد الماء، و أراهم ملتقی الفصیل فی الجبل، و قال، علیه السلام، لأصحابه: لا یدخلنّ أحدكم القریة و لا یشربن من مائها و لا یتوضّأ منه، و ما كان من عجین فاعلفوه الإبل و لا تأكلوا منه شیئا، و لا یخرج اللیلة أحد إلّا مع صاحبه.
ففعل الناس ذلك إلّا رجلین من بنی ساعدة خرج أحدهما لطلب بعیر له و الآخر لقضاء حاجته، فالذی خرج لحاجته أصابه جنون، و الذی خرج لطلب البعیر احتملته الریح. فأخبر بهما رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، فقال:
ألم أنهكم أن یخرج أحد إلّا مع صاحبه؟ فدعا لمن أصابه جنون فشفی، و أمّا الذی احتملته الریح فأهدته طیّ‌ء إلی رسول اللّه، علیه السلام، بعد عوده إلی المدینة.
فأصبح الناس بالحجر و لا ماء معهم، فشكوا إلی رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، فدعا اللّه تعالی فأرسل سحابة فأمطرت حتی روی الناس.

خطّ

قریة بالیمن یقال لها خطّ هجر، تنسب إلیها الرماح الخطّیّة، و هی أحسن أنواع خفّة و صلابة و تثقیفا، تحمل إلیها من بلاد الهند، و الصنّاع بها یثقّفونها أحسن التثقیف.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 92

خیبر

حصون علی ثمانیة برد من المدینة لمن أراد الشام، ذات مزارع و نخیل كثیرة، و هی موصوفة بكثرة الحمّی و لا تفارق الحمی أهلها. و كان أهلها یهودا یزعمون ان من أراد دخول خیبر علی بابها یقف علی أربعه، و ینهق نهیق الحمار عشر مرّات لا تضرّه حمّی خیبر، و یسمّی ذلك تعشیرا، و المعنی فیه أن الحمّی ولوع بالناس و انی حمار.
و حكی الهیثم بن عدیّ ان عروة الصعالیك و أصحابه قصدوا خیبر یمتارون بها، فلمّا وصلوا إلی بابها عشّروا خوفا من وباء خیبر، و أبی عروة الصعالیك أن یعشّر و قال:
و قالوا: أجب و انهق لا یضرّك خیبرو ذلك من دین الیهود ولوع
لعمری إن عشّرت من خشیة الرّدی‌نهاق الحمیر إنّنی لجزوع
فكیف و قد ذكّیت و اشتدّ جانبی‌سلیمی و عندی سامع و مطیع
لسان و سیف صارم و حفیظةوراء كآراء الرّجال صروع
یخوّفنی ریب المنون و قد مضی‌لنا سلف قیس لنا و ربیع
و حكی ان اعرابیّا قدم خیبر بعیال كثیر فقال:
قلت لحمّی خیبر استعدّی‌هناك عیالی فاجهدی وجدّی
و باكری بصالب و وردأعانك اللّه علی ذا الجند
فحمّ و مات و بقی عیاله.

رحا بطان‌

موضع بالحجاز، زعم تأبّط شرّا انّه لقی الغول هناك لیلا، و جری بینه و بینها محاربة، و فی الأخیر قتلها و حمل رأسها إلی الحیّ، و عرضها علیهم حتی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 93
عرفوا شدّة جأشه و قوّة جنانه، و هو یقول:
ألا من مبلغ فتیان فهم‌بما لاقیت عند رحا بطان
فإنی قد لقیت الغول تهوی‌بسهب كالصّحیفة صحصحان
فقلت لها: كلانا نضو دهرأخو سفر فخلّی لی مكانی
فشدّت شدّة نحوی فأهوی‌لها كفّی بمصقول یمان
فأضربها بلا دهش فخرّت‌صریعا للیدین و للجران
فقالت: عد! فقلت لها: رویدامكانك إنّنی ثبت الجنان
فلم أنفكّ متّكئا لدیهالأنظر مصبحا ماذا أتانی
إذا عینان فی رأس قبیح‌كرأس الهرّ مشقوق اللّسان
و ساقا مخدج و شواة كلب‌وثوب من عباء أو شنان

زغر

قریة بینها و بین بیت المقدس ثلاثة أیّام فی طرف البحیرة المنتنة، و زغر اسم بنت لوط، علیه السلام، نزلت بهذه القریة فسمیّت باسمها، و هی فی واد وخم ردیّ فی أشأم بقعة، یسكنها أهلها بحبّ الوطن، و یهیج بهم الوباء فی بعض الأعوام فیفنی جلّهم.
بها عین زغر و هی العین التی ذكر أنّها تغور فی آخر الزمان، و غورها من اشراط الساعة، جاء ذكرها فی حدیث الجسّاسة؛ قال البشّاری: زغر قتّالة للغرباء، من أبطأ علیه ملك الموت فلیرحل إلیها، فإنّه یجده بها قاعدا بالرصد، و أهلها سودان غلاظ، ماؤها حمیم و هواؤها جحیم، إلّا أنّها البصرة الصغری و المتجر المربح، و هی من بقیّة مدائن قوم لوط، و إنّما نجت لأن أهلها لم یكونوا آتین بالفاحشة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 94

زویلة

مدینة بإفریقیة غیر مسورة فی أوّل حدود السودان، و لأهلها خاصیّة عجیبة فی معرفة آثار القدم، لیس لغیرهم تلك الخاصّیة، حتی یعرفون أثر قدم الغریب و البلدی، و الرجل و المرأة، و اللّص و العبد الآبق و الأمة، و الذی یتولّی احتراس المدینة یعمد إلی دابّة یشدّ علیها حزمة من جرائد النخل، بحیث ینال سعفه الأرض ثمّ یدور به حول المدینة، فإذا أصبح ركب و دار حول المدینة، فإن رأی أثرا خارجا تبعه حتی أدركه أینما توجّه.
و قد بنی عبد اللّه المهدی، جدّ خلفاء مصر، إلی جانب زویلة مدینة أخری سمّاها المهدیّة، بینهما غلوة سهم. كان یسكن هو و أهله بالمهدّیة، و أسكن العامّة فی زویلة، و كانت دكاكینهم و أموالهم بالمهدیة، و بزویلة مساكنهم، فكانوا یدخلون بالنهار زویلة للمعیشة، و یخرجون باللّیل إلی أهالیهم، فقیل للمهدی: إن رعیتك فی هذا فی عناء! فقال: لكن أنا فی راحة لأنی باللیل أفرّق بینهم و بین أموالهم، و بالنهار أفرّق بینهم و بین أهالیهم، فآمن غائلتهم باللیل و النهار!

السّند

ناحیة بین الهند و كرمان و سجستان؛ قالوا: السند و الهند كانا أخوین من ولد توقیر بن یقطن بن حام بن نوح، علیه السلام.
بها بیت الذهب؛ قال مسعر بن مهلهل: مشیت إلی بیت الذهب المشهور بها فإذا هو من ذهب فی صحراء، یكون أربعة فراسخ لا یقع علیها الثلج و یثلج ما حولها، و فی هذا البیت ترصد الكواكب، و هو بیت تعظّمه الهند و المجوس، و هذه الصحراء تعرف بصحراء زردشت نبیّ المجوس، و یقول أهل تلك الناحیة: متی یخرج منه إنسان یطلب دولة لم یغلب و لا یهزم له عسكر حیث أراد.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 95
و حكی أن الإسكندر لمّا فتح تلك البلاد و دخل هذا البیت أعجبه، فكتب إلی أرسطاطالیس و أطنب فی وصف قبّة هذا البیت فأجابه أرسطو: إنی رأیتك تتعجّب من قبّة عملها الآدمیون، و تدع التعجّب من هذه القبّة المرفوعة فوقك، و ما زینت به من الكواكب و أنوار اللیل و النهار!
و سأل عثمان بن عفّان عبد اللّه بن عامر عن السند فقال: ماؤها وشل، و تمرها دقل، و لصّها بطل! إن قلّ الجیش بها ضاعوا و إن كثروا جاعوا! فترك عثمان غزوها.
و بها نهر مهران، و هو نهر عرضه كعرض دجلة أو أكثر، یقبل من المشرق آخذا إلی الجنوب متوجّها نحو المغرب، و یقع فی بحر فارس أسفل السند؛ قال الاصطخری: نهر مهران یخرج من ظهر جبل یخرج منه بعض أنهار جیحون، ثمّ یظهر بناحیة ملتان علی حدّ سمندور، ثمّ علی المنصورة ثمّ یقع فی البحر شرقی الدّیبل، و هو نهر كبیر عذب جدّا، و ان فیه تماسیح كما فی نیل مصر، و قیل: إن تماسیح نهر السند أصغر حجما و أقلّ فسادا. و جری نهر السند كجری نهر النیل، یرتفع علی وجه الأرض ثمّ ینصبّ، فیزرع علیه كما یزرع بأرض مصر علی النیل.

سومناة

بلدة مشهورة من بلاد الهند علی ساحل البحر بحیث تغلبه أمواجه.
كان من عجائبها هیكل فیه صنم اسمه سومناة، و كان الصنم واقفا فی وسط هذا البیت لا بقائمة من أسفله تدعمه، و لا بعلاقة من أعلاه تمسكه، و كان أمر هذا الصنم عظیما عند الهند، من رآه واقفا فی الهواء تعجّب، مسلما كان أو كافرا، و كانت الهند یحجّون إلیه كلّ لیلة خسوف، یجتمع عنده ما یزید علی مائة ألف إنسان، و تزعم الهند أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إلیه و هو ینشئها فی من شاء، كما هو مذهب أهل التناسخ، و ان المدّ و الجزر عبادة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 96
البحر له. و كانوا یحملون إلیه من الهدایا كلّ شی‌ء نفیس، و كان له من الوقوف ما یزید علی عشرة آلاف قریة.
و لهم نهر یعظّمونه، بینه و بین سومناة مائتا فرسخ، یحمل ماؤها إلی سومناة كلّ یوم و یغسل به البیت، و كانت سدنته ألف رجل من البراهمة لعبادته و خدمة الوفود، و خمسمائة أمة یغنین و یرقصن علی باب الصنم، و كلّ هؤلاء كانت أرزاقهم من أوفاف الصنم، و أمّا البیت فكان مبنیّا علی ستّ و خمسین ساریة من الساج المصفح بالرصاص، و كانت قبّة الصنم مظلمة وضوءها كان من قنادیل الجوهر الفائق، و عنده سلسلة ذهب وزنها مائتا منّ، كلّما مضت طائفة من اللیل حركت السلسلة فتصوت الأجراس فتقوم طائفة من البراهمة للعبادة.
حكی أن السلطان یمین الدولة، محمود بن سبكتكین، لمّا غزا بلاد الهند سعی سعیا بلیغا فی فتح سومناة و تخریبها، طمعا بدخول الهند فی الإسلام، فوصل إلیها منتصف ذی القعدة سنة ستّ عشرة و أربعمائة، فقاتل الهنود علیها أشدّ القتال، و كان الهند یدخلون علی سومناة و یبكون و یتضرّعون، ثمّ یخرجون إلی القتال فقوتلوا حتی استوعبهم الفناء، و زاد عدد القتلی علی خمسین ألفا، فرأی السلطان ذلك الصنم و أعجبه أمره و أمر بنهب سلبه و أخذ خزانته، فوجدوا أصناما كثیرة من الذهب و الفضّة و ستورا مرصعة بالجواهر، كلّ واحد منها بعث عظیم من عظماء الهند. و كانت قیمة ما فی بیوت الأصنام أكثر من عشرین ألف دینار.
ثمّ قال السلطان لأصحابه: ماذا تقولون فی أمر هذا الصنم و وقوفه فی الهواء بلاد عماد و علاقة؟ فقال بعضهم: إنّه علّق بعلاقة و أخفیت العلاقة عن النظر، فأمر السلطان شخصا أن یذهب إلیه برمح، و یدور به حول الصنم و أعلاه و أسفله، ففعل و ما منع الرمح شی‌ء. و قال بعض الحاضرین: إنی أظنّ أن القبّة من حجر المغناطیس، و الصنم من الحدید، و الصانع بالغ فی تدقیق صنعته، و راعی تكافؤ قوّة المغناطیس من الجوانب، بحیث لا تزید قوّة جانب علی الجانب الآخر، فوقف
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 97
الصنم فی الوسط، فوافقه قوم و خالفه آخرون. فقال للسلطان: ائذن لی برفع حجرین من رأس القبّة لیظهر ذلك، فأذن له فلمّا رفع حجرین اعوجّ الصنم و مال إلی أحد الجوانب، فلم یزل یرفع الأحجار و الصنم ینزل حتی وقع علی الأرض.

صنف‌

موضع بالهند أو الصین ینسب إلیه العود الصّنفی، و هو أردأ أصناف العود، لیس بینه و بین الحطب إلّا فرق یسیر.

صیمور

مدینة بأرض الهند قریبة بناحیة السند لأهلها حظّ وافر فی الجمال و الملاحة لكونهم متولدین من الترك و الهند، و هم مسلمون و نصاری و یهود و مجوس.
و یخرج إلیها تجارات الترك، و ینسب إلیها العود الصّیموری.
بها بیت الصیمور، و هو هیكل علی رأس عقبة عظیمة عندهم، و لها سدنة و فیها أصنام من الفیروزج و البیجاذق یعظّمونها.
و فی المدینة مساجد و بیع و كنائس و بیت النار، و كفّارها لا یذبحون الحیوان و لا یأكلون اللحم و لا السمك و لا البیض، و فیهم من یأكل المتردّیة و النطیحة دون ما مات حتف أنفه. أخبر بذلك كلّه مسعر بن مهلهل، صاحب عجائب البلدان، و انّه كان سیاحا دار البلاد و أخبر بعجائبها.

الطّائف‌

بلیدة علی طرف واد، بینها و بین مكّة اثنا عشر فرسخا، طیبة الهواء شمالیة، ربّما یجمد الماء بها فی الشتاء. قال الأصمعی: دخلت الطائف و كأنی أبشّر و قلبی ینضح بالسرور، و لم أجد لذلك سببا إلّا انفساح جوّها و طیب نسیمها.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 98
بها جبل عروان یسكنه قبائل هذیل، و لیس بالحجاز موضع أبرد من هذا الجبل، و لهذا اعتدال هواء الطائف. و یجمد الماء به و لیس فی جمیع الحجاز موضع یجمد الماء به إلّا جبل عروان.
و یشقّ مدینة الطائف واد یجری بینها یشقّها، و فیها میاه المدابغ التی یدبغ فیها الأدیم، و الطیر تصرع إذا مرّت بها من نتن رائحتها. و أدیمها یحمل إلی سائر البلدان، لیس فی شی‌ء من البلاد مثله.
و فی أكنافها من الكروم و النخیل و الموز و سائر الفواكه، و من العنب العدی ما لا یوجد فی شی‌ء من البلاد، و أمّا زبیبها فیضرب بحسنه المثل.
بها وجّ الطائف، و إنّها واد نهی النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم، عن أخذ صیدها و اختلاء حشیشها.
بها حجر اللات تحت منارة مسجدها، و هو صخرة كان فی قدیم الزمان یجلس علیه رجل یلتّ السویق للحجیج، فلمّا مات قال عمرو بن لحیّ:
إنّه لم یمت لكن دخل فی هذه الصخرة! و أمر قومه بعبادة تلك الصخرة، و كان فی اللات و العزّی شیطانان یكلّمان الناس، فاتّخذت ثقیف اللات طاغوتا و بنت لها بیتا و عظّمته و طافت به، و هی صخرة بیضاء مربّعة، فلمّا أسلمت ثقیف بعث رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، أبا سفیان بن حرب و مغیرة بن شعبة فهدماه، و الحجر الیوم تحت منارة مسجد الطائف.
و بها كرم الرهط، كرم كان لعمرو بن العاص معروشا علی ألف ألف خشبة، شری كلّ خشبة درهم، فلمّا حجّ سلیمان بن عبد الملك أحبّ أن ینظر إلیه، فلمّا رآه قال: ما رأیت لأحد مثله لو لا أن هذه الحرة فی وسطه! قالوا:
لیس بحرّة بل مسطاح الزبیب. و كان زبیبه جمع فی وسطه لیجفّ، فرآه من بعید فظنّه حرّة.
و بها سجن عارم، و هو الحبس الذی حبس فیه عبد اللّه بن الزبیر محمّد ابن الحنفیة، یزوره الناس و یتبرّكون به سیّما الشیعة، سیّما الكیسانیّة؛ قال
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 99
كثیر یخاطب ابن الزبیر:
یخبّر من لا قیت أنّك عائدبل العائد المحبوس فی سجن عارم
و من یلق هذا الشّیخ بالخیف من منی‌من النّاس یعلم أنّه غیر ظالم
سمیّ النبیّ المصطفی و ابن عمّه‌و فكّاك أغلال و قاضی مغارم
أبی هو لا یشری هدی بضلالةو لا یتّقی فی اللّه لومة لائم
فما نعمة الدّنیا بباق لأهله‌و لا شدّة البلوی بضربة لازم
و ینسب إلیها الحجّاج بن یوسف الثقفی من فحول الرجال، كان أوّل أمره معلّما لوشاقیة سلیمان بن نعیم، وزیر عبد الملك بن مروان، و كان فصیحا شاطرا، قال عبد الملك لوزیره: إنی إذا ترحّلت یتخلّف منی أقوام، أرید شخصا یمنع الناس عن التخلّف. فاختار الوزیر الحجّاج لذلك، فرأی فی بعض الأیّام أن الخلیفة قد رحل و تخلّف عنه قوم من أصحاب الوزیر، فأمرهم بالرحیل فامتنعوا و شتموه فی أمّه و أخته، فأخذ الحجّاج النار و أضرمها فی رحل الوزیر، فانتهی الخبر إلی عبد الملك فأحضر الحجّاج و قال: لم أحرقت رحل الوزیر؟
فقال: لأنّهم خالفوا أمرك! فقال للحجّاج: ما علیك لو فعلت ذلك بغیر الحرق؟ فقال الحجّاج: و ما علیك لو عوّضته من ذلك و لا یخالف أحد بعد هذا أمرك! فأعجب الخلیفة كلامه و ما زال یعلو أمره حتی ولی الیمن و الیمامة، ثمّ استعمل علی العراق سنة خمس و سبعین. و كان أهل العراق كلّ من جاءهم والیا استخفّوا به و ضحكوا منه، و إذا صعد المنبر رموه بالحصاة؛ فبعث عبد الملك إلیهم الحجّاج، فلمّا صعد المنبر متلثما و كان قصیر القامة ضحكوا منه، فعرف الحجّاج ذلك فأقبل علیهم و قال:
أنا ابن جلا و طلّاع الثّنایامتی أضع العمامة تعرفونی
إن أمیر المؤمنین نثل كنانته فوجدنی أصلبها عودا فرماكم بی، و انی أری
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 100
رؤوسا دنا أوان حصادها، و أنا الذی أحصدها. فدخل القوم منه رعب، فما زال بهم حتی أراهم الكواكب بالنهار.
و لمّا بنی واسط عدّ فی حبسه ثلاثة و ثلاثون ألف إنسان، حبسوا بلا دم و لا تبعة و لا دین، و مات فی حبسه واحد و عشرون ألفا صبرا، و من قتله بالسیف فلا یعدّ و لا یحصی! و قال یوما علی المنبر فی خطبته: أتطلبون منی عدلّ عمر و لستم كرعیة عمر؟ و إنّما مثلی لمثلكم كثیر، لبئس المولی و لبئس العشیر! و كان فی مرض موته یقول:
یا ربّ قد زعم الأعداء و اجتهدواأیمانهم أنّنی من ساكنی النّار
أیحلفون علی عمیاء؟ و یحهم‌ما علمهم بعظیم العفو غفّار؟
و حكی عمر بن عبد العزیز أنّه رأی الحجّاج فی المنام بعد مدّة من موته، قال:
فرأیته علی شكل رماد علی وجه الأرض، فقلت له: أحجّاج؟ قال: نعم، قلت: ما فعل اللّه بك؟ قال: قتلنی بكلّ من قتلته مرّة مرّة، و بسعید بن جبیر سبعین مرّة، و أنا أرجو ما یرجوه الموحّدون!
و ینسب إلی الطائف سعید بن السائب، كان من أولیاء اللّه و عباد اللّه الصالحین، نادر الوقت عدیم النظیر، و كان الغالب علیه الخوف من اللّه تعالی لا یزال دمعه جاریا، فعاتبه رجل علی كثرة بكائه فقال له: إنّما ینبغی أن تعاتبنی علی تقصیری و تفریطی لا علی بكائی!
و قال له صدیق له: كیف أصبحت؟ قال: أصبحت أنتظر الموت علی غیر عدة! و قال سفیان الثوری: جلسنا یوما لحدّث و معنا سعید بن السائب، و كان یبكی حتی رحمه الحاضرون، فقلت له: یا سعید لم تبكی و أنت تسمع حدیث أهل الخیر؟ فقال: یا سفیان ما ینفعنی إذا ذكرت أهل الخیر و أنا عنهم بمعزل؟
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 101

طیفند

قلعة فی بلاد الهند منیعة، علی قلّة جبل لیس لها إلّا مصعد واحد، و علی رأس الجبل میاه و مزارع و ما احتاجوا إلیه، غزاها یمین الدولة محمود بن سبكتكین سنة أربع عشرة و أربعمائة، و حاصرها زمانا و ضیّق علی أهلها، و كان علیها خمسمائة قیل فطلبوا الأمان فآمنهم، و أقرّ صاحبها فیها علی خراج، فأهدی صاحب القلعة إلی السلطان هدایا كثیرة، منها طائر علی هیئة القمری، خاصیّته إذا أحضر الطعام و فیه سمّ دمعت عیناه و جری منهما ماء و تحجّر، فإذا تحجّر سحق و جعل علی الجراحات الواسعة الحمها، و هذا الطائر لا یوجد إلّا فی ذلك الموضع و لا یتفرّج إلّا فیه.

عدن‌

مدینة مشهورة علی ساحل بحر الهند من ناحیة الیمن، سمیّت بعدن بن سنان بن إبراهیم، علیه السلام، لا ماء بها و لا مرعی، شربهم من عین بینها و بین عدن مسیرة یوم، و كان عدن فضاء فی وسط جبل علی ساحل البحر، و الفضاء یحیط به الجبل من جمیع الجوانب، فقطع لها باب بالحدید فی الجبل فصار طریقا إلی البرّ.
و إنّها مرفأ مراكب الهند و بلدة التجار و مرابح الهند، فلهذا یجتمع إلیها الناس و یحمل إلیها متاع الهند و السند و الصین و الحبشة و فارس و العراق، و قال الاصطخری: بها مغاص اللؤلؤ.
بها جبل النار و هو جبل أحمر اللّون جدّا فی وسط البحر؛ قالوا: هو الجبل الذی تخرج منه النار التی هی من اشراط الساعة، و سكّان عدن یزعمون أنّهم من نسل هارون، علیه السلام، و هم المربّون.
و بها البئر المعطّلة التی ذكرها اللّه تعالی فی القرآن. و من حدیثها أن قوم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 102
صالح، علیه السلام، بعد وفاته تفرّقوا بفلسطین، فلحقت فرقة منهم بعدن، و كانوا إذا حبس عنهم المطر عطشوا و حملوا الماء من أرض بعیدة، فأعطاهم اللّه بئرا فتعجّبوا بها و بنوا علیها أركانا علی عدد القبائل، كان لكلّ قبیلة فیها دلو.
و كان لهم ملك عادل یسوسهم، فلمّا مات حزنوا علیه فمثل لهم الشیطان صنما علی صورة ذلك الملك، و كلّم القوم من جوف الصنم: إنی ألبسنی ربی ثوب الالهیّة و الآن لا آكل و لا أشرب، و أخبركم بالغیوب فاعبدونی فإنی أقربكم إلی ربكم زلفی! ثمّ كان الصنم یأمرهم و ینهاهم فمال إلی عبادة الصنم جمیعهم، فبعث اللّه إلیهم نبیّا فكذّبوه، فقال لهم نبیّهم: إن لم تتركوا عبادة الصنم یغور ماء بئركم! فقتلوه فأصبحوا لم یجدوا فی البئر قطرة ماء.
فمضوا إلی الصنم فلم یكلّمهم الشیطان لمّا عاین نزول ملائكة العذاب، فأتتهم صیحة فأهلكوا، فأخبر اللّه تعالی عنهم و عن أمثالهم: و كأیّن من قریة أهلكناها و هی ظالمة فهی خاویة علی عروشها و بئر معطّلة و قصر مشید. و القصر المشید بحضر موت و قد مرّ ذكره، و یقال: إن سلیمان بن داود، علیه السلام، حبس المردة مصفّدین فی هذه البئر و هی محبسهم.

فاس‌

مدینة كبیرة مشهورة فی بلاد بربر علی برّ المغرب بین ثنیتین عظیمتین، و العمارة قد تصاعدت حتی بلغت مستواها، و قد تفجّرت كلّها عیونا تسیل إلی قرارة إلی نهر منبسط إلی الأرض ینساب إلی مروج خضر، و علیها داخل المدینة ستمائة رحی، و لها قهندز فی أرفع موضع منها، و یسقیها نهر یسمّی المفروش.
قال أبو عبید البكری: فاس منقسمة قسمین، و هی مدینتان مسورتان، یقال لإحداهما عدوة القروبیین و للأخری عدوة الأندلسیّین، و فی كلّ دار جدول ماء و علی بابها رحی و بستان، و هی من أكثر بلاد المغرب ثمارا و خیرا
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 103
و أكثر بلاد المغرب یهودا، منها یختلفون إلی سائر الآفاق، بها تفّاح حلو یعرف بالاطرابلسی حسن الطعم جدّا، یصلح بعدوة الأندلسیّین و لا یصلح بعدوة القروبیین، و سمیذ عدوة الأندلسیّین أطیب من سمیذ عدوة القروبیین، و رجال الأندلسیّین أشجع من رجال القروبیین، و نساؤهم أجمل، و رجال القروبیین أحمد من رجال الأندلسیّین؛ قال إبراهیم الأصیلی:
دخلت فاسا و بی شوق إلی فاس‌و الجبن یأخذ بالعینین و الرّاس
فلست أدخل فاسا ما حییت ولوأعطیت فاسا و ما فیها من النّاس

فیصور

بلاد بأرض الهند یجلب منها الكافور القیصوری و هو أحسن أنواعه.
و ذكروا أن الكافور یكثر فی سنة فیها رعود و بروق و رجف و زلازل، و ان قلّ ذلك كان نقصا فی وجوده.

قبا

قریة علی میلین من مدینة رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم. بها مسجد التّقوی و هو المسجد الذی ذكره اللّه تعالی: لمسجد أسس علی التقوی من أوّل یوم أحقّ أن تقوم فیه، فیه رجال یحبّون أن یتطهّروا، و اللّه یحبّ المطّهّرین.
و لمّا قدم رسول اللّه، علیه السلام، قبا مهاجرا یرید المدینة، أسّس هذا المسجد و وضع بیده الكریمة أوّل حجر فی محرابه، و وضع أبو بكر، رضی اللّه عنه، حجرا، ثمّ أخذ الناس فی البناء و هو عامر إلی زماننا هذا، و سئل أهله عن تطهّرهم فقالوا: إنّا نجمع بین الحجر و الماء.
و بها مسجد الضّرار و یتطوّع الناس بهدمه، و بها بئر غرس كان رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، یستطیب ماءها و بصق فیها، و قال: إن فیها عینا من عیون الجنّة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 104

قزدار

ناحیة بأرض الهند. قال أبو الحسن المتكلّم: كنت مجتازا بناحیة قزدار، فدخلت قریة من قراه فرأیت شیخا خیاطا فی مسجد فأودعت ثیابی عنده و مضیت.
ثمّ رجعت من الغد فرأیت باب المسجد مفتوحا و الرزمة یشدّها فی المحراب، فقلت: ما أجهل هذا الخیّاط! فقال: افتقدت منها شیئا؟ قلت: لا.
قال: فما سؤالك؟ فأقبلت أخاصمه و هو یضحك. قال: أنتم نشأتم فی بلاد الظلم، و تعوّدتم أخلاق الأراذل التی توجب السرقة و الخیانة و انّها لا تعرف ههنا، ولو بقیت ثیابك فی المحراب حتی بلیت ما مسّها أحد! و إذا وجدنا شیئا من ذلك فی مدد متطاولة نعلم أنّه كان من غریب اجتاز بنا، فنركب خلفه و لا یفوتنا، فندركه و نقتله. فسألت عن غیره سیرة أهل البلد فقال كما ذكره الخیّاط. و كانوا لا یغلقون الأبواب باللّیل، و ما كان لأكثرهم أبواب بل شی‌ء یردّ الوحش و الكلاب.

قشمیر

ناحیة بأرض الهند متاخمة لقوم من الترك، فاختلط نسل الهند بالترك، فأهلها أكثر الناس ملاحة و حسنا. و یضرب بحسن نسائهم المثل، لهنّ قامات تامّة و صور مستویة و ملاحة كثیرة و شعور طوال غلاظ، و هذه الناحیة تحتوی علی نحو ستّین ألفا من المدن و الضیاع، و لا سبیل إلیها إلّا من جهة واحدة، و یغلق علی جمیعها باب واحد.
و حوالیها جبال شوامخ لا سبیل للوحش أن یتسلّق إلیها فضلا عن الانس.
و فیها أودیة و عرة و أشجار و ریاض و أنهار.
قال مسعر بن مهلهل: شاهدتها و هی فی غایة المنعة. و لأهلها أعیاد فی رؤوس
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 105
الاهلة و فی نزول النیرین شرقهما، و لهم رصد كبیر فی بیت معمول من الحدید الصینی، لا یعمل فیه الزمان، و یعظّمون الثریا و لا یذبحون الحیوان و لا یأكلون البیض.

قمار

مدینة مشهورة بأرض الهند. قال ابن الفقیه: أهلها علی خلاف سائر الهنود و لا یبیحون الزنا و یحرّمون الخمر، و ملكها یعاقبهم علی شرب الخمر، فیحمی الحدیدة بالنار و توضع علی بدن الشارب و لا تترك إلی أن تبرد، فربّما یفضی إلی التلف! و ینسب إلیها العود القماری و هو أحسن أنواع العود.

كلبا

مدینة بأرض الهند؛ قال فی تحفة الغرائب: بها عمود من النحاس و علی رأس العمود تمثال بطّة من النحاس، و بین یدی العمود عین. فإذا كان یوم عاشوراء فی كلّ سنة ینشر البطّ جناحیه و یدخل منقاره العین و یعبّ ماءها، فیخرج من العمود ماء كثیر یكفی لأهل المدینة سنتهم، و الفاضل یجری إلی مزارعهم.

كله‌

مدینة عظیمة منیعة عالیة السور فی بلاد الهند كثیرة البساتین، بها اجتماع البراهمة حكماء الهند؛ قال مسعر بن مهلهل: إنّها أوّل بلاد الهند ممّا یلی الصین، و انّها منتهی مسیر المراكب إلیها و لا یتهیّأ لها أن تجاوزها و إلّا غرقت.
بها قلعة یضرب بها السیوف القلعیّة و هی الهندیّة العتیقة، لا تكون فی سائر الدنیا إلّا فی هذه القلعة، و ملكها من قبل ملك الصین، و إلیه قبلته و بیت عبادته
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 106
و رسومه رسوم صاحب الصین، و یعتقدون أن طاعة ملك الصین علیهم مباركة و مخالفته شؤم، و بینه و بین الصین ثلاثمائة فرسخ.

كنزة و قرّان‌

موضعان بالیمامة، بهما نخل كثیر و مواش، قال أبو زیاد الكلابی: نزل بهم رجل من بنی عقیل كنیته أبو مسلم كان یصطاد الذئاب، قالوا له: إن ههنا ذئبا لقینا منه التباریح، إن أنت اصطدته فلك فی كلّ غنم شاة! فنصب له الشبكة و حبله و جاء به یقوده، و قال: هذا ذئبكم فأعطونی ما شرطتم. فأبوا و قالوا:
كل ذئبك! فشدّ فی عنق الذئب قطعة حبل و خلّی سبیله و قال: ادركوا ذئبكم! فوثبوا علیه و أرادوا قتله، فقال: لا علیكم ان وفیتّم لی رددته! فخلّوه لیردّه، فذهب و هو یقول:
علّقت فی الذّئب حبلا ثمّ قلت له‌الحق بأهلك و اسلم أیّها الذّئب!
إن كنت من أهل قرّان فعد لهم‌أو أهل كنزة فاذهب غیر مطلوب
المخلفین لما قالوا و ما وعدواو كلّ ما یلفظ الإنسان مكتوب
سألته فی خلاء: كیف عیشته؟فقال: ماض علی الأعداء مرهوب
لی الفصیل من البعران آكله‌و إن أصادفه طفلا فهو مصقوب
و النّخل أفسده ما دام ذا رطب‌و إن شتوت ففی شاء الأعاریب
یا أبا مسلم أحسن فی أسیركم‌فإنّنی فی یدیك الیوم مجنوب

كولم‌

مدینة عظیمة بأرض الهند، قال مسعر بن مهلهل: دخلت كولم و ما رأیت بها بیت عبادة و لا صنما و أهلها یختارون ملكا من الصین، إذا مات ملكهم.
و لیس للهند طبیب إلّا فی هذه المدینة، عماراتهم عجیبة، أساطین بیوتهم من
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 107
خرز أصلاب السمك، و لا یأكلون السمك و لا یذبحون الحیوان، و یأكلون المیتة، و تعمل بها غضائر تباع فی بلادنا علی انّه صینی و لیس كذلك، لأن طین الصین أصلب من طین كولم و أصبر علی النار، و غضائر كولم لونها أدكن و غضائر الصین أبیض و غیره من الألوان.
بها منابت الساج المفرط الطول ربّما جاوز مائة ذراع و أكثر. و بها البقم و الخیزران و القنا بها كثیر جدّا، و بها الراوند و هو قرع ینبت هناك، ورقه الساذج الهندی العزیز الوجود لأجل أدویة العین، و یحمل إلیها أصناف العود و الكافور و اللبان، و العود یجلب من جزائر خلف خطّ الاستواء، لم یصل إلی منابته أحد و لا یدری كیف شجره، و إنّما الماء یأتی به إلی جانب الشمال.
و بها معدن الكبریت الأصفر و معدن النحاس ینعقد دخانه توتیاء جیّدا.

مدینة یثرب‌

هی مدینة الرسول، صلّی اللّه علیه و سلّم، و هی فی حرّة سبخة مقدار نصف مكّة. من خصائصها أن من دخلها یشمّ رائحة الطیب، و للعطر فیها فضل رائحة لم توجد فی غیرها، و أهلها أحسن الناس صوتا. قیل لبعض المدنیّین:
ما بالكم أنتم أطیب الناس صوتا؟ فقال: مثلنا كالعیدان خلت أجوافنا فطاب صوتنا.
بها التمر الصّیحانی لم یوجد فی غیرها من البلاد. و بها حبّ البان یحمل منها إلی سائر البلاد. و عن ابن عبّاس ان النبیّ، علیه السلام، حین عزم الهجرة قال: اللهمّ إنّك قد أخرجتنی من أحبّ أرضك إلیّ فأنزلنی أحبّ أرضك إلیك! فأنزله المدینة. و رأی النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم، بلال بن حمامة و قد هاجر فاجتوی المدینة و هو یقول:
ألا لیت شعری! هل أبیتنّ لیلةبفخّ و حولی إذخر و جلیل؟
و هل أردن یوما میاه مجنّة؟و هل یبدون لی شامة و طفیل؟
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 108
فقال، صلّی اللّه علیه و سلّم: خفت یا ابن السوداء! ثمّ قال: اللهمّ حبّب إلینا المدینة كما حبّبت مكّة و أشدّ، و صحّحها و بارك لنا فی صاعها و مدّها، و انقل حمّاها إلی خیبر و الجحفة.
و عن أبی هریرة أن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، قال: إن إبراهیم عبد اللّه و خلیله و أنا عبد اللّه و رسوله، و ان إبراهیم حرّم مكّة و انی حرّمت المدینة ما بین لابتیها عضاهها و صیدها، لا یحمل فیها سلاح لقتال و لا تقطع منها شجرة إلّا لعلف البعیر.
و عن أبی هریرة عن النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم: من صبر علی لأواء المدینة و شدّتها كنت له یوم القیامة شفیعا أو شهیدا.
و المدینة مسوّرة، و مسجد النبیّ، علیه السلام، فی وسطها و قبره فی شرقی المسجد، و بجنبه قبر أبی بكر و بجنب قبر أبی بكر قبر عمر.
و كتب الولید بن عبد الملك إلی صاحب الروم یطلب منه صنّاعا لعمارة مسجد رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، فبعث إلیه أربعین رجلا من صنّاع الروم و أربعین من صنّاع القبط، و وجّه معهم أربعین ألف مثقال ذهبا و أحمالا من الفسیفساء. فجاء الصنّاع و خمّروا النورة سنة للفسیفساء، و جعلوا أساسها بالحجارة، و جعلوا أسطوانات المسجد من حجارة مدوّرة فی وسطها أعمدة حدید، و ركّبوها بالرصاص، و جعلوا سقفها منقّشة مزوّقة بالذهب، و جعلوا بلاط المحراب مذهبا، و جعلوا وجه الحائط القبلی من داخله بازار رخام من أساسه إلی قدر قامة، و فی وسط المحراب مرآة مربعة ذكروا أنّها كانت لعائشة، و المنبر كان للنبی قد غشی بمنبر آخر، و قال، علیه السلام: ما بین قبری و منبری روضة من ریاض الجنّة.
بها بئر بضاعة. روی أن النبیّ، علیه السلام، توضّأ بمائها فی دلو و ردّ الدلو إلی البئر، و شرب من مائها و بصق فیها، و كان إذا مرض المریض فی أیّامه یقول: اغسلوه بماء بضاعة، فإذا غسل فكأنّما أنشط من عقال. و قالت أسماء
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 109
بنت أبی بكر: كنّا نغسل المرضی من بئر بضاعة ثلاثة أیّام فیعافون.
بها بئر ذروان، و یقال لها بئر كملی هی البئر المشهورة. عن ابن عبّاس:
طبّ رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، حتی مرض مرضا شدیدا، فبینا هو بین النائم و الیقظان رأی ملكین أحدهما عند رأسه و الآخر عند رجلیه، فقال الذی عند رجلیه للذی عند رأسه: ما وجعه؟ فقال: طبّ! قال: و من طبّه؟ قال لبید بن الأعصم الیهودی. قال: و أین طبّه؟ قال: فی كربة تحت صخرة فی بئر كملی، و هی بئر ذروان. فانتبه النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم، و حفظ كلام الملكین، فبعث علیّا و عمّارا مع جمع من الصحابة إلی البئر فنزحوا ماءها حتی انتهوا إلی الصخرة فقلبوها و وجدوا الكربة تحتها، و فیها وتر فیها إحدی عشرة عقدة، فأحرقوا الكربة بما فیها فزال عنه، علیه السلام، ما كان به و كأنّه أنشط من عقال. فأنزل اللّه تعالی علیه المعوّذتین إحدی عشرة آیة علی عدد عقده.
بها بئر عروة، تنسب إلی عروة بن الزّبیر؛ قال الزبیر بن بكّار: ماء هذه البئر من مرّ بالعقیق یأخذه هدیة لأهله، و رأیت أبی یأمر به فیغلی ثمّ یأخذه فی قواریر یهدیه إلی الرشید و هو بالرقّة، و قال السری بن عبد الرحمن الأنصاری:
كفّنونی إن متّ فی درع أروی‌و اجعلوا لی من بئر عروة مائی
سخنة فی الشّتاء باردة الصّیف سراج فی اللّیلة الظّلماء
و أهل المدینة الأنصار، علیهم الرحمة و الرضوان، ان اللّه تعالی أكثر من الثناء علیهم فی القرآن.
و قد خصّ بعضهم بخاصیّة لم توجد فی غیرهم، منهم حمیّ الدّبر و هو عاصم بن الأفلح، رضوان اللّه علیه، استشهد و أراد المشركون أن یمثّلوا به فبعث اللّه الزنابیر أحاطت به و منعت المشركین الوصول إلیه.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 110
و منهم بلیع الأرض و هو حبیب بن ثابت، رضوان اللّه علیه، صلبه المشركون فبعث رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، من یأخذه و یدفنه، فأخذوه و قبل دفنه فقدوه و بلعته الأرض.
و منهم غسیل الملائكة و هو حنظلة بن راهب، رضوان اللّه علیه، استشهد یوم أحد فبعث اللّه تعالی فوجا من الملائكة، رفعوه من بین القتلی و غسلوه فسمّی غسیل الملائكة.
و منهم ذو الشهادتین و هو خزیمة بن ثابت، رضوان اللّه علیه، اشتری رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، فرسا من أعرابی، و الاعرابی أنكر الشراء، فقال رسول اللّه، علیه السلام: إنی اشتریت منك! فقال الاعرابی: من یشهد بذلك؟ فقال خزیمة بن ثابت: إنی أشهد أن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، اشتری منك. فقال له رسول اللّه، علیه السلام: كیف تشهد و ما كنت حاضرا؟
فقال: یا رسول اللّه إنی أصدّقك فی أخبار السموات و الاخبار عن اللّه تعالی فما أصدقك فی شراء فرس! فأمر اللّه تعالی نبیّه، علیه السلام، أن یجعل شهادته مكان شهادتین.
و منهم من اهتزّ العرش لموته و هو سعد بن معاذ، رضوان اللّه علیه، سیّد الأوس؛ قال رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم: اهتزّ العرش لموت سعد ابن معاذ.

المشقّر

حصن بین نجران و البحرین علی تلّ عال، یقال انّه من بناء طسم، یقال له فجّ بنی تمیم لأن المكعبر عامل كسری غدر بنی تمیم فیه، و سببه أن و هرز عامل كسری علی الیمن بعث أموالا و طرفا إلی كسری، فلمّا كانت ببلاد بنی تمیم وثبوا علیها و أخذوها؛ فأخبر كسری بذلك فأراد أن یبعث إلیهم جیشا، فأخبر أن بلادهم بلاد سوء قلیلة الماء.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 111
فأشیر إلیه بأن یرسل إلی عامله بالبحرین أن یقتلهم، و كانت تمیم تصیر إلی هجر للمیرة، فأمر العامل أن ینادی: لا تطلق المیرة إلّا لبنی تمیم! فأقبل إلیه خلق كثیر فأمرهم بدخول المشقّر، و أخذ المیرة و الخروج من باب آخر، فیدخل قوم بعد قوم فیقتلهم حتی قتلوا عن آخرهم، و بعث بذراریهم فی السفن إلی فارس.

مغمّس‌

موضع بین مكّة و الطائف به قبر أبی رغال، مرّ به النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم، فأمر برجمه، فصار ذلك سنّة من مرّ به یرجمه. قیل: إن أبا رغال اسمه زید بن محلف، كان ملكا بالطائف یظلم رعیته، فمرّ بامرأة ترضع یتیما بلبن ما عز لها، فأخذ الماعز منها فبقی الیتیم بلا لبن فمات، و كانت سنة مجدبة فرماه اللّه تعالی بقارعة أهلكته.
و قیل: إن أبرهة بن الصبّاح لمّا عزم هدم الكعبة مرّ بالطائف بجنوده و فیو له، فأخرج إلیه أبو ممنعود الثقفی فی رجال ثقیف سامعین مطیعین، فطلب أبرهة منهم دلیلا یدلّه علی مكّة، فبعثوا معه رجلا یقال له أبو رغال حتی نزل المغمّس، فمات أبو رغال هناك، فرجم العرب قبره؛ و فیه قال جریر ابن الخطفی:
إذا مات الفرزدق فارجموه‌كما ترمون قبر أبی رغال

مرّاكش‌

مدینة من أعظم مدن بلاد المغرب، و الیوم سریر ملك بنی عبد المؤمن، و هی فی البرّ الأعظم، بینها و بین البحر عشرة أیّام فی وسط بلاد البربر. و إنّها كثیرة الجنان و البساتین و یخرق خارجها الخلجان و السواقی، و یأتیها الارزاق من الأقطار و البوادی، مع ما فیها من جنی الأشجار و الكروم التی یتحدّث
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 112
بطیبها فی الآفاق. و المدینة ذات قصور و مبان محكمة.
بها بستان عبد المؤمن بن علیّ أبی الخلفاء، و هو بستان طوله ثلاثة فراسخ، و كان ماؤه من الآبار فجلب إلیها ماء من أعماق تسیر تسقی بساتین لها. و حكی أبو الربیع سلیمان الملتانی ان دورة مرّاكش أربعون میلا.
ینسب إلیها الشیخ الصالح سنی بن عبد اللّه المراكشی، و كان شیخا مستجاب الدعوة، ذكر أن القطر حبس عنهم فی ولایة یعقوب بن یوسف فقال: ادع اللّه تعالی ان یسقینا. فقال الشیخ: ابعث إلیّ خمسین ألف دینار حتی أدعو اللّه تعالی أن یسقیكم فی أیّ وقت شئتم! فبعث إلیه ذلك، ففرّقها علی المحاویج، و دعا فجاءهم غبث مدرار أیّاما، فقالوا له: كفینا ادع اللّه أن یقطعه! فقال:
ابعث إلیّ خمسین ألف دینار حتی أدعو اللّه أن یقطعه. ففعل ذلك ففرّق المال علی المحاویج، و دعا اللّه تعالی فقطعه. و اللّه الموفق.

مكّة

هی البلد الأمین الذی شرّفه اللّه تعالی و عظّمه و خصّه بالقسم و بدعاء الخلیل، علیه السلام: ربّ اجعل هذا بلدا آمنا و ارزق أهله من الثمرات. و اجعله مثابة للناس، و أمنا للخائف، و قبلة للعباد، و منشأ لرسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم.
و عن رسول اللّه، علیه السلام: من صبر علی حرّ مكّة ساعة تباعدت عنه جهنم مسیرة عام، و تقرّبت منه الجنّة مائتی عام! إنّها لم تحلّ لأحد كان قبلی، و لا تحلّ لأحد كان بعدی، و ما أحلّت لی إلّا ساعة من نهار، ثمّ هی حرام لا یعضد شجرها و یحتشّ خلاها و لا یلتقط ضالتها إلّا لمنشد.
و عن ابن عبّاس: ما أعلم علی الأرض مدینة یرفع فیها حسنة مائة إلّا مكّة، و یكتب لمن صلّی ركعة مائة ركعة إلّا مكّة، و یكتب لمن نظر إلی بعض بنیانها عبادة الدهر إلّا مكّة، و یكتب لمن یتصدّق بدرهم ألف درهم إلّا مكّة!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 113
و هی مدینة فی واد و الجبال مشرفة علیها من جوانبها، و بناؤها حجارة سود ملس و بیض أیضا. و هی طبقات مبیّضة نظیفة حارّة فی الصیف جدّا، إلّا أن لیلها طیّب و عرضها سعة الوادی و ماؤها من السماء، لیس بها نهر و لا بئر یشرب ماؤها، و لیس بجمیع مكّة شجر مثمر، فإذا جزت الحرم فهناك عیون و آبار و مزارع و نخیل، و میرتها تحمل إلیها من غیرها بدعاء الخلیل، علیه السلام:
ربّنا إنی أسكنت من ذرّیتی بواد غیر ذی زرع، إلی قوله من الثمرات.
و أمّا الحرم فله حدود مضروبة بالمنار قدیمة، بیّنها الخلیل، علیه السلام، و حدّه عشرة أمیال فی مسیرة یوم، و ما زالت قریش تعرفها فی الجاهلیّة و الإسلام.
فلمّا بعث رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، أقرّ قریشا علی ما عرفوه، فما كان دون المنار لا یحلّ صیده و لا یختلی خشیشه، و لا یقطع شجره و لا ینفّر طیره، و لا یترك الكافر فیه. و من عجیب خواص الحرم ان الذئب یتبع الظبی، فإذا دخل الحرم كفّ عنه!
و أمّا المسجد الحرام فأوّل من بناه عمر بن الخطّاب فی ولایته، و الناس ضیّقوا علی الكعبة، و ألصقوا دورهم بها فقال عمر: إن الكعبة بیت اللّه و لا بدّ لها من فناء. فاشتری تلك الدور و زادها فیه و اتّخذ للمسجد جدارا نحو القامة، ثمّ زاد عثمان فیه، ثمّ زاد عبد اللّه بن الزبیر فی اتقانه، و جعل فیها عمدا من الرخام و زاد فی أبوابه و حسنه. ثمّ زاد عبد الملك بن مروان فی ارتفاع حیطانها و حمل السّواری إلیها من مصر فی الماء إلی جدّة، و من جدّة إلی مكّة علی العجل، و أمر الحجّاج فكساها الدیباج، ثمّ الولید بن عبد الملك زاد فی حلی البیت لمّا فتح بلاد الأندلس، فوجد بطلیطلة مائدة سلیمان، علیه السلام، كانت من ذهب و لها أطواق من الیاقوت و الزبرجد، فضرب منها حلی الكعبة و المیزاب، فالأولی المنصور و ابنه المهدی زادوا فی اتقان المسجد و تحسین هیئته، و الآن طول المسجد الحرام ثلاثمائة ذراع و سبعون ذراعا، و عرضه ثلاثمائة ذراع و خمس عشرة ذراعا، و جمیع أعمدة المسجد أربعمائة و أربعة و ثلاثون
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 114
عمودا، و أمّا الكعبة زادها اللّه شرفا فإنّها بیت اللّه الحرام. إن أوّل ما خلق اللّه تعالی فی الأرض مكان الكعبة، ثمّ دحا الأرض من تحتها، فهی سرة الأرض و وسط الدنیا و أمّ القری؛ قال وهب: لمّا أهبط آدم، علیه السلام، من الجنّة حزن و اشتدّ بكاؤه، فعزّاه اللّه بخیمة من خیامها و جعلها موضع الكعبة، و كانت یاقوتة حمراء، و قیل درّة مجوّفة من جواهر الجنّة، ثمّ رفعت بموت آدم، علیه السلام، فجعل بنوه مكانها بیتا من حجارة فهدم بالطوفان و بقی علی ذلك ألفی سنة، حتی أمر اللّه تعالی خلیله ببنائه، فجاءت السكینة كأنّها سحابة فیها رأس یتكلّم، فبنی الخلیل و إسمعیل، علیهما السلام، علی ما ظلّلته.
و أمّا صفة الكعبة فإنّها فی وسط المسجد مربع الشكل، بابه مرتفع علی الأرض قدر قامة، علیه مصراعان ملبّسان بصفائح الفضّة طلیت بالذهب، و طول الكعبة أربعة و عشرون ذراعا و شبر، و عرضها ثلاثة و عشرون ذراعا و شبر، و ذرع دور الحجر خمسة و عشرون ذراعا، و ارتفاع الكعبة سبعة و عشرون ذراعا.
و الحجر من جهة الشام یصبّ فیه المیزاب، و قد ألبست حیطان الحجر مع أرضه الرخام، و ارتفاعه حقو، و حول البیت شاذروان مجصّص ارتفاعه ذراع فی عرض مثله، وقایة للبیت من السیل. و الباب فی وجهها الشرقی علی قدر قامة من الأرض، طوله ستّة أذرع و عشر أصابع، و عرضه ثلاثة أذرع و ثمانی عشرة إصبعا. و الحجر الأسود علی رأس صخرتین، و قد نحت من الصخر مقدار ما دخل فیه الحجر. و الحجر الأسود حالك علی الركن الشرقی عند الباب فی الزاویة، و هو علی مقدار رأس إنسان، و ذكر بعض المكیّین حدیثا رفعوا علی مشایخهم انّهم نظروا إلی الحجر الأسود عند عمارة ابن الزبیر البیت، فقدروا طوله ثلاثة أذرع و هو ناصح البیاض إلّا وجهه الظاهر، و ارتفاع الحجر من الأرض ذراعان و ثلث ذراع، و ما بین الحجر و الباب الملتزم، سمّی بذلك لالتزامه الدعاء. كانت العرب فی الجاهلیّة تتحالف هناك، فمن دعا علی ظالم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 115
هناك أو حلف اثما عجّلت عقوبته، و داخل البیت فی الحائط الغربی الجزعة، علی ستّة أذرع من قاع البیت، و هی سوداء مخطّطة ببیاض طولها اثنا عشر فی مثل ذلك، و حولها طوق من ذهب عرضه ثلاث أصابع، ذكر أن النبی، علیه السلام، جعلها علی حاجبه الأیمن.
و المیزاب متوسّط علی جدار الكعبة بارز عنه قدر أربعة أذرع، وسعته و ارتفاع حیطانه كلّ واحد ثمانی أصابع، و باطنه صفائح الذهب، و البیت مستّر بالدیباج ظاهره و باطنه، و یجدّد لباسه كلّ سنة عند الموسم. فإذا كثرت الكسوة خفّف عنه و أخذها سدنة البیت، و هم بنو شیبة. و هذه صفة الكعبة و المسجد الحرام حولها، و مكّة حول المسجد، و الحرم حول مكّة، و الأرض حول الحرم هكذا.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 116
روی عن النبیّ، علیه السلام، ان اللّه تعالی قد وعد هذا البیت أن یحجّه فی كلّ سنة ستمائة ألف، فإن نقصوا كمّلهم بالملائكة، و ان الكعبة كالعروس المزفوفة، و كلّ من حجّها متعلّق بأستارها یسعون معها حتی تدخل الجنّة فیدخلون معها.
و عن علیّ: ان اللّه تعالی قال للملائكة: إنی جاعل فی الأرض خلیفة، قالوا: أتجعل فیها من یفسد فیها؟ فغضب علیهم و أعرض عنهم. فطافوا بعرش اللّه سبعا كما یطوف الناس بالبیت الیوم یسترضونه، یقولون: لبیك اللهمّ لبیك! ربّنا معذرة إلیك! نستغفرك و نتوب إلیك! فرضی عنهم و قال:
ابنوا فی الأرض بیتا یطوف به عبادی، من غضبت علیه أرضی عنه كما رضیت عنكم.
و أمّا خصائص البیت و عجائبه فإن أبرهة بن الصبّاح قصده و أراد هدمه، فأهلكه اللّه تعالی بطیر أبابیل. و ذكر أن أساف بن عمرو و نائلة بنت سهیل زنیا فی الكعبة، فمسخهما اللّه تعالی حجرین نصب أحدهما علی الصّفا و الآخر علی المروة لیعتبر بهما الناس. فلمّا طال مكثهما و عبدت الأصنام، عبدا معها إلی أن كسرهما رسول اللّه فیهما كسر من الأصنام.
و من عجائب البیت أن لا یسقط علیه حمام إلّا إذا كان علیلا، و إذا حاذی الكعبة عرقة من طیر تفرّقت فرقتین و لم یعلها طائر منها. و إذا أصاب المطر أحد جوانبها یكون الخصب فی تلك السنة فی ذلك الجانب، فإذا عمّ المطر جمیع الجوانب عمّ الخصب جمیع الجوانب، و من سنّة أهل مكّة ان من علا الكعبة من عبیدهم یعتقونه، و فی مكّة من الصلحاء من لم یدخل الكعبة تعظیما لها.
و عن یزید بن معاویة: ان الكعبة كانت علی بناء الخلیل، علیه السلام، إلی أن بلغ النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم، خمسا و ثلاثین سنة، فجاءها سیل عظیم هدمها، فاستأنفوا عمارتها، و قریش ما وجدوا عندهم مالا لعمارة الكعبة إلی أن رمی البحر بسفینة إلی جدّة، فتحطّمت فأخذوا خشبها و استعانوا
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 117
بها علی عمارتها، فلمّا انتهوا إلی موضع الركن اختصموا و أراد كلّ قوم أن یكونوا هم الذین یضعونه فی موضعه، و تفاقم الأمر بینهم حتی تناصفوا علی أن یجعلوا ذلك لأوّل طالع، فطلع علیهم النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم، فاحتكموا إلیه فقال: هلموا ثوبا! فأتی به فوضع الركن فیه ثمّ قال: لتأخذ كلّ قبیلة بناحیة من الثوب، ففعلوا ذلك حتی إذا رفعوه إلی موضعه أخذ النبیّ، علیه السلام، الحجر بیده و وضع فی الركن.
و عن عائشة قالت: سألت رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، عن الحجر أمن البیت هو؟ قال: نعم. قلت: فما بالهم لم یدخلوه فی البیت؟ فقال، صلّی اللّه علیه و سلّم: إن قومك قصرت بهم النفقة. قلت: فما شأن بابه مرتفعا؟
قال: فعلوا ذلك لیدخلوا من شاؤوا و یمنعوا من شاؤوا، و لولا أن قومك حدیثو عهد بالجاهلیّة أخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت انی أدخل الحجر فی البیت.
فأدخل عبد اللّه بن الزبیر عشرة من الصحابة حتی سمعوا منها ذلك، ثمّ هدم البیت و بناها علی ما حكت عائشة. فلمّا قتل الحجّاج ابن الزبیر ردّها علی ما كان، و أخذ بقیّة الأحجار و سدّ بها الغربی و رصّف الباقی فی البیت، فهی الآن علی بناء الحجّاج.
و أمّا الحجر الأسود فجاء فی الخبر انّه یاقوتة من یواقیت الجنّة، و انّه یبعث یوم القیامة و له عینان و لسان یشهد لمن استلمه بحقّ و صدق.
روی أن عمر بن الخطّاب قبّله و بكی حتی علا نشیجه، فالتفت فرأی علیّا فقال: یا أبا الحسن ههنا تسكب العبرات، و اعلم انّه حجر لا یضرّ و لا ینفع! و لولا انی رأیت رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، یقبّله ما قبّلته! فقال علیّ: بلی هو یضرّ و ینفع یا عمر، لأن اللّه تعالی لمّا أخذ المیثاق علی الذریة كتب علیهم كتابا و ألقمه هذا الحجر، فهو یشهد للمؤمن بالوفاء و علی الكافر بالجحود، و ذلك قول الناس عند الاستلام: اللهمّ إیمانا بك و تصدیقا بكتابك و وفاء بعهدك.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 118
قال عبد اللّه بن عبّاس: لیس فی الأرض شی‌ء من الجنّة إلّا الركن الأسود و المقام، فإنّهما جوهرتان من جواهر الجنّة و لولا مسّهما من أهل الشرك ما مسّهما ذو عاهة إلّا شفاه اللّه تعالی. و لم یزل هذا الحجر محترما فی الجاهلیّة و الإسلام یقبّلونه إلی أن دخلت القرامطة مكّة سنة سبع عشرة و ثلاثمائة عنوة، فنهبوها و قتلوا الحجّاج و أخذوا سلب البیت و قلعوا الحجر الأسود، و حملوه إلی الاحساء من أرض البحرین حتی توسّط فیه الشریف أبو علیّ عمر بن یحیی العلوی، بین الخلیفة المطیع للّه و بین القرامطة، سنة خمس و ثلاثین فأخذوا مالا عظیما و ردّوه. فجاءوا به إلی الكوفة و علّقوه علی الأسطوانة السابعة من أساطین الجامع ثمّ حملوه علی مكانه.
و حكی أن رجلا من القرامطة قال لبعض علماء الكوفة و قد رآه یقبّل الحجر و یتمسّح به: ما یؤمنكم انّا غیّبنا ذلك الحجر و جئنا بمثله؟ فقال: ان لنا فیه علامة و هی انّا إذا طرحناه فی الماء یطفو، فجاءوا بماء و ألقی فیه فطفا.
و أمّا المقام فإنّه الحجر الذی وقف علیه الخلیل، علیه السلام، حین أذّن فی الناس بالحجّ. و ذرع المقام ذراع و هو مربع سعة أعلاه أربع عشرة إصبعا فی مثلها، و من أسفله مثل ذلك، و فی طرفیه طوق من ذهب و ما بین الطرفین بارز لا ذهب علیه، طوله من نواحیه كلّها تسع أصابع و عرضه عشر أصابع، و عرضه من نواحیه إحدی و عشرون إصبعا، و القدمان داخلتان فی الحجر سبع أصابع، و بین القدمین من الحجر إصبعان، و وسطه قد استدقّ من التمسّح.
و هو فی حوض مربّع حوله رصاص، و علیه صندوق ساج، فی طرفه سلسلتان یقفل علیهما قفلان.
قال عبد اللّه بن شعیب بن شیبة: ذهبنا نرفع المقام فی عهد المهدی فانثلم و هو حجر رخو، فخشینا أن یتفتّت، فكتبنا به إلی المهدی فبعث إلینا ألف دینار فصببناها فی أسفله و أعلاه، و هو الذی علیه الیوم.
و بها جبل أبی قبیس، و هو جبل مطلّ علی مكّة تزعم العوامّ ان من أكل
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 119
علیه الرأس المشوی یأمن من وجع الرأس، و كثیر من الناس یفعلون ذلك، و اللّه أعلم بصحّته.
و بها الصّفا و المروة و هما جبلان ببطحاء مكّة. قیل: ان الصفا اسم رجل و المروة اسم امرأة زنیا فی الكعبة فمسخهما اللّه تعالی حجرا، فوضعا كلّ واحد علی الجبل المسمّی باسمه لاعتبار الناس. و جاء فی الحدیث: ان الدابّة التی هی من اشراط الساعة تخرج من الصفا، و كان عبد اللّه بن عبّاس یضرب عصاه علی الصفا و یقول: إن الدابّة لتسمع قرع عصای هذا.
و الواقف علی الصفا یكون بحذاء الحجر الأسود، و المروة تقابل الصفا.
و بها جبل ثور أطحل، و هو جبل مبارك بقرب مكّة، یقصده الناس لزیارة الغار الذی كان فیه النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم، مع أبی بكر، حین خرج من مكّة مهاجرا. و قد ذكر اللّه تعالی فی كتابه العزیز: إذ أخرجه الذین كفروا (الآیة) یزوره الناس متبرّكین به.
و بها ثبیر، و هو جبل عظیم بقرب منی، یقصده الناس زائرین متبرّكین به لأنّه أهبط علیه الكبش الذی جعله اللّه فداء لإسمعیل، علیه السلام، و كان قرنه معلّقا علی باب الكعبة إلی وقت الغرق قبل المبعث بخمس سنین. رآه كثیر من الصحابة ثمّ ضاع بخراب الكعبة بالغرق. و تقول العرب: أشرق ثبیر كیما نغیر، إذا أرادوا استعجال الفجر.
و بها جبل حراء و هو جبل مبارك علی ثلاثة أمیال من مكّة، یقصده الناس زائرین. و كان النبیّ، علیه السلام، قبل أن یأتیه الوحی حبّب إلیه الخلوة، و كان یأتی غارا فیه. و أتاه جبرائیل، علیه السلام، فی ذلك الغار، و ذكر ان النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم، ارتقی ذروته و معه نفر من أصحابه فتحرّك فقال علیه السلام: اسكن حرا فما علیك إلّا نبیّ أو صدّیق أو شهید! فسكن.
و بها قد قد، و هو من الجبال التی لا یوصل إلی ذروتها، و فیه معدن البرام یحمل إلی سائر بلاد الدنیا.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 120
و بها بئر زمزم و هی البئر المشهورة المباركة بقرب الكعبة؛ قال مجاهد:
ماء زمزم إن شربت منه ترید شفاء شفاك اللّه، و ان شربته لظمإ أرواك اللّه، و ان شربته لجوع أشبعك اللّه.
قال محمّد بن أحمد الهمذانی: كان ذرع زمزم من أعلاها إلی أسفلها أربعین ذراعا، و فی قعرها ثلاث عیون: عین حذاء الركن الأسود، و أخری حذاء أبی قبیس، و قلّ ماؤها فی سنة ثلاث و عشرین و مائتین، فحفروا فیها تسعة أذرع فزاد ماؤها، ثمّ جاء اللّه تعالی بالأمطار و السیول فی سنة خمس و عشرین و مائتین فكثر ماؤها، و ذرعها من رأسها إلی الجبل المنقور فیه إحدی عشرة ذراعا و هو مطویّ، و الباقی و هو تسع و عشرون ذراعا منقور فی الحجر، و ذرع تدویرها إحدی عشرة ذراعا، وسعة فمها ثلاث أذرع و ثلثا ذراع، و علیها میلان ساج مربعة فیها اثنتا عشرة بكرة یستقی علیها. و أوّل من عمل الرخام علیها و فرش به أرضها المنصور. و علی زمزم قبّة مبنیّة فی وسط الحرم عند باب الطواف تجاه باب الكعبة.
فی الخبر: ان الخلیل، علیه السلام، ترك إسمعیل و أمّه عند الكعبة و كرّ راجعا. قالت له هاجر: إلی من تكلنا؟ قال: إلی اللّه. قالت: حسبنا اللّه! فأقامت عند ولدها حتی نفد ماؤها فأدركتها الحنّة علی ولدها، فتركت إسمعیل بموضعه و ارتقت إلی الصفا تنظر هل تری عینا أو شخصا، فلم تر شیئا فدعت ربّها و استسقته، ثمّ نزلت حتی أتت المروة ففعلت مثل ذلك، ثمّ سمعت صوت السباع فخشیت علی ولدها، فأسرعت نحو إسمعیل فوجدته یفحص الماء من عین قد انفجرت من تحت خدّه، و قیل بل من تحت عقبه. فلمّا رأت هاجر الماء یسری جعلت تحوّطه بالتراب لئلّا یسیل. قیل: لو لم تفعل ذلك لكان عینا جاریة. قالوا: و تطاولت الأیّام علی ذلك حتی عفتها السیول و الأمطار و لم یبق لها أثر.
و عن علیّ، كرّم اللّه وجهه: ان عبد المطلب بینا هو نائم فی الحجر إذ
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 121
أمر بحفر زمزم. قال: و ما زمزم؟ قالوا: لا تنزف و لا تهدم یسقی الحجیج الأعظم عند نقرة الغراب الأعصم. فغدا عبد المطّلب و معه الحرث ابنه، فوجد الغراب ینقر بین أساف و نائلة، فحفر هناك، فلمّا بدا الطیّ كبّر، فاستشركه قریش و قالوا: انّه بئر أبینا إسمعیل و لنا فیه حقّ! فتحاكموا إلی كاهنة بنی سعد باشراف الشام و ساروا حتی إذا كانوا ببعض الطریق نفد ماؤهم و ظمئوا و أیقنوا بالهلاك، فانفجرت من تحت خفّ عبد المطّلب عین ماء فشربوا منها و عاشوا. و قالوا: قد و اللّه قضی لك علینا لا نخاصمك فیها أبدا، إن الذی سقاك الماء بهذه الفلاة لهو الذی سقاك زمزم! فانصرفوا فحفر عبد المطّلب زمزم، فوجد فیها غزالین من ذهب و أسیافا قلعیّة كانت جرهم دفنتها فیها وقت خروجهم من مكّة، فضرب الغزالین بباب الكعبة و أقام سقایة الحاج بمكّة، و اللّه الموفق.
و ینسب إلی مكّة المهاجرون الذین أكثر اللّه تعالی علیهم من الثناء فی كتابه المجید، و خصّ بعضهم بمزید فضیلة و هم المبشرة العشرة، ذكر أن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، قال: إنّهم فی الجنّة و هم أبو بكر و عمر و عثمان و علیّ و طلحة و الزبیر، و سعید و عبد الرحمن بن عوف و أبو عبیدة بن الجرّاح، رضوان اللّه علیهم أجمعین.

ملتان‌

هی آخر مدن الهند ممّا یلی الصین، مدینة عظیمة منیعة حصینة جلیلة عند أهل الصین و الهند، و انّها بیت حجّهم و دار عبادتهم كمكّة لنا. و أهلها مسلمون و كفّار. و المدینة فی دولة المسلمین، و للكفّار بها القبّة العظمی و البدّ الأكبر، و الجامع مصاقب لهذه القبّة، و الإسلام بها ظاهر و الأمر بالمعروف و النهی عن المنكر شامل؛ كلّ ذلك عن مسعر بن مهلهل.
و قال الاصطخری: مدینة حصینة منیعة، دار الملك و مجمع العسكر،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 122
و الملك مسلم لا یدخل المدینة إلّا یوم الجمعة، یركب الفیل و یدخل المدینة لصلاة الجمعة.
بها صنم یعظّمه الهند و یحجّ إلیه من أقصی بلاد الهند، و یتقرّب إلیه كلّ سنة بأموال عظیمة، لینفق علی بیت الصنم و المعتكفین منهم. و بیت الصنم قصر مبنیّ فی أعمر موضع بین سوق العاجنین و سوق الصّفّارین، و فی وسط القصر قبّة فیها الصنم.
قال مسعر بن مهلهل: سمك القبّد فی الهواء ثلاثمائة ذراع، و طول الصنم عشرون ذراعا، و حول القبّة بیوت یسكنها خدم الصنم العاكفون علیه، و لیس فی ملتان عبّاد الصنم إلّا فی هذا القصر.
و صورة الصنم إنسان جالس مربّعا علی كرسی، و عیناه جوهرتان، و علی رأسه إكلیل ذهب، مادّ ذراعیه علی ركبتیه، منهم من یقول من خشب، و منهم من یقول من غیر خشب، ألبس بدنه مثل جلد السختیان الأحمر، إلّا أن یدیه لا تنكشفان و جعل أصابعه من یدیه كالقابض أربعة فی الحساب، و ملك ملتان لا یبطل ذلك الصنم لأنّه یحمل إلیه أموالا عظیمة یأخذها الملك، و ینفق علی سدنة الصنم شیئا معلوما. و إذا قصدهم الهند محاربین أخرج المسلمون الصنم و یظهرون كسره أو إحراقه فیرجعون عنهم.
حكی ابن الفقیه أن رجلا من الهند أتی هذا الصنم، و قد اتّخذ لرأسه تاجا من القطن ملطخا بالقطران و لأصابعه كذلك، و أشعل النار فیها، و وقف بین یدی الصنم حتی احترق.
و ینسب إلیها هارون بن عبد اللّه مولی الأزد، كان شجاعا شاعرا، و لمّا حارب الهند المسلمین بالفیل لم یقف قدام الفیل شی‌ء، و قد ربطوا فی خرطومه سیفا هذاما طویلا ثقیلا، یضرب به یمینا و شمالا لا یرفعه فوق رأس الفیالین علی ظهره و یضرب به، فوثب هارون وثبة أعجله بها عن الضرب و لزق بصدر الفیل، و تعلّق بأنیابه، فجال به الفیال جولة كاد یحطمه من شدّة ما جال به.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 123
و كان هارون شدید الخلق رابط الجأش فاعتمد فی تلك الحالة علی نابیه، و أصلهما مجوّف، فانقلعا من أصلهما و أدبر الفیل و بقی النابان فی ید هارون، و كان ذلك سبب هزیمة الهند، و غنم المسلمون، فقال هارون فی ذلك:
مشیت إلیه رادعا متمهّلاو قد وصلوا خرطومه بحسام
فقلت لنفسی: إنّه الفیل ضاربابأبیض من ماء الحدید هذام
فإن تنكإی منه فعذرك واضح‌لدی كلّ منخوب الفؤاد عبام
و لمّا رأیت السّیف فی رأس هضبةكما لاح برق من خلال غمام
فعافسته حتی لزقت بصدره‌فلمّا هوی لازمت أیّ لزام
و عذت بنابیه و أدبر هارباو ذلك من عادات كلّ محامی

ملیبار

ناحیة واسعة بأرض الهند تشتمل علی مدن كثیرة، بها شجرة الفلفل و هی شجرة عالیة لا یزول الماء من تحتها، و ثمرتها عناقید إذا ارتفعت الشمس و اشتدّ حرّها تنضمّ علی عناقیدها أوراقها، و إلّا أحرقتها الشمس قبل إدراكها، و شجر الفلفل مباح إذا هبّت الریح سقطت عناقیدها علی وجه الماء، فیجمعها الناس، و كذلك تشنّجها، و یحمل الفلفل من أقصی المشرق إلی أقصی المغرب، و أكثر الناس انتفاعا به الفرنج یحملونه فی بحر الشام إلی أقصی المغرب.

منی‌

بلدة علی فرسخ من مكّة طولها میلان، و هی بین جبلین مطلّین علیها، بها مصانع و آبار و خانات و حوانیت تعمر أیّام الموسم، و تخلو بقیّة السنة إلّا ممّن یحفظها.
من عجائبها أن الجمار التی ترمی منذ حجّ الناس إلی زماننا هذا لا یظهر بها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 124
من غیر أن تكسحها السیول أو یأخذها الناس، و لولا الآیة الأعجوبة التی فیها لكان ذلك الموضع كالجبال الشاهقة.
و بها مسجد الخیف و مسجد الكبش، و قلّ أن یكون فی الإسلام بلد إلّا و لأهله مضرب.

مندورفین‌

مدینة بأرض الهند؛ قال مسعر بن مهلهل: بها غیاض هی منابت القنا، و منها یحمل الطباشیر، و الطباشیر رماد هذا القنا، و ذلك انّها إذا جفّت و هبّت بها الریاح احتكّ بعضها ببعض و اشتدّت فیها الحرارة، فانقدحت فیها نار ربّما أحرقت مسافة خمسین فرسخا، فرماد هذا القنا هو الطباشیر یحمل إلی سائر البلاد.

مندل‌

مدینة بأرض الهند یكثر بها العود حتی یقال للعود المندل، و لیس هی منبته، فإن منابته لا یصل إلیها أحد، قالوا: ان منابت العود جزائر وراء خطّ الاستواء و یأتی به الماء إلی جانب الشمال، فما انقلع رطبا فإذا أصابته ریح الشمال یبقی رطبا و هو الذی یقال له القامرونی، و ما جفّ ورمته یابسا فإنّه المندلی الثقیل المصمت، فإن رسب فی الماء فهو غایة جدّا لیس فوقه خیر منه.

المنصورة

مدینة مشهورة بأرض السند كثیرة الخیر، بناها المنصور أبو جعفر الثانی من خلفاء بنی العبّاس، و فیها ینزل الولاة، لها خلیج من نهر مهران یحیط بالمدینة، و هی فی وسطه كالجزیرة إلّا أنّها شدیدة الحرّ كثیرة البقّ.
بها ثمرتان لا توجدان فی مدینة غیرها: إحداهما اللیمو علی قدر التفّاح،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 125
و الأخری الانبج علی شبه الخوخ.
و أهل المدینة موافقون علی أنّهم لا یشترون شیئا من الممالیك السندیّة، و سببه أن بعض رؤسائها من آل مهلّب ربّی غلاما سندیّا، فلمّا بلغ رآه یوما مع زوجته فجبّه ثمّ عالجه حتی هدأ، و كان لمولاه ابنان: أحدهما بالغ، و الآخر طفل، فأخذ الغلام الصبیّین و صعد بهما إلی أعالی سور الدار ثمّ قال لمولاه:
و اللّه لئن لم تجبّ نفسك الآن لأرمینّ بهما! فقال الرجل: اللّه اللّه فیّ و فی ولدیّ! فقال: دع عنك هذا، و اللّه ما هی إلّا نفس، و إنی لأسمح بها من شربة ماء! و أهوی لیرمی بهما فأسرع الرجل و أخذ مدیة و جبّ نفسه، فلمّا رأی الغلام ذلك رمی بالصبیّین و قال: فعلت بك ما فعلت بی و زیادة قتل الولدین. فقتل الغلام بأفظع العذاب و أخرج من المدینة جمیع الممالیك السندیة، فكانوا یتداولون فی البلاد و لا یرغب أحد بالثمن الیسیر فی شرائهم.
بها نهر مهران عرضه كعرض دجلة أو أكثر، یقبل من المشرق آخذا جهة الجنوب متوجها إلی المغرب حتی یقع فی بحر فارس أسفل السند؛ قال الاصطخری: مخرجه من ظهر جبل یخرج منه بعض أنهار جیحون، و یظهر بملتان علی حدّ سمندور ثمّ علی المنصورة، ثمّ یقع فی البحر، و هو نهر كبیر عذب جدّا یقال فیه تماسیح كما فی النیل، و جریه مثل جریه، یرتفع علی الأرض ثمّ ینصبّ و یزرع علیه مثل ما یزرع علی النیل بأرض مصر.
و قال الجاحظ: ان تماسیح نهر مهران أصغر حجما من تماسیح النیل و أقلّ ضررا، و ذكر أنّه یوجد فی هذا النهر سبائك الذهب. و اللّه الموفق.

مهیمة

قریة بین مكّة و المدینة علی میل من الأبواء. بها ماء مهیمة، و هو ماء ساكن لا یجری إذا شربته الإبل یأخذها الهیام، و هو حمیّ الإبل، لا تعیش الإبل بها.
و القریة موبأة لفساد مائها.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 126

نجران‌

من مخالیف الیمن من ناحیة مكّة، بناها نجران بن زیدان بن سبا بن یشجب، قال، صلّی اللّه علیه و سلّم: القری المحفوظة أربع: مكّة و المدینة و إیلیا و نجران، و ما من لیلة إلّا و ینزل علی نجران سبعون ألف ملك، یسلّمون علی أصحاب الأخدود ثمّ لا یعودون إلیها أبدا.
كان بها كعبة نجران، بناها عبد المدان بن الریان الحرثی مضاهاة للكعبة، و عظّموها و سمّوها كعبة نجران، و كان بها أساقفة مقیمون، و هم الذین جاءوا رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، للمباهلة.
قال هشام بن الكلبی: انّها كانت قبّة من أدم من ثلاثمائة جلد، إذا جاءها الخائف أمن، أو طالب حاجة قضیت حاجته أو مسترفد أرفد. و كانت القبة علی نهر یستغلّ عشرة آلاف دینار تستغرق القبّة جمیعها.
ینسب إلیها عبد اللّه بن النامر، سیّد شهداء نجران؛ قال محمّد بن القرطی:
كان أهل نجران أهل الشرك، و كان عندهم ساحر یعلّم صبیانهم السحر، فنزل بهم رجل صالح و ابتنی خیمة بجنب قریة الساحر، فجعل أهل نجران یبعثون أولادهم إلی الساحر لتعلّم السحر، و فیهم غلام اسمه عبد اللّه، و كان ممرّه علی خیمة الرجل الصالح، فأعجبه عبادة الرجل، فجعل یجلس إلیه و یسمع منه أمور الدین حتی أسلم، و تعلّم منه الشریعة و الاسم الأعظم.
فقال له الرجل الصالح: عرفت الاسم الأعظم فاحفظ علی نفسك، و ما أظن أن تفعل. فجعل عبد اللّه إذا رأی أحدا من أصحاب العاهات یقول له:
إن دخلت فی دینی فإنی أدعو اللّه لیعافیك! فیقول: نعم. فیدخل فیشفی حتی لم یبق بنجران أحد ذو ضربة، فرفع أمره إلی الملك فأحضره و قال: أفسدت علی أهل نجران و خالفت دینی و دین آبائی، لأمثلنّ بك! فقال عبد اللّه: أنت لا تقدر علی ذلك! فجعل یلقیه من شاهق فیقوم سلیما و یرمیه فی ماء مغرق
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 127
فیخرج سلیما! فقال له عبد اللّه: لا تقدر علی قتلی حتی تؤمن بمن آمنت به.
فوحّد اللّه و دخل فی دینه ثمّ ضربه بعصا كانت فی یده فشجّه شجّة یسیرة، فمات علیها. فلمّا رأی أهل نجران ذلك قالوا: آمنّا بربّ عبد اللّه. فحفر الملك اخدودا و ملأها حطبا و أضرم فیه النار و أحضر القوم، فمن رجع عن دینه تركه، و من لم یرجع ألقاه فی النار؛ فذلك قوله تعالی: قتل أصحاب الأخدود. و ذكر أن عبد اللّه بن النامر أخرج فی زمن عمر بن الخطّاب و إصبعه علی شجّته، كما وضعها علیها حین قتل.

النّدهة

أرض واسعة بالسند بها خلق كثیر إلّا أنّهم كالزطّ. و بها خیر كثیر، و أكثر زروعهم الرزّ. و بها الموز و العسل و النارجیل. و بها الجمل الفالج ذو السنامین، و هذا الصنف من الإبل لا یوجد إلّا هناك، یجلب منها إلی خراسان و فارس، و یجعل فحلا للنوق العربیّة فتولد منهما البخاتی.

الهند

هی بلاد واسعة كثیرة العجائب. تكون مسافتها ثلاثة أشهر فی الطول و شهرین فی العرض، و هی أكثر أرض اللّه جبالا و أنهارا، و قد اختصّت بكریم النبات و عجیب الحیوان، و یحمل منها كلّ طرفة إلی سائر البلاد مع أن التجّار لا یصلون إلّا إلی أوائلها. و أمّا أقصاها فقلّما یصل إلیها أهل بلادنا لأنّهم كفّار یستبیحون النفس و المال.
و الهند و السند كانا أخوین من ولد توقیر بن یقطن بن حام بن نوح، علیه السلام، و هم أهل ملل مختلفة: منهم من یقول بالخالق دون النبیّ، و هم البراهمة، و منهم من لا یقول بهما، و منهم من یعبد الصنم، و منهم من یعبد القمر، و منهم من یعبد النار، و منهم من یبیح الزنا.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 128
بها من المعدنیات جواهر نفیسة، و من النبات أشیاء غریبة، و من الحیوانات حیوانات عجیبة و من العمارة رفیعة؛ قال أبو الضلع السندی یذكر بلاد الهند و ما یجلب منها:
لقد أنكر أصحابی و ما ذلك بالأمثل إذا ما مدح الهند و سهم الهند فی المقتل لعمری إنّها أرض إذا القطر بها ینزل یصیر الدّرّ و الیاقوت و الدّرّ لمن یعطل فمنها المسك و الكافور و العنبر و المندل و أصناف من الطیّب لیستعمل من یتفل و أنواع الأفاویه و جوز الطّیب و السّنبل و منها العاج و السّاج و منها العود و الصّندل و إنّ التّوتیا فیها كمثل الجبل الأطول و منها الببر و النّمر و منها الفیل و الدّغفل و منها الكرك و الببغاء و الطّاووس و الجوزل و منها شجر الرّانج و السّاسم و الفلفل سیوف ما لها مثل قد استغنت عن الصّیقل و أرماح إذا ما هزّت اهتزّ بها الجحفل فهل ینكر هذا الفضل إلّا الرّجل الأخطل و من عجائب الهند حجر موسی، فإنّه یوجد باللیل و لا یوجد بالنهار، یكسر كلّ حجر و لا یكسره حجر.
و من عجائبها شجرة كسیوس فإنّها شجرة حلوة الثمرة تقع الحمام علیها و تأكل من ثمرتها فیغشی علی الحمام فتأتی الحیّة لقصد الحمام، فإن كان علی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 129
غصن الشجرة أو ظلّها لا تقدر الحیّة أن تقربها.
و من عجائبها البیش، و هو نبت لا یوجد إلّا بالهند، سمّ قاتل، ایّ حیوان یأكل منه یموت، و یتولد تحته حیوان یقال له فأرة البیش، یأكل منه و لا یضرّه، و ممّا ذكر أن ملوك الهند إذا أرادوا الغدر بأحد عمدوا إلی الجواری إذا ولدن، و فرشوا من هذا النبت تحت مهودهن زمانا، ثمّ تحت فراشهن زمانا، ثمّ تحت ثیابهن زمانا، ثمّ یطعمونهن منه فی اللبن، حتی تصیر الجاریة إذا كبرت تتناول منه و لا یضرّها، ثمّ بعثوا بها مع الهدایا إلی من أرادوا الغدر به من الملوك فإنّه إذا غشیها مات.
و بها غنم لها ستّ ألایا: إحداها علی المكان المعهود، و الثانیة علی الصدر، و الثالثة و الرابعة علی الكتفین، و الخامسة و السادسة علی الفخذین، رأیت واحدة منها حملت إلی بلادنا.
و بها حیّات إذا لسعت إنسانا یبقی كالمیت، فیشدّونه علی لوح و یلقونه فی الماء، و الماء یذهب به إلی موضع فیه مارستان، و علی الماء من یترصّد الملسوعین فیأخذهم و یعالجونهم، فیرجع بعد مدّة إلی أهله سالما.
و بها طیر عظیم الجثّة جدّا؛ قالوا: إنّه فی بعض جزائرها إذا مات نصف منقاره یتّخذ مركبا یركب الناس فیه فی البحر، و عظم ریشه یتّخذ آزون الطعام و یسع الواحد منه أحمالا كثیرة.
و من عجائبها مدینة إذا دخلها غریب لم یقدر علی المجامعة أصلا، ولو أقام بها ما أقام، فإذا خرج عنها زال عنه المانع و رجع إلی حاله.
قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض الهند بحیرة مقدار عشرة فراسخ فی مثلها، ماؤها ینبع من أسفلها لا یأتیها شی‌ء من الأنهار. و فی تلك البحیرة حیوانات علی صورة الإنسان، إذا كان اللیل یخرج منها عدد كثیر یلعبون علی ساحل البحر و یرقصون و یصفّقون بالیدین، و فیهم جوار حسناوات. و یخرج منها أیضا حیوانات علی غیر صورة الإنسان عجیبة الأشكال، و الناس فی اللیلة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 130
القمراء یقعدون من البعد و ینظرون إلیهم، و كلّما كان النظار أكثر كان الخارجون أكثر. و ربّما جاءوا بالفواكه الكثیرة أكلوها و تركوا ما فضل منها علی الساحل، و إن مات منهم أحد أخرجوه من البحیرة و ستروا سوأته بالطین، و الناس یدفنونه، و ما دام یبقی علی الساحل لا یخرج من الماء أحد البتة.
قال صاحب عجائب الأخبار: بأقصی بلاد الهند أرض رملها مخلوط بالذهب، و بها نوع من النمل عظام، و هی أسرع عدوا من الكلب! و تلك الأرض شدیدة الحرارة جدّا، فإذا ارتفعت الشمس و اشتدّت الحرارة تهرب النمل إلی أسراب تحت الأرض و تختفی فیها إلی أن تنكسر سورة الحرّ فتأتی الهند بالدواب عند اختفاء النمل و یحمل من ذلك الرمل، و یسرع فی المشی مخافة أن یلحقهم النمل فیأكلهم.
قال المسعودی: بأرض الهند هیكل عظیم عندهم یقال له بلاذری، لیس لهم هیكل أعظم منه، له بلد قد وقف علیه، و حوله ألف مقصورة فیها جوار موقوفة علی الصنم لمن جاءه زائرا. و من جاء سجد له و أقام فی ضیافته ثلاثا و بات عند جاریة من جواریه ثمّ رجع.
بها جبل؛ قال صاحب تحفة الغرائب: علی هذا الجبل صورة أسدین یخرج من فمهما ماء كثیر یصیر ساقیتین، علیهما شرب قریتین، علی كلّ ساقیة قریة، فوقعت بین القریتین خصومة فكسروا فم أحدهما فانقطع ماؤه، فأصلح المكسور لیرجع إلی حاله فما أفاد شیئا.
و بها نهر كبك، و هو نهر عظیم، و للهند فیه اعتقاد عظیم، من مات من عظمائهم یلقون عظامه فی هذا النهر، و یقولون إنّها تساق إلی الجنّة، و بین هذا النهر و سومناة مائتا فرسخ، یحمل كلّ یوم من مائه إلی سومناة لیغسلوا به بیوت الأصنام و غیرها یتبرّكون به.
و بها عین العقاب؛ قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض الهند جبل فیه عین ماء إذا هرمت العقاب تأتی بها أفراخها هذه العین و تغسلها فیها، تمّ تضعها فی الشمس
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 131
فإن ریشها یتساقط عنها و ینبت لها ریش جدید، و یزول عنها الضعف و ترجع إلی القوّة و الشباب.
حكی انّه ذكر فی مجلس كسری أنوشروان أن بأرض الهند جبلا فیه شجر ثمرتها تحیی الموتی، فبعث رجلا إلی بلاد الهند لیأتیه بصحة هذا الكلام، فذهب إلی بلاد الهند یسأل عن الجبل حتی اجتمع ببعض البراهمة، فقال له: هذا الكلام مرموز من كلام الحكماء، أرادوا بالجبل الرجل العالم، و بالشجرة علمه، و بثمرتها فائدة علمه، و بالحیاة حیاة الآخرة. فقال كسری: صدق عالم الهند؛ الأمر كما ذكر.

یترب‌

قریة من قری الیمامة كثیرة النخل؛ قال ابن الكلبی: كان بها رجل من العمالقة یقال له عرقوب، فأتاه أخ له مستمیحا، فقال له عرقوب: إذا أطلعت نحلی فلك طلعها. فلمّا أطلعت قال: دعها حتی تصیر بلحا؛ فلمّا أبلحت قال:
دعها حتی تصیر زهوا، ثمّ حتی تصیر بسرا، ثمّ حتی تصیر رطبا ثمّ تمرا.
فلمّا أتمرت عمد إلیها لیلا فجدّها، فصار مثلا فی الخلف؛ قال الأصمعی:
و عدت و كان الخلف منك سجیّةمواعید عرقوب أخاه بیترب

الیمامة

ناحیة بین الحجاز و الیمن، أحسن بلاد اللّه و أكثرها خیرا و نخلا و شجرا.
كانت فی قدیم الزمان منازل طسم و جدیس، و هما من ولد لاوذ بن ارم بن لاوذ بن سام بن نوح، علیه السلام. أقاموا بالیمامة فكثروا بها و ملك علیهم رجل من طسم یقال له عملیق بن حیّاش، و كان جبّارا ظلوما یحكم بینهم بما شاء.
حكی انّه احتكم إلیه رجل و امرأة فی مولود بینهما، فقال الزوج و اسمه قابس:
أیّها الملك أعطیتها المهر كاملا و لم أصب منها طائلا إلّا ولدا جاهلا، فافعل
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 132
ما كنت فاعلا! فقالت الزوجة و اسمها هزیلة: أیّها الملك هذا ولدی حملته تسعا و وضعته دفعا و أرضعته شبعا، و لم أنل منه نفعا، حتی إذا تمّت فصاله و اشتدّت أوصاله أراد زوجی أخذه كرها و تركی و لهی! فقال الزوج: إنی حملته قبل أن تحمله و كفلت أمّه قبل أن تكفله! فقالت الزوجة: إنّه أیّها الملك حمله خفّا و أنا حملته ثقلا، و وضعه شهوة و أنا وضعته كرها! فلمّا رأی عملیق متانة حجّتها تحیّر، و رأی أن یجعل الغلام فی جملة غلمانه حتی یتبیّن له الرأی فیه، فقالت له هزیلة:
أتینا أخا طسم لیحكم بیننافأظهر حكما فی هزیلة ظالما
ندمت و كم أندم و أنّی بعثرتی‌و أصبح بعلی فی الحكومة نادما
فلمّا سمع عملیق ذلك غضب علی نساء جدیس، و أمر أن لا تزوّج بكر من نساء جدیس حتی تدخل علیه فیكون هو مفترعها! فلقوا من ذلك ذلّا حتی تزوّجت غفیرة بنت غفار، أخت الأسود بن غفار سیّد جدیس، فلمّا كانت لیلة الزفاف أخرجت لتحمل إلی الملك و القینات حولها یضربن بمعازفهن و یقلن:
ابدی بعملیق و قومی و اركبی‌و بادری الصّبح بأمر معجب!
فسوف تلقین الذی لم تطلبی‌و ما لبكر دونه من مهرب!
فأدخلت علی عملیق فامتنعت علیه، و كانت أیّدة فافترعها بحدیدة و أدماها، فخرجت و دمها یسیل علی قدمیها فمرّت باكیة إلی أخیها و هو فی جمع عظیم، و هی تقول:
لا أحد أذلّ من جدیس‌أهكذا یفعل بالعروس؟
فقال أخوها: ما شأنك؟ فأنشأت تقول:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 133 أیجمل أن یؤتی إلی فتیاتكم‌و أنتم رجال فیكم عدد الرّمل؟
أیجمل تمشی فی الدّماء فتاتكم‌صبیحة زفّت فی العشاء إلی بعل؟
فلو أنّنا كنّا رجالا و كنتم‌نساء لكنّا لا نقرّ علی الذّلّ!
فدبّوا إلیهم بالصّوارم و القناو كلّ حسام محدث الأمر بالصّقل
و لا تجزعوا للحرب قومی فإنّمایقوم رجال للرّجال علی رجل!
فلمّا سمعت جدیس ذلك امتلأت غیظا، قال الأسود لجدیس: یا قوم اتبعونی فإنی عبر الدّهر! فقال القوم: إنّا لك مطیعون لكن عرفت أن القوم أكثر منّا عددا و عددا! فقال الأسود: انی أری أن أتّخذ للملك طعاما، فإذا حضروا أنا أقوم إلی الملك و كلّ واحد منكم إلی رئیس من رؤسائهم و نقتلهم! فصنع الأسود طعاما و أمر أن یدفن كلّ واحد سیفه تحت الرمل مكان جلوسه، فلمّا جاءهم الملك و قومه و جلسوا للأكل قتل الأسود الملك، و قتل كلّ واحد منهم شریفا من أشراف طسم، فلمّا فرغوا منهم شرعوا فی بقایا طسم فهرب واحد منهم اسمه ریاح بن مرّة حتی لحق بحسّان بن تبّع الحمیری و قال له:
عبیدك و رعیتك قد اعتدی علینا جدیس، فقال له: ما شأنك؟ فرفع عقیرته ینشد:
أجبنی إلی قوم دعونا لغدرهم‌إلی قتلهم فیها لك الأجر
فإنّك لن تسمع بیوم و لن تری‌كیوم أباد الحیّ طسما به المكر
أتیناهم فی أزرنا و نعالناعلینا الملاء الحمر و الحلل الخضر آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی ؛ ص133
بصرنا طعوما بالعراء و طعمةینازع فینا الطّیر و الذّئب و النّمر
فدونك قوما لیس للّه فیهم‌و لا لهم منه حجاب و لا ستر
فأجابه حسّان إلی سؤاله و وعده بنصره ثمّ سار فی جیوشه إلیهم، فصبحهم و اصطلمهم، فهرب الأسود بن غفار بأخته فی نفر منهم و قتل البقیّة و سباهم.
و ینسب إلیها زرقاء الیمامة، و انّها كانت تری الشخص من مسیرة یوم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 134
و لیلة، و لمّا سار حسّان نحو جدیس قال له ریاح بن مرّة: أیّها الملك إن لی أختا مزوّجة فی جدیس و اسمها الزرقاء، و انّها زرقاء تری الشخص من مسیرة یوم و لیلة، أخاف أن ترانا فتنذر القوم بنا. فمر أصحابك لیقطعوا أغصان الأشجار و تستّروا بها لتشبّهوا علی الیمامة. و ساروا باللیل فقال الملك: و فی اللیل أیضا؟
فقال: نعم! ان بصرها باللیل أنفذ! فأمر الملك أصحابه أن یفعلوا ذلك، فلمّا دنوا من الیمامة لیلا نظرت الزرقاء و قالت: یا آل جدیس سارت إلیكم الشجراء و جاءتكم أوائل خیل حمیر. فكذّبوها فأنشأت تقول:
خذوا خذوا حذركم یا قوم ینفعكم‌فلیس ما قد أری مل أمر یحتقر
إنی أری شجرا من خلفها بشرلأمر اجتمع الأقوام و الشّجر
فلمّا دهمهم حسّان قال لها: ماذا رأیت؟ قالت: الشجر خلفها بشر! فأمر بقلع عینیها و صلبها علی باب جوّ، و كانت المدینة قبل هذا تسمّی جوّا، فسمّاها تبّع الیمامة و قال:
و سمّیت جوّا بالیمامة بعد ماتركت عیونا بالیمامة همّلا
نزعت بها عینی فتاة بصیرةرعاما و لم أحفل بذلك محفلا
تركت جدیسا كالحصید مطرّحاو سقت نساء القوم سوقا معجّلا
أدنت جدیسا دین طسم بفعلهاو لم أك لولا فعلها ذاك أفعلا
و قلت خذیها یا جدیس بأختها!و أنت لعمری كنت فی الظّلم أوّلا!
فلا تدع جوّا ما بقیت بإسمهاو لكنّها تدعی الیمامة مقبلا
و ینسب إلیها مسیلمة الكذّاب الذی یقال له رحمن الیمامة، ادّعی النبوة فی عهد رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، فطلبوا منه المعجزة فأخرج قارورة ضیّقة الرأس فیها بیضة، فآمن به بعضهم، و هم بنو حنیفة أقلّ الناس عقلا،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 135
فاستخفّ قومه فأطاعوه! و بنو حنیفة اتّخذوا فی الجاهلیّة صنما من العسل و السمن یعبدونه، فأصابتهم فی بعض السنین مجاعة فأكلوه، فضحك علی عقولهم الناس و قالوا فیهم:
أكلت حنیفة ربّهازمن التّقحّم و المجاعه
لم یحذروا من ربّهم‌سوء العواقب و التّباعه
و البیضة إذا تركت فی الخلّ زمانا لانت، فأدخلها فی القارورة ثمّ صبّ الماء علیها فعادت إلی حالها، و كان ظهوره فی السنة العاشرة من الهجرة، و حكی انّه كتب إلی رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم: من مسیلمة رسول اللّه إلی محمّد رسول اللّه. سلام علیك! أمّا بعد فإنی أشركت فی الأمر معك، و ان لنا نصف الأرض و لقریش نصفها، لكن قریشا یعتدون؛ و انفذه مع رسولین فكتب إلیه رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم: من محمّد رسول اللّه إلی مسیلمة الكذّاب، السلام علی من اتّبع الهدی! أمّا بعد فإن الأرض للّه یورثها من یشاء من عباده و العاقبة للمتّقین. قتل مسیلمة خالد بن الولید فی زمن أبی بكر.
و حكی أنّه رأی حمامة مقصوصة الجناح فقال: لم تعذّبون خلق اللّه؟
لو أراد اللّه من الطیر غیر الطیران ما خلق لها جناحا، و إنی حرّمت علیكم قصّ جناح الطائر! فقال بعضهم: سل اللّه الذی أعطاك آیة البیض أن ینبت له جناحا! فقال: إن سألت فانبت له جناحا فطار تؤمنون بی؟ قالوا: نعم. فقال: إنی أرید أناجی ربّی، فأدخلوه معی هذا البیت حتی أخرجه وافی الجناح حتی یطیر.
فلمّا خلا بالطائر أخرج ریشا كان معه و أدخل فی قصبة كلّ ریشة مقطوعة ریشة ممّا كان معه، فأخرجه و أرسله فطار فآمن به جمع كثیر.
و حكی أنّه قال فی لیلة منكرة الریاح مظلمة: إن الملك ینزل إلیّ اللیلة و لأجنحة الملائكة صلصلة و خشخشة، فلا یخرجن أحدكم فإن من تأمّلهم اختطف بصره. ثمّ اتّخذ صورة من الكاغد لها جناحان و ذنب، و شدّ فیها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 136
الجلاجل و الخیوط الطوال فأرسل تلك الصورة و حملتها الریح، و الناس باللیل یرون الصورة و یسمعون صوت الجلاجل و لا یرون الخیط. فلمّا رأوا ذلك دخلوا منازلهم خوفا من أن تختطف أبصارهم، فصاح بهم صائح: من دخل منزله فهو آمن! فأصبحوا مطبقین علی تصدیقه؛ قال الهذلی:
ببیضة قارور ورایة شادن‌و توصیل مقصوص من الطیر جازف
فلمّا سمع سورة و الذاریات قال: و قد أنزل علیّ مثلها، و هی:
و الزارعات زرعا. فالحاصدات حصدا. فالطاحنات طحنا. فالخابزات خبزا.
فالآكلات أكلا! فقال بعض أهل المجون: قل و الخاریات خریا!
و لمّا سمع سورة الفیل قال: قد أنزل علیّ مثلها، و هی: الفیل. و ما أدراك ما الفیل! له ذنب طویل و مشفر وثیل، و ان ذلك من خلق ربنا النبیل! و لمّا سمع سورة الكوثر قال: قد أنزل علیّ مثلها، و هی: إنّا أعطیناك الجواهر، فصلّ لربّك و هاجر، ان شانئك هو الكافر!
فسبحان من أظهر إعجاز القرآن، فلو كان من عند غیر اللّه لكان مثل هذا.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 137

الاقلیم الثالث‌

اشارة

أوّله حیث یكون الظلّ نصف النهار إذا استوی اللیل و النهار ثلاثة أقدام و نصف و عشر و سدس عشر قدم، و آخره حیث یكون ظلّ الاستواء فیه نصف النهار أربعة أقدام و نصفا و عشرین و ثلاثة عشر قدما. و هو یبتدی‌ء من المشرق فیمرّ علی شمال بلاد الصین ثمّ الهند ثمّ السند، ثمّ كابل و كرمان و سجستان و فارس و الاهواز، و العراقین و الشام و مصر و الاسكندریّة و برقة و إفریقیة، و ینتهی إلی حدّ البحر المحیط. و أطول نهار هؤلاء فی أوّل الإقلیم ثلاث عشرة ساعة و نصف و ربع، و فی وسطه أربع عشرة ساعة، و فی آخره أربع عشرة ساعة و ربع، و طوله من المشرق إلی المغرب ثمانمائة ألف و سبعمائة و أربعة و سبعون میلا و خمس و أربعون دقیقة، و تكسیره مساحة ثلاثمائة ألف ألف و ستّة آلاف و أربعمائة و ثمانیة و خمسون میلا و تسع و عشرون دقیقة، و لنذكر بعض بلاده مرتبا علی حروف المعجم.

أبرقوه‌

بلدة مشهورة بأرض فارس. هم یسمّونها دركوه یعنی قرب الجبل، لأن بها تلّا عظیما. حكی فی أخبار الفرس أن سعدی بنت تبّع كانت زوجة كیكاوس، ملك الفرس، عشقت ابن زوجها سیاوش و راودته عن نفسه، فامتنع علیها فأخبرت أباه أنّه راودها كذبا علیه. فغضب الملك علی ابنه فأجّج سیاوش نارا عظیمة بأبرقوه لیدخلها، فإن كان بریئا لا تعمل فیه النار، و إن كان خائنا یحترق، و كان هذا یمینهم، فدخلها سیاوش و خرج منها سالما فانتفت
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 138
منه التهمة، فتأذّی من أبیه و فارقه، و ذهب إلی افراسیاب ملك الترك فأكرمه و زوّجه ببنته، ثمّ قیل لافراسیاب: انّه یرید الغدر بك، فأخذه و قتله، فوقعت الخصومة بین الفرس و الترك إلی هذا الوقت، فذكر أن التلّ العظیم بأبرقوه رماد نار سیاوش.
و من عجائب ابرقوه أن المطر لا یقع فی داخلها إلّا قلیلا، و إنّما یقع فی حوالیها دون السور، و یزعمون أن ذلك بدعاء الخلیل، علیه السلام، و زعموا أن الخلیل، علیه السلام، منعهم عن استعمال البقر فی الزرع، و هم لا یستعملونها مع كثرتها بها.

أبسوج‌

قریة بمصر فی غربی النیل، بها بیعة خاصیّتها دفع الفأر، و ذاك علی بابها صورة فأرة فی جحر، و الناس یأخذون طین النیل و یطبعونه علی صورة الفأرة التی فی الجحر، و یحملونه إلی بیوتهم، و تهرب الفأر عن بیوتهم.
و ذكر أهل القریة أن مركبا كان فیه شعیر وقف تحت هذه القریة، فقصد صبیّ من المركب و أخذ شیئا من طین النیل و طبع به الفأرة، و نزل المركب بالطین المطبوع فتبادرت فأر المركب ترمی نفسها فی الماء. فتعجّب الناس من ذلك و جربوه فی البیوت أیضا، و كان أی طابع حصل فی دار لم تبق فیها فأرة إلّا خرجت، فتقتل أو تفلت إلی موضع لا طابع فیه. فأخذ أكثر الناس الطابع و تركوه فی بیتهم.

أبیار

مدینة بقرب الإسكندریّة. بها معدن النطرون. من عجائبه أن كلّ شی‌ء یقع فیه یصیر نطرونا حتی لو وقع فیه ثور یصیر نطرونا بجمیع أجزائه، و النطرون نوع من البورق یستعمل فی الأدویة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 139

أجر

قریة فی إفریقیة بقرب القیروان، لها حصن و قنطرة عجیبة فی موضع زعر كثیر الحجارة، من عجائبها ان الریح العاصف دائمة الهبوب بها، و أرضها مأسدة، الأسود بها كثیرة، فلا تخلو من الریح العاصف و الأسد القاصف.

إخمیم‌

بلدة صغیرة عامرة بالنخیل و الزروع علی النیل الشرقی. من عجائبها الجبل الذی فی غربیها، من أصغی إلیه سمع صوتا كخریر الماء و لغطا شبیها بكلام، و لم تعرف حقیقة ذلك.
و بها البرابی التی هی من عجائب مصر. و البربا عبارة عن بیت عمل فیه شجر أو طلسم. و بربا اخمیم بیت فیه صور ثابتة فی الحجارة بادیة إلی الآن موجود. ذكر فی كتاب أخبار مصر انّه لمّا أغرق اللّه تعالی فرعون و جنوده فی البحر، خلت مصر عن الرجال الأجناد. و كانت امرأة من بیت الفراعنة یقال لها دلوكة أرادت أن یبقی علیها اخمیم، لا یطمع فیها الملوك لعدم الأجناد.
و كان فی زمانها ساحرة یقدّمها سحرة مصر فی علم السحر، یقال لها تدورة، فقالت لها دلوكة: احتجنا إلیك فی شی‌ء تصنعینه یكون حرزا لبلادنا ممّن یرومه من الملوك، إذ بقینا بغیر رجال. فأجابتها إلی ما أرادت و صنعت لها بربا، و هو بیت له أربعة أبواب إلی أربع جهات، و صوّرت فیها السفن و الرجال و الخیل و البغال و الحمیر و قالت: قد عملت لك شیئا یغنیك عن الرجال و السلاح و الحصن، فإن من أتاكم من البر یكون علی الخیل و البغال و الحمیر، و ان من أتاكم من البحر یكون فی السفن، فعند ذلك تحرّكت الصور التی هی مثلهم و تشاكلهم فما فعلتم بالصور أصابهم مثل ذلك فی أنفسهم. فكان بعد ذلك إذا أتاهم عدوّ تحرّكت الصور فقطعوا سوق الدواب، وفقأوا عیون الرجال و بقروا بطونهم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 140
فیصیبهم مثل ذلك. و هذه الحكایة و إن كانت شبه الخرافات لكنها فی جمیع كتب أخبار مصر مكتوبة و البیت باق إلی الآن.
و ینسب إلیها أبو الفیض ذو النون المصری ابن إبراهیم الاخمیمی. انّه كان أوحد وقته علما و ورعا و أدبا. و له حالات عجیبة أعجب من البرابی، حكی سالم بن عبد اللّه المغربی قال: سألت ذا النون عن سبب توبته فقال: انّه عجیب لا تطیقه! فقلت: و حقّ معبودك الّا أخبرتنی! فقال: خرجت من مصر أرید بعض القری، فنمت فی بعض الطریق ففتحت عینی، فإذا أنا بقنبرة عمیاء سقطت من وكرها علی الأرض، فانشقّت الأرض فخرجت منها سكرّجتان إحداهما ذهب و الأخری فضّة، و فی إحداهما سمسم و فی الأخری ماء، فجعلت تأكل من هذا و تشرب من هذا، فقلت: حسبی لزمت الباب حتی قبلنی. 1
توفی سنة خمس و أربعین و مائتین.
و حكی یوسف بن الحسین قال: بلغنی أن ذا النون یعرف اسم اللّه الأعظم، فقصدت مصر و خدمته سنة ثمّ قلت له: أیّها الأستاذ أثبتّ علیك حقّ الخدمة، أرید أن تعرفنی اسم اللّه الأعظم و لا تجد له موضعا مثلی. فسكت حتی أتی علی هذا ستّة أشهر، ثمّ أخرج لی یوما طبقا و مكنّة مشدودا فی مندیل، و كان ذو النون بالجیزة، قال لی: أتعرف صدیقنا فلانا بالفسطاط؟ قلت: نعم. قال:
أرید أن تؤدی إلیه هذا. قال: فأخذت الطبق و امشی طول الطریق و أتفكّر فی ذلك، فلم أصبر حتی حللت المندیل و رفعت المكنّة، فإذا فأرة علی الطبق أفلتت و مرّت فاغتظت من ذلك و قلت له: إنّه یسخر بی! فرجعت إلیه مغتاظا.
فلمّا رآنی عرف ما فی وجهی فقال: یا أحمق ائتمنتك علی فأرة فخنتنی! أ فآتمنك علی اسم اللّه الأعظم؟ مرّ عنی لا أراك.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 141

أرّجان‌

مدینة مشهورة بأرض فارس، بناها قباذ بن فیروز والد أنوشروان العادل؛ قال ابن الفقیه: من عجائبها كهف فی حبل ینبع منه ماء شبیه بعرق یترشّح من حجارته، یكون منه المومیا الجیّد الأبیض، و علی هذا الكهف باب حدید و حفظة، یغلق و یختم بختم السلطان إلی یوم من السنة یفتح فیه و یحضر القاضی و مشایخ البلد و یدخل الكهف رجل عریان، فیجمع ما قد اجتمع فیه من المومیا و یجعله فی قارورة، فیكون مقدار مائة مثقال أو دونها، ثمّ یغلق الباب و یختم إلی القابل.
و خاصّیّته أن الأنسان إذا سقی منه مقدار عدسة و قد انكسر من أعضائه شی‌ء أو انهشم ینزل كما یشربه إلی الكسر و الهشم و یصلحه.
و بها قنطرة عجیبة علی نهر طاب، و هی قوس واحدة سعة ما بین القائمتین ثمانون خطوة، و ارتفاعها مقدار ما یخرج منها راكب الجمل و بیده أطول الأعلام.
و بها بئر صاهك. ذكر أهل ارجان: أنّهم امتحنوا قعرها بالمثقلات و الارسان فلم یقفوا منها علی قرار. یفور الدهر كلّه منها ماء رحی یسقی تلك القریة.
و إلیها ینسب الفضل بن علان من أعیان أرجان، كان به حمّی الربع.
قیل له: ان النعمان بن عبد اللّه یقدم غدا و الوجه أن تتلقّاه. فقال: كیف ذلك و غدا نوبة الحمی؟ لكن یا غلام هات اللحاف حتی أحمّ الیوم، و غدا أتلقی الرجل!

الأردنّ‌

ناحیة بأرض الشام فی غربی الغوطة و شمالیها، و قصبتها طبریّة، بینها و بین بیت المقدس ثلاثة أیّام، بها البحیرة المنتنة التی یقال لها بحیرة طبریّة.
و دورة البحیرة ثلاثة أیّام، و الجبال تكتنفها فلا ینتفع بهذه البحیرة و لا یتولّد فیها حیوان، و قد یهیج فی بعض الأعوام فیهلك أهل القری الذین هم حولها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 142
كلّهم حتی تبقی خالیة مدّة، ثمّ یأتی یسكنها من لا رغبة له فی الحیاة. و ان وقع فی هذه البحیرة شی‌ء لا یبقی منتفعا به، حتی الحطب إذا وقع فیها لا تعمل النار فیه البتّة، و ذكر ابن الفقیه أن الغریق فیها لا یغوص بل یبقی طافیا إلی أن یموت، و یخرج من هذه البحیرة حجر علی شكل البطیخ یقال له الحجر الیهودی، ذكره الفلاسفة و استعمله الأطباء لحصاة المثانة، و هو نوعان: ذكر و أنثی، فالذكر للرجال و الأنثی للنساء.
و بها منزل یعقوب النبیّ، علیه السلام، و بها جبّ یوسف الصدّیق، و إلی الآن باق، و الناس یزورونها و یتبرّكون بها.
و ینسب إلیها الحواریّون القصّارون؛ قال لهم عیسی، علیه السلام:
من انصاری إلی اللّه؟ قال الحواریّون: نحن أنصار اللّه.

أریحا

مدینة بقرب بیت المقدس من أعمال الأردن بالغور. ذات نخل و موز و سكر كثیر، و هی قریة الجبّارین التی أمر اللّه موسی، علیه السلام، بدخولها، فقال موسی لبنی إسرائیل: یا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التی كتب اللّه لكم، یعنی أرض الشام، فخرج موسی من مصر بستمائة ألف مقاتل عازما للشام، فلمّا وصلوا إلی البریة التی بین مصر و الشام، بعث موسی اثنی عشر نقیبا من كلّ سبط واحدا رسولا إلی الجبّارین، لیعرفوا حالهم، فلمّا قربوا من أریحا تلقّاهم رجل من العمالقة، سألهم عن حالهم فقالوا: إنّا رسل موسی رسول اللّه إلیكم. فجعلهم فی كمّه كما یجعل أحدنا فی كمّه العصافیر، و ذهب بهم إلی ملك العمالقة و نفضهم بین یدیه، و قال: هؤلاء الذین یریدون قتالنا! أتأذن لی أن أطأهم بقدمی أفسّخهم؟ فقال الملك: لا، اتركهم حتی یرجعوا إلی قومهم یعرّفونهم حالنا و قوّتنا و ضعفهم. فرجع النقباء و ذكروا للقوم ما شاهدوا، فامتنع القوم عن دخول الشام و قالوا: إن فیها قوما جبّارین. و كان
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 143
من النقباء یوشع بن نون ابن عمّ موسی و كالب بن یوفنّا زوج أخت موسی، قالا: یا قوم ادخلوا علیهم الباب فإذا دخلتموه فإنّكم غالبون! و جدّ موسی و هارون جدّا عظیما، فقالوا: إنّا لن ندخلها أبدا ما داموا فینا فاذهب أنت و ربّك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون. فحبسهم اللّه تعالی فی التیه أربعین سنة فماتوا كلّهم سوی یوشع و كالب، و أوحی اللّه تعالی إلی یوشع فدخل الشام بأولاد الممتنعین و فتحها، فأمرهم اللّه تعالی أن یدخلوا مدینة أریحا سجّدا للّه تعالی شكّرا قائلین: حطّة! أی سؤالنا حطّ ذنوبنا. و كانوا یدخلونها علی استاههم قائلین حنطة، فسخط اللّه علیهم و رماهم بالطاغین، فهلك منهم آلاف مؤلفة و ذلك قوله تعالی: فبدّل الذین ظلموا قولا غیر الذی قیل لهم فأنزلنا علی الذین ظلموا رجزا من السماء بما كانوا یفسقون.

الإسكندریّة

و هی المدینة المشهورة بمصر، علی ساحل البحر. اختلف أهل السیر فی بانیها:
فمنهم من ذهب إلی أن بانیها الإسكندر الأوّل، و هو ذو القرنین اشك بن سلوكوس الرومی، الذی جال الأرض و بلغ الظلمات و مغرب الشمس و مطلعها، و سدّ علی یأجوج و مأجوج كما أخبر اللّه تعالی عنه، و كان إذا بلغ موضعا لا ینفذ اتّخذ هناك تمثالا من النحاس مادّا یمناه مكتوبا علیها: لیس ورائی مذهب.
و منهم من قال بناها الإسكندر بن دارا ابن بنت الفیلسوف الرومی، شبّهوه بالإسكندر الأوّل لأنّه ذهب إلی الصین و المغرب و مات و هو ابن اثنتین و ثلاثین سنة، و الأوّل كان مؤمنا و الثانی كان علی مذهب أستاذه أرسطاطالیس، و بین الأوّل و الثانی دهر طویل.
قیل: إن الإسكندر لمّا همّ ببناء الإسكندریّة، و كانت قدیما مدینة من بناء شدّاد بن عاد كان بها آثار العمارة و الأسطوانات الحجریّة، ذبح ذبائح كثیرة للقرابین، و دخل هیكلا كان للیونانیّین و سأل ربّه أن یبیّن له أمر
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 144
هذه المدینة هل یتمّ أم لا؟ فرأی فی منامه قائلا یقول له: إنّك تبنی هذه المدینة و یذهب صیتها فی الآفاق، و یسكنها من الناس ما لا یحصی عددهم، و تختلط الریاح الطیّبة بهوائها و یصرف عنها السموم، و یطوی عنها شدّة الحرّ و الزمهریر و یكعم عنها الشرور حتی لا یصیبها من الشیاطین خبل، و ان جبلت الملوك إلیها جنودهم لا یدخلها ضرر.
فأتی الإسكندر موضعها و شاهد طیب هوائها و آثار العمارة القدیمة و عمدا كثیرة من الرخام، فأمر بحثّ الصّنّاع من البلاد و جمع الآلة و اختیار الوقت لبنائها، فاختاروا وقتا و علّقوا جرسا حتی إذا حرّك الجرس الصنّاع، یضعون البناء من جمیع أطرافها فی وقت واحد، فإذا هم مترقّبون طار طیر وقع علی الجرس فحرّكه فوضعوا البناء.
قیل ذلك للاسكندر فقال: أردت طول بقائها و أراد اللّه سرعة خرابها، و لا یكون إلّا ما أراد اللّه فلا تنقضوها. فلمّا ثبت أساسها و جنّ اللیل خرجت من البحر دابّة و خربت ما بنوا، فلم یزل یحكمها كلّ یوم و یوكل بها من یحفظها، فأصبحوا و قد خربت. فأمر الإسكندر باتّخاذ عمد علیها طلسم لدفع الجنّ، فاندفع عنها أذیّتهم.
قال المسعودی: الأعمدة التی للطلسم علیها صور و أشكال و كتابة باقیة إلی زماننا، كلّ عمود طوله ثمانون ذراعا، علیها صور و أشكال و كتابة، فبناها الإسكندر طبقات تحتها قناطر بحیث یسیر الفارس تحتها مع الرمح. و كان علیها سبعة أسوار، و هی الآن مدینة كثیرة الخیرات، قال المفسّرون: كانت هی المراد من قوله تعالی: و أوحینا إلی موسی و أخیه أن تبوّآ لقومكما بمصر بیوتا.
و كان بها یوم الزینة و احتجاج موسی و السحرة. و كان موسی قبل الإسكندر بأكثر من ألف سنة.
بها مجلس سلیمان، علیه السلام، قال الغرناطی: إنّه خارج الإسكندریّة، بنته الجنّ منحوتا من الصخر بأعمدة الرخام لا مثل لها، كلّ عمود علی قاعدة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 145
من الرخام و علی رأسه مثل ذلك، و الرخام أبیض منقط بحمرة و سواد مثل الجزع الیمانی، طول كلّ عمود ثلاثون ذراعا و دورته ثمانیة أذرع، و له باب من الرخام و عتبته و عضادتاه أیضا من الرخام الأحمر الذی هو أحسن من الجزع، و فی هذا المجلس أكثر من ثلاثمائة عمود كلّها من جنس واحد و قدّ واحد، و فی وسط هذا المجلس عمود من الرخام علی قاعدة رخامیّة، طوله مائة و إحدی عشرة ذراعا و دوره خمسة و أربعون شبرا، إنی شبرتها بشبری.
و من عجائبها عمود یعرف الیوم بعمود السواری قریب من باب الشجرة من أبواب الإسكندریّة، فإنّه عظیم جدّا كأنّه منارة عظیمة، و هو قطعة واحدة منتصب علی قاعدة من حجر عظیم مربع، و علی رأسه حجر آخر مثل القاعدة كأنّه بیت، فإن تحت ذلك من مقطعه و انتصابه و رفع الحجر الفوقانی علی رأسه یدلّ علی أن فاعلیه كانوا فی قوّة شدیدة، و كانوا بخلاف أهل زماننا.
و من عجائبها ما ذكر أبو الریحان فی الآثار الباقیة ان بالإسكندریّة اسطوانة متحرّكة، و الناس یقولون إنّها تتحرّك بحركة الشمس، و إنّما قالوا ذلك لأنّها إذا مالت یوضع تحتها شی‌ء، فإذا استوت لا یمكن أخذها، و إن كان خزفا أو زجاجا یسمع تقریعه، و كانت الإسكندریّة مجمع الحكماء، و بها كان معاریجهم مثل الدرج، یجلس علیها الحكماء علی طبقاتهم فكان أوضعهم علما الذی یعمل الكیمیاء، فإن موضعه كان علی الدرجة السفلی.
و من عجائبها المنارة أسفلها مربع من الصخر المنحوت، و فوق ذلك منارة مثمّنة، و فوق المثمّنة منارة لطیفة مدوّرة، طول الأولی تسعون ذراعا، و المثمّنة مثل ذلك، و طول اللطیفة المدوّرة ثلاثون ذراعا، و علی أعلی المنارة مرآة و علیها موكّل ینظر إلیها كلّ لحظة، فإذا خرج العدوّ من بلاد الروم و ركب البحر، یراه الناظر فی المرآة و یخبر القوم بالعدوّ فیستعدّون لدفعه. و كانت المرآة باقیة إلی زمن الولید بن عبد الملك بن مروان، فأنفذ ملك الروم شخصا من خواصه ذا دهاء، فجاء إلی بعض الثغور و أظهر أنّه هارب من ملك الروم و رغب فی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 146
الإسلام، و أسلم علی ید الولید بن عبد الملك و استخرج له دفائن من أرض الشام.
فلمّا صارت تلك الأموال إلی الولید شرهت نفسه فقال له: یا أمیر المؤمنین إن ههنا أموالا و دفائن للملوك الماضیة. فسأله الولید عن مكانه فقال: تحت منارة الإسكندریّة، فإن الإسكندر احتوی علی أموال شدّاد بن عاد و ملوك مصر و الشام فتركها فی آزاج و بنی علیها المنارة. فبعث الولید معه قوما لاستخراجها فهم نقضوا نصف المنارة و أزیلت المرآة، فضجّت الناس من أهل الإسكندریّة. فلمّا رأی العلج ذلك و علم أن المرآة أبطلت هرب باللیل فی مركب نحو الروم و تمّت حیلته.
و المنارة فی زماننا حصن عال علی نیق جبل مشرف علی البحر فی طرف جزیرة، بینها و بین البر نحو شوط فرس، و لا طریق إلیها إلّا فی البحر المالح، و هی مربّعة و لها درج واسعة یصعدها الفارس بفرسه. و قد سقّفت الدرج بحجارة طوال مركبة علی الحائطین المكتنفین للدرجة، فترتقی إلی طبقة عالیة مشرفة علی البحر بشرفات محیطة، و فی وسطه حصن آخر یرتقی إلیه بدرجة أخری فیصعد إلی طبقة أخری لها شرفات، و فی وسطها قبّة لطیفة كأنّها موضع الدیدبان.
و حكی أن عبد العزیز بن مروان لمّا ولّی مصر جمع مشایخها و قال: إنی أرید أن أعید بناء الإسكندریّة إلی ما كانت. فقالوا: انظرنا حتی نتفكّر. فقال:
أعینونی بالرجال و أنا أعینكم بالمال. فذهبوا إلی ناووس و أخرجوا منه رأس آدمی و حملوه علی عجلة و وزنوا سنّا من أسنانه فوجدوها عشرین رطلا علی ما بها من
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 147
النخر و القدم، فقالوا: جئنا بمثل هؤلاء الرجال حتی نعیدها إلی ما كانت.
فسكت.
بها عین مشهورة بعین الإسكندریّة، فیها نوع من الصدف یوجد فی كلّ وقت لا یخلو منه فی شی‌ء من الأوقات، یطبخ و تشرب مرقته تبری‌ء من الجذام.
و اللّه الموفق.

أسیوط

مدینة فی غربی النیل من نواحی الصعید فی مستوی، كثیرة الخیرات عجیبة المتنزّهات، و عجائب عماراتها و صورها ممّا یری لا ممّا یذكر. و لمّا صوّرت الدنیا للرشید لم یستحسن غیر كورة اسیوط، لكثرة ما بها من الخیرات و المتنزّهات.
فیها سبع و خمسون كنیسة للنصاری.
و من عجائبها ان بها ثلاثین ألف فدّان، ینشر ماؤها فی جمیعها و إن كان قلیلا لاستواء سطح أرضها، و یصل الماء إلی جمیع أقطارها.
و بها الأفیون المصری الذی یحمل إلی سائر البلاد، و هو عصارة ورق الخشخاش الأسود و الخس. و بها سائر أنواع السكر و منها یحمل إلی جمیع الدنیا.
و بها مناسج الدیبقی و الثیاب اللطیفة التی لا یوجد مثلها فی شی‌ء من البلاد.

إصطخر

مدینة بأرض فارس قدیمة لا یدری من بناها، كان سلیمان، علیه السلام، یتغدی بأرض الشام ببعلبك و یتعشّی بإصطخر.
بها بیت نار عظیم للمجوس و یقولون إنّه كان مسجد سلیمان، علیه السلام؛ قال المسعودی: إنّه خارج المدینة، دخلته فرأیت بنیانا عجیبا و أساطین صخر عجیبة علی أعلاها صور من الصخر عظیمة الأشكال. ذكر أهل الموضع أنّها صور الأنبیاء، و هو فی سفح جبل و هو هیكل عظیم، من عجائبه أن الریح
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 148
لا تفارق ذلك الهیكل لیلا و لا نهارا، و لا تفترّ عن الهبوب ساعة، یقولون:
ان سلیمان، علیه السلام، حبس الریح فیه.
و ذكر ابن الأثیر الجزری فی تاریخه: أن السلطان الب أرسلان لمّا فتح قلعة اصطخر وجد بها قدح فیروزج اسم جمشید الملك مكتوب علیه.
و من عجائبه تفّاح بعضه حلو و بعضه حامض، قال الاصطخری: حدّث بذلك الأمیر مرداس بن عمرو فأنكر الحاضرون، فأحضر حتی رأوه و زال إنكارهم.
و ینسب إلیها الاصطخری صاحب كتاب الأقالیم، فإنّه ذكر فی كتابه النواحی المعمورة و ذكر بلادها و قراها و المسافات بینها و خواصّ موضع ان كان له خاصّیّة، و ما قصّر فی جمیع ذلك الكتاب.

إفریقیّة

مدینة كبیرة كثیرة الخیرات طیّبة التربة وافرة المزارع و الأشجار و النخل و الزیتون، و كانت افریقیة قدیما بلادا كثیرة، و الآن صحاری مسافة أربعین یوما بأرض المغرب. بها برابر و هم مزاتة و لواتة و هوّارة و غیرهم. و ماء أكثر بلادها من الصهاریج.
و بها معادن الفضّة و الحدید و النحاس و الرصاص و الكحل و الرخام. و من عجائبها بحیرة بنزرت، حدّثنی الفقیه أبو الربیع سلیمان الملتانی: انّه یظهر فی كلّ شهر من السنة فیها نوع من السمك یخالف النوع الذی كان قبله، فإذا انتهت السنة یستأنف الدور فیرجع النوع الأوّل، و هكذا كلّ سنة.
و كذلك نهر شلف فإنّه فی كلّ سنة فی زمان الورد یظهر فیه صنف من السمك یسمّی الشهبوق، و هو سمك طوله ذراع، و لحمه طیّب إلّا أنّه كثیر الشوك و یبقی شهرین. و یكثر صیدها فی هذا الوقت و یرخص ثمنها ثمّ ینقطع إلی القابل، فلا یوجد فی النهر شی‌ء منها إلی السنة القابلة أوان الورد.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 149
و ذكر أبو الحسن علی الجزری فی تاریخه: انّه نشأت بافریقیة فی شهر ربیع الآخر سنة إحدی عشرة و أربعمائة سحابة شدیدة الرعد و البرق، فأمطرت حجارة كثیرة و أهلكت كلّ من أصابته.

أفیق‌

قریة من قری مصر. ذكر بعض الصالحین انّه رأی فی نومه ملكا نزل من السماء و قال له: أترید أن تغفر ذنوبك؟ قال الرجل: منیتی ذلك! فقال:
قل مثل ما یقوله مؤذّن افیق. قال: فذهبت إلی افیق فرأیت المؤذّن لمّا فرغ من الأذان قال: لا إله إلّا اللّه وحده لا شریك له، له الملك و له الحمد، یحیی و یمیت و هو حیّ لا یموت، بیده الخیر، و هو علی كلّ شی‌ء قدیر. بها أشهد مع الشاهدین، و أحملها مع الجاحدین، و أعدّها لیوم الدین. و أشهد أن الرسول كما أرسل، و الكتاب كما أنزل، و القضاء كما قدّر، و ان الساعة آتیة لا ریب فیها، و ان اللّه یبعث من فی القبور، علی ذلك أحیا و أموت و أبعث إن شاء اللّه تعالی.

أنصنا

مدینة قدیمة علی شرقی النیل بأرض مصر؛ قال ابن الفقیه: أهل هذه المدینة مسخوا حجرا! فیها رجال و نساء مسخوا حجرا علی أعمالهم: فالرجل نائم مع زوجته، و القصّاب یقطع لحمه، و المرأة تخمّر عجینها، و الصبی فی المهد، و الرغفان فی التنور كلّها انقلبت حجرا صلدا.
و بأنصنا شجر اللبخ و هو عود ینشر لألواح السفینة، ربّما أرعف ناشره فیكون له قیمة، و إذا شدّ لوح بلوح و ترك فی الماء سنة صار لوحا واحدا، فإذا اتّخذ منها سفینة و بقی فی الماء مدّة صار كأنّ السفینة قطعة واحدة، فلعلّ عزّتها من هذه الجهة، و لشجرته ثمرة تشبه البلح فی لونه و شكله و طعمه.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 150

أنطاكیة

مدینة عظیمة من أعیان المدن علی طرف بحر الروم بالشام. موصوفة بالنزاهة و الحسن و طیب الهواء و عذوبة الماء، و فی داخلها مزارع و بساتین.
و انّها بنتها انطاكیة بنت الروم بن الیقن بن سام بن نوح، علیه السلام، ذات سور و فصیل. و لسورها ثلاثمائة و ستّون برجا، یطوف علیها أربعة آلاف حارس من عند صاحب القسطنطینة، یضمنون حراستها سنة و یستبدل بهم فی السنة الثانیة، و سورها مبنی علی السهل و الجبل من عجائب الدنیا. دورتها اثنا عشر میلا. و كلّ برج من أبراجها منزل بطریق فسكنه بخدمه و خوله، و جعل كلّ برج طبقات أسفله مرابط الخیل، و أوسطه منزل الرجال، و أعلاه موضع البطریق. و كلّ برج كحصن علیه أبواب حدید، و فیها ما لا سبیل إلی قطعه من الخارج. و المدینة دائرة نصفها سهلیّ و نصفها جبلیّ، و قطر الدائرة فاصلة بین السهلیّ و الجبلیّ.
و لها قلعة عالیة جدّا تتبیّن من بعد بعید تستّر الشمس عن المدینة، فلا تطلع علیها إلّا فی الساعة الثانیة.
و بها بیعة القسیان، و هو الملك الذی أحیا ولده رئیس الحواریّین فطرس، كما جاء فی القصّة فی قوله تعالی: و اضرب لهم مثلا أصحاب القریة إذ جاءها المرسلون.
و علی باب بیعة القسیان صحنان لساعات اللیل و النهار، یعمل كلّ واحد اثنتی عشرة ساعة، و فی بیعة القسیان من الخدم و المسترزقة ما لا یحصی، و لها دیوان فیه بضعة عشر كاتبا. و المدینة خمس طبقات، علی الطبقة الخامسة الحمامات و البساتین و مناظر حسنة، و سبب ذلك أن الماء ینزل من الجبل المطلّ علیها، و قد عملوا علی الماء الحمامات و البساتین. و فیها من الكنائس ما لا یعدّ، كلّها معمولة بالفصّ المذهّب و الزجاج الملوّن و البلاط المجزّع. و حماماتها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 151
أطیب الحمامات لأن ماءها العذب السیح و وقودها الآس.
قال المسعودی: رأیت فیها من الماء ما یستحجر فی مجاریها المعمولة من الخزف.
و حكی أنّه كان بأنطاكیة إذا أخرج الإنسان یده إلی خارج السور وقع علیه البقّ، و إذا جذبها إلی داخل لا یبقی علیه شی‌ء من البقّ، إلی أن كسروا عمودا من رخام، فوجدوا فی أعلاه حقّة من النحاس فیها بقّ من نحاس مقدار كفّ، فبطلت تلك الخاصیّة من ذلك الوقت، فالآن یعمّ البقّ جمیع المدینة.
و بها نوع من الفأر یعجز السنّور عنه.
و بها مسجد حبیب النجّار صاحب یونس، رحمة اللّه علیه، الذی قال:
یا لیت قومی یعلمون بما غفر لی ربّی و جعلنی من المكرمین. فلمّا قتلوه أهلكهم اللّه تعالی بصیحة، و كان بأنطاكیة مؤمنون و كفّار، فالصیحة ما أیقظت المؤمنین عن نومهم، و أهلكت الكفّار كما قال تعالی: ان كانت إلّا صیحة واحدة فإذا هم خامدون. و مسجد حبیب فی وسط سوق انطاكیة، فیه قبره یزور الناس، و بها قبر یحیی بن زكریاء، علیه السلام.

أنطرطوس‌

حصن علی بحر الروم لأهل حمص، و هو ثغر به مصحف عثمان بن عفّان یذهب الناس إلیه تبرّكا به.

أورم الجوز

قریة من نواحی حلب، بها بنیة كأنّها كانت فی القدیم معبدا، یری المجاورون لها من أهل القری باللیل منها ضوء نار ساطعا، فإذا جاؤوها لم یروا شیئا البتّة، و فی هذه البنیة ثلاثة ألواح من حجارة علیها مكتوب بلفظ القدیم ما استخرج و فسّر، و كان ما علی اللوح القبلی: الاله واحد، كملت هذه البنیة فی تاریخ ثلاثمائة و عشرین لظهور المسیح، علیه السلام، و علی اللوح الذی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 152
علی وجه الباب: سلام علی من كمل هذه البنیة. و اللوح الشمالی: هذا الضوء المشرق الموهوب من اللّه لنا فی أیّام البربرة فی الدور الغالب، المتجدّد فی أیّام الملك اناوس الحرین المنقولین و قلاسس و حنا و قاسوس و بلانیا فی شهر أیلول فی الثانی عشر من التاریخ المتقدّم، و السلام علی شعوب العالم و الوقت الصالح.

الأهواز

ناحیة بین البصرة و فارس، و یقال لها خوزستان، بها عمارات و میاه و أودیة كثیرة، و أنواع الثمار و السكر و الرز الكثیر لكنها فی صیفها لا یفارق الجحیم.
و من محنها شدّة الحرّ و كثرة الهوام الطیارة و الحشرات القتّالة؛ قالوا: ذبابها كالزنبور و طنینها كصوت الطنبور، لا تری بها شیئا من العلوم و الآداب و لا من الصناعات الشریفة.
و أهلها ألأم الناس. لا تری بها و جنة حمراء. و هواؤها قتال خصوصا للغرباء، لا تنقطع حمّاها و لا ینكشف وباؤها البتّة، و أهلها فی عذاب الیم.
و حكی مشایخ الأهواز انّهم سمعوا القوابل ان المولود ربّما یولد فنجده محموما تلك الساعة. و من تمام محنهم أن مأكول أهلها الرزّ، و هم یخبزونه كلّ یوم لأنّه لا یطیب إلّا مسخّنا، فیسجّر كلّ یوم فی ذلك الحرّ الشدید خمسون ألف تنور، فیجتمع حرّ الهواء و حرّ النیران و دخانها و البخار المتصاعد من سباخها و مناقعها و مسایل كنفها و میاه أمطارها، فإذا طلعت الشمس ارتفعت بخاراتها و اختلطت بهوائها الذی و صفناه، فیفسد الهواء أیّ فساد و یفسد بفساده كلّ ما اشتمل علیه.
و تكثر الأفاعی فی أراضیها، و الجرّارات من العقارب التی لا ترفع ذنبها كسائر العقارب بل تجرّه. ولو كان فی العالم شی‌ء شرّا من الأفاعی و الجرّارات لما قصرت قصبة الاهواز عن تولیده، و إذا حمل إلی الاهواز الطیب تذهب
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 153
رائحته و لا یبقی منتفعا به.
ینسب إلیها أبو الحسن الاهوازی المنشی‌ء صاحب الكلام المرصّع، له رسالة حسنة فی ذلك الأسلوب و هو متفرّد به.

أیلة

مدینة علی ساحل بحر القلزم ممّا یلی الشام، كانت مدینة جلیلة فی زمن داود، علیه السلام، و الآن یجتمع بها حجیج الشام و مصر من جاء بطریق البحر، و هی القریة التی ذكرها اللّه تعالی حاضرة البحر.
كان أهلها یهودا حرّم اللّه تعالی علیهم یوم السبت صید السمك، و كانت الحیتان تأتیهم یوم السبت شرّعا بیضا سمانا كأنّها الماخض حتی لا یری وجه الماء لكثرتها، و یوم لا یسبتون لا تأتیهم. فكانوا علی ذلك برهة من الدهر، ثمّ إن الشیطان وسوس إلیهم و قال: إنّما نهیتم عن صیدها یوم السبت فاتّخذوا حیاضا حول البحر، و سوقوا إلیها الحیتان یوم السبت، فتبقی فیها محصورة و اصطادوا یوم الأحد، و فی غیر یوم السبت لا یأتیهم حوت واحد، ففعلوا ما أمرهم الشیطان خائفین. فلمّا رأوا أن العذاب لا یعاجلهم أخذوا و أكلوا و ملحوا و باعوا.
و كان أهل القریة نحوا من سبعین ألفا فصاروا أثلاثا: ثلث ینهون القوم عن الذنب، و ثلث قالوا: لم تعظون قوما اللّه مهلكهم أو معذّبهم؟ و ثلث یباشرون الخطیئة. فلمّا تنبّهوا قال الناهون: نحن لا نساكنكم. فقسموا القریة للناهین باب و للمتعدّین باب، و لعنهم داود، علیه السلام. فأصبح الناهون ذات یوم فی مجالسهم لم یروا من المتعدّین أحدا، فقالوا: إن للقوم شأنا، لعلّ الخمر غلبتهم! فعلوا الجدار و نظروا فإذا هم قردة فدخلوا علیهم، و القردة تعرف أنسابها و الأنساب لا یعرفونها. فجعلت القردة تأتی نسیبها من الانس فتشمّ ثیابه و تذرف دمعة، فیقول نسیبها: ألم أنهك عن السوء؟ فتشیر القردة برأسها یعنی نعم. ثمّ ماتت بعد ثلاثة أیّام.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 154

بامیان‌

ناحیة بین خراسان و أرض الغور، ذات مدن و قری و جبال و أنهار كثیرة من بلاد غزنة. بها بیت ذاهب فی الهواء و أساطین نقش علیها صور الطیر، و فیه صنمان عظیمان من الحجر: یسمّی أحدهما سرج بت، و الآخر خنك بت، و ما عرف خاصیّة البیت و لا خاصیّة الصنم.
قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض بامیان ضیعة غیر مسكونة، من نام فیها یزبنه أخذ برجله، فإذا انتبه لا یری أحدا، فإن نام یفعل به ذلك مرّة أخری حتی یخرج منها.
بها معادن الزئبق ذكره یعقوب البغدادی.
قال فی تحفة الغرائب: بأرض بامیان عین ینبع منها ماء كثیر و لها صوت و غلبة و یشمّ من ذلك الماء رائحة الكبریت، من اغتسل به یزول جربه، و إذا رفع من ذلك الماء شی‌ء فی ظرف و شدّ رأسه شدّا وثیقا و ترك یوما یبقی الماء فی الظرف خاثرا مثل الخمیر، و إذا عرضت علیه شعلة النار یشتعل.
ینسب إلیها الحكیم أفضل البامیانی. كان حكیما فاضلا عارفا أنواع الحكمة.
طلبه صاحب فارس أتابك سعد بن زنكی و أكرمه و أحسن إلیه و قال له: أرید أن تحكم علی مولودی. فقال أفضل: الأحكام النجومیّة لا یوثق بها، قد تصیب و تخطی‌ء، لكنی أفعل ذلك لسنة أو سنتین من الماضی، فإن وافق عملت للمستقبل.
فلمّا فعل ذلك قال الملك: ما أخطأت شیئا منها! و كان عنده حتی مات.

بدا

قریة بتهامة علی ساحل البحر ممّا یلی الشام، و هی قریة یعقوب النبیّ، علیه السلام، كان بها مسكنه فی أیّام فراق یوسف، علیه السلام، و یقال لهذه القریة بیت الأحزان، لأن یعقوب كان بها حزینا مدّة طویلة، و منها سار إلی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 155
مصر إلی یوسف، علیه السلام.
فجاءت الفرنج فی زمن الملك صلاح الدین یوسف بن أیّوب و قد عمروها، و جعلوا لها حصنا حصینا؛ قال بعض الشعراء:
هلاك فرنج أتی عاجلاو قد آن تكسیر صلبانها
ولو لم یكن حینها قد أنی‌لما عمرت بیت أحزانها
و كان الأمر كما قال الشاعر. قصدها الملك صلاح الدین و فتحها و خرّبها و كسر صلبانها.

براق‌

قریة من قری حلب. حدّث غیر واحد من أهل حلب أن بها معبدا یقصده المرضی و الزمنی، یبیتون فیه فیری المریض من یقول له: شفاؤك كذا و كذا! و ربّما یری شخصا یمسحه بیده فتزول منه الآفة. و هذا شی‌ء مستفاض فی أهل حلب.

البشمور

كورة بمصر، بها قری و ریف و غیاض، بها كباش لیس فی جمیع البلاد مثلها عظما و حسنا و كبر ألایا، حتی لا یستطیع حملها، فیتّخذ لآلیته عجلة تحمل علیها ألیته، و تشدّ العجلة بحبل إلی عنقه، فیظلّ یرعی و یجرّ العجلة التی علیها ألیته، فإذا نزعت العجلة سقطت الالیة علی الأرض و ربض الكبش و لم یمكنه القیام، و لا یوجد مثل هذا الصنف فی شی‌ء من البلاد.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 156

بعلبكّ‌

مدینة مشهورة بقرب دمشق، و هی قدیمة كثیرة الأشجار و المیاه و الخیرات و الثمرات، ینقل منها المیرة إلی جمیع بلاد الشام. و بها أبنیة و آثار عجیبة و قصور علی أساطین الرخام لا نظیر لها. قیل: انّها كانت مهر بلقیس! و بها قصر سلیمان بن داود، علیه السلام، و قلعتها مقام الخلیل، علیه السلام، و بها دیر الیاس النبیّ، علیه السلام.
قالوا: إن ذلك الموضع یسمّی بك فی قدیم الزمان حتی عبد بنو إسرائیل بها صنما اسمه بعل، فأضافوا الصنم إلی ذلك الموضع، ثمّ صار المجموع اسما للمدینة، و أهلها علی عبادة هذا الصنم، فبعث اللّه إلیهم الیاس النبیّ، علیه السلام، فكذّبوه، فحبس عنهم القطر ثلاث سنین.
فقال لهم نبیّ اللّه: استسقوا أصنامكم، فإن سقیتم فأنتم علی الحقّ، و إلّا فإنی أدعو اللّه تعالی لیسقیكم، فإن سقیتم فآمنوا باللّه وحده! فأخرجوا أصنامهم و استسقوا و تضرّعوا فما أفادهم شیئا، فرجعوا إلی نبیّ اللّه فخرج و دعا فظهر من جانب البحر سحابة شبه ترس، و أقبلت إلیهم. فلمّا دنا منهم طبّق الآفاق و أغاثهم غیثا مریعا أخصب البلاد و أحیا العباد، فما ازدادوا إلّا شركا، فسأل اللّه تعالی أن یریحه منهم فأوحی اللّه تعالی إلیه: ان اخرج إلی مكان كذا. فخرج و معه الیسع فرأی فرسا من نار فوثب علیه و سار الفرس به، و لم یعرف بعد ذلك خبره.

بلقاء

كورة بین الشام و وادی القری. بها قریة الجبّارین و مدینة الشراة. و بها الكهف و الرقیم فیما زعم بعضهم. و حدیث الرقیم ما روی عبد اللّه بن عمر أنّه قال: سمعت رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، یقول: انطلق ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم حتی آواهم المبیت إلی غار، فدخلوا فانحدرت صخرة من الجبل
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 157
و سدّت علیهم الغار، فقالوا: لا ینجیكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا اللّه تعالی بصالح أعمالكم! قال رجل منهم: اللهم إنه كان لی أبوان شیخان كبیران فكنت لا أغبق قبلهما أهلا و لا ولدا، فباتا فی ظلّ شجر یوما فلم أبرح علیهما حتی ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمین، فكرهت أن أغبق قبلهما أهلا و لا ولدا، فلبثت و القدح فی یدی أنتظر استیقاظهما حتی طلع الفجر، و الصبیة یتضاغون، فاستیقظا و شربا غبوقهما! اللهمّ إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرّج عنّا ما نحن فیه من هذه الصخرة! فانفرجت شیئا لا یستطیعون الخروج منه.
و قال الآخر: اللهمّ إنه كانت لی ابنة عمّ كانت من أحبّ الناس إلیّ، فراودتها عن نفسها فامتنعت منی حتی ألمّت بنا سنة من السنین، فجاءتنی فأعطیتها مائة و عشرین دینارا علی أن تخلی بینی و بین نفسها، ففعلت حتی إذا قدرت علیها قالت: لا یحلّ لك أن تفضّ الخاتم إلّا بحقّه! فتخرّجت من الوقوع علیها و انصرفت عنها، و هی أحبّ الناس إلیّ، و تركت الذهب الذی أعطیتها. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرّج عنّا ما نحن فیه! فانفرجت الصخرة غیر أنّهم لا یستطیعون الخروج منها.
و قال الثالث: اللهمّ إنّك تعلم أنی استأجرت أجرا فأعطیتهم أجرهم غیر رجل واحد ترك الذی له و ذهب، فنمت أجرته حتی كثرت منه الأموال.
فجاءنی بعد حین و قال: یا عبد اللّه هات أجرتی! فقلت له: كلّ ما تری من الإبل و البقر و الغنم و الرقیق من أجرتك! فقال: یا عبد اللّه لا تستهزی‌ء بی! فقلت: لا أستهزی‌ء! فاستاق كلّه و لم یترك منه شیئا. اللهمّ إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرّج عنّا ما نحن فیه! فانفرجت الصخرة فخرجوا یمشون.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 158

بلینا

مدینة بصعید مصر علی شاطی‌ء النیل. قالوا: إن بها طلسما لا یمرّ بها تمساح إلّا ینقلب علی ظهره. و التمساح إذا انقلب علی ظهره لا یقدر علی الانقلاب إلی بطنه، فیبقی كذلك حتی یموت أو یصطاد.

بلرم‌

مدینة بجزیرة صقلیة فی بحر المغرب؛ قال ابن حوقل الموصلی: بها هیكل عظیم سمعت أن أرسطاطالیس فیه فی شی‌ء من الخشب معلّق، و النصاری تعظّم قبره و تستسقی به لاعتقاد الیونانیّین به، قال: و رأیت فیها من المساجد أكثر ما رأیت فی شی‌ء من البلاد، حتی رأیت علی مقدار غلوة سهم أكثر من عشرة مساجد، و رأیت بعضها تجاه بعض. فسألت عن ذلك فقالوا: القوم لانتفاخ أدمغتهم لا یرضی أحدهم أن یصلّی فی مسجد غیره، و یكون له مسجد لا یصلّی فیه غیره.

بنارق‌

قریة بین بغداد و النعمانیة مقابل دیر قنّی علی دجلة، و الآن خراب، ذكر أبو بكر النحوی البنارقی أن عساكر السلجوقیة كثرت بطرقهم علی قریتنا، و القریة لا سور لها، كلّما جاؤوا دخلوا و ثقلوا علینا، فأجمعنا علی مفارقتها و العسكر قریب منّا و تهیّأنا لذلك إلی اللیل لنعبر دجلة و نلتحق بدیر قنّی، فإنّها كانت ذات سور، فاستصحبنا من أمتعتنا ما خفّ علی الأكتاف و لدواب، فإذا نیران عظیمة ملأت البریة، فظننّاها نار العسكر و ندمنا علی الخروج، و قلنا الآن یأخذون جمیع ما معنا! و نحن فی هذا الحدیث و النیران قد دهمتنا، فإذا هی سائرة بنفسها و لا حامل لها، و سمعنا من خلالها أصواتا حزینة كالنیاحة،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 159
یقول بعضهم:
فلا ثقبهم ینسدّ و لا ماؤهم یجری‌و خلّوا منازلهم و ساروا مع الفجر
فعلمنا أنّهم الجنّ، و كان الأمر كما قالوا، فإن الأنهار فسدت، و ما یفرغ الملوك لإصلاحها، و بقیت القری إلی الآن خرابا، و ذلك فی سنة خمس و أربعین و خمسمائة.

بنزرت‌

مدینة بافریقیة علی ساحل البحر، یشقّها نهر كبیر كثیر السمك، لها قلاع حصینة یأوی إلیها أهل النواحی إذا خرج الروم غزاة، و بها رباطات للصالحین، و انفردت بنزرت ببحیرة تخرج من البحر الكبیر إلی مستقرّ تجاهها، یخرج منها فی كلّ شهر صنف من السمك لا یشبه الصنف الذی كان فی الشهر الماضی إلی تمام السنة، ثمّ یعود الدور إلی الأوّل، و السلطان ضمنه باثنی عشر ألف دینار.

بیت لحم‌

قریة علی فرسخین من بیت المقدس، كان بها مولد عیسی، علیه السلام.
و بها كنیسة فیها قطعة من النخل، زعموا أنّها النخلة التی أكلت منها مریم لمّا قیل لها: و هزّی إلیك بجذع النخلة.
بها الماء الذی یقال له المعبودیّة، و هو ماء ینبدی من حجر، و إنّه عظیم القدر عند النصاری.

بیت المقدس‌

هی المدینة المشهورة التی كانت محلّ الأنبیاء و قبلة الشرایط و مهبط الوحی.
بناها داود و فرغ منها سلیمان، علیه السلام؛ و عن أبیّ بن كعب: ان اللّه تعالی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 160
أوحی إلی داود: ابن لی بیتا. فقال: یا ربّ أین؟ قال: حیث تری الملك شاهرا سیفه! فرأی داود ملكا علی الصخرة بیده سیف، فبنی هناك، و لمّا فرغ سلیمان من بنائها أوحی اللّه تعالی إلیه: سلنی أعطك! فقال: یا ربّ أسألك أن تغفر لی ذنبی! فقال: لك ذلك! قال: و أسألك أن تغفر لمن جاء هذا البیت یرید الصلاة فیه، و أن تخرجه من ذنوبه كیوم ولد! فقال: لك ذلك! قال:
و أسألك لمن جاءه فقیرا أن تغنیه! قال: و لك ذلك! قال: و أسألك إن جاءه سقیما أن تشفیه! قال: و لك ذلك.
و عن ابن عبّاس: البیت المقدس بنته الأنبیاء و سكنته الأنبیاء، و ما فیه موضع شبر إلّا و صلّی فیه نبیّ أو قام فیه ملك.
و اتّخذ سلیمان فیها أشیاء عجیبة: منها قبّة، و هی قبّة كانت فیها سلسلة معلّقة ینالها المحقّ و لا ینالها المبطل حتی اضمحلّت بالحیلة المعروفة، و منها أنّه بنی فیها بیتا و أحكمه و صقله، فإذا دخله الورع و الفاجر كان خیال الورع فی الحائط أبیض، و خیال الفاجر أسود.
و منها أنّه نصب فی زاویة عصا آبنوس، من زعم صادقا أنّه من أولاد الأنبیاء و مسّها لم یضرّه، و إن لم یكن من أولاد الأنبیاء إذا مسّها احترقت یده.
ثمّ ضرب الدهر ضربانه و استولت علیها الجبابرة و خربوها، فاجتاز بها عزیر، علیه السلام، فرآها خاویة علی عروشها، فقال: أنّی یحیی هذه اللّه بعد موتها؟ فأماته اللّه مائة عام ثمّ بعثه، و قد عمرها ملك من ملوك الفرس اسمه كوشك، فصارت أعمر ممّا كانت و أكثر أهلا، و التی علیها الآن أرضها و ضیاعها جبال شاهقة، و لیس بقربها أرض وطئة، و زروعها علی أطراف الجبال بالفؤوس لأن الدوابّ لا عمل لها هناك.
و أمّا نفس المدینة ففی فضاء فی وسط ذلك، و أرضها كلّها حجر، و فیها عمارات كثیرة حسنة، و شرب أهلها من ماء المطر. لیس فیها دار إلّا و فیها صهریج.
میاهها تجتمع من الدروب، و دروبها حجریّة لیست كثیرة الدنس، لكن میاهها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 161
ردیئة. و فیها ثلاث برك: بركة بنی إسرائیل، و بركة سلیمان، و بركة عیاض.
قال محمّد بن أحمد البشّاری المقدسی، و له كتاب فی أخبار بلدان الإسلام:
إنّها متوسطة الحرّ و البرد، و قلّما یقع بها ثلج، و لا تری أحسن من بنیانها و لا أنظف و لا أنزه من مساجدها! قد حمع اللّه فیها فواكه الغور و السهل و الجبل و الأشیاء المتضادّة: كالأترج و اللوز و الرطب و الجوز و التین و الموز، إلّا أنّ بها عیوبا منها ما ذكر فی التوراة: انّها طست ذهب مملوء عقارب، ثمّ لا یری أقذر من حمّاماتها و لا أثقل مونة منها! و هی مع ذلك قلیلة العلماء كثیرة النصاری، و فیهم جفاء علی الرحبة و الفنادق و الضرائب ثقال علی ما یباع فیها، و لیس لمظلوم ناصر و لیس بها أمكن من الماء و الأذان.
بها المسجد الأقصی الذی شرّفه اللّه تعالی و عظّمه و قال: إلی المسجد الأقصی الذی باركنا حوله. و قال، صلّی اللّه علیه و سلّم: لا تشدّ الرحال إلّا إلی ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، و المسجد الأقصی، و مسجدی هذا. و هو فی طرف الشرق من المدینة، أساسه من عمل داود، علیه السلام. طول كلّ حجر عشرة أذرع، و فی قبلته حجر أبیض علیه مكتوب: محمّد رسول اللّه، خلقة لم یكتبه أحد. و صحن المسجد طویل عریض طوله أكثر من عرضه، و هو فی غایة الحسن و الإحكام، مبنیّ علی أعمدة الرخام الملوّنة، و الفسیفساء الذی لیس فی شی‌ء من البلاد أحسن منه.
و فی صحن المسجد مصطبة كبیرة فی ارتفاع خمسة أذرع، یصعد إلیه من عدّة مواضع بالدرج، و فی وسط هذه المصطبة قبّة عظیمة مثمّنة علی أعمدة رخام مسقفة برصاص، منمّقة من داخل و خارج بالفسیفساء، مطبقة بالرخام الملوّن. و فی وسطها الصخرة التی تزار، و علی طرفها أثر قدم النبیّ، علیه السلام، و تحتها مغارة ینزل إلیها بعدّة درج یصلّی فیها. و لهذه القبّة أربعة أبواب، و فی شرقیها خارج القبّة قبّة أخری علی أعمدة حسنة یقولون:
انّها قبّة السلسلة. و قبّة المعراج أیضا علی المصطبة، و كذلك قبّة النبیّ، علیه
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 162
السلام. كلّ ذلك علی أعمدة مطبقة أعلاها بالرصاص، و ذكر أن طول قبّة الصخرة كان اثنی عشر میلا فی السماء، و كان علی رأسها یاقوتة حمراء كان فی ضوئها تغزل نساء أهل بلقاء.
و بها مربط البراق الذی ركبه النبیّ، علیه السلام، تحت ركن المسجد.
و بها محراب مریم، علیها السلام، الذی كانت الملائكة تأتیها فیه بفاكهة الشتاء فی الصیف و بفاكهة الصیف فی الشتاء.
و بها محراب زكریاء، علیه السلام، الذی بشرته الملائكة بیحیی. علیه السلام، و هو قائم یصلّی فی المحراب. و بها كرسی سلیمان الذی كان یدعو اللّه علیه.
و عن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، أن اللّه تعالی أرسل ملك الموت إلی موسی، علیه السلام، فصكّه، فرجع إلی ربّه و قال: أرسلتنی إلی عبد لا یرید الموت! فقال: ارجع إلیه و قل له حتی یضع یده علی متن ثور، فله بما غطّت یده بكلّ شعر سنة. قال: ای ربّ! ثمّ ماذا؟ قال: ثمّ الموت! فسأل اللّه تعالی أن یقبره من الأرض المقدسة رمیة حجر، فلو كنت ثمّة لأریتكم قبره إلی جنب الطریق تحت الكثیب الأحمر.
أمّا المسجد فطوله سبعمائة ذراع و أربعة و ثمانون ذراعا، و عرضه أربعمائة و خمسة و خمسون ذراعا، و عدّة ما فیه من العمد ستمائة و أربعة و ثمانون، و داخل الصخرة ثلاثون عمودا، و قبّة الصخرة ملبّسة بصفائح الرصاص، علیها ثلاثة آلاف صفیحة و اثنتان و تسعون، و من فوق ذلك الصفائح النحاس مطلیّة بالذهب، و فی سقوف المسجد أربعة آلاف خشبة، و علی السقوف خمسة مطلیّة بالذهب، و فی سقوف المسجد أربعة آلاف خشبة، و علی السقوف خمسة و أربعون ألف صفیحة رصاص.
حجر الصخرة ثلاثة و ثلاثون ذراعا فی سبعة و عشرین، و المغارة التی تحت الصخرة تسع تسعا و ستین نفسا. و یسرج فی المسجد ألف و خمسمائة قندیل، و یسرج فی الصخرة أربعمائة و أربعة و ستون قندیلا. و كانت وظیفته كلّ شهر مائة قسط زیتا، و فی كلّ سنة ثمانمائة ألف ذراع حصیرا، و كان له من الخدم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 163
مائتان و ثلاثون مملوكا، أقامهم عبد الملك بن مروان من خمس الأساری، و لذلك یسمّون الأخماس، كان رزقهم من بیت المال.
و بها قمامة، و هی كنیسة عظیمة للنصاری فی وسط البلد، لا ینضبط صفتها حسنا و عمارة و تنمیقا و كثرة مال. فی موضع منها قندیل یزعمون أن نورا من السماء ینزل فی یوم معلوم و یشعله، و هذا أمر مشهور عندهم. حكی أن بعض أصحاب السلطان ذهب إلیها ذلك الیوم و قال: إنی أرید أن أشاهد نزول هذا النور، فقال له القسّ: إن مثل هذه الأمور لا تخفی علی أمثالك! لا تبطل ناموسنا فإنّا نشبه علی أصحابنا لتمشیة أمرنا، فتجاوز عنه!
و بها عین سلوان یتبرّك بها الناس؛ قال ابن البشّار: سلوان محلّة فی ربض بیت المقدس، تحتها عین غزیرة تسقی جنانا كثیرة، وقفها عثمان بن عفّان علی ضعفاء بیت المقدس. قالوا: إن ماءها یفید السلوّ إذا شربه الحزین، و لهذا قال رؤبة: لو أشرب السلوان ما سلوت.

بلاد بربر

بلاد واسعة من برقة إلی آخر بلاد المغرب و البحر المحیط. سكّانها أمّة عظیمة یقال إنّهم من بقیّة قوم جالوت، لمّا قتل هرب قومه إلی المغرب فحصلوا فی جبالها، و هم أحفی خلق اللّه و أكثرهم بطشا، و أسرعهم إلی الفتنة و أطوعهم لداعیة الضلالة! و لهم أحوال عجیبة و اصطلاحات غریبة، سوّل لهم الشیطان الغوایات و زیّن لهم أنواع الضلالات.
عن أنس بن مالك قال: جئت إلی رسول اللّه، علیه السلام، و معی وصیف، فقال، صلّی اللّه علیه و سلّم: یا أنس ما جنس هذا الغلام؟ قلت: بربریّ یا رسول اللّه! فقال: بعه ولو بدینار! قلت: و لم یا رسول اللّه؟ قال: إنّهم أمّة بعث اللّه إلیهم رسولا فذبحوه و طبخوه، و أكلوا لحمه و بعثوا مرقه إلی نسائهم! قال اللّه تعالی: لا اتّخذت منكم نبیّا و لا بعثت إلیكم رسولا.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 164
و عن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم: و لأن أتصدّق بعلاقة سوطی فی سبیل اللّه أحبّ إلیّ من أن أعتق رقبة بربریّة!
و لكثرة ما تخالف حالاتهم و عاداتهم سائر الناس قال بعض المغاربة:
رأیت آدم فی نومی فقلت له:أبا البریّة إنّ النّاس قد حكموا
أنّ البرابر نسل منك؛ قال: أنا!حوّاء طالقة إن صحّ ما زعموا
و من عاداتهم العجیبة ما حكی ابن حوقل الموصلی التاجر و قد طاف بلادهم:
إن أكثر البربر یضیفون المارة و یكرمون الضیف و یطعمون الطعام و لا یمنعون أولادهم الذكور من طالب التبدیل، لو طلب هذا المعنی ممّن هو أكبرهم قدرا و أكثرهم حمیّة و شجاعة لم یمتنع علیه. و قد شاهدهم أبو عبد اللّه الشعبی علی ذلك حتی بلغ بهم أشدّ مبلغ فما تركوه. و من العجب أنّهم یرون ذلك كرما و الامتناع عنه لؤما و نقصا، و نسأل اللّه السلامة!
و حكی أیضا أن أحدهم إذا أحبّ امرأة و أراد التزوّج بها و لم یكن كفؤا لها، عمد إلی بقرة حامل من بقر أبیها، و یقطع من ذنبها شیئا من الشعر و یهرب، فإذا أخبر الراعی أهل المرأة بذلك خرجوا فی طلبه، فإن وجدوه قتلوه، و ان لم یظفروا به یمضی هو علی وجهه، فإن وجد أحدا قطع ذكره و أتی القوم به قبل أن تلد البقرة، ظفر بالجاریة و زوّجوها منه و لا یمكنهم الامتناع البتّة، و إن ولدت البقرة و لم یأت بالذكر المقطوع بطل عمله و لم یمكنه الرجوع إلیهم، و إن رجع قتلوه، و تری فی تلك البلاد كثیرا من المجبوبین یكون جبّهم بهذا السبب، فإذا حصلوا فی بلاد المغرب التمسوا القرآن و الزهد.

البیضاء

مدینة كبیرة بأرض فارس، بناها العفاریت من الحجر الأبیض لسلیمان علیه السلام، فیما یقال. و بها قهندز یری من بعد بعید لشدّة بیاضه. و هی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 165
مدینة طیّبة كثیرة الخیرات وافرة الغلّات صحیحة الهواء عذبة الماء طیبة التربة، لا تدخلها الحیّات و العقارب و لا شی‌ء من الحیوانات المؤذیة.
من عجائبها ما ذكر أنّه فی رستاقها عنب كلّ حبّة منها عشرة مثاقیل، و تفّاح دورته شبران.
ینسب إلیها الحسین بن منصور الحلّاج، صاحب الآیات و العجائب.
فمن المشهور أنّه كان یركب الأسد و یتّخذ الحیّة سوطا، و كان یأتی بفاكهة الشتاء فی الصیف و فاكهة الصیف فی الشتاء، و یمدّ یده إلی الهواء و یعیدها مملوءة دراهم احدیة: قل هو اللّه أحد، مكتوب علیها. و یخبر الناس بما فی ضمائرهم و بما فعلوا. و حكی أنّه خرج یوما من الحمّام، فلقیه بعض من ینكره صفعه فی قفاه صفعة قویّة، فقال له: یا هذا لم صفعتنی؟ قال: الحقّ أمرنی بذلك! فقال: بحقّ الحقّ أردفها بأخری! فلمّا رفع یده للصفع یبست! فلمّا ظهر قوله أنا الحقّ أنكره الناس و تكلّموا فیه، و قالوا: قل أنا علی الحقّ! فقال:
ما أقول إلّا أنا الحقّ! و سمع منه أشعار مثل قوله:
أنا من أهوی و من أهوی أنانحن روحان حللنا بدنا
و مثل قوله:
عجبت منك و منّی‌أفنیتنی بك عنّی
أدنیتنی منك حتّی‌ظننت أنّك أنّی
فلمّا سمع أمثال هذه بعض الناس أساؤوا الظنّ فیه. حكی أبو القاسم بن كجّ أن جمعا من الصوفیة ذهبوا إلی الحسین بن منصور و هو بتستر، و طلبوا منه شیئا، فذهب بهم إلی بیت نار المجوس فقال الدیرانی: ان الباب مغلق و مفتاحه عند الهربد! فجهد الحسین فلم یجبه، فنفض الحسین كمّه نحو القفل فانفتح، فدخلوا البیت، فرأوا قندیلا مشتعلا لا ینطفی‌ء لیلا و لا نهارا، فقال: انّها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 166
من النار التی ألقی فیها الخلیل، علیه السلام. نحن نتبرّك بها و تحمل المجوس منها إلی جمیع بلادهم.
فقال له: من یقدر علی إطفائها؟ قال: قرأنا فی كتابنا أنّه لا یقدر علی إطفائها إلّا عیسی بن مریم، علیه السلام. فأشار الحسین إلیها بكمّه فانطفت، فقامت علی الدیرانی القیامة و قال: اللّه اللّه! قد إنطفت فی هذه الساعة جمیع نیران المجوس شرقا و غربا! فقال له: من یقدر علی ردّها؟ فقال: قرأنا فی كتابنا أنّه یقدر علی ردّها من یقدر علی إطفائها! فلم یزل یتضرّع إلی الحسین و یبكی فقال له: هل عندك شی‌ء تدفعه إلی هذه المشایخ و أردّها؟ و كان عنده صندوق من دخل البیت من المجوس طرح فیه دینارا، ففتحه و سلّم ما فیه إلی المشایخ و قال: ما هاهنا غیر هذا. فأشار الحسین بكمّه إلیها، فاشتعلت و قال:
دنیا تخاد عنی كأنی لست أعرف حالها حظر الملیك حرامها فأنا اجتنیت حلالها مدّت إلیّ یمینها فرددتها و شمالها فمتی طلبت زواجها حتی أردت وصالها و رأیتها محتاجة فوهبت جملتها لها! و من ظریف ما نقل عنه أنّه قال له بعض منكریه: إن كنت صادقا فیما تدعیه فامسخنی قردا! فقال: لو هممت بذلك لكان نصف العمل مفروغا عنه.
فلمّا تكلّم الناس فی حقّه بقوله أنا الحقّ قال:
سقونی و قالوا: لا تغنّ! ولو سقواجبال سراة ما سقیت لغنّت!
تمنّت سلیمی أن أموت بحبّهاو أسهل شی‌ء عندنا ما تمنّت!
و حكی أبو عبد اللّه محمّد بن خفیف قال: دخلت علی الحسین بن منصور
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 167
و هو فی الحبس مقیّدا. فلمّا حضر وقت الصلاة رأیته نهض، فتطایرت منه القیود و توضّأ و هو علی طرف المحبس، و فی صدر ذلك المحبس مندیل. و كان بینه و بین المندیل مسافة، فواللّه ما أدری أن المندیل قدم إلیه أو هو إلی المندیل!
فتعجّبت من ذلك و هو یبكی بكاء فقلت له: لم لا تخلّص نفسك؟ فقال:
ما أنا محبوس! أین ترید یا ابن خفیف؟ قلت: نیسابور! فقال: غمّض عینیك! فغمّضتهما. ثمّ قال: افتحهما. ففتحت فإذا أنا بنیسابور فی محلّة أردتها.
فقلت: ردّنی. فردّنی و قال:
و اللّه لو حلف العشّاق أنّهم‌موتی من الحبّ أو قتلی لما حنثوا
قوم إذا هجروا من بعد ما وصلواماتوا و إن عاد وصل بعده بعثوا
تری المحبّین صرعی فی دیارهم‌كفتیة الكهف لا یدرون كم لبثوا
ثمّ قال: یا ابن خفیف، لا یكون الحزن إلّا لفقد محبوب أو فوت مطلوب! و الحقّ واضح و الهوی فاضح. و الخلق كلّهم طلّاب و طلبهم علی قدر هممهم، و هممهم علی قدر أحوالهم، و أحوالهم مطبوعة علی علم الغیب، و علم الغیب غائب عنهم، و الخلق كلّهم حیاری. و أنشأ یقول:
أنین المرید لشوق یزیدأنین المریض لفقد الطّبیب
قد اشتدّ حال المریدین فیه‌لفقد الوصال و بعد الحبیب
ثمّ قال: یا ابن خفیف، حججت إلی زیارة القدیم فلم أجد لقوم موضعا من كثرة الزائرین، فوقفت وقوف البهیت، فنظر إلیّ نظرة فإذا أنا متّصل به، ثمّ قال: من عرفنی ثمّ أعرض عنی فإنی أعذّبه عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمین.
و جعل یقول:
عذابه فیك عذب‌و بعده منك قرب
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 168 و أنت عندی كروحی‌بل أنت منها أحبّ
و أنت للعین عین‌و أنت للقلب قلب
حتی من الحبّ إنی‌لما تحبّ أحبّ
و حكی أن حبسه كان فی عهد المقتدر باللّه، و كان الوزیر حامد بن العبّاس سی‌ء الظنّ فیه، فأحضر عند الوزیر و قاضی القضاة أبی عمرو و قالوا له:
بلغنا أنّك قلت: من كان له مال یتصدّق به علی الفقراء خیر من أن یحجّ به! فقال الحسین: نعم! أنا قلت ذلك! فقالوا له: من أین قلت هذا؟ فقال:
من الكتاب الفلانی! فقال القاضی: كذبت یا زندیق! ذلك الكتاب سمعناه فما وجدنا فیه هذا! فقال الوزیر للقاضی: اكتب انّه زندیق! فأخذ خط القاضی و بعث إلی الخلیفة فأمر الخلیفة بصلبه، و لمّا أخرج استدعی بعض الحجّاب و قال:
إنی إذا أحرقت یأخذ ماء دجلة فی الزیادة حتی تكاد تغرق بغداد، فإذا رأیتم ذلك خذوا شیئا من رمادی و اطرحوه فی الماء لیسكن! و كان ینشد هذین البیتین:
اقتلونی یا ثقاتی، إنّ فی موتی حیاتی‌و مماتی فی حیاتی، و حیاتی فی مماتی
و الذی حیّ قدیم غیر مفقود الصّفات‌و أنا منه رضیع فی حجور المرضعات
و حكی أن بعض من كان ینكره لمّا صلب وقف بإزائه یقول: الحمد للّه الذی جعلك نكالا للعالمین و عبرة للناظرین! فإذا هو بالحسین و رآه واضعا یدیه علی منكبیه یقول: ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبّه لهم!
فلمّا صلب و أحرق أخذ الماء فی الزیادة حتی كادت تغرق بغداد! فقال الخلیفة:
هل سمعتم من الحلّاج فیه شیئا؟ قال الحاجب: نعم یا أمیر المؤمنین إنّه قال كذا و كذا. فقال: بادروا إلی ما قال! فطرحوا رماده فی الماء فصار رماده علی وجه الماء علی شكل اللّه مكتوبا و سكن الماء. و كان ذلك فی سنة تسع و ثلاثمائة، و اللّه الموفق.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 169

تاهرت‌

اسم مدینتین مقابلتین بأقصی المغرب، یقال لإحداهما تاهرت القدیم، و للأخری الحدیث، و هما كثیرتا الأشجار وافرتا الثمار. سفرجلهما یفوق سفرجل الآفاق طعما و حسنا، و بهما كثرة الأمطار و الانداء و الضباب و شدّة البرد، قلّما تری الشمس بها.
و ذكر أن اعرابیّا دخلها، و تأذّی من شدّة بردها فخرج منها إلی أرض السودان، فأتی علیه یوم شدید الحرّ فنظر إلی الشمس راكدة علی قمم رؤوسهم، فقال مشیرا إلی الشمس: و اللّه لئن عززت فی هذا المكان لطالما رأیتك ذلیلة بتاهرت!
و أهلها موصوفون بالحمق، حكی انّه رفع إلی قاضیهم جنایة فما وجدها فی كتاب اللّه، فجمع الفقهاء و المشایخ فقالوا بأجمعهم: الرأی للقاضی! فقال القاضی: انی أری أن أضرب المصحف بعضه ببعض ثمّ أفتحه، فما خرج عملنا به. فقالوا: وفّقت افعل! ففعل ذلك فخرج: سنسمه علی الخرطوم؛ فجدع أنفه.

تدمر

مدینة بأرض الشام قدیمة، أبنیتها من أعجب الأبنیة، موضوعة علی العمد الرخام. زعموا أنّها ممّا بنته الجنّ لسلیمان، علیه السلام؛ قال النابغة الذبیانی:
إلّا سلیمان قد قال الإله له:قم بالبریّة فاحددها عن الفند
و خیّس الجنّ إنی قد أمرتهم‌یبنون تدمر بالصّفّاح و العمد
حكی إسماعیل بن محمّد بن خالد التستری قال: كنت مع مروان بن محمّد،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 170
آخر ملوك بنی أمیّة، حین هدم حائط تدمر، فأفضی الهدم إلی خرق عظیم، فكشفوا عنه صخرة فإذا بیت مجصّص كأن الید قد رفعت عنه، و إذا سریر علیه امرأة مستلقیة علی ظهرها علیها سبعون حلّة، و لها غدائر مشدودة بخلخالها، قال: فكانت قدمها ذراعا من غیر أصابع، و فی بعض غدائرها صفیحة ذهب فیها مكتوب: باسمك اللهم! أنا تدمر بنت حسّان أدخل اللّه الذلّ علی من یدخل علیّ! فأمر مروان بالخرق فأعید كما كان، و لم یأخذ شیئا من حلیّها! قال:
فواللّه ما مكثنا بعد ذلك إلّا أیّاما حتی أقبل عبد اللّه بن علی و حارب مروان و فرّق جیوشه، و أزال الملك عن بنی أمیّة.
و بها تصاویر كثیرة، منها صورة جاریتین من حجارة نمّق الصانع فی تصویرهما، مرّ بهما أوس بن ثعلبة فقال:
فتاتی أهل تدمر خبّرانی‌ألمّا تسأما طول المقام
قیامكما علی غیر الحشایاعلی حبل أصمّ من الرّخام
فكم قد مرّ من عدد اللّیالی‌لعصر كما و عام بعد عام
و إنّكما علی مرّ اللّیالی‌لأبقی من فروع ابنی شمام
فسمع هذه الأبیات یزید بن معاویة فقال: للّه درّ أهل العراق! هاتان الصورتان فیكم أهل الشام، لم یذكرهما أحد منكم، فمرّ بهما هذا العراقی و قال ما قال!

تستر

مدینة مشهورة قصبة الاهواز، الماء یدور حولها. بها الشاذروان الذی بناه شابور، و هو من أعجب البناء و أحكمها، امتداده یقرب من میل حتی یردّ الماء إلی تستر، و هی صنعة عجیبة مبنیّة بالحجارة المحكمة و أعمدة الحدید و ملاط الرصاص، و إنّما رجع الماء إلی تستر بسبب هذا الشاذروان، و إلّا لامتنع
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 171
لأنّه علی نشز من الأرض.
و إنّها مدینة آهلة كثیرة الخیرات وافرة الغلّات، و غزا بعض الأكاسرة الروم و حمل الأساری إلی تستر و أسكنهم فیها فظهرت فیها صنائع الروم و بقیت فی أهلها إلی زماننا هذا. یجلب منها أنواع الدیباج و الحریر و الخزّ و الستور و البسط و الفرش.
و حكی أن أبا موسی الأشعری لمّا فتح تستر وجد بها میتا فی آبزون من نحاس، معه دراهم من احتاج إلی تلك الدراهم أخذها، فإذا قضی حاجته ردّها، فإن حبسها مرض. فكتب أبو موسی بذلك إلی عمر بن الخطّاب، فكتب فی جوابه: ان ذلك دانیال النبیّ! أخرجه و غسّله و كفّنه و صلّ علیه و ادفنه.
و ینسب إلیها سهل بن عبد اللّه التستری، صاحب الكرامات الظاهرة، من جملتها إذا مسّ مریضا عافاه اللّه، و قد سمع من كثیر من أهل تستر أن فی منزل سهل بیتا یسمّی بیت السباع، كانت السباع تأتیه و هو یضیفها فیه، حكی سهل ابتداء أمره قال: قال لی خالی محمّد بن سوار: ألا تذكر اللّه الذی خلقك؟
قلت: كیف أذكره؟ فقال: قل بقلبك عند تقلّبك فی ثیابك ثلاث مرّات من غیر أن تحرّك به لسانك: اللّه معی! اللّه ناظر إلیّ! اللّه شاهدی! قلت ذلك ثلاث لیال ثمّ أعلمته. قال: قل ذلك كلّ لیلة سبع مرّات، فقلت ذلك ثمّ أعلمته. فقال: قل كلّ لیلة إحدی عشرة مرّة، فقلت ذلك ثمّ أعلمته، فوقع فی قلبی حلاوة. فلمّا كان بعد سنة قال لی خالی: احفظ ما علمتك و دم علیه حتی تدخل القبر، فإنّه ینفعك فی الدنیا و الآخرة! فبقیت علی ذلك سنین، فوجدت لها حلاوة فی سرّی. ثمّ قال لی یوما: یا سهل من كان اللّه معه و ناظرا إلیه و شاهده لا یعصی! إیّاك و المعصیة! قال: كنت أشتری بدرهم شعیرا فیخبز لی منها أفطر كلّ سحر علی قدر أوقیة منها بغیر ملح و لا ادام، فیكفینی الدرهم سنة، ثمّ عزمت علی أن أطوی ثلاث لیال و أفطر لیلة ثمّ خمسا ثمّ سبعا ثمّ خمسا و عشرین. بقیت علی ذلك عشرین سنة. توفی سنة ثلاث و ثلاثین و مائتین.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 172
و حكی الأستاذ أبو علیّ الدقّاق: أن یعقوب بن لیث الصفّار مرض مرضا شدیدا عجز الأطباء عن معالجته، فقیل له: إن فی ولایتك رجلا یدعو اللّه تعالی للمرضی فیشفون، فلو دعا اللّه لك ترجو العافیة. فطلب سهلا و سأله أن یدعو له فقال له سهل: أنّی یستجاب دعائی لك و علی بابك مظلومون! فأمر برفع الظلامات و إخراج المحبّسین، فقال سهل: یا ربّ كما أریته ذلّ المعصیة فأره عزّ الطاعة! و مسح بطنه بیده فعافاه اللّه، فعرض علی سهل مالا كثیرا فأبی أن یأخذ منه شیئا، فقالوا له لمّا خرج: لو قبلت و فرّقت علی الفقراء!
فقال له: انظر إلی الأرض. فنظر فرأی كلّ مكان وضع قدمه علیه صار ترابه دنانیر. فقال: من أعطاه اللّه هذا أی حاجة له إلی مال یعقوب؟
و قال: دخلت یوم الجمعة علی سهل بن عبد اللّه فرأیت فی بیته حیّة فتوقّفت، فقال لی: ادخل، لا یتمّ إیمان أحد و یتّهم شیئا علی وجه الأرض. فدخلت فقال لی:
هل لك فی صلاة الجمعة؟ قلت: بیننا و بین الجامع مسیرة یوم. فأخذ بیدی، فما كان إلّا قلیلا حتی كنّا فی الجامع فصلّینا صلاة الجمعة، فرأی الخلق الكثیر فقال: أهل لا إله إلّا اللّه كثیر، لكن المخلصون قلیل.

تلمسان‌

قریة قدیمة بالمغرب. ذكروا أن القریة التی ذكرها اللّه تعالی فی قصّة الخضر و موسی: فانطلقا حتی إذا أتیا أهل قریة استطعما أهلها فأبوا أن یضیّفوهما، فوجدا فیها جدارا یرید أن ینقضّ فأقامه. قیل: إنّه كان جدارا عالیا عریضا مائلا، فمسحه الخضر، علیه السلام، بیده فاستقام.
و حدّثنی بعض المغاربة أنّه رأی بتلمسان مسجدا یقال له مسجد الجدار، یقصده الناس للزیارة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 173

تنس‌

مدینة بافریقیة حصینة، و لها قهندز صعب المرتقی، ینفرد بها العمال لحصانتها خوفا من الرعیّة، هواؤها و بیّ و ماؤها ردیّ، و ماؤهم من واد یدور حول المدینة، و إلیه مذهب میاه حشوشهم و شربهم منه، و الحمّی لا تفارق أهلها فی أكثر الأوقات.
و بها ذئب كثیر یأكل أهلها، و برغوث كثیر، و هم فی عذاب من الذئب و البراغیث؛ قال بعض من دخلها و فارقها:
لا سقی اللّه بلدة كنت فیها!البراغیث كلّهم أكلونی!
قرصونی حتّی تنمّر جلدی‌لو خلعت الثّیاب لم تعرفونی
إن صعدت السّطوح لم یتركونی‌و أراهم علی الدّرج یسبقونی

تونس‌

مدینة بأرض المغرب كبیرة علی ساحل البحر، قصبة بلاد افریقیة. اصلح بلادها هواء و أطیبها ماء و أكثرها خیرا! و بها من الثمار و الفواكه ما لا یوجد فی غیرها من بلاد المغرب حسنا و طعما: فمن ذلك لوز عجیب یفرك بالید، و أكثرها فی كلّ لوزة حبّتان. و بها الرمان الذی لا عجم له مع صدق الحلاوة، و الأترج الذكی الرائحة البدیع المنظر، و التین الحازمی الأسود الكبیر الرقیق القشر الكثیر العسل، لا یكاد یوجد فیه بزر، و السفرجل الكبیر جدّا العطر الرائحة، و العنّاب الكبیر كلّ حبّة منه علی حجم جوزة، و البصل العلوری علی حجم الأترج مستطیل صادق الحلاوة.
و بها أنواع من السمك عجیبة لا تری فی غیرها، یری فی كلّ شهر نوع من السمك خالفا لما كان قبله، فیملّح و یبقی سنین صحیح الجرم طیّب الطعم.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 174
و منها نوع یقال له البقونس، یقولون: لولا البقونس لم تخالف أهل تونس.
و أهلها موصوفون باللؤم و دناة النفس و البخل الشدید، و الشغب و الخروج علی الولاة؛ قال بعض ولاتهم و قد خرجوا علیه و لقی منهم التباریح فقال:
لعمرك ما ألفیت تونس كاسمهاو لكنّنی ألفیتها و هی توحش
و بین تونس و القیروان ثلاثة أیّام، بینهما موضع یقال له محقّة، بها أمر عجیب، و هو أنّه إذا كان أوان الزیتون قصدته الزرازیر، و قد حمل كلّ طائر معه زیتونتین فی مخلبیه یلقیهما هناك، و یحصل من ذلك غلّة قالوا: تبلغ سبعین ألف درهم!

التّیه‌

هو الموضع الذی ضلّ فیه موسی، علیه السلام، مع بنی إسرائیل، بین أیلة و مصر و بحر القلزم و جبال السراة أربعون فرسخا فی أربعین فرسخا لمّا امتنعوا من دخول الأرض المقدّسة، حبسهم اللّه تعالی فی هذا التیه أربعین سنة، كانوا یسیرون فی طول نهارهم، فإذا انتهی النهار نزلوا بالموضع الذی رحلوا عنه، و كان مأكولهم المنّ و السلوی، و مشروبهم من ماء الحجر الذی كان مع موسی، علیه السلام، ینفجر منه اثنتا عشرة عینا، علی عدد الأسباط، كلّ سبط یأخذ منه ساقیة، و یبعث اللّه تعالی سحابة تظلّهم بالنهار و عمودا من النور یستضیئون به باللیل. هذا نعمة اللّه تعالی علیهم، و هم عصاة مسخوطون، فسبحان من عمّت رحمته البرّ و الفاجر!
قیل: لمّا خرج بنو إسرائیل من مصر عازمین الأرض المقدسة كانوا ستمائة ألف، و ما كان فیهم من عمره فوق الستّین و لا دون العشرین، فمات كلّهم فی أربعین سنة. و لم یخرج ممّن دخل مع موسی إلّا یوشع بن نون و كالب بن یوفنّا، و هما الرجلان اللذان كانا یقولان: ادخلوا علیهم الباب فإذا دخلتموه فإنّكم غالبون، فدخل یوشع، علیه السلام، بعقبهم و فتح أرض الشام.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 175

الجابیة

قریة من قری دمشق، بها تلّ یسمّی تلّ الجابیة، بها حیّات صغار نحو الشبر كثیرة النكایة، یسمّونها أمّ الصویت لأنّها إذا نهشت صوّت اللدیغ صوتا خفیّا و مات لوقته، و روی عن ابن عبّاس أنّه قال: أرواح المؤمنین بالجابیة بأرض الشام، و أرواح الكفّار ببرهوت بأرض حضرموت، و قد مرّ ذكرها فی حضرموت.

جاشك‌

جزیرة آهلة بقرب جزیرة قیس، لأهلها جلادة و خبرة فی حرب البحر و علاج السفن، جلادة لیس لغیرهم مثلها، حتی إن الواحد منهم یسبح فی الماء أیّاما و یجالد بالسیف مجالدة من هو علی الأرض.
و یقول أهل قیس: ان بعض ملوك الهند أهدی إلی بعض الملوك جواری، فلمّا وصل المركب إلی جاشك خرج الجواری یتفسحن، فاختطفهن الجنّ و افترشوهن، فولدن الذین بها، فلهذا یأتون بما عجز عنه غیرهم.

جالطة

جزیرة علی مرسی طبرقة من أرض افریقیة، طولها ثمانیة أمیال و عرضها خمسة أمیال. بها ثلاث أعین عذبة الماء، و بها مزارع و آثار قدیمة. و بها من الایّل ما لا یحصی. حدّثنی الفقیه سلیمان الملتانی أن بها عنزا كثیرة إنسیة توحشت، إذا قصدها قاصد أهوت نفسها من جبال شاهقة، و وقفت علی قوائمها بخلاف الایّل فإنّها تقف علی قرونها.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 176

جزیرة تنّیس‌

جزیرة قریبة من البرّ بین فرماء و دمیاط فی وسط بحیرة منفردة عن البحر الأعظم، بینها و بین البحر الأعظم برّ مستطیل، و هو جزیرة بین البحرین، و أوّل هذا البرّ قرب الفرماء. و هناك فوّهة یدخل منها ماء البحر الأعظم إلی بحر تنیس فی موضع یقال له القرباج، و هو یحول بین البحر الأعظم و بحیرة تنیس.
یسار فی ذلك البرّ ثلاثة أیّام إلی قرب دمیاط، و هناك فوّهة أخری تأخذ الماء من البحر الأعظم إلی بحیرة تنیس، و بقرب تلك الفوّهة النیل ینصبّ إلی بحیرة تنیس، و البحیرة مقدار إبلاغ یوم فی عرض نصف یوم، و یكون ماؤها أكثر السنة ملحا لدخول ماء البحر إلیه عند هبوب الشمال، فإذا انصرف نیل مصر عند دخول الشتاء و هبوب الریاح الغربیّة خلت البحیرة و خلا سیف البحر الملح مقدار بریدین، و عند ذلك تكامل النیل و غلبت حلاوته ماء البحیرة، فصارت البحیرة حلوا. فحینئذ تذخر أهل تنیس المیاه فی صهاریجهم و مصانعهم لشرب سنتهم و هذه صورتها:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 177
ذكروا انّه لیس بجزیرة تنیس شی‌ء من الهوام المؤذیة، لأن أرضها سبخة شدیدة الملوحة، و قد صنّف فی أخبار تنیس كتاب ذكر فیه انّها بنیت فی سنة ثلاثین و مائتین بطالع الحوت اثنتا عشرة درجة حد الزهرة، و شرفها و المشتری فیها و هو صاحب البیت، فلذلك كان مجمعا للصلحاء و خیار الناس، قال یوسف بن صبیح: رأیت بها خمسمائة صاحب محبرة یكتبون الحدیث، و لم یملكها أعجمیّ و لا كافر قطّ، لأن الزهرة تدلّ علی الإسلام، تجلب منها الثیاب النفیسة الملوّنة و الفرش الحسن و الثیاب الا بوقلمون. و لها موسم یكون عنده من أنواع الطیر ما لا یوجد فی موضع آخر و هی مائة و نیف و ثلاثون نوعا.

أنواع الطیور التی توجد بجزیرة تنیس‌

السلوی، البقح المملوح، النصطفیر، الزرزور، الباز الرومی، الصفری، الدبسی، البلبل، السقاء، القمری، الفاخت، النواج، الزریق، الهونی، الزاغ، الهدهد، الحسینی، الجرادی، الابلق، الراهب، الحساف، البرین، السلسلة، دردرای، الشماس، البصبص، الأخضر، الأبهق، الأزرق، الحضیر، أبو الحناء، أبو كلب، أبو دینار، واریة اللیل، برقع أمّ علیّ، برقع أمّ حبیب، الدوری، الزنجی، واریة النهار، الشامی، شقرق، صدر النحاس، البلطین، الخضراء السئة، السوداء السئة، الأطروش، الخرطوم، دیك الكرم، الضریس، الحمراء الرقشة، الزرقاء الرقشة، جوز الكسر، ابن السمان، ابن المرعة، النوسیة، السن، الوروار، الصردة، الحمراء الحصیة، القبرة، المطوّق، السقسق، السلار، المرغ، السكسكة، الأرجوحة، الخوخة، فرد قفص، الاورث، السلونیة، السكة البیضاء، اللبس، العروس، الوطواط، عصفور، الزوب، اللقاب، الجوین، القلیلة، العسر، الأحمر، الأزرق، الشریر، البون، البرك، البرسی، الحصاری، الرجاحی، البح، الحمر، الرومی، الملاعقی، البط الصینی، العراق، الاقرح، البلبو،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 178
الشطرف، البشروش، وزّ الفرط، أبو قلمون، أبو قیر، أبو منجل، البجع، الكركی، الغطاس، اللجوبة، البطمیس، البحبوبة، الرقادة، الكروان البحری، أبو مسكة، الكروان الحرحی، القرلی، الخروطة، الحلف، الارمیل، الفلفوس، الازد، العقعق، البوم، الورشان، القطا، الدرّاج، الحجل، البازی، الصردی، الصقر، الهام، الغراب، الأبهق، الباشق، الشاهین، العقاب، الحداء، الرخمة، سبحان من خلق الذی نعلم و الذی لا نعلم.

و یعرف بها من السمك تسعة و سبعون نوعا:

البوری، البلمو، البرو، اللبت، البلس، السكسا، الأران، الشموس، النسا، الطوبار، الیقشمار، الاحناش، الانكلیس، المعیة، البنیّ، الابلیل، الفویص، الدونیس، المرتنوس، الاسقلموس، النفط، الجبالی، البلطی، الحجف، القلاریة، الرحض، العبر، التون، اللت، القجاج، القروص، الكلیس، الأكلس، الفراخ، القرقاح، الزلیخ، اللاج، الاكلت، الماضی، الجلاء، السلّاء، البرقش، الصد، البلك، المشط، القفا، السور، حوت الحجر، البشین، الشربوت، النسّاس، الرعاد، الشعور، المحبرة، اللبس، السطور، الراس، الریف، اللبیس، الأبرمیس، الأبونس، اللبّاء، العمیان، المناقیر، القلمیدس، الحلبوة، الرقاص، القرندس، الجتر؛ هو كبارة، القبج، المجزع الدلیس، الاشبالة، البسال الأبیض، الرقروق، أمّ عبید، البلو، أمّ الإنسان، الانساریة، اللجاه.

جزیرة الجسّاسة

فی بحر القلزم، قالوا: ان الدجّال محبوس فی هذه الجزیرة. و الجسّاسة دابّة تجسّ الأخبار و تأتی بها الدجّال. روی الشعبی عن فاطمة بنت قیس أنّها قالت:
خرج علینا رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، وقت الظهیرة و خطبنا و قال:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 179
إنی لا أجمعكم لرغبة و لا لرهبة، و لكن بحدیث حدّثنیه تمیم الداری، فمنعنی سروره القائلة. حدّثنی أن نفرا من قومه أقبلوا فی البحر فأصابتهم ریح عاصف ألجأتهم إلی جزیرة، فإذا هم بدابّة قالوا لها: ما أنت؟ قالت: أنا الجسّاسة! قالوا: أخبرینا الخبر. قالت: إن أردتم الخبر فعلیكم بهذا الدیر، فإن فیه رجلا بالأسواق إلیكم. قال: أتیناه فقال: أنّی تبعتم؟ فأخبرناه فقال: ما فعلت بحیرة طبریة؟ قلنا: تدفق بین أجوافها. قال: ما فعلت نخل عمان؟ قلنا:
یجتنیها أهلها! قال: ما فعلت عین زغر؟ قلنا: یشرب منها أهلها. فقال:
لو یبست أنفذت من وثاقی فوطئت بقدمی كلّ منهل إلّا مكّة و المدینة.

جزیرة الكنیسة

فی بحر المغرب؛ قال أبو حامد الأندلسی: علی البحر الأسود من ناحیة أندلس جبل علیه كنیسة منقورة من الصخر فی الجبل، و علیها قبّة كبیرة، و علی القبّة غراب مفرد لا یبرح من أعلی القبّة. و فی مقابلة الكنیسة مسجد یزوره الناس و یقولون: إن الدعاء فیه مستجاب. و قد شرط علی القسیسین الذین یسكنون تلك الكنیسة ضیافة كلّ مسلم یقصد ذلك المسجد. فكلّما وصل أحد إلی ذلك المسجد أدخل الغراب رأسه فی روزنة علی تلك القبّة، و یصیح بعدد كلّ رجل صیحة، فیخرج الرهبان بالطعام إلی أهل المسجد ما یكفیهم. و تعرف تلك الكنیسة بكنیسة الغراب، و زعم القسیسون أنّهم ما زالوا یرون غرابا علی تلك الكنیسة و لا یدرون من أین مأكله!

جفار

أرض بین فلسطین و مصر مسیر سبعة أیّام، كلّها رمال سائلة نبض فیها قری و مزارع و نخل كثیر. و أهلها یعرفون آثار الأقدام فی الرمل حتی یعرفون وطء الشباب من الشیخ، و الرجل من المرأة، و البكر من الثیب، و مع كثرة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 180
بساتینهم لا حاجة لهم إلی النواطیر، لأن أحدهم لا یقدر أن یعدو علی غیره، لأن الرجل إذا أنكر شیئا من بستانه یمشی علی آثار القدم، و یلحق سارقه ولو سار یوما أو یومین.
بها نوع من الطیر یأتیهم من بلاد الروم یسمّی المرغ، یشبه السلوی، یأتی فی وقت معین یصیدون منها ما شاء اللّه و یملّحونها، و یأتیهم أیضا من بلاد الروم علی البحر فی وقت من السنة جوارح كثیرة الشواهین و الصقور و البواشق. و قلّما یقدرون علی البازی، و ما سواه یصیدونها و ینتفعون بها.

جنّابة

بلیدة علی ساحل بحر فارس سیّئة الهواء ردیئة الماء، لا زرع بها و لا ضرع لأن أرضها سبخة، و ماءها ملح، رأیتها، ذكروا أنّهم إذا أرادوا ماء عذبا بها حفروا حفیرة كبیرة و طموها بالطین الحرّ یأتون به من غیر أرضهم، فإذا طمّوا الحفرة بالطین الحرّ حفروها بئرا فیها یكون ماؤها طیبا. و أهلها لفیف متفرّق من الجور و البدّ و الفسق، و الفجور فیها أظهر من الصلاة و الأذان فی غیرها.
ینسب إلیها أبو الحسن القرمطی الجنّابی، خرج إلی البحرین و دعا العرب إلی نحلته، فاجتمع علیه خلق كثیر و كسر عسكر الخلیفة و قتل علی فراشه، فقام ابنه سلیمان و قتل حجّاج بیت اللّه الحرام، و نهب حلی الكعبة و قلع الحجر الأسود و نقله إلی الاحساء و بقی عندهم إحدی و عشرین سنة، ثمّ ردّوه بمال عظیم.
و ظهر فی أوّل رمضان سنة تسع عشرة و ثلاثمائة غلام فاجر، یقال له ابن أبی زكریاء الطمّامی، دعا الناس إلی ربوبیّته، و ذاك الغلام الفاجر یأمر بعبادة النار و قطع ید من أطفأ نارا أو لسان من أطفأها بالنفخ. و أمر الغلمان بطاعة طلابهم و من امتنع أمر بذبحه، ثمّ سلّط اللّه علیه من تولّی إظهاره فذبحه و رجع عن القرمطة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 181

جور

مدینة نزهة بأرض فارس كثیرة المیاه و البساتین؛ قال الاصطخری: ان الرجل یسیر من كلّ جانب منها نحو فرسخ فی بساتین و قصور. بناها أردشیر بابك. و فی وسط المدینة بناء عال یسمّی الطربال. و الإنسان إذا علا ذلك البناء أشرف علی المدینة و علی رساتیقها و بنی فی أعلاها بیت نار. و بحذاء المدینة جبل استنبط منه الماء و علاه إلی رأس الطربال.
و بها البئر العجیبة التی لیس فی شی‌ء من البلاد مثلها، و هی علی باب المدینة ممّا یلی شیراز، و قد أكبّوا علی قعرها قدرا من نحاس، یخرج من ثقبة ضیقة فی ذلك القدر ماء حاد جدّا و یصل إلی صفة البئر بنفسه، و لا یحتاج إلی استقاء الماء منها.
و بها الورد الجوری و هو ورد أحمر صافی اللون من أجود أنواع الورد، یتمثّل بطیب رائحته؛ قال الشاعر:
أطیب ریحا من نسیم الصّباجاءت بریّا الورد من جور
و حكی أحمد بن یحیی بن جابر أن جور نزل علیها المسلمون سنین، فعجزوا عن فتحها حتی نزل علیها عبد اللّه بن عامر. و كان بعض أجناد المسلمین قام باللیل یصلّی و إلی جانبه جراب فیه خبز و لحم، فجاء كلب جرّه و عدا به حتی دخل المدینة من مدخل خفیّ لها، فدخل المسلمون من ذلك المدخل، فأصبح أهل جور و المدینة ممتلئة من المسلمین، ملكوها قهرا.

جیرفت‌

مدینة كبیرة بكرمان، آهلة كثیرة الخیرات وافرة الثمرات؛ قال الاصطخری: بها نخل كثیر، و لأهلها سنّة و هی أنّهم لا یرفعون شیئا من
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 182
الثمرات التی أسقطتها الریح بل یتركونها للضعفاء، فربّما كثرت الریح فی بعض السنین فیحصل للضعفاء أكثر ممّا یحصل للملّاك.

جیزة

ناحیة بمصر؛ قال أبو حامد الأندلسی: بها طلسم للرمل و هو صنم و الرمل خلفه إلی ناحیة المغرب مثل البحر، تأتی به الریاح من أرض المغرب، فإذا وصل إلی ذلك الصنم لا یتعدّاه، و القری و الرساتیق و المزارع و البساتین بین یدی ذلك الصنم و الرمل العظیم خلفه. و كان مكان ذلك الرمل مدن و قری علاها الرمل و غطّاها، و تظهر رؤوس الأعمدة الرخام و الجدر العظام فی وسط ذلك الرمل، و لا یمكن الوصول إلیها؛ قال: و كنت أصعد بعض تلال الرمل بالغداة إذا تلبّد الرمل بالطلّ فی اللیل، فرأیت الرمل مثل البحر لا یتبیّن آخره البتّة، و رأیت مدینة فرعون یوسف، علیه السلام، مدینة عظیمة بنیانها و قصورها أعظم و أحكم من مدینة فرعون موسی، علیه السلام، و الرمل قد غطّی أكثرها فظهرت رؤوس الأعمدة التی كانت فی القصور. و هناك سجن یوسف، علیه السلام، فی جوف حائط باب قصر الملك، و الحائط منحوت من الصخر، فصعدت فی درج فی نفس الحائط كدرجات المنبر من الصخر إلی غرفة فی نفس الجدار مشرفة علی النیل، و سطح تلك الغرفة و سقفها من ألواح الصخر المنحوتة مثل الخشب.
و فی الغرفة باب یفضی إلی بیت عظیم تحت الغرفة، هو سجن یوسف، علیه السلام، و علی جدار الغرفة مكتوب: ههنا عبّر یوسف الرؤیا حیث قال:
قضی الأمر الذی فیه تستفتیان.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 183

حلب‌

مدینة عظیمة كثیرة الخیرات طیّبة الهواء صحیحة التربة. لها سور حصین و قلعة حصینة. قال الزّجّاجیّ: كان الخلیل، علیه السلام، یحلب غنمه بها و یتصدّق بلبنها یوم الجمعة فیقول الفقراء: حلب، فسمّیت بذلك، و لقد خصّ اللّه تعالی هذه المدینة ببركة عظیمة من حیث یزرع فی أرضها القطن و السمسم و البطّیخ و الخیار و الدخن و الكرم و المشمش و التفاح و التین عذیا یسقی بماء المطر، فیأتی غضّا رویّا یفوق ما یسقی بالسیح فی غیرها من البلاد؛ قال كشاجم:
أرتك ید الغیث آثارهاو أخرجت الأرض أزهارها
و ما منعت جارها بلدةكما منعت حلب جارها
هی الخلد یجمع ما تشتهی‌فزرها، فطوبی لمن زارها
و المدینة مسوّرة بحجر أسود، و فی جانب السور قلعة حصینة لأن المدینة فی و طاء من الأرض. و فی وسطها جبل مدوّر مهندم و القلعة علیه. و لها خندق عظیم وصل حفرد إلی الماء، و فی وسطه مصانع للماء المعین و جامع و بساتین و میدان و دور كثیرة، و فیها مقامان للخلیل، علیه السلام، یزاران إلی الآن.
و فیها مغارة كان یجمع الخلیل فیها غنمه. و فی المدینة مدارس و مشاهد و بیع، و أهلها سنّیة و شیعیة.
و بها حجر بظاهر باب الیهود علی الطریق، ینذر له و یصبّ علیه الماورد المسلمون و الیهود و النصاری؛ یقولون: تحته قبر نبیّ من الأنبیاء، و فی مدرسة الحلاوی حجر علی طرف بركتها كأنّه سریر، و وسطه منقور قلیلا یعتقد الفرنج فیه اعتقادا عظیما، و بذلوا فیه أموالا فلم یجابوا إلیه.
و من عجائبها سوق الزجاج، فإن الإنسان إذا اجتاز بها لا یرید أن یفارقها،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 184
لكثرة ما یری فیها من الطرائف العجیبة و الآلات اللطیفة تحمل إلی سائر البلاد للتحف و الهدایا. و كذلك سوق المزوّقین ففیها آلات عجیبة مزوّقة.
و لهم لعب كلّ سنة أوّل الربیع یسمّونه الشلاق، و هو انّهم یخرجون إلی ظاهر المدینة و هم فرقتان تتقاتلان أشدّ القتال، حتی تنهزم إحدی الفرقتین فیقع فیهم القتل و الكسر و الجرح و الوهی ثمّ یعودون مرّة أخری.
و من عجائبها بئر فی بعض ضیاعها إذا شرب منها من عضّه الكلب الكلب بری‌ء، و هذا مشهور، قال بعض أهل هذه القریة: شرطه أن العضّ لم یجاوز أربعین یوما، فإن جاوز أربعین یوما لم یبرأ! و ذكر أنّه أتاهم ثلاثة أنفس من المكلوبین و شربوا منه فسلم اثنان لم یجاوزا الأربعین، و مات الثالث و قد جاوز الأربعین. و هذه بئر منها شرب أهل الضیعة.
و حكی بعضهم أنّه ظهر بأرض حلب سنة أربع و عشرین و ستّمائة تنّین عظیم بغلظ منارة و طول مفرط، ینساب علی الأرض یبلع كلّ حیوان یجده، و یخرج من فمه نار تحرق ما تلقاه من شجر أو نبات، و اجتاز علی بیوت أحرقها و الناس یهربون منه یمینا و یسارا حتی انساب قدر اثنی عشر فرسخا، فأغاث اللّه تعالی الخلق منه بسحابة نشأت و نزلت إلیه فاحتملته، و كان قد لفّ ذنبه فی كلب فیرفع الكلب رفعة و الكلب یعوی فی الهواء و السحاب یمشی به، و الناس ینظرون إلیه إلی أن غاب عن الأعین؛ قال الحاكی: رأیت الموضع الذی انساب فیه كأنّه نهر.

حمص‌

مدینة بأرض الشام حصینة، أصحّ بلاد الشام هواء و تربة. و هی كثیرة المیاه و الأشجار و لا یكاد یلدغ بها عقرب أو تنهش حیّة. ولو غسل ثوب بماء حمص لا یقرب عقرب لابسه إلی أن یغسل بماء آخر.
و من عجائبها الصورة التی علی باب المسجد الذی إلی جانب البیعة، و هی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 185
صورة إنسان نصفها الأعلی، و نصفها الأسفل صورة عقرب. یؤخذ الطین الحرّ و یطبع به علی تلك الصورة و تلقی فی الماء حتی یشرب الملدوغ فیبرأ فی الحال.
و أهلها موصوفون بالجمال المفرط و البلاهة؛ قال الجاحظ: مرّت بحمص عنز تبعها جمل، فقال رجل لآخر: هذا الجمل من هذا العنز! فقال الآخر:
كلّا إنّه یتیم فی حجره.
و من العجب أنّهم كانوا أشدّ الناس علی علیّ، رضی اللّه عنه، فلمّا انقضت تلك الأیّام صاروا من غلاة الشیعة، حتی ان فی أهلها كثیرا ممّن یری مذهب النّصیریة و أصلحهم الامامیة السبابة.
و أمّا حكومة قاضی حمص فمشهورة: ذكر أنّه تحاكم إلیه رجل و امرأة، فقالت المرأة: هذا رجل أجنبیّ منی و قد قبّلنی، فقال القاضی: قومی إلیه و قبّلیه كما قبّلك! فقالت: عفوت عنه! فقال لها: مرّی راشدة.
و بها قبر خالد بن الولید، رضی اللّه عنه، مات بها و هو یقول فی مرض موته: تبّا للجبناء! ما علی بدنی قدر شبر إلّا و علیه طعنة أو ضربة، و ها أنا أموت علی الفراش موت العیر!

حوران‌

قریة من نواحی دمشق، قالوا: انّها قریة أصحاب الاخدود، و بها بیعة عظیمة عامرة حسنة البناء، مبنیّة علی عمد الرخام منمقة بالفسیفساء، یقال لها النجران، ینذر لها المسلمون و النصاری، ذكروا أن النذر لها مجرّب، و لنذره قوم یدورون فی البلاد ركاب الخیل، ینادون: من نذر للنجران المبارك؟
و للسلطان علیها عطیة یؤدّونها كلّ عام.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 186

الحیرة

بلدة قدیمة كانت علی ساحل البحر بقرب أرض الكوفة، و كان هناك فی قدیم الزمان بحر. و الآن لیس بها أثر البحر و لا المدینة. بل هی دجلة و آثار طامسة. و كانت الحیرة منزل ملوك بنی لخم. و هم كانوا ملوك العرب فی قدیم الزمان. و إیّاهم أراد الأسود بن یعفر فی قوله:
ماذا أؤمّل بعد آل محرّق‌تركوا منازلهم و بعد إیاد
أهل الخورنق و السّدیر و بارق‌و القصر ذی الشّرفات من سنداد
نزلوا بأنقرة یسیل علیهم‌ماء الفرات یجی‌ء من أطواد
أرض یخیّلها لطیب مقیلهاكعب بن مامة و ابن أمّ ذواد
جرت الرّیاح علی محلّ دیارهم‌فكأنهم كانوا علی میعاد
و لقد عنوا فیها بأنعم عیشةفی ظلّ ملك ثابت الأوتاد
فإذا النّعیم و كلّ ما یلهی به‌یوما یصیر إلی بلی و نفاد
و بنی النعمان بن امری‌ء القیس بن عمرو بن عدی قصرا بظاهر الحیرة فی ستّین سنة اسمه الخورنق، بناه رجل من الروم یقال له سنمّار، و كان یبنی السنتین و الثلاث و یغیب الخمس، فیطلب فلا یوجد. و كان یبنی علی وضع عجیب لم یعرف أحد أن یبنی مثله. ثمّ إذا وجد یحتج بحجّة فلم یزل یفعل هذا ستّین سنة. فلمّا فرغ من بنائه كان قصرا عجیبا لم یكن للملوك مثله. فرح به النعمان فقال له سنمار: انی لأعلم موضع آجرّة لو زالت لسقط القصر كلّه.
فقال له النعمان: هل یعرفها أحد غیرك؟ قال: لا! فأمر به فقذف من أعلی القصر إلی أسفله فتقطّعت أوصاله، فاشتهر ذلك حتی ضرب العرب به المثل فقال الشاعر:
جزانی جزاه اللّه شرّ جزائه‌جزاء سنمّار و ما كان ذا ذنب
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 187 سوی رمّة البنیان ستّین حجّةیعلی علیه بالقرامید و السّكب
فلمّا رأی البنیان تمّ شهوقه‌و آض كمثل الطّود الشّامخ الصّعب
و ظنّ سنمّار به كلّ حبوةو فاز لدیه بالمودّة و القرب
فقال: اقذفوا بالعلج من فوق رأسه‌فهذا لعمر اللّه من أعجب الخطب
فصعد النعمان قلّته و نظر إلی البحر تجاهه و إلی البرّ خلفه و البساتین حوله، و رأی الظبی و الحوت و النخل فقال لوزیره: ما رأیت أحسن من هذا البناء قطّ! فقال له وزیره: له عیب عظیم! قال: و ما ذلك؟ قال: انّه غیر باق! قال النعمان: و ما الشی‌ء هو باق؟ قال: ملك الآخرة! قال: فكیف تحصیل ذلك؟ قال: بترك الدنیا! قال: فهل لك أن تساعدنی فی طلب ذلك؟ فقال:
نعم. فترك الملك و تزهّد هو و وزیره، و اللّه الموفق.

خبیص‌

مدینة كبیرة بكرمان. ذكر ابن الفقیه أن باطنها لم یمطر أبدا و إنّما تكون الأمطار حوالیها. و قال: ربّما أخرج الرجل یده من السور، فیقع المطر علیها و لا یقع علی بقیّة بدنه الداخل فی المدینة، و هذا عجیب!

خربة الملك‌

مدینة بمصر علی شرقی النیل؛ قال أحمد بن واضح: ان معدن الزمرذ فی هذا الموضع فی جمیع الأرض، و ان هناك جبلین یقال لأحدهما العروس و للآخر الخصوم، بهما معدن الزمرذ، ربّما وقعت بهما قطعة تساوی ألف دینار.

الخلیل‌

اسم بلدة بها حصن و عمارة بقرب بیت المقدس. فیه قبر الخلیل، علیه السلام، فی مغارة تحت الأرض، و هناك مشاهد و قوام، و فی الموضع ضیافة للزوار،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 188
و هو موضع طیب نزه آثار البركة ظاهرة علیه، حكی السلفی أن رجلا أتی زیارة الخلیل و أهدی لقیّم الموضع هدیة، و سأله أن یمكّنه من النزول إلی مغارة الخلیل، فقال القیّم: إن أقمت إلی انقطاع الزوار فعلت! فأقام فقطع بلاطة و أخذ معه مصباحا فنزل سبعین درجة إلی مغارة واسعة، و بها دكة علیها الخلیل و علیه ثوب أخضر و الهواء یحرّك شیبته، و إلی جانبه إسحاق و یعقوب، علیهما السلام، ثمّ أتی حائط المغارة، یقال: إن سارة، علیها السلام، خلف ذلك الحائط، فهمّ أن ینظر إلی ما وراء الحائط فإذا هو بصوت یقول: إیّاك و الحرم! فعاد من حیث نزل.

دارا

قریة من قری دمشق، ینسب إلیها أبو سلیمان عبد الرحمن بن عطیة الداری.
كان فرید وقته فی الزهد و الورع، قال: نمت لیلة بعد وردی فإذا أنا بحوراء تقول لی: تنام و أنا أربّی لك فی الخدور منذ خمسمائة عام؟ و قال: كنت لیلة باردة فی المحراب فأقلقنی البرد، فخبّأت إحدی یدیّ من البرد و بقیت الأخری ممدودة، فغلبتنی عینای فإذا قائل یقول: یا أبا سلیمان قد وضعنا فی هذه ما أصابها، ولو كانت الأخری مثلها لوضعنا فیها! فآلیت علی نفسی أن لا أدعو إلّا و یدای خارجتان، بردا كان أو حرّا.

دارابجرد

كورة بفارس نفیسة. عمّرها داراب بن فارس؛ قال الاصطخری:
بها كهف المومیا، و قال ابن الفقیه: انّه بأرجان، و قد مضی ذكرها فی أرجان.
و زاد الاصطخری: ان الخالص منه یحمل إلی شیراز ثمّ یغسل الموضع و یعجن بمائه شی‌ء، و یخرج علی أنّه المومیا، فجمیع ما تری فی أیدی الناس من المعجون، و أمّا الخالص فلا یوجد إلّا فی خزانة الملك. و قال أیضا: بناحیة دارابجرد
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 189
جبال من الملح الأبیض و الأصفر و الأخضر و الأحمر و الأسود، ینحت منها الموائد و الصحون و الغضائر و غیرها من الظروف، و تهدی إلی سائر البلاد.
و بها معدن الزئبق.

دمشق‌

قصبة بلاد الشام و جنّة الأرض لما فیها من النضارة و حسن العمارة، و نزاهة الرقعة وسعة البقعة و كثرة المیاه و الأشجار و رخص الفواكه و الثمار. قال أبو بكر الخوارزمی: جنان الدنیا أربع: غوطة دمشق، و صغد سمرقند، و شعب بوّان، و جرّیرة الأبلّة، و قد رأیت كلّها فأفضلها غوطة دمشق، و أهل السیر یقولون: إن آدم، علیه السلام، كان ینزل فی موضع بها یقال له الآن بیت الأبیات، و حوّاء فی بیت لهیا، و هابیل فی مقری و قابیل فی قنینة.
و كان فی الموضع الذی یعرف الآن بباب الساعات عند الجامع صخرة عظیمة كانت القرابین توضع علیها، فما قبل نزلت نار أحرقته، و ما لم یقبل بقی علی حاله، و قتل قابیل هابیل علی جبل قاسیون، و هو جبل علی باب دمشق.
و هناك حجر علیه مثل أثر الدم یزعم أهل دمشق انّه الحجر الذی رضّ به قابیل رأس هابیل، و عند الحجر مغارة یقال لها مغارة الدم لذلك.
و المدینة الآن عظیمة حصینة ذات سور و خندق و قهندز، و العمارات مشبكة من جمیع جوانبها، و البساتین محیطة بالعمارات فراسخ و قلّما تری بها دارا أو مسجدا أو رباطا أو مدرسة أو خانا إلّا و فیها ماء جار.
و من عجائبها الجامع وصفه بعض أهل دمشق قال: هو أحد العجائب كامل المحاسن جامع الغرائب، بسط فرشه بالرّخام و ألّف علی أحسن تركیب و انتظام. فصوص أقداره متفقة و صنعته مؤتلفة، و هو منزه عن صور الحیوان إلی صور النبات، و فنون الأغصان تجنی ثمرتها بالأبصار، و لا یعتریها حوائج الأشجار. و الثمار باقیة علی طول الزمان مدركة فی كلّ حین و أوان، لا یمسّها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 190
عطش مع فقدان القطر، و لا یصیبها ذبول مع تصاریف الدهر.
عمّره الولید بن عبد الملك، و كان ذا همّة فی أمر العمارات و بناء المساجد.
أنفق علی عمارته خراج المملكة سبع سنین، و حمل علیه الدساتیر بما أنفق علیه علی ثمانیة عشر بعیرا فلم ینظر إلیها، و أمر بإبعادها و قال: هو شی‌ء أخرجناه للّه فلا نتّبعه!
قالوا: من عجائب الجامع لو أن أحدا عاش مائة سنة، و كان یتأمّله كلّ یوم، لرأی فی كلّ یوم ما لم یره من حسن الصنعة و مبالغة التنمیق.
و حكی أنّه بلغ ثمن البقل الذی أكله الصنّاع ستّین ألف دینار، فضجّ الناس استعظاما لما أنفق فیه، و قالوا: أنفقت أموال المسلمین فیما لا فائدة لهم فیه! فقال: ان فی بیت مالكم عطاء ثمانی عشرة سنة، إن لم یدخل فیه حبّة قمح! فسكت الناس، فلمّا فرغ أمر بتسقیفها من الرصاص، و إلی الآن سقفها من الرصاص، و رأیت الصانع یرقمها بالرصاص المذاب. قالوا: ان طیرا یذرق علی الرصاص یحرقه فیحتاج إلی الإصلاح لدفع ماء المطر.
قال موسی بن حماد: رأیت فی جامع دمشق كتابة بالذهب فی الزجاج محفورا سورة «ألهاكم التكاثر» و رأیت جوهرة حمراء نفیسة ملصقة فی قاف المقابر، فسألت عن ذلك فقالوا: ماتت للولید بنت كانت هذه الجوهرة لها، فأمرت أمّها أن تدفن هذه الجوهرة معها، فأمر الولید بها فصیرت فی قاف المقابر، و حلف لأمّها أنّه أودعها المقابر.
و المسجد مبنی علی أعمدة رخام طبقتین: التحتانیة أعمدة كبار، و الفوقانیّة أعمدة صغار، فی خلال ذلك صور المدن و الأشجار بالفسیفساء و الذهب و الألوان.
و من العجب العمودان الحجریان اللذان علی باب الجامع، و هما فی غایة الإفراط طولا و عرضا، قیل: و هما من عمل عاد إذ لیس فی وسع أبناء زماننا قطعهما و لا نقلهما و لا إقامتهما، و فی الجانب الغربی بالجامع عمودان علی الطبقة العلیا من الأعمدة الصغار، یقولون: انّهما من الحجر الدهنج، و فی جدار الصحن
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 191
القبلی حجر مدوّر شبه درقة منقطة بأبیض و أحمر، قالوا: بذل الفرنج فیه أموالا فلم یجابوا إلیه. و للجامع أوقاف كثیرة و دیوان عظیم، و علیها أرزاق كثیر من الناس، منهم صنّاع یعملون القسیّ و النبال للجامع و یذخرونها لیوم الحاجة، ذكروا أن دخل الجامع كلّ یوم ألف و مائتا دینار، یصرف المائتان إلی مصالح الجامع و الباقی ینقل إلی خزانة السلطان.
و أهل دمشق أحسن الناس خلقا و خلقا وزیّا، و أمیلهم إلی اللهو و اللعب، و لهم فی كلّ یوم سبت الاشتغال باللهو و اللعب. و فی هذا الیوم لا یبقی للسیّد علی المملوك حجر، و لا للوالد علی الولد، و لا للزوج علی الزوجة، و لا للأستاذ علی التلمیذ، فإذا كان أوّل النهار یطلب كلّ واحد من هؤلاء نفقة یومه، فیجتمع المملوك بإخوانه من الممالیك، و الصبی بأترابه من الصبیان، و الزوجة باخواتها من النساء، و الرجل أیضا بأصدقائه، فأمّا أهل التمییز فیمشون إلی البساتین و لهم فیها قصور و مواضع طیّبة، و أمّا سائر الناس فإلی المیدان الأخضر، و هو محوّط فرشه أخضر صیفا و شتاء من نبت فیه، و فیه الماء الجاری.
و المتعیّشون یوم السبت ینقلون إلیه دكاكینهم. و فیها حلق المشعبذین و المساخرة و المغنّین و المصارعین و الفصّالین. و الناس مشغولون باللعب و اللهو إلی آخر النهار، ثمّ یفیضون منها إلی الجامع و یصلّون بها المغرب و یعودون إلی أماكنهم.
بها جبل ربوة، جبل علی فرسخ من دمشق؛ قال المفسرون: إنّها هی المذكورة فی قوله تعالی: و آویناهما إلی ربوة ذات قرار و معین. و هو جبل عال علیه مسجد حسن فی وسط البساتین، و لمّا أرادوا إجراء ماء بردی وقع هذا الجبل فی الوسط، فنقبوا تحته و أجروا الماء فیه، و یجری علی رأسه نهر یزید، و ینزل من أعلاه إلی أسفله. و فی المسجد الذی علی أعلی الماء الجاری. و له مناظر إلی البساتین، و فی جمیع جوانبه الخضرة و الأشجار و الریاحین.
و رأیت فی المسجد فی بیت صغیر حجرا كبیرا ذا ألوان عجیبة، حجمه كحجم صندوق مدوّر، و قد انشقّ بنصفین و بین شقّیه مقدار ذراع، لم ینفصل
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 192
أحد الشقّین عن الآخر بل متّصل به كرمّان مشقوق، و لأهل دمشق فی ذلك الحجر أقاویل كثیرة.
و ینسب إلیها إیاس بن معاویة الذی یضرب به المثل فی الذكاء. طلب من رجل حقّا عند القاضی، و هو إذ ذاك یتیم، فقال له القاضی: اسكت إنّك صبی! فقال: إذا سكتّ من یتكلّم عنی؟ فقال القاضی: و اللّه لا تقول حقّا! فقال إیاس: لا إله إلّا اللّه! و حكی أن امرأتین تحاكمتا إلیه فی كبّة غزل، فأفرد كلّ واحدة منهما و سألها: علی أی شی‌ء كبّبت غزلك؟ فقالت إحداهما: علی كسرة خبز! و قالت الأخری: علی طرقة. فنقض الكبّة فإذا هی علی كسرة خبز. فسمع بذلك ابن سیرین فقال: ویحه ما أفهمه!
و حكی انّه تحاكم إلیه رجلان فقال أحدهما: إنی دفعت إلیه مالا. فجحد الآخر، فقال للمدّعی: أین سلّمت هذا المال إلیه؟ فقال: عند شجرة فی الموضع الفلانی! فقال المدّعی علیه: انا ذلك الموضع ما رأیت قطّ. فقال:
انطلقوا بالمدّعی إلی ذلك المكان و ابصروا هل فیه شجرة أم لا؟ فلمّا ذهبوا إلیه قال بعد زمان للمدّعی علیه: تری وصلوا إلی ذلك المكان؟ قال: لا، بعد! فقال له: قم یا عدوّ اللّه، إنّك خائن! فقال: أقلنی أقالك اللّه! و اعترف به.

دمندان‌

مدینة كبیرة بكرمان، قال ابن الفقیه: بها معادن الذهب و الفضّة و الحدید و النحاس و التوتیا و النوشاذر فی جبل شاهق یقال له دنباوند. و فی هذا الجبل كهف عظیم یسمع من داخله دویّ شبه خریر الماء، و یرتفع منه شبه دخان و یلتصق بحوالیه، فإذا كثف و كثر خرج إلیه أهل المدینة یقلعونه، و هو النوشاذر الجیّد الذی یحمل إلی الآفاق، و قد و كّل السلطان به قوما حتی إذا جمع كلّه أخذ السلطان خمسه.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 193

دمیاط

مدینة قدیمة بین تنیس و مصر مخصوصة بالهواء الطیب، و هی من ثغور الإسلام، عندها یصبّ ماء النیل فی البحر، و عرض النیل هناك نحو مائة ذراع، و علیه من جانبیه برجان، بینهما سلسلة حدید علیها جرس، لا یدخل مركب فی البحر و لا یخرج إلّا بإذن، و علی سورها مدارس و رباطات كثیرة.
عن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، انّه قال لعمر بن الخطّاب:
یا عمر سیفتح علی یدیك ثغران: الإسكندریّة و دمیاط، أمّا الإسكندریّة فخرابها من البربر، و أمّا دمیاط فهم صفوة من صفوة شهداء من رابطها لیلة كان معی فی حظیرة القدس.
و حكی الحسن بن محمّد المهلّبی قال: من طریف أمر دمیاط ان الحاكة بها یعملون الثیاب الرفیعة، و هم قبط من سفلة الناس، أكثر أكلهم السمك المملوح و الطری، فإذا أكلوا عادوا إلی الصنعة من غیر غسل الأیدی، و ینشطون بها و یعملون فی غزلها، فإذا قطع الثوب لا یشكّ من یقلّبه انّه بخر بالندّ! و قال أیضا: من طریف أمر دمیاط ان فی قبلیّها علی الخلیج غرفا تعرف بالمعامل، یستأجرها الحاكة لعمل ثیاب الشرب فیها، فلا تكاد تنجب إلّا بها، فإن عمل بها ثوب و بقی منها شبر و نقل إلی غیر هذه الغرف علم بذلك السمسار المبتاع للثوب، و ینقص من ثمنه لاختلاف جوهر الثوب، و تبلغ قیمة الثوب الأبیض بدمیاط و لیس فیه ذهب ثلاثمائة دینار، و لا تشارك تنیس فی شی‌ء من عملها، و بینهما مسیرة نصف نهار. و لا یعمل بدمیاط مصبوغ و لا بتنیس أبیض و هما حاضرتا البحر.
و بها أنواع الطیر و السمك ذكرناها فی تنیس لا نعیدها.
و بها الفرش القلمونی من كلّ لون. و بها سمكة یقال لها الدلفین، و هی فی خلقة زقّ، زعموا أنّها تنجی الغریق، و بها سمكة أخری من أكلها یری
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 194
منامات هائلة.
و حكی أن الفرنج فی زمان الملك الكامل اتّخذوا مركبا بعلو سور دمیاط، و شحنوه من الرجال و السلاح و أجروه فی البحر إلی أن یصل بسور دمیاط، فوثبوا من المركب إلی السور و فتحوا دمیاط بهذه الحیلة، فلمّا علم الملك الكامل ذلك شقّ علیه و جاء محاصرا لها، فصعب علیه استخلاصها فبنی بجنبها مدینة بالأسواق و الحمامات، و ما زال یحاصرها حتی فتحها، و أسر من كان فیها من الفرنج و منّ علی أمرائهم.

دندرة

مدینة علی غربی النیل من نواحی الصعید طیّبة، ذات میاه و أشجار و نخل و كرم، فیها من البرابی كثیر، و البربا بیت فیه صور لطلسم أو سحر، من جملتها بربا فیه مائة و ثمانون كوّة، تدخل الشمس كلّ یوم من كوة واحدة بعد واحدة، حتی تنتهی إلی آخرها، ثمّ تكرّ إلی الموضع الذی بدأت منه.

دورق‌

بلیدة بخوزستان؛ قال مسعر بن مهلهل: فی أعمالها معادن كثیرة. و بها آثار قدیمة لقباذ بن دارا. و بها صید كثیر و یجتنب بعض مواضعها لا یرعی قالوا انّه لطلسم.
و بها الكبریت الأصفر البحری، و لا یوجد هذا الكبریت إلّا بها، و إن حمل منها إلی غیرها لا یسرج، و إذا أتی بالنار من غیر دورق أحرقته و نار دورق لا تحرقه، و هذا من ظریف الأشیاء.
و بها هوام قتالة لا یبلّ سلیمها. منها حیّة شبریة تسمّی ذات الرأسین، و هذه الحیّة توجد بین دورق و الباسیان، تكون فی الرمل، فإذا أحسّت بشی‌ء من الحیوان و ثبت أذرعا و نهشت بإحدی رأسیها و تثقل علیه، فیموت الحیوان فی ساعته.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 195

دورقستان‌

جزیرة بین بحر فارس و نهر عسكر مكرم خمسة فراسخ فی خمسة فراسخ، ترفأ إلیها مراكب البحر التی تقدم من ناحیة الهند، لا طریق لها إلّا إلیها، و بها الجزر و المدّ فی كلّ یوم مرّتین. و ماؤها عذب، فإذا ورد المدّ علیها یبقی ملحا كثیرا.
و فی وسطها قلعة كان فی أیّام الخلفاء یحمل إلیها المنفیون من بغداد، فمن كانت جریمته عظیمة یحبس فی القلعة، و من كان دون ذلك یرسل فی الجزیرة.
و بها عمارات و بیوت یسكنها قوم من النّوتیة الذین یعملون فی البحر.
و بها مدّ و جزر آخر بحسب زیادة نور القمر و نقصانه، فیزداد كلّ یوم إلی منتصف الشهر ثمّ ینقص كلّ یوم إلی آخر الشهر.
و رأیت بها شابّا أسمر نحیفا كانوا یقولون انّه یصطاد الظبی، و حكی بعضهم ان ذئبا قد أكل شاة لهذا الرجل بدورقستان، فقام یعدو خلفه، و الذئب لا یقدر علی الخروج من الجزیرة، فلم یزل یسعی خلفه حتی أدركه.

دیر أبی هور

ذكر الشابستی انّه بسریاقوس من أعمال مصر، و هی بیعة عامرة كثیرة الرهبان. و فیها أعجوبة، و هی ان من یكون به خنازیر یقصد هذا الموضع للتعالج، فیضجعه رئیس الموضع و یجی‌ء بخنزیر یرسله إلی موضع العلّة، فیأكل الخنزیر الغدة و لا یتعدّی إلی الموضع الصحیح. فإذا تنظّف الموضع ذرّ علیه شیئا من رماد خنزیر فعل هذا الفعل من قبل و دهنه بزیت قندیل البیعة فیبرأ.
ثمّ یذبح ذلك الخنزیر و یحرق و یعدّ رماده لمثل هذا العلاج.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 196

دیر أتریب‌

بأرض مصر، یعرف بمارت مریم، علیها السلام. له عید و انّه فی الخامس عشر من آب، و الحادی و العشرین من بؤونه من أشهر القبط. یذكرون أن حمامة بیضاء تأتیهم و لا یرونها إلّا یوم مثله، تدخل المذبح و لا یدرون من أین جاءت.

دیر أیّوب‌

قریة من نواحی دمشق. بها كان منزل أیّوب، علیه السلام، و بها ابتلاه اللّه. و بها العین التی ظهرت من ركضه حین أمره اللّه تعالی به عند انتهاء ابتلائه، فقال عزّ و علا: اركض برجلك هذا مغتسل بارد و شراب، و الصخرة التی كانت علیها و بها قبره، علیه السلام.

دیر سمعان‌

دیر بناحیة دمشق فی موضع نزه، محدقة بالبساتین و الدور و القصور، و كان بها حبیس مشهور، منقطع عن الخلق جدّا، و كان یخرج رأسه من كوّة فی كلّ سنة یوما معلوما، فكل من وقع علیه بصره من المرضی و الزمنی عوفی. فسمع به إبراهیم بن أدهم، فذهب إلیه حتی یشاهد ذلك، قال: رأیت عند الدیر خلقا كثیرا من الواقفین حذاء تلك الكوّة، یترقّبون خروج رأس الحبیس، فلمّا كان ذلك الیوم أخرج رأسه و نظر إلیهم یمینا و شمالا، فكلّ من وقع نظره علیه قام سلیما معافی ثمّ رجع إلی مكانه! قال: فتعجبت من ذلك و بقیت متفكّرا فیه، ثمّ مضیت و دعوته فأجابنی و سألته عن حاله فأعطانی سبع حمصات و قال: هذه تطلب منك لا تبعها إلّا بثمن بالغ! قال: فانصرفت عنه فاشتهر بین النصاری أن الحبیس أعطی لهذا الحنیفی شیئا، فاجتمعوا علیّ و قالوا: ماذا تصنع بهذه
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 197
الحمصات؟ بعها منّا! فما زالوا یزیدون فی ثمنها حتی بلغ سبعمائة دینار، فبعتها ثمّ انصرفت و عبوری علی دیر سمعان، فأخرج الحبیس رأسه و قال:
أیّها الحنیفی قد بعت الحمصات بسبعمائة دینار، ولو طلبت سبعة آلاف لأعطوك، و كلّ حمصة لی قوت یوم، فانظر من یكون قیمة قوته كلّ یوم ألف دینار كم تكون قیمته؟ ثمّ أدخل رأسه.

دیر طور سینا

علی قلّة طور سینا، و هو الجبل الذی تجلّی فیه النور لموسی، علیه السلام، و خرّ موسی صعقا هناك. و الدیر مبنیّ بالحجر الأسود، و فی غربیّه باب لطیف قدّامه حجر، إذا أرادوا رفعه رفعوه و إذا قصدهم قاصد أرسلوه فانطبق علی الموضع، و لم یعرف مكان الباب، و فی داخلها عین ماء. و زعم النصاری أن بها نارا من النار التی كانت ببیت المقدس، و هی نار بیضاء ضعیفة الحرّ لا تحرق، و تقوی إذا أوقد منها السرج، و هو عامر بالرهبان و الناس یقصدونه؛ قال فیه ابن عاصم:
یا راهب الدّیر ماذا الضّوء و النّورو قد أضاء بما فی دیرك الطّور؟
هل حلّت الشّمس فیه دون أبرجهاأم غیّب البدر عنه فهو مستور؟

دیر الطّیر

بأرض مصر علی شاطی‌ء النیل، بقرب الجبل المعروف بجبل الكهف. و فی هذا الجبل شقّ، فإذا كان یوم عید هذا الدیر یأتی صنف من الطیر یقال له بوقیر، لم یبق منها واحد إلّا جاء ذلك الشقّ، و یشتدّ عنده صیاحها. و لا یزال الواحد بعد الواحد یجعل رأسه فی ذلك الشقّ و یصیح إلی أن یتشبّث رأس أحدها بالشقّ فیضطرب حتی یموت، و عند ذلك تنصرف البقیّة إلی السنة القابلة، و لا یبقی هناك منها طائر؛ هكذا ذكر الشابشتی، و هذا دلیل الخصب فی تلك السنة، و ربّما تشبّث علی طیرین فیكون الخصب بالغا جدّا.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 198

دیر نهیا

بالجیزة من أرض مصر. من أحسن الدیارات و أنزهها و أطیبها موضعا و أجلها موقعا، عامر بالرهبان، و له فی النیل منظر عجیب لأنّ الماء محیط به من جمیع جهاته. فإذا انصرف الماء و زرعت أظهرت أنواع الأزهار و أصناف الأنوار، فتشبه الدیباج المنقش، لا یرید الإنسان ان یفارقها، و له خلیج تجتمع فیه الطیور فهو متصیّد أیضا؛ و لابن البصری فیه:
أیا دیر نهیا إن ذكرت فإنّنی‌أسعی إلیك علی الخیول السّبّق
أو ما تری وجه الرّبیع و قد زهت‌أنواره بنهاره المتألّق؟
و تجاوبت أطیاره و تبسّمت‌أشجاره من ثغر زهر مؤنق
و البدر فی وسط السّماء كأنّه‌وجه مضی‌ء فی قناع أزرق
و إذا سئلت عن الطّیور و صیدهاو جنوسها فاصدق و إن لم تصدق آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی ؛ ص198
فالغرّ فالكروان فالفارور إذیشجیك فی طیرانه المتحلّق
أشهدت حرب الطّیر فی غیطانه‌لمّا تجوّق منه كلّ مجوّق

الرّصافة

مدینة فی البریة بقرب الرقّة. رأیتها لها سور محكم من الحجر المنحوت.
أحدثها هشام بن عبد الملك لمّا وقع الطاعون بأرض الشام. لیس بها نهر و لا عین، و آبارهم بعیدة العمق رشاؤها مائة و عشرون ذراعا و هی ملح. و شربهم من الصهاریج داخل المدینة، و قد تفرغ الصهاریج فی أثناء الصیف، فیأخذون الماء من الفرات، و بینهما أربعة فراسخ. و لبنی خفاجة علیهم مال یؤدونه صاغرین.
و صنعة أهلها عمل الأكسیة و الجوالق و المخالی، منها تحمل إلی سائر البلاد. و كان هشام بن عبد الملك یفزع إلیها من البقّ فی شاطی‌ء الفرات
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 199
و من عجیب هذه البلدة أن لیس بها زرع و لا ضرع و لا ماء، و لا أمن و لا تجارة و لا صنعة مرغوبة! و أهلها یسكنونها، و لولا حبّ الوطن لخربت.

الرّقّادة

بلدة طیبة بافریقیة بقرب القیروان، كثیرة البساتین، لیس بافریقیة أعدل هواء و لا أطیب نسیما منها و لا أصحّ تربة! حتی إن من دخلها لم یزل مستبشرا من غیر أن یعلم لذلك سببا.
و حكی أن إبراهیم بن أحمد بن الأغلب مرض و شرد عنه النوم، فعالجه إسحق المتطبّب الذی نسب إلیه الاطریفل الاسحقی، فأمره بالتردّد. فلمّا وصل إلی هذا الموضع نام فسمّاه رقّادة، و اتّخذ به دورا و قصورا فصارت من أحسن بلاد اللّه. و كان یمنع بیع النبیذ بالقیروان و لا یمنع بالرقادة، فقال طرفاء القیروان:
یا سیّد النّاس و ابن سیّدهم‌و من إلیه الرّقاب منقاده
ما حرّم الشّرب فی مدینتناو هو حلال بأرض رقّاده؟

زكندر

مدینة بالمغرب من بلاد بربر، بینها و بین مراكش ستّ مراحل، حدّثنی الفقیه علی بن عبد اللّه المغربی الجنحانی أنّها مدینة كبیرة مسوّرة، كثیرة الخیرات و الثمرات، أهلها برابر مسلمون، بها معادن الفضّة عامّة، كلّ من أراد یعالجها. و هی غیران تحت الأرض، فیها خلق كثیر یعملون أبدا. و من عادة أهل المدینة أن من جنی جنایة أو وجب علیه حقّ فدخل شیئا من تلك الغیران، سقط عنه الطلب حتی یخرج منها. و فیها أسواق و مساكن، فلعلّ الخائف یعمل فیها مدّة و ینفق و لا یخرج حتی یسهل اللّه أمره.
و ذكر أنّهم إذا نزلوا عشرین ذراعا نزل الماء فالسلطان ینصب علیها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 200
الدوالیب و یسقی ماؤها لیظهر الطین، فیخرجه الفعلة إلی ظاهر الأرض و یغسلونها.
و إنّما یفعل ذلك لیأخذ خمس النیل، و ماؤها یسقی ثلاث دفعات، لأن من وجه الأرض إلی الماء عشرین ذراعا، فینصب دولابا فی الغار علی وجه الماء، فیستقی و یصبّ فی حوض كبیر، و ینصب علی ذلك الحوض دولابا آخر فیستقی و یصبّ فی حوض آخر، ثمّ ینصب إلی ذلك الحوض دولابا ثالثا فیستقی و یجری علی وجه الأرض إلی المزارع و البساتین.
و ذكروا أن هذه المعاملة لا تصحّ إلّا من صاحب مال كثیر له آلاف یقعد علی باب الغار و یكری الصنّاع و العملة، فیخرجون الطین و یغسلونه بین یدیه، حتی إذا تمّ العمل أخرج خمس السلطان و سلّم الباقی له، فربّما یكون أصغر ممّا أنفق، و ربّما یكون دونه علی قدر جدّ الرجل.

سابور

مدینة بأرض فارس، بناها سابور بن أردشیر، من دخلها لم یزل یشمّ روائح طیّبة حتی یخرج منها لكثرة ریاحینها و أزهارها و كثرة أشجارها. قال البشّاری: مدینة سابور نزهة جدّا، بها ثمار الجروم و الصرود من النخل و الزیتون و الاترج و الجوز و اللوز و العنب و قصب السكر. و أنهارها جاریة و ثمارها دانیة.
و قراها مشتبكة، یمشی السائر أیّاما تحت ظلّ الأشجار كصغد سمرقند، و علی كلّ فرسخ بقّال و خبّاز.
ینسب إلیها أبو عبد اللّه السابوری. كان من أولیاء اللّه تعالی، قال الأستاذ أبو علیّ الدقّاق: إنّ أبا عبد اللّه كان صیادا، فإذا نزلنا به أطعمنا من لحم الصید ثمّ ترك ذلك. فسألناه عن سببه فقال: كنت أنصب شبكتی علی عین ماء، فالظباء كانت تأتی لتشرب فتتعلّق بالشبكة. فنصبتها فی بعض الأیّام فإذا أنا بظبیة معها غزلان ثلاثة فی انتصاف النهار عند شدّة الحرّ، فقصدت الماء لتشرب، فلمّا رأت الشبكة نفرت عنها و ذهبت و قد غلبها و غزلانها العطش، ثمّ عادت
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 201
و دنت من الماء، فلمّا رأت الشبكة جعلت تنظر إلیها و ترفع رأسها نحو السماء حتی فعلت ذلك مرارا. فما كان إلّا قلیل حتی ظهرت سحابة سترت الآفاق و أمطرت مطرا سالت منه المیاه فی الصحراء. فلمّا شاهدت تلك الحالة تركت الاصطیاد.

سمبتة

بلدة مشهورة من قواعد بلاد المغرب علی ساحل البحر فی برّ البربر. و هی ضاربة فی البحر داخلة فیه. قال أبو حامد الأندلسی: عندها الصخرة التی وصل إلیها موسی و فتاه یوشع، علیه السلام، فنسیا الحوت المشوی و كانا قد أكلا نصفه فأحیا اللّه تعالی النصف الآخر فاتّخذ سبیله فی البحر عجبا. و له نسل إلی الآن فی ذلك الموضع، و هی سمكة طولها أكثر من ذراع و عرضها شبر و أحد جانبیها صحیح، و الجانب الآخر شوك و عظام و غشاء رقیق علی أحشائها. و عینها واحدة و رأسها نصف رأس، فمن رآها من هذا الجانب استقذرها و یحسب أنّها مأكولة میتة، و الناس یتبرّكون بها و یهدونها إلی المحتشمین، و الیهود یقدّدونها و یحملونها إلی البلاد البعیدة للهدایا.

سجستان‌

ناحیة كبیرة واسعة تنسب إلی سجستان بن فارس. أرضها كلّها سبخة رملة، و الریاح فیها لا تسكن أبدا حتی بنوا علیها رحیّهم، و كلّ طحنهم من تلك الرحیّ. و هی بلاد حارة بها رحیّ علی الریح و نخل كثیر، و شدّة الریح تنقل الرمل من مكان إلی مكان، و لو لا أنّهم یحتالون فی ذلك لطمست علی المدن و القری.
و إذا أرادوا نقل الرمل من مكان إلی مكان من غیر أن یقع علی الأرض التی إلی جانب الرمل، جمعوا حول الرمل مثل الحائط من حطب و شوك و غیرهما، و فتحوا من أسفله بابا فتدخله الریح و تطیّر الرمل إلی أعلاه مثل الزوبعة، فیرتفع
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 202
و یقع علی مدّ البصر فی بعد من ذلك الموضع. و لا یصاد فی أرضهم قنفذ و لا سلحفاة لأن أرضهم كثیرة الأفاعی و انّها تقتل الأفعی. قال ابن الفقیه: لا یری بسجستان بیت إلّا و تحته قنفذ.
و أهلها من خیار الناس، قال محمّد بن بحر الذهبی: لم تزل سجستان مفردة بمحاسن لم تعرف لغیرها من البلدان، و ما فی الدنیا سوقة أصحّ معاملة و لا أكثر مجاملة منهم، ثمّ مسارعتهم إلی إغاثة اللهیف و مؤاساة الضعیف، و أمرهم بالمعروف و نهیهم عن المنكر ولو كان فیه جدع الأنوف، و أجلّ من هذا كلّه أنّهم امتنعوا علی بنی أمیّة أن یلعنوا علیّ بن أبی طالب علی منبرهم.
و من عادتهم أن لا تخرج المرأة من منزلها أبدا، فإن أرادت زیارة أهلها فباللیل.
ینسب إلیها رستم الشدید، كان بالغا فی الشجاعة و الفروسیّة إلی حدّ قال الفردوسی فی شاه نامه:
جهان آفرین تا جهان آفریدسواری جو رستم نیامد بدید
ذكر عنه أنّه كان یجعل الرمح فی قرنه و یرفعه من ظهر فرسه، و إذا كان فی ألف فارس یغلب ألفین: ألف فی مقابلة ألف، و ألف فی مقابلة رستم.

سخا

مدینة بأسفل مصر، و هی قصبة الكورة الغربیّة. فی جامعها حجر أسود علیه علامة: إذا أخرج من الجامع دخلت العصافیر إلیه، و إن أعید إلی الجامع خرجت عنه!

سدوم‌

قصبة قری قوم لوط. و هی بین الحجاز و الشام. كانت أحسن بلاد اللّه و أكثرها میاها و أشجارا و حبوبا و ثمارا، و الآن عبرة للناظرین. و تسمّی الأرض
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 203
المقلوبة لا زرع بها و لا ضرع و لا حشیش، و بقیت بقعة سوداء فرشت فیها حجارة، ذكر أنّها الحجارة التی أمطرت علیهم و علی عامتها كالطابع؛ قال أمیّة بن أبی الصلت:
ثمّ لوط أخو سدوم أتاهاإذ أتاها برشدها و هداها
راودوه عن ضیفه ثمّ قالوا:قد نهیناك أن تقیم قراها
عرض الشّیخ عند ذاك بنات‌كظباء بأجرع ترعاها
غضب القوم عند ذاك و قالوا:أیّها الشّیخ خطبة نأباها!
عزم القوم أمرهم و عجوزخیّب اللّه سعیها و رجاها
أرسل اللّه عند ذاك عذاباجعل الأرض سفلها أعلاها
و رماها بحاصب ثمّ طین‌ذی حروف مسوّم إذ رماها

سمنّود

بلدة قدیمة بنواحی مصر علی ضفّة النیل. كان بها بربا من إحدی العجائب؛ قال عمر الكندی: رأیت ذلك البربا و قد اتّخذه بعض العمّال مخزن القتّ، فرأیت الجمل إذا دنا من بابه و أراد دخوله سقط عنه كلّ دبیب علیه، و لم یدخل منه شی‌ء إلی البربا. و كان علی ذلك إلی أن خرب فی شهور، سنة خمسین و ثلاثمائة.

سنجل‌

قریة من نواحی فلسطین بین نابلس و طبریة، علی أربعة فراسخ من طبریة ممّا یلی دمشق. قال الاصطخری: كان منزل یعقوب، علیه السلام، بنابلس من أرض فلسطین، و الجبّ الذی ألقی فیه یوسف الصدیق، علیه السلام، بین نابلس و بین قریة یقال لها سنجل، و لم تزل تلك البئر مزارا للناس یتبرّكون بزیارتها و یشربون من مائها.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 204

سنون‌

قریة بأرض كرمان؛ قال صاحب تحفة الغرائب: بها حصار فی وسطها لا تری الفأر فیه أبدا، ولو حملت إلیها ماتت إذا أصابت أرضها!

سوبلّا

بلدة بأرض البربر قرب مراكش. أهلها من شرار البربر، و بربر من شرار الناس. ذكر أن أبا یعقوب بن یوسف ملك المغرب اجتاز بها، فخرج مشایخها إلیه للتلقّی و الخدمة، فلمّا رآهم قال: من أنتم؟ قالوا: مشایخ سوبلّا! فقال:
لا حاجة إلی الیمین، إنّا نعرفكم! فتعجّب الناس من سرعة جوابه كأنّهم قالوا:
نحن مشایخ سوء باللّه، و اللفظان واحد فی كلام المغاربة.

سیراف‌

مدینة شریفة طیّبة البقعة كثیرة البساتین، و العیون تأتیها من الجبال، واسعة البقعة و الدور. ینسب إلیها أبو الحسن السیرافی شارح كتاب سیبویه عشرین مجلّدا، كان فرید عصره.

سیرجان‌

قصبة بلاد كرمان، بلدة طیّبة كثیرة العلم حسنة الرسم، ذات بساتین و میاه كثیرة، أبهی من شیراز و أوسع و بینهما ثلاث مراحل یقال لهما القصران.
ماؤها عذب و هواؤها صحیح و أدیمها فسیح. بها دور عضد الدولة لم یوجد مثلها فی شی‌ء من البلاد.
و قد شقّ بها عمرو و طاهر ابنا اللیث بن طاهر الصفّار السجستانی قناتین.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 205
ماؤها یدور فی البلد و یدخل دورهم. بها الفانید و قصب السكر، و بها نخل كثیر، و لهم سنّة حسنة و هی أنّهم لا یرفعون من تمورهم شیئا أسقطته الریح و یتركونها للضعفاء، فربّما كثرت الریاح فی بعض الأوقات فیحصل للفقراء أكثر ممّا یحصل للملّاك. و الكمّون یحمل منها إلی الآفاق.

سیلون‌

من قری نابلس. بها مسجد السكینة و حجر المائدة. و یقال: ان سیلون كانت منزل یعقوب، علیه السلام، و ان إخوة یوسف، علیه السلام، أخرجوه منها لمّا أرادوا إلقاءه فی الجبّ، و الجبّ بقریة سنجل اتّخذه الناس مزارا.

الشام‌

هی من الفرات إلی العریش طولا، و من جبلی طیّ‌ء إلی بحر الروم عرضا؛ عن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم: الشام صفوة اللّه من بلاده و إلیها یجتبی صفوته من عباده.
عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص انّه قال: قسم الخیر عشرة أقسام، جعلت تسعة فی الشام و قسم فی سائر الأرض، و قسم الشرّ عشرة أعشار، جزء منها بالشام و الباقی فی جمیع الأرض.
و الشام هی الأرض المقدسة التی جعلها اللّه منزل الأنبیاء و مهبط الوحی و محلّ الأنبیاء و الأولیاء. هواؤها طیّب و ماؤها عذب و أهلها أحسن الناس خلقا و خلقا و زیّا و ریّا؛ قال البحتری:
عنیت بشرق الأرض قدما و غربهاأجوّب فی آفاقها و أسیرها
فلم أر مثل الشّام دار إقامةلراح أغادیها و كأس أدیرها
مصحّة أبدان و نزهة أعین‌و لهو نفوس دائم و سرورها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 206 مقدّسة جاد الرّبیع بلادهاففی كلّ أرض روضة و غدیرها
و من خواص الشام أن لا تخلو عن الأولیاء الأبدال الذین یرحم اللّه و یعفو بدعائهم، لا یزیدون علی السبعین و لا ینقصون عنها، كلّما مات واحد منهم قام من الناس بدله، و لا یسكنون إلّا جبل اللّكّام!
و من خواصها الطاءات الثلاث: الطعن و الطاعون و الطاعة. أمّا طاعونها فنعوذ باللّه منه، و أمّا طعنها فمشهور أن أجنادها شجعان، و أمّا طاعتها للسلطان فممّا یضرب به المثل حتی قیل: إنّما تمشّی الأمر لمعاویة لأنّه كان فی أطوع جند، و علیّ كان فی أعصی جند و هم أهل العراق!
و بالشام من أنواع الفواكه فی غایة الحسن و الطیب، و تفاحها كان یحمل إلی العراق لأجل الخلفاء. و كذلك الزیت الركابی فإنّه فی عایة الصفاء، و أهل الشام ینسبون إلی الجلافة و قلّة الفطنة!
حكی ابن أبی لیلی أنّه كان یسایر رجلا من وجوه أهل الشام، فمرّ بحمّال معه سلّة رمّان فأخذ منها رمّانة جعلها فی كمّه، فتعجبت من ذلك ثمّ رجعت إلی نفسی و كذبت بصری حتی مرّ بسائل فقیر، فأخرجها من كمّه و أعطاه، فعلمت أنی رأیتها و سألته عن ذلك، فقال: أما علمت أن الأخذ سیئة واحدة و الإعطاء عشر حسنات فكسبت تسعة؟
قال صاحب تحفة الغرائب: فی بادیة الشام شجرة إذا نظر الناظر إلیها رأی أوراقها كالسرج المشعولة، و كلّما كان اللیل أظلم كان الضوء أشدّ. و إذا هشّ الورق لا یری شی‌ء من الضوء.
و حكی عبد الرحمن القشیری أن امرأة شریك بن خباسة قالت: خرجنا مع عمر بن الخطّاب إلی الشام، فنزلنا موضعا یقال له القلیب، فذهب شریك لیستقی فوقعت دلوه فی البئر، فلم یقدر علی أخذها لزحمة الناس، فأخّر إلی اللیل و أبطأ، فأخبر عمر فأقام ثلاثا، فإذا شریك أقبل و معه ورقة خضراء فقال:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 207
یا أمیر المؤمنین، إنی وجدت فی القلیب سربا، فأتانی آت فأخرجنی إلی أرض لا تشبه أرضكم و بساتین لا تشبه بساتینكم، فتناولت منه شیئا فقال لی: لیس هذا أوان ذلك! فأخذت هذه الورقة فإذا هی یواریها الكفّ و یشتمل بها الرجل من شجرة التین. فدعا عمر كعب الأحبار و قال: هل وجدت فی شی‌ء من الكتب أن رجلا من أمّتنا یدخل الجنّة ثمّ یخرج؟ قال: نعم و إن كان أنبأتك به! فقال: هو فی القوم! فتأمّلهم ثمّ أشار إلیه، فجعل شعار بنی نمیر أخضر من ذلك الیوم.
بها جبل السّمّاق، و هو جبل عظیم من أعمال حلب، یشتمل علی مدن و قری أكثرها للاسماعیلیّة. و انّه منبت السمّاق و هو مكان طیّب نزه. من عجائبه أنّه ذو بساتین و مزارع كلّها عذی، فینبت جمیع الفواكه و الحبوب فی الحسن و الطراوة كالمسقویّ حتی المشمش و القطن و السمسم.
و حكی أن نور الدین صاحب الشام أنكر ملك الإسماعیلیّة فی وسط بلاده، فجاءه قاصدا أخذه، فلمّا نزل علیه فی لیلته الأولی أصبح فرأی عند رأسه رقعة و سكّینا، و كان فی الرقعة: إن لم ترحل اللیلة الآتیة تكون هذه السكین فی بطنك! فارتحل عنه.
و بها طور سینا بین الشام و وادی القریتین بقرب مدین، و قال بعضهم:
بقرب أیلة. كان علیه الخطاب الثانی لموسی، علیه السلام، عند خروجه من مصر ببنی إسرائیل. و كان موسی إذا جاءه ینزل علیه غمام فیدخل فی ذلك الغمام و یكلّمه ربّه، و هو الجبل الذی ذكره اللّه تعالی حیث قال: فلمّا تجلّی ربّه للجبل جعله دكّا و خرّ موسی صعقا.
و انّه لا یخلو من الصلحاء، و حجارته كیف كسرت خرج منها صورة شجر العلّیق.
طور هارون فی قبلیّ بیت المقدس، و إنّما سمّی طور هارون لأن موسی، علیه السلام، بعد قتل عبدة العجل أراد المضی إلی مناجاة ربّه، فقال له هارون،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 208
علیه السلام: احملنی معك فإنی لست آمن أن یحدث ببنی إسرائیل بعدك حدث، فتغضب علیّ مرّة أخری! فحمله معه، فلمّا كانا ببعض الطریق إذا هما برجلین یحفران قبرا، فوقفا علیهما و قالا: لمن تحفران هذا القبر؟ فقالا: لأشبه الناس بهذا الرجل! و أشارا إلی هارون ثمّ قالا له: بحقّ إلهك الا نزلت و أبصرت هل هو واسع؟ فنزع هارون ثیابه و دفعها إلی موسی و نزل و نام فیه، فقبض روحه من ساعته و انضمّ القبر! فانصرف موسی باكیا حزینا، فاتّهمه بنو إسرائیل بقتله، فدعا اللّه تعالی موسی حتی أراهم هارون فی فضاء علی رأس ذلك الجبل، ثمّ غاب عنهم فسمّی طور هارون.
و بها جبل لبنان و هو مطلّ علی حمص، به أنواع الفواكه و الزروع من غیر أن یزرعها أحد، یأوی إلیه الابدال لا یخلو عنهم أبدا لما فیه من القوت الحلال، و فی تفاحه أعجوبة و هی انّه یحمل إلی الشام و لیست له رائحة حتی یتوسّط نهر الثلج، فإذا توسّط النهر فاحت رائحته.
و بها نهر الذهب، یزعم أهل حلب انّه وادی بطنان، و من عجائبه ان أوّله یباع بالمیزان و آخره بالكیل. و معنی هذا الكلام أن أوّله یزرع علیه القطن و سائر الحبوب، و آخره و هو ما فضل من الزروع ینصبّ إلی بطیحة طولها فرسخان فی عرض مثله، فیجمد هناك و یصیر ملحا یمتار منه أكثر نواحی الشام فیباع كیلا.

شرشال‌

مدینة بالمغرب من أعمال بجایة علی ساحل البحر. حدّثنی الفقیه أبو الربیع سلیمان الملتانی أنّه رأی بها أربع أسطوانات مفرطة الطول: ثلاث منها قوائم، و الرابعة ساقطة، طول كلّ واحدة نحو خمسین ذراعا، و عرضها لا یحوطها باع رجلین. و انّها فی غایة الملاسة و الحسن و الهندام كأنّها جعلت فی الخرط، و علی كلّ أسطوانتین جائزة حجریّة أحد رأسیها علی هذه، و الأخری علی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 209
هذه، و قد هندمت الجائزة أیضا مربعة مفرطة الطول و الأسطوانات زرق، و الجوائز بیض و قد سقط بسقوط إحدی القوائم جائزتان و بقی علی القوائم الثلاث جائزتان، فلو اجتمع أهل زماننا علی إقامة الأسطوانة الساقطة و وضع الجائزتین الساقطتین علیهما، لا یمكنهم إلّا ان یشاء اللّه.
و قد اشتهر بین أهل تلك الدیار أنّها أثر قصر بناه بعض الملوك لابن له، و قد حكم المنجّمون انّه تصیبه لذعة من عقرب یخاف منها علیه التلف، فبنی هذا القصر من الحجر لئلّا یتولّد العقرب فیه لحجریته، و لا یصعد إلیه لملاسة أسطواناته، فاتّفق انّه حمل إلی القصر سلّة عنب كان فیها عقرب، فهمّ ابن الملك أن یتناول العنب من السلّة فلذعته و مات منها.

شطا

من بلاد مصر تنسب إلیها الثیاب الشّطویة. قال الحسن بن محمّد المهلّبی:
هی علی صفة البحر بقرب دمیاط، یعمل بها الشرب الرفیع الذی تبلغ قیمة الثوب منه ثلاثمائة درهم و لا ذهب فیه.

شعب بوّان‌

أرض بفارس بین ارجان و النوبندجان. و هی أحد متنزهات الدنیا المعروفة بالحسن و الطیب و النزاهة و كثرة الأشجار و تدفّق المیاه و أنواع الأطیار.
قالوا: جنان الدنیا أربع: صغد سمرقند و غوطة دمشق و شعب بوّان و نهر الأبلّة. و قال أحمد بن محمّد الهمذانی: من النوبندجان إلی ارجان ستّة و عشرون فرسخا، بینهما شعب بوّان.
و من حسنها أن جمیع أشجار الفواكه نابتة علی الصخر، و قد أجاد المتنبی فی وصفه حین ذهب إلی عضد الدولة فقال:
مغانی الشّعب طیبا فی المغانی‌بمنزلة الرّبیع من الزّمان!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 210 و لكنّ الفتی العربیّ فیهاغریب الوجه و الید و اللّسان
ملاعب جنّة لو سار فیهاسلیمان لسار بترجمان
طبت فرساننا و الخیل حتی‌خشیت و إن كرمن من الحران
غدونا تنفض الأغصان فیه‌علی أعرافها مثل الجمان
فسرت و قد حجبن الحرّ عنی‌و جئن من الضّیاء بما كفانی
و ألقی الشّرق منها فی ثیابی‌دنانیرا تفرّ من البنان
لها ثمر یسیر إلیك منه‌بأشربة و قفن بلا أوان
و أمواه یصلّ بها حصاهاصلیل الحلی فی أیدی الغوانی
منازل لم یزل منها خیال‌یشیّعنی إلی النّوبندجان
إذا غنّی الحمام الورق فیهاأجابته أغانیّ القیان
و ما بالشّعب أحوج من حمام‌إذا غنّی و ناح إلی البیان
و قد یتقارب الوصفان جدّاو موصوفاهما متباعدان
یقول بشعب بوّان حصانی‌أعن هذا یسار إلی الطّعان؟
أبوكم آدم سنّ المعاصی‌و علّمكم مفارقة الجنان

شیراز

مدینة صحیحة الهواء عذبة الماء كثیرة الخیرات، وافرة الغلّات، قصبة بلاد فارس. سمّیت بشیراز بن طهمورث، و أحكم بناءها سلطان الدولة كالیجار بن بویه. زعموا أن من أقام بشیراز سنة یطیب عیشه من غیر سبب یعرفه.
من عجائبها شجرة تفّاح، نصف تفاحها فی غایة الحلاوة و نصفها حامض فی غایة الحموضة.
و بها القشمش منها یحمل إلی سائر البلاد، و بها أنواع الادهان الریحانیّة:
كدهن الورد و البنفسج و النیلوفر و الیاسمین، و أنواع الأشربة الریحانیّة، كان فی قدیم الزمان یتّخذ بها الأكاسرة. و لأهلها ید باسطة فی صنعة ثیاب الحریر
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 211
و الوقایات الرقاع، و كذلك فی عمل السكاكین و النصول و الأقفال الجیّدة تحمل منها إلی سائر البلاد، و بقربها دشت الأرزن الذی یقول فیه المتنبی:
سقیا لدشت الأرزن الطّوال! به من الصید ما لا یعدّ و لا یحصی. كان متصیّد عضد الدولة. و من خواصّه انّه ینبت عصیّا صلبة الخشب ارزنیة لا توجد تلك الخشبة إلّا بها، و هی مشهورة تسمّی خشبة الأرزن.
ینسب إلیها قاضیها أبو العبّاس أحمد بن سریج، أحد المجتهدین علی مذهب الإمام الشافعی، یقال له البازی الأشهب، مصنّفاته تزید علی أربعمائة، ینصر مذهب الشافعی، و كان یناظر أبا بكر محمّد بن داود فقال له أبو بكر: بلّعنی ریقی! فقال له: ابلعتك دجلة! و قال له یوما آخر: امهلنی ساعة! فقال:
أمهلتك إلی قیام الساعة! و قال له یوما: أكلّمك من الرّجل و تجیبنی من الرأس! فقال: هكذا البقر إذا حفیت أظلافها دهن قرنها! و ذكر الولید بن حسّان قال:
كنّا فی مجلس القاضی أبی العبّاس أحمد بن سریج، فقام إلیه رجل من أهل العلم و قال: ابشر أیّها القاضی! فإن اللّه تعالی یبعث علی رأس كلّ مائة من یجدّد دینه، و ان اللّه قد بعث علی رأس المائة عمر بن عبد العزیز، و علی رأس المائتین محمّد بن إدریس الشافعی، و بعثت علی رأس الثلاثمائة، و أنشأ یقول:
اثنان قد مضیا فبورك فیهما:عمر الخلیفة ثمّ نجل السؤدد
و الشّافعیّ الألمعیّ محمّدإرث النّبوّة و ابن عمّ محمّد
ابشر أبا العبّاس! إنّك ثالث‌من بعدهم، سقیا لتربة أحمد
و حكی أن أبا العبّاس أحمد بن سریج رأی فی مرض موته كأنّ القیامة قد قامت، و إذا الجبّار سبحانه یقول: أین العلماء؟ فجاؤوا بهم. فقال: ماذا عملتم بما علمتم؟ فقالوا: یا ربّ قصّرنا و أسأنا! فأعاد السؤال مرّة أخری كأنّه
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 212
أراد جوابا آخر فقلت: یا ربّ أمّا أنا فلیس صحیفتی الشرك، و قد وعدت أن تغفر ما دونها! فقال: اذهبوا فقد غفرت لكم! و فارق الدنیا بعد ذلك بثلاثة أیّام.
و ینسب إلیها أبو نصر بن أبی عبد اللّه الخیّاط، كان فقیها أصولیّا أدیبا مناظرا، أخذ العلم من أبیه و له مصنّفات كثیرة، و أخذ الفقه منه أهل شیراز، و هو الذی یقول فی كتاب المزنی:
هذا الذی كنت أطویه و أنشره‌حتی بلغت به ما كنت آمله
فدم علیه و جانب من یجانبه‌فالعلم أنفس شی‌ء أنت حامله
و حكی أنّه أو أباه استدلّ یوما فی مسألة، فأعجب الحاضرین كلامه فقالوا للقاضی أبی سعید بشر بن الحسین الداودی قاضی القضاة بفارس و العراق و جمیع أعمال عضد الدولة: هذا الكلام لا یجاب عنه حتی یلج الجمل فی سمّ الخیاط، فقال القاضی:
و حتّی یؤوب القارظان كلاهماو ینشر فی القتلی كلیب لوائل
و ینسب إلیها أبو عبد اللّه محمّد بن خفیف، شیخ وقته و أوحد زمانه، قال:
دخلت بغداد و فی رأسی نخوة الصوفیة، ما أكلت أربعین یوما و لا دخلت علی الجنید! و كنت علی عزم الحجّ، فلمّا وصلت إلی زبالة رأیت ظبیة تشرب من بئر، و كنت عطشان، فمشیت إلیها فولّت الظبیة و رأیت الماء فی أسفل البئر فقلت: یا ربّ ما لی محلّ هذه الظبیة؟ فنودیت من خلفی: جرّبناك ما تصبر، ارجع خذ الماء! فلمّا رجعت رأیت البئر ملآنة، فأخذت منه و شربت و توضّأت فسمعت هاتفا یقول: إن الظبیة جاءت بلا دلو و لا حبل و أنت جئت بالدّلو و الحبل! فلمّا رجعت إلی بغداد قال لی الجنید: لو صبرت لنبع الماء من تحت رجلیك.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 213

الصّعید

ناحیة بمصر فی جنوبی الفسطاط. یكتنفها جبلان و النیل یجری بینهما.
و المدن و القری شارعة علی النیل من جانبیه، و الجنان علیه مشرفة، و الریاض بجوانبه محدقة، أشبه شی‌ء بما بین واسط و البصرة من أرض العراق.
و بالصعید آثار قدیمة: منها أن فی جبالها مغاور مملوءة من الموتی، الناس و الطیور و السنانیر و الكلاب جمیعهم مكفّنون بأكفان غلیظة من الكتّان، شبیهة بالاعدال التی یجلب منها القماش من مصر، و الكفن علی هیئة قماط المولود ملفوف علی المیت، و علیه أدویة لا تبلی، فإذا حللت الكفن عن الحیوان تجده لم یتغیّر منه شی‌ء؛ قال الهروی: رأیت جویریة أخذوا كفنها و فی یدها و رجلها أثر خضاب الحنّاء.
و بلغنی أن أهل الصعید إذا حفروا الآبار فربّما وجدوا قبورا منقورة فی الحجارة كالحوض مغطاة بحجر آخر، فإذا كشف عنه یضربه الهواء فیتبدّد بعد ان كان قطعة واحدة، و یزعمون ان المومیاء المصری یوجد من رؤوس هؤلاء الموتی و هو أجود من المعدنی الفارسی، و بها حجارة كأنّها الدنانیر المضروبة كأنّها رباعیاتّ علیها كالسكة، و هی كبیرة جدّا، یزعمون أنّها دنانیر فرعون و قومه التی مسخها اللّه تعالی بدعاء موسی، علیه السلام: ربّنا اطمس علی أموالهم.

صفت‌

قریة من حوف مصر قرب بلبیس؛ قال الهروی: بها بیعت بقرة بنی إسرائیل التی أمر اللّه تعالی بذبحها لظهور القاتل. و فیها قبّة موجودة إلی الآن تعرف بقبّة البقرة یزورها الناس.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 214

صفّین‌

قریة قدیمة البوار من بناء الروم، بقرب الرقّة علی شاطی‌ء الفرات من الجانب الغربی، و ما یلیها غیضة ملتفّة ذات بزور طولها نحو فرسخین، و لیس فی ذینك الفرسخین طریق إلی الماء إلّا طریق واحد مفروش بالحجارة، و سائر ذلك عزب و خلاف ملتفّة.
و لمّا سمع معاویة أن علیّا عبر الفرات بعث إلی ذلك الطریق أبا الأعور فی عشرة آلاف لیمنع أصحاب علیّ من الماء، فبعث علیّ صعصعة بن صوحان فقال: إنّا سرنا إلیكم لنعذر إلیكم قبل القتال، فإن أتیتم كانت العاقبة أحبّ إلینا! و أراك قد حلت بیننا و بین الماء، فإن كان أعجب إلیك أن ندع ما جئنا له تقتتلون علی الماء حتی یكون الغالب هو الشارب فعلنا. فقال معاویة لصعصعة:
ستأتیكم رایتی. فرجع إلی علیّ و أخبره بذلك، فغمّ علیّ غمّا شدیدا لما أصاب الناس فی یومهم و لیلتهم من العطش.
فلمّا أصبحوا ذهب الأشعث بن قیس و الأشتر بن الأشجع، و نحّیا أبا الأعور عن الشریعة حتی صارت فی أیدیهم، فأمر علیّ أن لا یمنع أحد من أهل الشام عن الماء، فكانوا یسقون منه و یختلط بعضهم ببعض، و كان ذلك سنة سبع و ثلاثین غرّة صفر.
و كان علیّ فی مائة و عشرین ألفا، و معاویة فی تسعین ألفا. و قتل من الجانبین سبعون ألفا: من أصحاب علیّ خمسة و عشرون ألفا، و من أصحاب معاویة خمسة و أربعون ألفا. و فی قوم علیّ قتل خمسة و عشرون صحابیّا بدریّا منهم عمّار بن یاسر. و كانت مدّة المقام بصفّین مائة یوم و عشرة أیّام، و كانت الوقائع تسعین وقعة، و كانت الصحابة متوقّفین فی هذا الأمر لأنّهم كانوا یرون علیّا و علوّ شأنه، و یرون قمیص عثمان علی الرمح و معاویة یقول: أرید دم ابن عمّی! إلی أن قتل عمّار بن یاسر و الصحابة سمعوا أن النبیّ قال له: تقتلك
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 215
الفئة الباغیة! فعند ذلك ظهر للناس بغی معاویة، فبذل قوم علیّ جهدهم فی القتال حتی ضیّقوا علی قوم معاویة، فعند ذلك رفعوا المصاحف و قالوا: رضینا بكتاب اللّه! فامتنع قوم علیّ عن القتال. فقال علیّ: كلمة حقّ أرید به باطل! فما وافقوا، فقال علیّ عند ذلك: لا رأی لغیر مطاع! فآل الأمر إلی الحكمین، و القصّة مشهورة.

صقلّیّة

جزیرة عظیمة من جزائر أهل المغرب مقابلة لا فریقیة. و هی مثلثة الشكل بین كلّ زاویة و الأخری مسیرة سبعة أیّام. و هی حصینة كثیرة البلدان و القری، كثیرة المواشی جدّا من الخیل و البغال و الحمیر و البقر و الغنم و الحیوانات الوحشیّة.
و من فضلها أن لیس بها عاد بناب أو برثن أو إبرة، و بها معدن الذهب و الفضّة و النحاس و الرصاص و الحدید، و كذلك معدن الشبّ و الكحل و الزاج و معدن النوشاذر، و معدن الزئبق. و بها المیاه و الأشجار و المزارع و أنواع الفواكه علی اختلاف أنواعها، لا تنقطع شتاء و لا صیفا.
و أرضها تنبت الزعفران. و كانت قلیلة العمارة خاملة الذكر إلی أن فتح المسلمون بلاد افریقیة، فهرب أهل افریقیة إلیها و عمروها حتی فتحت فی أیّام بنی الأغلب فی ولایة المأمون، فبقیت فی ید المسلمین مدّة، ثمّ ظهر علیها الكفّار و هی الآن فی أیدیهم.
و بهذه الجزیرة جبال شامخة و عیون غزیرة و أنهار جاریة و نزهة عجیبة، و قال ابن حمدیس و هو یشتاق إلیها:
ذكرت صقلّیّة و الهوی‌یهیّج للنّفس تذكارها
فإن كنت أخرجت من جنّةفإنی أحدّث أخبارها
ذكر أن دورها مسیرة ستّة عشر یوما، و قطرها مسیرة خمسة أیّام،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 216
و هی مملوءة من الخیرات و المیاه و الأشجار و المزارع و الفواكه. بها جبل یقال له قصر یانه و هو من عجائب الدنیا. علی هذا الجبل مدینة عظیمة شامخة، و حولها مزارع و بساتین كثیرة، و هی شاهقة فی الهواء، و كلّ ذلك یحویه باب المدینة.
لا طریق إلیها إلّا بذلك الباب، و الأنهار تنفجر من أعلاها.
و بها جبل النار، ذكر أبو علیّ الحسن بن یحیی أنّه جبل مطلّ علی البحر، دورته ثلاثة أیّام بقرب طبرمین، فیه أشجار كثیرة و أكثرها البندق و الصنوبر و الارزن، و فیه أصناف الثمار، و فی أعلاه منافس النار یخرج منه النار و الدخان، و ربّما سالت النار منه إلی جهة تحرق كلّ ما مرّت به، و تجعل الأرض مثل خبث الحدید لا تنبت شیئا و لا تمرّ الدابّة بها، و یسمیّه الناس الاخباث. و فی أعلی هذا الجبل السحاب و الثلوج و الأمطار دائمة، لا تكاد تقلع عنه فی صیف و لا شتاء، و الثلج لا یفارق أعلاه فی الصیف. و أمّا فی الشتاء فیعمّ الثلج أوّله و آخره.
و زعمت الروم أن كثیرا من الحكماء یرحلون إلی جزیرة صقلیة للنظر إلی عجائب هذا الجبل و اجتماع النار و الثلج فیه، فتری باللیل نار عظیمة تشعل علی قلّته، و بالنهار دخان عظیم لا یستطیع أحد الدنو إلیها، فإن اقتبس منها طفئت إذا فارقت موضعها.
و بها البركان العظیم؛ قال أحمد بن عمر العذری: لیس فی الدنیا بركان أشنع منه منظرا و لا أعجب مخبرا! فإذا هبّت الریح سمع له دویّ عظیم كالرعد القاصف، و یقطع من هذا البركان الكبریت الذی لا یوجد مثله.
و قال أیضا: بها آبار ثلاث یخرج منها من أوّل الربیع إلی آخره زیت النفط، فینزل فی هذه الآبار علی درج و یتقنّع النازل و یسدّ منخره، فإن تنفّس فی أسفلها هلك من ساعته، یغترف ماءها و یجعله فی اجّانات، فما كان نفطا علا فیجمع و یجعل فی القواریر.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 217

صور

مدینة مشهورة علی طرف بحر الشام، استدار حائطها علی مبناها استدارة عجیبة، بها قنطرة من عجائب الدنیا و هی من أحد الطرفین إلی الآخر علی قوس واحد. لیس فی جمیع البلاد قنطرة أعظم منها. و مثلها قنطرة طلیطلة بالأندلس إلّا أنّها دون قنطرة صور فی العظم، ینسب إلیها الدنانیر الصوریة التی یتعامل علیها أهل الشام و العراق.

طبرستان‌

ناحیة بین العراق و خراسان بقرب بحر الخزر ذات مدن و قری كثیرة.
من مفاخرها القاضی أبو الطیّب طاهر بن عبد اللّه الطبری، أستاذ الشیخ أبی إسحق الشیرازی. و القاضی أبو الطیب عاش مائة سنة و لم یختل منه عقله و لا فهمه، و كان یفتی إلی آخر عمره و یقضی بین الناس و یناظر الفقهاء. و له مصنّفات كثیرة فی الفقه و الأصول، منها تعلیقة الطبری مائة مجلّد ثمّ كتاب فی مذهب الشافعی؛ قال الشیخ أبو إسحق الشیرازی صاحب المهذب: لازمت حلقة درسه بضع عشرة سنة، رتبنی فی حلقته و سألنی أن أجلس فی مجلس التدریس ففعلت ذلك. و انّه ولّی القضاء بكرخ، و كان رأی النبیّ، علیه السلام، فی المنام فقال له: یا فقیه! ففرح بذلك فرحا شدیدا. یقول: سمّانی رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، فقیها. مات سنة خمس و أربعمائة ببغداد عن مائة سنة و سنتین، و صلّی علیه الخلیفة أبو الحسن المهتدی.

طبریّة

مدینة بقرب دمشق بینهما ثلاثة أیّام، مطلّة علی بحیرة معروفة ببحیرة طبریة، و جبل الطور مطلّ علیها. و هی مستطیلة علی البحر نحو فرسخ. بناها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 218
ملك من ملوك الروم اسمه طباری.
بها عیون جاریة حارّة بنیت علیها حمّامات لا تحتاج إلی الوقود، و هی ثمانیة حمّامات؛ قال أبو بكر بن علیّ الهروی: أمّا حمّامات طبریة التی قالوا إنها من عجائب الدنیا فلیست التی علی باب طبریة إلی جانب بحیرتها، فإن مثل هذه كثیرة، و التی هی من عجائب الدنیا فی موضع من أعمال طبریة یقال له الحسنیة، و هی عمارة قدیمة یقال انّها من بناء سلیمان بن داود، علیه السلام. و هو هیكل یخرج الماء من صدره، و قد كان یخرج من اثنتی عشرة عینا، كلّ عین مخصوصة بمرض إذا اغتسل فیها صاحب هذا المرض عوفی بإذن اللّه تعالی، و الماء شدید الحرارة جدّا، عذب صاف طیّب الرائحة یقصده المرضی یستشفون به. و بینها و بین بیسان حمّة سلیمان، علیه السلام، یزعمون أنّها نافعة لكلّ داء.
و بها بحیرة عشرة أمیال فی ستّة أمیال غؤوها علامة خروج الدجّال. و هی كبركة أحاطت بها الجبال ینصبّ إلیها فضلات أنهار تأتی من حمّة بانیاس.
و بها معدن المرجان. و حولها قری كثیرة كبیرة، و تخیّل فی وسط هذه البحیرة صخرة منقورة طبقت بصخرة أخری، تظهر للناظرین من بعید، یزعم أهل النواحی انّها قبر سلیمان، علیه السلام. و بطبریة قبر لقمان الحكیم، علیه السلام، من زاره أربعین یوما یظهر منه الحكمة.
و بها عقارب قتّالة كعقارب الاهواز. و قال صاحب تحفة الغرائب: بطبریة نهر عظیم، و الماء الذی یجری فیه نصفه حارّ و نصفه بارد، و لا یمتزج أحدهما بالآخر. فإذا أخذ من النهر فی إناء یبقی خارج النهر باردا.
و بأرض طبریة موضع به سبع عیون، ینبع الماء منه سبع سنین متوالیات و ییبس سبع سنین متوالیات.
ینسب إلیها سلیمان بن أحمد بن یوسف الطبرانی، أحد الأئمة المعروفین و الحفّاظ المكثرین و المشایخ المعمّرین، من تصانیفه المعجم الكبیر فی أسماء الصحابة، لم یصنّف مثله. ذكر أبو الحسن أحمد بن فارس صاحب المجمل
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 219
قال: سمعت الأستاذ ابن العمید وزیر آل بویه یقول: كنت أظنّ لا حلاوة فی الدنیا فوق الرئاسة حتی شاهدت مذاكرة سلیمان الطبرانی و أبی بكر الجعابی، فكان الطبرانی یغلب الجعابی بكثرة حفظه، و الجعابی یغلب الطبرانی بزیادة فطنته، حتی ارتفعت أصواتهما و لا یكاد یغلب أحدهما الآخر، إلی أن قال الجعابی:
عندی حدیث لیس عند أحد! فقال الطبرانی: هاته! فقال: حدّثنی أبو خلیفة قال: حدّثنا سلیمان بن أیّوب. و ذكر الحدیث فقال الطبرانی: أنا سلیمان بن أیّوب و منی سمع أبو خلیفة فاسمعه منی حتی یعلو اسنادك! فخجل الجعابی؛ قال ابن العمید: فوددت أن الوزارة للطبرانی و انا الطبرانی و فرحت له كما فرح هو.
قیل: ان الطبرانی ورد أصفهان و أقام بها سبعین سنة، و توفی سنة ستّین و مائتین عن مائة سنة.

طرسوس‌

مدینة بین انطاكیة و حلب. مدینة جلیلة سمّیت بطرسوس بن الروم بن الیقن بن سام بن نوح، علیه السلام؛ قالوا: لمّا وصل الرشید إلیها جدّد عماراتها و شقّ نهرها. و لها سور و خندق.
قال محمّد بن أحمد الهمذانی: لم تزل طرسوس موطن الزّهّاد و الصالحین لأنّها كانت بین ثغور المسلمین، إلی أن قصدها فغفور ملك الروم سنة أربع و خمسین و ثلاثمائة فی عسكر عظیم، و كان فیها رجل من قبل سیف الدولة یقال له ابن الزیات عجز عن مقاومة الروم، سلّم إلیهم علی الأمان علی شرط أن من خرج منها متاعه لم یتعرّض، و من أراد المقام مع اداء الجزیة فعل. فلمّا دخل الكفّار المدینة خرّبوا مساجدها، و أخذوا من السلاح و الأموال ما كان جمع فیها من أیّام بنی أمیّة، و أخذ كلّ واحد من النصاری دار رجل من المسلمین، و لم یطلق لصاحبها إلّا حمل الخفّ، و احتوی علی جمیع ما فیها، و تقاعد
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 220
بالمسلمین أمهات أولادهم. فمنهن من منعت الرجل ولده و اتّصلت بأهلها فیأتی الرجل إلی معسكر الروم و یودع ولده باكیا، و لم تزل طرسوس فی أیدیهم إلی هذه الغایة.
بها موضع زعموا أنّه من حمی الجنّ، نزل به المأمون لمّا غزا الروم.
و كان هناك عین ماؤها فی غایة الصفاء، و كان المأمون جالسا علی طرفها فرأی فی الماء سمكة مقدار ذراع فأمر بإخراجها، فأخرجوها فإذا هی سمكة فی غایة الحسن بیضاء مثل الفضّة، فوثبت و عادت إلی الماء فوقعت رشاشات الماء علی ثیاب المأمون، فغضب و أمر بإخراجها مرّة أخری فأخرجوها و المأمون ینظر إلیها و یقول: الساعة نشویك! ثمّ أمر بشیّها فأتی المأمون علی المكان قشعریرة، فأتی صاحب طبخه بالسمكة مشویة و هو لم یقدر علی تناول شی‌ء منها، و اشتدّ الأمر به حتی مات. قال الشاعر:
هل رأیت النّجوم أغنت عن المأمون فی عزّ ملكه المأسوس
غادروه بعرصتی طرسوس‌مثل ما غادروا أباه بطوس

العبّاسة

بلیدة بأرض مصر فی غایة الحسن و الطیب، سمّیت بعبّاسة بنت أحمد بن طولون، كان خمارویه زوّج ابنته من المعتضد باللّه، و انّه خرج بها من مصر إلی العراق فعملت عباسة فی هذا الموضع قصرا، و برزت إلیه لوداع بنت أخیها قطر الندی، ثمّ زیدت فی عمارته حتی صارت بلیدة طیّبة كثیرة المیاه و الأشجار من متنزّهات مصر.
و بها مستنقع یأوی إلیه من الطیر ما لم یر فی شی‌ء من المواضع غیرها، و الصید بها كثیر جدّا. و كان الملك الكامل یكثر الخروج إلیها للتنزّه و الصید.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 221

العریش‌

مدینة جلیلة من أعمال مصر. هواؤها صحیح طیّب و ماؤها عذب حلو.
قیل: ان اخوة یوسف، علیه السلام، لمّا قصدوا مصر فی القحط لامتیار الطعام، فلمّا وصلوا إلی موضع العریش، و كان لیوسف، علیه السلام، حرّاس علی أطراف البلاد من جمیع نواحیها، فسكنوا هناك و كتب صاحب الحرس إلی یوسف: ان أولاد یعقوب الكنعانی قد وردوا یریدون البلد للقحط الذی أصابهم، فإلی أن أذن لهم عملوا عریشا یستظلّون به فسمّی الموضع العریش. فكتب یوسف، علیه السلام، یأذن لهم، فدخلوا مصر، و كان من قصّتهم ما ذكره اللّه تعالی.
و بها من الطیر الجوارح و المأكول و الصید شی‌ء كثیر، و الرمان العریشی یحمل إلی سائر البلدان لحسنه، و بها أصناف كثیرة من التمر.
و غدر دهقانها یضرب به المثل. یقال: أغدر من دهقان العریش! و ذاك أن علیّا لمّا سمع أن معاویة بعث سرایاه إلی مصر و قتل بها محمّد بن أبی بكر، ولّی الأشتر النخعی مصر و أنفذه إلیها فی جیش كثیف، فبلغ معاویة ذلك فدسّ إلی دهقان كان بالعریش و قال: احتل بالسمّ فی الأشتر، فإنی أترك خراجك عشرین سنة! فلمّا نزل الأشتر العریش سأل الدهقان: أیّ طعام أعجب إلیه؟
قالوا: العسل! فأهدی إلیه عسلا، و كان الأشتر صائما فتناول منه شربة فما استقرّ فی جوفه حتی تلف، فأتی من كان معه علی الدهقان و أصحابه و أفنوهم.

عزاز

بلیدة بقرب حلب، لها قهندز و رستاق، و هی طیّبة الهواء عذبة الماء صحیحة التربة.
من عجائبها أنّه لا یوجد بها عقرب أصلا، و ترابها إذا ذرّ علی العقرب ماتت، و لیس بها شی‌ء من الهوام أصلا.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 222

عسقلان‌

مدینة علی ساحل بحر الشام من أعمال فلسطین، كان یقال لها عروس الشام لحسنها. قال رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم: أبشركم بالعروسین، غزّة و عسقلان! افتتحت فی أیّام عمر بن الخطّاب علی ید معاویة بن أبی سفیان، و لم تزل فی ید المسلمین إلی أن استولی الفرنج علیها سنة ثمان و أربعین و خمسمائة.
حكی بعض التجّار أن الفرنج اتّخذوا مركبا علوه قدر سور عسقلان، و شحنوه رجالا و سلاحا و اجروه حتی لصق بسور عسقلان، و وثبوا منه علی السور و ملكوها قهرا، و بقیت فی یدهم خمسا و ثلاثین سنة إلی أن استنقذها صلاح الدین یوسف بن أیّوب، ثمّ عاد الفرنج و فتحوا عكّة و ساروا نحو عسقلان، فخشی أن یتمّ علیها ما تمّ علی عكّة فخرّبها فی سنة سبع و ثمانین و خمسمائة.
بها مشهد رأس الحسین، علیه السلام، و هو مشهد عظیم مبنی بأعمدة الرخام. و فیه ضریح الرأس و الناس یتبرّكون به، و هو مقصود من جمیع النواحی و له نذر كثیر.

عسكر مكرم‌

مدینة مشهورة بأرض الاهواز، بناها مكرم بن معاویة بن الحرث بن تمیم، و كانت قریة قدیمة، بعث الحجّاج مكرم بن معاویة لقتال خورزاد لما عصی و تحصّن بقلعة هناك، فنزل مكرم هناك و طال حصاره فلم یزل یزید بناء حتی صارت مدینة.
بها عقارب جرارات عظیمة یعالج بلذعها المفلوجون؛ حكی الفقیه عبد الوهّاب بن محمّد العسكری أن مفلوجا من أصفهان حمل إلی عسكر مكرم لیعالج بلذع العقارب، فطرح علی باب خان من الجانب الشرقی، و قد فزعت
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 223
و هجرت لكثرة ما بها من الجرارات، فرأیت العلیل طریحا بها لا یمكنه أن ینقلب من جنب إلی جنب و لا أن یتكلّم، فبات بها لیلة، فلمّا كان من الغد وجدوه جالسا یتكلّم فصیحا و قام و مشی. فقال له الطبیب: انتقل الآن من هذا المكان، فإنّه لذعتك واحدة ابرأتك و قام بحرارتها برد الفالج، فإن لذعتك أخری تقتلك! فانتقل من هذا الموضع و صلح حاله.

عكّة

مدینة علی ساحل بحر الشام من عمل الأردن، من أحسن بلاد الساحل فی أیّامنا و أعمرها، و فی الحدیث: طوبی لمن رأی عكّة! قال البشّاری: عكّة مدینة حصینة علی البحر كبیرة، لم تكن علی هذه الحصانة حتی قدمها ابن طولون و قد رأی مدینة صور و استدارة الحائط علی مبناها، فأحبّ أن یتّخذ لعكّة مثل ذلك، فجمع صنّاع البلاد فقالوا: لا نهتدی إلی البناء فی الماء، حتی ذكر عنده جدّی أبو بكر البنّاء، فأحضره و عرض علیه فاستهان ذلك و أمر بإحضار فلق من خشب الجمّیز غلیظة، نصبها علی وجه الماء بقدر الحصن البری، و بنی علیها الحجارة و الشید، و جعل كلّما بنی علیها خمس دوامس ربطها بأعمدة غلاظ لیشتدّ البناء، و الفلق كلّما ثقلت نزلت حتی إذا علم أنّها استقرّت علی الرمل تركها حولا حتی أخذت قرارها، ثمّ عاد فبنی علیها، و كلّما بلغ البناء إلی الحائط الذی قبله داخله فیه. و قد ترك لها بابا و جعل علیه قنطرة. فالمراكب فی كلّ لیلة تدخل المیناء و تجرّ سلسلة بینها و بین البحر الأعظم مثل مدینة صور، فدفع ابن طولون إلیه ألف دینار سوی الخلع و المراكب و اسمه مكتوب علی السور. و لم تزل فی أیدی المسلمین حتی أخذها الفرنج فی سنة سبع و تسعین و أربعمائة، و كان علیها زهر الدولة الجیوشی من قبل المصریّین، فقاتل أهل عكّة حتی عجزوا. فأخذها الفرنج قهرا و قتلوا و سلبوا و لم تزل فی أیدیهم إلی زمن صلاح الدین، فافتتحها سنة ثلاث و ثمانین و خمسمائة، و شحنها بالسلاح
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 224
و الرجال و المیرة، فعاد الفرنج و نزلوا علیها فأتاهم صلاح الدین و أزاحهم عنها، و قاتل الفرنج أشدّ القتال، و قتل خلق كثیر حول عكّة و ثارت روائح الجیف و تأذی المسلمون منها و ظهرت فیهم الأمراض، و مرض صلاح الدین أیضا فأمر الأطبّاء بمفارقة ذلك الموضع ففارقه، فجاء الفرنج و تمكّنوا من حوالی عكّة و خندقوا دونهم، فكان الفرنج محیطین بالمدینة و الخندق محیطا بالفرنج، فعادوهم صلاح الدین و أقام حذاءهم ثلاث سنین حتی استعادها الفرنج سنة سبع و ثمانین و خمسمائة، و قتلوا فیها المسلمین و هی فی أیدیهم إلی الآن.
بها عین البقر و هی بقرب عكّة یزورها المسلمون و الیهود و النصاری، یقولون: إن البقر الذی ظهر لآدم، علیه السلام، فحرث علیه خرج منها، و علی العین مشهد منسوب إلی علیّ بن أبی طالب.

عین جارة

ضیعة من أعمال حلب، قال أبو علیّ التنوخی: إن بین عین جارة و بین الكوبة و هی قریة أخری حجرا قائما، فربّما وقع بین الضیعتین شرّ فیكید أهل الكوبة بأن یلقوا ذلك الحجر القائم، فكلّما وقع الحجر خرج نساء عین جارة ظاهرات متبرّجات لا یعقلن بأنفسهن فی طلب الرجال، و لا یستحین من غلبة الشهوة إلی أن یتبادر رجال عین جارة إلی الحجر یعیدونه إلی حاله، فعند ذلك یتراجع النساء إلی بیوتهن، و قد عاد إلیهن العقل و التمییز باستقباح ما كنّ علیه.
و هذه الضیع أقطعها سیف الدولة أحمد بن نصر البارّ، و كان أحمد یتحدّث بذلك، و كتب أیضا بخطّه.

عین الشّمس‌

مدینة كانت بمصر محل سریر فرعون موسی بالجانب الغربی من النیل، و الآن انطمست عمارات فرعون بالرمل و هی بقرب الفسطاط. قالوا: بها قدّت
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 225
زلیخا علی یوسف القمیص.
من عجائبها ما ذكر الحسن بن إبراهیم المصری أن بها عمودین مبنیّین علی وجه الأرض من غیر أساس، طول كلّ واحد منهما خمسون ذراعا، فیهما صورة إنسان علی دابّة و علی رأسها شبه الصومعتین من نحاس، فإذا جری النیل رشحتا و الماء یقطر منهما و لا تجاوزهما الشمس فی الانتهاء، فإذا نزلت أوّل دقیقة من الجدی و هو أقصر یوم فی السنة انتهت إلی العمود الجنوبی، و قطعت علی قبّة رأسه، فإذا نزلت أوّل دقیقة من السرطان و هو أطول یوم فی السنة انتهت إلی العمود الشمالی و قطعت علی قبّة رأسه، ثمّ تطرد بینهما ذاهبة و جائیة سائر السنة و یترشح منهما ماء و ینزل إلی أسفلهما فینبت العوسج و غیره من الشجر.
و من عجائب عین شمس أن یحمل منذ أوّل الإسلام حجارتها إلی غیرها من البلاد و ما تفنی.
و بها زرع البلسان و لیس فی جمیع الدنیا شجرته و یستخرج منها دهنه.
قال أبو حامد الاندلسی: بعین شمس تماثیل عملتها الجنّ لسلیمان، علیه السلام.
بها منارة من صخرة واحدة من رخام أحمر منقط بسواد، و مربعه أكثر من مائة ذراع، علی رأسها غشاء من النحاس، و الوجه الذی إلی مطلع الشمس من ذلك الغشاء فیه صورة آدمی علی سریر، و علی یمینه و شماله صورتان كأنّهما خادمان، و یترشّح من تحت ذلك الغشاء أبدا ماء علی تلك المنارة. ینبت الطحلب الأخضر علی موضع مسیله من تلك المنارة و ینزل مقدار عشرة أذرع، و لا یتعدّی ذلك القدر و لا ینقطع نهارا و لا لیلا. قال: و كنت أری لمعان الماء علی تلك الصخرة و أتعجّب من ذلك، فإنّه لیس بقرب تلك المدینة نهر و لا عین، و إنّما كان شربهم من الآبار، و اللّه أعلم بالأمور الخفیّة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 226

لغریّان‌

بناءان كالصومعتین كانا بأرض مصر، بناهما بعض الفراعنة و أمر كلّ من یمرّ بهما أن یصلّی لهما، و من لم یصلّ قتل. إلّا أنّه تقضی له حاجتان إلّا النجاة و الملك، و یعطی ما تمنّی فی الحال ثمّ یقتل! فأتی علی ذلك برهة، فأقبل قصّار من افریقیة معه حمار له و كدین، فمرّ بهما و لم یصلّ فأخذه الحرس و جرّوه إلی الملك فقال له الملك: ما منعك أن تصلّی؟ فقال: أیّها الملك انی رجل غریب من افریقیة، أحببت أن أكون فی ظلّك و أصیب فی كنفك خیرا، ولو عرفت لصلّیت لهما ألف ركعة! فقال له: تمنّ كلّ ما شئت غیر النجاة من القتل و الملك! فأقبل القصّار و أدبر و تضرّع و خضع فما أفاده شیئا، فلمّا أیس من الخلاص قال: أرید عشرة آلاف دینار و بریدا أمینا! فأحضر، فقال للبرید: أرید أن تحمل هذا إلی افریقیة و تسأل عن بیت فلان القصّار و تسلّمه إلی أهله! قال له: تمنّ الثانیة! قال: اضرب كلّ واحد منكم بهذا الكدین ثلاث ضربات، إحداها شدیدة و الثانیة وسطا و الثالثة دون ذلك! فمكث الملك طویلا ثمّ قال لجلسائه: ما ترون؟ قالوا: نری أن لا تقطع سنّة آبائك! قالوا: بمن تبدأ؟ قال: بالملك! فنزل الملك عن السریر و رفع القصّار الكدین و ضرب به قفاه، فأكبّه علی وجهه و غشی علی الملك ثمّ رجع نفسه إلیه و قال:
لیت شعری أی الضربات هذه؟ و اللّه إن كانت هیّنة و جاءت الوسطی لأموتنّ دون الشدیدة! ثمّ نظر إلی الحرس و قال: یا أولاد الزنا كیف تزعمون انّه لم یصلّ و انی رأیته صلّی؟ خلّوا سبیله و اهدموا الغریّین.
و بنی مثلهما المنذر بن امری‌ء القیس بن ماء السماء بالكوفة، و سیأتی ذكره فی موضعه إن شاء اللّه تعالی.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 227

غزّة

مدینة طیّبة بین الشام و مصر علی طرف رمال مصر، قال، صلّی اللّه علیه و سلّم: أبشركم بالعروسین غزّة و عسقلان. فتحها معاویة بن أبی سفیان فی أیّام عمر بن الخطّاب. و كفاها معجزا انّها مولد الإمام محمّد بن إدریس الشافعی.
ولد بها سنة خمسین و مائة. انّه كان یجعل اللیل اثلاثا: ثلثا لتحصیل العلم، و ثلثا للعبادة، و ثلثا للنوم. و قال الربیع: كان یختم فی رمضان ستّین ختمة كلّ ذلك فی الصلاة.
و حكی أن عامل الیمن كتب إلی الرشید: إن ههنا شابّا قرشیّا یمیل إلی العلویة و یتعصّب، فكتب الرشید إلیه: ابعثه إلیّ تحت الاستظهار. فحمل إلی الرشید.
حدّث الفضل بن الربیع و قال: أمرنی الرشید بإحضار الشافعی، و كان غضبان علیه، فأحضرته فدخل علیه و هو یقرأ شیئا. فلمّا رآه أكرمه و أمر له بعشرة آلاف درهم، فدخل خائفا و خرج آمنا. فقلت: یا أبا عبد اللّه أخبرنی بم كنت تقرأ عند دخولك؟ فقال: إنّها كلمات حدّثنی بها أنس بن مالك عن نافع عن عبد اللّه بن عمر عن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، انّه قرأها یوم الأحزاب؛ فقلت: اذكرها لی. فقال: «اللهمّ انی أعوذ بنور قدسك و عظمة طهارتك و بركة جلالك من كلّ آفة و عاهة و طارق الجنّ و الانس إلّا طارقا یطرق بخیر! اللهمّ أنت عیاذی فبك أعوذ، و أنت ملاذی فبك ألوذ! یا من ذلّت له رقاب الجبابرة و خضعت له مقالید الفراعنة، أعوذ بجلال وجهك و كرم جلالك من خزیك و كشف سترك، و نسیان ذكرك و الاضراب عن شكرك! إلهی أنا فی كنفك فی لیلی و نهاری و نومی و قراری و ظعنی و أسفاری، ذكرك شعاری و ثناؤك دثاری! لا إله إلّا أنت تنزیها لأسمائك و تكریما لسبحات وجهك الكریم! أجرنا یا ربّنا من خزیك و من شرّ عقابك، و اضرب علینا سرادقات فضلك و قناسیات عذابك، و اعنّا بخیر منك، و أدخلنا فی حفظ عنایتك
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 228
یا أرحم الراحمین!»
و قد جربت هذه الكلمات لا یقولها خائف إلّا آمنه اللّه تعالی، و كان الرشید یقرّبه و یكرمه لما عرف فضله و غزارة علمه.
و كان القاضی أبو یوسف و محمّد بن حسن رتبا عشرین مسألة و بعثاها علی ید حدث من أصحابهما فقال الشافعی له: من حملك علی هذا؟ فقال: من أراد حكمها. فقال: متعنّت أو متعلّم؟ فسكت الغلام، فقال الشافعی: هذا من تعنّت أبی یوسف و محمّد! ثمّ نظر فیها و حفظها وردّ الدرج إلی الحدث، فأخبر الخلیفة بذلك فأحضر أبا یوسف و محمّدا و سألهما عن حال الدرج فاعترفا به، فأحضر الشافعی و قال: بیّن أحكامها و لك الفضل. فقال: یا أمیر المؤمنین قل لهما یسألانی عن واحدة واحدة و یسمعان جوابها بتوفیق اللّه. فعجزا عن استحضارها، فقال الشافعی: أنا أكفیهما. سألانی عن رجل ابق له عبد فقال:
هو حرّ ان طعمت طعاما حتی أجده، كیف الخلاص من ذلك؟ الجواب:
یهبه لبعض أولاده و یطعم حتی لا یعتق.
و سألانی عن رجلین كانا فوق سطح فوقع أحدهما من السطح و مات فحرمت علی الآخر امرأته. الجواب: ان امرأة الحیّ كانت أمة للمیت، و كان الزوج بعض ورثته، فصارت الأمة ملكا للزوج بحقّ الارث فحرمت علیه.
و سألانی عن رجلین خطبا امرأة فی حالة واحدة و انّها لم تحلّ لأحدهما و حلّت للآخر. الجواب: لأحد الرجلین أربع و هی خامسة فلا تحلّ له، و الآخر ما كان كذلك فحلّت له.
و سألانی عن رجل ذبح شاة فی منزله و خرج لحاجة و رجع، قال لأهله:
كلوا فإنّها حرمت علیّ، فقال له أهله: و نحن أیضا قد حرمت علینا. الجواب:
كان الرجل مجوسیّا أو وثنیّا، فذبح شاة و خرج لحاجة و أسلم و أهله أیضا أسلموا، فقال لأهله: كلوا فإنی أسلمت لا تحلّ لی ذبیحة المجوس! فقال له أهله: نحن أیضا قد أسلمنا و حرمت علینا أیضا.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 229
و سألانی عن امرأة تزوّجت فی شهر واحد ثلاثة أزواج، كلّ ذلك حلال غیر حرام. الجواب: إن هذه المرأة طلقها زوجها و هی حامل فوضعت. انقضت عدّتها بالوضع فتزوّجت، ثمّ ان هذا الزوج خالعها قبل الدخول فلا عدة علیها، فتزوّج بها آخر و هكذا ان أردت رابعا و خامسا و سادسا.
و سألانی عن رجل حرمت علیه امرأته سنة من غیر حنث أو طلاق أو عدة.
الجواب: هذا الرجل و امرأته كانا محرمین فلم یدركا الحجّ، فلم تزل امرأته تحرّم علیه إلی العام القابل، فإذا فرغت من الحجّ فی العام المقبل حلّت لزوجها.
و سألا عن امرأتین لقیتا غلامین فقالتا: مرحبا بابنینا و ابنی زوجینا و هما زوجانا! الجواب: إن للمرأتین ابنین، و كلّ واحدة منهما مزوجة بابن صاحبتها، فكان الغلامان ابنیهما و ابنی زوجیهما و هما زوجاهما.
و سألا عن رجلین شربا الخمر فوجب الحدّ علی أحدهما دون الآخر.
الجواب: كان أحدهما غیر موصوف بأوصاف و جوب الحدّ كالعقل و البلوغ.
و سألا عن مسلمین سجدا لغیر اللّه و هما مطیعان فی هذه السجدة. الجواب:
هذه سجدة الملائكة لآدم، علیه السلام.
و سألا عن رجل شرب من كوز بعض الماء و حرّم الباقی علیه. الجواب:
انّه رعف فوقع فی باقیه شی‌ء من الدم فحرم علیه.
و سألا عن امرأة ادّعت البكارة و زوجها یدّعی أنّه أصابها فكیف السبیل إلی تحقیق هذا الأمر؟ الجواب: تؤمر القابلة بأن تحملها بیضة فإن غابت البیضة كذبت المرأة و إن لم تغب صدقت.
و سألا عن رجل سلّم إلی زوجته كیسا و قال لها: أنت طالق إن فتحته أو فتقته أو خرقته أو حرقته! و أنت طالق إن لم تفرغیه! الجواب: یكون فی الكیس سكر أو ملح أو ما شابههما فیوضع فی الماء الحارّ لیذوب و یفرغ الكیس.
و سألا عن امرأة قبّلت غلاما و قالت: فدیت من أمّه ولدت أمّه و أنا امرأة أبیه. الجواب: انّها أمّه.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 230
و سألا عن خمسة نفر زنوا بامرأة: فعلی أحدهم القتل، و علی الثانی الرجم، و علی الثالث الحدّ، و علی الرابع نصف الحدّ، و علی الخامس لا یجب شی‌ء.
الجواب: الأوّل مشرك زنا بامرأة مسلمة یجب قتله، و الثانی محصن فعلیه الرجم، و الثالث بكر فعلیه الحدّ، و الرابع مملوك علیه نصف الحدّ، و الخامس مجنون لا شی‌ء علیه.
و سألا عن امرأة قهرت مملوكا علی وطئها و هو كاره لوطئها، فما یجب علیهما؟ الجواب: إن كان المملوك یخشی أن تقتله أو تضربه أو تحبسه فلا شی‌ء علیه، و إلّا فعلیه نصف الحدّ. و أمّا مولاته إن كانت محصنة فعلیها الرجم و إلّا فالحدّ، و یباع المملوك علیها.
و سألا عن رجل یصلّی بقوم فسلّم عن یمینه طلقت امرأته، و عن یساره بطلت صلاته، و نظر إلی السماء فوجب علیه ألف درهم. الجواب: لمّا سلّم عن یمینه رأی رجلا كان زوج امرأته و كان غائبا، فثبت عند القاضی موته فتزوّج بامرأته هذا المصلّی، فرآه و قد قدم من سفره فحرمت علیه زوجته.
ثمّ سلّم عن شماله فرأی علی ثوبه دما فلزم علیه إعادة الصلاة، و نظر إلی السماء فرأی الهلال فحلّ علیه الدین المؤجل إلی رأس الشهر.
و سألا عن رجل ضرب رأس رجل بعصا وادّعی المضروب ذهاب إحدی عینیه و تجفیف الخیاشیم و الخرس من تلك الضربة، فیومی‌ء بذلك كلّه إیماء أو یكتب كتابة. الجواب: یقام فی مقابل الشمس، فإن لم یطرق رأسه فهو صادق، و یشمّ الحراق، فإن لم ینفعل فهو صادق، و یغرز لسانه، فإن خرج منه دم فهو صادق.
و سألا عن إمام یصلّی بقوم و كان وراءه أربعة نفر، فدخل المسجد رجل فصلّی عن یمین الإمام، فلمّا سلّم الإمام عن یمینه رآه الرجل الداخل، فله قتل الإمام و أخذ امرأته و جلد الجماعة و هدم المسجد. الجواب: ان الداخل أمیر تلك البقعة، و سافر و خلّف أخا مقامه فی البلد فقتله المصلّی، و شهد الجماعة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 231
أن زوجة الأمیر فی نكاح القاتل، و أخذ دار الأمیر غصبا جعلها مسجدا، فلمّا سلّم رآه الأمیر فعرفه فله قتله و أخذ منكوحته منه، و جلد الذین شهدوا زورا، و ردّ المسجد دارا كما كانت.
فقال الرشید: للّه درّك یا ابن ادریس ما أفطنك! و أمر له بألف دینار و خلعة، فخرج الشافعی من مجلس الخلیفة یفرّق الدنانیر فی الطریق قبضة قبضة، فلمّا انتهی إلی منزله لم یبق معه إلّا قبضة واحدة أعطاها لغلامه.
و حكی أبو عبد اللّه نصر المروزی قال: كنت قاعدا فی مسجد رسول اللّه، علیه السلام، إذ أغفیت إغفاءة فرأیت رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، فی المنام فقلت له: اكتب یا رسول اللّه رأی أبی حنیفة؟ قال: لا! قلت:
اكتب رأی مالك؟ قال: اكتب ما وافق حدیثی! قلت: اكتب رأی الشافعی؟
طأطأ رأسه شبه الغضبان و قال: هو ردّ علی من خالف سنّتی! فخرجت فی إثر هذه الرؤیا إلی مصر و كتبت كتب الشافعی. و قال الربیع بن سلیمان: قال لی الشافعی: رضی الناس غایة لا تدرك، فعلیك بما یصلحك فإنّه لا سبیل إلی رضاهم. و اعلم أن من تعلّم القرآن جلّ عند الناس، و من تعلّم الحدیث قویت حجّته، و من تعلّم النحو هیب، و من تعلّم العربیّة رقّ طبعه، و من تعلّم الحساب جزل رأیه، و من تعلّم الفقه نبل قدره، و من لم یصن لم ینفعه علمه، و ملاك ذلك كلّه التقوی.
قال محمّد بن المنصور: قرأت فی كتاب طاهر بن محمّد النیسابوری بخطّ الشافعی:
إنّ امرأ وجد الیسار فلم یصب‌حمدا و لا شكرا لغیر موفّق
الجدّ یدنی كلّ شی‌ء شاسع‌و الجدّ یفتح كلّ باب مغلق
و إذا سمعت بأنّ مجدودا حوی‌عودا فأثمر فی یدیه فصدّق
و إذا سمعت بأنّ محروما أتی‌ماء لیشربه فغاض فحقّق
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 232 و من الدّلیل علی القضاء و كونه‌بؤس اللّبیب و طیب عیش الأحمق
قال المزنی: دخلت علی الشافعی فی مرض موته فقلت له: كیف أصبحت؟
قال: أصبحت فی الدنیا راحلا و لإخوانی مفارقا و لكأس المنیّة شاربا، و لسوء أعمالی ملاقیا و علی اللّه واردا، فلا أدری أصیر إلی الجنّة فأهنّیها أم إلی النار فأعزّیها؟ ثمّ بكی و أنشأ یقول:
و لمّا قسا قلبی و ضاقت مسامعی،جعلت الرّجا منی لعفوك سلّما
تعاظمنی ذنبی، فلمّا قرنته‌بعفوك ربّی، كان عفوك أعظما
و ما زلت ذا عفو عن الذّنب لم تزل‌بجودك تعفو منّة و تكرّما
ذهب إلی جوار الحقّ سنة أربع و مائتین عن أربع و خمسین سنة.

الغوطة

الكورة التی قصبتها دمشق. و هی كثیرة المیاه نضرة الأشجار متجاوبة الأطیار مونقة الأزهار، ملتفّة الأغصان خضرة الجنان، استدارتها ثمانیة عشر میلا، كلّها بساتین و قصور. تحیط بها جبال عالیة من جمیع جهاتها. و میاهها خارجة من تلك الجبال، و تمتدّ فی الغوطة عدّة أنهر، و ینصبّ فاضلها فی أجمة هناك. و الغوطة كلّها أنهار و أشجار متّصلة قلّما یوجد بها مزارع.
و هی أنزه بلاد اللّه و أحسنها؛ قال أبو بكر الخوارزمی: جنان الدنیا أربع:
غوطة دمشق، و صغد سمرقند، و شعب بوّان، و جزیرة الأبلّة، و قد رأیتها كلّها فأحسنها غوطة دمشق!

فارس‌

الناحیة المشهورة التی یحیط من شرقها كرمان، و من غربها خوزستان، و من شمالها مفازة خراسان، و من جنوبها البحر، سمّیت بفارس بن الأشور
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 233
ابن سام بن نوح، علیه السلام، بها مواضع لا تنبت الفواكه لشدّة بردها كرستاق اصطخر، و بها مواضع لا یسكنها الطیر لشدّة حرّها كرستاق الاغرسان.
و أمّا أهلها فذكروا أنّهم من نسل فارس بن طهمورث، سكان الموضع الذی یسمّی ایرانشهر، و هو وسط الاقلیم الثالث و الرابع و الخامس، ما بین نهر بلخ إلی منتهی اذربیجان و ارمینیة إلی القادسیة و إلی بحر فارس. و هذه الحدود هی صفوة الأراضی و أشرفها لتوسّطها فی قلب الأقالیم، و بعدها عمّا یتأذّی به أهل المشرق و المغرب و الجنوب و الشمال، و أهلها أصحاب العقول الصحیحة و الآراء الراجحة و الأبدان السلیمة و الشمائل الظریفة و البراعة فی كلّ صناعة، فلذلك تراهم أحسن الناس وجوها و أصحّهم أبدانا و أحسنهم ملبوسا و أعذبهم أخلاقا و أعرفهم بتدبیر الأمور!
جاء فی التواریخ: ان الفرس ملكوا أمر العالم أربعة آلاف سنة: كان أوّلهم كیومرث و آخرهم یزدجرد بن شهریار الذی قتل فی وقعة عمر بن الخطّاب بمرو، فعمروا البلاد و أنعشوا العباد.
و جاء فی الخبر: ان اللّه تعالی أوحی إلی داود أن یأمر قومه أن لا یسبّوا العجم، فإنّهم عمروا الدنیا و أوطنوها عبادی.
و حسن سیرة ملوك الفرس مدون فی كتب العرب و العجم، و لا یخفی أن المدن العظام القدیمة من بنائهم و أكثرها مسمّاة بأسمائهم. و أخبار عدلهم و إحسانهم فی الدنیا سائرة، و آثار عماراتهم إلی الآن ظاهرة.
زعم الفرس أن فیهم عشرة أنفس لم یوجد فی شی‌ء من الأصناف مثلهم و لا فی الفرس أیضا: أوّلهم افریدون بن كیقباذ بن جمشید، ملك الأرض كلّها و ملأها من العدل و الإحسان بعدما كانت مملوءة من العسف و الجور من ظلم الضحاك بیوراسب، و ما أخذه الضحاك من أموال الناس ردّها إلی أصحابها، و ما لم یجد له صاحبا وقفه علی المساكین، و ذكر بعض النسّاب أن افریدون هو ذو القرنین الذی ذكره اللّه تعالی فی كتابه العزیز، لأنّه ملك المشرق و المغرب
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 234
و أمر بعبادة اللّه تعالی و كان ذا عدل و إحسان.
و ثانیهم اسكندر بن دارا بن بهمن، كان ملكا عظیما حكیما حصل العلوم و عرف علم الخواص، و تلمذ لارسطاطالیس و استوزره و كان یعمل برأیه، و انقاد له ملوك الروم و الصین و الترك و الهند، و مات و عمره اثنتان و ثلاثون سنة و سبعة أشهر.
و ثالثهم أنوشروان بن قباذ كسری الخیر، كثرت جنوده و عظمت مملكته و هادنته ملوك الروم و الصین و الهند و الخزر، و روی عن النبی، علیه السلام، أنّه قال: ولدت فی زمن الملك العادل! و من عدله ما ذكر أنّه علق سلسلة فیها جرس علی بابه لیحرّكها المظلوم، لیعلم الملك حضوره من غیر واسطة فأتی علیها سبع سنین ما حرّكت.
و رابعهم بهرام بن یزدجرد و یقال له بهرام جور. كان من أحذق الناس بالرمی، لم یعرف رام مثله. ذكر أنّه خرج متصیّدا و كان معه جاریة من أحظی جواریه، فظهر لهم سرب من الظباء فقال لها: كیف تریدین أن أرمی ظبیة منها؟ قالت: أرید أن تلصق ظلفها بأذنها! فأخذ الجلاهق و رمی بندقة أصابت أذنها. فرفعت ظلفها تحكّ بها أذنها، فرمی نشّابة و خاط ظلفها بأذنها.
و خامسهم رستم بن زال الشدید، ذكروا أنّه لم یعرف فارس مثله. كان من أمره أنّه إذا لاقی فی ألف فارس ألفین غلبهم، و إذا لاقی فی خمسة آلاف فارس عشرة آلاف غلبهم، و إذا دعا إلی البراز و خرج إلیه القرن یرفعه برمحه من ظهر الفرس و یرمیه إلی الأرض.
و سادسهم جاماسب المنجم. كان وزیرا لكشتاسف بن لهراسب، لم یعرف منجم مثله حكم علی القرانات و أخبر بالحوادث التی تحدث، و أخبر بخروج موسی و عیسی و نبیّنا، علیه السلام، و زوال المللّة المجوسیّة، و خروج الترك و نهبهم و قتلهم، و خروج شخص یقهرهم و كثیر من الحوادث بعدهم، كلّ ذلك فی كتاب یسمّی أحكام جاماسب بالعجمیّة. و له بعد موته خاصّیة عجیبة،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 235
و هی ان قبره علی تلّ بأرض فارس، و قدام التلّ نهر فمن زار قبره من الولاة راكبا یعزل، و أكثر الناس عرفوا تلك الخاصیة فإذا وصلوا إلی ذلك النهر نزلوا.
و سابعهم بزرجمهر بن بختكان، كان وزیر الأكاسرة، و كان ذا علم و عقل و رأی و فطنة، كان بالغا فی الحكم الخطابیّة، و لمّا وضع الهند الشطرنج بعثوا به هدیة إلی كسری و لم یذكروا كیفیة اللعب به، فاستخرجه بزرجمهر و وضع فی مقابلته النرد و بعث به إلی الهند.
و ثامنهم بلهبد المغنّی. فاق جمیع الناس فی الغناء، و كان مغنّیا لكسری ابرویز، فإذا أراد أحد أن یعرض أمرا علی كسری و خاف غضبه ألقی ذلك الأمر إلی بلهبد، و بذل له حتی جعل لذلك المغنی شعرا و صوتا، و یغنی به بین یدیه فعرف كسری ذلك الأمر.
و تاسعهم صانع شبدیز و سیأتی ذكره و دقّة صنعته فی قرمیسین فی الإقلیم الرابع.
و عاشرهم فرهاذ الذی تحت ساقیة قصر شیرین، و هی باقیة إلی الآن.
و أراد أن ینقب جبل بیستون، و سیأتی ذكره مبسوطا هناك إن شاء اللّه تعالی.
و بأرض فارس جمع یقال لهم آل عمارة لهم مملكة عریضة علی سیف البحر. و هم من نسل جلندی بن كركر، و هو الذی ذكره اللّه تعالی فی كتابه المجید: و كان وراءهم ملك یأخذ كلّ سفینة غصبا. زعموا أن ملكهم كان قبل موسی، علیه السلام، و إلی زماننا هذا لهم بأس و منعة و ارصاد البحر و عشور السفن.

فرغانة

ناحیة مشتملة علی بلاد كثیرة بعد ما وراء النهر، متاخمة لبلاد الترك.
أهلها من أتمّ الناس أمانة و دیانة علی مذهب أبی حنیفة، و أحسن الناس صورة!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 236
كانت ذات خیرات و غلات و ثمرات، و خربت فی محاربة خوارزمشاه محمّد، و الخطأ لأنّها كانت علی ممرّ العساكر فخربت تلك البلاد الحسنة و فارقها أهلها قبل خروج التتر إلی ما وراء النهر و خراسان. و سمعت أن من عاداتهم قطع الآذان حزنا علی موت الأكابر.
ینسب إلیها الشیخ عمر الملقب برشید الدین الفرغانی، رأیته كان شیخا فاضلا كاملا مجمع الفضائل الأدب و الفقه و الأصول و الحكمة، و الكلام البلیغ و اللفظ الفصیح و الخطّ الحسن و الخلق الطیب و التواضع. كان مدرّسا بسنجار، تأذّی من الملك الأشرف فارق سنجار فلم یلتفت إلی مفارقته، فطلبه المستنصر لتدریس المستنصریّة. فلما ولّاه التدریس بعث صاحب الروم بطلبه، و جاء رسول من عنده إلی بغداد طالبا له فقال المستنصر: اخبروا الملك انّه مدرّسنا، فإن طلبه بعد ذلك بعثناه إلیه! قبض فی سنة إحدی و ثلاثین و ستمائة.

الفسطاط

هی المدینة المشهورة بمصر، بناها عمرو بن العاص؛ قیل: انّه لمّا فتح مصر عزم الإسكندریّة فی سنة عشرین، و أمر بفسطاطه أن یقوّض فإذا یمامة قد باضت فی أعلاه فقال: تحرّمت بجوارنا، اقرّوا الفسطاط حتی ینقف و تطیر فراخها، و وكل به من یحفظه و مضی نحو الإسكندریّة و فتحها، فلمّا فرغ من القتال قال لأصحابه: أین تریدون تنزلون؟ قالوا: یا أیّها الأمیر نرجع إلی فسطاطك لنكون علی ماء و صحراء! فرجعوا إلیها و خطّ كلّ قوم بها خطّا بنوا فیها و سمّی بالفسطاط.
و بنی عمرو بن العاص الجامع فی سنة إحدی و عشرین، یقال: قام علی اقامة قبلته ثمانون صحابیّا، منهم: الزبیر بن العوام، و المقداد بن الأسود، و عبادة ابن الصامت، و أبو الدرداء، و أبو ذرّ الغفاری. و هذا الجامع باق فی زماننا.
كتب القرآن جمیعه علی ألواح من الرخام الأبیض بخطّ كوفی بیّن فی حیطانه
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 237
من أعلاها إلی أسفلها، و جعل أعشار القرآن و آیاته و أعداد السور بالذهب و اللازورد، فیقرأ الإنسان جمیع القرآن منها و هو قاعد، ثمّ استولی الفرنج علیها و خرّبوها. فلمّا كانت سنة اثنتین و سبعین و خمسمائة قدم صلاح الدین و أمر ببناء سور علی الفسطاط و القاهرة، فذرع دورتها فكانت فرسخین و نصفا، و كان بها طلسم للتماسیح؛ قال أبو الریحان الخوارزمی: كان بجبال الفسطاط طلسم للتماسیح، و كانت لا تستطیع الإضرار حولها، و كان إذا بلغ حولها استلقی و انقلب علی ظهره، و كان یلعب به الصبیان فكسر ذلك الطلسم و بطل حكمه.
و بالفسطاط محلّة تسمّی الجزیرة، لأن النیل إذا زاد أحاط الماء بها و حال بینها و بین معظم الفسطاط فاستقلّت هی بنفسها. و بها أسواق و جامع و بساتین و هی من متنزّهات مصر؛ قال الساعاتی الدمشقی:
ما أنس لا أنس الجزیرة ملعباللأنس تألفها الحسان الخرّد
یجری النّسیم بغصنها و غدیرهافیهزّ رمح أو یسلّ مهنّد
و یریك دمع الطّلّ كلّ سفیقةكالخدّ دبّ به عذار أسود

فیروز اباد

قریة من قری شیراز، بناها فیروز ملك الفرس فیما أظنّه. ینسب إلیها الشیخ الإمام أبو إسحق إبراهیم الفیروزابادی. كان عالما ورعا زاهدا، له تصانیف فی الفقه. و لمّا صنّف كتاب التنبیه صلّی بكلّ مسألة فیها ركعتین و دعا لمن یشتغل به. و هو كتاب مبارك سهل الضبط و الحفظ. و من ورعه انّه سلّم إلی شخص رغیفین و أمره أن یشتری بكلّ واحدة حاجة، فاشتبه علی الوكیل فاشتری كیف اتّفق، فعلم الشیخ بذلك و دفعهما و قال: خالفت الوكالة لا یحلّ المشتری.
و ذكر أنّه كان یمشی مع أصحابه فكان علی طریقهم كلب فصاح علی الكلب
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 238
بعض أصحابه فقال الشیخ: ألیست الطریق مشتركة بیننا؟ و حكی انّه لمّا بنی نظام الملك المدرسة النظامیة ببغداد طلب الشیخ للتدریس، فسمع الشیخ من صبی قال: ان أرضها مغصوب! فامتنع عن التدریس حتی بیّنوا له أن الأمر لیس كذلك فقبلها. و حكی انّه كتب جواب مسألة فعرض علی ابن الصبّاغ صاحب الشامل فقال للمستفتی: ارجع إلی الشیخ و قل له انظر فیها مرّة أخری. فلمّا رآه الشیخ كتب: الحقّ ما قاله الشیخ و أبو إسحق مخطی‌ء. فارق الدنیا و لم یترك دینارا و لا درهما سنة ستّ و سبعین و أربعمائة عن ستّ و ثمانین سنة.

الفیّوم‌

ناحیة فی غربی مصر فی منخفض من الأرض و النیل مشرف علیها. ذكر ان یوسف الصدّیق، علیه السلام، لمّا ولی مصر و رأی ما لقی أهلها من القحط، و كان الفیّوم یومئذ بطیحة تجتمع فیها فضول ماء الصعید، أوحی اللّه تعالی إلیه أن احفر ثلاثة خلج: خلیجا من أعلی الصعید، و خلیجا شرقیّا، و خلیجا غربیّا، كلّ واحد من موضع كذا إلی موضع كذا. فأمر یوسف العمّال بها فخرج ماؤها من الخلیج الشرقی و انصبّ فی النیل، و خرج من الخلیج الغربی و انصبّ فی الصحراء و لم یبق فی الجوبة ماء، ثمّ أمر الفعلة بقطع ما كان بها من القصب و الطرفاء فصارت الجوبة أرضا نفیة، ثمّ ارتفع ماء النیل فدخل خلیجها فسقاها من خلیج أعلی الصعید، فصارت لجة من النیل، كلّ ذلك فی سبعین یوما. فخرج و أصحابه فرأوا ذلك و قالوا: هذا عمل ألف یوم، فسمّی الموضع الفیوم. ثمّ صارت تزرع كما تزرع أرض مصر.
بنی بالفیوم ثلاثمائة و ستّین قریة، و قدّر أن كلّ قریة تكفی أهل مصر یوما واحدا، علی أن النیل إن لم یزد اكتفی أهلها بما یحصل من زراعتها و جری الأمر علی هذا. و زرعوا بها النخیل و الأشجار فصار أكثرها حدائق، فتعجب الناس ممّا فعل یوسف الصدّیق، علیه السلام، فقال للملك: عندی من الحكمة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 239
غیر ما رأیت، انزل الفیوم من كلّ كورة من كور مصر أهل بیت، و أمر كلّ أهل بیت أن یبنوا لأنفسهم قریة، و كانت قری الفیوم علی عدد كور مصر، فإذا فرغوا من البناء صیّر لكلّ قریة من الماء قدر ما یصیر لها من الأرض، لا زائدا و لا ناقصا. صیّر لكلّ قریة شربا فی زمان لا ینالهم الماء إلّا فیه، و صیّر مطأطئا للمرتفع و مرتفعا للمطأطی‌ء بأوقات من الساعات فی اللیل و النهار، و صیّر لها قدرا معلوما فلا یأخذ أحد دون حقّه و لا زائدا علیه، فقال له فرعون: هذا من ملكوت السماء؟ فقال: نعم. فلمّا فرغ منها تعلّم الناس وزن الأرض و الماء و اتّخاذ موازینها. و حدث یومئذ هندسة استخراج المیاه، و اللّه الموفق.

القادسیّة

بلیدة بقرب الكوفة علی سابلة الحجّاج. سمّیت بقادس هراة و هو دهقانها، بعثه كسری أبرویز إلی ذلك الموضع لدفع العرب؛ قال هشام عن أبیه: ان ثمانیة آلاف من ترك الخزر ضیّقوا علی كسری بلاده من كثرة النهب و الفساد.
فبعث دهقان هراة إلی كسری: إن كفیتك أمر هؤلاء تعطینی ما احتكم؟ قال:
نعم. فبعث الدهقان إلی أهل القری یقول: إنی سأنزل علیكم الترك فافعلوا بهم ما آمركم! و بعث إلی الترك و قال: تشتون فی أرضی العام. فنزلوا عنده. بعث إلی كلّ قریة طائفة و قال: لیذبح كلّ رجل منكم نزیله فی اللیلة الفلانیة و یأتنی بسبلته! فذبحوهم عن آخرهم و ذهبوا إلیه بسبلاتهم، فنظمها فی خیوط و بعث بها إلی كسری، فبعث إلیه كسری شكر سعیه و قال: اقدم إلیّ و احتكم! فقدم إلیه و قال: أرید أن تجعل لی سریرا مثل سریرك و تاجا مثل تاجك، و تنادمنی من غدوة إلی اللیل. فاستدلّ كسری باحتكامه علی ركاكة عقله، ففعل ذلك ثمّ قال: لا تری هراة أبدا، فیجلس و یتحدث بما جری و أنزله هذا الموضع، فبنی هذه البلدة و سكنها.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 240

القاهرة

هی المدینة المشهورة بجنب الفسطاط بمصر یجمعها سور واحد. و هی الیوم المدینة العظمی، و بها دار الملك. أحدثها جوهر غلام المعز سعد بن إسماعیل الملقب بالمنصور. و هی أجلّ مدینة بمصر لاجتماع أسباب الخیرات، منها تجلب الطرائف المنسوبة إلی مصر.
بها قصران عظیمان یقصر الوصف دونهما عن یمین السوق و شماله، و لیس فی شی‌ء من البلاد مثلهما.
كان یسكنها ملوكها العلویة الذین انقرضوا، و بها موضع یسمّی القرافة.
و بها أبنیة جلیلة و مواضع واسعة و سوق قائم و مشاهد للصالحین. و هی من متنزّهات أهل القاهرة و الفسطاط سیما فی المواسم. و بها مدرسة الشافعی و فیها قبره. و بالقرافة باب للمحلّة التی بها مدرسة الشافعی، فی عتبته حجر كبیر إذا احتبس بول الدابة تمشی علی ذلك الحجر مرارا فینفتح بولها. و بظاهر القرافة مشهد صخرة موسی، علیه السلام، و فیه اختفی من فرعون لمّا خافه، و علی باب درب الشعارین مسجد ذكر ان یوسف الصدیق، علیه السلام، بیع هناك.

قبرس‌

جزیرة بقرب طرسوس، دورها مسیرة ستة عشر یوما؛ قال أحمد بن محمّد بن عمر العذری: یجلب منها اللادن الجید و لا یجمع فی غیرها، و الذی یجمع من الشجر یحمل إلی ملك القسطنطینیّة لأنّه یعادل العود الطیّب و سائر ما یجمع علی وجه الأرض هو الذی یستعمله الناس. و الزاج القبرسی مشهور كثیر المنافع جدّا، عزیز الوجود أفضل الزاجات كلّها.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 241

قریة صاهك‌

من كورة ارجان. بها بئر ذكر ان أهلها امتحنوا قعرها بالمثقلات و الأرسان، فلم یقفوا منها علی عمق، یغور الدهر كلّه، منها ماء بقدر ما یدیر الرحی یسقی تلك القریة.

قریة عبد الرحمن‌

بأرض فارس. عمقها قامات كثیرة جافة القعر عامة السنة، حتی إذا كان الوقت المعلوم عندهم فی السنة نبع ماء یرتفع علی وجه الأرض، قدر یدیر الرحی و یجری و ینتفع به فی سقی الزروع ثمّ یغور.

قفط

مدینة بأرض مصر بالصعید الأعلی، كثیرة البساتین و المزارع، و بها النخل و الاترج و اللیمون، قال صاحب عجائب الأخبار: بها بیت عجیب تحت سقفه ثلاثمائة و ستون عمودا، كلّ عمود قطعة واحدة من حجارة، علی رأس العمود صورة رجل علیه قلنسوة، و السقف حجارة كلّه، قد وضعت أطراف الحجر علی زوایاه و علی أرباع رؤوس الأساطین، ثمّ ألحمت الحاما لا یری فیها فصل، یحسبها الناظر قطعة واحدة. یقولون: إن تلك الصور صور أهل تلك الدولة، و علی كلّ عمود كتابة لا یدری ما هی و لا یحسن أحد فی زماننا قراءتها.

قلعة النّجم‌

قلعة حصینة مطلّة علی الفرات، و عندها جسر الفرات یعبر علیه قوافل الشام و العراق و الروم، و تحتها ربض به طائفة یتعاطون أنواع القمار، فإذا رأوا غریبا أظهروا أنّهم مرمدون و یلعبون لعبا دونا لیظنّ الغریب أنّهم فی طبقة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 242
نازلة یطمع فیهم، و یخرجون المال إذا قمروا من غیر اكتراث فتتوق نفس الغریب أن یلعب معهم، فكلّما جلس لا یتركونه یقوم و معه شی‌ء حتی سراویله، و ربّما استرهنوا نفسه و منعوه من الذهاب، حتی یأتی أصحابه و یؤدوا عنه و یخلّصوه.

القیروان‌

مدینة عظیمة بافریقیة، مصّرت فی أیّام معاویة، و ذلك انّه لمّا ولّی عقبة بن نافع القرشی افریقیة ذهب إلیها و فتحها و أسلم علی یده كثیر من البربر، فجمع عقبة أصحابه و قال: ان أهل افریقیة قوم إذا غصبهم السیف أسلموا، و إذا رجع المسلمون عنهم عادوا إلی دینهم، و لست أری نزول المسلمین بین أظهرهم رأیا، لكن رأیت أن أبنی ههنا مدینة یسكنها المسلمون.
فجاؤوا إلی موضع القیروان، و هی أجمة عظیمة و غیضة لا تشقّها الحیّات من تشابك شجرها، فقالوا: هذه غیضة كثیرة السباع و الهوام، و كان عقبة مستجاب الدعوة فجمع من كان فی عسكره من الصحابة، و كانوا ثمانیة عشر نفسا، و نادی: أیّتها السباع و الحشرات، نحن أصحاب رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، ارحلوا عنّا فإنّا نازلون فمن وجدناه بعد قتلناه! فرأی الناس ذلك الیوم عجبا لم یروه قبل ذلك، و كان السبع یحمل أشباله، و الذئب اجراءه، و الحیّة أولادها و هی خارجة سربا سربا، فحمل ذلك كثیرا من البربر علی الإسلام. ثمّ بنی المدینة فاستقامت فی سنة خمس و خمسین. ذكر الجیهانی ان بالقیروان أسطوانتین لا یدری جوهرهما ما هو، و هما تترشّحان ماء كلّ یوم جمعة قبل طلوع الشمس، و موضع العجب كونه یوم الجمعة. و قد قیل:
ان ملوك الروم طلبوهما بثمن بالغ، فقال أهل القیروان: لا نخرج أعجوبة من العجائب من بیت اللّه إلی بیت الشیطان!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 243

قیس‌

جزیرة فی بحر فارس دورها أربعة فراسخ، و مدینتها حسنة ملیحة المنظر، ذات سور و أبواب و بساتین و عمارات، و هی مرفأ مراكب الهند و الفرس و منقلب التجارة و متجر العرب و العجم. شربها من الآبار و لخواصّ الناس صهاریج.
و حولها جزائر كلّها لصاحب قیس، لكنّها فی الصیف أشبه شی‌ء ببیت حمّام حارّ شدیدة السخونة، و فی هذا الوقت یطول جلد خصی الناس حتی یصیر ذراعا، فیری كلّ أحد یتّخذ كیسا فیه عفص مسحوق و قشر رمان و یترك خصیتیّه فیه حتی لا تطول صفته.
یجلب منها كلّ أعجوبة وقعت فی بلاد الهند. و كان ملكها فی قوم ورثوها إلی أن ملك منهم ظالم یظلمهم، فخامروه و بعثوا إلی صاحب هرمز فطلبوه، فجاء الهرری ملكها و كان یظلم أفحش من ظلم القیسی، فخامروه و بعثوا إلی صاحب شیراز فطلبوه، فجهّز عسكرا بعثهم فی مراكب و خرج عسكر الهرمزی لقتالهم فی مراكب، فنزلوا فی سیرهم علی نشز للاستراحة، فوصلت مراكب الفرس و هم علی النشز فأضرموا النار فی مراكب الهرامزة و ساروا نحو قیس و ملكوها بأسهل طریق، و كانت الهرامزة أقوی من الفرس و أعرف بقتال البحر إلّا أن جدّهم قعد بهم.

كابل‌

مدینة مشهورة بأرض الهند. بها ما یوجد من الجروم إلّا النخل و یقع بنواحیها الثلج و لا یقع بها. و أهلها مسلمون و كفّار. و زعمت الهند ان الشاهیة لا تنعقد إلّا بكابل، و إن كان بغیرها فلا یصیر واجب الطاعة حتی یصیر إلیها و یعقد له الملك هنا. یجلب منها النوق البخاتی و هی أحسن أنواع الإبل.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 244

كاریان‌

بلیدة بأرض فارس بها بیت نار معظم عند المجوس تحمل ناره إلی بیوت النار فی الآفاق. قال الاصطخری: من القلاع التی لم تفتح قطّ عنوة قلعة كاریان، و هی علی جبل من طین، حوصرت مرارا و لم یظفر بها قطّ.

كازرون‌

مدینة بفارس عامرة حصینة كثیرة الغلّات وافرة الثمرات، كلّها قصور و بساتین و نخیل ممتدّة عن یمین و شمال؛ قال الاصطخری: لیس بأرض فارس أصحّ هواء و تربة من كازرون.
یقال لها دمیاط العجم لأنّه تنسج بها ثیاب الكتّان علی عمل القصب و الشّطوی و إن لم یكن رقاعا. و معظم دورها و الجامع علی تلّ، و الأسواق و قصور التجّار تحت التلّ.
بنی عضد الدولة بها دارا جمع فیها السماسرة كان دخلها كلّ یوم عشرة آلاف درهم. بها تمر یقال له الجیلان، لا یوجد فی غیر كازرون، یحمل إلی العراق للهدایا مع كثرة تمر العراق.

كدال‌

ولایة فی جبال افریقیة. ذكر بعض أهلها أن الحنطة بها تریع ریعا مفرطا، حتی ان أحدهم ربّما یزرع مكوكا یحصل منه خمسمائة مكوك و أكثر.

كرد فنّاخسرو

مدینة بناها عضد الدولة بقرب شیراز، و ساق إلیها نهرا كبیرا من مسیرة یوم أنفق علیه مالا عظیما، و جعل إلی جنبها بستانا سعته نحو فرسخ. و لمّا
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 245
فرغ من شقّ النهر و وصول الماء إلیها، كان لثمان بقین من ربیع الأوّل سنة أربع و خمسین و ثلاثمائة، جعل هذا الیوم عیدا فی كلّ سنة، یجتمع فیه الناس من النواحی للهو و یقیمون سبعة أیّام. و نقل إلیها الصّنّاع الخزّ و الدیباج و الصوف و أمرهم بكتابة اسمه علی طرزها، و اتخذ قوّاده بها دورا و قصورا فكثرت عماراتها.
و بقاضیها یضرب المثل فی الخیانة، و ذلك ما حكی أن بعض الناس أودعه مالا كثیرا، فلمّا استردّه جحد، فاجتمع المودع بعضد الدولة و قال: أیّها الملك انی ابن فلان التاجر، ورثت من أبی خمسین ألف دینار أودعت عشرین ألف دینار فی قمقمتین عند هذا القاضی للاستظهار، و كنت أتصرّف بالباقی، فوقعت فی بعض أسفاری فی أسر كفّار الروم، و بقیت فی الأسر أربع سنین حتی مرض ملك الروم و خلّی الأساری، فتخلّصت و أنا رخیّ البال استظهارا بالودیعة، فلمّا طلبتها جحد و أظهر أنّه لم یعرفنی، و كرّرت الطلب فقال لی:
انّك رجل استولت السوداء علی دماغك و أطعموك شیئا، و إنی ما رأیتك إلّا الآن! دع عنك هذا الجنون و إلّا حملتك إلی المارستان و أدخلتك فی السلسلة! فبكی عضد الدولة و قال: أنا ظلمتك لمّا ولّیت مثل هذا! أعطاه مائتی دینار و بعثه إلی أصبهان، و كتب إلی عامل أصبهان إن یحسن إلیه و قال له: لا ترجع تذكر هذا الأمر لأحد و أقم فی أصبهان حتی یأتیك أمری. و صبر عضد الدولة علی ذلك شهرا ثمّ طلب القاضی یوما عند الظهیرة بالخلوة و أكرمه و قال له: أیّها القاضی ان لی سرّا ما وجدت فی جمیع مملكتی له محلّا غیرك، لما فیك من كمال العلم و وفور العقل و الدین، و هو ان لی أولادا ذكورا و اناثا. أمّا الذكور فلست أهتمّ بأمرهم، و أمّا الاناث فعندهن التقاعد عن الأمور و أنا أخشی علیهن، فأردت أن تتّخذ فی دارك موضعا صالحا لودیعة لا یعلم بها أحد غیر اللّه، تدفعها إلی بناتی بعد موتی. و دفع إلی القاضی مائتی دینار و قال: اصرفها إلی عمارة ازج قعیر یتسع لمائتین و أربعین قمقمة، و إذا تمّ أخبرنی حتی أبعث القماقم علی ید
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 246
بعض من یستحقّ القتل ثمّ اقتله.
فقال القاضی: سمعا و طاعة! و قام من عنده فرحا یقول فی نفسه: ذهبت بألفی ألف دینار أتمتّع بها أنا و أولادی و أحفادی، و إذا مات عضد الدولة من یطالب بالمال و لا حجّة و لا شاهد؟ و اشتغل بعمل الازج و بعث عضد الدولة إلی أصبهان لإحضار الفتی المظلوم.
فلمّا أخبر القاضی عضد الدولة بإتمام الازج قال عضد الدولة للفتی المظلوم:
اذهب إلی القاضی و طالبه بالودیعة و هدّده برفع الأمر إلی عضد الدولة! فذهب إلیه و قال: أیّها القاضی ساء حالی و طال ظلمك علیّ. لآخذنّ غدا بلجام عضد الدولة! فقام القاضی و دخل الحجرة و طلب الفتی و عانقه و قال: یا ابن الأخ ان أباك كان صدیقی و انی ما حبست حقّك إلّا لمصلحتك، لأنی سمعت أنّك أتلفت مالا كثیرا فأخّرت ودیعتك إلی أن أعرف رشدك، و الآن عرفت رشدك، خذ حقّك بارك اللّه لك فیها!
و أخرج القمقمتین و سلّمهما إلیه، فأخذهما الفتی و مضی إلی عضد الدولة بهما. فأحضر القاضی و قال: أیّها الشیخ القاضی انی أجریت علیك رزقك لتقطع طمعك عن أموال الناس، ولولا أنّك شیخ لجعلتك عبرة للناس، و صحّ عندی أن جمیع ما تتقلّب فیه حرام من أموال الناس!
فختم علی جمیع ما كان له و عزله، و ردّ مال الفتی إلیه و قال: الحمد للّه الذی وفّقنی لإزالة ظلم هذا الظالم!

كركویه‌

مدینة بسجستان قدیمة. بها قبّتان عظیمتان زعموا أنّهما من عهد رستم الشدید، و علی رأس القبّتین قرنان قد جعل میل كلّ واحد منهما إلی الآخر، تشبیها بقرنی الثور، بقاؤهما من عهد رستم إلی زماننا هذا من أعجب الأشیاء؛ و تحت القبّتین بیت نار للمجوس تشبیها بأن الملك یبنی قرب داره معبدا یتعبّد
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 247
فیه، و نار هذا البیت لا تطفأ أبدا. و لها خدم یتناوبون فی إشعال النار، یقعد الموسوم مع الخدمة علی بعد النار عشرین ذراعا و یغطی فمه و أنفاسه، و یأخذ بكلبتین من فضّة عودا من الطرفاء نحو الشبر یقلبه فی النار. و كلّما همّت النار بالخبوّ یلقی خشبة خشبة، و هذا البیت من أعظم بیوت النار عند المجوس.

كرمان‌

ناحیة مشهورة، شرقها مكران و غربها فارس و شمالها خراسان و جنوبها بحر فارس. تنسب إلی كرمان بن فارس بن طهمورث. و هی بلاد واسعة الخیرات وافرة الغلّات من النخل و الزرع و المواشی.
و بها ثمرات الصرود و الجروم و الجوز و النخل. و بها معدن التوتیا، یحمل منها إلی جمیع الدنیا، بها خشب لا تحرقه النار ولو ترك فیها أیّاما، ینبت فی بعض جبالها، یأخذه الطرقیّون و یقولون: انّه من الخشب الذی صلب علیه المسیح.
و شجر القطن بكرمان یبقی سنین حتی یصیر مثل الأشجار الباسقة، و كذلك شجر الباذنجان و الشاهسفرم. و بها شجر یسمّی كادی، من شمّه رعف، ورقه كورق الصبر إن ألقی فی النار لا یحترق.
و من عجائب الدنیا أرض بین كرمان و جاریح إذا احتكّ بعض أحجارها بالبعض یأتی مطر عظیم، و هذا شی‌ء مشهور عندهم، حتی ان من اجتاز بها یتنكّب عنها كیلا تحتكّ تلك الحجارة بعضها ببعض فیأتی مطر یهلك الناس و الدواب! و بها معدن الزاج الذهبی یحمل من كرمان إلی سائر الآفاق.
و حكی ابن الفقیه أن بعض الملوك غضب علی جمع من الفلاسفة، فنفاهم إلی أرض كرمان لأنّها كانت أرضا یابسة بیضاء، لا یخرج ماؤها إلّا من خمسین ذراعا. فهندسوا حتی أخرجوا الماء علی وجه الأرض و زرعوا علیه و غرسوا فصارت كرمان أحسن بلاد اللّه، ذات شجر وزرع. فلمّا عرف
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 248
الملك ذلك قال: اسكنوهم جبالها، فعملوا الفوّارات و أظهروا الماء علی رؤوس جبالها، فقال الملك: اسجنوهم، فعملوا فی السجن الكیمیا و قالوا: هذا علم لا نخرجه إلی أحد! و عملوا مقدار ما یكفیهم مدّة عمرهم، و أحرقوا كتبهم و انقطع علم الكیمیا.
و بأرض كرمان فی رساتیقها جبال بها أحجار تشتعل بالنار مثل الحطب.
و ینسب إلی كرمان الشیخ أبو حامد أحمد الكرمانی الملقب بأوحد الدین.
كان شیخا مباركا صاحب كرامات، و له تلامذة، و كان صاحب خلوة یخبر عن المغیبات، و له أشعار بالعجمیّة فی الطریقة، كان صاحب اربل معتقدا به، بقی عنده مدّة ثمّ تأذّی منه و فارقه و هو یقول:
با دل كفتم خدمت شاهی كم كیرجون سر نهاده كلاهی كم كیر
دل كفت مرا ازین سخن كمتر كوكردی و دهی و خانقاهی كم كیر
مات سنة خمس و ثلاثین و ستمائة ببغداد.

كفرطاب‌

بلدة بین حلب و المعرة فی بریّة معطشة أعزّ الأشیاء عند أهلها الماء، ذكر أنّهم حفروا ثلاثمائة ذراع لم ینبط لهم ماء، و لیس لها إلّا ما یجمعونه من میاه الأمطار، و قال سنان الخفاجی:
باللّه یا حادی المطایابین حناك و أرضایا
عرّج علی أرض كفرطاب‌و حیّها أحسن التّحایا
واهد لها الماء فهی ممّن‌یفرح بالماء فی الهدایا
و من العجب إقامة جمع من العقلاء بأرض هذا شأنها.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 249

كفرمندة

قریة بالأردنّ بین مكّة و الطبریة. قیل: انّها مدین المذكور فی القرآن، و كان منزل شعیب، علیه السلام. و بها قبر بنت شعیب صافورا زوجة موسی، علیه السلام.
و بها الجبّ الذی قلع موسی الصخرة عن رأسه و سقی مواشی شعیب، و الصخرة باقیة إلی الآن.

كفرنجد

قریة كبیرة من أعمال حلب فی جبل السّمّاق، بها عین ماء حارّ. لها خاصیّة عجیبة، و هی ان من تشبّث بحلقه العلق من الحیوانات شرب من مائها و دار حولها فألقاها، بإذن اللّه، حدّث بهذا بعض سكّانها.

كلّز

قریة من نواحی عزاز بین حلب و انطاكیة، جری فی أواخر ربیع الأوّل سنة تسع عشرة و ستمائة بها أمر عجیب، و شاع ذلك بحلب، و كتب عامل كلّز إلی حلب كتابا بصحّة ذلك، و هو أنّهم رأوا هناك تنّینا عظیما غلظه شبه منارة، أسود اللون ینساب علی الأرض، و النار تخرج من فیه و دبره، فما مرّ علی شی‌ء إلّا أحرقه، حتی أحرقت مزارع و أشجار كثیرة.
و صادف فی طریقه بیوت التركمان و خرقاهاتهم فأحرقها بما فیها من الناس و المواشی، و مرّ نحو عشرة فراسخ كذلك و الناس یشاهدونه من البعد، حتی أغاث اللّه أهل تلك النواحی بسحابة أقبلت من البحر و تدلّت حتی اشتملت علیه و رفعته نحو السماء، و الناس یشاهدونه حتی غاب عن أعین الناس، و لقد لفّ ذنبه علی كلب و الكلب ینبح فی الهواء.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 250

كوزا

قلعة بطبرستان من عجائب الدنیا؛ قال الأبیّ: هی تناطح النجوم ارتفاعا و تحكیها امتناعا حتی لا تعلوها الطیر فی تحلیقها، و لا السّحب فی ارتفاعها، فتحتفّ بها الغمام و تقف دون قلتّها، و لا تسمو علیها، فیمطر سفحها دون أعلاها، و الفكر قاصر عن ترتیب مقدمات استخلاصها.

الكوفة

هی المدینة المشهورة التی مصرّها الإسلامیّون بعد البصرة بسنتین، قال ابن الكلبی: اجتمع أهل الكوفة و البصرة و كلّ قوم یرجّح بلده فقال الحجّاج:
یا أمیر المؤمنین، إن لی بالبلدین خبرا؛ قال: هات غیر متهم! قال: أمّا الكوفة فبكر عاطل لا حلی لها و لا زینة، و أمّا البصرة فعجوز شمطاء بخراء دفراء أوتیت من كلّ حلی وزینة! فاستحسن الحاضرون وصفه إیّاهما.
قال ابن عبّاس الهمدانی: الكوفة مثل اللهاة من البدن یأتیها الماء بعذوبة و برودة، و البصرة مثل المثانة یأتیها الماء بعد تغیّره و فساده.
و لمسجدها فضائل كثیرة، منها ما روی حبة العرنی قال: كنت جالسا عند علیّ فجاءه رجل و قال: هذا زادی و هذه راحلتی أرید زیارة بیت المقدس! فقال له: كل زادك و بع راحلتك و علیك بهذا المسجد، یرید مسجد الكوفة، ففی زاویته فار التنور، و عند الأسطوانة الخامسة صلّی إبراهیم، و فیه عصا موسی و شجرة الیقطین و مصلّی نوح، علیه السلام. و وسطه علی روضة من ریاض الجنّة، و فیه ثلاث أعین من الجنّة، لو علم الناس ما فیه من الفضل لأتوه حبوا.
بها مسجد السهلة؛ قال أبو حمزة الثّمالی: قال لی جعفر بن محمّد الصادق:
یا أبا حمزة، أتعرف مسجد السهلة؟ قلت: عندنا مسجد یسمّی مسجد السهلة.
قال: لم أرد سواه! لو ان زیدا أتاه و صلّی فیه و استجار فیه بربّه من القتل
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 251
لأجاره! ان فیه موضع البیت الذی كان یخیط فیه ادریس، علیه السلام، و منه رفع إلی السماء، و منه خرج إبراهیم إلی العمالقة، و هو موضع مناخ الخضر، و ما أتاه مغموم إلّا فرّج اللّه عنه.
كان بها قصر اسمه طمار یسكنه الولاة. أمر عبید اللّه بن زیاد بإلقاء مسلم ابن عقیل بن أبی طالب من أعلاه قبل مقتل الحسین، و كان بالكوفة رجل اسمه هانی‌ء یمیل إلی الحسین، فجاء مسلم إلیه فأرادوا إخراجه من داره فقاتل حتی قتل؛ قال عبد اللّه بن الزبیر الأسدی:
إذا كنت لا تدرین ما الموت فانظری‌إلی هانی‌ء فی السّوق و ابن عقیل
إلی بطل قد عفّر السّیف وجهه‌و آخر یلقی من طمار قتیل
و كان فی هذا القصر قبّة ینزلها الأمراء، فدخل عبد الملك بن عمیر علی عبد الملك بن مروان و هو فی هذه القبّة علی سریر، و عن یمینه ترس علیه رأس مصعب بن الزبیر، فقال: یا أمیر المؤمنین، رأیت فی هذه القبّة عجبا! فقال:
ما ذاك؟ قال: رأیت عبید اللّه بن زیاد علی هذا السریر، و عن یمینه ترس علیه رأس الحسین، ثمّ دخلت علی المختار بن عبید و هو علی هذا السریر، و عن یمینه ترس علیه رأس عبید اللّه بن زیاد، ثمّ دخلت علی مصعب بن الزبیر و هو علی هذا السریر، و عن یمینه ترس علیه رأس المختار، ثمّ دخلت علیك یا أمیر المؤمنین و أنت علی هذا السریر، و عن یمینك ترس علیه رأس مصعب! فوثب عبد الملك عن السریر و أمر بهدم القبّة.
زعموا أن من أصدق ما یقوله الناس فی أهل كلّ بلدة قولهم: الكوفی لا یوفی! و ممّا نقم علی أهل الكوفة أنّهم طعنوا الحسن بن علیّ و نهبوا عسكره، و خذلوا الحسین بعد أن استدعوه، و شكوا من سعد بن أبی وقّاص إلی عمر بن الخطّاب، رضی اللّه عنه، و قالوا: انّه ما یحسن الصلاة! فدعا علیهم سعد أن لا یرضیهم اللّه عن وال و لا یرضی والیا عنهم، و دعا علی علیهم و قال:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 252
اللهمّ أمّرهم بالغلام الثقفی! یعنی الحجّاج.
و ادّعی النبوّة منهم كثیرون. و لمّا قتل مصعب بن الزبیر، أرادت زوجته سكینة بنت الحسین الرجوع إلی المدینة، فاجتمع علیها أهل الكوفة و قالوا:
حسن اللّه صحابتك یا ابنة رسول اللّه! فقالت: لا جزاكم اللّه عنی خیرا و لا أحسن إلیكم الخلافة! قتلتم أبی و جدّی و عمّی و أخی! أیتمتونی صغیرة و أرملتمونی كبیرة!
تظلّم أهل الكوفة إلی المأمون من والیهم فقال: ما علمت من عمّالی أعدل و أقوم بأمر الرعیّة منه! فقال أحدهم: یا أمیر المؤمنین لیس أحد أولی بالعدل و الانصاف منك! فإن كان هو بهذه الصفة فعلی الأمیر أن یولیّه بلدا بلدا لیلحق كلّ بلدة من عدله ما لحقناه، فإذا فعل الأمیر ذلك لا یصیبنا أكثر من ثلاث سنین! فضحك المأمون و أمر بصرفه.
ینسب إلیها الإمام أبو حنیفة النعمان بن ثابت، كان عابدا زاهدا خائفا من اللّه تعالی. ودعی أبو حنیفة إلی القضاء فقال: إنی لا أصلح لذلك! فقیل: لم؟
فقال: إن كنت صادقا فلا أصلح لها، و إن كنت كاذبا فالكاذب لا یصلح للقضاء. و أراد عمر بن هبیرة أبا حنیفة للقضاء فأبی، فحلف لیضربنّه بالسیاط علی رأسه و لیحبسنّه، ففعل ذلك حتی انتفخ وجه أبی حنیفة و رأسه من الضرب، فقال: الضرب بالسیاط فی الدنیا أهون من مقامع الحدید فی الآخرة!
قال عبد اللّه بن المبارك:
لقد زان البلاد و من علیهاإمام المسلمین أبو حنیفه
بآثار رفقه فی حدیث‌كآیات الزّبور علی الصّحیفه
فما إن بالعراق له نظیرو لا بالمشرقین و لا بكوفه
و حكی أن الربیع صاحب المنصور كان لا یری أبا حنیفة، فقال له یوما:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 253
یا أمیر المؤمنین، هذا أبو حنیفة یخالف جدّك عبد اللّه بن عبّاس، فإن جدّك یقول إذا حلف الرجل و استثنی بعد یوم أو یومین جاز، و أبو حنیفة یقول:
لا یجوز! فقال أبو حنیفة: هذا الربیع یقول لیس لك فی رقاب جندك بیعة! قال: كیف؟ قال: یحلفون عندك و یرجعون إلی منازلهم یستثنون فتبطل الیمین! فضحك المنصور و قال: یا ربیع لا تتعرّض لأبی حنیفة. فلمّا خرج من عند المنصور قال له الربیع: أردت أن تشطّ بدمی! قال: لا، و لكنك أردت أن تشطّ بدمی فخلّصتك و خلّصت نفسی! و حكی قاضی نهروان أن رجلا استودع رجلا بالكوفة ودیعة و مضی إلی الحجّ. فلمّا عاد طلبها، فأنكر المودع و كان یجالس أبا حنیفة، فجاء المظلوم و شكا إلی أبی حنیفة فقال له:
اذهب لا تعلم أحدا بجحوده! ثمّ طلب الظالم و قال: إن هؤلاء بعثوا إلیّ یطلبون رجلا للقضاء فهل تنشط لها؟ فتمانع الرجل قلیلا ثمّ رغب فیها. فعند ذلك بعث أبو حنیفة إلی المظلوم و قال: مرّ إلیه و قل له: أظنّك نسیت، ألیس كان فی یوم كذا و فی موضع كذا؟ فذهب المظلوم إلیه و قال ذلك، فردّها إلیه. فجاء الظالم إلی أبی حنیفة یرید القضاء فقال: نظرت فی قدرك أرید أن أرفعه بأجلّ من هذا.
و ذكر أنّ أبا العبّاس الطوسی كان سی‌ء الرأی فی أبی حنیفة، و أبو حنیفة یعلم ذلك. فرآه یوما عند المنصور فقال: الیوم اقتل أبا حنیفة! فقال له: یا أبا حنیفة، ما تقول فی أن أمیر المؤمنین یدعو أحدا إلی قتل أحد، و لا ندری ما هو، أیسع لنا أن نضرب عنقه؟ قال أبو حنیفة: یا أبا العبّاس، الأمیر یأمر بالحقّ أو بالباطل؟ قال: بالحقّ! قال: انفذ الحقّ حیث كان و لا تسأل عنه! ثمّ قال لمن كان بجنبه: هذا أراد أن یوبقنی فربطته! توفی سنة خمسین و مائة عن اثنتین و سبعین.
ینسب إلیها أبو عبد اللّه سفیان بن سعید الثوری منسوب إلی ثور أطحل، كان من أكثر الناس علما و ورعا. و كان إماما مجتهدا، و جنید البغدادی یفتی علی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 254
مذهبه، كان یصاحب المهدی، فلمّا ولّی الخلافة انقطع عنه، فقال له المهدی:
إن لم تصاحبنی فعظنی! قال: إن فی القرآن سورة، أوّلها: ویل للمطفّفین! و التطفیف لا یكون إلّا شیئا نزرا فكیف من یأخذ أموالا كثیرة؟
و حكی أن المنصور رآه فی الطواف فضرب یده علی عاتقه فقال: ما منعك أن تأتینا؟ قال: قول اللّه تعالی: و لا تركنوا إلی الذین ظلموا فتمسكم النار! فالتفت المنصور إلی أصحابه و قال: القینا الحبّ إلی العلماء فلقطوا إلّا ما كان من سفیان فإنّه أعیانا! ثمّ قال له: سلنی حاجتك یا أبا عبد اللّه! فقال:
و تقضیها یا أمیر المؤمنین؟ قال: نعم. قال: حاجتی أن لا ترسل إلیّ حتی آتیك، و أن لا تعطینی شیئا حتی أسألك.
و خرج لیلة أراد العبور علی دجلة فوجد شطّیها قد التصقا، فقال: و عزّتك لا أعبر إلّا فی زورق! و كان فی مرض موته یبكی كثیرا، فقال له: أراك كثیر الذنوب! فرفع شیئا من الأرض و قال: ذنوبی أهون علیّ من هذا و إنّما أخاف سلب الإیمان قبل أن أموت. و قال حمّاد بن سلمة: لمّا حضر سفیان الوفاة كنت عنده، قلت: یا أبا عبد اللّه ابشر فقد نجوت ممّا كنت تخاف، و إنّك تقدم علی ربّ غفور! فقال: یا أبا سلمة، أتری یغفر اللّه لمثلی؟ قلت:
إی و الذی لا إله إلّا هو! فكأنّما سرّی عنه. توفی سنة إحدی و ستّین و مائة عن ستّ و ستین سنة بالبصرة.
و ینسب إلیها أبو أمیّة شریح بن الحرث القاضی، یضرب به المثل فی العدل و تدقیق الأمور، بقی فی قضاء الكوفة خمسا و سبعین سنة، استقضاه عمر و علیّ، و استعفی من الحجّاج فأعفاه، ذكر أن امرأة خاصمت زوجها عنده و كانت تبكی بكاء شدیدا فقال له الشعبی: أصلح اللّه القاضی! أما تری شدّة بكائها؟ فقال: أما علمت أن اخوة یوسف جاؤوا أباهم عشاء یبكون و هم ظلمة؟
الحكم إنّما یكون بالبینة لا بالبكاء.
و شهد رجل عنده شهادة فقال: ممّن الرجل؟ قال: من بنی فلان. قال:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 255
أتعرف قائل هذا الشعر:
ماذا أؤمّل بعد آل محرّق‌تركوا منازلهم و بعد إیّاد
قال: لا! فقال: توقّف یا وكیل فی شهادته فإن من كان فی قومه رجل له هذه النباهة و هو لا یعرفه أظنّه ضعیفا.
و كتب مسروق بن عبد اللّه إلی القاضی شریح، و قد دخل زیاد ابن أبیه فی مرض موته و منعوا الناس عنه، و كتب إلیه: أخبرنا عن حال الأمیر فإن القلوب لبطء مرضه مجروحة، و الصدور لنا حزینة غیر مشروحة! فأجابه القاضی:
تركت الأمیر و هو یأمر و ینهی! فقال: أما تعلمون أن القاضی صاحب تعریض؟
یقول: تركته یأمر الوصیّة و ینهی عن الجزع! و كان كما ظنّ. و القاضی شریح توف سنة اثنتین و ثمانین عن مائة و عشرین سنة.
و ینسب إلیها أبو عبد اللّه سعید بن جبیر، كان الناس إذا سألوا بالكوفة ابن عبّاس یقول: أتسألوننی و فیكم سعید بن جبیر؟ و كان سعید ممّن خرج علی الحجّاج و شهد دیر الجماجم، فلمّا انهزم ابن الأشعث لحق سعید بمكّة، و بعد مدّة بعثه خالد بن عبد اللّه القسری، و كان والیا علی مكّة من قبل الولید ابن عبد الملك، إلی الحجّاج تحت الاستظهار، و كان فی طریقه یصوم نهارا و یقوم لیلا، فقال له الموكّل به: إنی لا أحبّ أن أحملك إلی من یقتلك، فاذهب أی طریق شئت! فقال له سعید: انّه یبلغ الحجّاج أنّك خلیتنی و أخاف أن یقتلك! فلمّا دخل علی الحجّاج قال له: من أنت؟ قال: سعید بن جبیر! قال: بل أنت شقیّ بن كسیر! قال: سمّتنی أمّی! قال: شقیت! قال: الغیب یعلمه غیرك! فقال له الحجّاج: لأبدّلنّك من دنیاك نارا تتلظّی! فقال سعید:
لو علمت أن ذاك إلیك ما اتّخذت إلها غیرك! قال: ما تقول فی الأمیر؟ قال:
إن كان محسنا فعند اللّه ثواب إحسانه، و إن كان مسیئا فلن یعجز اللّه! قال:
فما تقول فیّ؟ قال: أنت أعلم بنفسك! فقال: تب فی علمك! فقال: اذم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 256
أسوءك و لا أسرك. قال: تب! قال: ظهر منك جور فی حدّ اللّه و جرأة علی معاصیه بقتلك أولیاء اللّه! قال: و اللّه لأقطعنّك قطعا قطعا و لأفرقنّ أعضاءك عضوا عضوا! قال: فإذن تفسد علیّ دنیای و أفسد علیك آخرتك و القصاص أمامك! قال: الویل لك من اللّه! قال: الویل لمن زحزح عن الجنّة و أدخل النار! فقال: اذهبوا به و اضربوا عنقه. فقال سعید: انی أشهدك انی أشهد ان لا إله إلّا اللّه و أن محمّدا رسول اللّه، لتستحفظه حتی ألقاك بها یوم القیامة! فذهبوا به فتبسّم، فقال الحجّاج: لم تبسّمت؟ فقال: لجرأتك علی اللّه تعالی! فقال الحجّاج: اضجعوه للذبح! فأضجع. فقال: وجهت وجهی للذی فطر السموات و الأرض. فقال الحجّاج: اقلبوا ظهره إلی القبلة. قال سعید: فأینما تولّوا فثمّ وجه اللّه! قال: كبّوه علی وجهه. فقال: منها خلقناكم و فیها نعیدكم و منها نخرجكم تارة أخری! فذبح من قفاه، فبلغ ذلك الحسن البصری فقال: اللهمّ یا قاصم الجبابرة اقصم الحجّاج.
و عن خالد بن خلیفة عن أبیه قال: شهدت مقتل سعید بن جبیر، فلمّا بان رأسه قال: لا إله إلّا اللّه مرّتین و الثالثة لم یتمّها، و عاش الحجّاج بعده خمسة عشر یوما، وقع الدود فی بطنه، و كان یقول: ما لی و لسعید بن جبیر؟
كلّما أردت النوم أخذ برجلی! و توفی سعید سنة خمس و تسعین عن سبع و خمسین سنة.
و ینسب إلیها أبو الطیّب أحمد المتنبی. كان نادر الدهر شاعرا مفلقا فصیحا بلیغا، أشعاره تشتمل علی الحكم و الأمثال، قال ابن جنّی: سمعت أبا الطیّب یقول: إنّما لقبّت بالمتنبی لقولی:
ما مقامی بأرض نخلة إلّاكمقام المسیح بین الیهود
أنا فی أمّة، تداركها اللّه، غریب كصالح فی ثمود
و كان لا یمدح إلّا الملوك العظماء، و إذا سمع قصیدة حفظها بمرّة واحدة،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 257
و ابنه یحفظها بمرّتین، و غلامه یحفظها بثلاث مرّات، فربّما قرأ أحد علی ممدوح قصیدة بحضوره فیقول: هذا الشعر لی! و یعیدها ثمّ یقول: و ابنی أیضا یحفظها، ثمّ یقول: و غلامی أیضا یحفظها.
اتّصل بسیف الدولة و قرأ علیه:
أجاب دمعی و ما الدّاعی سوی طلل فلمّا انتهی إلی قوله:
أقل أنل اقطع احمل سلّ علّ أعدزدهشّ بشّ تفضّل ادن سرّ صل
أمر سیف الدولة أن یفعل جمیع هذه الأوامر التی ذكرها فیقول المتنبی:
أمرّ إلی إقطاعه فی ثیابه‌علی طرفه من داره بحسامه
حكی ابن جنّی عن أبی علی النسوی قال: خرجت من حلب فإذا أنا بفارس متلثّم قد أهوی نحوی برمح طویل سدّده فی صدری، فكدت أرمی نفسی من الدابّة، فثنی السنان و حسر لثامه فإذا المتنبی یقول:
نثرت رؤوسا بالأحیدب منهم‌كما نثرت فوق العروس دراهم
ثمّ قال: كیف تری هذا البیت أحسن هو؟ قلت: و یحك قتلنی! قال ابن جنّی: حكیت هذا بمدینة السلام لأبی الطیّب فضحك.
و حكی الثعالبی أن المتنبی لمّا قدم بغداد ترفع عن مدح الوزیر المهلبی، ذهابا بنفسه إلی أنّه لا یمدح غیر الملوك، فشقّ ذلك علی الوزیر فأغری به شعراء بغداد فی هجوه، و منهم ابن سكّرة الهاشمی و الحاتمی و ابن لنكك، فلم یجبهم بشی‌ء و قال: انی قد فرغت عن جوابهم بقولی لمن هو أرفع طبقة منهم فی الشعر:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 258 أفی كلّ یوم تحت ضبنی شویعرضعیف یقاوینی قصیر یطاول
لسانی بنطقی صامت عنه عادل‌و قلبی بصمتی ضاحك منه هازل
و أتعب من ناداك من لا تجیبه‌و أغیظ من عاداك من لا تشاكل
و ما التّیه طبّی فیهم غیر أنّنی‌بغیض إلیّ الجاهل المتعاقل
و فارق بغداد قاصدا عضد الدولة بفارس و مدحه بقصائده المذكورة فی دیوانه، و ربحت تجارته عند عضد الدولة، و بقی عنده مدّة، و وصل إلیه من مبرّاته أكثر من مائتی ألف درهم، فاستأذن فی المسیر لیقضی حوائجه فأذن له و أمر له بالخلع و الصلات، فقرأ علیه قصیدته الكافیّة و كأنّه نعی فیها نفسه و یقول:
ولو أنی استطعت حفظت طرفی‌و لم أبصر به حتّی أراكا
و فی الأحباب مختصّ بوجدو آخر یدّعی معه اشتراكا
إذا اجتمع الدّموع علی خدودتبیّن من بكی ممّن تباكی
و أنّی شئت یا طرقی فكونی‌أذاة أو نجاة أو هلاكا
و هذه الأبیات ممّا یتطیّر بها، و جعل قافیة آخر شعره هلاكا فهلك. و لمّا ارتحل من شیراز بحسن حال و وفور مال، فلمّا فارق أعمال فارس حسب أن السلامة تستمرّ كما كانت فی أعمال عضد الدولة، فخرج علیه سریّة من الأعراب فحاربهم حتی انكشفت الوقعة عن قتله، و قتل ابنه محسّد، و نفر من غلمانه فی سنة أربع و خمسین و ثلاثمائة.

اللّاذقیّة

مدینة من سواحل بحر الشام عتیقة، سمّیت باسم بانیها رومیة، و فیها أبنیة قدیمة، و لها مرقاة جیدة و قلعتان متّصلتان علی تلّ مشرف علی ربضها، ملكها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 259
الفرنج فیما ملكوه من بلاد الساحل فی حدود سنة خمسمائة. و للمسلمین بها جامع و قاض و خطیب، فإذا أذّن المسلمون ضرب الفرنج بالناقوس غیظا، قال المعری:
باللّاذقیّة فتنةما بین أحمد و المسیح
هذا یعالج دلبه‌و الشّیخ من حنق یصیح!
أراد بالدلب الناقوس و بالصیاح الأذان.
قال ابن رطلین: رأیت باللاذقیّة أعجوبة، و ذلك أن المحتسب یجمع الفواجر و الغرباء المؤثرین للفجور فی حلقته، و ینادی علی واحدة و یتزایدون، حتی إذا وقف سلّمها إلی صاحبها مع ختم المطران. و هو یأخذها إلی الفنادق، فإذا وجد البطریق إنسانا لم یكن معه ختم المطران ألزمه جنایة، فلمّا كانت سنة أربع و ثمانین و خمسمائة استرجعها صلاح الدین یوسف، و هی إلی الآن فی ید المسلمین.

اللّجّون‌

مدینة بالأردنّ. فی وسطها صخرة كبیرة مدوّرة، و علی الصخرة قبّة مزار یتبرّكون بها.
حكی أن الخلیل، علیه السلام، دخل هذه المدینة و معه غنم له، و كانت المدینة قلیلة الماء، فسألوه أن یرتحل لقلّة الماء، فضرب بعصاه هذه الصخرة فخرج منها ماء كثیر اتّسع علی أهل المدینة، حتی كانت قراهم و رساتیقهم تسقی من هذا الماء، و الصخرة باقیة إلی الآن.

ماردین

آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی ؛ ص259
عة مشهورة علی قلّة جبل بالجزیرة، لیس علی وجه الأرض قلعة أحسن منها و لا أحكم و لا أعظم، و هی مشرفة علی دنیسر و دارا و نصیبین، و قدّامها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 260
ربض عظیم فیه أسواق و فنادق و مدارس و ربط. وضعها وضع عجیب لیس فی شی‌ء من البلدان مثلها، و ذلك أن دورهم كالدرج كلّ دار فوق أخری، و كلّ درب منها مشرف علی ما تحته، و عندهم عیون قلیلة، جلّ شربهم من الصهاریج المعدّة فی دورهم. و قال بعض الظرفاء:
فی ماردین، حماها اللّه، لی سكن‌لولا الضّرورة ما فارقتها نفسا
لأهلها ألسن لان الحدید لهاو قلبهم جبلیّ قد قسا و عسا

ماسبدان

مدینة مشهورة بقرب السیروان، كثیرة الشجر كثیرة الحمات و الكباریت و الزاجات و البوارق و الاملاح. بها عین عجیبة، من شرب منها قذف اخلاطا كثیرة، لكنه یضرّ بأعصاب الرأس، و إن احتقن بمائها أسهل إسهالا عظیما.

مجّانة

بلدة بإفریقیة تسمّی قلعة بسر لأن بسر بن أرطاة فتحها. أرضها أرض طیّبة ینبت بها زعفران كثیر، بها معادن الفضّة و الحدید و المرتك و الرصاص و الكحل، و فی جنوبیّها جبل تقطع منه أحجار الطواحین و تحمل إلی سائر بلاد العرب.

محجّة

من قری حوران. بها حجر یزوره الناس، و زعموا أن النبی، صلّی اللّه علیه و سلّم، جلس علیه.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 261

مدین‌

مدینة قوم شعیب، علیه السلام. بناها مدین بن إبراهیم الخلیل جدّ شعیب، و هی تجارة تبوك بین المدینة و الشام. بها البئر التی استقی منها موسی، علیه السلام، لماشیة شعیب؛ قیل: إن البئر مغطاة و علیها بیت یزوره الناس.
و قیل: مدین هی كفرمندة من أعمال طبریة، و بها البئر و عندها الصخرة التی قلعها موسی، و هی باقیة إلی الآن، و قد مرّ ذكره فی كفرمندة.

مرسی الخرز

بلیدة علی ساحل بحر افریقیة، عندها یستخرج المرجان و لیس للسلطان فیه حصّة، فیجتمع بها التجّار و یستأجرون أهل تلك النواحی علی استخراج المرجان من قعر البحر، حكی من شاهد كیفیّة استخراجه أنّهم یتّخذون خشبتین، طول كلّ واحدة ذراع، و یجعلونهما صلیبا و یشدّون فیه حجرا ثقیلا، و یصلونه بحبل و یركب صاحبه فی قارب، و یتوسط البحر نحو نصف فرسخ لیصل إلی منبت المرجان. ثمّ یرسل الصلیب إلی البحر حتی ینتهی إلی قرار البحر، و یمرّ بالقارب یمینا و شمالا و مستدیرا لیتعلّق المرجان فی ذوائب الصلیب، ثمّ یقلعه بالقوّة و یرقّیه فیخرج جسم أغبر اللون، فیحكّ قشره فیخرج أحمر اللون حسنا.

المرقّب‌

بلدة و قلعة حصینة مشرفة علی سواحل بحر الشام، قال أبو غالب المغربی فی تاریخه: عمّر المسلمون حصن المرقّب فی سنة أربع و خمسین و أربعمائة، فجاء فی غایة الحصانة و الحسن حتی یتحدّث الناس بحسنه و حصانته، فطمع الروم فیه و طمع المسلمون فی الحیلة بالروم بسببه، فما زالوا حتی بیع الحصن منهم بمال عظیم. و بعثوا شیخا و ولدیه إلی انطاكیة لقبض المال و تسلیم الحصن،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 262
فبعثوا المال مع ثلاثمائة رجل لتسلّم الحصن و أخروا الشیخ عندهم. فلمّا وصل المال إلی المسلمین قبضوه و قتلوا بعض الرجال و أسروا آخرین، و باعوهم بمال آخر و بالشیخ و ولدیه، و حصل الحصن و المال للمسلمین و قتل كثیر من الروم.

مرّیسة

قریة بمصر من ناحیة الصعید. تجلب منها الحمر المریسیة، و هی من أجود حمر مصر و أمشاها و أحسنها صورة و أكبرها، تحمل إلی سائر البلاد للتحف، لیس فی شی‌ء من البلاد مثلها، و البلاد الباردة لا توافقها فتموت فیها سریعا.
و ینسب إلیها بشر المریسی المعتزلی. كان فی زمن المأمون و زعم انّه یبین ان القرآن مخلوق و كلّ من شاء یناظره فیه. و كان دلیله أن القرآن لا یخلو امّا أن یكون شیئا أو لم یكن، لا جائز أن یقال إن القرآن لیس بشی‌ء لأنّه كفر، فتعیّن أن یكون شیئا، و قد قال تعالی: اللّه خالق كلّ شی‌ء. فیكون خالقا للقرآن أیضا.
و قد غلب الناس بهذا و قبلوا منه و صاروا علی هذا، فاتّصل هذا الخبر إلی مكّة إلی عبد العزیز المكّی، فقام قاصدا لبغداد لدفع هذه الغمّة، و سأل المأمون أن یجمع بینه و بین بشر بن غیاث، فجمع بینهما و جری بینهما مناظرات حاصلها أن عبد العزیز قد حجّه بدلیله و قال: الالهیة شی‌ء أو لیس بشی‌ء، لا جائز أن یقال لیس بشی‌ء لأنّه كفر، فتعیّن أن یكون شیئا؛ قال اللّه تعالی لبلقیس: و أوتیت من كلّ شی‌ء، ینبغی أن تؤتی الالهیة فدلیلك یدلّ علی أن بلقیس إلاهة، فما ظنّكم بدلیل یدلّ علی أن المخلوق إله؟ فقیل لعبد العزیز: هذا نقض حسن، فما معنی قوله تعالی: اللّه خالق كلّ شی‌ء؟ قال: معناه اللّه خالق كلّ شی‌ء قابل للخلق و الایجاد، و القدیم غیر قابل للخلق و الایجاد، و كذلك قوله تعالی: و أوتیت من كلّ شی‌ء، معناه كلّ شی‌ء یحتاج إلیه الملوك. فتری أوتیت الالهیة و النبوة و الذكورة كلّها أشیاء. فاستحسن المأمون ذلك و رجع القوم عن الاعتقاد الفاسد، و قام المریسی محجوجا خائبا.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 263
و حكی عبد اللّه الثقفی قال: لمّا مات المریسی رأیت زبیدة فی المنام فقلت لها:
ما فعل اللّه بك؟ قالت: غفر لی بأوّل معول ضربت فی طریق مكّة، و أنا حفرت فی طریق مكّة آبارا كثیرة. فقلت لها: انی أری فی وجهك صفرة! قالت:
قد حمل إلینا بشر المریسی فزفرت جهنّم زفرة لقدومه، هذه الصفرة من اثرها.

مریوط

قریة بمصر قرب الإسكندریّة. من عجائبها طول عمر سكّانها، قال ابن زولاق: كشف الطوال الأعمار فلم یوجد أطول عمرا من سكّان مریوط.

المزّة

قریة كبیرة غنّاء فی وسط بساتین دمشق، علی نصف فرسخ منها. من جمیع جهاتها أشجار و میاه و خضر، و هی من أنزه أرض اللّه و أحسنها. یقال لها مزّة كلب، یقصدها أرباب البطالة للهو و الطرب؛ قال قیس بن الرّقیّات:
حبّذا لیلتی بمزّة كلب‌غال عنی بها الكوانین غول
بتّ أسقی بها و عندی حبیب‌إنّه لی و للكرام خلیل
عندنا المشرفات من بقر الإنس هواهنّ لابن قیس دلیل

مصر

ناحیة مشهورة، عرضها أربعون لیلة فی مثلها. طولها من العریش إلی اسوان و عرضها من برقة إلی ایلة. سمّیت بمصر بن مصرایم بن حام بن نوح، علیه السلام، و هی أطیب الأرض ترابا و أبعدها خرابا، و لا یزال فیها بركة ما دام علی وجه الأرض إنسان.
و من عجائبها انّه إن لم یصبها مطر زكت بخلاف سائر النواحی، و إن أصابها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 264
ضعف زكاؤها. و وصف بعض الحكماء مصر فقال: إنّها ثلاثة أشهر لؤلؤة بیضاء، و ثلاثة أشهر مسكة سوداء، و ثلاثة أشهر زمردة خضراء، و ثلاثة أشهر سبیكة ذهب حمراء. قال كشاجم:
أما تری مصر كیف قد جمعت‌بها صنوف الرّیاحین فی مجلس
السّوسن الغضّ و البنفسج و الورد وصفّ البهار و النّرجس
كأنّها الأرض ألبست حللامن فاخر العبقری و السّندس
كأنّها الجنّة التی جمعت‌ما تشتهیه العیون و الأنفس
و من عجائبها زیادة النیل عند انتقاص جمیع المیاه فی آخر الصیف، حتی یمتلی‌ء منه جمیع أرض مصر، فإذا زاد اثنی عشر ذراعا ینادی المنادی كلّ یوم:
زاد اللّه فی النیل المبارك كذا و كذا.
و فی وسط النیل مسجد بناه المأمون لمّا ذهب إلی مصر، و خلف المسجد صهریج، و فی وسط الصهریج عمود من الرخام الأبیض طوله أربعة و عشرون ذراعا، و كتب علی كلّ ذراع علامة، و قسم كلّ ذراع أربعا و عشرین إصبعا، و كلّ إصبع ستّة أقسام. و للصهریج منفذ إلی النیل یدخل إلیه الماء، فأی مقدار زاد فی النیل عرف من العمود، و علی العمود قوم أمناء یشاهدون ذلك و یخبرون عن الزیادة، فإذا بلغ ستة عشر ذراعا وجب الخراج علی أهل مصر، فإذا زاد علی ذلك یزید فی الخصب و الخیر إلی عشرین، فإن زاد علی ذلك یكون سببا للخراب. و الیوم الذی بلغ الماء فیه ستّة عشر ذراعا یكون یوم الزینة، یخرج الناس بالزینة العظیمة لكسر الخلجان فتصیر أرض مصر كلّها بحرا واحدا. و الماء یخرج الفئران و الثعابین من جحرتها، فتدخل علی الناس فی القری و یأكلها الكلاب و الزیغان، و یبقی ماء النیل علی وجه الأرض أربعین یوما ثمّ یأخذ فی الانتقاص.
و كلّما ظهر شی‌ء من الأرض یزرعها الاكرة و تمشی علیها الأغنام لغیب البذر فی الطین، و یرمون بذرا قلیلا فیأتی بریع كثیر لأن اللّه تعالی جعل فیه البركة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 265
و بها نهر النیل؛ قالوا: لیس علی وجه الأرض نهر أطول من النیل لأن مسیره شهر فی بلاد الإسلام، و شهران فی بلاد النوبة، و أربعة أشهر فی الخراب إلی أن یخرج ببلاد القمر خلف خطّ الاستواء. و لیس فی الدنیا نهر یصبّ من الجنوب إلی الشمال، و یمدّ فی شدّة الحرّ عند انتقاص المیاه و الأنهار كلّها، و یزید بترتیب و ینقص بترتیب إلّا النیل.
قال القضاعی: من عجائب مصر النیل، جعله اللّه تعالی سقیا یزرع علیه و یستغنی عن المطر به فی زمان القیظ، إذا نضبت المیاه. و سبب مدّه ان اللّه تعالی یبعث ریح الشمال فیقلب علیه البحر الملح، فیصیر كالسكر فیزید حتی یعمّ الرّبی و العوالی و یجری فی الخلیج و المساقی، فإذا بلغ الحدّ الذی هو تمام الریّ و حضرت أیّام الحراثة، بعث اللّه ریح الجنوب فأخرجته إلی البحر الملح و انتفع الناس بما أروی من الأرض. و لهم مقیاس ذكرنا قبل یعرفون به مقدار الزیادة و مقدار الكفایة.
قال القضاعی: أوّل من قاس النیل بمصر یوسف، علیه السلام، و بنی مقیاسه بمنف، و ذكر أن المسلمین لمّا فتحوا مصر جاء أهلها إلی عمرو بن العاص حین دخل بؤونه من شهر القبط و قالوا: أیّها الأمیر إن لبلدنا سنّة لا یجری النیل إلّا بها، و ذلك انّه إذا كان لاثنتی عشرة لیلة من هذا الشهر عمدنا إلی جاریة بكر، فأرضینا أبویها و جعلنا علیها من الحلی و الثیاب أفضل ما یكون، ثمّ ألقیناها فی النیل لیجری. فقال لهم عمرو: إن هذا فی الإسلام لا یكون، و إن الإسلام یهدم ما قبله! فأقاموا بؤونه و ابیب و مسری و هو لا یجری قلیلا و لا كثیرا حتی همّ الناس بالجلاء. فلمّا رأی عمرو ذلك كتب إلی عمر بن الخطّاب، رصی اللّه عنه، بذلك، فكتب عمر إلیه: قد أصبت، إن الإسلام یهدم ما قبله! و قد بعثت إلیك بطاقة فألقها فی داخل النیل. و إذا فی الكتاب: من عبد اللّه عمر أمیر المؤمنین إلی نیل مصر، أمّا بعد فإن كنت تجری من قبلك فلا تجر، و إن كان اللّه الواحد القهّار هو الذی یجریك فنسأل اللّه الواحد القهّار أن یجریك! فألقی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 266
عمرو بن العاص البطاقة فی النیل قبل الصلیب بیوم، و قد تهیّأ أهل مصر للجلاء لأن مصالحهم لا تقوم إلّا بالنیل، فأصبحوا و قد أجری اللّه النیل ستة عشر ذراعا فی لیلة واحدة.
و أمّا أصل مجراه فإنّه یأتی من بلاد الزنج، فیمرّ بأرض الحبشة حتی ینتهی إلی بلاد النوبة، ثمّ لا یزال جاریا بین جبلین بینهما قری و بلدان، و الراكب فیه یری الجبلین عن یمینه و شماله حتی یصبّ فی البحر. و قیل: سبب زیادته فی الصیف أن المطر یكثر بأرض الزنجبار، و تلك البلاد ینزل الغیث بها كأفواه القرب و یصبّ السیول إلی النیل من الجهات، فإلی أن یصل إلی مصر و یقطع تلك المفاوز یكون القیظ و وقت الحاجة إلیه.
من عجائب النیل التمساح لا یوجد إلّا فیه، و قیل بنهر السند أیضا یوجد، إلّا أنّه لیس فی عظم النیلی، و هو یعضّ الحیوان، و إذا عضّ اشتبكت أسنانه و اختلفت فلم یتخلّص منها الذی یقع فیها حتی یقطعه. و یحترز الإنسان من شاطی‌ء النیل لخوف التمساح؛ قال الشاعر:
أضمرت للنّیل هجرانا و مقلیةمذ قیل لی: إنّما التّمساح فی النّیل
فمن رأی النّیل رأی العین عن كثب‌فما أری النّیل إلّا فی البواقیل
و البواقیل: كیزان یشرب منها أهل مصر.
و بها شجرة تسمّی بالیونانیّة موقیقوس، تراها باللیل ذات شعاع متوهّج یغترّ برؤیتها كثیر من الناس، یحسبها نار الرعاة، فإذا قصدها كلّما زاد قربا زادت خفاء حتی إذا وصل إلیها انقطع ضوؤها.
و بها حشیشة یقال لها الدلس، یتّخذ منها حبال السفن و تسمّی تلك الحبال القوقس. تؤخذ قطعة من هذا الحبل و تشعل فتبقی مشتعلة بین أیدیهم كالشمع، ثمّ تطفأ و تمكث طول اللیل، فإذا احتاجوا إلی الضوء أخذوا بطرفه و أداروه ساعة كالمخراق فیشتعل من نفسه.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 267
و بها نوع من البطیخ الهندی تحمل اثنتان منه علی جمل قوی، و هی حلوة طیّبة.
و بها حمیر فی حجم الكباش ملمعة بشبه البغال، لیس مثلها فی شی‌ء من البلاد، إذا أخرجت من موضعها لم تعش.
و بها طیر كثیر أسود البدن أبیض الرأس یقال له عقاب النیل، إذا طار یقول:
اللّه فوق الفوق! بصوت فصیح یسمعه الناس، یعیش من سمك النیل لا یفارق ذلك الموضع.
و البرغوث لا ینقطع بمصر شتاء و لا صیفا، و تولد الفأر بها أكثر من تولدها فی سائر البلاد، فتری عند زیادة النیل تسلّط الماء علی جحرتها، فلا یبقی فی جمیع ممرّ الماء فأرة ثمّ تتولّد بعد ذلك بأدنی زمان.
و من عجائب مصر الدویبة التی یقال لها النمس؛ قال المسعودی: هی دویبة أكبر من الجرذ و أصغر من ابن عرس، أحمر أبیض البطن، إذا رأت الثعبان دنت منه فینطوی علیها الثعبان لیأكلها، فإذا حصلت فی فمه ترخی علیه ریحا فینقطع الثعبان من ریحها. و هذه خاصیّة هذه الدویبة، قالوا ینقطع الثعبان من شدّته قطعتین، فإنّها لأهل مصر كالقنافذ لأهل سجستان.
و من عجائب مصر الهرمان المحاذیان للفسطاط؛ قال أبو الصلت: كلّ واحد منهما جسم من أعظم الحجارة، مربع القاعدة مخروط الشكل، ارتفاع عموده ثلاثمائة ذراع و سبعة عشر ذراعا، یحیط بها أربعة سطوح مثلثات متساویات الأضلاع، كلّ ضلع منها أربعمائة ذراع و ستّون ذراعا، و هو مع هذا العظم من أحكم الصنعة و اتقان الهندام و حسن التقدیر، لم یتأثّر من تضاعف الریاح و هطل السحاب و زعزعة الزلازل.
و ذكر قوم أن علی الهرمین مكتوبا بخط المسند: إنی بنیتهما فمن یدّعی قوّة فی ملكه فلیهدمهما، فإن الهدم أیسر من البناء، و قد كسوناهما بالدیباج فمن استطاع فلیكسهما بالحصیر.
و قال ابن زولاق: لا نعلم فی الدنیا حجرا علی حجر أعلی و لا أوسع منهما،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 268
طولهما فی الأرض أربعمائة ذراع و ارتفاعهما كذلك، و قال أبو عبد اللّه بن سلامة القضاعی فی كتاب مصر: إنّه وجد فی قبر من قبور الأوائل صحیفة، فالتمسوا لها قارئا فوجدوا شیخا فی دیر قلمون یقرأها، فإذا فیها: إنّا نظرنا فیما تدلّ علیه النجوم فرأینا أن آفة نازلة من السماء و خارجة من الأرض، ثمّ نظرنا فوجدناه مفسدا للأرض و نباتها و حیوانها، فلمّا تمّ الهرم الغربی بنی لابن أخیه الهرم المؤزّر و كتبنا فی حیطانها أن آفة نازلة من أقطار العالم، و ذلك عند نزول قلب الأسد أوّل دقیقة من رأس السرطان، و تكون الكواكب عند نزولها إیّاها فی هذه المواضع من الفلك، الشمس و القمر فی أوّل دقیقة من الحمل، و زحل فی درجة و ثمان و عشرین دقیقة من الحمل، و المشتری فی تسع و عشرین درجة و عشرین دقیقة من الحمل، و المریخ فی تسع و عشرین درجة و ثلاث دقائق من الحوت، و الزهرة فی ثمان و عشرین درجة من الحوت، و عطارد فی تسع و عشرین درجة من الحوت، و الجوزهر فی المیزان، و أوج القمر فی خمس درجات و دقائق من الأسد. فلمّا مات سوریل دفن فی الهرم الشرقی، و دفن أخوه هرجیت فی الهرم الغربی، و دفن ابن أخیه كرورس فی الهرم الذی أسفله. و لهذه الأهرام أبواب فی ازج تحت الأرض، طول كلّ ازج منها مائة و خمسون ذراعا. فأمّا باب الهرم الشرقی فمن الناحیة الشرقیة، و أمّا باب الهرم الغربی فمن الناحیة الغربیّة، و أمّا باب الهرم المؤزّر فمن الناحیة الشمالیة. و فی الأهرام من الذهب ما لا یحتمله الوصف.
ثمّ ان المترجم لهذا الكلام من القبطی إلی العربی أجمل التاریخات إلی سنة خمس و عشرین و مائتین من سنی الهجرة، فبلغت أربعة آلاف و ثلاثمائة و إحدی و عشرین سنة شمسیّة، ثمّ نظر كم مضی من الطوفان إلی وقته هذا فوجده ثلاثة آلاف و تسعمائة و إحدی و أربعین سنة، فألقاها من الجملة الأولی، فبقی ثلاثمائة و تسع و تسعون سنة، فعلم أن تلك الصحیفة كتبت قبل الطوفان بهذه المدّة. و قال بعضهم:
حسرت عقول ذوی النّهی الأهرام‌و استصغرت لعظیمها الأحلام
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 269 ملس منبّقة البناء شواهق‌قصرت لغال دونهنّ سهام
لم أدر حین كبا التّفكّر دونهاو استوهمت لعجیبها الأوهام
أقبور أملاك الأعاجم هنّ أم‌طلّسم رمل كنّ أم أعلام
و زعم بعضهم أن الأهرام بمصر قبور ملوك عظام بها، آثروا أن یتمیّزوا بها علی سائر الملوك بعد مماتهم، كما تمیّزوا عنهم فی حیاتهم، و أرادوا أن یبقی ذكرهم بسبب ذلك علی تطاول الدهور.
و ذكر محمّد بن العربی الملقّب بمحیی الدین: ان القوم كانوا علی دین التناسخ، فاتّخذوا الأهرام علامة لعلّهم عرفوا مدّة ذهابهم و مجیئهم إلی الدنیا بعلامة ذلك.
و من الناس من یزعم أن هرمس الأوّل الذی یسمّیه الیونانیّون أخنوخ بن یرد بن مهلائیل بن قینان بن انوش بن شیث بن آدم، علیه السلام، و هو ادریس، علم بطوفان نوح إمّا بالوحی أو بالاستدلال علی ذلك من أحوال الكواكب، فأمر ببناء الأهرام و إیداعها الأموال و صحائف العلوم إشفاقا علیها من الدروس، و احتیاطا علیها و حفظا لها.
و من عجائب مصر أبو الهول. و هو صورة آدمی عظیمة مصنعة، و قد غطی الرمل أكثره. یقال: انّه طلسم للرمل لئلّا یغلب علی كورة الجیزة، فإن الرمال هناك كثیرة شمالیّة متكاثفة، فإذا انتهت إلیها لا تتعدّاه، و المرتفع من الرمل رأسه و كتفاه. و هو عظیم جدّا، و صورته ملیحة كأنّ الصانع الآن فرغ منه. و قد ذكر من رأی أن نسرا عشّش فی أذنه و هو مصبوغ بالحمرة؛ قال ظافر الإسكندری:
تأمّل بنیة الهرمین و انظرو بینهما أبو الهول العجیب
كمثل عمارتین علی رحیل‌لمحبوبین بینهما رقیب
و ماء النّیل تحتهما دموع‌و صوت الرّیح عندهما نحیب
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 270
و لمّا وصل المأمون إلی مصر، نقب أحد الهرمین المحاذیین للفسطاط بعد جهد شدید و عناء طویل، فوجد فی داخله مراقی و مهادی هائلة یعسر السلوك فیها، و وجد فی أعلاه بیتا مكعبا طول كلّ ضلع منه ثمانیة أذرع، و فی وسطه حوضا رخاما مطبقا، فلمّا كشف غطاؤه لم یوجد فیه غیر رمّة بالیة، فأمر المأمون بالكفّ عن نقب ما سواه. و قال بعضهم: ما سمعت بشی‌ء عظیم فجئته إلّا رأیته دون صفته إلّا الهرمین، فإنی لمّا رأیتهما كانت رؤیتهما أعظم من صفتهما.
و من عجائب مصر حوض لعین ماء منقور فی حجر عظیم، یسیل الماء إلی الحوض من تلك العین من جبل بجنب كنیسة، فإذا مسّ ذلك الماء جنب أو حائض انقطع الماء السائل من ساعته، و ینتن الماء الذی فی الحوض فیعرف الناس سببه، فینزفون الماء الذی فی الحوض و ینظفونه، فیعود إلیه الماء علی حالته الأولی.
و قد ذكر أمر هذا الحوض أبو الریحان الخوارزمی فی كتابه الآثار الباقیة، و ان هذا الحوض یسمّی الطاهر.
و بها جبل المقطّم، و هو جبل مشرف علی القرافة ممتدّ إلی بلاد الحبشة علی شاطی‌ء النیل الشرقی، و علیه مساجد و صوامع، لا نبت فیه و لا ماء غیر عین صغیرة تنزّ فی دیر للنصاری، یقولون انّه معدن الزبرجد، و سأل المقوقس عمرو بن العاص أن یبیعه سفح المقطم بسبعین ألف دینار، فكتب عمرو بن العاص إلی عمر ابن الخطّاب، فكتب إلیه: ان استخبره لأیّ شی‌ء بذل ما بذل؟ فقال المقوقس:
إنّنا نجد فی كتبنا انّه غراس الجنّة! فقال عمر: غراس الجنّة لا نجد إلّا للمؤمنین.
فأمره أن یتّخذه مقبرة؛ قالوا: ان المیت هناك لا یبلی! و بها موتی كثیرون بحالهم ما بلی منهم شی‌ء، و بها قبر روبیل بن یعقوب و قبر إلیسع، علیه السلام.
و بها قبر عمران بن الحصین صاحب رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم.
و من عجائبها عین الناطول، و ناطول اسم موضع بمصر فیه غار، و فی الغار عین ینبع الماء منها و یتقاطر علی الطین فیصیر ذلك الطین فأرا؛ قال صاحب تحفة الغرائب: حكی لی رجل أنّه رأی من ذلك الطین قطعة انقلب بعضها فأرا
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 271
و البعض الآخر طین بعد.
و من عجائبها نهر سنجة؛ قال الأدیبی: هو نهر عظیم یجری بین حصن المنصور و كیسوم من دیار مصر، لا یتهیّأ خوضه لأن قراره رمل سیال، إذا وطئه واطی‌ء غاص به، و علی هذا النهر قنطرة من عجائب الدنیا، و هی طاق واحد من الشطّ إلی الشطّ، و تشتمل علی مائتی خطوة، و هی متّخذة من حجر مهندم طول الحجر عشرة أذرع فی ارتفاع خمسة أذرع، و حكی ان عندهم طلسما علی لوح إذا عاب من القنطرة موضع أدلی ذلك اللوح علی موضع العیب، فینعزل عنه الماء حتی یصلح ثمّ یرفع اللّوح فیعود الماء إلی حاله.
و من عجائبها جبل الطیر. و هو بصعید مصر فی شرقی النیل قرب انصنا، و إنّما سمّی بذلك لأن صنفا من الطیر الأبیض یقال له البوقیر یأتی فی كلّ عام فی وقت معلوم، فتعكّف علی هذا الجبل، و فیه كوّة یأتی كلّ واحد من هذه الطیور و یدخل رأسه فی تلك الكوة، ثمّ یخرجه و یلقی نفسه فی النیل فیعوم، و یذهب من حیث شاء إلی أن یدخل واحد رأسه فیقبض علیه شی‌ء فی تلك الكوّة، فیضطرب و یبقی معلّقا منها إلی أن یتلف، فیسقط بعد مدّة. فإذا كان ذلك انصرف الباقی لوقته فلا یری شی‌ء من هذا الطیر فی هذا الجبل إلی مثل ذلك الوقت من العام القابل. و ذكر بعض أعیان مصر: ان السنة إذا كانت مخصبة قبضت الكوّة علی طائرین، و إن كانت متوسطة علی واحد، و إن كانت مجدبة لم تقبض شیئا.

المطریّة

قریة من قری مصر، عندها منبت شجر البلسان، و بها بئر یسقی منها، قیل: إنّه من خاصیّة البئر لأن المسیح، علیه السلام، اغتسل فیها. حدّث من رآها أن شجر البلسان یشبه شجر الحنا أو شجر الرمان، أوّل ما ینشأ، و أرضها نحو مدّ البصر فی مثله محوط علیه، و لها قوم یخرجون شجرتها من سوقها،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 272
و یتّخذون منها ماء لطیفا فی آنیة زجاج و یجمعونه بجدّ و اجتهاد عظیم، فیحصل فی العام نحو مائتی رطل بالمصری. و هناك رجل نصرانی یطبخه بصناعة یعرفها لا یطّلع علیها أحد، و یصفی منها الدهن، و قد اجتهد الملوك أن یعلّمهم فأبی و قال: لو قتلت ما علّمت أحدا ما بقی لی عقب.
قال الحاكی: شربت من هذه البئر و هی عذبة فیها نوع دهنیّة لطیفة، و قد استأذن الملك الكامل أباه الملك العادل أن یزرع شیئا من شجر البلسان، فأذن له، فغرم غرامات و زرعه فلم ینجح و لا حصل منه دهن البتّة، فسأل أباه أن یجری لها ساقیة من البئر المذكورة، فأذن له ففعل و أنجح، فعلموا أن ذلك من خاصیّة البئر. و لیس فی جمیع الدنیا موضع ینبت شجر البلسان و ینجع دهنه إلّا هناك، و رأی رجل من أهل الحجاز شجر البلسان فقال: انّه شجر البشام بعینه إلّا أنّا ما علمنا استخراج الدهن منه.

معرّة النّعمان‌

بلیدة بین حلب و حماة، كثیرة التین و الزیتون. ینسب إلیها أبو العلاء أحمد ابن عبد اللّه المعرّی الضریر المشهور بالذكاء. و من عجیب ما ذكر عنه أنّه أخذ حمّصة و قال: هذا یشبه رأس البازی! و هذا تشبیه عجیب من أولی الأبصار فضلا عن الأكمه. و قد ذكر البعیر عنده أنّه حیوان یحمل حملا ثقیلا فینهض به فقال: ینبغی أن تكون رقبته طویلة لیمتد نفسه فتقدر علی النهوض به! و كان له سریر یجلس علیه فجعلوا فی غیبته تحت قوائمه أربعة دراهم، تحت كلّ قائمة درهما، فقال: ان الأرض قد ارتفعت عن مكانها شیئا یسیرا و السماء نزلت! و من العجائب انّه مع ذكائه اختفت علیه الموجودات التی لیست بمجسمة كالجواهر الروحانیّة، فاعتقد ان كلّ موجود یكون مجسما حتی قال:
قالوا: إله لنا قدیم!قلت لهم: هكذا یقول
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 273 قالوا: قدیم بلا مكان‌قلت: أین هو؟ فقولوا!
هذا الكلام لنا خفاءمعناه: لیست لنا عقول
و قال أیضا:
ید بخمس ماء من عسجد قرنت‌ما بالها قطعت فی ربع دینار؟
و قال الرضی الموسوی:
صیانة النّفس أغلتها و أرخصهاصیانة المال فانظر حكمة الباری
و ذكر أنّه فی آخر عمره تاب عن أمثال هذه و استغفر، و حسن إسلامه.

مكران‌

ناحیة بین أرض السند و بلاد تیز، ذات مدن و قری كبیرة، و من عجائبها ما ذكره صاحب تحفة الغرائب أن بأرض مكران نهرا علیه قنطرة من الحجر قطعة واحدة، من عبر علیها یتقیّأ جمیع ما فی بطنه بحیث لا یبقی فیها شی‌ء، ولو كانوا ألوفا هذا حالهم، فمن أراد من الناس القی‌ء عبر علی تلك القنطرة.

ملیانة

مدینة كبیرة بالمغرب من أعمال بجایة مستندة إلی جبل زكار، و هی كثیرة الخیرات وافرة الغلّات، مشهورة بالحسن و الطیب و كثرة الأشجار و تدفّق المیاه.
حدّثنی الفقیه أبو الربیع سلیمان الملتانی أن جبل زكار مطلّ علی المدینة، و طول الجبل أكثر من فرسخ، و میاه المدینة تتدفّق من سفحه، و هذا الجبل لا یزال أخضر صیفا و شتاء، و أعلی الجبل مسطّح یزرع، و بقرب المدینة حمّامات لا یوقد علیها و لا یستقی ماؤها، بنیت علی عین حارة عذبة الماء یستحمّ بها من شاء.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 274

منبج‌

مدینة بأرض الشام كبیرة ذات خیرات كثیرة و أرزاق واسعة و ذات مدارس و ربط. علیها سور بالحجارة المهندسة حصینة جدّا. شربهم من قنی تسیح علی وجه الأرض.
ینسب إلیها عبد الملك بن صالح الهاشمی المشهور بالبلاغة؛ قیل: لمّا قدم الرشید منبج قال لعبد الملك: أهذا منزلك؟ قال: هو لك یا أمیر المؤمنین ولی بك! قال: كیف صفتها؟ قال: طیبة الهواء قلیلة الادواء! قال: كیف لیلها؟ قال: كلّه سحر! قال: صدقت إنّها طیبة! قال: طابت بك یا أمیر المؤمنین! و أین تذهب بها عین الطیب برها حمراء و سنبلها صفراء و شجراء، فی فیاف فیح بین قیصوم و شیح. فأعجب الرشید كلامه.

منف‌

مدینة فرعون موسی. قیل: إنّها أوّل مدینة عمرت بمصر بعد الطوفان، و هی المراد بقوله تعالی: و دخل المدینة علی حین غفلة من أهلها. و هی بقرب الفسطاط. كان فیها أربعة أنهار تخلط میاهها فی موضع سریر فرعون و لهذا قال:
و هذه الأنهار تجری من تحتی! حكی من رأی منف قال: رأیت فیها دار فرعون و درت فی مجالسها و مشاربها و غرفها، فإذا جمیع ذلك حجر واحد منقور، ما رأیت فیها مجمع حجرین و لا ملتقی صخرتین. و آثار هذه المدینة بمصر باقیة و حجارة قصورها إلی الآن ظاهرة.
قال ابن زولاق: سمعت بعض علماء مصر یقول: إن منف كانت ثلاثین میلا بیوتا متّصلة، و فیها قصر فرعون قطعة واحدة، و سقفه و فرشه و حیطانه حجر أخضر. و قال أیضا: دخلت منف فرأیت عثمان بن صالح جالسا علی باب كنیسة، فقال لی: أتدری ما هذا المكتوب علی هذا الباب؟ قلت: لا! قال:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 275
علیه مكتوب: لا تلومونی علی صغرها فإنی اشتریت كلّ ذراع بمائتی دینار لشدّة العمارة. و قال أیضا: علی باب هذه الكنیسة و كز موسی، علیه السلام، القبطی فقضی علیه.
و من عجائبها كنیسة الأسقف و هی من عجائب الدنیا، لا یعرف طولها و عرضها مسقّفة بحجر واحد.

منیة هشام‌

قریة بأرض طبریة، حكی الثعالبی أن بها عینا یجری ماؤها سبع سنین دائما، ثمّ ینقطع سبع سنین هكذا علی وجه الدهر، و انّه مشهور عندهم.

مؤتة

قال الجیهانی: مؤتة من أعمال البلقاء من حدود الشام، أرضها لا تقبل الیهود و لا یتهیّأ أن یدفنوا بها.
و من عجائبها أن لا تلد بها عذراء، فإذا قربت المرأة ولادتها خرجت منها، فإذا وضعت عادت إلیها. و السیوف المشرفیة منسوبة إلیها لأنّها من مشارف الشام؛ قال الشاعر:
أبی اللّه للشّمّ الأنوف كأنّهم‌صوارم یجلوها بمؤتة صیقل

مورجان‌

من أعمال فارس. بها جبل فیه كهف یقطر الماء من سقفه، زعموا أن علیه طلسما، إن دخل ذلك الكهف واحد خرج من الماء ما یكفیه، و إن خرج ألف خرج قدر حاجة الألف، و اللّه الموفق.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 276

المهدیّة

مدینة بافریقیة بقرب القیروان، اختطّها المهدی المتغلّب علی تلك البلاد فی سنة ثلاثمائة. قیل: إنّه كان یرتاد موضعا یبنی فیه مدینة حصینة، خوفا من خارجی یخرج علیه، حتی ظفر بهذا الموضع. و كانت جزیرة متّصلة بالبرّ كهیئة كفّ متّصلة بزند، فوجد فیها راهبا فی مغارة فسأله عن اسم الموضع فقال:
هذه تسمّی جزیرة الخلفاء. فأعجبه هذا الاسم فبنی بها بناء و جعلها دار مملكة، و حصّنها بسور عال و أبواب حدید، و بنی بها قصرا عالیا. فلمّا فرغ من إحكامها قال: الآن آمنت علی الفاطمیات! یعنی بناته.
و حكی انّه لمّا فرغ من البناء أمر رامیا أن یرمی سهما إلی جهة المغرب، فرمی فانتهی إلی موضع المصلّی فقال: إلی هذا الموضع یصل صاحب الحمار! یعنی أبا یزید الخارجی لأنّه یركب حمارا. فقالوا: ان الأمر كان كما قال، و ان أبا یزید وصل إلی موضع السهم و وقف ساعة، ثمّ رجع و لم یظفر، ثمّ أمر بعمارة مدینة أخری إلی جانب المهدیة و جعل بین المدینتین طول میدان، و أفردها بسور و أبواب و سمّاها زویلة، و أسكن أرباب الصناعات و التجارات فیها، و أمر أن تكون أموالهم بالمهدیة و أهالیهم بزویلة. قال: إن أرادونی بكید بزویلة فأموالهم عندی بالمهدیة، و إن أرادونی بالمهدیة خافوا علی أهالیهم بزویلة، فإنی آمن منهم لیلا و نهارا!
و شرب أهلها من الصهاریج، و لهم ثلاثمائة و ستّون صهریجا علی عدّة أیّام السنة، یكفیهم كلّ یوم صهریج إلی تمام السنة و مجی‌ء مطر العام المقبل.
و مرساها منقورة فی حجر صلد تسع مائتی مركب، و علی طرف المرسی برجان بینهما سلسلة حدید إذا أرید إدخال سفینة أرسل الحرّاس أحد طرفی السلسلة لتدخل الخارجة ثمّ یمدّها.
ثمّ تناقصت حال ملوكها مع حصانة الموضع حتی استولی علیها الفرنج سنة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 277
ثلاث و أربعین و خمسمائة، و بقیت فی یدهم اثنتی عشرة سنة حتی قدم عبد المؤمن افریقیة سنة خمس و خمسین و خمسمائة و استعادها. و هی فی ید بنی عبد المؤمن إلی الآن.

نابلس‌

مدینة مشهورة بأرض فلسطین بین جبلین مستطیلة لا عرض لها. و بها اجتماع السامرة، و هم طائفة من الیهود، و الیهود بعضهم یقول: انّهم مبتدعة ملّتنا! و منهم من یقول: انّهم كفّار ملّتنا! ذكر بعض مشایخ نابلس انّه ظهر هناك تنّین عظیم فتوسّل الناس فی هلاكه، و كان شیئا هائلا له ناب عظیم، فعلّقوا نابه هناك لیتعجّب الناس من عظمها و لیس باصطلاحهم التنّین، فعرف الموضع بها و قیل نابلس. بظاهر المدینة مسجد یقولون: ان آدم، علیه السلام، سجد لربّه هناك. و بها جبل یقول الیهود ان الخلیل، علیه السلام، أمر بذبح ولده علیه، لأن فی اعتقادهم أن الذبیح كان إسحق، علیه السلام. و بها عین تحت كهف تعظّمه السامرة. و بها بیت عبادة للسامرة یسمّی كزیرم.

ناصرة

قریة بقرب طبریة، قیل: اسم النصاری مشتقّ منها لأنّهم كانوا من ناصرة.
و أهلها عیّروا مریم، علیها السلام، فهم قوم إلی هذه الغایة یعتقدون انّه لا تلد بكر من غیر زوج.
من عجائبها شجرة الأترج، ثمرتها علی هیئة النساء، لها ثدیان و ما یشبه الیدین و الرجلین و موضع القبل مفتوح، و هذا أمر مشهور عندهم.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 278

نفزاوة

مدینة بافریقیة قرب القیروان؛ قال البكری: هی علی نهر و هی كثیرة الأشجار و النخیل و الثمار.
و بها عین عجیبة لا یدرك قعرها البتّة، و منها یسیر السائر إلی قسطنطینة فی أرض لا یهتدی إلی الطریق فیها إلّا بأخشاب منصوبة، فإن أخذ یمینا أو شمالا غرق فی أرض دهسة تشبه الصابون فی الرطوبة و قد هلك؛ قالوا: فی تلك الأرض جماعات و عساكر ممّن دخلها و لم یعرف حالهم.

وادی الرمل‌

واد بأرض المغرب بعد بلاد الأندلس. قال صاحب عجائب الأخبار:
لمّا ملك أبو ناشر ینعم سار نحو المغرب حتی انتهی إلی وادی الرمل، و أراد العبور فیه فلم یجد مجازا لأنّه رمل یجری كالماء، و سمع أن الرمل یسكن یوم السبت دون سائر الأیّام، فأرسل نفرا من أصحابه یوم السبت و أمرهم أن یقطعوه و یقیموا بالجانب الآخر إلی السبت الآخر، فساروا یومهم ذلك و نجم الرمل علیهم باللیل قبل أن یقطعوه فغرقوا. فلمّا أیس من رجوعهم أمر بصنم و نصبه علی حافة الوادی، و هو صورة رجل علی فرس من نحاس، و كتب علی جبهته:
لیس ورائی مذهب فلا یتكلّفنّ أحد المضی إلی الجانب الآخر. ثمّ انصرف؛ قال الشاعر:
أبو ناشر الأنعام قد رام خطّةعلت فوق خطّات الملوك الأقادم
إلی الجانب الغربیّ یهوی بجحفل‌یجرّون أطراف القنا و الصّوارم
فلمّا دنا واد خبیث مسیله‌برمل تراه كالجبال الرّواكم
أشار بتمثال و خطّ مترجم‌بأن لیس من بعدی مرور لقاحم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 279

وادی موسی‌

فی قبلی بیت المقدس، واد طیّب كثیر الزیتون. نزل به موسی، علیه السلام، و علم بقرب أجله فعمد إلی الحجر الذی یتفجّر منه اثنتا عشرة عینا، سمّره فی جبل هناك فخرجت منه اثنتا عشرة عینا، و تفرّقت إلی اثنتی عشرة قریة، كلّ قریة لسبط من الأسباط، ثمّ قبض موسی، علیه السلام، و بقی الحجر هناك. و ذكر القاضی أبو الحسن علیّ بن یوسف انّه رأی الحجر هناك، و انّه فی حجم رأس عنز، و انّه لیس فی جمیع ذلك الجبل حجر یشبهه.

وادی النّمل‌

بین جبرین و عسقلان. مرّ به سلیمان، علیه السلام، یرید غزو الشام إذ نظر إلی كرادیس النمل مثل السحاب، فأسمعته الریح كلام النملة تقول: یا أیّها النمل ادخلوا مساكنكم لا یحطمنّكم سلیمان و جنوده! فأخذت النمل تدخل مساكنها و النملة تنادیهم: الوحی الوحی! قد وافتكم الخیل! فصاح بها سلیمان و أراها الخاتم، فجاءت خاضعة، فسألها سلیمان عن قولها فقالت: یا نبی اللّه لما رأیت موكبك أمرت النمل بدخول مساكنها لئلّا یحطمها جندك، فإنی أدركت ملوكا قبلك كانوا إذا ركبوا الخیل أفسدوا! فقال، علیه السلام: لست كأولئك، إنی بعثت بالاصلاح! أخبرینی كم عددكم و أین تسكنون و ما تأكلون و متی خلقتم؟
فقالت: یا نبی اللّه لو أمرت الجنّ و الشیاطین بحشر نمل الأرض لعجزوا عن ذلك لكثرتها، فما علی وجه الأرض واد و لا جبل و لا غابة إلّا و فی أكنافها مثل ما فی سلطانی. و نأكل رزق ربّنا و نشكره، و خلقنا قبل أبیك آدم بألفی عام.
و إنّ النملة الواحدة منّا لا تموت حتی تلد كرادیس النمل، و لیس علی وجه الأرض و لا فی بطنها حیوان أحرص من النمل، فإنّها تجمع فی صیفها ما یملأ
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 280
بیتها و تظنّ أنّها لا تشبع به. و لها تسبیح و تقدیس تسأل بهما ربّها أن یوسع الرزق علی خلقه. فتعجّب سلیمان من كثرتها و هدایتها و عجائب صفاتها.

واقصة

منزل بطریق مكّة. بها منارة من قرون الوحش و حوافرها. كان السلطان ملكشاه بن الب أرسلان السلجوقی خرج بنفسه یشیّع الحاجّ فی بعض سنی ملكه، فلمّا رجع اصطاد من الوحوش شیئا كثیرا، فبنی من قرونها و حوافرها منارة هناك كما فعله سابور، و المنارة باقیة إلی الآن.

ودّان‌

قال البكری: مدینة فی جنوبی افریقیة لها قلعة حصینة، و هی مشتملة علی مدینتین فیهما قبیلتان من العرب: سهمیون و حضرمیون. تسمّی مدینة السهمیین لباك، و مدینة الحضرمیّین توصی، و بابهما واحد. و بین القبیلتین قتال، و بقربهم صنم من حجارة منصوب علی ربوة یسمّی كرزة، و حوالیها قبائل البربر یستسقون بالصنم، و یقرّبون له القرابین إلی زماننا هذا.

هجر

مدینة كبیرة قاعدة بلاد البحرین، ذات خیرات كثیرة من النخل و الرمان و التین و الأترج و القطن. و بقلالها شبّه رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، نبق الجنّة، و كذلك قال، صلّی اللّه علیه و سلّم: إذا بلغ الماء قلّتین لم یحمل خبثا. أراد بهما قلال هجر سعتهما خمسمائة رطل. من عجائبها: من سكنها عظم طحاله.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 281

هراه‌

مدینة بفارس قرب إصطخر، كثیرة البساتین و الخیرات؛ قالوا: ان نساءها یغتلمن إذا زهرت الغبیراء كما تغتلم السنانیر.

هندیجان‌

من قری خوزستان. یتبرّك بها المجوس و یعظّمونها، و بنوا بها بیوت النار؛ قال مسعر بن مهلهل: سببه ان الهند غزت الفرس، فالتقی الجمعان بهذا المكان و كان الظفر للفرس و هزمتهم هزیمة قبیحة، فتبرّكوا بهذا الموضع. و الآن بها آثار عجیبة و أبنیة عادیة. و تثار منها الدفائن كما تثار من أرض مصر.

هندیان‌

قریة بأرض فارس بین جبلین. بها بئر یعلو منها دخان لا یتهیّأ لأحد أن یقربها، و إذا طار طائر فوقها سقط محترقا.

هبت‌

بلیدة طیّبة علی الفرات ذات أشجار و نخیل و خیرات كثیرة، و طیب الهواء و التربة و عذوبة الماء و ریاض مؤنقة؛ قال أبو عبد اللّه السنبسی شاعر سیف الدولة:
فمن لی بهیت و أبیاتهافأنظر رستاقها و القصورا؟
فیا حبّذا تیك من بلدةو منبتها الرّوض غضّا نضیرا
و برد ثراها إذا قابلت‌ریاح السّمائم فیها الهجیرا
أحنّ إلیها علی نأیهاو أصبر عن ذاك قلبا ذكورا
حنین نواعیرها فی الدّجی‌إذا قابلت بالضّجیج السّكورا
ولو أنّ ما بی بأعوادهامنوط لأعجزها أن تدورا
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 282

یابسة

جزیرة طویلة فی البحر المتوسّط الشامی، طولها خمسة و أربعون میلا، و عرضها خمسة عشر میلا. بها مدن و قری و الغالب علیها الجبال. و فیها شجر الصنوبر. و لیس بها شی‌ء من السباع لا صغیرها و لا كبیرها إلّا القطّ البرّی، و لا حیّة و لا عقرب. و ذكر أهلها انّه إن حمل إلیها سبع أو حیّة أو عقرب لم یلبث إلّا ریثما یستنشق هواءها یفوت علی المقام. و انّها جزیرة كثیرة الفواكه و الأعناب و زبیبها فی غایة الحسن. و بها حجل كثیر یفرّخ فی جبالها، و فراخ البزاة الجیّدة و النخل بها كثیر جدّا.

یاقد

قریة من أعمال حلب. كانت بها امرأة تزعم أن الوحی یأتیها، و آمن بها أبوها و كان یقول فی أیمانه: و حقّ بنتی النبیّة، فهزأ أبو سنان الخفاجی بها و قال:
بحیاة زینب یا ابن عبد الواحدو بحقّ كلّ نبیّة فی یاقد
ما صار عندك روشن بن محسّن‌فیما یقول الناس أعدل شاهد
نسخ التّغافل عنه خلط عمارةوافاه فی هذا الزّمان البارد

یزد

مدینة بأرض فارس آهلة كثیرة الخیرات و الغلّات و الثمرات. بها صنّاع الحریر السندس فی غایة الحسن و الصفاقة، یحمل منها إلی سائر البلاد.
و اللّه الموفق للصواب و إلیه المرجع و المآب.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 283

الاقلیم الرابع‌

اشارة

أوّله حیث یكون الظلّ إذا استوی اللیل و النهار نصف النهار أربعة أقدام و ثلاثة أخماس قدم و ثلث خمس قدم، و آخره حیث یكون الظلّ نصف النهار عند الاستواء خمسة أقدام و ثلاثة أخماس قدم و ثلث خمس قدم. یبتدی‌ء من أرض الصین و التبت و الختن و ما بینهما، و یمرّ علی جبال قشمیر و بلور و أرجان و بذخشان و كابل و غور و خراسان و قومس و جرجان و طبرستان و قوهستان و آذربیجان، و أدنی العراق و الجزیرة و رودس و صقلیة إلی البحر المحیط من الأندلس.
و طول نهار هؤلاء فی أوّل الإقلیم أربع عشرة ساعة و ربع، و أوسطه أربع عشرة ساعة و نصف، و آخره أربع عشرة ساعة و نصف و ربع ساعة. و طوله من المشرق إلی المغرب ثمانیة آلاف و مائتان و أربعة عشر میلا و أربع عشرة دقیقة، و عرضه مائتا میل و تسعة و تسعون میلا و أربع دقائق، و تكسیره ألفا ألف و أربعمائة ألف و ثلاثة و سبعون ألفا و ستمائة و اثنان و سبعون میلا و اثنتان و عشرون دقیقة.
و لنذكر بعض ما فیه من المدن و القری مرتّبة علی حروف المعجم، و اللّه المستعان و علیه التكلان:

آبه‌

بلیدة بقرب ساوة طیبة إلّا أن أهلها شیعة غالیة جدّا، و بینهم و بین أهل ساوة منافرة لأن أهل ساوة كلّهم سنّیة و أهل آبه كلّهم شیعة؛ قال القاضی أبو نصر المیمندی:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 284 و قائلة: أتبغض أهل آبه‌و هم أعلام نظم و الكتابه؟
فقلت: إلیك عنی إنّ مثلی‌یعادی كلّ من عادی الصّحابه
بینها و بین ساوة نهر عظیم سیما وقت الربیع. بنی علیه أتابك شیركیر، رحمه اللّه، قنطرة عجیبة، و هی سبعون طاقا لیس علی وجه الأرض مثلها.
و من هذه القنطرة إلی ساوة أرض طینها الأزب، یمتنع علی السابلة المرور علیها عند وقع المطر علیها، فاتّخذ علیها أتابك جادة من الحجارة المفروشة مقدار فرسخین لتمشی علیها السابلة من غیر تعب.

آذربیجان‌

ناحیة واسعة بین قهستان و ارّان. بها مدن كثیرة و قری و جبال و أنهار كثیرة. بها جبل سبلان؛ قال أبو حامد الأندلسی: انّه جبل بآذربیجان بقرب مدینة أردبیل من أعلی جبال الدنیا. روی عن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، انّه قال: من قرأ: سبحان اللّه حین تمسون و حین تصبحون، إلی قوله تخرجون، كتب له من الحسنات بعدد كلّ ورقة ثلج تسقط علی جبل سبلان! قیل: و ما سبلان یا رسول اللّه؟ قال: جبل بین أرمینیة و آذربیجان، علیه عین من عیون الجنّة، و فیه قبر من قبور الأنبیاء. و قال أیضا: علی رأس الجبل عین عظیمة ماؤها جامد لشدّة البرد، و حول الجبل عیون حارّة یقصدها المرضی، و فی حضیض الجبل أشجار كبیرة و بینها حشیشة لا یقربها شی‌ء من البهائم، فإذا قرب شی‌ء منها هرب، و إن أكل منها مات.
و فی سفح الجبل قریة اجتمعت بقاضیها أبی الفرج بن عبد الرحمن الأردبیلی قال: ما هی إلّا قریة یحمیها الجنّ! و ذكر أنّهم بنوا مسجدا فی القریة فاحتاجوا إلی قواعد لأعمدة المسجد، فأصبحوا و علی باب المسجد قواعد من الصخر المنحوت أحسن ما یكون.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 285
و بها نهر الرس، و هو نهر عظیم شدید جری الماء. و فی أرضه حجارة كبیرة لا تجری السفن فیه، و له أجراف هائلة و حجارة كبیرة. زعموا أن من عبر نهر الرس ماشیا إذا مسح برجله ظهر امرأة عسرت ولادتها وضعت، و كان بقزوین شیخ تركمانی یقال له الخلیل یفعل ذلك و كان یفید.
حكی دیسم بن إبراهیم صاحب اذربیجان قال: كنت أجتاز علی قنطرة الرس مع عسكری، فلمّا صرت فی وسط القنطرة رأیت امرأة حاملة صبیّا فی قماط، فرمحها بغل محمّل طرحها و سقط الطفل من یدها فی الماء، فوصل إلی الماء بعد زمان طویل لطول مسافة ما بین القنطرة و سطح الماء، فغاص و طفا بعد زمان یسیر و جری به الماء، و سلم من الحجارة التی فی النهر. و كان للعقبان أوكار فی اجراف النهر، فحین طفا الطفل رآه عقاب فانقضّ علیه و شبّك مخالبه فی قماطه، و خرج به إلی الصحراء، فأمرت جماعة أن یركضوا نحو العقاب و مشیت أیضا، فإذا العقاب وقع علی الأرض و اشتغل بخرق القماط، فأدركه القوم و صاحوا به، فطار و ترك الصبی، فلحقناه فإذا هو سالم یبكی فرددناه إلی أمّه.
و بها نهر زكویر بقرب مرند لا یخوضه الفارس، فإذا وصل إلی قرب مرند یغور و لا یبقی له أثر، و یجری تحت الأرض قدر أربعة فراسخ ثمّ یظهر علی وجه الأرض، أخبر به الشریف محمّد بن ذی العقار العلوی المرندی.
و بها نهر ذكر محمّد بن زكریاء الرازی عن الجیهانی، صاحب المسالك المشرقیّة، ان باذربیجان نهرا ماؤه یجری فیستحجر و یصیر صفائح حجر! و قال صاحب تحفة الغرائب: باذربیجان نهر ینعقد ماؤه صخرا صلدا كبیرا و صغیرا.
و بها عین؛ قال صاحب تحفة الغرائب: باذربیجان عین یجری الماء عنها و ینعقد حجرا، و الناس یملأون قالب اللبن من ذلك الماء ثمّ یتركونه یسیرا، فالماء فی القالب یصیر لبنا حجریّا.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 286

آرشت و ناشقین‌

ضیعتان من ضیاع قزوین علی ثلاثة فراسخ منها. من عجائبهما أن الحدید ینطبع بآرشت و لا ینطبع بناشقین، و لو أوقدوا علیه ما أوقدوا، و قدر الصبّاغ یستوی بناشقین و لا یستوی بارشت، ولو أوقدوا تحتها ما أوقدوا، فلا یكون بآرشت صبّاغ و لا بناشقین حدّاد أصلا. و إذا تحوّل أحد الصانعین إلی الموضع الآخر لم ینجع عمله، و هذا شی‌ء مشهور یعرفه أهل تلك البلاد.

آمل‌

مدینة بطبرستان مشهورة. حدّثنی الأمیر أبو المؤید حسام الدین بن النعمان أنّه إذا دخلها شی‌ء من الضائنة، و إن كانت من أسمن ما یكون، تهزل بها جدّا بهزل لا یقاس إلی هزال المعز. و ذكر أنّه أخبر بذلك فأمر أن یساق عدّة رؤوس من الضائنة. قال: رأیتها بعد ستّة أشهر عظاما مغشیة بجلود، و بقیت الألایا كالأذناب.

أبلّة

كورة بالبصرة طیّبة جدّا، نضرة الأشجار متجاوبة الأطیار متدفقة الأنهار، مؤنقة الریاض و الأزهار، لا تقع الشمس علی كثیر من أراضیها، و لا تبین القری من خلال أشجارها. قالوا: جنان الدنیا أربع: أبلّة البصرة، و غوطة دمشق، و صغد سمرقند، و شعب بوّان.
و الأبلة جانبان: شرقی و غربی، أمّا الشرقی فیعرف بشاطی‌ء عثمان قدیما و هو عثمان بن ابان بن عثمان بن عفّان، و هو العامر الآن بها الأشجار و الأنهار و القری و البساتین و هو علی دجلة. و أنهارها مأخوذة من دجلة.
و بها أنواع الأشجار و أجناس الحبوب و أصناف الثمار، لا تكاد تبین قراها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 287
فی وسطها من التفاف الأشجار.
و بها مشهد كان مسلحة لعمر بن الخطّاب، و كانت بها شجرة سدر عظیمة كلّ غصن منها كنخلة و دورة ساقها سبعة أذرع، و الناس یأخذون قشرها و یتبخّرون به لدفع الحمّی، و كان ینجع و ذكروا انّه قلّما یخطی‌ء. فلمّا ولّی بابكین البصرة أشاروا إلیه بقطعها لمصلحة، و كان قد ولّی البصرة مدّة طویلة و حسنت سیرتهم، و كان هو فی نفسه رجلا خیّرا، فلمّا قطعها أنكر الناس فعزل عن قریب عن البصرة.
و أمّا الجانب الغربی من الابلة فخراب، غیر ان فیه مشهدا یعرف بمشهد العشار و هو مشرف علی دجلة، و هو موضع شریف قد اشتهر بین الناس ان الدعاء فیه مستجاب. و كان فی قدیم الزمان بهذا الجانب بنیان مشرف علی دجلة و بساتین و قصور فی وسطها، و كان الماء یجری فی دورها و قصورها و قد امتحقت الآن آثارها، فسبحان من لا یعتریه التغیّر و الزوال!

أبهر

مدینة بأرض الجبال كثیرة المیاه و الأشجار، بناها سابور ذو الأكتاف.
قالوا: كانت عیونا كلّها فسدّها سابور بالصوف و الجلود، و بنی المدینة علیها.
و هی فی غایة النزاهة من طیب الهواء و كثرة المیاه و البساتین، و خارجها أطیب من داخلها.
بها بساتین یقال لها بهاء الدین اباد، لم یر أكبر منها طولا و عرضا. و هی عامة ینزل فیها القفل و العساكر لا یمنع أحد منها. و لها قهندز یتحصّن بها من خالف صاحب البلاد فبطلوها، و الآن قالوا یأوی إلیها السباع لا یجسر أحد أن یأتیها.
بها عین كلّ نصل یسقی من مائها یبقی حادّا قطّاعا جدّا. و المدینة كلّها مشتملة علی طواحین تدور علی الماء، و أكثر ثمارها العنب و الجوز و نوع من الكمثری مدوّرة فی حجم النارنج، یقال لها العبّاسی، لذیذة جدّا ما فی البلاد شی‌ء
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 288
مثلها، و عندهم من ذلك كثیر جدّا، یحملونها إلی البلاد للبیع و یعلّقونها حتی یأكلوها طول شتائهم یتفكّهون بها.
و أهلها أحسن الناس صورة كلّهم أهل السنّة، لا یوجد فیهم إلّا كذلك.
و فیهم أدباء و فضلاء، و لهم اجتماع كلمة علی دفع ظلم الولاة، لا یغلبهم وال، أی وقت رأوا منه خلاف عادة قاموا كلّهم قیام رجل واحد لدفعه.
ینسب إلیها الشیخ أبو بكر الطاهری كان من الابدال، معاصر الشبلی. و له بأبهر رباط ینسب إلیه، و فی رباطه سرداب یدخل فیه كلّ جمعة، و یخرج بأرض دمشق و یصلّی الجمعة بجامع دمشق، و هذا حدیث مشهور عندهم. و ذكروا أن رجلا تبعه ذات یوم فإذا هو بأرض لم یرها أبدا، و الناس مجتمعون لصلاة الجمعة، فسأل بعضهم عن ذلك الموضع فضحك و قال: أنت فی دمشق و تسأل عنها! فقام طالع المدینة فلمّا عاد لم یجد الشیخ هناك، فجعل ینادی و یقول للناس ما جری له، فلا یصدقه أحد إلّا رجل صالح قال له: دع عنك هذا الجزع، و انتظره یوم الجمعة المستقبلة، فإذا حضر الشیخ ارجع معه! فلمّا حضر الشیخ فی الجمعة الأخری تمسّك بذیله فقال له: لا تذكر هذا لأحد و أنا آخذك معی! ثمّ أخذه معه و عاد به إلی مكانه، و هذه حكایة مشهورة عنه بأبهر.
و تنسب إلیها سكینة الابهریة، كانت فی زمن الشیخ أبی بكر. و ینسب إلیها الوزیر الفاضل الكامل أبو عمرو، الملقّب بكمال الدین، كان حاله شبیها بحال إبراهیم بن أدهم، و كان وزیرا بقزوین، و كان رجلا لطیفا فطنا شاعرا بالعربیّة و العجمیّة، محبّا لأهل الخیر فی زمان وزارته. فإذا فی بعض الأیّام ركب فی موكبه و ممالیكه و حواشیه، فلمّا خرج عن المدینة قال لممالیكه: أنتم أحرار لوجه اللّه! و نزل عن الدابّة و لبس اللبّاد و ذهب إلی بیت المقدس، و كان یحمل الحطب علی ظهره، ثمّ عاد إلی الشام، و كان بها إلی أن توفّی فی سنة تسعین و خمسمائة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 289

أبیورد

مدینة بخراسان بقرب سرخس، بناها باورد بن جودرز، و انّها مدینة و بیئة ردیئة الماء، من شرب من مائها یحدث به العرق المدینی، أمّا الغریب فلا یفوته البتّة، و أمّا المقیم ففی أكثر أوقاته مبتلی به.
ینسب إلیها أبو علیّ الفضیل بن غیاض، كان أوّل أمره یقطع الطریق بین سرخس و أبیورد حتی كان فی بعض الرّبط فی بعض اللیالی و فی الرباط قفل، فیقول بعضهم: قوموا لنرحل! فیقول البعض الآخر: اصبروا فإن الفضیل فی الطریق، فقال لنفسه: أنت غافل و الناس یفزعون منك، أعوذ باللّه من هذه الحالة! فتاب و ذهب إلی مكّة و أقام بها إلی أن مات. و حدّث سفیان بن عیینة:
لمّا حجّ الرشید ذهب إلی زیارة الفضیل لیلا، فلمّا دخل علیه قال لی: یا سفیان أیّهم أمیر المؤمنین؟ فأومأت إلیه و قلت: هذا! فقال: أنت الذی تقلّدت أمر هذا الخلق بأحسن الوجه، لقد تقلّدت أمرا عظیما! فبكی الرشید و أمر له بألف دینار فأبی أن یقبلها، فقال: أبا علی ان لم تستحلها فأعطها ذا دین و اشبع بها جائعا واكس بها عاریا! فأبی، فلمّا خرج الرشید قلت له: أخطأت، لو أخذت و صرفت فی شی‌ء من أبواب البرّ! فأخذ بلحیتی و قال: أبا محمّد، أنت فقیه البلد و تغلط مثل هذا الغلط؟ لو طابت لأولئك لطابت لی!
و حكی أن الفضیل رؤی یوم عرفة علی عرفات یبكی إلی آخر النهار ثمّ أخذ بلحیته و قال: و اخجلتاه و إن غفرت! و مضی. و حكی انّه كان فی جبل من جبال منی فقال: لو أن ولیّا من أولیاء اللّه أمر هذا الجبل أن یمتدّ لا متدّ! فتحرّك الجبل فقال الفضیل: اسكن لم أردك لهذا! فسكن الجبل. ولد الفضیل بسمرقند، و نشأ بأبیورد، و مات بمكّة سنة سبع و ثمانین و مائة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 290

إربل‌

مدینة بین الزابین، لها قلعة حصینة لم یظفر بها التتر، مع أنّهم ما فاتهم شی‌ء من القلاع و الحصون، بها مسجد یسمّی مسجد الكفّ، فیه حجر علیه أثر كفّ إنسان، و لأهل إربل فیه أقاویل كثیرة و لا ریب انّه شی‌ء عجیب.
ینسب إلیها الملك مظفر الدین كوكوبری بن زین الدین علی الصغیر. كان ملكا شجاعا جوادا غازیا، له نكایات فی الفرنج یتحدّث الناس بها، و كان معتقدا فی أهل التصوّف، بنی لهم رباطا لم یزل فیه مائتا صوفی، شغلهم الأكل و الرقص فی كلّ لیلة جمعة. و كلّ من جاءه من أهل التصوّف آواه و أحسن إلیه، و إذا أراد السفر أعطاه دینارا. و من أتاه من أهل العلم و الخیر و الصلاح أعطاه علی قدر رتبته.
و فی العاشر من ربیع الأوّل كان له دعوات و ضیافات، و فی هذا الوقت یجتمع عنده خلق كثیر من الأطراف. و فی الیوم الثانی عشر مولد النبی، علیه السلام، كان له دعوة عظیمة یحضرها جمیع الحاضرین و یرجع كلّ واحد بخیر.
و كان یبعث إلی الفرنج أموالا عظیمة یشتری بها الأساری. عمّر عمرا طویلا و مات سنة تسع و عشرین و ستمائة.

اردبهشتك‌

قریة من قری قزوین علی ثلاثة فراسخ منها. من عجائبها عین ماء من شرب منها انطلق انطلاقا عظیما، و یقصدها الناس من الأطراف فی فصل الربیع لتنقیة الباطن، و بینها و بین قزوین نهر إذا جاوزوا بمائها ذلك النهر تبطل خاصیّته.
و قد حمل من ذلك الماء إلی قزوین فی جرار و استعمل و لم یعمل شیئا. و من خاصیّة هذا الماء ان أحدا یقدر أن یشرب منه خمسة أرطال أو ستة بخلاف غیره.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 291

أردبیل‌

مدینة بآذربیجان حصینة طیّبة التربة، عذبة الماء، لطیفة الهواء، فی ظاهرها و باطنها أنهار كثیرة، و مع ذلك فلیس بها شی‌ء من الأشجار التی لها فاكهة.
و المدینة فی فضاء فسیح و أحاط بجمیع ذلك الفضاء الجبال بینها و بین المدینة من كلّ صوب مسیرة یوم. و من عجائبها أنّه إذا غرس فی ذلك الفضاء لا یفلح الغرس، و ذلك لأمر خفی لا اطلاع علیه.
بناها فیروز الملك و هی من البحر علی یومین بینهما دخلة شعراء عظیمة، كثیرة الشجر جدّا یقطعون منها الخشب الذی منه الأطباق و قصاع الخلنج.
و فی المدینة صنّاع كثیر لإصلاحها. و من عجائبها ما ذكره أبو حامد الأندلسی قال: رأیت خارج المدینة فی میدانها حجرا كبیرا كأنّه معمول من حدید أكبر من مائتی رطل، إذا احتاج أهل المدینة إلی المطر حملوا ذلك الحجر علی عجلة و نقلوه إلی داخل المدینة، فینزل المطر ما دام الحجر فیها، فإذا أخرج منها سكن المطر.
و الفأر بها كثیر جدّا بخلاف سائر البلاد، و للسنانیر بها عزّة و لها سوق تباع فیه ینادون علیها انّها سنورة صیّادة مؤدبة لا هرّابة و لا سرّاقة، و لها تجّار و باعة و دلّالون، و لها راضة و ناس یعرفون.
قال سندی بن شاهك و هو من الحكماء المشهورین: ما أعنانی سوقة كما أعنانی أصحاب السنانیر، یعمدون إلی سنور یأكل الفراخ و الحمام، و یكسر قفص القماری و الحجل و الوارشین، و یجعلونه فی بستوقة یشدّون رأسها ثمّ یدحرجونها علی الأرض حتی یأخذه الدوار، فیجعلونه فی القفص مع الفراخ، فیشغله الدوار عن الفراخ. فإذا رآه المشتری رأی عجیبا و ظنّ انّه ظفر بحاجته، فیشتریه بثمن جیّد، فإذا مضی به إلی البیت و زال دواره یبقی شیطانا یأكل جمیع طیوره و طیور جیرانه، و لا یترك فی البیت شیئا إلّا سرق و أفسد و كسر
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 292
فیلقی منه التباریح.
و أهل أردبیل مشهورون بكثرة الأكل؛ حكی بعض التجّار قال: رأیت بها راكبا و قدّامه طبول و بوقات، سألت عن شأنه فقالوا: إنّه تراهن علی أكل تسعة أرطال أرز و رأس بقر، و قد فعل، و رطل أردبیل ألف و أربعون درهما، و أرزّهم إذا طبخ یصیر ثلاثة أضعاف، فإنّه قد غلب.

أرسلان كشاد

قلعة كانت علی فرسخین من قزوین علی قلّة جبل. ذكر أن الإسماعیلیّة فی سنة خمس و تسعین و خمسمائة جاؤوا بالآلات علی ظهر الدوابّ إلیها فی لیلة، فلمّا أصبح أهل قزوین سدت مسالكها فصعب علیهم ذلك، فشكوا إلی ملوك الأطراف فما أفادهم ذلك شیئا حتی قال الشیخ علیّ الیونانی، و كان صاحب كرامات و عجائب: أنا أكشف عنكم هذه الغمّة! فكتب إلی خوارزمشاه تكش بن ایل ارسلان بن اتسز: بعلامة انّك كنت فی لیلة كذا و كذا، كنت و حدك تفكّر فی كذا و كذا، انهض لدفع هذا الشرّ عن أهل قزوین، و إلّا لتصابنّ فی ملكك و نفسك! فلمّا قرأ خوارزمشاه كتابه قال: هذا سرّ ما اطّلع علیه غیر اللّه! فجاء بعساكره و حاصر القلعة و أخذها صلحا، و شحنها بالسلاح و الرجال و سلّمها إلی المسلمین و عاد.
و كانت الباطنیة قد نقبوا طریقا من القلعة إلی خارجها و أخفوا بابها، فدخلوا من ذلك النقب لیلا، فلمّا أصبحوا كانت القلعة تموج من الرجال الباطنیّة، فقتلوا المسلمین و ملكوا القلعة، فبعث الشیخ إلی خوارزمشاه مرّة أخری، فجاء بنفسه و حاصرها بعساكره و أهل قزوین شهرین، و الباطنیة عرفوا أن السلطان لا یرجع دون العرض، فاختاروا تسلیمها علی أمان من فیها، فأجابهم السلطان إلی ذلك. قالوا: نحن ننزل عن القلعة دفعتین، فإن لم تتعرّضوا للفرقة الأولی تنزل الثانیة و القلعة لكم، و إن تعرّضتم للفرقة الأولی فالفرقة الثانیة تمنعكم عن القلعة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 293
فلمّا نزلوا خدموا للسلطان و ذهبوا كلّهم، فانتظر المسلمون نزول الفرقة الثانیة فما كان فیها أحد نزلوا كلّهم دفعة، فأمر السلطان بتخریبها و ابطال حصانتها، و هی كذلك إلی زماننا هذا، و اللّه الموفق.

أرمیة

بلدة حصینة بآذربیجان كثیرة الثمرات واسعة الخیرات، بقربها بحیرة یقال لها بحیرة أرمیة، و هی بحیرة كریهة الرائحة لا سمك فیها. و فی وسط البحیرة جزیرة بها قری و جبال و قلعة حصینة، حولها رساتیق لها مزارع، و استدارة البحیرة خمسون فرسخا یخرج منها ملح یجلو شبه التوتیا، و علی ساحلها ممّا یلی الشرق عیون ینبع الماء منها، و إذا أصابه الهواء یستحجر.
و من عجائبها ما ذكر صاحب تحفة الغرائب: ان فی بطائح بحر ارمیة سمكة تتّخذ من دهنها و من الموم شمعة، و تنصب علی طرف سفینة فارغة تخلی علی وجه الماء، فإن السمك یأتی بنور ذلك الشمع، و یرمی نفسه فی السفینة حتی تمتلی‌ء السفینة من السمك، و لتكن سفینة مقعّرة حتی لا یفلت السمك منها.

أستوناوند

قلعة مشهورة بدنباوند من أعمال الری. و هی من القلاع القدیمة و الحصون الحصینة، عمرت منذ ثلاثة آلاف سنة لم یعرف انّها أخذت قهرا إلی أن تحصن بها ابن خوارزمشاه ركن الدین غورسایحی عند ورود التتر، سنة ثمانی عشرة و ستمائة، و قد عرض علیه استوناوند و أردهن فترجّح استوناوند فی نظره مع حصانة أردهن. قالوا: لو كان علی اردهن رجل واحد لم تؤخذ منه قهرا أبدا إلّا إذا أعوزته المیرة، فتحصّن بها فعلم التتر به و نزلوا علیها، و جمعوا حطبا كثیرا جعلوه حولها ثمّ أضرموا فیه النار، فانصدع صخرها و تفتّت و زالت حصانتها ثمّ صعدوا، و ابن خوارزمشاه قاتل حتی قتل.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 294

أسفجین‌

قریة من قری همذان من ناحیة یقال لها و نجر بها منارة الحوافر، و هی منارة عالیة من حوافر حمر الوحش، حكی أحمد بن محمّد بن إسحق الهمذانی أن شابور بن أردشیر الملك حكم منجموه انّه یزول الملك عنه و یشقی، ثمّ یعود إلیه، فقال لهم: ما علامة عود الملك؟ قالوا: إذا أكلت خبزا من الذهب علی مائدة من الحدید!
فلمّا ذهب ملكه خرج وحده تخفضه أرض و ترفعه أخری، إلی أن صار إلی هذه القریة فأجر نفسه من شیخ القریة یزرع له نهارا و یطرد الوحش عن الزرع لیلا، فبقی علی ذلك مدّة و كانت نفسه نفس الملوك، فرأی شیخ القریة منه أمانة و جلادة فزوّج بنته منه، فلمّا تمّ علی ذلك أربع سنین و انقضت أیّام بؤسه اتّفق ان كان فی القریة عرس اجتمع فیه رجالهم و نساؤهم، و كانت امرأة شابور تحمل إلیه كلّ یوم طعامه، فكانت فی ذلك الیوم اشتغلت عنه إلی ما بعد العصر.
فلمّا ذكرت عادت إلی بیتها فما وجدت إلّا قرصین من الدخن، فحملتهما إلیه فوجدته یسقی الزرع و بینها و بینه ساقیة. فمدّ المسحاة إلیها فجعلت القرصین علیها، فقعد یأكلهما فتذكّر قول المنجّمین: أكل خبز الذهب علی مائدة الحدید.
فعرف أن أیّام البؤس انقضت، فظهر للناس و اجتمع علیه العساكر و عاد إلی ملكه. فقالوا: ما أشدّ شی‌ء علیك فی أیّام البؤس؟ قال: طرد الوحوش عن الزرع باللیل! فصادوا فی ذلك الموضع من حمر الوحش ما لا یحصی، و أمر أن یبنی من حوافرها منارة، فبنوا منارة ارتفاعها خمسون ذراعا و دورتها ثلاثون مصمتة بالكلس و الحجارة، و حوافر الوحش حولها مسمّرة بالمسامیر، و المنارة مشهورة فی هذا الموضع إلی زماننا.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 295

أسفرایین‌

بلدة بأرض خراسان مشهورة، أهلها أهل الخیر و الصلاح. من مفاخرها أبو الفتوح محمّد بن الفضل الاسفرایینی. كان إماما فاضلا عالما زاهدا أسرع الناس عند السؤال جوابا، و أسكتهم عند الایراد خطابا، مع صحة العقیدة و الخصال الحمیدة، و قلّة الالتفات إلی الدنیا و ذویها. سكن بغداد مدّة فلمّا اعتزم العود إلی خراسان شكا إلیه أصحابه من مفارقته فقال: لعلّ اللّه أراد أن تكون تربتی فی جوار رجل صالح! فلمّا وصل إلی بسطام فارق الدنیا و دفن بجنب الشیخ أبی یزید البسطامی.
و حكی شیخ الصوفیّة ببسطام و هو عیسی بن عیسی قال: رأیت أبا یزید فی النوم یقول: یصل إلینا ضیف فأكرموه! فوصل فی تلك الأیّام الشیخ أبو الفتح و فارق الدنیا. و كنت جعلت لنفسی موضعا عند تربة الشیخ أبی یزید، فآثرت الشیخ أبا الفتح به، و دفنته بجنب أبی یزید.

اشتروین‌

ضیعة كبیرة من ضیاع قزوین علی مرحلتین منها. و انّها كانت قریة غناء كثیرة الخیرات وافرة الغلّات. نزل بها الشیخ نور الدین محمّد بن خالد الجیلی، و كان رجلا عظیم الشأن صاحب الآیات و الكرامات، اتّخذها وطنا و تزوّج بها فحلّت بها البركة، و صارت أعمر ممّا كانت و أوفر ریعا و أكثر أهلا.
و كان الشیخ یزرع بها شیئا یسیرا فیحصل منه ریع كثیر یفی بنفقته أهله و ضیافة زوّاره. و كان الشیخ كثیر الزّوّار یقصده الناس من الأطراف. و من العجب انّه وقع بتلك الأرض فی بعض السنین جراد ما ترك رطبها و لا یابسها، و ما تعرّضت لزرع الشیخ بسوء. و كانت تلك القریة محطّ الرحال و محلّ البركة بوجود هذا الشیخ، إلی أن جهلت سفهاؤها نعم اللّه تعالی علیهم بجوار هذا الشیخ،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 296
فقالوا: ان زروعنا تیبس بسبب زرع الشیخ لأن الماء یقصر عن زروعنا بسبب زرعه! فلمّا سمع الشیخ ذلك فارق تلك القریة و تحوّل بأهله إلی قزوین فی سنة أربع عشرة و ستّمائة. فلمّا خرج الشیخ منها كانت كبیّت نزع عماده و انهارت قبابها، و انقطع الماء الذی كانوا یبخلون به علی الشیخ، فأخرج دهاقینها أموالا كثیرة لعمارة القناة فما أفادهم شیئا. و إلی الآن هی خراب.

أصفهان‌

مدینة عظیمة من أعلی المدن و مشاهیرها، جامعة لأشتات الأوصاف الحمیدة من طیب التربة و صحة الهواء و عذوبة الماء، و صفاء الجوّ و صحّة الأبدان، و حسن صورة أهلها و حذقهم فی العلوم و الصناعات حتی قالوا: كلّ شی‌ء استقصی صنّاع أصفهان فی تحسینها عجز عنها صناع جمیع البلدان؛ قال الشاعر:
لست آسی من أصفهان علی شی‌ء سوی مائها الرّحیق الزّلال
و نسیم الصّبا و منخرق الرّیح و جوّ صاف علی كلّ حال
یبقی التّفّاح بها غضّا سنة، و الحنطة لا تتسوّس بها، و اللحم لا یتغیّر أیّاما. و المدینة القدیمة تسمّی جی؛ قالوا: إنّها من بناء الإسكندر. و المدینة العظمی تسمّی الیهودیّة، و ذاك أن بختنصّر أخذ أساری بیت المقدس أهل الحرف و الصناعات، فلمّا وصلوا إلی موضع أصفهان وجدوا ماءها و هواءها و تربتها شبیهة ببیت المقدس، فاختاروها للوطن و أقاموا بها و عمروها. و هی مدینة ترابها كحل وحشیشها زعفران و ونیم ذبابها عسل.
من عجائبها أمر تفّاحها فإنّها ما دامت فی أصفهان لا یكون لها كثیر رائحة، فإذا أخرجت منها فاحت رائحتها حتی لو كانت تفّاحة فی قفل لا یبقی فی القفل أحد إلّا یحسّ برائحتها. و بها نوع من الكمثری یقال له ملجی لیس فی شی‌ء من البلاد مثله. و إذا وصلوا شجرة الكمثری بشجرة الخلاف تأتی بثمر لذیذ جدّا.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 297
و لصنّاعها ید باسطة فی تدقیق الصناعات، لا تری خطوطا كخطوط أهل أصفهان و لا تزویقا كتزویقهم، و هكذا صنّاعهم فی كلّ فنّ فاقوا جمیع الصّنّاع، حتی ان نسّاجها ینسج خمارا من القطن أربعة أذرع و زنها أربعة مثاقیل. و الفخّار یعمل كوزا وزنه أربعة مثاقیل یسع ثمانیة أرطال ماء، و قس علی هذا جمیع صناعاتهم.
و أمّا أرباب العلوم كالفقهاء و الأدباء و المنجّمین و الأطباء فأكثر من أهل كلّ مدینة، سیما فحول الشعراء أصحاب الدواوین، فاقوا غیرهم بلطافة الكلام و حسن المعانی و عجیب التشبیه و بدیع الاقتراح، مثل رفیع فارسی دبیر و كمال زیاد و شرف شفروه و عزّ شفروه و جمال عبد الرزّاق و كمال إسماعیل و یمن مكّی. فهؤلاء أصحاب الدواوین الكبار لا نظیر لهم فی غیر أصفهان.
و ینسب إلیها الأدیب الفاضل أبو الفرج الأصفهانی، صاحب كتاب الأغانی، ذكر فی ذلك أخبار العرب و عجائبها و أحسن أشعارهم. كتاب فی غایة الحسن كثیر الفوائد لم یسبقه فی ذلك أحد.
و ینسب إلیها الأستاذ أبو بكر بن فورك، كان أشعریّا لا تأخذه فی اللّه لومة لائم، درّس ببغداد مدّة. و كان جامعا لأنواع العلوم، صنّف أكثر من مائة مجلّد فی الفقه و التفسیر و أصول الدین. ثمّ ورد نیسابور فبنوا له دارا و مدرسة؛ قال الاستاذ أبو القاسم القشیری: حكی أبو بكر بن فورك قال: حملت إلی شیراز مقیّدا لفتنة فی الدین، فوافینا البلد لیلا فلمّا أسفر النهار و رأیت فی مسجد علی محرابه مكتوبا: ألیس اللّه بكاف عبده؟ فعلمت أن الأمر سهل و طبت به نفسا، و كان الأمر كذلك، ثمّ دعی إلی غزنة و جرت له بها مناظرات مع الكرامیة. فلمّا عاد سمّ فی الطریق و درج و دفن بنیسابور، و مشهده ظاهر بها یستسقی به و یجاب الدعاء فیه.
و ینسب إلیها الحافظ أبو نعیم الأصفهانی، واحد عصره و فرید دهره.
هو صاحب حلیة الأولیاء، و له تصانیف كثیرة، و له كرامات: حكی أن أهل
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 298
أصفهان تعصّبوا علیه و منعوه من الجامع، فبعث السلطان محمود إلیهم والیا فوثبوا إلیه و قتلوه، فذهب السلطان إلیهم بنفسه و آمنهم حتی اطمأنوا ثمّ قصدهم یوم الجمعة، و أخذ أبواب الجامع و قتل فیهم مقتلة عظیمة. فمن كان فی الجامع قتل و الحافظ أبو نعیم كان ممنوعا من الجامع فسلم.
و ینسب إلیها صدر الدین عبد اللطیف الخجندی. كان رئیسا مطاعا فی أصفهان عالما واعظا شاعرا، یهابه السلاطین و یتبعه مائة ألف مسلّح: محمّد بن ایلدكز أتابك السلجوقیة أخذه معه لا یخلّیه یرجع إلی أصفهان مدّة مدیدة، لأنّه ما أراد أن یقبض علیه ظاهرا، و لا أن یخلیّه لأنّه یخاف شرّه، فكان یستصحبه فاتّخذ یوما مجلس الوعظ و أتابك حاضر فی مجلس وعظه، و له ابنان صغیران واقفان بین یدیه، فصدر الدین شاهد ذلك علی المنبر فاتّخذ الفرصة و أنشد:
شاه با بندكان جفا نكندور كند رحمتش رها نكند
عدل خسرو كجا بدید آیددر جهان كركسی خطا نكند
هر كرا طفلكان خرد بودبدر از طفلكان جدا نكند
بكی أتابك بكاء شدیدا، و كان ملكا عادلا رحیما، رحمه اللّه. و توفی صدر الدین فی شوال سنة ثلاث و عشرین و خمسمائة.
ذكر أن أهل أصفهان موصوفون بالشحّ. نقل عن الصاحب أبی القاسم بن عبّاد، وزیر مجد الدولة من آل بویه، انّه كان یقول لأصحابه إذا أراد دخول أصفهان: من له حاجة فلیسأل قبل دخول أصفهان، فإنی إذا دخلتها وجدت فی نفسی شحّا لم أجد فی غیرها!
حكی رجل أنّه تصدّق برغیف علی ضریر بأصفهان فقال الضریر: أحسن اللّه غربتك! فقال الرجل: كیف عرفت غربتی؟ قال: لأنی منذ ثلاثین سنة ما أعطانی أحد رغیفا صحیحا!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 299
و حدّث الأمیر حسام الدین النعمان: أن البقر بأصفهان یقوی حتی لو حصل فیها أعجف ما یكون، بعد مدّة یسیرة یبقی قویّا سمینا حتی یعصی و لا ینقاد.
بها مسجد یسمّی مسجد خوشینه. زعموا أن من حلف كاذبا فی هذا المسجد تختلّ أعضاؤه، و هذا أمر مستفیض عند أهل أصفهان.
بها نهر زرنروذ، و هو موصوف بعذوبة الماء و لطافته، یغسل الغزل الخشن بهذا الماء فیبقی لیّنا ناعما مثل الحریر، مخرجه من قریة یقال لها بنا كان، و یجتمع إلیه میاه كثیرة فیعظم أمره و یمتدّ، و یسقی بساتین أصفهان و رساتیقها، ثمّ یمرّ علی مدینة أصفهان و یغور فی رمال هناك. و یخرج بكرمان علی ستّین فرسخا من الموضع الذی یغور فیه فیسقی مواضع بكرمان ثمّ یصبّ فی بحر الهند. ذكر أنّهم أخذوا قصبة و علّموها بعلائم و أرسلوها فی الموضع الذی یغور فیه، فوجدوها بعینها بأرض كرمان، فاستدلّوا بذلك علی أنّه نهر زرنروذ.

أفشنة

قریة من ناحیة خرمیثن من ضیاع بخاری، قال أبو عبید الجوزجانی:
حدّثنی أستاذی أبو علیّ الحسین بن عبد اللّه بن سینا أن أباه كان من بلخ، انتقل إلی بخاری فی زمن نوح بن نصر السامانی، و تصرّف فی الأعمال و تزوّج بأفشنة فولدت بها، و طالعی السرطان و المشتری و الزهرة فیه، و القمر و عطارد فی السنبلة، و المریخ فی العقرب، و الشمس فی الأسد، و كان المشتری فی السرطان علی درجة الشرف و الشعری مع الرأس علی درجة الطالع، فكانت الكواكب كلّها فی الحظوظ؛ قال: فلمّا بلغت سنّ التمییز سلّمنی إلی معلّم القرآن ثمّ إلی معلّم الأدب، فكان كلّ شی‌ء قرأه الصبیان علی الأدیب احفظه، و الذی كلّفنی أستاذی كتاب الصفات و كتاب غریب المصنّف، ثمّ أدب الكتّاب ثمّ إصلاح المنطق ثمّ كتاب العین ثمّ شعر الحماسة ثمّ دیوان ابن الرومی، ثمّ تصریف المازنی ثمّ نحو سیبویه، فحفظت تلك الكتب فی سنة و نصف، و لو لا تعویق الأستاذ
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 300
لحفظتها بدون ذلك، و هذا مع حفظی وظائف الصبیان فی المكتب. فلمّا بلغت عشر سنین كانوا فی بخاری یتعجّبون منی، ثمّ شرعت فی الفقه، فلمّا بلغت اثنتی عشرة سنة صرت أفتی فی بخاری علی مذهب أبی حنیفة، ثمّ شرعت فی علم الطبّ و صنّفت القانون و أنا ابن ستّ عشرة سنة، فمرض نوح بن نصر السامانی فجمعوا الأطباء لمعالجته فجمعونی أیضا معهم، فرأوا معالجتی خیرا من معالجات كلّهم، فصلح علی یدیّ، فسألت أن یوصی لخازن كتبه أن یعیرنی كلّ كتاب طلبت ففعل، فرأیت فی خزانته كتب الحكمة من تصانیف أبی نصر بن طرخان الفارابی، فاشتغلت بتحصیل الحكمة لیلا و نهارا حتی حصلتها. فلمّا انتهی عمری إلی أربع و عشرین كنت أفكّر فی نفسی أنّه لا شی‌ء من العلوم لا أعرفه.
إلی ههنا نقل الجوزجانی عن الشیخ الرئیس. و حكی غیره أن دولة السامانیة لمّا انقرضت صارت مملكة ما وراء النهر لبنی سبكتكین، فلمّا ولّی السلطان محمود سعی الحسّاد إلی السلطان فی حقّ أبی علیّ، فهرب من بخاری إلی خراسان و اجتمع بصاحب نسا فإنّه كان ملكا حكیما، فأكرمه فعرّف أعداؤه السلطان انّه عند صاحب نسا؛ فقال لوزیره: اكتب إلی صاحب نسا ان ابعث إلینا رأس أبی علیّ! فكتب إلی صاحب نسا: ان كان أبو علیّ عندك فابعده سریعا! و كتب بعد یوم علی ید قاصد آخر ان ابعث إلینا رأس أبی علیّ. فلمّا وصل القاصد الأوّل أبعده، فلمّا وصل الثانی قال: إنّه كان عندنا فمشی منذ مدّة!
فعزم أبو علیّ طبرستان خدمة شمس المعالی قابوس بن و شمكیر، و كان ملكا فاضلا حكیما، فلمّا ورد طبرستان كان قابوس محبوسا فی قلعة، فأتی أرض الجبال مملكة آل بویه خائفا، فورد همذان و قصد فصّادا یفصد الناس.
فطلب یوما لفصد امرأة فلمّا رآها قال: الفصد لا یصلح لها، و أبی. فطلبوا غیره فلمّا فصدها غشی علیها فقالوا لأبی علیّ: كنت أنت مصیبا فدبّر أمرها.
فوصف شیئا من المقویات فصلحت، فتعجّبوا من ذكائه و قالوا: إنّه طبیب جید.
و مرضت امرأة من بنات الملوك و عجز الأطباء عن علاجها، فرآها أبو علیّ
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 301
و قال: مرضها العشق! فأنكرت المرأة. قال أبو علیّ: إن شئتم أعیّن لكم من تعشقه! اذكروا أسامی من یكون صالحا لذلك، و أنا أجسّ نبضها! فلمّا ذكروا اسم معشوقها اضطرب نبضها و تغیّر حالها، فعرف ذلك منها. قالوا:
فما علاجها؟ قال: ان العشق تمكّن منها تمكّنا شدیدا، إن لم تزوّجوها تتلف!
فاشتهر عند أهل همذان انّه طبیب جیّد، حتی جاء ناس من بخاری خدموا لأبی علیّ خدمة الملوك. فسأل أهل همذان عنهم فقالوا: هذا أبو علیّ بن سینا.
فعرف بهمذان، و ذكروا أن شمس الدولة صاحب همذان كان مبتلی بالقولنج، فعالجه أبو علیّ، فاستوزره شمس الدولة فبقی فی وزارته مدّة، و كانت دولة آل بویه متزلزلة بین أولاد الأعمام یحارب بعضهم بعضا، فلقی من الوزارة تعبا شدیدا حتی نهب داره و كتبه. فلمّا مات شمس الدولة و جلس ابنه مكانه، استعفی أبو علیّ عن الوزارة و اتّصل بعلاء الدولة صاحب أصفهان، و كان ملكا حكیما أكرم مثواه، و كان عنده إلی أن فارق الدنیا سنة ثمان و عشرین و أربعمائة عن ثمان و خمسین سنة و دفن بهمذان.

الموت‌

قلعة حصینة من ناحیة روذبار بین قزوین و بحر الخزر علی قلّة جبل، و حولها و هاد لا یمكن نصب المنجنیق علیها و لا النشّاب یبلغها. و هی كرسی ملك الإسماعیلیّة؛ قیل: ان بعض ملوك الدیلم أرسل عقابا للصید و تبعها، فرآها وقعت علی هذا الموضع فوجده موضعا حصینا، فاتّخذه قلعة و سمّاها إله أموت أی تعلیم العقاب بلسان الدیلم. و منهم من قال: اسم القلعة بتاریخها لأنّها بنیت فی سنة ستّ و أربعین و أربعمائة و هی م و ت.
ینسب إلیها حسن الصبّاح داعی الباطنیّة، و كان عارفا بالحكمة و النجوم و الهندسة و السحر، و نظام الملك كان یكرمه لفضله، فقال یوما بطریق الفراسة:
عمّا قریب یصل هذا جمعا من ضعفاء العوام! فذهب الصباح إلی مصر و دخل
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 302
علی المستنصر و استأذن منه أن یدعو الناس إلی بیعته، و كان خلفاء مصر یزعمون أنّهم من نسل محمّد بن إسماعیل بن جعفر، فعاد الصباح إلی بلاد العجم حتی وصل إلی ناحیة روذبار، فرأی شخصا علی غصن شجرة و هو یضرب أصل الغصن بالفأس، فقال فی نفسه: لا أجد قوما أجهل من هؤلاء! فألقی جرانه هناك و أظهر النسك، و كان كوتوال الموت رجلا علویّا حسن الظنّ فی الصباح، فأحكم الصباح أمره مع الناس و أخرج العلوی من القلعة. و كان معه صبی قال هو من نسل محمّد بن إسماعیل، و الإمامة كانت لأبیه و الآن له، و احكم أساس دعوته فیهم و قال للقوم: لا بدّ للناس من معلّم، و معلمكم هذا الصبی، و طاعة هذا المعلّم واجب علیكم، فإذا رضی عنكم سعدتم فی الدنیا و الآخرة، و لا حاجة بكم إلی شی‌ء سوی طاعة المعلّم. فاستخفّ قومه فأطاعوه حتی صاروا یفدون أنفسهم له، فلمّا عرف علماء الإسلام اعتقادهم و إخلالهم بأركان الدین افتوا بإلحادهم، و جعلوا یغزونهم و یسبون منهم فقتلوا جمعا من العظماء علی ید الفدایة، منهم:
الخلیفة المسترشد و نظام الملك و بكتمر صاحب أرمن، و انقلمس صاحب العراق.
فخاف منهم ملوك جمیع الأطراف.
و فی زمن المستعصم ظهر شخص بالیمن یدعی الخلافة، فاجتمع علیه قوم بعثوا إلیه فقتلوه، و كانت شوكتهم باقیة إلی أن قتلوا واحدا من عظماء التتر، فحاصروهم سبع سنین فتلفوا علی القلاع جوعا و هلكوا، و منهم من نزل فقتلوهم عن آخرهم و اندفع شرّهم.

إیذج‌

مدینة بین أصفهان و خوزستان كثیرة الزلازل، بها معادن كثیرة، من عجائبها ضرب من القاقلّی عصارتها دواء عجیب للنقرس، و بها بحیرة تعرف بفم البوّاب، ماؤها دائر إذا وقع فیها شی‌ء من الحیوان لا یغوص بل یدور فیها حتی یموت، ثمّ یقذف إلی الشطّ.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 304
أخبر بهذا كلّه الحافظ ابن النجّار شیخ المحدّثین ببغداد و قال: شاهدت العین و شربت من مائها، وزرت مشهد الشیخ هناك فوجدت روحا تامّا.

ایلابستان‌

قریة بین اسفرایین و جرجان، من عجائبها ما ذكره صاحب تحفة الغرائب ان بها مغارة یخرج منها ماء كثیر ینبع من عین فیها، فربّما ینقطع ذلك الماء فی بعض السنین أشهرا، فإذا دام انقطاعه یخرج أهل القریة من الرجال بأحسن ثیابهم و الدفوف و الشبابات و الملاهی إلی تلك العین، و یرقصون عندها و یلعبون، فإن الماء ینبع من العین و یجری بعد ساعة، و هو ماء كثیر بقدر ما یدیر رحی.

بابل‌

اسم قریة كانت علی شاطی‌ء نهر من أنهار الفرات بأرض العراق فی قدیم الزمان، و الآن ینقل الناس آجرّها. بها جبّ یعرف بجبّ دانیال، علیه السلام، یقصده الیهود و النصاری فی أوقات من السنة و أعیاد لهم. ذهب أكثر الناس إلی أنّها هی بئر هاروت و ماروت، و منهم من ذهب إلی أن بابل أرض العراق كلّها.
و من عجائبها ما ذكر أن عمر بن الخطّاب سأل دهقان الفلوجة عن عجائب بلادهم فقال: عجائب بابل كثیرة، لكن أعجبها أمر المدن السبع، كانت فی كلّ مدینة أعجوبة. أمّا المدینة الأولی فكان الملك ینزلها و فیها بیت، فی ذلك البیت صورة الأرض بقراها و رساتیقها و أنهارها، فمتی امتنع أهل بلدة من حمل الخراج خرق أنهارهم فی تلك الصورة و غرق زروعهم، فحدث بأهل تلك البلدة مثل ذلك حتی رجعوا عن الامتناع، فیسدّ أنهارهم فی الصورة فینسدّ فی بلدهم.
و المدینة الثانیة كان فیها حوض عظیم، فإذا جمع الملك قومه حمل كلّ واحد معه شرابا یشربه عند الملك وصبّه فی ذلك الحوض، فإذا جلسوا للشرب شرب كلّ واحد منهم شرابه الذی كان معه و حمل من منزله.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 305
و المدینة الثالثة كان علی بابها طبل معلّق، فإذا غاب إنسان من أهل تلك المدینة و التبس أمره و لم یعلم حیّ هو أم میت، دقّوا ذلك الطبل علی اسمه، فإن كان حیّا ارتفع صوته، و إن كان میتا لم یسمع منه صوت البتّة.
و المدینة الرابعة كان فیها مرآة من حدید، فإذا غاب رجل عن أهله و أرادوا أن یعرفوا حاله التی هو فیها، أتوا تلك المرآة علی اسمه و نظروا فیها فرأوه علی الحالة التی هو فیها.
و المدینة الخامسة كان علی بابها عمود من نحاس و علی رأسه اوزّة من نحاس، فإذا دخلها جاسوس صاحت صیحة سمعها كلّ أهل المدینة، فعلموا أن جاسوسا دخل علیهم.
و المدینة السادسة كان بها قاضیان جالسان علی طرف ماء، فإذا تقدّم إلیهما خصمان قرآ شیئا و تفلا علی رجلیهما و أمراهما بالعبور علی الماء، فغاص المبطل فی الماء دون المحقّ.
و المدینة السابعة كانت بها شجرة كثیرة الأغصان، فإن جلس تحتها واحد أظلّته إلی ألف نفس، فإن زاد علی الألف واحد صاروا كلّهم فی الشمس.
و روی عن الأعمش أن مجاهدا كان یحبّ أن یسمع من الأعاجیب، و لم یسمع بشی‌ء من الأعاجیب منها إلّا صار إلیه و عاینه. فقدم أرض بابل فلقیه الحجّاج و سأله عن سبب قدومه، فقال: حاجة إلی رأس الجالوت! فأرسله إلیه و أمره بقضاء حاجته، فقال له رأس الجالوت: ما حاجتك؟ قال: أن ترینی هاروت و ماروت! فقال لبعض الیهود: اذهب بهذا و أدخله إلی هاروت و ماروت لینظر إلیهما. فانطلق به حتی أتی موضعا و رفع صخرة، فإذا شبه سرب، فقال له الیهودی: انزل و انظر إلیهما و لا تذكر اللّه! فنزل مجاهد معه فلم یزل یمشی به الیهودی حتی نظر إلیهما، فرآهما مثل الجبلین العظیمین منكوسین علی رأسیهما و علیهما الحدید من أعقابهما إلی ركبهما مصفّدین، فلمّا رآهما مجاهد لم یملك نفسه فذكر اللّه، فاضطربا اضطرابا شدیدا حتی كادا یقطعان ما علیهما من
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 306
الحدید، فخرّ الیهودی و مجاهد علی وجههما، فلمّا سكنا رفع الیهودی رأسه و قال لمجاهد: أما قلت لك لا تفعل ذلك فكدنا نهلك! فتعلّق مجاهد به و لم یزل یصعد به حتی خرجا.

بالس‌

بلیدة علی ضفة الفرات من الجانب الغربی، فلم تزل الفرات تشرّق عنها قلیلا قلیلا حتی صار بینهما فی أیّامنا هذه أربعة أمیال.

بدخشان

مدینة مشهورة بأعلی طخارستان. بها معدن البلخش المقاوم للیاقوت، و قد حدّث من شاهده قال: انّه عروق فی جبالها یكثر بها إلّا أن الجیّد قلیل. و بها معدن اللازورد و معدن البیجادق و هو حجر كالیاقوت، و بها معدن البلّور الخالص.
و من عجائبها حجر الفتیلة و هو یشبه البردی، یحسب العامة انّه ریش الطائر لا تحرقه النار، یدهن و یشعل فیتقد مثل الفتیلة، فإذا فنی الدهن بقی كما كان و لم یتغیّر شی‌ء من صفته، و هكذا كلّما وضع فی الدهن اشتعل، و یتّخذ منه قنادیل غلاظ للخوان، فإذا اتسخت ألقیت فی النار فذهب عنها الدرن و صفا لونها. و بها حجر یترك فی البیت المظلم یضی‌ء شیئا یسیرا، كلّ ذلك عن البشّاری.

برقعید

بلیدة بین الموصل و نصیبین، كانت قدیما مدینة كبیرة ممرّ القوافل.
یضرب بأهلها المثل فی اللصوصیّة. یقال: لصّ برقعیدی! فكانت القوافل إذا نزلت بهم لقیت منهم الأمرّین. حكی أن قفلا نزل بهم فذهبوا إلی بعض جدرانها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 307
احترازا من اللصوص، و جعلوا دوابهم تحت الجدار و أمتعتهم حولها، و اشتغلوا بحراسة ما تباعد عن الجدار لأمنهم من صوب الجدار. فلمّا كان اللیل صعد البرقعیدیون السطح، و ألقوا علی الدواب كلالیب أنشبوها فی براذعها و جذبوها إلی السطح، و لم یدر القوم إلی وقت الرحیل، فطلبوا الدواب فما وجدوها، فذهبوا و تركوها. فلمّا كثرت منهم أمثال هذه الأفاعیل تجنّبتهم القوافل، و جعلوا طریقهم إلی باشزّی، و انتقلت الأسواق إلی باشزّی و خربت برقعید.
و الآن لم یبق بها إلّا طائفة صعالیك ضعفی.
ینسب إلیها المغنی البرقعیدی الذی یضرب به المثل فی سماجة الوجه و كراهة الصوت، قال:
و لیل كوجه البرقعیدیّ ظلمةو برد أغانیه و طول قرونه
قطعت دیاجیه بنوم مشرّدكعقل سلیمان بن فهد ودینه
علی أولق فیه الهباب كأنّه‌أبو جابر فی خبطه و جنونه
إلی أن بدا ضوء الصّباح كأنّه‌سنا وجه قرواش و ضوء جبینه

بروجرد

بلدة بقرب همذان، طیّبة خصیبة كثیرة المیاه و الأشجار و الفواكه و الثمار.
فواكهها تحمل إلی المواضع التی بقربها. و هی قلیلة العرض طولها مقدار نصف فرسخ. أرضها تنبت الزعفران.
من عجائبها ما ذكر أنّه فی قدیم الزمان نزل علی بابها عسكر، فأصبحوا و قد مسخ العسكر حجرا صلدا. و آثارها إلی الآن باقیة، و إن كانت التماثیل بطول الزمان تشعّبت بنزول الأمطار علیها و هبوب الریاح و احتراقها بحرارة الشمس، لكن لا یخفی أن هذا كان إنسانا و ذاك كان بهیمة و غیرها.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 308

بسطام‌

مدینة كبیرة بقومس بقرب دامغان. من عجائبها انّه لا یری بها عاشق من أهلها، و إذا دخلها من به عشق فإذا شرب من مائها زال عنه ذلك! و أیضا لم یر بها رمد قطّ، و ماؤها یزیل البخر إذا شرب علی الریق، و إن احتقن به یزیل بواسیر الباطن. و العود لا رائحة له بها ولو كان من أجود العود، و تذكو بها رائحة المسك و العنبر و سائر أصناف الطیب، و دجاجها لا یأكل العذرة. و بها حیّات صغار و ثّابات.
ینسب إلیها سلطان العارفین أبو یزید طیفور بن عیسی البسطامی صاحب العجائب؛ قیل له: ما أشدّ ما لقیت فی سبیل اللّه من نفسك؟ قال: لا یمكن وصفه. فقیل: ما أهون ما لقیت نفسك منك فی سبیل اللّه؟ قال: أمّا هذا فنعم.
دعوتها إلی شی‌ء من الطاعات فلم تجبنی، فمنعتها الماء سنة. و حكی أن أبا یزید رأی فی طریق مكّة رجلا معه حمل ثقیل، فقال لأبی یزید: ما أصنع بهذا الحمل؟ فقال له: احمله علی بعیرك و اركب أنت فوقه. ففعل الرجل ذلك و فی قلبه شی‌ء، فقال له أبو یزید: افعل و لا تمار، فإن اللّه هو الحامل لا البعیر! فلم یقنع الرجل بذلك فقال أبو یزید: انظر ماذا تری؟ فقال: أری نفسی و الحمل یمشی فی الهواء و البعیر یمشی فارغا. فقال له: أما قلت لك إن اللّه هو الحامل فما صدقت حتی رأیت!
و حكی انّه سمع أن بعض مریدیه شرب الخمر، فقال له: اخرج معی حتی أعلّمك شرب الخمر! فخرج معه فأدخله بعض المواخیر و شرب جمیع ما فی دنانها، ثمّ تنكّس فجعل رأسه علی الأرض و رجلیه نحو الهواء، و قرأ القرآن من أوّله إلی آخره و قال للمرید: إذا أردت شرب الخمر فهكذا!
مات سنة إحدی و ستّین و مائتین ببسطام، و كان له هناك مشهد مزار متبرّك به، و ذكر بعض الصوفیة ان من نام فی مشهد أبی یزید، فإذا استیقظ یری نفسه خارجا من المشهد.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 309

البصرة

هی المدینة المشهورة التی بناها المسلمون؛ قال الشعبی: مصرت البصرة قبل الكوفة بسنة و نصف. و هی مدینة علی قرب البحر كثیرة النخیل و الأشجار، سبخة التربة ملحة الماء لأن المدّ یأتی من البحر، یمشی إلی ما فوق البصرة بثلاثة أیّام. و ماء دجلة و الفرات إذا انتهی إلی البصرة خالطه ماء البحر فیصیر ملحا.
و أمّا نخیلها فكثیر جدّا؛ قال الأصمعی: سمعت الرشید یقول: نظرنا فإذا كلّ ذهب و فضّة علی وجه الأرض لا یبلغ ثمن نخل البصرة!
و من عجائبها أمور ثلاثة: أحدها أن دجلة و الفرات یجتمعان قرب البصرة، و یصیران نهرا عظیما یجری من ناحیة الشمال إلی الجنوب، فهذا یسمّونه جزرا، ثمّ یرجع من الجنوب إلی الشمال و یسمّونه مدّا. یفعل ذلك فی كلّ یوم و لیلة مرّتین، فإذا جزر نقص نقصا كثیرا بحیث لو قیس لكان الذی ذهب مقدار ما بقی أو أكثر، و ینتهی كلّ أوّل شهر فی الزیادة إلی غایته، و یسقی المواضع العالیة و الأراضی القاصیة ثمّ یشرع فی الانتقاص، فهذا كلّ یوم و لیلة انقص من الذی كان قبله إلی آخر الأسبوع الأوّل من الشهر، ثمّ یشرع فی الزیادة فهذا كلّ یوم و لیلة أكثر من الذی قبله إلی نصف الشهر، ثمّ یأخذ فی النقص إلی آخر الأسبوع ثمّ فی الزیادة إلی آخر الشهر، و هكذا أبدا لا ینحلّ هذا القانون و لا یتغیّر.
و ثانیها انّك لو التمست ذبابة فی جمیع بیادرها و ربطها المعوّذة و غیرها علی نخلها فی جمیع معاصرها، ما وجدت إلّا فی الفرط، ولو ان معصرة دون الغیط أو تمرة منبوذة دون المسناة لما استبنتها من كثرة الذبّان، و ذكروا أن ذلك لطلسم.
و ثالثها أن الغربان القواطع فی الخریف تسوّد جمیع نخل البصرة و أشجارها، حتی لا یری غصن إلّا و علیه منها، و لم یوجد فی جمیع الدهر غراب ساقط علی نخلة غیر مصرومة، ولو بقی علیها عذق واحد. و مناقیر الغربان كالمعاول،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 310
و التمر فی ذلك الوقت علی الأعذاق غیر متماسك، فلولا لطف اللّه تعالی لتساقطب كلّها بنقر الغربان ثمّ تنتظر صرامها، فإذا تمّ الصرام رأیتها تخلّلت أصول الكرب فلا تدع حشفة إلّا استخرجتها. فسبحان من قدر ذلك لطفا بعباده!
قال الجاحظ: من عیوب البصرة اختلاف هوائها فی یوم واحد، فإنّهم یلبسون القمص مرّة و المبطنات مرّة لاختلاف جواهر الساعات. و من ظریف ما قیل فی اختلاف هواء البصرة قول ابن لنكك:
نحن بالبصرة فی لون من العیش ظریف
نحن ما هبّت شمال‌بین جنّات وریف
فإذا هبّت جنوب‌فكأنّا فی كنیف
و من متنزّهاتها وادی القصر؛ ذكر الخلیل أن أباه مرّ بوادی القصر فرأی أرضا كالكافور و ضبّا محترشا و غزالا و سمكا، و صیادة و غناء ملّاح علی سكانه و حداء جمّال خلف بعیره فقال:
یا وادی القصر نعم القصر و الوادی‌فی منزل حاضر إن شئت أو بادی
ترفا به السّفن و الظلمان حاضرةو الضّبّ و النّون و الملّاح و الحادی
حكی أن عبید اللّه بن زیاد ابن أبیه بنی بالبصرة دارا عجیبة سمّاها البیضاء، و الناس یدخلونها و یتفرّجون علیها، فدخلها اعرابیّ قال: لا ینتفع بها صاحبها! و دخلها آخر و قال: أتبنون بكلّ ریع آیة تعبثون؟ فقیل ذلك لعبید اللّه، قال لهما: لأیّ شی‌ء قلتم ما قلتم؟ قال الأعرابی: لأنی رأیت فیها أسدا كالحا و كلبا نابحا و كبشا ناطحا! و كان كما قال ما انتفع بها عبید اللّه أخرجه أهل البصرة منها.
و قال الآخر: آیة من كتاب اللّه عرضت لی قرأتها، فقال: و اللّه لأفعلنّ بك ما فی الآیة الأخری: و إذا بطشتم بطشتم جبّارین. فأمر أن یبنی علیه ركن من أركان قصره.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 311
و ینسب إلیها أبو سعید الحسن بن أبی الحسن البصری أوحد زمانه. سأله الحجّاج و قال: ما تقول فی عثمان و علیّ؟ قال: أقول ما قال من هو خیر منی عند من هو شرّ منك! قال: من هو؟ قال: موسی، علیه السلام، حین سأله فرعون: ما بال القرون الأولی؟ قال: علمها عند ربی فی كتاب لا یضلّ ربی و لا ینسی. علم عثمان و علیّ عند اللّه. فقال: أنت سیّد العلماء یا أبا سعید!
و حكی أن رجلا قال للحسن: فلان اغتابك! فبعث إلی ذلك الرجل طبق حلاوی و قال: بلغنی أنّك نقلت حسناتك إلی دیوانی فكافیتك بهذا. و حكی ان لیلة وفاته رأی رجل فی منامه منادیا ینادی: إن اللّه اصطفی آدم و نوحا و آل إبراهیم و آل عمران علی العالمین، و اصطفی الحسن البصری علی أهل زمانه.
توفی سنة عشر و مائة عن ثمان و ثمانین سنة.
و ینسب إلیها أبو بكر محمّد بن سیرین، و هو مولی أنس بن مالك. كان شابّا حسن الوجه بزّازا، طلب منه بعض نساء الملوك ثیابا للشری، فلمّا حصل فی دارها مع ثیابه راودته عن نفسه فقال: أمهلینی حتی أقضی حاجتی فإنی حاقن! فلمّا دخل بیت الطهارة لطخ جمیع بدنه بالنجاسة و خرج، فرأته علی تلك الحالة فنفرت منه و أخرجته.
و حكی انّه رأی یوسف الصدّیق، علیه السلام، فی نومه فقال له: یا نبی اللّه حالك عجیب مع أولئك النسوة! فقال له: و حالك أیضا عجیب! أعطاه اللّه علم تأویل الرؤیا، جاءه رجل قال: رأیت فی نومی كأنی أعلّق الجواهر علی الخنازیر! فقال له: تعلّم الحكمة لمن لیس أهلا لها! و جاءه رجل آخر و قال:
رأیت كأنی أختم أفواه الرجال و فروج النساء! فقال: مؤذن أنت؟ قال: نعم.
فقال: تؤذن فی رمضان قبل طلوع الفجر. و جاءه رجل آخر و قال: رأیت كأنی أصبّ الزیت فی وسط الزیتون. فقال له: عندك جاریة؟ قال: نعم.
قال: اكشف عن حالها كأنّها أمّك. توفی ابن سیرین سنة مائة و عشر عن سبع و سبعین سنة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 312
و ینسب إلیها عمرو بن عبید. كان عالما زاهدا ورعا. كان بینه و بین السفّاح و المنصور قبل خلافتهما معرفة، و كانوا خائفین متواترین، و عمرو بن عبید یعاودهما فی قضاء حاجتهما. فلمّا صارت الخلافة إلی المنصور عصی علیه أهل البصرة، فجاء بنفسه بخراب البصرة. أهل البصرة تعلّقوا بعمرو بن عبید و سألوه أن یشفع لهم، فركب حمارا و علیه نعلان من الخوص، و ذهب إلی المنصور، فلمّا رآه أكرمه و قبل شفاعته و سأله أن یقبل منه مالا، فأبی قبول المال، فألحّ علیه المنصور فأبی، فحلف المنصور أن یقبله فحلف هو أن لا یقبله، و كان المهدی ابن المنصور حاضرا فقال: یا عمّ أیحلف الخلیفة و تحلف أنت؟ فقال: نعم للخلیفة ما یكفّر به یمینه و لیس لعمّك ما یكفر به یمینه! و قام من عنده و خرج و المنصور یقول: كلّكم یمشی روید، كلّكم یطلب صید، غیر عمرو بن عبید!
و حكی أن رجلا قال له: فلان لم یزل یذكرك بالسوء! فقال: و اللّه ما راعیت حقّ مجالسته حین نقلت إلی حدیثه، و لا راعیت حقّی حین بلغتنی عن أخی ما أكرهه! اعلم أن الموت یعمّنا و البعث یحشرنا و القیامة تجمعنا، و اللّه یحكم بیننا! و حكی أنّه مرّ علی قوم وقوف قال: ما وقوفكم؟ قالوا: السلطان یقطع ید سارق! قال: سارق العلانیة یقطع ید سارق السرّ.
و ینسب إلیها القاضی أبو بكر بن الطیب الباقلانی. كان إماما عالما فاضلا.
و لمّا سمع الشیخ أبو القاسم بن برهان كلام القاضی أبی بكر و مناظرته قال:
ما سمعت كلام أحد من الفقهاء و الخطباء و البلغاء مثل هذا. و تعجّب من فصاحته و بلاغته و حسن تقریره. و زعم بعضهم أنّه هو المبعوث علی رأس المائة الرابعة لتجدید أمر الدین، و له تصانیف كثیرة، و كان مشهورا بوفور العلم و حسن الجواب؛ حضر بعض محافل النظر و كان أشعریّ الاعتقاد، فقال ابن المعلم:
قد جاء الشیطان! و ابن المعلم كان شیخ الشیعة فسمع القاضی أبو بكر ما قاله فقال:
ألم تر أنّا أرسلنا الشیاطین علی الكافرین تؤزّهم أزّا؟
و حكی أن عضد الدولة أراد أن یبعث رسولا إلی الروم و قال: ان النصاری
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 313
یسألون و یناظرون فمن یصلح؟ قالوا: لیس لهم مثل القاضی أبی بكر، فإنّه یناظرهم و یغلبهم فی كلّ ما یقولونه. فبعثه إلی قیصر الروم، فلمّا أراد الدخول علیه علم الرومی انّه لا یخدم كما هی عادة الرسل، فاتّخذ الباب الذی یدخل منه إلی قیصر بابا قصیرا، من أراد دخوله ینحنی، فلمّا وصل القاضی إلی ذلك عرف الحال فأدار ظهره إلی الباب، و دخل راكعا ظهره إلی الباب، فتعجّب قیصر من فطنته و وقع فی نفسه هیبته.
فلمّا أدّی الرسالة رأی عنده بعض الرهابین فقال له القاضی مستهزئا:
كیف أنت و كیف الأولاد؟ فقال له قیصر: إنّك لسان الأمّة و مقدم علماء هذه الملّلة! أما علمت أن هؤلاء متنزّهون عن الأهل و الولد؟ فقال القاضی:
إنّكم لا تنزّهون اللّه عن الأهل و الولد و تنزّهون هؤلاء، فهؤلاء أجلّ عندكم من اللّه تعالی! و قال بعض طاغیة الروم للقاضی: اخبرنی عن زوجة نبیّكم عائشة و ما قیل فیها. قال القاضی: قیل فی حقّ عائشة ما قیل فی حقّ مریم بنت عمران، و عائشة ما ولدت و مریم ولدت، و قد برّأ اللّه تعالی كلّ واحدة منهما!
و حكی بعض الصالحین: انّه لمّا توفی القاضی أبو بكر رأیت فی منامی جمعا علیهم ثیاب بیض، و لهم وجوه حسنة و روائح طیّبة، قلت لهم: من أین جئتم؟ قالوا: من زیارة القاضی أبی بكر الأشعری. قلت: ما فعل اللّه به؟
قالوا: غفر اللّه له و رفع درجته. فمشیت إلیه فرأیته و علیه ثیاب حسنة فی روضة خضرة نضرة، فهممت أن أسأله عن حاله فسمعته یقرأ بصوت عال: هاؤم اقرأوا كتابیه. انی ظننت انی ملاق حسابیه. فهو فی عیشة راضیة. فی جنّة عالیة.

بغداد

أمّ الدنیا و سیّدة البلاد و جنّة الأرض و مدینة السلام، و قبّة الإسلام و مجمع الرافدین، و معدن الظرائف و منشأ أرباب الغایات، هواؤها ألطف من كلّ هواء، و ماؤها أعذب من كلّ ماء، و تربتها أطیب من كلّ تربة، و نسیمها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 314
أرقّ من كلّ نسیم!
بناها المنصور أبو جعفر عبد اللّه بن محمّد بن علیّ بن عبد اللّه بن عبّاس، و لمّا أراد المنصور بناء مدینة بعث روّادا یرتاد موضعا، قال له: أری یا أمیر المؤمنین أن تبنی علی شاطی‌ء دجلة، تجلب إلیها المیرة و الأمتعة من البرّ و البحر، و تأتیها المادة من دجلة و الفرات، و تحمل إلیها ظرائف الهند و الصین، و تأتیها میرة أرمینیة و آذربیجان و دیار بكر و ربیعة، لا یحمل الجند الكثیر إلّا مثل هذا الموضع. فأعجب المنصور قوله و أمر المنجّمین، و فیهم نوبخت، باختیار وقت للبناء فاختاروا طالع القوس الدرجة التی كانت الشمس فیها، فاتّفقوا علی أن هذا الطالع ممّا یدلّ علی كثرة العمارة و طول البقاء، و اجتماع الناس فیها و سلامتهم عن الأعداء. فاستحسن المنصور ذلك ثمّ قال نوبخت: و خلّة أخری یا أمیر المؤمنین. قال: و ما هی؟ قال: لا یتّفق بها موت خلیفة! فتبسّم المنصور و قال:
الحمد للّه علی ذلك. و كان كما قال، فإن المنصور مات حاجّا، و المهدی مات بماسبذان، و الهادی بعیساباد، و الرشید بطوس، و الأمین أخذ فی شبارته و قتل بالجانب الشرقی، و المأمون بطرسوس، و المعتصم و الواثق و المتوكّل و المستنصر بسامرّا. ثمّ انتقل الخلفاء إلی التاج و تعطّلت مدینة المنصور من الخلفاء؛ قال عمارة بن عقیل:
أعاینت فی طول من الأرض أو عرض‌كبغداد من دار بها مسكن الخفض؟
صفا العیش فی بغداد و اخضرّ عوده‌و عیش سواها غیر خفض و لا غض
قضی ربّها أن لا یموت خلیفةبها، إنّه ما شاء فی خلقه یقضی
ذكر أبو بكر الخطیب أن المنصور بنی مدینة بالجانب الغربی، و وضع اللبنة الأولی بیده، و جعل داره و جامعها فی وسطها، و بنی فیها قبّة فوق ایوان كان علوها ثمانین ذراعا. و القبّة خضراء علی رأسها تمثال فارس بیده رمح، فإذا رأوا ذلك التمثال استقبل بعض الجهات و مدّ رمحه نحوها، فعلموا أن بعض الخوارج
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 315
یظهر من تلك الجهة، فلا یطول الوقت حتی یأتی الخبر ان خارجیّا ظهر من تلك الجهة. و قد سقط رأس هذه القبّة سنة تسع و عشرین و ثلاثمائة فی یوم مطیر ریّح، و كانت تلك القبّة علم بغداد و تاج البلد، و مأثرة بنی العبّاس.
و كان بجانبها الشرقی محلّة تسمّی باب الطاق، كان بها سوق الطیر فاعتقدوا ان من تعسّر علیه شی‌ء من الأمور فاشتری طیرا من باب الطاق و أرسله، سهل علیه ذلك الأمر. و كان عبد اللّه بن طاهر طال مقامه ببغداد، و لم یحصل له اذن الخلیفة، فاجتاز یوما بباب الطاق فرأی قمریة تنوح، فأمر بشرائها و اطلاقها، فامتنع صاحبها أن یبیعها إلّا بخمسمائة درهم، فاشتراها و أطلقها و أنشأ یقول:
ناحت مطوّقة بباب الطّاق‌فجرت سوابق دمعی المهراق
كانت تغرّد بالأراك و ربّماكانت تغرّد فی فروع السّاق
فرمی الفراق بها العراق فأصبحت‌بعد الأراك تنوح فی الأشواق
فجعت بإفراج فأسبل دمعهاإنّ الدّموع تبوح بالمشتاق
تعس الفراق و تبّ حبل وتینه‌و سقاه من سمّ الأساود ساقی
ماذا أراد بقصده قمریّةلم تدر ما بغداد فی الآفاق
بی مثل ما بك یا حمامة فاسألی‌من فكّ أسرك أن یحلّ وثاقی!
هذه صفة المدینة الغربیّة، و الآن لم یبق منها أثر. و بغداد عبارة عن المدینة الشرقیّة. كان أصلها قصر جعفر بن یحیی البرمكی، و الآن هی مدینة عظیمة كثیرة الأهل و الخیرات و الثمرات. تجبی إلیها لطائف الدنیا و ظرائف العالم إذ ما من متاع ثمین و لا عرض نفیس إلّا و یحمل إلیها، فهی مجمع لطیبات الدنیا و محاسنها، و معدن لأرباب الغایات و آحاد الدهر فی كلّ علم و صنعة.
و بها حریم الخلافة، و علیه سور ابتداؤه من دجلة و انتهاؤه إلی دجلة كشبه الهلال، و له أبواب: باب سوق التمر باب شاهق البناء عال، أغلق من أوّل أیّام
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 316
الناصر و استمرّ إغلاقه. ذكر أن المسترشد خرج منه فأصابه ما أصابه فتطیّروا به و أغلقوه. و باب النوبی و عنده العتبة التی یقبّلها الملوك و الرسل إذا قدموا بغداد.
و باب العامة و علیه باب عظیم من الحدید نقله المعتصم من عموریة لم یر مصراعان أكبر منهما من الحدید.
و من عجائبها دار الشجرة من أبنیة المقتدر باللّه، دار فیحاء ذات بساتین مؤنقة، و إنّما سمّیت بذلك لشجرة كانت هناك من الذهب و الفضّة فی وسط بركة كبیرة أمام أبوابها، و لها من الذهب و الفضّة ثمانیة عشر غصنا، و لكلّ غصن فروع كثیرة مكلّلة بأنواع الجواهر علی شكل الثمار. و علی أغصانها أنواع الطیر من الذهب و الفضّة، إذا هبّ الهواء سمعت منها الهدیر و الصفیر.
و فی جانب الدار عن یمین البركة تمثال خمسة عشر فارسا، و مثله عن یسار البركة، قد ألبسوا أنواع الحریر المدبّج مقلّدین بالسیوف، و فی أیدیهم المطارد یحركون علی خطّ واحد، فیظنّ أن كلّ واحد قاصد إلی صاحبه.
و من مفاخرها المدرسة التی أنشأها المستنصر باللّه. لم یبن مثلها قبلها فی حسن عمارتها و رفعة بنائها، و طیب موضعها علی شاطی‌ء دجلة و أحد جوانبها فی الماء.
لم یعرف موضع أكثر منها أوقافا و لا أرفه منها سكّانا. و علی باب المدرسة ایوان ركب فی صدره صندوق الساعات علی وضع عجیب، یعرف منه أوقات الصلوات و انقضاء الساعات الزمانیة نهارا و لیلا؛ قال أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزی:
یا أیّها المنصور یا مالكابرأیه صعب اللّیالی یهون!
شیّدت للّه و رضوانه‌أشرف بنیان یروق العیون
إیوان حسن وصفه مدهش‌یحار فی منظره النّاظرون!
تهدی إلی الطّاعات ساعاته‌النّاس، و بالنّجم هم یهتدون
صوّر فیه فلك دائرو الشّمس تجری ما لها من سكون
دائرة من لازورد حلت‌نقطة تبر فیه سرّ مصون
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 317 فتلك فی الشّكل و هذا معاكمثل هاء ركّبت وسط نون
فهی لإحیاء العلی و النّدی‌دائرة مركزها العالمون
و أمّا أولو الفضل من العلماء و الزهّاد و العبّاد و الأدباء و الشعراء و الصنّاع فلا یعلم عددهم إلّا اللّه. و لنذكر بعض مشاهیرها إن شاء اللّه.
ینسب إلیها القاضی أبو یوسف. ذكر أنّه كان رآه رجل یهودی وقت الظهیرة یمشی راكبا علی بغلة، و الیهودی یمشی راجلا جائعا ضعیفا، فقال للقاضی:
ألیس نبیّكم یقول الدنیا سجن المؤمن و جنّة الكافر؟ قال: نعم. قال: فأنت فی السجن و أنا فی الجنّة و الحالة هذه! فقال القاضی: نعم یا عدوّ اللّه، بالنسبة إلی ما أعد اللّه لی من الكرامة فی الآخرة فی السجن، و أنت بالنسبة إلی ما أعدّ اللّه لك فی الآخرة من العذاب فی الجنّة!
و حكی أن الهادی الخلیفة اشتری جاریة فاستفتی فقال الفقهاء: لا بدّ من الاستبراء أو الاعتاق و التزویج. فقال القاضی أبو یوسف: زوّجها من بعض أصحابك و هو یطلّقها قبل الدخول و حلّت لك.
و حكی أن الرشید قال لزبیدة: أنت طالق ثلاثا إن بتّ اللیلة فی مملكتی! فاستفتوا فی ذلك فقال أبو یوسف: تبیت فی بعض المساجد فإن المساجد للّه! فولّاه القضاء بجمیع مملكته.
و حكی أن زبیدة قالت للرشید: أنت من أهل النار. فقال لها: إن كنت من أهل النار فأنت طالق ثلاثا! فسألوا عنه فقال: هل یخاف مقام ربّه؟
قالوا: نعم. قال: فلا یقع الطلاق لأن اللّه تعالی یقول: و لمن خاف مقام ربّه جنّتان.
و ینسب إلیها القاضی یحیی بن أكثم. كان فاضلا غزیر العلم ذكی الطبع، لطیفا حسن الصورة حلو الكلام، كان المأمون یری له لا یفارقه، و یضرب به المثل فی الذكاء. ولی القضاء و هو ابن سبع عشرة سنة فقال بعض الحاضرین فی مجلس
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 318
الخلیفة: أصلح اللّه القاضی! كم یكون سنّ عمره؟ فعلم یحیی انّه قصد بذلك استحقاره لقلّة سنه، فقال: سنّ عمری مثل سنّ عمر بن عتّاب بن أسید حین ولّاه رسول اللّه، علیه السلام، قضاء مكّة! فتعجّب الحاضرون من جوابه.
و حكی انّه كان ناظر الوقوف ببغداد فوقف العمیان له و قالوا: یا أبا سعید اعطنا حقّنا! فأمر بحبسهم، فقیل له: لم حبست العمیان و قد طلبوا حقّهم؟
فقال: هؤلاء یستحقّون ابلغ من ذلك، إنّهم شبّهونی بأبی سعید اللوطی من مدینة كذا! و كان هذا قصدهم فما فات القاضی ذلك.
و حكی انّه اجتاز بجمع من ممالیك الخلیفة صبیانا حسانا فقال لهم: لولا أنتم لكنّا مؤمنین. فعرف المأمون ذلك فأمر أن یذهب كلّ یوم إلی باب داره أربعمائة مملوك حسن الصورة، حتی إذا ركب یمشون فی خدمته إلی دار الخلافة ركابا.
و ینسب إلیها أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن حنبل. كان أصله من مرو وجی‌ء به حملا إلی بغداد فنشأ بها. فلمّا كان أیّام المعتصم وقع فی محنة المعتزلة، جمع المعتصم بینه و بین المعتزلة و كبیرهم القاضی أبو داود. قالوا: ان القرآن مخلوق! قال لهم أحمد: ما الدلیل علی ذلك؟ قالوا: قوله تعالی: و ما یأتیهم من ذكر من ربّهم محدث. فقال لهم أحمد: المراد من الذكر ههنا الذكر عند قوله تعالی:
ص و القرآن ذی الذكر. فالذكر مضاف إلی القرآن فیكون غیر القرآن، و ههنا مطلق و فی ص مقیّد، فیجب حمل المطلّق علی المقیّد. فانقطعت حجّتهم، فقال المعتصم لأبی داود: ما تقول فی هذا؟ فقال القاضی: هذا ضالّ مضلّ یجب تأدیبه!
و عن میمون بن الإصبع قال: كنت حاضرا عند محنة أحمد، فلمّا ضرب سوطا قال: بسم اللّه، فلمّا ضرب الثانی قال: لا حول و لا قوّة إلّا باللّه؛ فلمّا ضرب الثالث قال: القرآن كلام اللّه غیر مخلوق، فلمّا ضرب الرابع قال:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 319
لا یصیبنا إلّا ما كتب اللّه لنا!
و عن محمّد بن إسماعیل قال: سمعت شابّا یقول: ضربت لأحمد ثمانین سوطا لو ضربت فیلا لهدته فجری دمه تحت الخشب! ثمّ أمر بحبسه فانتشر ذكر ذلك و استقبح من الخلیفة، و ورد كتاب المأمون من طرسوس یأمر بإشخاص أحمد. فدعا المعتصم عند ذلك أحمد و قال للناس: أتعرفون هذا الرجل؟ قالوا:
نعم هو أحمد بن حنبل. قال: انظروا إلیه ما به كسر و لا هشم. و سلّمه إلیهم.
و حكی صالح بن أحمد قال: دخلت علی أبی و بین یدیه كتاب كتب إلیه:
بلغنی أبا عبد اللّه ما أنت فیه من الضیق، و ما علیك من الدین، و قد بعثت إلیك أربعة آلاف درهم علی ید فلان، لا من زكاة و لا من صدقة و إنّما هی من إرث أبی! فقال أحمد: قل لصاحب هذا الكتاب: أمّا الدین فصاحبه لا یرهقنا و نحن نعافیه، و العیال فی نعمة من اللّه. قال: فذهبت إلی الرجل و قلت له ما قال أبی، و اللّه یعلم ما نحن فیه من الضیق. فلمّا مضت سنة قال: لو قبلناها لذهبت!
و حكی أحمد بن حرار قال: كانت أمّی زمنة عشرین سنة فقالت لی یوما:
اذهب إلی أحمد بن حنبل و سله أن یدعو اللّه لی. فذهبت و دققت الباب فقالوا:
من؟ قلت: رجل من ذاك الجانب، و سألتنی أمّی الزمنة ان أسألك أن تدعو اللّه لها. فسمعت قائلا یقول: نحن أحوج إلی من یدعو اللّه لنا! فولیت منصرفا فخرجت عجوز من داره و قالت: أنت الذی كلّمت أبا عبد اللّه؟
قلت: نعم. قالت: تركته یدعو اللّه لها. فجئت إلی بیتی و دققت الباب، فخرجت أمّی علی رجلیها تمشی و قالت: قد وهب اللّه لی العافیة.
و ذكروا أن أحمد بن حنبل جعله المعتصم فی حلّ یوم قتل بابك الخرّمی أو یوم فتح عموریة. و توفی أحمد سنة إحدی و أربعین و مائتین عن تسع و سبعین سنة.
و حكی أبو بكر المروزی قال: رأیت أحمد بن حنبل بعد موته فی المنام فی روضة، و علیه حلّتان خضراوان و علی رأسه تاج من نور، و هو یمشی مشیا
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 320
لم أكن أعرفه. فقلت: یا أحمد ما هذه المشیة؟ قال: هذه مشیة الخدام فی دار السلام! فقلت: ما هذا التاج الذی أراه فوق رأسك؟ فقال: ان ربّی أوقفنی و حاسبنی حسابا یسیرا، و حبانی و قربنی و أباحنی النظر و توّجنی بهذا التاج، و قال لی: یا أحمد هذا تاج الوقار توجتك به كما قلت القرآن كلامی غیر مخلوق.
و ینسب إلیها أبو علیّ الحسین بن صالح بن خیران. كان عالما شافعیّ المذهب جامعا بین العلم و العمل و الورع. طلبه علیّ بن عیسی وزیر المقتدر لتولیته القضاء، فأبی و هرب فختم بابه بضعة عشر یوما، قال أبو عبد اللّه بن الحسن العسكری:
كنت صغیرا و عبرت مع أبی علی باب أبی علی بن خیران، و قد وكل به الوزیر علیّ بن عیسی، و شاهدت الموكّلین علی بابه فقال لی أبی: یا بنی ابصر هذا حتی تتحدّث إن عشت أنّ إنسانا فعل به هذا فامتنع عن القضاء. ثمّ إن الوزیر عفا عنه و قال: ما أردنا بالشیخ أبی علیّ إلّا خیرا، و أردنا أن نعلم الناس أن فی ملكنا رجلا یعرض علیه قضاء الشرق و الغرب و هو لا یقبل. توفی ابن خیران فی حدود عشرین و ثلاثمائة.
و ینسب إلیها أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزی. كان عالما بعلم التفسیر و الحدیث و الفقه و الأدب و الوعظ، و له تصانیف كثیرة فی فنون العلوم. و كان أیضا ظریفا سئل و هو علی المنبر: أبو بكر أفضل أم علیّ؟
فقال: الذی كانت ابنته تحته! فقالت السّنّیّة: فضّل أبا بكر! و قالت الشیعة:
فضّل علیّا! و كانت له جاریة حظیة عنده فمرضت مرضا شدیدا فقال و هو علی المنبر: یا إلهی یا إلهی ما لنا شی‌ء إلّا هی، قد رمتنی بالدواهی و الدواهی و الدواهی:
و نقل أنّهم كتبوا علی رقعة إلیه و هو علی المنبر: إن ههنا امرأة بها داء الابنة و العیاذ باللّه تعالی فماذا تصنع بها؟ فقال:
یقولون لیلی فی العراق مریضةفیا لیتنی كنت الطّبیب المداویا
توفی سنة سبع و تسعین و خمسمائة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 321
و ینسب إلیها الوزیر علیّ بن عیسی وزیر المقتدر و وزیر ابنه المطیع. ركب یوم الموسم كما كان الوزراء یركبون فی موكب عظیم، فرآه جمع من الغرباء قالوا: من هذا؟ و كانت امرأة عجوز تمشی علی الطریق قالت: كم تقولون من هذا؟ هذا واحد سقط من عین اللّه تعالی، فابتلاه اللّه بهذا كما ترونه! فسمع هذا القول علیّ بن عیسی، فرجع إلی بیته و استعفی من الوزارة و جاور مكّة إلی أن مات.
و ینسب إلیها أبو نصر بشر بن الحرث الحافی. ذكر أیّوب العطّار انّه قال له بشر: ألا أحدّثك عن بدو أمری؟ بینا أنا أمشی إذ رأیت قرطاسا علی وجه الأرض علیه اسم اللّه تعالی، فأخذته و كنت لا أملك إلّا درهما واحدا اشتریت به الماورد و المسك، غسلت القرطاس بالماورد و طیّبته بالمسك ثمّ رجعت إلی منزلی و نمت، فأتانی آت یقول: طیّبت اسمی لأطیّبنّ ذكرك و طهرته لأطهّرنّ قلبك!
و حكت زبیدة أخت بشر أن بشرا دخل علیّ لیلة من اللیالی، فوضع إحدی رجلیه داخل الدار و الأخری خارجها و هو كذلك إلی أن أصبح، فقلت له:
فی ماذا كنت تفكّر؟ قال: فی بشر الیهودی و بشر النصرانی و بشر المجوسی! و نفسی ما الذی سبق منی حتی خصّنی اللّه تعالی دونهم؟ فتفكّرت فی تفضیله و حمدته علی أن جعلنی من خاصّته و ألبسنی لباس أحبّائه.
و حكی أن بشرا الحافی دعی إلی دعوة، فلمّا وضع الطعام بین یدیه أراد أن یمدّ یده إلیه فما امتدّت حتی فعل ذلك ثلاث مرّات فقال بعض الحاضرین الذی كان یعرف بشرا: ما كان لصاحب الدعوة حاجة إلی إحضار من أظهر أن طعامه ذو شبهة.
و حكی أن أحمد بن حنبل سئل عن مسألة فی الورع فقال: لا یحلّ لی أن أتكلّم فی الورع و أنا آكل من غلّة بغداد! لو كان بشر بن الحرث حاضرا لأجابك فإنّه لا یأكل من غلّة بغداد و لا من طعام السواد! توفی سنة تسع و عشرین
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 322
و مائتین عن خمس و سبعین سنة.
و حكی الحسن بن مروان قال: رأیت بشرا الحافی فی المنام بعد موته فقلت له:
أبا نصر ما فعل اللّه بك؟ فقال: غفر لی و لكلّ من تبع جنازتی! و كانت جنازته قد رفعت أوّل النهار، فما وصل إلی القبر إلّا وقت العشاء لكثرة الخلق. و قال لی خزیمة: رأیت أحمد بن حنبل فی المنام فقلت له: ما فعل اللّه بك؟ قال:
غفر لی و توّجنی و ألبسنی نعلین من ذهب! قلت: فما فعل اللّه ببشر؟ قال:
بخ بخ! من مثل بشر تركته بین یدی الخلیل و بین یدیه مائدة الطعام، و الخلیل مقبل علیه و هو یقول له: كل یا من لم یأكل، و اشرب یا من لم یشرب، و انعم یا من لم ینعم! و قال غیره: رأیت بشرا الحافی فی المنام فقلت: ما فعل اللّه بك؟ قال: غفر لی و قال یا بشر أما استجبت منی و كنت تخافنی كلّ ذلك الخوف؟ و رآه غیره فقال له: ما فعل اللّه بك؟ فقال: قال لی یا بشر لقد توفیتك یوم توفیتك و ما علی وجه الأرض أحبّ إلیّ منك!
و ینسب إلیها أبو عبد اللّه الحرث بن أسد المحاسبی. كان عدیم النظیر فی زمانه علما و ورعا و حالا. كان یقول: ثلاثة أشیاء عزیزة: حسن الوجه مع الصیانة، و حسن الخلق مع الدیانة، و حسن الإجابة مع الأمانة، مات أبوه أسد المحاسبی و خلّف من المال ألوفا ما أخذ الحرث منه حبّة، و كان محتاجا إلی دانق، و ذاك لأن أباه كان رافضیّا. فقال الحرث: أهل ملّتین لا یتوارثان!
و حكی الجنید: ان المحاسبی اجتاز بی یوما فرأیت أثر الجوع فی وجهه، فقلت: یا عمّ لو دخلت علینا ساعة! فدخل فعمدت إلی بیت عمّی، و كان عندهم أطعمة فاخرة، فجئت بأنواع من الطعام و وضعته بین یدیه. فمدّ یده و أخذ لقمة رفعها إلی فیه یلوكها و لا یزدردها، ثمّ قام سریعا ورمی اللقمة فی الدهلیز و خرج ما كلّمنی. فلمّا كان الغد قلت: یا عمّ سررتنی ثمّ نغّصت علیّ! فقال: یا بنیّ أمّا الفاقة فكانت شدیدة، و قد اجتهدت أن أنال من الطعام الذی جعلته بین یدیّ. و لكن بینی و بین اللّه علامة، و هی أن الطعام إذا لم یكن
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 323
مرضیا یرتفع منه إلی أنفی زفر لا تقبله نفسی! توفی سنة ثلاث و أربعین و مائتین.
و ینسب إلیها أبو الحسن السری بن المغلّس السّقطی خال أبی القاسم الجنید و أستاذه و تلمیذ معروف الكرخی. دعا له أستاذه معروف و قال له: أغنی اللّه قلبك! فوضع اللّه تعالی فیه الزهد. و قیل: ان امرأة اجتازت بالسری و معها ظرف فیه شی‌ء فسقط من یدها و انكسر، فأخذ السریّ شیئا من دكانه و أعطاها بدل ما ضاع علیها، فرأی معروف ذلك فأعجبه و قال له: ابغض اللّه إلیك الدنیا! فتركها و تزهّد كما دعا له.
و حكی أن امرأة جاءت إلی السری و قالت: یا أبا الحسن، أنا من جیرانك، و إن ابنی أخذه الطائف، و انی أخشی أن یؤذیه، فإن رأیت أن تجی‌ء معی أو تبعث إلیه أحدا. فقام یصلّی و طوّل صلاته فقالت المرأة: أبا الحسن، اللّه اللّه فی ولدی! إنی أخشی أن یؤذیه السلطان! فسلّم و قال لها: أنا فی حاجتك. فما برحت حتی جاءت امرأة و قالت لها: لك البشری فقد خلّوا عن ابنك!
حكی الجنید قال: دخلت علی السری فإذا هو قاعد یبكی و بین یدیه كوز مكسور، قلت: ما سبب البكاء؟ قال: كنت صائما فجاءت ابنتی بكوز ماء فعلّقته حتی یبرد فأفطر علیه، فأخذتنی عینی فنمت فرأیت جاریة دخلت علیّ من هذا الباب فی غایة الحسن، فقلت لها: لمن أنت؟ قالت: لمن لا یبرّد الماء فی الكیزان الخضر! و ضربت بكمّها الكوز و مرّت و هو هذا. قال الجنید: فمكثت اختلفت إلیه مدّة طویلة أری الكوز المكسور بین یدیه.
و حكی أن السری كلّ لیلة إذا أفطر ترك لقمة، فإذا أصبح جاءت عصفورة و أكلت تلك اللقمة من یده. فجاءت العصفورة فی بعض الأیّام و وقعت علی شی‌ء من جدار حجرته ثمّ طارت و ما أكلت اللقمة، فحزن الشیخ لذلك و قال:
بذنب منی نفرت العصفورة، حتی تذكّر انّه اشتهی الخبز بالقدید فأكل، فعلم ان انقطاع العصفورة بسبب ذلك، فعهد أن لا یتناول أبدا شیئا من الادام فعادت العصفورة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 324
و حكی انّه اشتری كرّ لوز بستّین دینارا، و كتب فی دستوره ثلاثة دنانیر ربحه، فارتفع الربح و صار اللوز بتسعین دینارا. فأتاه الدلال و أخبره انّه بتسعین دینارا فقال: انی عقدت عقدا بینی و بین اللّه تعالی انی أبیعه بثلاثة و ستّین لأجله لست أبیعه بأكثر من ذلك! فقال الدلال: و انی عقدت عقدا بینی و بین اللّه تعالی انی لا أغش مسلما! توفی السری سنة إحدی و خمسین و مائتین.
و ینسب إلیها أبو القاسم الجنید بن محمّد بن الجنید. أصله من نهاوند و مولده بغداد. كان أبوه زجّاجا و كان هو خرّازا. صحب الحرث المحاسبی و خاله السری السقطی. و كان الجنید یفتی علی مذهب سفیان الثوری. كان ورده فی كلّ یوم ثلاثمائة ركعة و ثلاثین ألف تسبیحة. و عن جعفر الخلدی أن الجنید عشرین سنة ما كان یأكل فی كل أسبوع إلا مرّة.
حكی أبو عمرو الزجاجی قال: أردت الحجّ فدخلت علی الجنید فأعطانی درهما شددته فی مئزری، فلم أنزل منزلا إلّا وجدت رزقا فما احتجت إلی إخراج الدرهم؛ فلمّا عدت إلی بغداد و دخلت علیه مدّ یده و أخذ الدرهم.
و حكی بعض الهاربین عن ظالم قال: رأیت الجنید واقفا علی باب رباطه فقلت: یا شیخ أجرنی أجارك اللّه! فقال: ادخل الرباط. فدخلت فما كان إلّا یسیرا حتی وصل الطالب بسیف مسلول فقال للشیخ: أین مشی هذا الهارب؟
فقال الشیخ: دخل الرباط. فمرّ علی وجهه و قال: ترید أن تقویّه علیّ! قال الهارب: قلت للشیخ كیف دللته علیّ، ألیس لو دخل الرباط قتلنی؟ فقال الشیخ: و هل نجوت إلّا بقولی دخل الرباط؟ فما زال منّا الصدق و منه اللطف.
و حكی أن رجلا أتی الجنید بخمسمائة دینار، و كان هو جالسا بین أصحابه، و قال له: خذ هذا و أنفق علی أصحابك. فقال له: هل لك غیرها؟ قال:
نعم لی دنانیر كثیرة! قال: فهل ترید غیرها؟ قال: نعم. قال: خذها إلیك فأنت أحوج إلیها منّا.
قال أبو محمّد الجزری: لمّا كان مرض موته كنت علی رأسه و هو یقرأ
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 325
و یسجد، فقلت: أبا قاسم ارفق بنفسك. فقال: یا أبا محمّد هو ذا صحیفتی تطوی، و أنا أحوج ما كنت الساعة! و لم یزل باكیا و ساجدا حتی فارق الدنیا سنة ثمان و ستّین و مائتین.
و قال جعفر الخلدی: رأیت الجنید بعد موته فی المنام قلت: ما فعل اللّه بك یا أبا قاسم؟ فقال: طاحت تلك الإشارات و غابت تلك العبارات، و نفدت تلك العلوم و امّحت تلك الرسوم، و ما بقینا إلّا علی الركیعات التی كنّا نصلّیها فی جوف اللیل!
و ینسب إلیها أبو الحسن علیّ بن محمّد المزیّن الصغیر. كان من المشایخ الكبار صاحب الحالات و الكرامات. حكی أبو عبد اللّه بن خفیف قال: سمعت أبا الحسن بمكّة یقول: كنت فی بادیة تبوك فقدمت إلی بئر لأستقی منها، فزلقت رجلی فوقعت فی قعر البئر فرأیت فی البئر زاویة، فأصلحت موضعا و جلست علیه لئلا یفسد الماء ما علیّ من اللباس، و طابت نفسی و سكن قلبی، فبینما أنا قاعد إذا أنا بشخشخة فتأمّلت فإذا حیّة عظیمة تنزل علیّ، فراجعت نفسی فإذا نفسی ساكنة، فنزلت و لفت ذنبها علیّ و أنا هادی‌ء السر لا أضطرب شیئا، و أخرجتنی من البئر و حلّت عنی ذنبها، فلا أدری الأرض ابتلعتها أم السماء رفعتها؟ فقمت و مشیت إلی حاجتی.
و حكی جعفر الخلدی: عزمت علی السفر فودّعت أبا الحسن المزیّن و قلت:
زوّدنی شیئا. فقال: إن ضاع شی‌ء و أردت وجدانه أو أردت أن یجمع اللّه بینك و بین إنسان فقل: یا جامع الناس لیوم لا ریب فیه إن اللّه لا یخلف المیعاد.
ردّ إلیّ ضالّتی أو اجمع بینی و بین فلان. قال: فما دعوت فی شی‌ء إلّا استجبت. توفی بمكّة مجاورا سنة ثمان و عشرین و ثلاثمائة.
و ینسب إلیها محمّد بن إسماعیل، و یعرف بخیر النسّاج، كان من أقران الثوری. عاش مائة و عشرین سنة. كان أسود عزم الحجّ. أخذه رجل علی باب الحرم و قال: أنت عبدی و اسمك خیر! فمكث علی ذلك مدّة یستعمله فی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 326
نسج الخزّ ثمّ عرف أنّه لیس عبده و لا اسمه خیر، قال له: أنت فی حلّ من جمیع ما عملت لك. و فارقه.
و حكی أن رجلا جاءه و قال له: یا شیخ أمس قد بعت الغزل و شددت ثمنه فی مئزرك، و أنا جئت خلفك و حللته فقبّضت یدی! فضحك الشیخ و أومی إلی یده فحلّت و قال: اصرف هذه الدراهم فی شی‌ء من حاجتك و لا تعد إلی مثلها. ورئی فی المنام بعد موته، قیل له: ما فعل اللّه بك؟ قال: لا تسألنی عن هذا، استرحت من دنیاكم الوضرة!
و ینسب إلیها أبو محمّد رویم بن أحمد البغدادی. كان من كبار المشایخ و كان عالما بعلم القراءة و الفقه علی مذهب داود، و كان یقول: من حكمة الحكیم الشریعة علی إخوانه و التضییق علی نفسه، لأن حكم الشریعة اتّباع العلم و حكم الورع التضییق علی نفسه. آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی ؛ ص326
ی انّه اجتاز وقت الظهیرة بدرب فی بغداد و كان عطشان، فاستسقی من بیت فخرجت جاریة بكوز ماء فأخذ منها و شرب، فقالت الجاریة: صوفی یشرب بالنهار! فما أفطر بعد ذلك. توفی سنة ثلاث و ثلاثمائة.
و ینسب إلیها أبو سعید أحمد بن عیسی الخرّاز. كان من المشایخ الكبار، صحب ذا النون المصری و السریّ السّقطی و بشرا الحافی، و كان أبو سعید یمشی بالتوكّل.
حكی عن نفسه قال: دخلت البادیة مرّة بغیر زاد فأصابنی فاقة، فرأیت المرحلة من بعید فسررت بأن وصلت إلی العمارة ثمّ فكرت فی نفسی انی سلوت، و اتّكلت علی غیری فآلیت ألّا أدخل المرحلة إلّا إذا حملت إلیها، فحفرت لنفسی فی الرمل حفیرة و واریت جسدی فیها إلی صدری، فلمّا كان نصف اللیل سمعوا صوتا عالیا: یا أهل المرحلة إن للّه ولیّا فی هذه المرحلة فالحقوه! فجاءت جماعة و أخرجونی و حملونی إلی القریة.
و ینسب إلیها الأستاذ علیّ بن هلال الخطّاط، و یعرف بابن البوّاب. كان
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 327
عدیم النظیر فی صنعته، لم یوجد مثله لا قبله و لا بعده، فإن الكتابة العربیّة كانت بطریقة الكوفیّة ثمّ إن الوزیر أبا الحسن بن مقلة نقلها إلی طریقته، و طریقته أیضا حسنة، ثمّ إن ابن البوّاب نقل طریقة ابن مقلة إلی طریقته التی عجز عنها جمیع الكتّاب من حسنها و حلاوتها و قوّتها و صفاتها، و لا یعرف لطافة ما فیها إلّا كبار الكتّاب، فإنّه لو كتب حرفا واحدا مائة مرّة لا یخالف شی‌ء منها شیئا لأنّها قلبت فی قالب واحد، و الناس كلّهم بعده علی طریقته. توفی سنة ثلاث و عشرین و أربعمائة.
و ینسب إلیها أبو نواس الحسن بن هانی‌ء. كان أدیبا فصیحا بلیغا شاعرا أوحد زمانه. حكی أن الرشید قرأ یوما: و نادی فرعون فی قومه قال: یا قوم ألیس لی ملك مصر و هذه الأنهار تجری من تحتی أفلا تبصرون؟ فقال: اطلبوا لی شخصا أنذل ما یكون حتی أولّیه مصر. فطلبوا شخصا مخبّلا كما أراد الخلیفة، فولّاه مصر و كان اسمه خصیبا. فلمّا ولّی أحسن السیرة و باشر الكرم و انتشر ذكره فی البلاد حتی قیل:
إذا لم تزر أرض الخصیب ركابنافأین لنا أرض سواه نزور
فتی یشتری حسن الثّناء بماله‌و یعلم أنّ الدّائرات تدور
فقصده شعراء العراق و أبو نواس معهم و هو صبی، فلمّا دنوا من مصر قالوا ذات یوم: نحن من أرض العراق و ندخل مصر فلا یأخذن علینا المصریون خطأ أو عیبا! لیعرض كلّ واحد منّا شعره حتی نعتبره، فإن كان شی‌ء منها محتاجا إلی إصلاح أصلحناه. فأظهر كلّ واحد ما معه علی القوم، فقالوا لأبی نواس: هات ما عندك. فقال: عندی هذا:
و اللّیل لیل و النّهار نهارو البغل بغل و الحمار حمار
و الدّیك دیك و الدّجاجة زوجه‌و البطّ بطّ و الهزار هزار
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 328
فضحكوا و قالوا: هذا أیضا له وجه للمضاحك! فلمّا دخلوا علی الخصیب وضعوا كرسیّا كلّ واحد من الشعراء یقف علیه و یورد شعره حتی أوردوا جمیعهم. بقی أبو نواس فقال بعض الشعراء: ارفعوا الكرسی، ما بقی أحد! فقال أبو نواس: اصبروا حتی أورد بیتا واحدا ثمّ بعد ذلك إن أردتم فارفعوا، فأنشأ یقول:
أنت الخصیب و هذه مصرفتشابها فكلاهما بحر!
فتحیّر الشعراء و أنشد قصیدة خیرا من قصائدهم كلّها.
و حكی أن محمّدا الأمین أمر بحبسه و أمر أن لا یترك عنده كاغد و دواة، فحبس فی دار، فدخل علیه خادم من خدام الخلیفة و نام عنده و علیه جبّة سوداء، فأخذ قطعة جصّ من الحائط و كتب علی جبّة الخادم:
ما قدر عبدك بی نواس‌و هو لیس بذی لباس
و لغیره أولی بهاإن كنت تعمل بالقیاس
و لئن قتلت أبا نواسك‌قیل من هو بو نواس؟
فقرأوا و فرّجوا عنه.
و ذكر أنّه رئی فی المنام بعد موته فقیل له: ما فعل اللّه بك؟ قال: قد غفر لی بأبیات قلتها و هی تحت و سادتی؛ فوجدوا تحت و سادته رقعة فیها مكتوب:
یا ربّ إن عظمت ذنوبی كثرةفلقد علمت بأنّ عفوك أعظم
إن كان لا یرجوك إلّا المحسن‌فمن الذی یرجوه عبد مجرم
أدعوك یا ربّی إلیك تضرّعافإذا رددت یدی فمن ذا یرحم
ما لی إلیك وسیلة غیر الرّجاو كریم عفوك ثمّ إنی مسلم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 329

بغشور

مدینة بین هراة و مرو الروذ، ینسب إلیها سیّد الابدال أبو الحسین الثوری.
كان یسكن الخراب و لا یدخل المدینة إلّا یوم الجمعة، فإذا أراد الجنید زیارته أخذ معه شیئا من الطعام و یدور فی الخراب إلی أن یجده. فإذا وجده ألحّ علیه لیأكل معه و یقول له: إلی كم تسیح؟ فیجیبه: إلی حصول المقصود و هیهات من ذلك!
و حكی أن الجنید بعث إلیه شیئا من الذهب، قطعتان كانتا من الجنید و الباقی كان من غیره. فلمّا وصل إلیه أخذ قطعتی الجنید وردّ الباقی.
و حكی عن نفسه قال: كان فی نفسی شی‌ء من الكرامات فأردت تجربته، فرأیت الصبیان معهم قصبة فی رأسها خیط یصطادون بها السمك، فأخذت قصبة و وقفت بین زوقین فقلت: و عزّتك إن لم تخرج لی سمكة فیها ثلاثة أرطال لأغرقنّ نفسی! فخرجت سمكة فیها ثلاثة أرطال.
و حكی أنّه وقع ببغداد حریق فوقف تاجر علی طرف الحریق یقول: من أخرج هذین الغلامین له ألف دینار! فقالوا: من یجسر أن یقرب إلی هذه النار؟
حتی حضر أبو الحسین الثوری و قال: بسم اللّه الرحمن الرحیم! و أخرج الغلامین لم یتأذّ شعرة منهما. فقیل له: كیف دخلت هذه النار؟ قال: سنّ اللّه انّه لم یحرق الغلامین، و هما غیر مذنبین. و حكی أنّه سمع قائلا یقول:
ما زلت أنزل من ودادك منزلاتتحیّر الألباب عند نزوله
فاشتدّ به الوجد فلم یزل یعدو فی أجمة قصب قطعت رؤوسها حتی تقطعت قدمه و مات، علیه رحمة اللّه.
و حكی أن أبا الحسین أحمد بن محمّد الثوری دخل یوما الماء لیغتسل، فجاء لصّ و أخذ ثیابه، فلمّا خرج لم یجد ثیابه، فرجع إلی الماء فما كان إلّا قلیل
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 330
و جاء اللصّ و معه ثیاب أبی الحسین، و قد جفّت یده الیمنی، فخرج أبو الحسین من الماء و لبس ثیابه ثمّ قال: یا سیّدی، ردّ علیّ ثیابی، ردّ علیه یده! فردّ اللّه علیه یده.
و حكی أن الثوری مرض فجاء الجنید إلیه لعیادته بشی‌ء من الدراهم فردّها، و مرض الجنید فذهب إلیه الثوری و وضع یده علی جبهته فعوفی من ساعته، و قال للجنید: إذا عدت إخوانك فأوفهم مثل هذا البرّ! توفی الثوری سنة خمس و تسعین و مائتین، رحمة اللّه علیه.
و ینسب إلیها الإمام العالم البارع الورع محیی السنّة أبو محمّد الحسین بن مسعود الفراء البغوی. كان عدیم النظیر فی علم التفسیر و أحادیث رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، و معرفة الصحابة و أسامی الرواة و علم الفقه و الأدب، و تصانیفه فی غایة الحسن و الصحة و اعتماد أهل الحدیث و الفقه علی تصانیفه، و سمّوه محیی السنّة. كان معاصرا للإمام حجّة الإسلام أبی حامد الغزّالی، و الإمام فخر الإسلام أبی المحاسن الرویانی، رحمة اللّه علیهم أجمعین.

بلاد الدّیلم‌

بأرض الجبال بقرب قزوین. و هی بلاد كلّها جبال و وهاد، و فیها خلق كثیر من الدیلم، و هم أشدّ الناس حمقا و جهلا! بینهم قتال فإذا قتل واحد منهم قتلوا من تلك القبیلة أیّ واحد كان. و كانوا ملوك بلاد الجبال قدیما. ذكر أنّ أصلهم من بنی تمیم، و لذلك تری أكثرهم یمیلون إلی الأدب و العربیّة.
منهم ملوك آل بویه و كانوا كلّهم فضلاء أدباء.
ینسب إلیها شمس المعالی قابوس بن وشمكیر. كان ملكا فاضلا أدیبا. كان أخوه مرداویج صاحب بلاد الجبال، و كان عساكره الدیلم و الترك و بینهما خصومة، و هو ینصر الدیلم لأنّهم كانوا أنسابه، فالترك كبسوا علیه فی الحمّام و قتلوه، فقام قابوس مقامه و تضعضع الملك، فانتزع آل بویه بلاد الجبال منه،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 331
فذهب إلی طبرستان یستنجد بملوك بنی سامان، و یحارب آل بویه إلی أن غدر به ابنه منوجهر و حبسه فی بعض القلاع، و ملوك الدیلم ما كانوا فی طاعة الخلفاء.
فلمّا وقع لقابوس ما وقع قال المقتدر باللّه:
قد قبس القابسات قابوس‌و نجمه فی السّماء منحوس!
فكیف یرجی الفلاح من رجل‌یكون فی آخر اسمه بوس؟
فلمّا سمع قابوس ذلك قال:
یا ذا الذی بصروف الدّهر عیّرناهل عاند الدّهر إلّا من له خطر؟
أما تری البحر تعلو فوقه جیف‌و یستقرّ بأدنی قعره الدّرر؟
و فی السّماء نجوم غیر ذی عددو لیس یكسف إلّا الشّمس و القمر

بلخ‌

مدینة عظیمة من أمّهات بلاد خراسان. بناها منوجهر بن ایرج بن افریدون.
أهلها مخصوصون بالطرمذة من بین سائر بلاد خراسان.
كان بها النوبهار، و هو أعظم بیت من بیوت الأصنام. لمّا سمع ملوك ذلك الزمان بشرف الكعبة و احترام العرب إیّاها، بنوا هذا البیت مضاهاة للكعبة، و زیّنوه بالدیباج و الحریر و الجواهر النفیسة، و نصبوا الأصنام حوله. و الفرس و الترك تعظّمه و تحجّ إلیه و تهدی إلیه الهدایا. و كان طول البیت مائة ذراع فی عرض مائة، و أكثر من مائة ارتفاعا، و سدانته للبرامكة، و ملوك الهند و الصین یأتون إلیه، فإذا وافوا سجدوا للصنم و قبّلوا ید برمك. و كان برمك یحكم فی تلك البلاد كلّها، و لم یزل برمك بعد برمك إلی أن فتحت خراسان فی أیّام عثمان بن عفّان، رضی اللّه عنه، و انتهت السدانة إلی برمك أبی خالد، فرغب فی الإسلام و سار إلی عثمان و ضمن المدینة بمال. و فتح عبد اللّه بن عامر بن كریز
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 332
خراسان و بعث إلی النوبهار الأحنف بن قیس بن الهیثم فخرّبها.
ینسب إلیها من المشاهیر إبراهیم بن أدهم العجلی، رحمه اللّه، كان من ملوك بلخ، و كان سبب تركه الدنیا انّه كان فی بعض متصیّداته یركض خلف صید لیرمیه، فالتفت الصید إلیه و قال: لغیر هذا خلقت یا إبراهیم! فرجع و مرّ علی بعض رعاته و نزل عن دابته، و خلع ثیابه و أعطاها للراعی و لبس ثیاب الراعی و اختار الزهد.
و حكی أنّه ركب سفینة فی بعض أسفاره، فلمّا توغّل فی البحر طالبه الملّاح بالأجرة و ألحّ علیه، فقال له إبراهیم: اخرجنی إلی هذه الجزیرة حتی أؤدی أجرتك! فأخرجه إلیها و ذهب معه فصلّی إبراهیم ركعتین و قال: إلهی یطلب أجرة السفینة! فسمع قائلا یقول: خذ یا إبراهیم. فمدّ یده نحو السماء و أخذ دینارین دفعهما إلی الملّاح و قال: لا تذكر هذا لأحد! و رجعا إلی السفینة فهبّت ریح عاصف و اضطربت السفینة فأشرفت علی الهلاك، فقال الملّاح:
اذهبوا إلی هذا الشیخ لیدعو اللّه. فذهب القوم إلیه و هو مشغول بنفسه فی زاویة؛ قالوا: إن السفینة أشرفت علی الهلاك، ادع اللّه تعالی لعلّه یرحمنا! فنظر إبراهیم بموق عینه نحو السماء و قال: یا مرسل الریاح منّ علینا بالعاطفة و النجاح! فسكنت الریح فی الحال.
و حكی أنّه مرّ به بعض رعاته من بلخ فرآه جالسا علی طرف ماء یرقع دلقا، فجلس إلیه یعیره بترك الملك و اختیار الفقر، فرمی إبراهیم إبرته فی الماء و قال:
ردّوا إلیّ إبرتی! فأخرج سمك كثیر من الماء رؤوسها و فی فم كلّ واحدة إبرة من الذهب. فقال: لست أرید غیر إبرتی! فأخرجت واحدة رأسها بإبرته.
فقال للرجل: أیّ الملكین خیر هذا أم ذاك؟
و حكی أنّه اجتاز به جندیّ سأل منه الطریق فأشار إلی المقبرة، فتأذّی الرجل الجندی و ضربه فشجّ رأسه. فلمّا عرف انّه إبراهیم جاء إلیه معتذرا فقال له: إنّك وقت ضربتنی دعوت لك لأنّك حصّلت لی ثوابا فقابلت ذلك بالدعاء.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 333
و حكی أن إبراهیم كان ناطورا فی بستان بأجرة، فإذا هو نائم و حیّة تروحه بطاقة نرجس. و جاءه رجل جندی یطلب منه شیئا من الثمرة، و هو یقول: أنا ناطور ما أمرنی صاحب البستان ببذل شی‌ء منها! فجعل الجندی یضربه و هو یقول: اضرب علی رأس طالما عصی اللّه تعالی! توفی سنة إحدی و ستّین و مائة.
و ینسب إلیها أبو علیّ شقیق بن إبراهیم البلخی من كبار مشایخ خراسان، أستاذ حاتم الأصمّ. و كان أوّل أمره رجلا تاجرا سافر إلی بلاد الهند. دخل بیتا من بیوت الأصنام فرأی رجلا حلق رأسه و لحیته یعبد الصنم فقال له: ان لك إلها خالقا رازقا فاعبده و لا تعبد الصنم، فإنّه لا یضرّ و لا ینفع! فقال عابد الصنم:
إن كان كما تقول فلم لا تقعد فی بیتك و تتعب للتجارة، فإنّه یرزقك فی بیتك؟
فتنبّه شقیق لقوله و أخذ فی طریق الزهد.
و حكی أن أهله شكت إلیه من الفاقة فقام یظهر أنّه یمشی إلی شغل الطین و دخل بعض المساجد و صلّی إلی آخر النهار و عاد إلی أهله و قال: عملت مع الملك فقال اعمل أسبوعا حی أوفیك أجرتك دفعة واحدة. و كان كلّ یوم یمشی إلی المسجد و یصلّی، فلمّا كان الیوم السابع قال فی نفسه: لو لم یكن الیوم معی شی‌ء تخاصمنی أهلی! فأجر نفسه من شخص لیعمل له یومه و أهله تنتظر مجیئه آخر النهار بأجرة الأیّام، إذ دقّ الباب أحد و قال: بعثنی الملك بأجرة الأیّام التی عمل له فیها شقیق، و یقول لشقیق: ما الذی صدّك عنّا حتی اشتغلت الیوم بشغل غیرنا؟ فذهبت المرأة إلیه فسلّم إلیها صرّة فیها سبعون دینارا.
و حكی حاتم الأصمّ أن علی بن عیسی بن ماهان كان أمیر بلخ، و كان یحبّ كلاب الصید، ففقد كلب من كلابه یوما، فاتّهم به جار شقیق فاستجار به، فدخل شقیق علی الأمیر و قال: خلّوا سبیله فإنی أردّ لكم كلبكم إلی ثلاثة أیّام.
فخلّوا سبیله فانصرف شقیق مهتمّا لما صنع، فلمّا كان الیوم الثالث كان رجل من أهل بلخ غائبا، و كان من رفقاء شقیق، و كان لشقیق فتی، و هو رفیقه، رأی فی الصحراء كلبا فی رقبته قلادة فقال: أهدیه إلی شقیق. فحمله إلیه فإذا
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 334
هو كلب الأمیر سلّمه إلیه.
استشهد شقیق فی غزوة كولان سنة أربع و تسعین و مائة.
و ینسب إلیها أبو حامد أحمد بن حضرویه من كبار مشایخ خراسان. صحب أبا تراب النّخشبی و كان زین العارفین أبو یزید یقول: أستاذنا أحمد ذكر أنّه اجتمع علیه سبعمائة دینار دینا، فمرض و غرماؤه حضروا عنده فقال: اللهم إنّك جعلت الرهون وثیقة لأرباب الأموال و أنت وثیقتی فادّعنی، فدقّ بابه أحد و قال: أین غرماء أحمد؟ و قضی عنه جمیع دیونه ثمّ فارق الدنیا، و ذلك فی سنة أربع و مائتین عن خمس و تسعین سنة.
و ینسب إلیها عبد الجلیل بن محمّد الملقّب بالرشید، و یعرف بوطواط.
كان كاتبا للسلطان خوارزمشاه إتسز. و كان أدیبا فاضلا بارعا ذا نظم و نثر بالعربیّة و العجمیّة، و السلطان یحبّه لا یفارقه ساعة لظرافته و حسن مجالسته، فأمر أن یبنی له قصر بحذاء قصر السلطان حتی یحادثه من الروشن، فأخرج الرشید رأسه مرّة من الروشن فقال السلطان: یا رشید أری رأس ذئب خارجا من روشنك! فقال: أیّها الملك ما هو رأس الذئب، ذاك سجنجل أنا أخرجته! فضحك السلطان من عجیب جوابه!
و حكی أن أحدا من أصحاب الدیوان یستعیر دوابّه كثیرا فكتب إلیه:
بلغنی من النوادر المطربة و الحكایات المضحكة أن تاجرا استأجر حمارا من نیسابور إلی بغداد، و كان حمارا ضعیفا لا یمكنه السیر، و لا یرجی منه الخیر، إذا حرّك سقط، و إذا ضرب ضرط، من مكاری قلیل السكون، كثیر الجنون، طول الطریق یبكی دما، و یتنفّس الصعداء ندما، فبعد اللتیّا و التی وصل إلی بغداد و الحمار ضئیل، و لم یبق من المكاری إلّا القلیل، إذ سمع صیحة هائلة تصرع القلوب، و تشقّ الجیوب، فالتفت المكاری فإذا المحتسب بدرّته، و صاحب الشرطة لابس ثوب شرّته، فقال المكاری: ماذا حدث؟ قالوا:
ههنا تاجر فاجر، أخذ مع غلام الخطیب، كالغصن الرطیب، تواتر علیه
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 335
الصفعات المغمیة، و الضربات المدمیة، طلبوا حمارا، و كان حمارا المكاری حاضرا، فتعادوا إلیه، و أركبوا التاجر علیه، فالمكاری ذهب عنه القرار، و ینادی بالویل و یعدو خلف الحمار، إلی أن طیف بجمیع المحالّ و البلد بغداد.
فلمّا كان المساء ردّوا الحمار إلی المكاری جائعا سلّمه الطّوی إلی التّوی، و الصّدی إلی الردی! فأخذه المكاری مترحّما مدّ أذنیه، و تفل ما بین عینیه، و زاد فی علفه، خوفا من تلفه. فلمّا دنا الصباح، و ظهر أثر النهار و لاح، قرع سمعه صوت أهول من الصیحة الأمسیة، فالتفت المكاری فإذا المحتسب علی الباب، و صاحب الشرطة كاشر الناب، فقال المكاری: ماذا حدث؟
قالوا: ذاك التاجر أخذ مرّة أخری مع غلام القاضی، كالسیف الماضی، فأراد المكاری أن یواری الحمار، فسبقت العامة إلیه، و أركبوا التاجر علیه، و المكاری یعدو خلفه و یصیح، بعین باكیة و قلب جریح، إلی أن طیف به فی جمیع المحالّ ثمّ ردّوه إلی المكاری و قد أشرف علی الهلاك، و لا یقدر علی الحراك، فبات المكاری مسلوب القرار، فی مداواة الحمار، فلمّا انتشرت أعلام الضوء، فی أقطار الجوّ، صكّت أذنه من الصیحتین الأولیین، فالتفت فإذا المحتسب فی الدرب، و صاحب الشرطة منشمر للضرب، فقال المكاری: ماذا حدث؟
قالوا: ذاك التاجر أخذ مرّة أخری مع غلام الرئیس، كالدرّ النفیس، و العامة رأت حمار المكاری فعدت إلیه فعدا المكاری إلی التاجر و قال: یا خبیث! ان لم تترك صنعتك الشنیعة، و لم ترجع عن فعلتك القبیحة، فاشتر حمارا یركبونك علیه كلّ یوم فقد أهلكت حماری، و أزلت قراری! و ها أنا أقول ما قال المكاری للتاجر، إن أردت أن تكون كاتبا للأمیر، فهیّی‌ء النقس و الطرس، و إلّا فالزم البیت و العرس.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 336

بلد

قریة من أعمال الموصل یقال لها بلد باشای. حكی الشیخ عمر التسلیمی، و كان من أهل التصوّف، قال: وصلت إلی هذه القریة، فلمّا كان وقت خروج نور الغبیراء اهتاج بنسائها شهوة الوقاع، یستحیین من ذلك لغلبة الشهوة و لا قدرة للرجال علی قضاء أوطارهن. فعند ذلك أخرجن إلی واد بقرب الضیعة، و هنّ بها كالسنانیر عند هیجانها، إلی أن انقضت مدّتهن ثمّ تراجعن إلی بیوتهن و قد عاد إلیهن التمییز! قال: و سمعت أن كلّ سنة فی هذا الوقت تحدث بهن هذه الحالة.

بلور

ناحیة بقرب قشمیر؛ قال صاحب تحفة الغرائب: بها موضع فی كلّ سنة ثلاثة أشهر یدوم فیه الثلج و المطر بحیث لا یری فیها قرص الشمس. و حكی ان بهذه الأرض بیتا فیه صنم علی صورة امرأة لها ثدیان، و كلّ من طال مرضه و ضجر منه یدخل علی هذا الصنم و یمسح یده علی ثدیها، فیتقاطر من ثدیها ثلاث قطرات فیمزج تلك القطرات بالماء و یشرب، فإما یزول مرضه أو یموت سریعا و یستریح من تعب المرض.

بنان‌

موضع لست أعرف أرضه. ینسب إلیه أبو الخیر البنانی صاحب العجائب رحمه اللّه. سمع بفضله إبراهیم بن المولد فذهب إلیه، فقام أبو الخیر یصلّی بالقوم فما أعجب إبراهیم قراءته الفاتحة، فأنكر علیه فی باطنه، فعرف أبو الخیر ذلك بنور الباطن. فلمّا فارقه إبراهیم و خرج من عنده اعترضه سبع، و كانت صومعة أبی الخیر فی غیضة كان فیها سباع، فعاد إلی الشیخ و قال: ان
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 337
سبعا صال علیّ! فخرج الشیخ و قال للسبع: ما قلت لكم لا تتعرّضوا لأضیافی؟
فولّی الأسد و ذهب، فقال الشیخ: یا إبراهیم اشتغلتم بتقویم الظاهر و نحن اشتغلنا بتقویم الباطن، فخفتم أنتم من السبع و خاف السبع منّا!

بوشنج‌

مدینة كبیرة من مدن خراسان، ذات میاه و بساتین و أشجار كثیرة.
ینسب إلیها منصور بن عمّار. كان واعظا عظیما عجیب الكلام طیّب الوعظ مشهورا؛ حكی سلیم بن منصور قال: رأیته فی المنام فقلت: ما فعل اللّه بك؟
قال: غفر لی و أدنانی و قرّبنی و قال: یا شیخ السوء أ تدری لم غفرت لك؟
قلت: لا یا ربّ! قال: انّك جلست للناس یوما فبكّیتهم فبكی فیهم عبد من عبادی لم یبك من خشیتی قطّ، فغفرت له و وهبت أهل المجلس له و وهبتك فیمن وهبت له.
و حكی أن منصور بن عمّار وجد رقعة علیها «بسم اللّه الرحمن الرحیم» فأخذها فلم یجد لها موضعا فأكلها. فرأی فی نومه قائلا یقول: فتح اللّه علیك باب الحكمة باحترامك اسم اللّه تعالی.
و حكی أبو الحسن السعدی قال: رأیت منصور بن عمّار فی النوم بعد موته فقلت: ما فعل اللّه بك؟ فقال لی: قال أنت منصور بن عمار؟ قلت: نعم یا ربّ! قال: أنت الذی تزهد فی الدنیا و ترغب فیها. قلت: قد كان ذلك و لكن ما اتّخذت مجلسا إلّا بدأت بالثناء علیك، و ثنیت بالصلاة علی نبیّك، و ثلثت بالنصیحة لعبادك. فقال: صدق! ضعوا له كرسیّا یمجّدنی فی سمائی بین ملائكتی كما مجدنی فی الأرض بین عبادی. و اللّه الموفق.
و حكی أن رجلا شریفا جمع یوما ندماءه للشرب، و سلّم إلی غلامه أربعة دراهم لیشتری لهم بها فواكه، فاجتاز الغلام بمجلس منصور بن عمار و كان یطلب لفقیر أربعة دراهم، فقال: من یعطی له أربعة دراهم ادعو له
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 338
أربع دعوات. فدفع إلیه الغلام الدراهم فقال منصور: ما الذی ترید من الدعوات؟ فقال: أرید العتق! فقال: اللهمّ ارزقه العتق! قال: و ما الآخر؟
قال: أن یخلف اللّه علیّ دراهمی. فدعا له به. قال: و ما الآخر؟ قال: ان یتوب اللّه علی سیّدی. فدعا له به. قال: و ما الآخر؟ قال: أن یغفر اللّه لی و لك و لسیّدی و للحاضرین. فدعا به. فلمّا رجع إلی سیّده قال: ما الذی أبطأ بك؟ فقصّ علیه القصّة فقال: سألت لنفسی العتق. فقال: أنت حرّ لوجه اللّه تعالی! قال: و ان یخلف علیّ الدراهم. قال: لك أربعة آلاف درهم. قال:
و ما الثالث؟ قال: أن یتوب اللّه علیك. قال: تبت إلی اللّه عزّ و جلّ. قال:
و ما الرابع؟ قال: أن یغفر اللّه لی و لك و له و للحاضرین. فقال: هذا لیس إلیّ! فلمّا نام رأی فی نومه قائلا یقول له: أنت فعلت ما كان إلیك، أتری انی لم أفعل ما إلیّ؟ قد غفرت لك و للغلام و للحاضرین و لمنصور.

باخرز

بلدة من بلاد خراسان. ینسب إلیها أبو الحسن الباخرزی. كان أدیبا فاضلا بارعا لطیفا، أشعاره فی غایة الحسن و معانیه فی غایة اللطف. و له دیوان كبیر أكثره فی مدح نظام الملك و بعض الأدباء. التقط من دیوانه الأبیات العجیبة قدر ألف بیت سمّاه الأحسن. و كان بینه و بین أبی نصر الكندری مخاشنة فی دولة بنی سبكتكین، فلمّا ظهرت الدولة السلجوقیة ما كان أحد من العمّال یجسر علی الاختلاط بهم، فأوّل من دخل معهم أبو نصر الكندری. استوزره السلطان طغرلبك فصار مالك البلاد. أحضر أبا الحسن الباخرزی و أحسن إلیه و قال:
إنی تفاءلت بهجوك لی. إذا كان أوّله أقبل فإن أبا الحسن هجاه بأبیات أوّلها:
أقبل من كندر مسخرةللشّؤم فی وجهه علامات
و اقطعوا باخرز لأمیر زوج امرأة من نساء بنی سلجوق، فرأت أبا الحسن
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 339
و قالت: أتی رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، فی المنام علی هذه الصورة.
فصار محظوظا عندهم، و آخر الأمر قتل بسبب هذه المرأة، و صار حسن صورته و بالا علیه كریش الطاووس و شعر الثعلب.

بیهق‌

بلیدة بخراسان. ینسب إلیها الإمام أبو بكر أحمد البیهقی. كان أوحد زمانه فی الحدیث و الفقه و الأصول، و له السنن الكبیر و تصانیف كثیرة. كان علی سیرة علماء السلف قانعا من الدنیا بالقلیل الذی لا بدّ منه. قال إمام الحرمین: ما من أحد من أصحاب الشافعی إلّا و للشافعی علیه منّة إلّا البیهقی فإن له علی الشافعی منّة، لأن تصانیفه كلّها فی نصرة مذهب الشافعی.
حكی الفقیه أبو بكر بن عبد العزیز المروزی: رأیت فی المنام تابوتا یعلو فوقه نور نحو السماء فقلت: ما هذا؟ قالوا: فیه تصانیف أبی بكر البیهقی.
و حكی بعض الفقهاء قال: رأیت الشافعی قاعدا علی سریر و هو یقول: استفدت من كتاب أحمد البیهقی حدیث كذا و حدیث كذا.

تبریز

مدینة حصینة ذات أسوار محكمة. و هی الآن قصبة بلاد آذربیجان. بها عدّة أنهر و البساتین محیطة بها. زعم المنجّمون أنّها لا تصیبها من الترك آفة لأن طالعها عقرب و المریخ صاحبها، فكان الأمر إلی الآن كما قالوا، ما سلم من بلاد آذربیجان مدینة من الترك غیر تبریز.
و هی مدینة آهلة كثیرة الخیرات و الأموال و الصناعات، و بقربها حمّامات كثیرة عجیبة النفع یقصدها المرضی و الزمنی ینتفعون بها. و تحمل منها الثیاب العتّابی و السقلاطون و الأطلس و النسج إلی الآفاق. و نقودها و نقود أكثر بلاد آذربیجان الصفر المضروب فلوسا. و قطاع الطنجیر و الهاون و المنارة إذا أرادوا
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 340
المعاملة علیها اشتروا بها المتاع، فما فضل أخذوا به قطعة صغیرة.
ینسب إلیها أبو زكریاء التبریزی. كان أدیبا فاضلا كثیر التصانیف.
فلمّا بنی نظام الملك المدرسة النظامیّة ببغداد، جعلوا أبا زكریاء خازن خزانة الكتب. فلمّا وصل نظام الملك إلی بغداد دخل المدرسة لیتفرّج علیها، و فی خدمته أعیان جمیع البلاد و وجوهها، فقعد فی المدرسة فی محفل عظیم و الشعراء یقومون ینشدون مدائحه و الدعاة یدعون له. فقام رجل و دعا لنظام الملك و قال: هذا خیر عظیم قد تمّ علی یدك! ما سبقك بها أحد، و كلّ ما فیها حسن إلّا شیئا واحدا، و هو أن أبا زكریاء التبریزی خازن خزانة الكتب، و انّه رجل به أبنة یدعو الصبیان إلی نفسه! فانكسر أبو زكریاء انكسارا شدیدا فی ذلك المحفل العظیم. فلمّا قام نظام الملك قال لناظر المدرسة: كم معیشة أبی زكریاء؟ قال:
عشرة دنانیر! قال: اجعلها خمسة عشر ان كان كما یقول لا تكفیه عشرة دنانیر! فانكسر أبو زكریاء من فضیحة ذلك المتعدّی و كفاه ذلك كفارة لجمیع ذنوبه، و من ذلك الیوم ما حضر شیئا من المحافل و المجامع حیاء و خجالة.

تهران‌

قریة كبیرة من قری الری كثیرة البساتین كثیرة الأشجار مؤنقة الثمار.
و لهم تحت الأرض بیوت كنافقاء الیربوع، إذا جاءهم قاصد عدوّ اختبأوا فیها، فالعدو یحاصرهم یوما أو أیّاما و یمشی. فإذا خرجوا من تحت الأرض أكثروا الفساد من القتل و النهب و قطع الطریق. و فی أكثر الأوقات أهلها عصاة علی السلاطین، و لا حیلة إلی ضبطهم إلّا بالمداراة.
و فیها اثنتا عشرة محلّة كلّ محلّة تحارب الأخری، و إذا دخلوا فی طاعة السلطان یجتمع عاملها بمشایخ القریة یطالبهم بالخراج، و توافقوا علی اداء الخراج المعهود للسلطان. یأتی أحدهم بدیك و یقول: هذا بدینار! و الآخر یأتی باجّانة و یقول: هذا بدینار! و یؤدّون الخراج علی هذا الوجه و إلّا فلا فائدة منهم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 341
أصلا. و هم مترصّدون للخلاف، و یرضی الوالی منهم بأن یقال: انّهم فی الطاعة و أدّوا الخراج. و انّهم لا یزرعون علی البقر خوفا من أنّهم إذا خالفوا یؤخذ عواملهم، و إنّما یزرعون بالمساحی و لا یقتنون الدواب و المواشی لما ذكرنا أن أعداءهم كثیرون فیأخذون مواشیهم.
و فواكههم كثیرة و حسنة جدّا، سیّما رمّانهم فإن مثلها غیر موجود فی شی‌ء من البلاد.

جاجرم‌

مدینة بأرض خراسان مشهورة بقرب اسفرایین. بها عین تنبع قناة بین جاجرم و اسفرایین؛ حدّثنی بعض فقهاء خراسان: من غاص فی ماء هذه العین یزول جربه.

الجبال‌

ناحیة مشهورة یقال لها قهستان. شرقها مفازة خراسان و فارس، و غربها آذربیجان، و شمالها بحر الخزر، و جنوبها العراق و خوزستان. و هی أطیب النواحی هواء و ماء و تربة. و أهلها أصحّ الناس مزاجا و أحسنهم صورة؛ قالوا: إنها تربة دیلمیّة لا تقبل العدل و الانصاف و من ولیها عصی! و كتب الإسكندر إلی أرسطاطالیس: أری بأرض الجبال ملوكا حسانا لا أختار قتلهم، و ان تركتهم لا آمن عصیانهم، فماذا تری؟ فكتب إلیه أرسطاطالیس: أن سلّم كلّ بقعة إلی أحد. ففعل ذلك و ظهرت ملوك الطوائف، فلمّا مات الإسكندر اختلفوا فغلبهم أردشیر بن بابك جد ملوك ساسان. فاتّخذها الأكاسرة مصیفا لطیب هوائها و سلامتها من سموم العراق و سخونة مائه و كثرة ذبابه و هوامه و حشراته، و لذلك قال أبو دلف العجلی:
و إنی امرؤ كسرویّ الفعال‌أصیف الجبال و أشتو العراقا
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 342
لا ینبت بها النخل و النارنج و اللیمون و الأترج، و لا یعیش بها الفیل و الجاموس ولو حملا إلیها ماتا دون سنة. و قصبتها أصفهان و الری و همذان و قزوین. و بها من الجبال و الأودیة ما لا یحصی.
بها جبل أروند و هو جبل نزه خضر نضر مطلّ علی همذان، حكی بعض أهل همذان قال: دخلت علی جعفر بن محمّد الصادق فقال: من أین أنت؟
قلت: من همذان. قال: أتعرف جبلها راوند؟ قلت: جعلنی اللّه فداك! جبلها أروند؟ قال: نعم إن فیها عینا من عیون الجنّة! و أهل همذان یرون الماء الذی علی قلّة الجبل، فإنّها یخرج منها الماء فی وقت من أوقات السنة معلوم، و منبعه من شقّ فی صخر و هو ماء عذب شدید البرد، فإذا جاوزت أیّامه المعدودة ذهب إلی وقته من العام المقبل لا یزید و لا ینقص، و هو شفاء للمرضی یأتونه من كلّ جهة، و ذكروا أنّه یكثر إذا كثر الناس علیه و یقلّ إذا قلّوا.
و بها جبل بیستون بین همذان و حلوان و هو عال ممتنع لا ترتقی ذروته، و من أعلاه إلی أسفله أملس كأنّه منحوت و عرضه ثلاثة أیّام و أكثر. ذكر فی تواریخ العجم أن حظیة كسری ابرویز شیرین المشهورة بالحسن و الجمال عشقها رجل حجّار اسمه فرهاذ، و تاه فی حبّها و اشتهر ذلك بین الناس، فذكر أمره لأبرویز فقال لأصحابه: ماذا ترون فی أمر هذا الرجل ان تركته و ما هو علیه فهتك و قبح، و إن قتلته أو حبسته فعاقبت غیر مجرم؟ فقال بعض الحاضرین:
اشغله بحجر حتی یصرف عمره فیه! فاستصوب كسری رأیه و أمر بإحضاره، فدخل و هو رجل ضخم البدن طویل القامة مثل الجمل الهائج، فأمر كسری بإكرامه و قال: ان علی طریقنا حجرا یمنعنا من المرور، نرید أن تفتح فیه طریقا یصلح لسلوكنا فیه، و قد عرفنا دربتك و ذكاءك! و أشار إلی بیستون لفرط شموخه و صلابة حجره. فقال الصانع: ارفع هذا الحجر من طریق الملك ان و عدنی بشیرین! فتأذی كسری من هذا لأنّها كانت حظیته، لكن قال فی نفسه:
من یقدر علی قطع بیستون؟ فقال فی جوابه: نفعل ذلك إذا فرغت! فخرج
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 343
فرهاذ من عند كسری و شرع فی قطع الجبل، و رسم فیه دربا یتسع لعشرین فارسا عرضا، و سمكه أعلی من الرایات و الأعلام، فكان یقطع طول نهاره و ینقل طول لیله، و یرصف القطاع الكبار شبه الأعدال فی سفح الجبل ترصیفا حسنا یحشو خللها بالنحاتة، و یسوّیها مع الطریق. و كان ینحت من الجبل شبه منارة عظیمة ثمّ یقطعها قطعا كلّ قطعة كعدل و یرمیها، و لقد رأیت عند اجتیازی به شبه منارة فتح جوانبها و ما قطعها بعد، و رأیت قطعا من الحجر كالأعدال علیها آثار ضرب الفأس، و فی كلّ قطعة حفرتان فی جانبیها، لیجعل الید فیها عند رفعها. فذكر یوما عند كسری شدّة اهتمامه بقطع الجبل، فقال بعض الحاضرین: رأیته یرمی بكلّ ضربة شبه جبل، ولو بقی علی ما هو علیه لا یبعد أن یفتح الطریق. فانفرق كسری فقال بعضهم: أنا أكفیك أمره! فبعث إلیه من أخبره بموت شیرین. فلمّا سمع ذلك ضرب فأسه علی الحجر و أثبته فیه، ثمّ جعل یضرب رأسه علی الفأس إلی أن مات. و مقدار فتحه من الجبل غلوة سهم، و تلك الآثار باقیة إلی الآن لا ریب فیها.
و قال أحمد بن محمّد الهمذانی: فی سفح جبل بیستون ایوان منحوت من الحجر، و فی وسط الایوان صورة فرس كسری شبدیز و ابرویز راكب علیه، و علی حیطان الایوان صورة شیرین و موالیها؛ قیل: صوّرها فطرس بن سنمّار، و سنمّار هو الذی بنی الخورنق بظاهر الحیرة، و سببه أن شبدیز كان أذكی الدواب و أعظمها خلقا و أظهرها خلقا، و أصبرها علی طول الركض، كان لا یبول و لا یروث ما دام علیه سرجه، و لا یخرّ و لا یزبد ما دام علیه لجامه.
كان ملك الهند أهداه إلی ابرویز، فاتّفق أنّه اشتكی و زاد شكواه فقال كسری:
من أخبرنی بموته قتلته! فلمّا مات خاف صاحب خیله أن یسأل عنه فیجب علیه الخبر بموته، فجاء إلی البلهبد مغنیه و سأله أن یخبر كسری ذلك فی شی‌ء من الغناء، و كان البلهبد أحذق الناس بالغناء ففعل ذلك. فلمّا سمع كسری به فطن بمعناه و قال: ویحك! مات شبدیز؟ فقال: الملك یقوله! فقال كسری: زه! ما
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 344
أحسن ما تخلّصت و خلّصت غیرك! و جزع علیه فطرس بن سنمّار فصوّره علی أحسن مثال، بحیث لا یكاد یفرق بینهما إلّا بإدارات الروح، و جاء كسری فتأمّله باكیا و قال: یشدّ ما بقی هذا التمثال إلینا، و ذكرنا ما یصیر حالنا إلیه بموت جسدنا و طموس صورتنا، و دروس أثرنا الذی لا بدّ منه، و سیبقی هذا التمثال أثرا من جمال صورتنا للواقفین علیه حتی كأنّنا بعضهم و نشاهدهم.
و حكی من عجائب هذا التمثال انّه لم یر مثله، و لم یقف أحد منذ صوّر من أهل الفكر اللطیف و النظر الدقیق علیه إلّا تعجّب منه، حتی قال بعض الناس:
انّها لیست من صنعة البشر! و لقد أعطی ذاك المصوّر ما لم یعط غیره، فأیّ شی‌ء أعجب من أن سخّرت له الحجار كما أراد، حتی فی الموضع الذی أراد أحمر جاء أحمر، و فی الموضع الذی أراد أبیض جاء أبیض، و كذلك سائر الألوان، و الظاهر أن الأصباغ التی فیه عالجها بصنف من المعالجات العجیبة لم یغیّرها طول اللیالی، و صوّر الفرس واقفا فی وسط الإیوان، و كسری راكب علیه لابس درعا كأنّه زرد به من حدید، یتبیّن مسامیر الزرد فی حلقها، و صوّر شیرین بحیث یظهر الحسن و الملاحة فی وجهها كأنّها تسلب القلوب بغنجها. و سمعت أن بعض الناس عشق علی صورة شیرین، و صار من عشقها متیّما، فكسروا أنفها لئلا یعشق علیها غیره. و ذكر قصة شبدیز خالد الفیّاض فقال:
و الملك كسری شهنشاه یقبضه‌سهم بریش جناح الموت مقطوب
إذ كان لذّته شبدیز یركبه‌و غنج شیرین و الدّیباج و الطیّب
بالنّار آلی یمینا شدّ ما غلظت‌ان من ید أفعی الشبدیز مصلوب
حتی إذا أصبح الشّبدیز منجدلاو كان ما مثله فی الناس مركوب
ناحت علیه من الأوتار أربعةبالفارسیّة نوحا فیه تطریب
ورنّم الهربد الأوتار فالتهبت‌من سحر راحته الیسری شآبیب
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 345 فقال: مات؟ فقالوا: أنت فهت به‌فأصبح الحنث عنه و هو مجذوب!
لولا البلهبد و الأوتار تندبه‌لم یستطع نعی شبدیز المزاریب
أخنی الزّمان علیهم فاجر هدبهم‌فما تری منهم إلّا الملاعیب
و بها جبل دماوند، و هو بقرب الری یناطح النجوم ارتفاعا و یحكیها امتناعا، لا یعلوه الغیم فی ارتفاعه و لا الطیر فی تحلیقه؛ قال مسعر بن مهلهل: انّه جبل مشرف عال شاهق لا یفارق أعلاه الثلج صیفا و لا شتاء، و لا یقدر الإنسان أن یعلو ذروته، یراه الناظر من عقبة همذان، و الناظر من الری یظن أنّه مشرف علیه و بینهما فرسخان، فصعدت الجبل حتی وصلت إلی نصفه بمشقّة شدیدة، و مخاطرة بالنفس، فرأیت عینا كبریتیّة، و حولها كبریت مستحجر، فإذا طلعت علیه الشمس التهبت نارا، و الدخان یصعد من العین الكبریتیّة. و حكی أهل تلك النواحی أنّهم إذا رأوا النمل یذخر الحبّ الكثیر تكون السنة سنة جدب، و إذا دامت علیهم الأمطار حتی تأذّوا منها صبّوا لبن الماعز علی النار فانقطعت.
قال: جرّبت هذا مرارا فوجدته صحیحا. و قالوا: إذا رأینا قلّة هذا الجبل فی وقت من الأوقات متحسّرا عن الثلج، وقعت فتنة و أریقت دماء من الجانب الذی نراه متحسّرا. و بقرب الجبل معدن الكحل الرازی و المرتك و الاسربّ و الزاج. هذا كلّه قول مسعر.
و حكی محمّد بن إبراهیم الضرّاب قال: ان أبی سمع أن بدماوند معدن الكبریت الأحمر، فاتّخذ مغارف حدید طول السواعد و احتال فی إخراجه، فذكر انّه لا یقرب من ناره حدیدة إلّا ذابت من ساعتها. و ذكر أهل دماوند أن رجلا من أهل خراسان اتّخذ مغارف حدیدیّة طویلة مطلیة بها، عالجها بها و أخرج من الكبریت لبعض الملوك.
و حكی علیّ بن رزین و كان حكیما له تصانیف قال: وجّهت جماعة إلی جبل دماوند و هو جبل عظیم شاهق فی الهواء، یری من مائة فرسخ، و علی رأسه
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 346
أبدا مثل السحاب المتراكم، لا ینحسر شتاء و لا صیفا، و یخرج من أسفله نهر ماؤه أصفر كبریتی، فذكر الجماعة أنّهم وصلوا إلی قلّته فی خمسة أیّام و خمس لیال، فوجدوا قلّته نحوا من مائة جریب مساحة، علی أن الناظر إلیها من أسفله یراها كالمخروط. قالوا: وجدنا رملا تغیب فیه الأقدام، و انّهم لم یروا علیها دابّة و لا أثر حیوان، و ان الطیر لا یصل إلی أعلاها و البرد فیها شدید و الریح عاصف. و انّهم عدّوا سبعین كوّة یخرج منها الدخان الكبریتی، و رأوا حول كلّ ثقب من تلك الكوی كبریتا أصفر كأنّه ذهب، و حملوا معهم شیئا منه. و ذكروا أنّهم رأوا علی قلّته الجبال الشامخة مثل التلال، و رأوا بحر الخزر كالنهر الصغیر، و بینهما عشرون فرسخا.
و بها جبل ساوة و هو علی مرحلة منها. رأیته جبلا شامخا إذا أصعدت علیه قدر غلوة سهم رأیت ایوانا كبیرا یتسع لألف نفس، و فی آخره قد برز من سقفه أربعة أحجار شبیهة بثدی النساء، یتقاطر الماء من ثلاثة و الرابع یابس.
أهل ساوة یقولون: انّه مصّه كافر فیبس! و تحتها حوض یجتمع فیه الماء الذی یتقاطر منها، و علی باب الإیوان ثقبة لها بابان، و فیها انخفاض و ارتفاع؛ یقول أهل ساوة: ان ولد الرشدة یقدر أن یدخل من باب و یخرج من الآخر و ولد الزنیة لا یقدر!
و بها جبل كركس كوه جبل دورته فرسخان فی مفازة بین الری و القم، و هو جبل و عر المسلك فی مفازة بعیدة عن العمارات، فی وسطه ساحة فیها ماء، و الجبال محیطة بها من جمیع جوانبها، فمن كان فیها كأنّه فی مثل حظیرة.
و سمّی كركس كوه لأن النسر كان یأوی إلیه، و كركس هو النسر، فلو اتّخذ معقلا كان حصینا إلّا أنّه فی مفازة بعیدة عن البلاد قلّما یجتاز بها أحد.
و بها جبل نهاوند، و هو بقرب نهاوند، قال ابن الفقیه: علی هذا الجبل طلسمان صورة سمك و ثور، قالوا: إنّهما لأجل الماء لئلّا یقلّ ماؤه، و ماؤه ینقسم قسمین: قسم یجری إلی نهاوند، و الآخر إلی الدینور.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 347
و بها جبل یله بشم. هذا الجبل بقرب قریة یقال لها یل، و هی من ضیاع قزوین علی ثلاثة فراسخ منها. حدّثنی من صعد هذا الجبل قال: علیه صور حیوانات مسخها اللّه تعالی حجرا، منها راع متكی‌ء علی عصاه یرعی غنمه، و امرأة تحلب بقرة، و غیر ذلك من صور الإنسان و البهائم. و هذا شی‌ء یعرفه أهل قزوین.
و ینسب إلیها الوزیر مهلب بن عبد اللّه. كان وزیرا فاضلا قعد به الزمان حتی صار فی ضنك من العیش شدید، فرافقه بعض أصدقائه فی سفره فاشتهی لحما و لم یقدر علی ثمنه، فاشتری رفیقه له بدرهم لحما، فأنشأ یقول:
ألا موت یباع فأشتریه‌فهذا العیش ما لا خیر فیه!
إذا أبصرت قبرا من بعیدوددت لو انّنی من ساكنیه!
ألا رحم الإله ذنوب عبدتصدّق بالوفاة علی أخیه!
ثمّ بعد ذلك علا أمره و ارتفعت مكانته، فقصده ذلك الرفیق و البوّاب منعه من الدخول علیه، فكتب علی رقعة:
ألا قل للوزیر: فدتك نفسی‌و أهلی ثمّ ما ملّكت فیه
أتذكر إذ تقول لضنك عیش:ألا موت یباع فأشتریه
فأحضره و حیّاه و جعله من خاصّته.

جبّل‌

قریة بین النعمانیة و واسط، و كانت فی قدیم الزمان مدینة یضرب بقاضیها المثل فی قلّة العقل! و من حدیثه ما ذكر أن المأمون أراد المضی إلی واسط، فاستكری القاضی جمعا لیثنوا علیه عند وصول الخلیفة، فاتّفق أن شبارة الخلیفة وصلت، و ما كان من الجمع المستكرین أحد حاضرا، فخاف القاضی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 348
أن تفوت الفرصة فجعل یعدو علی شاطی‌ء دجلة مقابل الشبارة و ینادی بأعلی صوته: یا أمیر المؤمنین، نعم القاضی قاضی جبّل! فضحك یحیی بن اكثم، و كان راكبا فی الشبارة مع الخلیفة، و قال: یا أمیر المؤمنین هذا المنادی هو قاضی جبّل یثنی علی نفسه! فضحك المأمون و أمر له بشی‌ء و عزله و قال: لا یجوز أن یلی شیئا من أمور المسلمین من هذا عقله.

جرباذقان‌

بلیدة من بلاد قهستان بین أصفهان و همذان ذات سور و قهندز، لها رئیس یقال له جمال باده، لا یمشی إلی أحد من ملوك قهستان البتّة. و له موضع حصین و إلی داره عقود و أبواب و حرّاس، و الملوك كانوا یسامحونه بذلك و یقولون:
إنّ أذیّته و إزعاجه غیر مبارك!
و كان الأمر علی ذلك إلی أن ملك الجبال خوارزمشاه محمّد، سلّمها إلی ابنه و إلی عماد الملك، فوصل عماد الملك إلی جرباذقان. أخبر بعادة الرئیس انّه لا یمشی إلی أحد، فغضب من ذلك و بعث إلیه یطلبه فأبی. فبعث إلیه عسكره دخلوا المدینة قهرا، و تحصّن الرئیس بالقلعة فحاصروها أیّاما و قتل من الطرفین.
فلمّا اشتدّ الأمر علیه نزل باللیل و هرب، فخرب عماد الملك القلعة و قتل أكثر أهلها لأنّهم قتلوا أصحاب عماد الملك. فعمّا قریب ورد عساكر التتر و هرب عماد الملك فقتلوه فی الطریق، و قتلوا ابن خوارزمشاه و عاد الرئیس إلی حاله كما كان.

جرجان‌

مدینة عظیمة مشهورة بقرب طبرستان. بناها یزید بن المهلّب بن أبی صفرة، و هی أقلّ ندی و مطرا من طبرستان، یجری بینهما نهر تجری فیه السفن، بها فواكه الصرود و الجروم، و هی بین السهل و الجبل و البرّ و البحر.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 349
بها البلح و النخل و الزیتون و الجوز و الرمّان و الأترج و قصب السكّر، و بها من الثمار و الحبوب السهلیّة و الجبلیّة المباحة، یعیش بها الفقراء. و یوجد فی صیفها جنیّ الصیف و الشتاء من الباذنجان و الفجل و الجزر، و فی الشتاء الجدی و الحملان و الألبان و الریاحین: كالخزامی و الخیری و البنفسج و النرجس و الأترج و النارنج.
و هی مجمع طیر البرّ و البحر، لكن هواءها ردی‌ء لأنّه یختلف فی یوم مضرّ سیما بالغرباء.
و حكی انّه كان بنیسابور فی أیّام الطاهریة ستّمائة رجل من بنی هلال یقطعون الطریق، فظفروا بهم و نقلوا ثلاثمائة إلی جرجان و ثلاثمائة إلی جرجانیّة بخوارزم. فلمّا تمّ علیهم الحول لم یبق ممّن كان بجرجان إلّا ثلاث أنفس، و لم یمت ممّن كان بجرجانیّة إلّا ثلاثة.
و بجرجان من العناب الجیّد و الخشب الخلنج الذی یتّخذ منه النشّاب و الظروف و الأطباق، و یحمل إلی سائر البلاد. و بها ثعابین تهول الناظر و لا ضرر لها.
و ذكر أبو الریحان الخوارزمی انّه شوهد بجرجان مدرة صار بعضها قارا و البعض الآخر بحالها.
بها عین سیاه سنك؛ قال صاحب تحفة الغرائب: بجرجان موضع یسمّی سیاه سنك، به عین ماء علی تلّ یأخذ الناس ماءها للشرب، و فی الطریق إلیها دودة، فمن أخذ من ذلك الماء و أصاب رجله تلك الدودة یصیر الماء الذی معه مرّا فیبدّده، و یعود إلیها یأخذ مرّة أخری، و هذا عندهم مشهور.
ینسب إلیها كرز بن وبرة كان من الأبدال، قال فضیل: إذا خرج كرز بن وبرة یأمر بالمعروف یضربونه حتی یغشی علیه، فسأل ربّه أن یعرّفه الاسم الأعظم بشرط أن لا یسأل به شیئا من أمور الدنیا، فأعطاه اللّه ذلك، فسأل أن یقوّیه علی قراءة القرآن، فكان یختم كلّ یوم و لیلة ثلاث ختمات.
حكی أبو سلیمان المكتب قال: صحبت كرز بن وبرة إلی مكّة، فكان إذا نزل القوم أدرج ثیابه فی الرحل و اشتغل بالصلاة، فإذا سمع رغاء الإبل أقبل،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 350
فتأخر یوما عن الوقت، فذهبت فی طلبه فإذا هو فی وهدة فی وقت حارّ، و إذا سحابة تظلّه فقال: یا أبا سلیمان، أرید أن تكتم ما رأیت! فحلفت أن لا أخبر أحدا فی حیاته. و حكی انّه لمّا توفی رأوا أهل القبور فی النوم، علیهم ثیاب جدد، فقیل لهم: ما هذا؟ قالوا: ان أهل القبور كلّهم لبسوا ثیابا جددا لقدوم كرز بن وبرة!
و ینسب إلیها أبو سعید إسماعیل بن أحمد الجرجانی. كان وحید دهره فی الفقه و الأصول و العربیّة، مع كثرة العبادة و المجاهدة و حسن الخلق و الاهتمام بأمور الدین و النصیحة للمسلمین، و هو القائل:
إنی ادّخرت لیوم ورد منیّتی‌عند الإله من الأمور خطیرا
قولی بأنّ إلهنا هو أوحدو نفیت عنه شریكه و نظیرا
و شهادتی أنّ النّبیّ محمّداكان الرّسول مبشّرا و نذیرا
و محبّتی آل النّبیّ و صحبه‌كلّا أراه بالثّناء جدیرا
و تمسّكی بالشّافعیّ و علمه‌ذاك الّذی فتق العلوم بحورا
و جمیل ظنّی بالإله و إن جنت‌نفسی بأنواع الذّنوب كثیرا
إنّ الظّلوم لنفسه إن یأته‌مستغفرا یجد الإله غفورا
فاشهد إلهی أنّنی مستغفرلا أستطیع لما مننت شكورا
هذا الذی أعددته لشدائدی‌و كفی بربّك هادیا و نصیرا!
قبض أبو سعید فی صلاة المغرب عند قوله: و إیّاك نستعین، و فاضت روحه و هو ابن ثلاث و ثلاثین سنة.
و ینسب إلیها القاضی أبو الحسن علیّ بن عبد العزیز الجرجانی. كان أدیبا فقیها شاعرا، و هو القائل:
یقولون لی: فیك انقباض! و إنّمارأوا رجلا عن موقف الذلّ أحجما
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 351 یری الناس من داناهم هان عندهم‌و من أكرمته عزّة النّفس أكرما
و ینسب إلیها الإمام عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجانی. كان عالما فاضلا أدیبا عارفا بعلم البیان، له كتاب فی إعجاز القرآن فی غایة الحسن ما سبقه أحد فی ذلك الأسلوب. من لم یطالع ذلك الكتاب لا یعرف قدره و دقّة نظره و لطافة طبعه، و اطّلاعه علی معجزات القرآن.
و بها مشهد لبعض أولاد علیّ الرضا، العجم یسمّونه «كور سرخ»، النذر له یفضی إلی قضاء الحاجة، و هذا أمر مشهور فی بلاد العجم، یحمل إلیها أموال كثیرة و یصرف إلی جمع من العلویّین هناك.

جرجرایا

قریة من أعمال بغداد مشهورة. ینسب إلیها علیّ الجرجرائی، كان من الابدال، لا یدخل العمران و لا یختلط بأحد؛ حكی بشر الحافی قال: لقیته علی عین ماء فلمّا أبصرنی عدا، قال: بذنب منی رأیت الیوم إنسیّا! فعدوت خلفه و قلت: أوصنی! فالتفت إلیّ و قال: عانق الفقر و عاشر الصبر، و خالف الشهوة و اجعل بیتك أخلی من لحدك یوم تنقل إلیه، علی هذا طاب المصیر إلی اللّه تعالی!

الجزیرة

بلاد تشتمل علی دیار بكر و مضر و ربیعة، و إنّما سمّیت جزیرة لأنّها بین دجلة و الفرات، و هما یقبلان من بلاد الروم، و ینحطان متسامتین حتی یصبّا فی بحر فارس، و قصبتها الموصل و حرّان، و الجزیرة بلیدة فوق الموصل تدور دجلة حولها كالهلال، و لا سبیل إلیها من الیبس إلّا واحد؛ قالوا: من خاصیة هذه البلاد كثرة الدمامیل. قال ابن همّام السلولی:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 352 أبدا إذا یمشی یحیك كأنّمابه من دمامیل الجزیرة ناخس
و حكی أن ضرار بن عمرو طلع به الدمامیل، و هو ابن تسعین سنة، فتعجّب الناس فقالوا: احتملها من الجزیرة!
ینسب إلیها بنو الأثیر الجزریّون. كانوا ثلاثة اخوة فضلاء، رأیت منهم الضیاء، كان شیخا حسن الصورة فاضلا حلو الحدیث كریم الطبع، له تصانیف كثیرة منها: المثل السائر كتاب فی علم البیان فی غایة الحسن، و كتاب فی شرح الألفاظ الغریبد التی وردت فی أحادیث رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، و غیرهما.

جوهسته‌

قریة من قری همذان. بها قصر بهرام جور، و بهرام من ملوك الفرس.
كان أرمی الناس لم یر رام مثله، و هذا القصر عظیم جدّا و كلّه حجر واحد، منقورة بیوته و مجالسه و خزائنه و غرفه و شرفاته و سائر حیطانه، و هو كثیر المجالس و الخزائن و الدهالیز و الغرف. و فی مواضع منها كتابات بالعجمیّة تتضمّن أخبار ملوكهم الماضین و حسن سیرتهم، و فی كلّ ركن من أركانه صورة جاریة علیها كتابة، و بقربه ناووس الطیبة، و سیأتی ذكرها إن شاء اللّه تعالی.

جوین‌

ناحیة بین خراسان و قهستان كثیرة الخیرات وافرة الغلّات. و هی أربعمائة قریة علی أربعمائة قناة. و القنوات منشأها من مرتفع من الأرض، و القری علی متسفّل أحدهما بجانب الآخر.
ینسب إلیها أبو المعالی عبد الملك بن محمّد إمام الحرمین الإمام العلامة، ما رأت العیون قبله و لا بعده مثله فی غزارة العلم، و فصاحة اللسان، و جودة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 353
الذهن. من رآه من العلماء تحیّر فیه، شاع ذكره فی الآفاق، فلمّا كان زمان أبی نصر الكندری و أمر بلعن المذاهب علی رأس المنبر، فارق الإمام خراسان و ذهب إلی الحجاز و درّس بمكّة. فانقضت تلك المدّة سریعا بموت طغرلبك و قتل الكندری، فعاد إمام الحرمین إلی خراسان و بنی له نظام الملك مدرسة بنیسابور، فظهرت تلامذته و انتشرت تصانیفه. و كان فی حلقته ثلاثمائة فقیه من الفحول، بلغوا مبلغ التدریس كأبی حامد الغزّالی، و صنّف نهایة المطلب عشرین مجلّدا. توفی سنة ثمان و ثمانین و أربعمائة.

جیلان‌

غیضة بین قزوین و بحر الخزر صعبة المسلك لكثرة ما بها من الجبال و الوهاد و الأشجار و المیاه، فی كلّ بقعة ملك مستقلّ لا یطیع غیره، و الحرب بینهم قائمة، و المطر كثیر جدّا ربّما یستمرّ أربعین یوما لا ینقطع لیلا و لا نهارا، و یضجر الناس منه. و بیوتهم من الأخشاب و الاخصاص وسط الأشجار، و لا حدّ لكثرة أشجارها الطوال لو كانت بأرض أخری كان لها قیمة.
و نساؤها أحسن النساء صورة لا یستترن عن الرجال یخرجن مكشوفات الوجه و الرأس و الصدر.
و بها من الخیل الهمالیج ما لا یوجد فی غیرها من البلاد، و لم یر أحسن منها صورة و مشیا.
و من عجائبها ما سمعت و لا صدقت حتی جرّبت، و هو ان المطر إذا دام عندهم ضجروا منه، فإن سمعوا باللیل صوت ابن آوی و عقبه نباح كلب یبشر بعضهم بعضا بصحو الغد، و عندهم من بنات آوی و الكلاب كثیر، و هذا شی‌ء أشهر عندهم و جرّبت مرارا ما أخطأ شی‌ء.
مأكولهم الرزّ الجیّد المولانی و السمك، و یؤدون زكاة الرز و لا یتركونه أصلا. و یقتنون دود الابریسم، شغل رجالهم زراعة الرزّ و شغل نسائهم تربیة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 354
دود القزّ و الرزق الحلال فی زماننا عندهم. و نساؤهم ینسجن المیازر و المشدات الفریة الملاح و تحمل منها إلی سائر البلاد.
و من عاداتهم أن فقهاءهم فی كلّ سنة یستأذنون من الأمیر الأمر بالمعروف، فإذا أذن لهم أحضروا كلّ واحد كائنا من كان و ضربوه مائة خشبة، فربّما یحلف الرجل أیمانا انّه ما شرب و لا زنی فیقول الفقیه: ایش صنعتك؟ فیقول:
بقّال أنا! فیقول: أما كان بیدك المیزان؟ فیقول: نعم. فیأمر بضربه مائة!
ینسب إلیها الشیخ محمّد بن خالد الملقّب بنور الدین. كان شیخا عظیم الشأن ظاهر الكرامات. رأیته فی صغر سنی كان شیخا مهیبا و ضی‌ء الوجه طویل القامة، كثّ اللحیة طویلها، ما رآه أحد ولو كان ملكا إلّا أخذته هیبته.
له مصنّفات فی عجائب أحواله و مشاهدته الملائكة و الجنّة و النار، و أحوال الأموات و خواصّ الأذكار و الآیات.
حكی بعض من صحبه قال: سرنا ذات یوم فرفع لنا خان فقصدناه، فقال بعض السابلة: لا تدخلوا الخان فإنّه یأوی إلیه سبع! فقال الشیخ: نتّكل علی اللّه. فدخلناها و فرش الشیخ مصلّاءة یصلّی، فسمعت زئیر الأسد فأنكرت فی نفسی علی الشیخ لدخول الخان، فدخل الخان سبع هائل، فلمّا رآنا جعل یأتینا إتیانا لینا لا إتیان صائل، و أنا أنظر إلی شكله فذهب عقلی، فهربت إلی الشیخ و جعلته بینی و بین الأسد، فجاء و افترش عند مصلّی الشیخ، فلمّا فرغ الشیخ من صلاته مسح رأسه و قال بالعجمیّة: فارق هذا الموضع و لا ترجع تفزّع الناس ههنا! فقام السبع و خرج من الخان و لم یره أحد بعد ذلك هناك.

الحضر

مدینة كانت بین تكریت و سنجار مبنیة بالحجارة المهندمة، كان علی سورها ستّون برجا كبارا، بین البرج و البرج تسعة أبراج صغار، بإزاء كلّ برج قصر و إلی جانبه حمّام. و بجانب المدینة نهر الثرثار و كان نهرا عظیما علیه جنان بناها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 355
الضّیزن بن معاویة، و كان من قضاعة من قبل شابور بن اردشیر ملك الفرس، و قد طلسمها أن لا یقدر علی هدمها إلّا بدم الحمامة الورقاء، و دم حیض المرأة الزرقاء؛ و إیّاها أراد عدی بن زید:
و أخو الحضر إذ بناه و إذ دجلة تجبی إلیه و الخابورشاده جندلا و جلّله كلسا، و للطّیر فی ذراه و كور
فاتّفق أنّه ظهر لشابور خصم بخراسان، فذهب إلیه و طالت غیبته فعصی ضیزن علیه و استولی علی بلاد الجزیرة، و أغار علی بلاد الفرس و خرب السواد و أسر ماه أخت شابور الملك. فلمّا عاد شابور من خراسان و أخبر بما فعل ضیزن، ذهب إلیه بعساكره و حاصره سنین و لم یظفر بشی‌ء، فهمّ بالرجوع فصعدت النّصیرة بنت الضیزن السطح و رأت شابور فعشقته، فبعثت إلیه أن ما لی عندك ان دللتك علی فتح هذه المدینة؟ فقال شابور: آخذك لنفسی و أرفعك علی نسائی. فقالت: خذ من دم حمامة ورقاء، و اخلطه بدم حیض امرأة زرقاء، و اكتب بهما و اشدده فی عنق ورشان و أرسله، فإنّه إذا وقع علی السور تهدّم! ففعل كما قالت فدخل المدینة و قتل مائة ألف رجل و أسر البقیّة، و قتل ضیزن و أنسابه فقال الحدس بن الدلهاث:
ألم یجزیك و الأبناء تمنی‌بما لاقت سراة بنی العبید؟
و مقتل ضیزن و بنی أبیه‌و إجلاء القبائل من یزید
أتاهم بالفیول مجلّلات‌و بالأبطال شابور الجنود
فهدّم من بروج الحضر صخراكأنّ ثقاله زبر الحدید!
ثمّ سار شابور إلی عین التمر و عرّس بالنصیرة هناك، فلم تنم هی تلك اللیلة تململا علی فراشها، فقال لها شابور: ما أصابك؟ فقالت: لم أنم قطّ علی فراش أخشن من هذا! فنظر فإذا فی الفراش ورقة آس لصقت بین عكنتین
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 356
من عكنها، فقال لها شابور: بم كان أبواك یغذوانك؟ قالت: بشهد الأبكار و لباب البرّ و مخّ الثنیان! فقال شابور: أنت ما وفیت لأبویك مع حسن صنیعهما بك، فكیف تفین لی؟ ثمّ أمر أن تصعد بناء عالیا و قال: ألم أرفعك فوق نسائی؟
قالت: بلی! فأمر بفرسین جموحین و شدّت ذوائبها فی ذنبیهما ثمّ استحضرا فقطعاها؛ قال عدی بن زید:
و الحضر صبّت علیه داهیةشدیدة أید مناكبها
ربیبة لم ترقّ والدهابحبّها إذ ضاع راقبها
فكان حظّ العروس إذ جشرالصّبح دما یجری سبایبها

حصن الطاق‌

حصن حصین بطبرستان، كان فی قدیم الزمان خزانة ملوك الفرس، و أوّل من اتّخذه منوجهر بن ایرج بن فریدون، و هو نقب فی موضع عال فی جبل صعب المسلك، و النقب یشبه بابا صغیرا، فإذا دخله الإنسان مشی نحو میل فی ظلمة شدیدة ثمّ یخرج إلی موضع واسع شبیه بمدینة، قد أحاطت به الجبال من جمیع الجوانب. و هی جبال لا یمكن صعودها لارتفاعها، و فی هذه السعة مغارات و كهوف، و فی وسطها عین غزیرة الماء ینبع من ثقبة و یغور فی أخری، و بینهما عشرة أذرع. و كان فی أیّام الفرس یحفظ هذا النقب رجلان معهما سلّم یدلونه من الموضع، إذا أراد أحدهما النزول فی دهر طویل، و عندهما ما یحتاجان إلیه لسنین كثیرة.
و لم یزل الأمر علی ذلك إلی أن ملك العرب طبرستان، فحاولوا الصعود علیه فتعذّر علیهم ذلك إلی أن ولّی المازیار طبرستان، فقصد هذا الموضع و أقام علیه مدّة حتی صعد رجل من أصحابه إلیه، فدلّی حبالا و أصعد قوما فیهم المازیار، فوقف علی ما فی تلك الكهوف من الأموال و السلاح و الكنوز،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 357
و كان بیده إلی أن مات. و انقطع السبیل إلیه إلی هذه الغایة.
و من العجائب ما ذكره ابن الفقیه انّه إلی جانب هذا الطاق شبیه بالدكان، إذا لطخ بعذرة أو شی‌ء من الأقذار ارتفعت فی الحال سحابة فمطرت علیه حتی تغسله و تنظّفه، و ان ذلك مشهور عندهم لا یتماری فیه اثنان.

حلوان‌

مدینة بین همذان و بغداد. كانت عامرة طیّبة و الآن خراب، و تینها و رمانها فی غایة الطیب، لم یوجد فی شی‌ء من البلاد مثلهما. و فی حوالیها عدّة عیون كبریتیّة ینتفع بها من عدّة أدواء. و كان بها نخلتان مشهورتان علی طریق السابلة، وصل إلیهما مطیع بن ایاس فقال:
أسعدانی یا نخلتی حلوان‌وابكیا لی من ریب هذا الزّمان
و اعلما أنّ ریبه لم یزل‌یفرّق بین الألّاف و الجیران
و اسعدانی و أیقنا أنّ نحساسوف یأتیكما فتفترقان!
حكی المدائنی أن المنصور اجتاز علیهما، و كانت إحداهما علی الطریق ضیّقت علی الأحمال و الأثقال، فأمر بقطعها فأنشد قول مطیع فقال: و اللّه لا كنت ذلك النحس! ثمّ اجتاز المهدی بهما و استطاب الموضع، و دعا لحسنه المغنیّة و قال لها: أما ترین طیب هذا الموضع؟ غنّینی بحیاتی! فغنّت:
أیا نخلتی وادی بوانة حبّذاإذا نام حرّاس النّخیل جناكما!
فقال لها: أحسنت! لقد هممت بقطع هاتین النخلتین فمنعتنی. فقالت:
أعیذك باللّه أن تكون نحسهما! و أنشدت قول مطیع، ثمّ اجتاز بهما الرشید عند خروجه إلی خراسان و قد هاج به الدم بحلوان، فأشار علیه الطبیب بأكل الجمّار، فطلب ذلك من دهقان حلوان فقال: لیست أرضنا أرض نخل لكن
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 358
علی العقبة نخلتان فاقطعوا إحداهما. فقطعوا. فلمّا اجتاز الرشید بهما وجد إحداهما مقطوعة و الأخری قائمة و علیها مكتوب:
و اعلما إن بقیتما أنّ نحساسوف یأتیكما فتفترقان!
فاغتمّ الرشید لذلك و قال: لقد عزّ علیّ ان كنت نحسهما، ولو كنت سمعت هذا الشعر ما قطعت هذه النخلة ولو قتلنی الدم! فاتّفق انّه لم یرجع من ذلك السفر.

الحویزة

كورة بین واسط و البصرة و خوزستان فی وسط البطائح فی غایة الرداءة.
كتب وفادار بن خودكام إلی صدیق له كتابا من الحویزة: و ما أدراك ما الحویزة! دار الهوان و منزل الحرمان! ثمّ ما أدراك ما الحویزة! أرضها رغام و سماؤها قتام، و سحابها جهام و سمومها سهام، و میاهها سمام و طعامها حرام، و أهلها لئام، و خواصّها عوام، و عوامّها طغام! لا یروی ریعها و لا یرجی نفعها، و لا یمری ضرعها و لا یرعی زرعها، و لقد صدق اللّه قوله فیها: و لنبلونكم بشی‌ء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات! و أنا منها بین هواء و بی‌ء و ماء ردی‌ء، و شباب غمر و شیخ غوی، یتّخذون الغمر أدبا و الزور إلی أرزاقهم سببا، یأكلون الدنیا سلبا و یعدون الدین لهوا و لعبا ولو اطلعت علیهم لولیت منهم فرارا و لملئت منهم رعبا.
إذا سقی اللّه أرضا صوب غادیةفلا سقاها سوی النّیران تضطرم
ینسب إلیها أبو العبّاس أحمد بن محمّد الحویزی. و كان من أعاجیب الزمان فی الجمع بین الأمور المتضادة: كان ذا فضل و تمییز، و جور و ظلم مع إظهار الزهد و التقشّف و التسبیح الدائم و الصلاة الكثیرة. و إذا عزل اشتغل بمطالعة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 359
الكتب، و یظهر انّه أراد العزل و كره العمل و خدمة الظلمة فقال أبو الحكم الأندلسی:
رأیت الحویزیّ یهوی الخمول‌و یلزم زاویة المنزل
لعمری لقد صار حلسا له‌كما كان فی الزّمن الأوّل
یدافع بالشّعر أوقاته‌و إن جاع طالع فی المجمل!
و إذا خرج صار أظلم ممّا كان حتی انّه فی بعض ولایاته كان نائما علی سطح، فصعدوا إلیه و وجأوه بالسكّین.

الحیرة

مدینة كانت فی قدیم الزمان بأرض الكوفة علی ساحل البحر، فإن بحر فارس فی قدیم الزمان كان ممتدّا إلی أرض الكوفة، و الآن لا أثر للمدینة و لا للبحر، و مكان المدینة دجلة.
ینسب إلیها النعمان بن امری‌ء القیس صاحب الحیرة من ملوك بنی لخم.
نبی بالحیرة قصرا یقال له الخورنق فی ستّین سنة، قصرا عجیبا ما كان لأحد من الملوك مثله. فبینا هو ذات یوم جالس علی الخورنق إذ رأی البساتین و النخل و الأشجار و الأنهار ممّا یلی المغرب، و الفرات ممّا یلی المشرق، و الخورنق مكانه، فأعجبه ذلك و قال لوزیره: أرأیت مثل هذا المنظر و حسنه؟ فقال: ما رأیت أیّها الملك لا نظیر له لو كان دائما! فقال له: ما الذی یدوم؟ فقال:
ما عند اللّه فی الآخرة! فقال: بم ینال ذلك؟ فقال: بترك الدنیا و عبادة اللّه! فترك النعمان الملك و لبس المسح و رافقه وزیره، و لم یعلم خبرهما إلی الآن؛ قال عدی بن زید:
و تبیّن ربّ الخورنق، إذأشرف یوما و للهدی تفكیر
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 360 سرّه ما رأی و كثرة ما یملك و البحر معرضا و السّدیر
فارعوی قلبه و قال: فما غبطة حیّ إلی الممات یصیر؟
ثمّ بعد الفلاح و الملك و الإمّة وارتهم هناك القبور!
ثمّ صاروا كأنّهم ورق جفّ‌فألوت به الصّبا و الدّبور
و ینسب إلیها أبو عثمان إسماعیل الحیری. كان من عباد اللّه الصالحین.
حكی من كرم أخلاقه ان رجلا دعاه إلی ضیافته فذهب إلیه، فلمّا انتهی إلی باب داره قال: ما لی وجه الضیافة! فرجع ثمّ طلبه بعد ذلك مرّة أخری فأجابه، فلمّا انتهی إلی باب داره قال له مثل ذلك، ثمّ دعاه مرّة ثالثة و قال له مثل ذلك.
فعاد الشیخ فقال الداعی: انی أردت أن أجرّبك، و جعل یمدحه فقال الشیخ:
لا تمدحنی علی خلق یوجد فی الكلاب، إذا دعی الكلب أجاب و إن زجر انزجر! توفی سنة ثمان و تسعین و مائتین.

حیزان‌

بلیدة ذات بساتین كثیرة و میاه غزیرة، من بلاد دیار بكر بقرب إسعرت.
بها الشاهبلوط، و لیس الشاهبلوط فی شی‌ء من بلاد الجزیرة و الشام و العراق إلّا بها. و البندق أیضا بها كثیر.

خاوران‌

ناحیة ذات قری بخراسان. بها خیرات كثیرة و ینسب إلیها الوزیر أبو علیّ شاذان، كان وزیرا لملوك بنی سامان، و بقی فی الوزارة مدّة طویلة حتی یوزّر الآباء و الأبناء منهم، و لطول مدّة وزارته قیل فیه:
و قالوا العزل للعمّال حیض‌نجاه اللّه من حیض بغیض
فإن یك هكذا، فأبو علیّ‌من اللّاتی یئسن من المحیض
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 361
و ینسب إلیها أسعد المیهنی. كان عالما فاضلا مشهورا بالعلم و العمل، مدرّسا للمدرسة النظامیّة ببغداد.
و ینسب إلیها الشیخ أبو سعید بن أبی الخیر. و هو الذی وضع طریقة التصوّف و بنی الخانقاه، و رتّب السفرة فی الیوم مرّتین، و آداب الصوفیّة كلّها منسوبة إلیه، و كذا الانقطاع عن الدنیا. ذكر فی مقاماته انّه قال: ان اللّه تعالی وكّل بی أسود علی عاتقه عصا، كلّما فترت عن الذكر تعرّض لی و قال لی: قل اللّه!
و حكی انّه كان لأبی سعید رفیق أوّل أمره فی طلب العلم، فلمّا كان آخره قال له ذلك الرفیق: بم وصلت؟ فقال له أبو سعید: أتذكر وقتا كنّا نقرأ التفسیر علی أستاذنا فلان؟ قال: نعم. قال: فلمّا انتهینا إلی قوله: قل اللّه ثم ذرهم فی خوضهم یلعبون. عملت بهذه الآیة!
و حكی انّه كان فی خدمته رجلان: كان لأحدهما مئزران، و الآخر لا مئزر علی رأسه، فوقع فی قلبه ان صاحب المئزرین یؤثر أحدهما له ثمّ منعه عن ذلك مانع، حتی كان ذلك ثلاث مرّات، فقال للشیخ: الخاطر الذی یخطر لنا من اللّه أو من أنفسنا؟ فقال: ان كان لخیر فمن اللّه و لا یخاطب فی مئزر أكثر من ثلاث مرّات. و مشایخ الصوفیّة كلّهم تلامذة أبی سعید، و آدابهم مأخوذة من أفعال رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم.
و ینسب إلیها الأنوری الشاعر، شعره فی غایة الحسن ألطف من الماء، شعره بالعجمیّة كشعر أبی العتاهیة بالعربیّة.

خراسان‌

بلاد مشهورة. شرقیها ما وراء النهر، و غربیها قهستان. قصبتها مرو و هراة و بلخ و نیسابور. و هی من أحسن أرض اللّه و أعمرها و أكثرها خیرا، و أهلها أحسن الناس صورة و أكملهم عقلا و أقومهم طبعا، و أكثرهم رغبة فی الدین و العلم. أخبرنی بعض فقهاء خراسان أن بها موضعا یقال له سفان به غار، من
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 362
دخله برأ من مرضه أیّ مرض كان.
و بها جبل كلستان. حدّثنی بعض فقهاء خراسان أن فی هذا الجبل كهفا شبه ایوان، و فیه شبه دهلیز یمشی فیه الإنسان منحنیا مسافة، ثمّ یظهر الضوء فی آخره و یتبیّن محوّط شبه حظیرة، فیها عین ینبع الماء منها و ینعقد حجرا علی شبه القضبان. و فی هذه الحظیرة ثقبة یخرج منها ریح شدیدة لا یمكن دخولها من شدّة الریح.
بها نهر الرّزیق بمرو، علیه سقی بساتینهم و زروعهم، و علیه طواحینهم.
و انّه نهر مبارك تبرّك به المسلمون فی الوقعة العظیمة التی كانت بین المسلمین و الفرس. قتل فیه یزدجرد بن شهریار آخر الأكاسرة فی زمن عمر بن الخطّاب.
و ذاك أن المسلمین كشفوا الفرس كشفا قبیحا، فمنعهم النهر عن الهرب و دخل كسری طاحونة تدور علی الرزیق لمّا فاته الهرب، و كان علیه سلب نفیس طمع الطحّان فی سلبه فقتله و أخذ سلبه.
بها عین فراوور، و فراوور اسم موضع بخراسان. حدّثنی بعض فقهاء خراسان قال: من المشهور عندنا أن من اغتسل بماء العین التی بفراوور، أو غاص فیه یزول عنه حمی الربع.
و ینسب إلیها أبو عبد الرحمن حاتم بن یوسف الأصمّ، من أكابر مشایخ خراسان، و كان تلمیذ شقیق البلخی، لم یكن أصمّ لكن تصامم فسمّی بذلك، و سببه أن امرأة حضرت عنده تسأله مسألة، فسبقت منها ریح فقال لها: إنی ثقیل السمع ما أسمع كلامك فارفعی صوتك! و إنّما قال ذلك لئلّا تخجل المرأة، ففرحت المرأة بذلك.
حكی عن نفسه انّه كان فی بعض الغزوات، فغلبه رجل تركیّ و أضجعه یرید ذبحه. قال: و لم یشتغل قلبی به بل انتظر ماذا حكی اللّه تعالی، قال: فبینا هو یطلب السكین من جفنه إذ أصابه سهم عرب قتله و قمت أنا. توفی سنة سبع و ثلاثین و مائتین.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 363
و ینسب إلیها الشیخ حبیب العجمی و كان من الابدال ظاهر الكرامات.
حكی ان حسنا البصری دخل علیه وقت صلاة المغرب، فدخل مسجدا لیصلّی فیه، و كان حبیب العجمی یصلّی فیه فكره أن یصلّی خلفه لكونه عجمیّا یقع فی قراءته لحن، فما صلّی خلفه. فرأی فی نومه: لو صلّیت خلفه لغفرنا ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر! ورئی حبیب فی النوم بعد وفاته فقیل له: ما فعل اللّه بك؟
فقال: ذهبت العجمة و بقیت النعمة.
و بها الثعلب الطیّار. ذكر الأمیر أبو المؤیّد بن النعمان أن بخراسان شعبا یسمّی بحرا، و من ناحیة بروان بها صنف من الثعلب له جناحان یطیر بهما، فإذا ابتدأ بالطیران یطیر مقدار غلوة سهم أو أكثر، ثمّ یقع و یطیر طیرانا دون الأوّل، ثمّ یقع و یطیر طیرانا دون الثانی.
و بها فارة المسك. و هو حیوان شبیه بالخشف حین تضعه الظبیة، تقطع منه سرّته فیصیر مسكا.

خرقان‌

مدینة بقرب بسطام، بینهما أربعة فراسخ، ینسب إلیها الشیخ أبو القاسم الخرقانی من المشایخ الكبار المذكور فی طبقاتهم. له بخرقان قبر ذكروا أن من حضر هناك یغلبه قبض شدید جدّا.

خوار

بلدة من بلاد قهستان بین الری و نیسابور. بها قطن كثیر یحمل منها إلی سائر البلاد. ینسب إلیها الجلال الخواری. كان واعظا عدیم النظیر فی زمانه صاحب النظم و النثر و البدیهة و القبول التام، عند الخواصّ و العوام. حكی أن السلطان طغرل بن أرسلان وصل إلی الری و عساكره أرسلوا خیلهم فی مزدرعاتهم، فذهب صدر الدین الوزّان و أخذ معه الجلال الخواری حتی یذكر عند السلطان
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 364
فصلا و یعرّفه حال المزارع. فلمّا دخل صدر الدین علی السلطان مع أصحابه تخلّف الجلال، منعه البوّاب، فلمّا دخلوا أرادوا الجلال لیتكلّم فقالوا: منعه البوّاب. فاستأذنوا له من السلطان فأذن، فلمّا دخل شرع فی الكلام. قال له السلطان: اجلس. فجلس و قال:
داعی دولتت كه بفرمان نشسته است‌انجا ببای بوذ كی دربان نشسته است
بروانه ز شمع سلاطین بذو رسیدكفتاكی اندر آی كه سلطان نشسته است
جون سجده كه بدیذم بروانه سهو كفت‌كه اسكندر بجای سلیمان نشسته است
دعوی همی كنم كه جو تو نیست در جهان‌و اینك كواه عدل كه وزان نشسته است
كر دستور تو كه جو موراند و جون ملخ‌بر خوشهاء و دانه دهقان نشسته است
باران عدل بار كه این خاك بیالهاست‌تا بر امید وعده باران نشسته است
أنشد هذه الأبیات ارتجالا، فتعجّب الحاضرون و استحسن السلطان ذلك، و أمر بإزالة التعرّض عن المزارع.

خواف‌

مدینة بخراسان بقرب نسا، كبیرة آهلة ذات قری و بساتین و میاه كثیرة.
ینسب إلیها الإمام أبو المظفر الخوافی مشهور بالفضل سیّما فی علم الجدل. و كان من خیار تلامذة إمام الحرمین، و كان إمام الحرمین تعجبه مناظرته و مطالبه الصحیحة و فنونه الدقیقة، فاختاره لمصاحبته و محادثته. حكی أن بعض الفضلاء حضر حلقة إمام الحرمین، و استدلّ استدلالا جیّدا و قام مشهورا، و كان الخوافی غیر حاضر، فلمّا حضر ذكر له ذلك فقال: ان المقدمة الفلانیة ممنوعة فكیف سلّمتموها؟ و ذهب إلی المستدلّ و طلب منه إعادة الدلیل، و ما قام من عنده حتی أفحمه.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 365

خوست‌

مدینة من بلاد الغور بقرب بامیان، حدّثنی أوحد المقری الغزنوی ان فی بعض السنین أصاب أهل هذه المدینة قحط، فوجدوا صنفا من الحبّ زرعوه و أكلوا منه ضرورة، فأصابهم مرض فی أرجلهم فصاروا جمیعا عرجا، فكان یأتی كلّ واحد بعصاتین.

دامسیان‌

من قری قزوین بینهما عشرة فراسخ، لأهل هذه القریة شبكة عظیمة جدّا و هی مشتركة بین أهل القریة: لأحدهم حبّة و لآخر نصف حبّة، و علی هذا یبیعونها و یشترونها و یرثونها. و فی كلّ سنة أو مرّتین ینصبون هذه الشبكة و یسوقون الصید إلیها، فإذا دخلت فیها سدّوا بابها و دخلوا فیها یرمونها بالنشاب و المقالع و العصی، فیدخلها شی‌ء كثیر من الصید، فیقسمونها فیما بینهم علی قدر ملكهم فی الشبكة و یقدّ دون لحومها.

دامغان‌

اشارة

اشارة

بلد كبیر بین الری و نیسابور كثیر الفواكه و المیاه و الأشجار؛ قال مسعر ابن مهلهل: الریاح لا تنقطع بها لیلا و نهارا.

من عجائبها مقسم للماء كسروی، یخرج ماؤه من مغارة ثمّ ینقسم إذا انحدر منه علی مائة و عشرین قسما لمائة و عشرین رستاقا، لا یزید أحد الأقسام علی الآخر و لا یمكن تألیفه إلّا علی هذه النسبة، و إنّه مستطرف جدّا.
و من عجائبها فلجة فی جبل بین دامغان و سمنان، تخرج منها فی وقت من السنة ریح لا تصیب أحدا إلّا أهلكته. و هذه الفلجة طولها فرسخ و عرضها نحو أربعمائة ذراع، و إلی فرسخین ینال المارّة أذاها لیلا و نهارا من إنسان أو
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 366
دابّة أو حیوان، و قلّ من یسلم منها إذا صادف زمانها.
و بها جبل؛ قال صاحب تحفة الغرائب: هو جبل مشهور علیه عین ان ألقی فیها نجاسة یهبّ هواء قویّ، بحیث یخاف منه الهدم و الخراب.
و بها عین یقال لها باذخانی؛ قال صاحب تحفة الغرائب: من أعمال دامغان قریة یقال لها كهن بها عین تسمّی باذخانی، إذا أراد أهل القریة هبوب الریح لتنقیة الحبّ عند الدیاس، أخذوا خرقة الحیض و رموها فی تلك العین فیتحرّك الهواء، و من شرب من ذلك الماء ینتفخ بطنه، و من حمل معه شیئا منه فإذا فارق منبعه یصیر حجرا.

داوردان‌

بلدة كانت من غربی واسط علی فرسخ منها؛ قال ابن عبّاس: وقع فیها طاعون فهرب منها عامّة أهلها و نزلوا ناحیة منها، فهلك بعض من أقام بها و سلم بعض. فلمّا ارتفع الطاعون رجع الهاربون فقال من بقی من المقیمین: أصحابنا الطاعنون احرم منّا، فلو وقع الطاعون مرّة أخری لنخرجن! فوقع الطاعون فی القابل فهربوا، و هم بضعة و ثلاثون ألفا، حتی نزلوا ذلك المكان، و كان واد أفیح، فناداهم ملك من أسفل الوادی و أعلاه أن موتوا، فماتوا عن آخرهم.
فاجتاز علیهم حزقیل النبیّ، علیه السلام، فسأل اللّه تعالی أن یحییهم فأحیاهم اللّه فی ثیابهم التی ماتوا فیها، فرجعوا إلی قومهم أحیاء، و یعرفون أنّهم كانوا موتی بوجوههم حتی ماتوا بآجالهم المحتومة، و ذلك قوله تعالی: ألم تر إلی الذین خرجوا من دیارهم و هم ألوف حذر الموت، فقال لهم اللّه موتوا فماتوا ثمّ أحیاهم! و بنوا فی الموضع الذی ذهبوا إلیه دیرا یسمّی دیر حزقیل، و سیأتی ذكره إن شاء اللّه تعالی.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 367

دور

قریة من قری بغداد من أعمال دجیل. ینسب إلیها یحیی بن محمّد بن هبیرة وزیر المقتفی. كان وزیرا ذا رأی و علم و دین و ثبات فی الأمور. حكی الوزیر و قال: تطاول علینا مسعود بن محمود السلجوقی، فعزم المقتفی أن یحاربه فقلت: هذا لیس بصواب! و لا وجه لنا إلّا الالتجاء إلی اللّه. فاستصوب رأیی فخرجت من عنده یوم الجمعة لأربع و عشرین من جمادی الأولی و قلت: ان النبیّ، علیه السلام، دعا شهرا فینبغی أن ندعو شهرا. ثمّ لازمت الدعاء كلّ لیلة إلی أن كان یوم الرابع و العشرین من جمادی الآخرة، فجاء الخبر بأن السلطان مات علی سریر ملكه و تبدّد شمل أصحابه، و أورثنا اللّه أرضهم و دیارهم.
حكی أنه قبل وزارته كان بینه و بین رجل بغدادی ساكن بالجانب الغربی صداقة، فسلّم الرجل إلی یحیی ثلاثمائة دینار و قال له: إذا أنا متّ جهزنی منها، و ادفنی بمقبرة معروف الكرخی، و تصدّق بالباقی علی الفقراء. فلمّا مات قام یحیی و جهزه و دفنه كما وصی و الذهب فی كمّه عائدا إلی الجانب الشرقی، قال:
فوقفت علی الجسر فسقط الذهب من كمّی فی الماء و هو مربوط فی مندیل، فضربت بیدی علی الأخری و حولقت، فقال رجل: ما لك؟ فحكیت له فخلع ثیابه و غاص، و طلع و المندیل فی فمه، فأخذت المندیل و أعطیته منها خمسة دنانیر، ففرح بذلك و لعن أباه، فأنكرت علیه فقال: انّه مات و أزوانی! فسألته عن أبیه فإذا هو ابن الرجل المیت فقلت: من یشهد لك بذلك؟ فأتی بمن شهد له انّه ابن ذلك المیت فسلّمت إلیه المال.
و كان كثیرا ما ینشد لنفسه:
یا أیّها النّاس، إنی ناصح لكم‌فعوا كلامی فإنی ذو تجاریب
لا تلهینّكم الدّنیا بزخرفهافما یدوم علی حسن و لا طیب!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 368
و حكی عبد اللّه بن زرّ قال: كنت بالجزیرة فرأیت فی نومی فوجا من الملائكة یقولون: مات اللیلة ولیّ من أولیاء اللّه! فتحدّثت بها و أرّختها، فلمّا رجعت إلی بغداد و سألت قالوا: مات فی تلك اللیلة الوزیر ابن هبیرة، رحمة اللّه علیه! و حكی عبد اللّه بن عبد الرحمن المقری قال: رأیت الوزیر ابن هبیرة فی النوم فسألته عن حاله فأجاب:
قد سئلنا عن حالنا فأجبنابعد ما حال حالنا و حجبنا
فوجدنا مضاعفا ما كسبناو وجدنا ممحّصا ما اكتسبنا

دوراق‌

بلدة بخوزستان. بها حمّات كثیرة یقصدها أصحاب العاهات؛ قال الشیخ عمر التسلیمی: إنّها عیون كثیرة تنبع فی جبل كلّها حارّة، فربّما یصعد منها دخان یلتهب، فتری شعلته أحمر و أخضر و أصفر و أبیض، و یجتمع فی حوضین أحدهما للرجال و الآخر للنساء، فمن نزل فیه یسیرا یسیرا ینتفع به، و من طفر فیه یحترق بطنه و ینتفّط.

دیار بكر

ناحیة ذات قری و مدن كثیرة بین الشام و العراق. قصبتها الموصل و حرّان و بها دجلة و الفرات.
من عجائبها عین الهرماس و هی بقرب نصیبین علی مرحلة منها، و هی مسدودة بالحجارة و الرصاص لئلّا یخرج منها ماء كثیر فتغرق المدینة. حكی أن المتوكل علی اللّه لمّا وصل إلی نصیبین سمع بأمر هذه العین و عجیب شأنها و كثرة مائها، فأمر بفتح بعضها ففتح منها شی‌ء یسیر، فغلب الماء غلبة عظیمة فأمر فی الحال بسدّها وردّها إلی ما كانت، فمن هذه العین تحصل عین الهرماس و تسقی نصیبین، و فاضلها ینصب إلی الخابور ثمّ إلی الثرثار ثمّ إلی دجلة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 369

دیر الجبّ‌

دیر بین الموصل و إربل، یقصده الناس لدفع الصرع فیبرأ منهم كثیر.

دیر الجودی‌

و هو دیر مبنی علی قلّة الجودی، و هو جبل استوت علیه سفینة نوح، علیه السلام؛ قیل: انّه مبنیّ منذ أیّام نوح و لم تجدّد عمارته إلی هذا الوقت، زعموا أن سطحه یشبر فیكون عشرین شبرا مثلا، ثمّ یشبر فیكون اثنین و عشرین، ثمّ یشبر فیكون ثمانیة عشر، فكلّما شبر اختلف عدده.

دیر حزقیل‌

دیر مشهور بین البصرة و عسكر مكرم، و هو بالموضع الذی ذهب إلیه أهل داوردان الذین خرجوا من دیارهم، و هم ألوف، حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا فماتوا ثمّ أحیاهم. فبنوا ذلك الموضع دیرا، و هو منسوب إلی حزقیل النبیّ، علیه السلام؛ حكی أبو العبّاس المبرّد قال: اجتزت به فقلت لأصحابی: أرید أن أدخله. فدخلناه فرأینا منظرا حسنا و إذا فی بعض بیوته كهل مشدود حسن الصورة، علیه آثار النعمة، فسلّمنا علیه فردّ علینا السلام و قال:
من أین أنتم یا فتیان؟ قلنا: من البصرة. فقال: ما أقدمكم هذا البلد الغلیظ هواؤه الثقیل ماؤه الجفاة أهله؟ قلنا: طلب العلم. قال: جیّد! أتنشدوننی أم أنشدكم؟ قلنا: أنشدنا. فأنشد:
لمّا أناخوا قبیل الصّبح عیسهم‌و ثوّروها فسارت بالهوی الإبل
و أبرزت من خلال السّجف ناظرهاترنو إلیّ و دمع العین منهمل
و ودّعت ببنان خلته عنمافقلت: لا حملت رجلاك یا جمل!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 370 إنی علی العهد لم أنقض مودّتهم‌یا لیت شعری بطول العهد ما فعلوا؟
فقال له فتی من المجان كان معنا: مات! قال: أفأموت أنا أیضا؟ قال له:
مت راشدا! فتمطّی و قضی نحبه.

دیر الخنافس‌

قال الخالدی: هذا الدیر بغربی دجلة بقرب الموصل علی قلّة جبل شامخ، و هو دیر صغیر لا یسكنه أكثر من راهبین، و هو نزه لعلوه علی الضیاع و إشرافه علی أنهار نینوی. و له عید فی كلّ عام مرّة، یقصده أهل تلك الضیاع ثلاثة أیّام تسوّد حیطانه و سقوفه و فرشه من الخنافس الصغار اللواتی كالنمل، فإذا انقضت تلك الأیّام لا یوجد فی تلك الأرض من تلك الخنافس واحدة. فإذا علم الرهبان بدنو تلك الأیّام یخرج ما فی الدیر من القماش، و هذا أمر مشهور هناك یعرفه أهل تلك الناحیة.

دیر سعید

بغربی الموصل، و هو دیر حسن البناء واسع الفناء، یكتسی أیّام الربیع طرائف الأزهار و غرائب الأنوار. و لتربتها خاصّیة عجیبة فی دفع أذیة لدغ العقارب، حتی لو ذرّت فی بیتها ماتت.

دیر العذاری‌

بین الموصل و باجرمی، و هو دیر قدیم به نساء عذاری قد ترهبّن و أقمن به للعبادة. حكی أبو الفرج الأصفهانی انّه بلغ بعض الملوك ان فیهنّ نساء ذوات جمال، فأمر بحملهن إلیه لیختار منهن ما شاء، فبلغهن ذلك فقمن لیلتهن یصلّین و یستكفین شرّه. فطرق ذلك الملك طارق أبلغه من لیلته فأصبحن صیاما، فلذلك تصوم النصاری صوم العذاری إلی الآن.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 371
و حكی الجاحظ أن فتیانا من ثعلبة أرادوا القطع علی مال یمرّ بهم بقرب دیر العذاری، فجاءهم من أخبرهم أن السلطان قد علم بهم و بعث الخیل فی طلبهم، فاختفوا فی دیر العذاری إلی أن عرفوا أن الخیل رجعت من الطلب فأمنوا، فقال بعضهم: ما الذی یمنعكم أن تأخذوا هذا القسّ و تشدّوه وثیقا، ثمّ یخلو كل واحد منكم بواحدة من هؤلاء الأبكار، فإذا طلع الفجر تفرّقتم فی البلاد؟ ففعلوا ما أجمعوا علیه فوجدوا كلّهن ثیّباب فرع القسّ منهن قبلهم، فقال بعضهم:
و دیر العذاری فضوح لهنّ‌و عند القسوس حدیث عجیب
خلونا بعشرین صوفیّةو مسّ الرّواهب أمر غریب
إذا هنّ یزهرن زهر الظرّاف‌و باب المدینة فجّ رحیب
و قد بات بالدّیر لیل التّمام‌فحول صلاب و جمع مهیب
و للقسّ حزن یهیض القلوب‌و وجد یدلّ علیه النّحیب
و قد كان عیرا لذی عانةفصبّ علی العیر لیث هبوب

دیر القیّارة

بقرب الموصل فی الجانب الغربی مشرف علی دجلة، تحته عین تفور بماء حارّ، یصبّ فی دجلة و یخرج معه القار، فما دام القار فی مائة فهو لین، فإذا فارق الماء و برد جفّ. و یحصل منها قیر كثیر یحمل إلی البلاد، و أهل الموصل یقصدون هذا الموضع للنزه، و یستحمّون بهذا الماء فإنّه یقلع البثور و ینفع من أمراض كثیرة.

دیر كردشیر

فی وسط مفازة معطشة مهلكة بین الری و القم. لولا هذا الدیر لم یتیسّر قطعها. بناها أردشیر بن بابك، و هو حصن عظیم هائل البناء عالی السور، مبنی بآجرّ كبار، و فیه أبنیة و آزاج و عقود، و صحنه قدر جریبین أو
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 372
أكثر. و حوله صهاریج منقورة فی الحجارة واسعة، تشرب السابلة منها طول السنة. و علی بعض أساطینه مكتوب: كلّ آجرّة من هذا الدیر تقوم بدرهم و ثلثین و ثلاثة أرطال خبز، و دانق توابل و قنّینة خمر، فمن صدق فبذلك، و إلّا فلینطح رأسه بأیّ أركانه شاء.

دیر متّی‌

بشرقی الموصل علی جبل شامخ، من أشرفه ینظر إلی جمیع رستاق نینوی.
و هو دیر عجیب البناء، أكثر بیوته منقورة فی الصخر، فیه نحو مائة راهب لا یأكلون إلّا جمعا فی بیت الشتاء أو بیت الصیف، و هما منقوران فی صخر، كلّ بیت منهما یسع جمیع الرهبان، و فی كلّ بیت عشرون مائدة منقورة من الصخر، و فی ظهر كلّ واحدة منها بویت علیه باب مغلق، فیه آلة المائدة من غضارة و ظروفیة و سكرجة، لا تختلط آلة هذه بآلة هذه. و لرأس الدیر مائدة لطیفة علی دكّان فی صدر البیت یجلس إلیها وحده. و كلّ ذلك منحوت من الحجر ملصق بالأرض.

دیر مر توما

بمیّافارقین علی فرسخین منها فی جبل عال. له عید یجتمع الناس إلیه و ینذر له النذور، و مر توما شاهد فیه، تزعم النصاری أن له ألف سنة و زیادة، و انّه ممّن شاهد عیسی، علیه السلام، و هو فی خزانة خشب لها أبواب تفتح أیّام أعیادهم، فیظهر نصفه الأعلی و هو قائم.

دیر مر جرجیس‌

علی جبل عال بقرب جزیرة ابن عمر. علی بابه أشجار لا یدری ما هی، لها ثمرة شبیهة باللّوز طیّبة الطعام، و بها زرازیر لا تفارقه صیفا و لا شتاء،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 373
و لا یقدر أحد علی صید شی‌ء منها البتّة، و باللیل یظهر حوله أفاع، لا یستطیع أحد أن یسیر فی جبله لیلا من كثرة الأفاعی؛ كلّ ذلك عن الخالدی.

رأس العیس‌

مدینة بین حرّان و نصیبین فی فضاء من الأرض، بها عیون كثیرة عجیبة صافیة، تجتمع كلّها فیصیر نهر الخابور، و أشهرها عین الصرار، فإنّها لصفاء مائها تبین الحصاة فی قعرها، و عمقها أكثر من عشرة أذرع، نثر المتوكّل فیها عشرة آلاف درهم فأخرجها أهل المدینة جمیعا، ما ضاع منها درهم، و منبع هذا الماء من صخر صلد یخرج منه ماء كثیر بقوّة.

رحبة الشّام‌

مدینة مشهورة، ینسب إلیها أبو جابر الرحبی، كان من أصحاب الكرامات الظاهرة. حكی أبو جابر قال: رأیت أهل الرحبة ینكرون كرامات الأولیاء، فركبت سبعا ذات یوم و دخلت المدینة و قلت: أین الذین ینكرون كرامات الأولیاء؟

روذبار

بلاد بأرض الجبال، كلّها جبال و وهاد و أشجار و میاه، و عماراتها قری و قلاع حصینة و سكّانها دیالم.
ینسب إلیها أبو علیّ أحمد بن محمّد الروذباری، أصله من روذبار و سكن بغداد و سمع الحدیث من إبراهیم الحربی، و أخذ الفقه من أبی العبّاس بن شریح، و الأدب من ثعلب، و صحب الجنید. حكی أبو منصور معمر الأصفهانی انّه قال: سمعت أبا علیّ الروذباری انّه قال: أنفقت علی الفقراء كذا و كذا ألفا، و ما جعلت یدی فوق ید فقیر بل كانوا یأخذونه منی و یدهم فوق یدی. توفی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 374
بمصر سنة اثنتین و عشرین و ثلاثمائة.
و ینسب إلیها أبو عبد اللّه أحمد بن عطاء الروذباری. كان ابن أخت أبی علی، حكی انّه كان راكبا علی جمل فغاصت رجله فی الرمل فقال: جلّ اللّه! فقال الجمل أیضا: جل اللّه! و حكی أنّه دعی یوما هو و أصحابه إلی دعوة، فإذا هم یمشون علی الطریق فقال إنسان: هؤلاء الصوفیة مستحلّون أموال الناس! و بسط لسانه فیهم و قال: ان واحدا منهم استقرض منی مائة درهم و لم یردها إلیّ، و لست أدری أین أطلبه؟ فقال أبو عبد اللّه لصاحب الدعوة و كان محبّا له و لهذه الطائفة: ائتنی بمائة درهم! فأتی بها فقال لبعض أصحابه: احمل إلی ذلك الإنسان و قل له ان هذا الذی استقرض منك بعض أصحابنا، و قد وقع لنا خبره عذر.

روذ راور

كورة بقرب همذان علی ثلاثة فراسخ منها. و هی ثلاث و تسعون قریة متّصلة المزارع، ملتفّة الجنان مطّردة الأنهار. فی أشجارها جمیع أنواع الفواكه لطیب تربتها و عذوبة مائها و لطافة هوائها. أرضها تنبت الزعفران و لیس فی جمیع الأرض موضع ینبت به الزعفران إلّا أرض روذراور، منها یحمل إلی جمیع البلاد.

رویان‌

ناحیة بین طبرستان و بحر الخزر من بلاد مازندران، ینسب إلیها الإمام فخر الإسلام أبو المحاسن الرویانی، و هو أوّل من أفتی بإلحاد الباطنیّة لأنّهم كانوا یقولون: لا بدّ من معلّم یعلّم الناس الطریق إلی اللّه، و ذلك المعلّم یقول:
لا یجب علیكم إلّا طاعتی، و ما سوی ذلك فإن شئتم فافعلوا و إن شئتم لا تفعلوا.
فالشیخ جاء إلی قزوین و أفتی بإلحادهم، و وصّی لأهل قزوین أن لا یكون بینهم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 375
و بین الباطنیّة اختلاط أصلا، و قال: إن وقع بینكم اختلاط فهم قوم عندهم حیل یخدعون بعضكم، و إذا خدعوا بعضكم وقع الخلاف و الفتنة. فالأمر كان علی ما أشار إلیه فخر الإسلام، إن جاء من ذلك الجانب طائر قتلوه، فلمّا عاد إلی رویان بعثوا إلیه الفدائیّة و قتلوه. عاش حمیدا و مات شهیدا.

الرّیّ‌

مدینة مشهورة من أمّهات البلاد و أعلام المدن، كثیرة الخیرات وافرة الغلّات و الثمرات قدیمة البناء؛ قال ابن الكلبی: بناها هوشنج بعد كیومرث.
و قال غیره: بناها راز بن خراسان لأن النسبة إلیها رازی. و هی مدینة عجیبة فی فضاء من الأرض، و إلی جانبها جبل أقرع لا ینبت شیئا یقال له طبرك.
قالوا: انّه معدن الذهب، إلّا ان نیله لا یفی بالنفقة علیه و لهذا تركوا معالجته.
و دور هذه المدینة كلّها تحت الأرض، و دورهم فی غایة الظلمة و صعوبة المسلك، و إنّما فعلوا ذلك لكثرة ما یطرقهم من العساكر، فإن كانوا مخالفین نهبوا دورهم، و إن كانوا موافقین نزلوا فی دورهم غصبا، فاتّخذوا مسالك الدور مظلمة لیسلموا من ذلك.
و الناس یحفرون بها یجدون جواهر نفیسة و قطاع الذهب، و بها كنوز فی كلّ وقت یظهر منها شی‌ء، لأنّها ما زالت موضع سریر الملك. و فی سنة أربع عشرة و ستّمائة فی زمن ایلقلمش ظهر بها حباب كان فیها دنانیر عجیبة، و لم یعرف انّها ضرب أی ملك، و ذكر انّها خربت مرارا بالسیف و الخسف.
و قال جعفر بن محمّد الرازی: لمّا ورد المهدی فی خلافة المنصور بنی المدینة التی بها الناس الیوم، علی ید عمّار بن الخصیب، و تمّت عمارتها سنة ثمان و خمسین و مائة، و میاه هذه المدینة جاریة فی نفس المدینة، لكنها من أقذر المیاه لأنّهم یغسلون فیها جمیع النجاسات، و تمشی إلیها میاه الحمّامات، و أهل المدینة لا یأخذون منها إلّا نصف اللیل لأنّه فی هذا الوقت یصفو عن النجاسات
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 376
التی تلقی فیه. و هواؤها فی فصل الخریف سهام مسمومة، قلّما تخطی‌ء سیما فی حقّ الغرباء، فإن الفواكه فی هذا الوقت بها كثیرة رخیصة كالتین و الخوخ و العنب، فإن العنب لا یقدرون علی تحصیله إلی الشتاء. و بها نوع من العنب یسمّونه الملاحی، حبّاته كحبّات البسر و عنقوده كعذق التمر، ربّما یكون مائة رطل. هذا النوع یبقی إلی الشتاء، و یحمل من الری إلی قزوین طول الشتاء، و مع كبر حبّاته قشره رقیق و طعمه طیّب. و بها نوع آخر من العنب شبیه الرازقی إلّا أن ثجیره ضعیف جدّا، إذا قطفوه تركوه فی الظلّ حتی یتزبّب و یكون زبیبه طیّبا جدّا، یحمل إلی سائر البلاد.
و یجلب من الری طین یغسل به الرأس فی غایة النعومة، یحمل هدیة إلی سائر البلاد. و صناع المشط بالری لهم صنعة دقیقة، یعملون أمشاطا فی غایة الحسن تحمل هدیة إلی البلاد. و الآلات و الأثاث المتّخذة من الخشب الخلنج خشبها بطبرستان یتّخذون منها هناك، و هی خشبة لا لطف فیها، و یحملونها إلی الری فیتركها أهل الری فی الخرط مرّة أخری، و یلطّفونها ثمّ یزوّقونها بأنواع التزاویق من الری تحمل إلی جمیع البلاد.
و أهل الری شافعیّة و حنفیّة. و أصحاب الشافعی أقلّ عددا من أصحاب أبی حنیفة، و العصبیّة واقعة بینهم حتی أدّت إلی الحروب، و كان الظفر لأصحاب الشافعی فی جمیعها مع قلّة عددهم. و الغالب علی أهل الری القتل و السفك، و معهم شی‌ء من الأریحیّة، من ذلك حكی أن رجلا من أرباب الثروة كان جارا لبعض العیّارین، فجاء وقت وضع حمل زوجة صاحب الثروة، و من عادتهم أنّهم یزیّنون الدار فی هذا الوقت و یظهرون الأثاث و القماش، فلمّا أمسوا و كان لهم داران اجتمعوا كلّهم عند صاحبة الطلق و خلت الدار الأخری، فقال العیار: ما منعكم أن تنزلوا و تجمعوا جمیع ما فی هذه الدار؟ فنزلوا و أصعدوا جمیع ما فیها إذ سمعوا ضجیج النساء یقلن: وضعت غلاما! فقال العیار لأصحابه:
إن هؤلاء فرحوا بهذا المولود، و إذا أحسّوا بالقماش یتبدّل فرحهم بالترح
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 377
و یعدّون الولد شؤما. ردوا القماش إلیهم لیزداد فرحهم و یكون المولود میمون النقیبة. فقالوا للقوم: خذوا قماشكم فإنّا رددناها لأجل هذا المولود.
و ینسب إلیها الإمام العلّامة أبو عبد اللّه محمّد بن عمر الرازی، إمام الوقت و نادرة الدهر و أعجوبة الزمان:
لقد وجدت مكان القول ذا سعةفإن وجدت لسانا قائلا فقل
ذكر أبو القاسم علیّ بن حسن بن عساكر عن أبی هریرة عن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، انّه قال: إن اللّه تعالی یبعث لهذه الأمّة فی كلّ مائة سنة من یجدّد لها دینها. قال: فكان علی رأس المائة الأولی عمر بن عبد العزیز، و علی الثانیة محمّد بن ادریس الشافعی، و علی رأس المائة الثالثة أبو العبّاس أحمد ابن شریح، و علی رأس المائة الرابعة القاضی أبو بكر محمّد بن الطیب الباقلانی، و علی رأس الخامسة أبو حامد محمّد بن محمّد الغزّالی، و علی رأس المائة السادسة أبو عبد اللّه محمّد بن عمر الرازی.
حكی أن فخر الدین الرازی ورد بخاری، و حضر حلقة رضی الدین النیسابوری، و كان فی حلقته أربعمائة فاضل مثل ركن الدین العمیدی و ركن الدین الطاووسی و من كان من طبقاتهم و من كان دونهم، و استدلّ فی ذلك المجلس فلم یبق من القوم إلّا من أورد علیه سؤالا أو سؤالین، فأعادها كلّها، فلمّا قال: و الاعتداد عن هذه الفوائد، قال رضی الدین: لا حاجة إلی الجواب فإنّه لا مزید علی هذا. و تعجّب القوم ضبطه و إعادته و ترتیبه. و حكی انّه قبل اشتهاره ذهب إلی خوارزم مع رسول، فقال أهل خوارزم للرسول: سمعنا ان معك رجلا فاضلا نرید أن نسمع منه فائدة، و كانوا فی الجامع یوم الجمعة بعد الصلاة، فأشار الرسول إلی فخر الدین بذلك، فقال فخر الدین: افعل ذلك بشرط أن لا یبحثوا إلّا موجها. فالتزموا ذلك. فقال: من أی علم تریدون؟
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 378
قالوا: من علم الكلام فإنّه دأبنا. قال: أی مسألة تریدون؟ اختاروا مسألة شرع فیها و قررها بأدنی زمان، و كان هناك من العوامّ خلق كثیر و عوامّ خوارزم متكلّمة كلّهم عرفوا أن فخر الدین قرر الدلیل و غلبهم كلّهم. فأراد مرتّب القوم أن یخفی ذلك محافظة لمحفل الرئیس فقال: قد طال الوقت و كثرت الفوائد. الیوم نقتصر علی هذا، و تمامه فی مجلس آخر فی حضرة مولانا. فقال فخر الدین: أیّها الخوارزمی إن مولانا لا یقوم من هذا المجلس إلّا كافرا أو فاسقا، لأنی ألزمته الحكم بالحجّة، فإن لم یعتقد فهو كافر علی زعمه، و ان اعتقد و لم یعترف به فهو فاسق علی زعمه.
و حكی انّه ورد بخاری، و سمع أن أحدا من أهل بخاری ذكر اشكالات علی إشارات أبی علیّ، فلمّا ورد فخر الدین بخاری أوصی لأصحابه أن لا یعرضوا ذلك علی فخر الدین، فقال فخر الدین لأحد من أصحاب الرجل: اغزنی لیلة واحدة. ففعل فضبطها كلّها فی لیلة واحدة، و قام و ذهب إلیه أوّل النهار و قال له: سمعت أنّك أوردت الاشكالات علی أبی علیّ، فمعنی كلام أبی علی هذا كیف تورد علیه الاشكال حتی أتی علی جمیعها، ثمّ قال له: أما تتقی اللّه فهو كلام الرجل ما تعرف و تفسرها من عندك تفسیرا فاسدا و تورد علیه الاشكال؟ فقال الرجل: أظنّ انّك الفخر الرازی! فقال: ما أخطأت فی هذا الظنّ! و قام و خرج.
و حكی انّه كان یعظ علی المنبر بخوارزم و عوامّ خوارزم كلّهم متكلّمة یبحثون بحثا صحیحا، و كان یأتی بمسألة مختلفة بین المعتزلة و الأشاعرة، ثمّ یقررها تقریرا تامّا و یقول: أئمّة المعتزلة لا یقدرون علی مثل هذا التقریر. و یقول لهم:
أما هذا تقریر حسن؟ یقولون: نعم. فیقول: اسمعوا إبطاله! فیبطله بأدلّة أقوی منها، فالمعتزلة عزموا علی ترك الاعتزال لأن الواجب علیهم اتباع الدلیل، فقال لهم مشایخهم: لا تخالفوا مذهبكم فإن هذا رجل أعطاه اللّه فی التقریر قوّة عجیبة، فإن هذا لقوته. لا لضعف مذهبكم.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 379
و حكی انّه كان علی المنبر فنقل شیئا من التوراة فقالوا له: كیف عرفت انّه فی التوراة؟ فقال: أی سفر شئتم عیّنوا حتی أقرأه علیكم! و جاءته حمامة خلفها باشق یرید صیدها، فدخلت الحمامة خلف ظهر الشیخ فقال بعض الحاضرین:
جاءت سلیمان الزّمان بشجوهاو الموت یلمع من جناح الخاطف
من عرف الورقاء أنّ جنابكم‌حرم، و أنّك مأمن للخائف؟
فالشیخ خلع علیه قمیصه و عمامته. توفی عید الفطر سنة ستّ و ستمائة.
و ینسب إلیها أبو إسحق إبراهیم بن أحمد الخوّاص. كان من أقران الجنید و النوری. كان إبراهیم متوكّلا یمشی فی أسفاره بلا زاد، و حكی منصور ابن عبد اللّه الهروی قال: كنت مع قوم فی مسجد رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، نتحدّث فی كرامات الأنبیاء، و معنا رجل مكفوف یسمع حدیثنا، فلمّا فرغنا قال: آنسكم اللّه فإنی أنست بحدیثكم، فاسمعوا عنی أیضا حدیثا عجیبا. قال: كنت رأیت قبل عمای رجلا غریبا یخرج من المدینة یمشی مسرعا، فمشیت خلفه حتی أدركته، قلت له: اخلع ثیابك! فقال لی: اذهب حتی لا یصیبك ضرر! فشددت علیه و كلفته خلع ثیابه، فدفعنی مرارا بالكلام فأبیت إلّا خلع الثیاب. فلمّا علم انی لست أندفع عنه أشار إلیّ عینیّ فعمیتا، و ذهب عنی فبتّ تلك اللیلة فرأیته فی النوم فقلت: یا عبد اللّه و حقّ من أكرمك هذه الكرامة من أنت؟ قال: إبراهیم الخواص!
و حكی الخواص، رحمة اللّه علیه: انتهیت إلی رجل صرعه الشیطان فجعلت أؤذن فی أذنه، فنادانی الشیطان من خوفه یقول: دعنی أقتله، فإنّه یقول: القرآن مخلوق! و حكی بعضهم قال: صحب الخواص مع اثنین فانتهینا إلی مسجد فی المفازة فأوینا إلیه، و كان الوقت شاتیا و المسجد لا باب له، فلمّا أصبحنا وجدنا إبراهیم واقفا علی باب المسجد یستر الباب ببدنه، قال:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 380
خشیت أن تجدوا البرد فسترت الباب ببدنی.
و حكی الخواص، رحمه اللّه، قال: رافقنی فی بعض أسفاری راهب فمضینا أسبوعا ما أكلنا. فقال لی الراهب: یا راهب الحنفیة، هات إن كان عندك انبساط، فقد بلغنا فی الجوع! فقلت: اللهمّ لا تفضحنی عند هذا الكافر! فرأیت طبقا فیه خبز و شواء و رطب و ماء، فأكلنا و مشینا أسبوعا آخر، فقلت:
یا راهب النصاری، هات إن كان عندك انبساط فالنوبة لك! فدعا فرأیت طبقا فیه أكثر مما كان علی طبقی، فتحیّرت و أبیت أن آكل منها، فقال لی الراهب:
كل فإنی أبشرك ببشریین: أحدهما أنی أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أن محمّدا رسول اللّه، و الثانی انی قلت یا رب ان كان لهذا الرجل خطر فافتح علیّ فتحا! فأكلنا و مشینا إلی مكّة، فأقام بها مدّة ثمّ توفی بها و دفن فی البطحاء.
و حكی إبراهیم قال: فی بعض أسفاری انتهیت إلی شجرة قعدت تحتها، فإذا سبع هائل یأتی نحوی، فلمّا دنا منی رأیته یعرج، فإذا یده منتفخة و فیها فنخ، فهمهم و تركها فی حجری، و عرفت انّه یقول: عالج هذه! فأخذت خشبة فتحت بها الفنخ ثمّ شددته بخرقة خرقتها من ثوبی، فغاب ثمّ جاءنی و معه شبلان یبصبصان و رغیف تركه عندی و مشی.
و حكی إبراهیم، رحمه اللّه، قال: ركبت البحر مرّة، فجاءنا ریح عاصف یمشی بالمركب علی غیر اختیارنا، فالركاب كانوا یدعون اللّه تعالی و كلّ واحد ینذر نذرا، و أنا قلت: ان نجانی اللّه تعالی من هذه لا آكل لحم الفیل! هكذا جری علی لسانی، فالریح رمتنا إلی جزیرة فرأینا فی الجزیرة ولد فیل، فالقوم أخذوه و ذبحوه و جعلوا یأكلونه، فأشاروا إلیّ بأكله فأبیت أن آكل لأجل النذر. فأكل القوم كلّهم من لحم ولد الفیل، فلمّا كان اللیل جاء الفیل فما وجد الولد، فرأی القوم فجعل یشمّ واحدا واحدا و یحطمه بخفّه حتی فرغ عن الكلّ، فأنا وقعت علی وجهی حتی لا أراه و أیقنت بالهلاك. فلمّا شمّنی لفّ خرطومه علیّ و حملنی علی ظهره و جعل یمشی طول اللیل بی، فلمّا أصبحت
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 381
وصل إلی بیش فتركنی هناك و مضی.
و حكی أبو حامد الأسود قال: سافرت مع الخواص ذات مرّة، فانتهینا إلی ظلّ شجرة، فأقبل إلینا سبع هائل، فصعدت الشجرة خوفا و إبراهیم نام تحت الشجرة، فجاء السبع فشمّه من رأسه إلی قدمه و ذهب، فلمّا كانت اللیلة أوینا إلی مسجد فوقعت بقّة علی إبراهیم فأنّ أنینا، فقلت له: هذا عجب! البارحة ما كنت تئنّ من أسد، و الآن تئنّ من بقّة؟ فقال: هذه الحالة غیر تلك الحالة، البارحة كنت باللّه و اللیلة أنا بنفسی! و حكی أن الخواص، رحمة اللّه علیه، لمّا دنت وفاته طلب الماء و توضّأ و توفی سنة إحدی و تسعین و مائتین، فرئی بعد وفاته فی النوم فقیل له: ما فعل اللّه بك؟ فقال: أثابنی علی كلّ عمل عملته ثمّ أنزلنی منزلا فوق منازل أهل الجنّة و قال: یا إبراهیم هذا المنزل بسبب انّك قدمت إلینا بالطهارة!
و ینسب إلیها یحیی بن معاذ الرازی. كان شیخ الوقت و صاحب اللسان فی الوعظ و القبول عند الناس، إلی أن اتّصل بزین العارفین أبی یزید البسطامی، فرأی من حالاته ما تحیّر فیها، فعلم أن الفضل بید اللّه یؤتیه من یشاء، فلازم خدمته و ذكر عنه حكایات عجیبة.
و حكی انّه رأی بایزید من بعد صلاة العشاء إلی طلوع الفجر مستوفزا علی صدور قدمیه، رافعا أخمصیه ضاربا بدفّیه علی صدره، شاخصا بعینیه لا یطرف، ثمّ سجد عند الفجر فأطال ثمّ قعد و قال: اللهمّ إن قوما طلبوك فأعطیتهم المشی علی الماء و المشی علی الهواء فرضوا منك بذلك، و إنی أعوذ بك من ذلك، و إنّ قوما طلبوك فأعطیتهم كنوز الأرض و رضوا بذلك، و إنی أعوذ بك من ذلك، و إن قوما طلبوك فأعطیتهم طی الأرض فإنّهم رضوا بذلك، و انی أعوذ بك من ذلك، حتی عدّ نیفا و عشرین مقاما من مقامات الأولیاء، ثمّ التفت إلیّ فرآنی فقال: یحیی! قلت: نعم یا سیّدی! فقال: منذ متی أنت هنا؟ قلت:
منذ حین. فسكت فقلت: یا سیّدی حدّثنی بشی‌ء. فقال: أحدّثك بما یصلح
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 382
لك، ادخلنی فی الفلك الأسفل فدورنی فی الملكوت السفلی و أرانی الأرض و ما تحتها إلی الثری، ثمّ أدخلنی فی الفلك العلوی فطوف فی السموات و أرانی ما فیها من الجنان إلی العرش، ثمّ أوقفنی بین یدیه و قال: سلنی أی شی‌ء رأیت حتی أهبه لك! فقلت: یا سیّدی ما رأیت شیئا استحسنته فأسألك إیّاه. فقال:
أنت عبدی حقّا بعبدی لأجلی صدقا لأفعلن بك و لأفعلن! و ذكر أشیاء؛ قال یحیی: فهالنی ذلك و امتلأت به و عجبت منه فقلت: یا سیّدی لم ما سألته المعرفة به و قد قال لك سلنی ما شئت؟ قال: فصاح فیّ صیحة و قال لی: اسكت! و یلك غرت علیه منی؟ لا أحبّ أن یعرفه سواه.
و حكی أن من لطف اللّه تعالی فی حقّ یحیی انّه تكلّم ببلخ و فضّل الغنی علی الفقر، فأعطی ثلاثین ألف درهم، فسمع بعض المشایخ ذلك فقال: ما أعجبه لا بارك اللّه له فی هذا المال! فخرج من بلخ یرید نیسابور، فوقع علیه اللصوص و أخذوا منه المال. و حكی یحیی انّه. دخل المسجد فوقعت جنیة علی باب المسجد فقلت: ان ذلك لذنب منی، حتی تذكّرت انی قدمت رجلی الیسری، فقلت:
تبت لا أعود إلی مثله! فنودیت: یا یحیی أدركت سوء الأدب بحسن المعذرة فأدركناك بالفضل و المغفرة. توفی سنة ثمان و خمسین و مائتین.

زاوه‌

كورة بخراسان. ینسب إلیها الشیخ حیدر و هو رجل مشهور، كان عجیب الشأن: فی الصیف یدخل فی النار، و فی الشتاء یدخل فی وسط الثلج، و الناس من الأطراف یقصدونه لرؤیة هذا الأمر العجیب. فمن رآه علی تلك الحالة لا یملك نفسه أن یترك الدنیا و یلبس اللباد و یمشی حافیا، و سمعت أن كثیرا ما یأتی الأمراء و أرباب الدنیا فكلّما رأوه رموا أنفسهم من الفرس و لبسوا اللباد. و لقد رأیت من الأتراك ممالیك فی غایة الحسن و قد لبسوا اللباد یمشون حفاة؛ قالوا: انّهم أصحاب حیدر!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 383
و حكی بعض المتصوفة أن الشیخ رئی یوما فوق قبّة عالیة لا یمكن صعودها، فتعجّبوا منه كیف صعد إلیها، ثمّ انّه جعل ینزل منها كما یمشی أحدكم علی الأرض المستویة!
و كان هذا الشیخ باقیا إلی مجی‌ء التتر سنة سبع عشرة و ستمائة.

زرّاعة

قریة فی شرقی الموصل قرب باعشیقا، بها عین النیلوفر، و هی عین فوارة یجتمع فیها ماء كثیر، ینبت فی ذلك الماء النیلوفر و یعدّ نوعا من أنواع دخل القریة، و یضمنه العامل فی القریة بمال.

ززّ

كورة بهمذان یجلب منها الززی، و هی ثمرة عجیبة مشهورة تربّی بالخلّ، لها منافع كثیرة، و یكون طعم خلّه طیّبا جدّا و لا یوجد فی جمیع البلاد إلّا هناك، و منها یحمل إلی سائر البلاد.

زنجان‌

مدینة مشهورة بأرض الجبال بین أبهر و خلخال، جادّة الروم و خراسان و الشام و العراق، لا تزال الحرامیة كامنة حوالیها. و البلدة فی غایة الطیب، و أهلها أحسن الناس صورة و ظرافة و بذلة.
و فی جبالها معادن الحدید و یحمل منها إلی البلاد، و إذا وقع عندهم جدب لا یبیعون الخبز إلّا مع الحدید، فمن أراد شری الخبز یزن ثمن الخبز و المسامیر.
و حكی انّه وصل إلیها قفل آخر النهار فقال بعضهم لبعض: المصلحة أن لا نبیت هاهنا و نرحل، حتی إذا كان الغد بعدنا عن هذه الأرض. فدخلوا المدینة حتی یشتروا شیئا من الخبز، فما وجدوا الخبز إلّا عند خبّاز واحد، و كان عنده
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 384
برذعة فقال: لست أبیع الخبز إلّا مع البرذعة! و كلّ واحد یؤدی ثمن الخبز و ثمن البرذعة، یأخذ الخبز و یترك البرذعة، حتی جاء رجل ظریف، قال الخبّاز:
هات ثمن البرذعة! فقال الرجل: حاجتی إلی البرذعة أمسّ من حاجتی إلی الخبز، و أدّی ثمنها و أخذها من عند الخبّاز و أحرقها.
و حكی أن رجلا طوالا أراد شری البطیخ فأخذ یستامه و قال للبائع: انّها صغار! فقال البائع: من الموضع الذی تنظر یری الجمل عصفورا و انّها لیست بصغار.
و حكی أن رجلا من أوساط الناس حلف بأبیه فقال بعض الحاضرین:
و هل كان لك أب؟ فقال: و هل یكون الإنسان بلا أب؟ قال: ما كان أبا یذكر فی المحافل!
و من عجائبها ما ذكره أبو الریحان الخوارزمی عن أبی الفرج الزنجانی: أنه لا یری بزنجان عقرب إلّا فی موضع یسمّی مقبرة الطیر، فإن أخرجت منها عادت إلیها سریعا، و ما ذاك إلّا لطیب تربتها و لطافة هوائها.
و بها جبل بزاو؛ قالوا: انّه من أنزه المواضع و أطیبها، و لیس علی وجه الأرض موضع أرقّ منه هواء و لا أعذب ماء و لا أطیب رائحة، نباته الریاحین فراسخ فی فراسخ تفوح روائحها من بعد بعید، فإذا كان فصل الربیع یری أدیمه مثل الدیباج المنقش من ألوان الریاحین.
ینسب إلیها جلال الطبیب. كان طبیبا عدیم النظیر فی الآفاق، كان فی خدمة ازبك بن محمّد بن ایلدكز، صاحب آذربیجان و أرّان، لا یفارقه، یقول: ان حیاتی محفوظة بهذا الرجل! و كان آیة فی المعالجات، ما كان یمشی إلی المریض بل یستخبر عنه و یأمر بدواء حقیر، و یكون البرء حاصلا. كان وجوده فائدة عظیمة للناس، ما وجد مثله بعده.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 385

ساباط

بلیدة كانت بقرب مدائن كسری، أصله بلاشاباد یعنی عمارة بلاش، و هو من ملوك الفرس، فعربته العرب و قالوا ساباط. ینسب إلیها حجّام كان یحجم الناس نسیئة، فإذا لم یأته أحد یحجم أمّه حتی لا یراه الناس بطالا، فما زال یحجمها حتی ماتت، فقالت العرب: افرغ من حجّام ساباط!
و كان كسری ابرویز ألقی النعمان بن المنذر تحت أرجل الفیل بساباط، لمّا قتل عدیّ بن زید و جاء إلی كسری مستغفرا، فما قبل توبته؛ قال الشاعر:
فأدخل بیتا سقفه صدر فیله‌بساباط و الحیطان فیه قوائمه

سامرّا

مدینة عظیمة كانت علی طرف شرقی دجلة بین بغداد و تكریت، بناها المعتصم سنة إحدی و عشرین و مائتین، و سبب بنائها أن جیوشه كثروا حتی بلغ ممالیكه سبعین ألفا، فمدّوا أیدیهم علی حرم الناس. و إذا ركبوا انحطم كثیر من الصبیان و العمیان و الضعفاء من ازدحام الخیل، فاجتمع عامّة أهل بغداد و وقفوا للمعتصم و قالوا: قد عمنّا أذی جیوشك! إمّا تمنعهم أو تقلبهم عنّا و إلّا حاربناك بدعاء السحر! فقال: اما تقلّبهم فلا یكون إلّا بتقلّبی، و لكنی أوصیهم بترك الأذی، فما زادتهم الوصیّة إلّا زیادة الفساد، فوقفوا له مرّة أخری و قالوا: إما تحوّلت عنّا و إلّا حاربناك بدعاء السحر! فقال: هذه الجیوش لا قدرة لی بها، نعم أتحوّل و كرامة. و ساق من فوره حتی نزل سامرّا و بنی بها دارا و أمر عسكره بمثل ذلك حتی صارت أعظم بلاد اللّه بناء و أهلا. و أنفق علی جامعها خمسمائة ألف دینار، و جعل وجوه حیطانها كلّها المینا، و بنی المنارة التی كانت إحدی العجائب و حفر الاسحقی.
و بنی الملوك و الأمراء بها دورا و قصورا، و بنی الخلفاء بها أیضا قصورا
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 386
عجیبة، و كان المعتصم و الواثق و المتوكّل بنوا بها قصورا، و المتوكّل اشتقّ من دجلة قناتین شتویّة و صیفیّة، و تدخلان الجامع و تتخلّلان شوارع المدینة.
و فی جامعها السرداب المعروف الذی تزعم الشیعة ان مهدیهم یخرج منه، لأنّهم زعموا أن محمّد بن الحسن دخل فیه، و كان علی باب هذا السرداب فرس أصفر، سرجه و لجامه من الذهب إلی زمن السلطان سنجر بن ملكشاه.
جاء یوم الجمعة إلی الصلاة فقال: هذا الفرس ههنا لأیّ شی‌ء؟ فقالوا: لیخرج من هذا الموضع خیر الناس یركبه. فقال: لیس یخرج منه خیر منی! و ركبه.
زعموا أنّه ما كان مباركا لأن الغزّ غلبته و زال ملكه. و لم تزل سامرّا فی زیادة عمارة من أیّام المعتصم إلی أیّام المستعین، فعند ذلك قویت شوكة الأتراك و وقعت المخالفة فی الدولة، فلم تزل فی نقص إلی زمان المعتضد باللّه، فإنّه انتقل إلی بغداد و ترك سامّرا بالكلیة، فلم یبق بها إلّا كرخ سامرّا و موضع المشهد و الباقی خراب یباب، یستوحش الناظر إلیها بعد ان لم یكن فی الأرض أحسن و لا أجمل و لا أوسع ملكا منها. فسبحان من یقلّب الأمور و لا یتغیّر بتغیّر الأزمنة و الدهور! قال ابن المعتزّ:
غدت سرّ من را فی العفاء فیا لهاقفا نبك من ذكری حبیب و منزل
تفرّق أهلوها و لم یعف رسمهالما نسجته من جنوب و شمال
إذا ما امرؤ منهم شكا سوء حاله‌یقولون: لا تهلك أسی و تجمّل!

ساوه‌

مدینة طیّبة كثیرة الخیرات و الثمرات و المیاه و الأشجار، فی وهدة من الأرض. و كانت فی قدیم الزمان علی ساحل بحیرة غاضت عند مولد النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم، و رأیت موضع البحیرة زرعوه شعیرا. و حدّثنی بعض مشایخها انّه شاهد السفینة تجری فیها. و أهل ساوه مخصوصون بحسن الصورة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 387
و استقامة الطبع، و معرفة وزن الشعر و علم الغناء، و ذلك یترشح منهم حتی من نسائهم و صبیانهم، و كلّهم علی مذهب الشافعی، ما فیها واحد یخالفهم إلّا الغریب.
و بها رباطات و مدارس و مارستانات و الطاق الذی علی باب الجامع، و هو طاق عال جدّا مثل طاق كسری، علی طرفیه منارتان فی غایة العلوّ لیس فی شی‌ء من البلاد مثله. و فی وسط الجامع خزانة الكتب المنسوبة إلی الوزیر أبی طاهر الخاتونی، فیها كلّ كتاب معتبر كان فی زمانه مع أشیاء نادرة من الخطوط المنسوبة و الاصطرلابات و الكرات.
و من عجائبها أن الترنجبین یقع فی كلّ ثلاثین سنة بأرضها علی الشوك الذی یختصّ به، و یكثر حتی یجمع و یبتاع علی الناس منه شی‌ء كثیر، و أنا شاهدت ذلك مرّة.
و ینسب إلیها القاضی عمر بن سهلان. كان أدیبا فقیها حكیما خصّه اللّه تعالی بلطافة الطبع و فطانة الذهن، و فصاحة الكلام و متانة البیان. جمیع تصانیفه حسن، و كان معاصر الإمام حجّة الاسلام الغزالی.
و من عجائب ما حكی من لطف اللّه تعالی فی حقّه انّه قال: أردت الاشتغال بالعلوم و ما كان لی مال و لم یبن فی ذلك الوقت شی‌ء من المدارس، و كان له خطّ فی غایة الحسن، قال: كتبت ثلاث نسخ من كتاب الشفاء لأبی علی بن سینا، و كان إذ ذاك للشفاء رواج عظیم، بعت كلّ نسخة بمائة دینار و أودعت ثمنها ثلاثمائة دینار عند بزّاز صدیق لی. و كلّما احتجت أخذت منها و أنفقت حتی غلب علی ظنی انی استوفیتها، فانقطعت عنه، فرآنی الرجل و قال: ما لی أراك تأخرت عن طلب النفقة؟ قلت: لأنی استوفیتها! قال: لا، بعد أكثره باق! فكنت أمشی إلیه بعد ذلك مرّة أخری ثمّ انقطعت لمّا علمت انی استوفیت أكثر من مالی، فرآنی و قال: ما سبب انقطاعك؟ قلت: جزاك اللّه عنی خیرا! انی استوفیت أكثر من مالی! فقال: لا تنقطع فإنّه قد بقی منها بعد كثیر!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 388
فكنت أمشی مرّة أخری مستحیا ثمّ انقطعت بالكلیة، فرآنی الرجل و سأل ان لا أنقطع فامتنعت، فلمّا أیس عن ذلك أخرج من كمّه ثلاثمائة دینار و قال:
هذا رأس مالك و الذی أخذته مكسبها، لأنی كنت أتجر لك علیها، و للّه تعالی الحمد إذ وفّقنی لبعض قضاء حاجة مثلك.
و ینسب إلیها القاضی عدّة. كان واعظا ظریفا حلو الكلام یری الملوك له.
حكی انّه كان یعقد مجلس الوعظ بهمذان، و ینفی التشبیه و القوم لم یقدروا علیه لمكانته عند السلطان، فكانوا یكتبون إلیه رقاعا و یشتمونه فیها فی نفسه و أهله و أولاده، و هو یقول: قد كتبوا كیت و كیت و هذا ممكن، لكن وجود الإله علی العرش محال!
و حكی أن بعض الملوك أراد رسولا یبعثه إلی ملك آخر، فعیّنوا علی القاضی عدّة فقالوا: انّه جیّد لكنّه یفسد الرسالة بطلب المال! فقال: حلّفوه أن لا یطلب شیئا! فحلفوه و بعثوه، فلمّا ذهب إلیهم صبر أیّاما لم یبعث إلیه أحد شیئا غیر المرسل إلیه، فعقد مجلسا و قال: یا قوم، إن مرسلی حلّفنی أن لا أطلب من أحد شیئا، فقولوا أنتم من حلّفكم أن لا تبعثوا إلیّ شیئا؟ و له حكایات عجیبة من هذا الجنس، و بهذا مقنع. آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی ؛ ص388
ینسب إلیها التاج محمّد الواعظ المعروف بشجویه. كان واعظا فقیها حلو الكلام عذب اللهجة، ذا قبول عند الخواص و العوام، و كان وعظه معائب طبقات الناس، فإذا حضر ملك یقول: أیّها الملك، ماذا تقول فی عبد لبعض الملوك، اصطفاه سیّده فی حال هوانه و أفاض إلیه أنواع إحسانه، و فوّض إلیه أمر البلاد و جعل بیده أزمّة العباد، ثمّ ان هذا العبد خرّب بلاده و قهر بالظلم عباده، و خالف أمر سیّده و عصی و تجاوز عن حدّه و اعتدی، فهل یستحقّ هذا العبد من سیّده إلّا العذاب العظیم و العقاب الألیم؟ ثمّ قال: أنت ذلك العبد أیّها الملك، إن اللّه اصطفاك علی العباد و جعل بیدك أمر البلاد، و أمرك بالعدل و الإحسان و نهاك عن الظلم و الطغیان، و أنت نهارك مصروف فی غصب
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 389
الأموال و سفك الدماء، و لیلك بالفسق و الفجور، فما استحقّ من اللّه تعالی كفی بنفسك! و كان یقول فی العالم: أیّها العالم إذا جاءك المستفتی تقول لا مساغ لسؤالك فی الشرع أصلا، و إذا ترك القرطاس تحت المصلّی یكون ذلك وجها عن الصیدلانی أو الكرابیسی أو الاصطخری. و یقول فی المتصوّفیة: أیّها الشیخ إذا حضرت الدعوة تأكل أكل البعیر ولو كان حراما، و تسمّی ابن صاحب المنزل شاهدا و زوجته سكرجة، و تترك العفاف خلف الزلی. و هذا من اصطلاحات الصوفیة، و العفاف لیس یتخذونه لمذاكیرهم بتركه خلف الزلی. و فی الیوم الثانی یمشی یقول: فقیر قد نسی خرقة خلف الزلی، لیعرفهم أنّه صاحب العفاف الكبیر، فمن له إلیه حاجة یطلبه، فكان یتّخذ لكلّ طبقة من طبقات الناس عیبا علی هذا المثال.
و ینسب إلیها جماعة ما كان لهم نظیر فی وقتهم مثل عماد الملك، وزیر السلطان خوارزمشاه، كان وزیرا ذا رأی و علم.
و تاج الدین كمالان. كان عالما ذا فنون من الخلاف و الأصول و المذهب.
و بها المسكوی الطبیب. كان طبیبا فاضلا وحید دهره.
و سعد المغنی فإنّه جمع بین الصوت و الصنعة، و له أقوال یتعجّب منها أهل تلك الصنعة.
و منها رتك المصارع. طاف أكثر البلاد و صارع كلّ مصارع فیها و غلبه و لم یغلب قطّ.
و منها الصفی كانون الشطرنجی، فإنّه كان یطرح الفرس لمن كان فی الطبقة العالیة.
و من عاداتهم المحاجزة، و هی أن القوم إذا كان فصل الربیع كلّ جمعة بعد الصلاة خرج من محلّتین من كلّ واحدة منهما مائتان أو ثلاثمائة غلام، یلتقون صفّین عراة و یتلاكمون أشدّ الملاكمة، و لا یزال كذلك إلی أن ینهزم أحد الصفّین.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 390

سبران‌

صقع من نواحی البامیان بین بست و كابل؛ قال نصر: به جبال فیها عیون ماء لا تقبل النجاسات، و إذا ألقی فیها شی‌ء من النجاسات ماج و غلا نجو جهة الملقی، فإن أدركه أحاط به و غرّقه.

سرجهان‌

قلعة علی قلّة جبل من جبال الدیلم مشرف علی قاع قزوین و ابهر و زنجان، و هی قلعة عجیبة من أحصن القلاع و أحكمها، و علیها قلّة، و هی حصن علی حصن، بعد استخلاص الطبقة السفلی تبقی قلّتها حصنا حصینا لا یسهل استخلاصها.

سرخس‌

مدینة بین مرو و نیسابور بناها سرخس بن جودرز، و هی كبیرة آهلة غنّاء كثیرة الخیرات، لا ماء لها فی الصیف إلّا من الآبار، و لأهلها ید باسطة فی عمل العصائب و المقانع المنقوشة بالذهب، منها تحمل إلی سائر الآفاق.
و ینسب إلیها أحمد بن الطیب السرخسی الحكیم الظریف الذی تظهر حكمته مع الظرافة. ذكر أنّه سئل عن لذّات الدنیا فقال: لذّات الدنیا ثلاث:
أكل اللحم، و ركوب اللحم، و إدخال اللحم فی اللحم؛ فسمع ذلك شاعر نظمها:
ألم تر لذّة الدّنیا ثلاثاإلیها مال كلّ بالطّباع
فذلك كلّها فی اللّحم توجدبأكل أو ركوب أو جماع
و من كلامه: أربعة أشیاء لا قبل لها: الدین و المرض و النار و السلطنة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 391

سلماس‌

مدینة بآذربیجان بین تبریز و أرمیة. بها ماء من اغتسل به ذهب عنه الجذام.
سمعت أن مجذوما موصلیّا ذهب إلیه، فما رجع إلّا سلیما نقیّ الجسد.

سمیرم‌

كورة بین أصفهان و شیراز. بها عین ماء یدفع الجراد بها، و هی من أعجب عجائب الدنیا: و هو أن الجراد إذا وقعت بأرض یحمل من ذلك الماء إلی تلك الأرض، بشرط أن لا یوضع الظرف الذی فیه الماء علی الأرض، و لا یلتفت حامله إلی ورائه، فیتبع ذلك الماء من الطیر السودانیّة عدد لا یحصی و یقتل الجراد. و رأیت فی سنة ستّ و ستّمائة بأرض قزوین جرادا، كانت تستر شعاع الشمس عند طیرانها، و ما تركت بها ورقة خضراء، و باضت بها، قیل ان كلّ جرادة تبیض مائة بیضة، فإذا تفرّخت بیضها فی السنة القابلة لا تقدر فراخها علی الطیران فتقیم بها حتی تقوی ثمّ تطیر عنها إلی أرض أخری، فبعث أهل قزوین رجلین أمینین فی طلب ذلك الماء لدفع الجراد للسنة القابلة، فأتیا به فی إناء فجاء عقیب الماء من السودانیّة عدد لا یحصی، و شرعت فی قتل الجراد و أهلكتها عن آخرها. قیل: إن كلّ واحد من السودانیّة كان یقتل كلّ یوم من الجراد شیئا كثیرا حتی قالوا قریبا من ألف، لأنّها كانت تأكل و تقذف ثم تأكل و تقذف و لا تفارق تلك الأرض حتی تقتل جمیعها. و حدّث حامل ذلك الماء انّه ما رأی شیئا من السودانیّة عند المنبع، قال: فلمّا اغترفت و شرعت فی الرجوع رأیت فی كلّ منزل یحوم الطیر حولنا، و هذا من الخواص العجیبة الكثیرة النفع، و انّه مشهور ببلاد قهستان، فسبحان من لا یطّلع علی أسرار حكمته إلّا هو!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 392

سناباذ

من قری طوس علی میل منها، بها قبر الرشید، حكی أن بعض المنجّمین حكم أن موت الرشید یكون بأرض طوس فقال: إذا لا نطأ تلك الأرض أبدا! حتی ظهر بخراسان رافع بن اللیث بن نصر بن سیّار و عظم أمره، فأشاروا إلی الرشید أنّه لا یندفع إن لم یمض إلیه بنفسه. و كان الرشید یكره ذلك، قالوا:
ان مصالح الملك لا تترك بقول منجّم، و نحن نجمع بینهما نمشی إلی خراسان علی وجه یكون بیننا و بین طوس مسافة بعیدة. فلمّا وصلوا إلی نیسابور ضلّوا عن الطریق فی بعض اللیالی، فساقوا سوقا شدیدا فأصبحوا و هم علی باب طوس، فأتی الرشید قشعریرة فأراد أن یتحوّل منها، فما أمكنه و زاد به حتی مات و دفن هناك؛ قال عبّاس بن الأحنف و كان مع الرشید:
قالوا خراسان أقصی ما یراد بناثمّ القفول فقد جئنا خراسانا
أین الذی كنت أرجوه و آمله‌ذاك الذی كنت أخشاه فقد كانا
و كان المأمون مع الرشید بخراسان، جعل قبر الرشید و قبر علیّ بن موسی الرضا فی قبّة واحدة؛ قال دعبل الخزاعی و هو شیعیّ:
قبران فی طوس: خیر الناس كلّهم‌و قبر شرّهم هذا من العبر
ما ینفع الرّجس من قرب الزّكیّ و لاعلی الزّكیّ بقرب الرّجس من ضرر
و ذكر بعض مشایخ طوس أن الرشید فی القبر الذی یعرفه الناس للرضا، و الرضا فی القبر الذی یعرفه الناس للرشید، و ذلك من تدبیر المأمون. و القبران متقاربان فی قبّة واحدة، و أهل تلك القریة شیعة بالغوا فی تزیین القبر الذی اعتقدوا أنّه للرضا، و هو للرشید!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 393

سنجار

مدینة مشهورة بأرض الجزیرة بقرب الموصل و نصیبین، فی لحف جبل عال، و هی طیّبة جدّا كثیرة المیاه و البساتین و العمارات الحسنة كأنّها مختصر دمشق، و ما رأیت أحسن من حماماتها. بیوتها واسعة جدّا و فرشها فصوص، و كذلك تأزیرها، و تحت كلّ أنبوبة حوض حجریة مثمنة فی غایة الحسن، و فی سقفها جامات ملونة الأحمر و الأصفر و الأخضر و الأبیض علی وضع النقوش، فالقاعد فی الحمّام كأنّه فی بیت مدبّج.
قال أحمد الهمذانی: إن سفینة نوح، علیه السلام، نطحت جبل سنجار بعد ستّة أشهر و ثمانیة أیّام، فطابت نفسه، علیه السلام، و علم أن الماء أخذ فی النضوب فقال: لیكن هذا الجبل مباركا! فصارت مدینة طیبة كثیرة الأنهار و الأشجار و النخل و الأترج و النارنج.
و حكی أن جاریة السلطان ملكشاه ضربها الطلق بأرض سنجار فقال المنجّمون:
إن كان وضعها لا یكون الیوم یكون ولدها ملكا عظیما! فأمر السلطان أن تجعل معلّقة، ففعلوا فولدت السلطان سنجر، فسمّوا المدینة باسمه، و كان ملكا عظیما كما قالوا.
و بقرب سنجار قصر عبّاس بن عمرو الغنوی والی مصر. كان قصرا عجیب العمارة مطلّا علی بساتین و میاه كثیرة، من أطیب المواضع و أحسنها. و كان بعد العبّاس ینزل بها الملوك لطیب مكانها و حسن عمارتها؛ حكی عمران بن شاهین قال: نزلنا بها مع معتمد الدولة قرواش بن المقلد فرأینا علی بعض حیطانها مكتوبا:
یا قصر عبّاس بن عمروكیف فارقك ابن عمرك؟
قد كنت تغتال الدّهورفكیف غالك ریب دهرك؟
واها لعزّك! بل لجودك‌بل لمجدك بل لفخرك!
كتبه علیّ بن عبد اللّه بن حمدان بخطّه سنة إحدی و ثلاثین و ثلاثمائة، و هو
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 394
سیف الدولة ممدوح المتنبی، و تحته مكتوب:
یا قصر ضعضعك الزّمان‌و حطّ من علیاء قدرك
و محا محاسن أسطرشرفت بهنّ متون جدرك
واها لكاتبها الكریم‌و قدره الموفی بقدرك!
و كتبه الغضنفر بن الحسن بن عبد اللّه بن حمدان فی سنة اثنتین و ستّین و ثلاثمائة و هو ناصر الدولة ابن أخی سیف الدولة، و تحته مكتوب:
یا قصر ما فعل الأولی‌ضربوا قبابهم بعقرك!
أخنی الزّمان علیهم‌و طواهم تطویل نشرك!
واها لقاصر عمر من‌یحتال فیك و طول عمرك
و كتبه المقلّد بن المسیّب فی سنة ثلاث و ثمانین و ثلاثمائة، و هو أبو قرواش أحد العظماء فكتب قرواش تحته:
یا قصر أین ثوی الكرام‌السّاكنون قدیم عصرك؟
و لقد أطال تفجّعی‌یا ابن المسیّب رقم سطرك!
و علمت أنی لاحق بك‌تابع فی صوب إثرك

سهرورد

بلیدة بأرض الجبال بقرب زنجان. ینسب إلیها أبو الفتوح محمّد بن یحیی الملقّب بشهاب الدین، و كان حكیما عالما تاركا الدنیا صاحب العجائب و الأمور الغریبة. كان مرتاضا منقطعا عن الناس، حكی بعض فقهاء قزوین قال: نزلت برباط بأرض الروم فی وقت الشتاء فسمعت صوت قراءة القرآن، فقلت لخادم الرباط: من هذا القاری‌ء؟ فقال: شهاب الدین السهروردی. قلت:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 395
إنی منذ مدّة سمعت به و أردت أن أراه. فأدخلنی علیه فقال: لا یدخل علیه أحد، لكن إذا علت الشمس یخرج و یصعد السطح و یقعد فی الشمس فأبصره! قال: فقعدت علی طرف الصفّة حتی خرج، فرأیته علیه لباد أسود و علی رأسه أیضا قلنسوة من لباد أسود، فقمت و سلّمت علیه و عرّفته أنی قصدت زیارته، و سألته أن یجلس معی ساعة علی طرف الصفّة، فطوی مصلّای و جلس، فجعلت أحدّثه و هو فی عالم آخر فقلت: لو لبست شیئا غیر هذا اللباد! فقال: یتوسّخ.
فقلت: تغسله. فقال: یتوسّخ. فقلت: تغسله. فقال: ما حییت لغسل الثیاب، لی شغل أهمّ من ذلك.
و كان معاصرا لفخر الدین الرازی، جری بینهما مباحثات، و رأی فخر الدین بعد موته كتابه التلویحات فی الحكمة فقبله. و حكی انّه كان جالسا علی طرف بركة مع جمع، فتحدّثوا فی معجزات الأنبیاء فقال بعضهم: فلق البحر أعجبها. فقال الشهاب: لیس ذلك شیئا بالنسبة إلی معجزات الأنبیاء. و أشار إلی البركة فانشقّ الماء فیها نصفین حتی رأوا أرض البركة. و حكی انّه لمّا قبض علیه بحلب حبس فی دار فرأوا مكتوبا علی جائزة لا یوصل إلیها إلّا بالسلالیم:
بیت الظالم خراب ولو بعد حین! و كان كذلك: ذهب الملك عن الملك الظاهر عن قریب و خرب بیتهم.

شاذیاخ‌

اسم مدینة بخراسان علی قرب نیسابور. كانت بستانا لعبد اللّه بن طاهر بن الحسین. ذكر الحاكم أبو عبد اللّه فی تاریخ نیسابور أن عبد اللّه بن طاهر قدم نیسابور بعساكره، فنزلوا فی دور الناس غصبا، فاتّفق أن بعض أصحابه دخل دار رجل له زوجة حسناء، و كان رجلا غیورا لا یفارق داره غیرة علی زوجته، فقال له الجندی یوما: اذهب بفرسی واسقه ماء! فلم یجسر علی خلافه و لم یستطع مفارقة أهله، فقال لزوجته: اذهبی أنت بفرسه واسقیه حتی احفظ
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 396
أنا أمتعتنا! فمضت المرأة و كانت وضیئة حسناء، فاتّفق ركوب عبد اللّه بن طاهر، فرأی المرأة تقود الفرس فقال لها: ما شأنك؟ لست أهلا لهذا! فقالت:
هذا فعل عبد اللّه بن طاهر! فأخبرته الحال فغضب و حولق، فأمر العرفاء فی عسكره: من بات بالمدینة حلّ ماله و دمه! و سار إلی شاذیاخ و بنی بها قصرا، و الجند كلّهم بنوا بجنبه دورا، فعمرت و صارت أحسن الأماكن و أطیبها؛ قال الشاعر:
فاشرب هنیئا علیك التّاج مرتفقابالشّاذیاخ، ودع غمدان للیمن
فأنت أولی بتاج الملك تلبسه‌من ابن هوذة فیها و ابن ذی یزن
فلمّا استولی الغزّ علی خراسان فی عهد سنجر بن ملكشاه سنة ثمان و أربعین و خمسمائة، و خربوا نیسابور و أحرقوها، انتقل من بقی منهم إلی شاذیاخ و عمروها حتی صارت أحسن بلاد اللّه و أطیبها، و كانت ذات سور حصین و خندق و كثرة خلق إلی سنة ثمانی عشرة و ستمائة، استولی علیها التتر و خرّبوها، فإنّا للّه و إنّا إلیه راجعون!

شاه دز

قلعة حصینة كانت علی قلة جبل بقرب أصفهان، بناها السلطان ملكشاه ابن ألب أرسلان سنة خمس مائة. و سبب بنائها أن رجلا من بطارقة الروم جاء إلی السلطان و أسلم و صار من مقربیه، و كان معه یوما فی الاصطیاد فهرب منهم كلب حسن الصید و صعد هذا الجبل فتبعه السلطان و البطریق، فقال للسلطان: لو كان مثل هذا الجبل عندنا لاتّخذنا علیه معقلا و انتفعنا به! فأمر السلطان أن یبنی علیه قلعة، فمنعه نظام الملك فلم یقبل قوله، فبنوا علیه قلعة فی غایة الحصانة لا حیلة فی استخلاصها. ففرح السلطان به و جعل كوتواله بعض من كان من خواص السلطان أمیرا معتبرا، و كان ابن عطاش أحمد بن عبد الملك
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 397
معلّما لوشاقیة هذا الأمیر، و هو داع من دعاة الباطنیّة، حمله الأمیر معه إلی القلعة. فلمّا استقرّ فیها دعا القوم إلی مذهب الباطنیّة فأجابوه، و بعث الدعاة إلی أصفهان فأجابه من أصفهان أیضا خلق كثیر. فلمّا علم نظام الملك ذلك قال للسلطان: منعتك عن بناء القلعة فما قبلت، و الآن أقول استدرك أمر هذا الملحد، و إلّا یفضی إلی فساد لا یمكن دفعه! فنزل السلطان علی القلعة و حاصرها سبع سنین حتی استخلصها، و أنزل ابن عطاش منها، و كان عالما بعلم النجوم، و قد أركبوه علی جمل و أدخلوه فی أصفهان، و استقبله جمیع أهل أصفهان بالطبول و البوقات و الدفوف، و المساخرة یرقصون قدّامه، و العوام یرمونه بالأبعار و الأقذار، قیل له: ما رأیت هذا فی طالعك؟ قال: رأیت فی طالعی ارتقاء لكن ما رأیت انّه یكون علی هذا الوجه! و صلب فی أصفهان و كفی شرّه، فقالوا للسلطان:
قلعة دلّ علیها كلب، و أشار إلی عمارتها كافر، و ملكها ملحد لا یرجی منها الخیر! فأمر بخرابها.

شكمبة

بلیدة من ناحیة دنباوند، كثیرة المزارع و البساتین و الثمار و الأعناب. و هی أشدّ تلك النواحی بردا، یضرب أهل جرجان و طبرستان بقاضیها المثل فی تشویش الصورة و اضطراب الخلقة، فإذا رأوا أحدا كریه الصورة قالوا: مثل قاضی شكمبة! قال قائلهم:
رأیت رأسا كدبّة و لحیة كمذبّه‌فقلت: ذا التّیس من هو؟ فقال: قاضی شكمبه!

شهرزور

كورة واسعة فی الجبال بین اربل و همذان. بها قری و مدن. أهلها أكراد قطاع الطریق؛ قال مسعر بن مهلهل: بلدهم ینشی‌ء ستّین ألف بیت من الأكراد،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 398
و قصبتها دزدان. و كانت مدینة ذات سور عریض عال حتی تركض الخیل علی سورها لسعته، و كان رئیسها عاصیا علی السلاطین، قال: و كنت أنظر إلی رئیسها و هو جالس علی برج مبنی علی بابها عال، ینظر إلی عدّة فراسخ و بیده سیف مجرد، فمتی رأی خیلا من بعض الجهات لمع بسیفه. فانجفلت المواشی و القوافل إلی المدینة و قالوا: انّها مدینة منصورة ممتنعة عمّن یرومها. دعا لها داود و سلیمان، علیهما السلام.
ینسب إلیها طالوت الذی بعثه اللّه تعالی ملكا إلی بنی إسرائیل فقالوا: أنّی یكون له الملك علینا و نحن أحقّ بالملك منه؟ و المتغلّبون علیها إلی الیوم یزعمون أنّهم من ولد طالوت. و هی مخصوصة بقلّة رمد العین و الجدری؛ هذا آخر كلام مسعر.
و بها جبل ینبت حبّ الزلم الصالح لأدویة الباه، لم یعرف فی مكان غیره.
و بها نوع من الكرم یأتی سنة بالعنب و سنة بثمرة شبیهة بالجزر شدیدة الحمرة، أسود الرأس یقولون له الودع. و بها عقارب قتّالة أضرّ من عقارب نصیبین.

شهرستان‌

مدینة بخراسان بین نیسابور و خوارزم علی طرف بادیة الرمل. و بساتینها و مزارعها بعیدة عنها، و الرمال متّصلة بها لا تزال تسفّ. و لها وقف علی رجال و ثیران ینحّون الرمل عنها أبدا. و ربّما یغشاها فی یوم واحد أضعاف ما ینحوّن عنها زمانا طویلا، و الناس ینظرون إلیه و هو یجری كالماء الجاری. یجلب منها العمائم الرفاع الطوال و لأهلها ید باسطة فی صنعتها.
و ینسب إلیها الشهرستانی صاحب كتاب الملل و النحل، و كان رجلا فاضلا متكلّما، و یزعم أنّه انتهی إلی مقام الحیرة، و هو القائل:
لقد طفت فی تلك المعاهد كلّهاو صیّرت طرفی بین تلك المعالم
فلم أر إلّا واضعا كفّ حائرعلی ذقن أو قارعا سنّ نادم!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 399

شیز

مدینة بآذربیجان بین المراغة و زنجان، قال مسعر بن مهلهل: بها معدن الذهب و الفضّة و الزئبق و الزرنیخ الأصفر و الاسرب. و لها سور محیط بها. و فی وسطها بحیرة لا یدرك قعرها. و إنی أرسیت فیه أربعة عشر ألف ذراع و كسورا من ألف ما استقرّ، و استدارتها نحو جریب بالهاشمی. و متی بلّ بمائها تراب صار لوقته حجرا صلدا.
بها بیت نار عظیم الشأن عند المجوس، منها تذكی نیران المجوس من المشرق إلی المغرب، و علی رأس قبّته هلال فضّة قیل هو طلسم حاول كثیر من المتغلّبین قلعه فلم یقدروا. و من عجائب هذا البیت انّهم یوقدون منه منذ سبعمائة سنة، فلا یوجد فیه رماد البتّة و لا ینقطع الوقود عنه ساعة من الزمان.
و من عجائب هذه المدینة انّه إذا قصدها عدوّ و نصب المنجنیق علیها فإن حجر المنجنیق یقع خارج السور و لا یصل إلیه، و إن كان یرمی إلیه من مسافة ذراع.
إلی ههنا كلام مسعر، و كان رجلا سیاحا طاف البلاد و رأی عجائبها، و أكثر عجائب البلدان منقول منه.
و حكی غیر مسعر أن بالشیز نار اذرخس، و هی نار عظیمة عند المجوس كان إذا الملك منهم زارها أتاها راجلا.
و ینسب إلیها زرادشت نبیّ المجوس، قیل: انّه كان من شیز، ذهب إلی جبل سبلان معتزلا عن الناس و أتی بكتاب اسمه باستا، و هو بالعجمیّة لم یفهم معناه إلّا من المفسر. و أتی یدّعی النبوة فی عهد كشتاسف بن لهراسف ابن كیخسرو، ملك الفرس، و أراد الوصول إلیه فلم یتمكّن من ذلك، و كان كشتاسف جالسا فی ایوان فانشقّ سقف الإیوان و نزل زرادشت منه، و الناس الذین كانوا عند الملك ما بین هارب و مغشی علیه، و الملك ما تحرّك عن مكانه و قال له: من أنت؟ فقال زرادشت: إنی رسول اللّه إلیكم! فقال الملك:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 400
نحن و إن رأینا هذا العجب، یعنی النزول من السقف، لكن لا نقتصر علی ذلك بل عندنا علماء و حكماء یناظرونك، فإن شهدوا لك الحقّ اتبعناك! فرضی زرادشت به و أمر الملك العلماء و الحكماء فی ذلك الزمان أن یسمعوا كلامه و یعرّفوا الملك. فسمعوا كلامه و قالوا للملك: سمعنا كلامه و انّه مستقیم و لم یبق إلّا شی‌ء واحد، و هو طلب معجزة علی نبوته، فقالوا: اخترنا أن نطلی بدنه بما أردنا من الأدویة و نأخذ شیئا من النحاس المذاب و نشدّ وثاقه و نصبّ ذلك القطر علیه، فإن تلف فقد كفینا أمره، و إن سلم من ذلك فیجب علینا متابعته. فرضی زرادشت بذلك، و اختار الملك هذا الرأی، فعرّوه و شدّوا وثاقه، و صبّوا علیه قطرا فصار القطر كرات و تشبّثت بكلّ شعرة كرة، و ما ضرّ به شی‌ء، و مع المجوس من تلك الكرات یتبرّكون بها. فعند ذلك قالوا: لم یبق إلّا إجابة دعوته! فأمر فی جمیع مملكة كشتاسف ببناء بیوت النار، و جعل النار قبلة لا إلها، و بقیت تلك الملّة إلی مبعث رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، و الآن یقولون بأرض سجستان منها بقیّة.

صیمرة

كورة بها عدّة قری من أعمال البصرة علی فم نهر معقل. أهلها موصوفون بقلّة العقل حتی جاءهم رجل یقال له ابن شاس فی حدود سنة خمسین و أربعمائة، و ادّعی أنّه إله فعبدوه!
ینسب إلیها أبو العنبس، و هو محمد بن إسحق، كان شاعرا أدیبا ظریفا ذا تصانیف فی الهزل و النزهات، و قد حظی بذلك عند المتوكّل. حكی أنّه مات له حمار فحزن علیه و رثاه بمرثیة و قال: رأیته فی النوم، قلت: یا حماری! أما أحسنت علفك و ماءك؟ فقال: ما متّ إلّا فی عشق أتان رأیتها فی الموضع الفلانی و منعتنی عنها!
و حكی أن البحتری دخل علی المتوكّل و أنشد قصیدته فی مدحه و قال فی مطلعها:
عن أیّ ثغر تبتسم‌و بأیّ طرف تحتكم؟
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 401
فقال أبو العنبس:
عن أیّ سلح تلتقم‌و بأیّ كفّ تلتطم
فقال:
حسن یضنّ بحسنه‌و الحسن أشبه بالكرم
فقال أبو العنبس:
نهم یفوه بهجوه‌و الصّفع ألیق بالنّهم
فقال البحتری: انتقلت إلی مدح الخلیفة و تركت النسیب لعلّه یسكت فقلت:
قل للخلیفة أیّهاالمتوكّل بن المعتصم
فقال أبو العنبس:
قل للممالیك الضّخام‌و ذی النّشاط من الخدم!
قال البحتری: فالتفتّ یمینا و شمالا حتی أری هل ینكر علیه أحد، فما رأیت إلّا متبسما، فعلمت إن أنشدت زیادة یأتی بزیادة شتم و هتك، فسكتّ و خرجت، فلمّا رآه أبو العنبس قال:
و لیت عنّا مدبرافعلمت أنّك منهزم!
فضحك الخلیفة و الحاضرون و أمر لأبی العنبس بألف دینار، فقال الفتح بن خاقان: یا أمیر المؤمنین و البحتری أنشد و شوتم و صفع یرجع بخفّی حنین؟ فأمر له أیضا بألف دینار.
و من شعر أبی العنبس:
كم مریض قد عاش من‌بعد موت الطّبیب و العوّاد
قد یصاد القطا فینجو سلیما و یحلّ القضاء بالصّیّاد! آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 402

طالقان‌

كورة ذات قری بقهستان بین قزوین و جیلان فی جبال الدیلم. فی جبالهم الزیتون و الرمّان، یجلب إلی قزوین منها الزیتون و حبّ الرمّان الكثیر.
ینسب إلیها أبو الخیر أحمد بن إسماعیل الملقّب برضی الدین. كان عالما فاضلا ورعا صاحب كرامات. حكی انّه كان فی بدء أمره یتفقّه، فأستاذه یلقّنه الدرس و یكرّر علیه مرارا حتی یحفظه، فما حفظ حتی ضجر الأستاذ و تركه لبلادته، فانكسر هو من ذلك و نام الأستاذ، فرأی رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، یقول له: لم آذیت أحمد؟ قال: فانتبهت، و قلت: تعال یا رضی الدین حتی ألقّنك! فقال: بشفاعة النبیّ تلقّننی! ففتح اللّه تعالی علیه باب الذكاء حتی صار أوحد زمانه علما و ورعا، و درس بالمدرسة النظامیّة ببغداد مدّة، و أراد الرجوع إلی قزوین فما مكنّوه، فاستأذن للحجّ و عاد إلی قزوین بطریق الشام. و كان له بقزوین قبول ما كان لأحد قبله و لا بعده. یوم وعظه یأتی الناس بالضوء حتی یحصّلوا المكان، و یشتری الغنی المكان من الفقیر الذی جاء قبله، و ما سمعوا منه یروونه عنه كما كانت الصحابة تروی عن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، و حكی أن الشیخ كثیرا ما كان یتعرّض للشیعة، و كان علی باب داره شجرة عظیمة ملتفّة الأغصان، فإذا فی بعض الأیّام رأوا رجلا علی ذلك الشجر، فإذا هو من محلّة الشیعة، قالوا: ان هذا جاء لتعرّض الشیخ! فهرب الرجل و قال الشیخ: لست أقیم فی قزوین بعد هذا!
و خرج من المدینة فخرج بخروجه كلّ أهل المدینة و الملك أیضا. فقال:
لست أعود إلّا بشرط أن تأخذ مكواة علیها اسم أبی بكر و عمر، و تكوی بها جباه جمع من أعیان الشیعة الذین أعین علیهم. فقبل منه ذلك و فعل، فكان أولئك یأتون و العمائم إلی أعینهم حتی لا یری الناس الكیّ.
و حكی الشیخ عزّ الدین محمّد بن عبد الرحمن الوارنی، و كان من المشایخ
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 403
الكبار بقزوین، أن الشیخ عقد المجلس یوم الجمعة أوّل النهار الثانی عشر من المحرم سنة تسعین و خمسمائة و ذكر تفسیر قوله تعالی: و اتّقوا یوما ترجعون فیه إلی اللّه؛ و ان النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم، ما عاش بعد ذلك إلّا سبعة أیّام، و كان ذلك تعریضا ینعی نفسه، فرجع إلی بیته محموما و بقی سبعة أیّام و رفع نعشه فی الیوم الثامن. و لمّا بلغوا به الوادی قرب تربته أنار اللّه تعالی، من فضله علیه و رحمته له، آیات بیّنات و أمارات واضحات أنوارا متلألئة و أضواء متضاعفة و ألوانا غریبة فی السماء، و لقد عددت النور الساطع و الومیض المتلألی‌ء فی سبعة مواضع من الهواء. و عند ذلك صار الخلق حیاری مبهوتین، و دمعت العیون و وجلت القلوب، و ضجت الأصوات و الخلق بین ساجد و ممرغ فی التراب خده لا یستطیع المتحرّك سكونا و لا الساكن حراكا، إلی أن وضع فی لحده، فعادت السماء إلی حالها و عاد الهواء لهیئته، و ما ذلك بعجیب من لطف اللّه تعالی بأرباب العلوم و أصحاب الدیانات، علیه رحمة اللّه و رضوانه.

الطاهریّة

قریة من قری بغداد. بها مستنقع یجتمع فیه فی كلّ سنة ماء كثیر عند زیادة دجلة، فیظهر فیه السمك المعروف بالبنی، فیضمنه السلطان بمال وافر.
و لسمكه فضل علی سائر السمك لطیب لحمه، و انّه غلّة من حاصل هذه القریة مع سائر غلّاتها، و اللّه الموفق.

طبرستان‌

بلاد معروفة، و العجم یقولون مازندران، و هی بین الری و قومس و بحر الخزر.
أرضها كثیرة الأشجار و المیاه و الأنهار إلّا أن هواءها و خم جدّا. حكی أن بعض الأكاسرة اجتمع فی حبسه جناة كثیرون، فقال وزیره: غرّبهم إلی بعض البلاد لیعمّروها، فإن عمروها كان العمران لك، و ان تلفوا برئت من دمهم!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 404
و اختار أرض طبرستان، و هی یومئذ جبال و أشجار، فأرادوا قطع الأشجار فطلبوا فؤوسا و الفأس بالعجمیّة تبر، فكثرت بها الفؤوس فقالوا: طبرستان، و طبر معرب تبر. و قالوا: كانت أیمانهم مغلولة فكانوا یعملون بشمالهم، فلهذا تری فیها أكثرهم عسرا. و نفوا الفواجر أیضا إلیها فتزوّجوا بهنّ، فلهذا قلّة الغیرة بینهم. و أكثرهم یتعانون تربیة دود القزّ فیرتفع منها الابریسم الكثیر و یحمل إلی سائر البلاد.
و بها الخشب الخلنج، یتّخذ منه الظروف و الآلات و الأطباق و القصاع ثمّ یحمل إلی الری، و صناع بلد الری یجعلونه فی الخرط مرّة أخری حتی یبقی لطیفا و یزوّقونه، و من الری یحمل إلی سائر البلاد، و من هذا الخشب تتّخذ النشاشیب الجیّدة. و بها المآزر و المنادیل الرفیعة الطبریة تحمل منها إلی سائر البلاد، و كذلك الثیاب الابریسمیة و الأكسیة و الصوف.
و بها شجر إذا ألقیت شیئا من خشبها فی الماء یموت ما فیه من السمك و تطفو.
و بها جبل طارق؛ قال أبو الریحان الخوارزمی: بطبرستان جبل فیه مغارة فیها دكّة تعرف بدكّان سلیمان بن داود، علیه السلام، إذا لطخت بشی‌ء من الأقذار انفتحت السماء و مطرت حتی تزیل الأقذار منها؛ و هذا فی الآثار الباقیة من تصانیف أبی الریحان الخوارزمی. و قال صاحب تحفة الغرائب: بها حشیش یسمّی جوز ماثل من قطعه ضاحكا و أكله غلب علیه الضحك، و من قطعه باكیا و أكله فی تلك الحالة یغلب علیه البكاء، و من قطعه راقصا و أكله كذلك علی كلّ حال قطعه و أكله تعلب علیه تلك الحالة.
حكی أبو الریحان الخوارزمی أن أهل طبرستان أجدبوا فی أیّام الحسن ابن زید العلوی، فخرجوا للاستسقاء فما فرغوا من دعائهم حتی وقع الحریق فی أطراف البلد، و بیوتهم من الخشب الیابس، فقال أبو عمر فی ذلك:
خرجوا یسألون صوب غمام‌فأجیبوا بصیّب من حریق!
جاءهم ضدّ ما تمنّوه إذجاءت قلوب محشوّة بالفسوق!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 405
و حكی الشیخ الصالح محمّد الهمدانی قال: رأیت بطبرستان أمرا عجیبا من الأمور، و هو: شاهدت بطبرستان دودة إذا وطئها من كان حامل ماء صار الماء مرّا، و أعجب من هذا انّه لو كان خلف الواطی‌ء حمال الماء صار كلّ المیاه مرّا، و لو كانوا مائة، فتری نساءهم یحملن الماء من النهر فی الجرار و قدّامهن واحدة معها مكنسة تكنس الطریق، و النساء الحاملات للماء یمشین علی خطّ واحد كالإبل المقطرة.
و حكی علی بن رزین الطبری، و كان حكیما فاضلا، قال: عندنا طائر یسمّونه ككو، و هو علی حجم الفاختة و ذنبه ذنب الببغاء، یظهر أیّام الربیع، فإذا ظهر نبعه صنف من العصافیر موشّاة الریش یخدمه طول نهاره، یأتی له بالغداء فیزقّه، فإذا كان آخر النهار وثب علی ذلك العصفور و أكله، و إذا أصبح صاح فجاء آخر فإذا أمسی أكله، فلا یزال كذلك مدّة أیّام الربیع، فإذا زال الربیع فقد ذلك النوع و اتباعه إلی الربیع القابل.
و ینسب إلیها أبو جعفر محمّد بن جریر الطبری، صاحب التفسیر و التاریخ الطبری و المصنّفات الكثیرة، و كان كثیرا ما ینشد:
أأقتبس الضّیاء من الضّراب‌و ألتمس الشّراب من الشراب؟
أرید من الزّمان النّذل بذلاو أریا من جنی سلع و صاب!
أأرجو أن ألاقی لاشتیاقی‌خیار النّاس فی زمن الكلاب؟
و ینسب إلیها أبو الحسن المعروف بالكیا الهراسی. كان عالما فاضلا تالی أبی حامد الغزّالی، إلّا أن الغزالی أثقب منه ذهنا و أسرع بیانا و أصوب خاطرا.
كان مدرسا بالمدرسة النظامیّة ببغداد، دخل دیوان الخلیفة و القاضی أبو الحسن اللّمغانی كان حاضرا ما قام له، فشكا إلی الخلیفة الناصر لدین اللّه، فقال الخلیفة:
إذا دخل القاضی أنت أیضا لا تقم له! ففعل ذلك و نظم هذین البیتین:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 406 حجاب و حجّاب و فرط حماقةو مدّ ید نحو العلی بالتّكلّف
فلو كان هذا من وراء تكلّف‌لهان و لكن من وراء التّخلّف
فشكا القاضی إلی الخلیفة، فأمر الكیا أن یمشی إلیه و یعتذر، فقال الكیا:
و اللّه لأمشینّ علی وجه یودّ لو كنت لم أمش! فلمّا وصل إلی باب دار القاضی أخبر القاضی بأن الكیا جاء إلیه، فقام و استقبله و واجهه بالكلیة. قال الكیا:
حفظ اللّه الخلیفة فإنّه تارة یشرّفنا و تارة یشرف بنا! فانكسر ابن اللمغانی انكسارا شدیدا. فلمّا مات الكیا وقف ابن اللمغانی عند دفنه و قال:
فما تغنی النّوادب و البواكی‌و قد أصبحت مثل حدیث أمس!
و من عجائب ما حكی أن بعض السلاطین غضب علی صاحب طبرستان، فبذل الطبری جهده فی إزالة ذلك، فما أمكنه. فبعث السلطان إلیه جیشا كثیفا، فعلم الطبری أن الجیش لا ینزلون إلّا بغیضة معیّنة تحت جبل، فأمر بقطع أشجار تلك الغیضة و تركها كما كانت قائمة، و ستر موضع القطع بالتراب. فلمّا وصل الجیش و نزلوا بها كمن الطبری هو و أصحابه خلف ذلك الجبل، و شدّ الجیش دوابهم فی أشجار تلك الغیضة و كانت كلّها مقطوعة، فخرج علیهم الطبری بأصحابه و صاح بهم، فنفرت الدواب و تساقطت الأشجار لأن الدواب جرّتها فولّی الجند هاربین فزعین لا یلوی أحد إلی أحد، و تبعهم الطبری بالقتل و الأسر، فنجا أقلّهم و تلف أكثرهم. فلمّا رجعوا إلی السلطان سألهم عن شأنهم فقالوا: نزلنا بالموضع الفلانی، أتانا فی جنح اللیل جند من الشیاطین تضربنا بالأشجار الطویلة! فلم یجسر أحد من المتقوّمین بعد ذلك علی المشی إلی طبرستان!

طبس‌

مدینة بین أصفهان و نیسابور مشهورة. ینسب إلیها فخر الأئمّة أبو الفضل محمّد بن أحمد الطّبسی، صاحب كتاب الشامل فی تسخیر الجنّ. و هو كتاب
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 407
كبیر یذكر فیه كیفیّة تسخیر الجنّ، و لكلّ واحد من رؤسائهم طریق من الطرق یذكر فی ذلك الكتاب، و حاصله أنّه یذكر عزائم و شرائطها و یقول:
من أتی بها علی هذا الوجه سلّط اللّه تعالی علیهم نارا تحرقهم، و لا یندفع عنهم إلّا بالإجابة. و ذكروا أن الجنّ كانوا مسخرین لفخر الأئمّة، و كان هو معاصرا للإمام الغزالی، قال له: أرید أن تعرض الجنّ علیّ! فأجابه إلی ذلك؛ قال الغزالی: رأیتهم مثل الظلّ علی الحائط. فقلت له: إنی أرید أن أحادثهم و أسمع كلامهم. فقال: أنت لا تقدر تری منهم أكثر من ذلك.
و ینسب إلیها شمس الطبسی الشاعر. كان شابّا حسن الصورة حلو الكلام جیّد الشعر، من تلامذة الشیخ رضی الدین النیسابوری، و كان معاصر الخاقانی فرأی شعر الخاقانی و سلك ذلك المسلك، إلّا أن شعر الشمس كان ألطف و أعذب فقال له رضی الدین: داوم علی هذا الفنّ فإنّه یجی‌ء منك و تری منه الخیر.
و له أشعار فی غایة الحسن و أسلوب هو منفرد به. و كان قاضی مدینة بخاری صدر الشریعة شاعرا مفلقا عدیم النظیر، نظم قصیدة حسنة قافیتها ضیّقة بالعجمیة و هذا مطلعها:
بر خیر كه شمعست و شرابست و من تواو از خروسان سحر خاست ز هر سو
بر خیر كه برخاست بیاله بیكی بای‌بنشین كه نشستست صراحی بدو زانو
بر خیر اران بیس كه معشوقه شب راباروز بكیرند و ببرند دو كیسو
و این قصیده در بخاری مشهور كست همه معترف شدند بخوی آن شمس طبس مثل این قصیده بكفت و هذا مطلعها:
از روی تو جون كرد صبا طره بیكسوفریاد براورد شب غالیه كیسو
از زلف سیاه تو مكر شد كرهی بازكر مشك براورد صبا تعبیه هر سو
اخر دل رنجور مرا جند براری‌زنجیر كشان تا بسر طاق دو ابرو
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 408 كفتی كه بزركار تو روزی سره كردداری همه اومید من ابنست ولی كو
فلمّا عرف صدر الشریعة بهذه القصیدة نادی: من قائلها؟ و ما كان یقدر أن یقول شیئا لأنّها كانت فی مدح وزیر بخاری. و سمعت انّه كان شابّا مثل القمر. مات فجأة و دیوانه صغیر لأنّه ما وجد العمر.

طرابلس‌

مدینة علی شاطی‌ء بحر الروم، عامرة كثیرة الخیرات و الثمرات، لها سور منحوت من الصخر، و بساتین جلیلة و رباطات كثیرة یأوی إلیها الصالحون.
بها مسجد الشعاب، و هو مسجد مشهور مقصود، یأتیه الناس لبركته و احترامه.
و بها بئر الكنود، و هی بئر زعموا أن من شرب من مائها یتحمّق، فإذا أتی رجل من أهل طرابلس بما یلام علیه یقولون له: لا نعیبك، فإنّك شربت من بئر الكنود!

طرق‌

مدینة بقرب أصفهان. لأهلها ید باسطة فی الآلات المستظرفة من العاج و الآبنوس، یحمل منها إلی سائر البلاد كلّ آلة ظریفة یعجز عن مثلها صناع غیرها من البلاد.
ینسب إلیها تاج الطرقی. كان أدیبا شاعرا ظریفا. له حكایات عجیبة و أشعار فصیحة مثل شعر عرب العرباء، و قد عرض علی الخلیفة الناصر لدین اللّه هذان البیتان من كلامه:
إذا ما رآنی العاذلون و غرّدت‌حمائم دوح أیقظتها النّسائم
یقولون: مجنون جفته سلاسل‌و ممسوس حیّ فارقته التّمائم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 409
فتعجّب من ذلك و قال: ما ظننت أن أحدا من العجم یوصل كلامه إلی هذا الحد! فبعث إلیه خلعة سوداء فوصل إلیه خلعة الخلیفة بغتة فجأة، فلبسها و عمل قصیدة طویلة فی مدح الخلیفة، و بعثها إلی بغداد، مطلعها:
ترتاح أندیة النّدی و الباس‌فی مدح مولانا أبی العبّاس
و حكی انّه سافر إلی همذان، و كان ابن قاضی قزوین و رئیسها بهمذان، فسمع أن تاجا الطرقی وصل، فأحبّ أن یراه لأنّه كان مشهورا بالفضل، فقیل انّه ذهب إلی دار الكتب، فمشی إلیه فوجده یطالع كتابا، فسلّم علیه فقال:
علیك السلام! و ما تحرّك له و لا نظر إلیه. و إنّه كان رجلا ذا هیئة و جثّة و غلمان و ممالیك، و اشتغل بمطالعة الكتاب، فتأذی الرجل من ذلك و قال من أذیته: تاج الدین ما تعرفنی؟ قال: لا! قال: أنا رجل من أعیان قزوین ذو أمر و نهی و قطع و وصل، فقال: مدینتكم لا یكون لها شحنة؟ قال: نعم.
قال: فلم لا یصلبنّك؟ فقام الرجل و قال: تسمع بالمعیدی خیر من أن تراه!
و حكی انّه كان فی دار وحده، فقام فی جنح اللیل ینادی: اللّص! اللّص! فاجتمع الجیران، فإذا الأبواب و الاغلاق بحالها و الدار فقالوا له: أین اللص؟
فقال: إنی سمعت أن اللصوص إذا دخلوا بیوت الناس شدّوا قطاع اللباد علی أقدامهم لئلّا یسمع دبیبهم، و إنی لما انتبهت ما سمعت شیئا من الدبیب، قلت:
لعلّ اللصّ دخل، و شدّ علی رجله اللّباد! و له حكایات مثل هذه، رحمه اللّه.

طرزك‌

قریة من قری قزوین مشهورة. حكی أن بعض الصلحاء رأی فی نومه أو فی واقعة أن هناك صحابیّا، و ما كان بها قبر و لا عرف أحد ذلك، فلمّا كشفوا إذا رجل طویل القامة علیه درع و الدم ینزف من جراحته، فبنوا علیه مشهدا و اشتهر بین الناس أن الدعاء فیه مستجاب، فصار مقصودا یقصده الناس من
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 410
الأطراف كلّها.
و حدّثنی أبی، رحمة اللّه علیه، انّه ذهب إلیه زائرا، و قدام المشهد مسجد، قال: فتركت الدابّة مع الغلام و دخلت المسجد أصلّی، و فرشت مصلّای فی المحراب، قال: فرفعت رأسی من السجود فرأیت علی مصلّای رمانة كبیرة طریة كأنّها قطعت من شجرها فی الحال، و شجرها لا ینبت بأرض قزوین و نواحیها، و إنّما یجلب إلیها من الری، و كان الوقت صیفا لا یوجد الرمان فی شی‌ء من البلاد أصلا، قال: فلمّا فرغت من الزیارة خرجت و قلت للغلام:
هل دخل المسجد أحد؟ قال: لا. قلت: هل خرج منه أحد؟ قال: لا.
فتعجّبت و الرمانة معی حتی وصلت إلی ضیعتنا، و طروز كان علی طریقی و الرمانة بعد معی، فعرضتها علی أخی و جمع كانوا هناك، فتعجّبوا منه فتركتها مع رحلی و مضیت لحاجة و عدت فما رأیتها، فسألت غلامی عنها فقال: لا علم لی بها! و مرّ علی ذلك مدّة حتی كنت فی بعض أسفاری وحدی، فإذا أنا برجل شیخ طویل القامة كثّ اللحیة ینادینی: یا محمّد! ما صنعت بتلك الرمانة؟
فقصدت نحوه لأتبرك به، فغاب عن عینی و لم أدر أین ذهب، علیه رحمة اللّه.

طروز

قریة كبیرة من قری قزوین، غنّاء كثیرة المیاه و الأشجار و البساتین و الثمار.
و لطیبها و نزاهتها اتّخذها أتراك العجم ممالیك السلاطین مسكنا، و بنوا بها قصورا و توالدوا و تناسلوا هناك، فمن دخلها تحیّر فیها من كثرة خیراتها و فواكهها و ثمارها و حسن عمارتها و طیب هوائها و حسن صور أهلها فكأنّ فیها من أولاد الأتراك صورا ملیحة و وجوها صبیحة، فمن دخلها ما أراد الخروج عنها، و كان الأمر علی ذلك إلی ورود التتر.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 411

طمغاج‌

مدینة مشهورة كبیرة من بلاد الترك، ذات قری كثیرة، و قراها بین جبلین فی مضیق لا سبیل إلیها إلّا من ذلك المضیق، و لا یمكن دخولها لو منع مانع فلا یتعرّض لها أحد من ملوك الترك، لعلمهم بأن قصدها غیر مفید، و سلطانها ذو قدر و مكانة عند ملوك الترك.
بها معادن الذهب فلذلك كثر الذهب عندهم حتی اتّخذوا منه الظروف و الأوانی. و أهلها زعر لا شعر علی جسدهم و رجالهم و نساؤهم علی السواء فی ذلك. و فی نسائها خاصّیّة عجیبة، و هی أنّهن یوجدن كلّ مرّة عند غشیانهن أبكارا. و حكی بعض التجّار أنّه اشتری جاریة تركیّة وجدها كذلك.
و حكی الأمیر أبو المؤید بن النعمان أنّه بها عینان: إحداهما عذب و الأخری ملح، و هما تنصبان إلی حوض و تمتزجان فیه، و یمتدّ من الحوض ساقیتان:
إحداهما عذب لا ملوحة فیه، و الأخری ملح. و ذكر انّه من كرامات رجل صالح اسمه ملیح الملاح، وصل إلی تلك الدیار و دعا أهلها إلی الإسلام، و ظهر من كراماته أمر هذا الحوض و السواقی، فأسلم بعض أهلها و هم علی الإسلام إلی الآن.

طوس‌

مدینة بخراسان بقرب نیسابور مشهورة، ذات قری و میاه و أشجار، و المدینة تشتمل علی محلّتین، یقال لإحداهما طابران، و الأخری نوقان. و فی جبالها معادن الفیروزج، و ینحت منها القدور البرام و غیرها من الآلات و الظروف حتی قال بعضهم: قد ألان اللّه لأهل طوس الحجر كما ألان لداود، علیه السلام، الحدید.
منها جمع عقم الزمان بمثلهم ممّن ینسب إلیها الوزیر نظام الملك الحسن
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 412
ابن علیّ بن إسحق، لم یر وزیر أرفع منه قدرا و لا أكثر منه خیرا و لا أثقب منه رأیا. و كان مؤیّدا من عند اللّه. حكی أن قیصر الروم جاء لقتال السلطان الب أرسلان فقال السلطان لنظام الملك: ماذا تری؟ یقولون عسكره أكثر من عسكرنا! فقال نظام الملك: لیس النصر من الكثرة إنّما النصر من عند اللّه، نحن نتوكّل علی اللّه و نلتقیه یوم الجمعة وقت تقول الخطباء علی المنابر: اللهمّ انصر جیوش المسلمین! ففعلوا ذلك فنصرهم اللّه.
و حكی أن السلطان الب أرسلان دخل مدینة نیسابور، فاجتاز علی باب مسجد فرأی جمعا من الفقهاء علی باب ذلك المسجد فی ثیاب رثّة، لا خدموا للسلطان و لا دعوا له، فسأل السلطان نظام الملك عنهم فقال: هؤلاء طلبة العلم و هم أشرف الناس نفسا، لا حظّ لهم من الدنیا، و یشهد زیّهم علی فقرهم.
فأحسّ بأن قلب السلطان لان لهم، فعند ذلك قال: لو أذن السلطان بنیت لهم موضعا و أجریت لهم رزقا لیشتغلوا بطلب العلم و دعاء دولة السلطان! فأذن له، فأمر نظام الملك ببناء المدارس فی جمیع مملكة السلطان، و أن یصرف عشر مال السلطان الذی هو مختصّ بالوزیر فی بناء المدارس، و هو أوّل من سنّ هذه السنّة الحسنة.
و حكی نظام الملك فی كتابه سیر الملوك أن بعض المفسدین قال للسلطان ملكشاه: ان فی معیشك أربعمائة ألف فارس، و أمر المملكة یتمشّی بسبعین ألفا، فإن سبعین ألفا لم یغلبوا من القلّة، فلو أسقطتهم امتلأت الخزانة من المال! و مال السلطان إلی قوله، فلمّا عرفت ذلك قلت للسلطان: هذا قول من أراد اثارة الفتنة و فساد المملكة! إن ملكك خراسان و ما وراء النهر إلی كاشغر و بلاد غور و خوارزم و اللان و ارّان و آذربیجان، و الجبال و العراق و فارس و كرمان و الشام و ارمن و أنطاكیة، و انّها إنّما تبقی محفوظة بهذه العساكر، و لم یذكر أن دولة الخلفاء العظام و الملوك الكبار قد خلت من خروج خارجی و ظهور مخالف، و هذه الدولة المباركة بسعادة السلطان سلمت عن الكدورات،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 413
فلو كانت العساكر ثمانمائة ألف لكانت السند و الهند و الصین و مصر و البربر و الحبشة و الروم أیضا فی طاعتنا. ثمّ ان السلطان ان أثبت سبعین ألفا و أسقط ثلاثمائة و ثلاثین ألفا، فالساقطون لیسوا أصحاب حرف یشتغلون بصنعتهم، یجتمعون علی ید واحد، و یدخلون تحت طاعته، فنشأ من ذلك فساد عظیم و یكون الخصم فی ثلاثمائة و ثلاثین ألفا و نحن فی سبعین ألفا، فتمشی الأموال و تهلك، و یكون ذلك نتیجة نصیحة هذا الناصح الذی ینصح بجمع الأموال و تفریق الرجال.
و حكی انّه كان شدید التعصّب علی الباطنیّة، و قد خرج من أصفهان و به عقابیل المرض فی العماریة. فلمّا وصل إلی قریة من قری نهاوند یقال لها قیدسجان، تعرّض له رجل و نادی: مظلوم! مظلوم! فقال الوزیر: ابصروا ما ظلامته.
فقال: معی رقعة أرید أسلمها إلی الوزیر! فلمّا دنا منه وثب علیه و ضربه بالسكّین، و كانت لیلة الجمعة الحادی و العشرین من رمضان سنة خمس و ثمانین و أربعمائة، فحمل إلی أصفهان و دفن فی مدرسته.
و ینسب إلیها الإمام حجّة الإسلام أبو حامد محمّد بن محمّد بن محمّد الغزّالی.
لم تر العیون مثله لسانا و بیانا و خاطرا و ذكاء و علما و عملا. فاق أقرانه من تلامذة إمام الحرمین، و صار فی أیّام إمام الحرمین مفیدا مصنّفا، و إمام الحرمین یظهر التبجّج به. و كان مجلس نظام الملك مجمع الفضلاء، فوقع لأبی حامد فی مجلسه ملاقاة الفحول و مناظرة الخصوم فی فنون العلوم، فأقبل نظام الملك علیه و انتشر ذكره فی الآفاق، فرسم له تدریس المدرسة النظامیة ببغداد، و صنّف كتبا لم یصنّف مثلها، ثمّ حجّ و ترك الدنیا و اختار الزهد و العبادة، و بالغ فی تهذیب الأخلاق و دخل بلاد الشام، و صنّف كتبا لم یسبق إلی مثلها كإحیاء علوم الدین، ثمّ عاد إلی خراسان مواظبا علی العبادات إلی أن انتقل إلی جوار الحقّ بطوس سنة خمس و خمسمائة عن أربع و خمسین سنة. قیل: ان تصانیفه وزّعت علی أیّام عمره فأصاب كلّ یوم كراس.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 414
حكی الشیخ أبو الفتح عامر الساوی قال: كنت بمكّة سنة خمس و أربعین و خمسمائة، فبینا أنا بین النوم و الیقظة إذ رأیت عرضة عریضة فیها ناس كثیرون، و فی ید كلّ واحد مجلّد یحلقون علی شخص فقالوا: هذا رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم! و هؤلاء أصحاب المذاهب یعرضون مذاهبهم علیه. فبینا أنا كذلك إذ جاء واحد بیده كتاب قیل إنّه هو الشافعی، فدخل وسط الحلقة و سلّم علی رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، فردّ الجواب علیه و هو، علیه السلام، فی ثیاب بیض، علی زیّ أهل التصوّف، فقعد الشافعی بین یدیه و قرأ من كتاب مذهبه و اعتقاده علیه، ثمّ جاء بعده رجل آخر قالوا انّه أبو حنیفة، و بیده كتاب، فسلّم و قعد بجنب الشافعی و قرأ مذهبه و اعتقاده، ثمّ یأتی صاحب كلّ مذهب حتی لم یبق إلّا القلیل، و كلّ یقرأ و یقعد بجنب الآخر. ثمّ جاء واحد من الروافض و بیده كراریس غیر مجلدة، فیها مذهبهم و اعتقادهم، و همّ أن یدخل الحلقة، فخرج واحد ممّن كان عند رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، و أخذ الكراریس و رماها خارج الحلقة و طرده و أهانه. فلمّا رأیت أن القوم قد فرغوا قلت: یا رسول اللّه، هذا الكتاب معتقدی و معتقد أهل السنّة، لو أذنت لی قرأت علیك. فقال، صلّی اللّه علیه و سلّم: أی شی‌ء ذلك؟
قلت: قواعد العقائد للغزالی. فأذن لی بالقراءة، فقعدت و ابتدأت: بسم اللّه الرحمن الرحیم، الحمد للّه المبدی‌ء المعید، الفعّال لما یرید، ذی العرش المجید، و البطش الشدید، الهادی صفوة العبید إلی النهج الرشید، و الملك الشدید، المنعم علیهم بعد شهادة التوحید، بحراسة عقائدهم من ظلمات التشكیك و التردید، إلی أن وصلت إلی قوله: و انّه تعالی بعث الأمی القرشی محمّدا، صلّی اللّه علیه و سلّم، إلی العرب و العجم كافة من الجنّ و الانس، فرأیت البشاشة فی وجه رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، فالتفت إلیّ و قال: أین الغزالی؟ كأنّه كان واقفا فی الحلقة! فقال: ها أنا ذا یا رسول اللّه! فقدم و سلّم علی رسول اللّه، علیه السلام، فردّ علیه الجواب و ناوله یده المباركة. فصار الغزالی یقبّل
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 415
یده المباركة و یضع خدّیه علیها تبرّكا بها، فما رأیت رسول اللّه، علیه السلام، أكثر استبشارا بقراءة أحد مثل استبشاره بقراءتی، فسأل اللّه تعالی أن یمیتنا علی عقیدة أهل الحقّ، و أن یحشرنا مع الذین أنعم اللّه علیهم من النبیّین و الصدّیقین و الشهداء و الصالحین، قال الأبیوردی:
بكی علی حجّة الإسلام حین ثوی‌من كلّ حیّ عظیم القدر أشرفه
مضی و أعظم مفقود فجعت به‌من لا نظیر له فی النّاس یخلفه
و ینسب إلیها ملك الابدال أحمد بن محمّد بن محمّد الغزالی. كان صاحب كرامات ظاهرة. كان أخوه حجّة الإسلام یقول: ما حصل لنا بطریق الاشتغال ما حصل لأحمد بطریق الریاضة. حكی أن الشیخ محمّدا كان یصلّی و الشیخ أحمد حاضر، فلمّا فرغ من صلاته قال له: أیّها الأخ قم أعد صلاتك، لأنّك كنت فی الصلاة تحاسب حساب البقال!
و حكی أن السلطان ملكشاه كان مریدا للشیخ أحمد، فذهب ابنه سنجر إلی زیارة الشیخ، و كان حسن الصورة جدّا، فالشیخ قبّله فی خدّه، فكره الحاضرون ذلك و ذكروه للسلطان فقال السلطان لابنه سنجر: الشیخ قبّل خدّك؟
قال: نعم. قال: ملكت نصف الأرض، ولو قبّل الجانب الآخر ملكت كلّها! و كان الأمر كذلك.
و حكی أن رجلا أراد أن یأخذ امرأة خاطئة لیلة بأجرة معلومة، فالشیخ زاد فی أجرتها و أخذها إلی بیته و أقعدها فی زاویة من البیت، و اشتغل هو بالصلاة إلی الصباح. فلمّا كان النهار و قد أعطاها أجرتها قال لها: قومی و اذهبی إلی حیث شئت! و غرضه دفع الزنا عنهما، رحمة اللّه علیه و رضوانه.
و ینسب إلیها الحكیم الفردوسی. كان من دهاقین طوس له ملك فی ضیعة یظلمه عامل الضیعة، فذهب إلی باب السلطان محمود بن سبكتكین لدفع ظلم العامل، و كان یطلب وسیلة. قیل له: الشعراء مقربون الآن لأن السلطان یرید
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 416
أن یجعلوا له تاریخ ملوك العجم منظوما، و أقربهم إلی السلطان العنصری، فطلبه الفردوسی فوجده فی بستان و معه الفرخی و العسجدی، فذهب إلیهم و سلّم و جلس عندهم فقالوا: نحن شعراء لا نجالس إلّا من كان مثلنا! فقال: أنا أیضا شاعر! فقالوا: أجز معنا هذا البیت:
قال العنصری:
جون روی تو خورشیذ نباشذ روشن قال الفرخی:
مانند رخت كل نبود در كلشن قال العسجدی:
مر كانت همی كذر كند بر جوشن قال الفردوسی:
مانند سنان كیو در جنك بشن فقالوا: ما أدراك بحال كیو و جنك بشن؟ قال: أنا عارف بوقائع ملوك العجم. فاستحسنوا ما أتی به الفردوسی، و ذكروه عند السلطان، فأعطی السلطان لكلّ شاعر جزاء و أعطی للفردوسی أیضا جزاء. فرأوا شعر الفردوسی خیرا من شعرهم، و كان شعر كلّ واحد لا یشابه شعر الآخر، لأن شأنها كان فصیحا و شأنها كان ركیكا، فقال: إنی أتولّی نظم الكتاب كلّه و لا حاجة إلی غیری! فنظم الكتاب من أوّل زمان كیومرث، و هو أوّل ملك ملك إلی زمان یزدجرد بن شهریار، آخر ملوك العجم، فی سبعین ألف بیت مشتملا علی الحكم و المواعظ و الزواجر و الترغیب و الترهیب، بعبارة فصیحة، و حمل الكتاب إلی السلطان فأعجبه و أمر له بحمل فیل ذهبا. فقال الوزیر: جائزة شاعر حمل فیل ذهبا كثیر، ألا حمل فیل فضة؟ و كان الفردوسی یطمع بمنصب رفیع
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 417
من المناصب مثل الوزارة، فلمّا رأی حمل فیل فضّة اشتری به فقاعا و شربه، و ألحق بالكتاب هذه الأبیات الثلاثة:
برین سال بكذشت از سی و بنج‌بدرویشی و ناتوانی و رنج
بذان تا بیری مرا بر دهذمرا شاه مر تخت واسفر دهذ
جو اندر نهاذش بزركی نبوذنیارست نام بزركان شنوذ
و حكی أن الشیخ قطب الدین أستاذ الغزالی اجتاز علی قبر الفردوسی مع أصحابه، فقال بعضهم: نزور الفردوسی! فقال الشیخ: دعه فإنّه صرف عمره فی مدح المجوس! فرأی ذلك القائل الفردوسی فی نومه یقول له: قل للشیخ لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربّی إذا لأمسكتم خشیة الإنفاق، و كان الانسان قتورا.

طیب‌

بلیدة بین واسط و خوزستان، قال داود بن أحمد الطیبی: مدینة طیب من عمارة شیث بن آدم، علیه السلام، و ما زال أهلها علی ملّة شیث إلی أن جاء الإسلام. و المدینة قدیمة، أحدث القدماء بها أشیاء و طلسمات، منها ما زال و منها ما بقی. و ممّا زال قالوا: كان بها طلسم لدفع العقارب و الحیّات، و كان باقیا إلی قریب من زماننا.
و من عجائبها الباقیة أن لا یدخلها زنبور البتّة، فإن دخلها مات، و لا یدخلها غراب أبقع و لا عقعق.

طیزناباد

معناه عمارة الضراط. قریة بین الكوفة و القادسیّة علی جادة الحاج من أنزه المواضع. و هی محفوفة بالكروم و الأشجار و الخانات و المعاصر. كانت أحد
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 418
المواضع المقصودة بالبطالة و الآن خراب، لم یبق بها إلّا قباب یسمّونها قباب أبی نواس؛ قال أبو نواس:
قالوا: تنسّك بعد الحجّ؟ قلت لهم:أرجو الإله و أخشی طیزنابادا
أخشی قضیّب كرم أن ینازعنی‌رأس الحطام إذا أسرعت إعدادا
فإن سلمت، و ما نفسی علی ثقةمن السّلامة، لم أسلم ببغدادا!
و قال محمّد بن عبد اللّه: قدمت من مكّة فلمّا صرت إلی طیزناباد ذكرت قول أبی نواس:
بطیزناباد كرم ما مررت به‌إلّا تعجّبت ممّن یشرب الماء
فهتف هاتف أسمع صوته و لا أراه:
و فی الجحیم حمیم ما تجرعه‌خلق فأبقی له فی البطن أمعاء!

عانة

بلیدة بین هیت و الرقّة، یطوف بها خلیج من الفرات. و هی كثیرة الأشجار و الثمار و الكروم، و لها قلعة حصینة، و لكثرة كرومها تنسب العرب إلیها الخمر.
و أهل بغداد إذا شاهدوا ظلما قالوا: الخلیفة إذا فی عانة! لأن البساسیری استولی علی بغداد و حمل التائم بأمر اللّه إلی عانة، و خطب باسم خلفاء مصر سنة، فجاء السلطان طغرلبك السلجوقی فی سنة أربعین و أربعمائة و حارب البساسیری و قتله، و جاء بالخلیفة من عانة و ردّه إلی مقرّه و مشی قدام مهده راجلا حتی خاطبه الخلیفة بنفسه و قال: اركب یا ركن الدین! و هو أوّل سلاطین السلجوقیة و أرفعهم قدرا، و هو الذی انتزع الملك من سلاطین بنی سبكتكین.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 419

عبّادان‌

جزیرة تحت البصرة قرب البحر الملح، فإن دجلة إذا قاربت البحر تفرّقت فرقتین عند قریة تسمّی المحرزی: فرقة تذهب إلی ناحیة البحرین و هی الیمنی، و الیسری تذهب إلی عبّادان و سیراف و الجنّابة، و عبادان فی هذه الجزیرة و هی مثلثة الشكل، و إنّما قالوا: «لیس وراء عبادان قریة» لأن وراءها بحرا.
و من عجائبها أن لا زرع بها و لا ضرع، و أهلها متوكّلون علی اللّه یأتیهم الرزق من أطراف الأرض. و فیها مشاهد و رباطات و قوم مقیمون للعبادة منقطعون عن أمور الدنیا، و أكثر موادهم من النذور.

عبد اللّه اباذ

قریة بین قزوین و همذان. بها حمّة عجیبة لیس فی شی‌ء من البلاد مثلها، و ذلك ان الماء یفور منها فورانا شدیدا قدر قامة و أكثر، و إذا تركت البیضة علی عمود الماء النابع تبقی علیها و تسلقها حرارة الماء. و یجتمع هذا الماء فی حوض یأتیه أصحاب العاهات و یستحمّون به، ینفعهم نفعا عظیما بیّنا.

العراق‌

ناحیة مشهورة، و هی من الموصل إلی عبّادان طولا، و من القادسیة إلی حلوان عرضا. أرضها أعدل أرض اللّه هواء و أصحّها تربة و أعذبها ماء. و هی كواسطة القلادة من الاقلیم، و أهلها أصحاب الأبدان الصحیحة و الأعضاء السلیمة، و العقول الوافرة و الآراء الراجحة و أرباب البراعة فی كلّ صناعة.
و الغالب علیهم الغدر لكثرة الأشرار و مكر اللیل و النهار. أقام بها عبد اللّه بن المبارك سبعة عشر یوما تصدّق بسبعة عشر درهما كفّارة لذلك. و أهلها مخصوصون ببغض الغرباء خصوصا العجم.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 420
و یقال لأهل العراق نبط؛ قالوا: نبط كان اسم رجل شریر كثرت جنایاته فی زمن سلیمان بن داود، علیه السلام، فأمر بحبسه، فاستغاث منه أهل الحبس إلی سلیمان من كثرة سعایته و نمیمته، و القائه الشرّ بین أهل الحبس، فأمر سلیمان، علیه السلام، بتقییده و حمله إلی حبس الشیاطین، فاستغاث الشیاطین و قالوا:
یا نبیّ اللّه لا تجمع بین الحبس و مقاساة نبط! فرأی سلیمان أن یأمره بشغل حتی یقلّ شرّه. و كان فی الحبس امرأة مومسة، قیل لنبط: نرید منك أن تغسل هذا الصوف الأسود و تبیّضه بالغسل، و أن تروّح هذه المرأة حتی یلتحم فرجها بالترویح. فأمر بذلك و وكل به، ففعل ذلك مدّة طویلة حتی ضجر، ثمّ أراد أن یجرّب هل التحمت أم لا، فباشرها، فحملت منه و أتت بولد و صار له نسل بأرض العراق، فلهذا تری السعایة و النمیمة و الفجور فی النبط كثیرا لأنّها شیمة أبیهم نبط!
و حكی أن عبد اللّه بن المبارك قیل له: كیف رأیت أهل العراق؟ قال:
ما رأیت بها إلّا شرطیّا غضبان!
بها نهر دجلة، مخرجه من جبل بقرب آمد عند حصن یعرف بحصن ذی القرنین، و هی هناك ساقیة كلّما امتدّ ینضمّ إلیها میاه جبال دیار بكر، ثمّ یمتدّ إلی میافارقین و إلی حصن كیفا، ثمّ إلی جزیرة ابن عمر و یحیط بها ثمّ إلی الموصل ثمّ إلی تكریت، و قبل ذلك ینصبّ إلیه الزابان و یعظم بهما، ثمّ إلی بغداد ثمّ إلی واسط ثمّ البصرة ثمّ إلی عبّادان و ینصبّ إلی البحر. و ماء دجلة من أعذب المیاه و أخفّها و أكثرها نفعا لأن مجراه من مخرجه إلی مصبّه فی العمارات، و فی آخر الصیف یستعملونه كلّه بواسط و البصرة.
و روی عن ابن عبّاس أن اللّه تعالی أوحی إلی دانیال، علیه السلام، أن فجّر لعبادی نهرین، و اجعل مصبّهما البحر، فقد أمرت الأرض أن تطیعك.
فأخذ خشبة یجرّها فی الأرض و الماء یتبعه، فكلّما مرّ بأرض یتیم أو أرملة أو شیخ ناشده اللّه فیحید عنها، فعواقیل دجلة و الفرات من ذلك.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 421
و بها نهر الفرات. مخرج الفرات من أرمینیة ثمّ من قانیقلا، و یدور بتلك الجبال حتی یدخل أرض الروم، و یخرج إلی ملطیة ثمّ إلی سمیساط ثمّ إلی قلعة نجم ثمّ إلی الرقّة ثمّ إلی عانة ثمّ إلی هیت، فیصیر أنهارا تسقی زروع السواد و ما فضل منها انصبّ فی دجلة، بعضه فوق واسط و بعضه بین واسط و البصرة، فیصیر الفرات و دجلة نهرا عظیما یصبّ فی بحر فارس.
و روی أن أربعة أنهار من الجنّة: النیل و الفرات و سیحان و جیحان. و روی عن علیّ، رضی اللّه عنه، انّه قال: یا أهل الكوفة، إن نهركم هذا یصبّ إلیه میزابان من الجنّة.
و روی عن جعفر بن محمّد الصادق انّه شرب من الفرات فحمد اللّه و قال:
ما أعظم بركته! لو علم الناس ما فیه من البركة لضربوا علی حافتیه القباب! و لو لا ما یدخله من الخطّائین ما اغتمس فیه ذو عاهة إلّا برأ.
و حكی السدی أن الفرات مدّ فی زمن علیّ بن أبی طالب، كرم اللّه وجهه، فألقی رمانة فی غایة العظم فأخذت فكان فیها كرّ حبّ قسمها بین المسلمین، فكانوا یرون أنّها من الجنّة. و هذا حدیث مشهور فی عدّة كتب للعلماء.
ینسب إلیها هشام بن الحكم، و كان معتزلیّا یرجح علیّا، فقال رجل: إنی ألزمه أن یقول عند الخلیفة إن علیّا كان ظالما! فلمّا حضر هشام عند الخلیفة قال: أبا محمّد، أنشدك باللّه أما تعلم أن علیّا نازع العبّاس عند أبی بكر؟ قال:
نعم. قال: فمن كان الظالم منهما؟ فكره أن یقول العبّاس خوفا من الخلیفة، و كره أن یقول علیّ خوفا من مخالفة اعتقاده، فقال: ما منهما ظالم! فقال الرجل:
كیف یتنازعان و لا یكون أحدهما ظالما؟ فقال: كما اختصم الملكان إلی داود، علیه السلام، و ما منهما ظالم، و غرضهما تنبیه داود علی الخطیئة؛ هكذا كان العبّاس و علیّ، كان غرضهما تنبیه أبی بكر علی خطیئته.
و ینسب إلیها یحیی بن معمر، أحضره الحجّاج و قال: أنت الذی تقول الحسین بن علیّ من ذریة رسول اللّه؟ قال: نعم. قال: فواللّه لتأتین بالمخرج
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 422
عمّا قلت أو لأضربنّ عنقك! فقال یحیی: إن جئت بالمخرج فأنا آمن؟ قال:
نعم. قال: اقرأ «و تلك حجّتنا آتیناها إبراهیم» إلی قوله «و من ذریته داود و سلیمان» إلی قوله «و زكریا و یحیی و عیسی» فمن یعدّ عیسی من ذریة إبراهیم لا یعدّ الحسین من ذریة محمّد، علیه السلام؟ فقال الحجّاج: و اللّه كأنی ما قرأت هذه الآیة قطّ! فولّاه قضاء المدینة، و كان قاضیها إلی أن مات.
و ینسب إلیها أبو محمّد سلیمان بن مهران الأعمش. قال عیسی بن یونس:
ما رأینا فی زماننا مثل الأعمش، فكان الأغنیاء و الملوك فی مجلسه أحقر شی‌ء، و هو محتاج إلی درهم! حكی انّه یوم الشكّ من رمضان یأتیه الناس یستخبرون منه، فضجر من ذلك و ترك بین یدیه رمّانة، كلّ من دخل علیه قبل أن یستخبر منه أخذ حبّة رماها فی فمه، لیعلم أن الیوم لیس یوم صوم.
و حكی أن أبا حنیفة ذهب إلیه فلمّا أراد الذهاب قال له: لا یكون ثقلت علیك! فقال: أنت فی بیتك ثقبل علیّ فكیف فی بیتی؟
و حكی أبو بكر بن عیاش قال: دخلت علی الأعمش فی مرض موته فقلت:
أدعو لك طبیبا؟ فقال: ما أصنع به؟ و اللّه لو كانت نفسی بیدی لطرحتها فی الحشّ! لا تؤذینّ أحدا و اطرحنی فی لحدی!
ولد الأعمش یوم قتل الحسین یوم عاشوراء سنة ستّین، و توفی فی سنة ثمان و أربعین و مائة، و هو ابن ثمان و ثمانین سنة.
و ینسب إلیها أبو الحسین سمنون بن حمزة صحب السری السقطی. كان من أولیاء اللّه، ذكر انّه لمّا أنشد:
و لیس لی فی سواك حظّفكیفما شئت فاختبرنی
أخذه الأسر من ساعته، و كان یدور علی المكاتب للصبیان و یقول: ادعوا لعمّكم الكاذب!
و حكی أبو أحمد المغازلی أنّه كان ببغداد رجل أنفق علی الفقراء أربعین
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 423
ألف درهم فقال لی سمنون: یا أبا أحمد، أما تری هذا أنفق أربعین ألف درهم و نحن ما نجد شیئا؟ فامض بی إلی موضع كذا نصلّی بكلّ درهم أنفقه ركعة! فمضینا و صلّینا أربعین ألف ركعة!
و ینسب إلیها إبراهیم الآجرّی، رحمه اللّه، قال: أتانی یهودیّ له علیّ دین یتقاضاه، و أنا عند الشاخورة أوقدت نارا تحت الآجر، فقال: یا إبراهیم أرنی آیة أسلم! قلت: أو تفعل ذلك؟ قال: نعم. فأخذت ثیابه و لففتها فی وسط ثیابی و رمیتها فی الشاخورة، ثمّ دخلت الشاخورة و أخذت الثیاب و خرجت من الباب الآخر، فإذا ثیابه فی وسط ثیابی صارت حراقا و ثیابی بحالها. فلمّا رأی الیهودیّ ذلك أسلم!
و ینسب إلیها أبو الحسن علیّ بن الموفق، كان یقول: اللهمّ إن كنت تعلم أنی أعبدك خوفا من نارك فعذبنی بها، و إن كنت تعلم انی أعبدك حبّا لجنّتك فاحرمنیها، و إن كنت تعلم أنی أعبدك حبّا منی لك و شوقا إلی وجهك فالحنیه و اصنع ما شئت!
و حكی أنّه وجد قرطاسا فی الطریق، قال: فأخذته و وضعته فی كمّی و جلست أقرأه فإذا فیه: بسم اللّه الرحمن الرحیم، یا علیّ بن الموفق تخاف الفقر و أنا ربّك؟
و حكی انّه قال: تمّمت ستین حجّة فلمّا فرغت من الطواف قعدت تحت المیزاب، فأنكرت فی حالی عند اللّه تعالی و كثرة تردّدی إلی هذا المكان، فغلبتنی عینی فإذا قائل یقول: یا علیّ، هل تدعو إلی بیتك إلّا من تحبّه؟ فسری عنی ما كنت فیه.
حكی محمّد بن إسحق السرّاج قال: سمعت علیّ بن الموفق یقول: حججت نیفا و خمسین حجّة، فنظرت إلی ضجیج أهل الموقف فقلت: اللهمّ إن كان فیهم واحد لم تقبل حجّه فقد وهبت حجّتی له! فرجعت إلی المزدلفة و بتّ فیها، فرأیت فی نومی ربّ العزّة تعالی، فقال لی: یا علیّ بن الموفق أتتسخّی علیّ؟ قد غفرت لأهل الموقف و لأمثالهم و شفّعت كلّ واحد فی أهل بیته و ذریته
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 424
و عشیرته، و إنّا أهل التقوی و أهل المغفرة. توفی علیّ بن الموفق سنة خمس و ستّین و مائتین.

عزّان‌

مدینة كانت علی الفرات للزّبّاء بنت ملیح بن البراء. قتله جذیمة الأبرش صاحب الحیرة، فلحقت الزباء بالروم و جمعت الرجال و بذلت الأموال، و عادت إلی ملك أبیها و أزالت جذیمة عنها، و بنت علی طرف الفرات مدینتین متقابلتین من شرقیّ الفرات و غربیّه، و جعلت بینهما نفقا تحت الفرات فكانت إذا رهقها الأعداء أوت إلیه، و جرت بینها و بین جذیمة مهادنة؛ قال ابن الكلبی: لم یكن فی نساء عصرها أجمل منها، و كان اسمها فارغة، و كانت تسحب شعرها وراءها إذا مشت و إذا نشرته جلّلها، فسمّیت الزّبّاء. فأراد جذیمة أن یتزوّجها و یضمّ ملكها إلی ملكه، فخطبها فأجابته علی شرط أن یصیر إلیها. و كان لجذیمة وزیر اسمه قصیر. قال لجذیمة: لا تمش إلی هذه المرأة فإنی لست آمنها علیك! فقال: لا یطاع لقصیر أمر! فأرسلها مثلا. فلمّا دخل علیها أمرت جواریها فأخذن یده. قالت له: أیّ قتلة ترید أن أقتلك؟ فقال: إن كان لا بدّ فاقتلینی قتلة كریمة! فأطعمته حتی شبع، و سقته حتی ثمل، و فصدت شریانه حتی نزف دمه و مات. فبلغ قصیرا خبره فجدع أنف نفسه و أظهر أنّه جدعه عمرو بن عدی ابن أخت جذیمة، لأنّه أشار إلیه بتزویج الزّبّاء. فراسل قصیر الزّبّاء و أطمعها فی ملك جذیمة، فركبت إلیه و صار قصیر إلیها بأمان، و أخبرها بسعة التجارات، فدفعت إلیه مالا فأتاها بربح كثیر، ثمّ زادته فی المال فأتاها بربح عظیم، فأنست به و جعلته من بطانتها. و أخبرته: انی حفرت من قصری علی الفرات هذا إلی القصر الآخر علی الجانب الآخر من الفرات سربا تحت الماء، و جعلت باب السرب تحت سریری هذا و مخرجه تحت سریری الآخر، فإن راعنی أمر خرجت إلی الجانب الآخر. فحفظه قصیر و مضی بالمال و حصل ألفی رجل
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 425
فی ألفی صندوق علی ألف جمل، و علی الرجال الدروع و معهم السیوف، و أقبل بهم إلی الزّبّاء. فلمّا قرب من مدینتها صعدت الزّبّاء سور مدینتها تنظر إلی العیر مثقلة فقالت:
ما للجمال مشیها وئیدا؟أ جندلا یحملن أم حدیدا؟
أم صرفانا باردا شدیدا؟أم الرّجال جثّما قعودا؟
فجاء قصیر بالعیر و دخل المدینة فأناخ الجمال و ثار الرجال من الصنادیق بالسیوف و ضربوا من أدركوه، فلمّا علمت الزبّاء قصدت السرب لتدخل فیه، فبادرها عمرو بن عدی، و كان من رجال الصنادیق، وقف علی باب السرب بالسیف فعلمت انّه قاتلها، فمصّت سمّا تحت خاتمها و قالت: بیدی لا بید عمرو! فأرسلته مثلا. و من الأمثال: لأمر ما جدع قصیر أنفه!

عقرقوف‌

قریة قدیمة من قری بغداد؛ قالوا: بناها عقرقوف بن طهمورث، و إلی جانب هذه القریة تلّ عظیم من تراب، یری من خمسة فراسخ كأنّه قلعة عظیمة. للناس فیه أقاویل كثیرة، قال ابن قطیفة: ملك الروم كلّما رأی أحدا من أهل العراق سأله عن تلّ عقرقوف، فإن قال: انّه بحاله، یفرح و یقول:
انّه لا بدّ أن نطأه.

غرشستان‌

ناحیة واسعة كثیرة القری، الغور فی شرقیها و هراة فی غربیها، و مرو الروذ فی شمالها و غزنة فی جنوبها. و الغرش بلغتهم الجبال و معناه قهستان.
و الغالب علی أرضها الجبال، و بها دروب و أبواب لا یمكن دخولها إلّا بإذن الشار، و الشار اسم ملوكهم. و أهلها صلحاء مجبولون علی الخیر، عندهم بقیّة من
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 426
عدل عمر.
قال الاصطخری: غرج الشار مدینتان، یقال لإحداهما نشین و للأخری سورمین، و هما متقاربتان و لهما میاه كثیرة و بساتین. یحمل منهما الزیت و الأرز إلی سائر البلاد.
و حكی بعض التجّار قال: مشیت إلی غرشستان فاتّفق لهم غرس، فوضعوا دستا عالیا و جاء الزوج و جلس فیه، و أسبلوا علی وجهه سجفا سخیفا شبه وقایة، و جاء المغنی یغنی بالدفوف و غیرها، و تأتی نساء أقاربهم و جیرانهم یرقصن بین یدی الزوج فرادی و مثنی و جماعة، و الزوج یراهن و یتفرّج علی رقصهن حتی لا تبقی واحدة إلّا رقصت، ثمّ تأتی العروس فی الآخر و ترقص بین یدیه أحسن رقص، ثمّ خلوا بینها و بینه.

غریّان‌

بناءان كالصومعتین بظهر الكوفة قرب مشهد أمیر المؤمنین علیّ. بناهما المنذر بن امری‌ء القیس بن ماء السماء، و سببه انّه كان له ندیمان من بنی أسد، فثملا فراجعا الملك ببعض كلامه، فأمر و هو سكران أن یحفر لهما حفرتان و یدفنا فیهما حیّین. فلمّا أصبح استدعاهما فأخبر بما أمضی فیهما فغمّه ذلك، و قصد حفرتیهما و أمر ببناء طربالین علیهما و قال: لا یمرّ وفود العرب إلّا بینهما! و جعل لهما فی السنة یوم بؤس و یوم نعیم، یذبح یوم بؤسه من یلقاه و یغری بدمه الطربالین، فإن وقعت لهما الوحش طلبها بالخیل، و إن وقع طائر أرسل علیه الجوارح. و فی یوم نعیمه یجیز من یلقاه و یخلع علیه. و لبث بذلك برهة من دهره، فخرج یوما من أیّام بؤسه إذ طلع عبید بن الأبرص الأسدی الشاعر، جاء ممتدحا، فلمّا رآه قال: هلا كان الذبح لغیرك یا عبید؟ فقال بعض الحاضرین: أبیت اللعن! عنده من حسن القریض ما هو خیر ممّا ترید منه! فاسمع فإن كان حسنا استزده و إن كان غیر ذلك فالأمر بیدك. فأنزله حتی طعم و شرب و قال له:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 427
أنشدنی فقد كان یعجبنی شعرك! فقال عبید: حال الجریض دون القریض! فقال المنذر: أنشدنی قولك اقفر من أهله ملحوب. فقال عبید:
أقفر من أهله عبیدفالیوم لا یبدی و لا یعید
عنّت له منیّة نكودو حان منه لهما ورود!
فقال المنذر: یا عبید لا بدّ من الموت! و لقد علمت لو أن النعمان ابنی عرض لی یوم بؤسی لا بدّ لی من ذبحه! و استدعی له الخمر فلمّا أخذت منه نفسه و طابت و قدم للقتل أنشد:
ألا أبلغ بنیّ و أعمامهم‌بأنّ المنایا هی الوارده!
لها مدّة فنفوس العبادإلیها، و إن كرهت، قاصده
فلا تجزعوا لحمام دنافللموت ما تلد الوالده
فأمر به ففصد حتی نزف دمه و غرّی بدمه الغریّین.
و حكی أن فی بعض أیّام بؤسه وقع رجل من طیّ‌ء یقال له حنظلة، فقال له المنذر: لابدّ من قتلك! سل حاجتك. فقال: أجرنی سنة حتی أرجع إلی أهلی و أفعل ما أرید ثمّ أصیر إلیك! فقال المنذر: و من یكفلك أنّك تعود؟ فنظر إلی جلسائه فعرف شریك بن عمرو بن شراحیل الشیبانی فقال:
یا شریك یا ابن عمروو یا أخا من لا أخا له
یا أخا المنذر فكّ‌الیوم رهنا قد أنی له
إنّ شیبان قبیل‌أكرم النّاس رجاله
و أبو الخیرات عمروو شراحیل الحماله
ورثاك الیوم فی المجدو فی حسن المقاله
فوثب شریك و قال: أبیت اللعن! یدی بیده و دمی بدمه! فأطلقه المنذر،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 428
فلمّا كان من القابل قعد المنذر ینتظر حنظلة فأبطأ، فقدّم شریك لیقتل فلم یشعر إلّا براكب قد طلع، فإذا هو حنظلة قد تكفّن و تحنّط و جاء بنادبته. فلمّا رآه المنذر عجب من وفائه فقال: ما حملك علی قتل نفسك؟ فقال: إن لی دینا یمنعنی من الغدر! قال له: ما دینك؟ قال: النصرانیّة! فاستحسن ذلك منه و أطلقهما معا، و أطلق تلك السنّة.
و كان المنذر بنی الغریین علی مثال ما بناهما ملوك مصر، و قد مرّ ذكرهما فی موضعهما. و نظر معن بن زائدة إلی الغریین و قد خرب أحدهما فقال:
لو أنّ شیئا مقیما لا یبید علی‌طول الزّمان لما باد الغریّان
قد خرّب الدّهر بالتّصریف بینهمافكلّ إلف إلی بین و هجران!

غزنة

ولایة واسعة فی طرف خراسان بینها و بین بلاد الهند، مخصوصة بصحة الهواء و عذوبة الماء وجودة التربة، و هی جبلیّة شمالیّة بها خیرات واسعة إلّا أن البرد بها شدید جدّا.
و من عجائبها العقبة المشهورة بها، فإنّها إذا قطعها القاطع وقع فی أرض دفئة شدیدة الحرّ، و من هذا الجانب برد كالزمهریر، و من خواصّها أن الأعمار بها طویلة و الأمراض قلیلة، و ما ظنّك بأرض تنبت الذهب و لا تولد الحیّات و العقارب و الحشرات المؤذیة؟ و أكثر أهلها أجلاد و أنجاد.
و عجائبها أمر الصفّارین یعقوب و عمرو و ظاهر و علیّ. كان یعقوب غلام صفّار و عمرو مكاریا، صاروا ملوكا عظماء و استولوا علی بلاد فارس و كرمان و سجستان و خراسان و بعض العراق، یقال لهم بنو اللیث الصفّار.
و بها تفّاح فی غایة الحسن یقال له الأمیری، لم یوجد مثله فی شی‌ء من البلاد، قال أبو منصور الثعالبی:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 429 تفّاخ غزنة نفّاع و نفّاح‌كأنّه الشّهد و الرّیحان و الرّاح!
أحبّه لصفات حازها قمرفی وجهه أبدا ورد و تفّاح!
و ینسب إلیها مجدود بن آدم السنائی. كان حكیما عارفا شاعرا تاركا للدنیا، و له دیوان كبیر كلّه حكم و مواعظ من حقّها أن تكتب بالذهب، لیس فیها مدح أصلا. و كان یحبّ العزلة و الانزواء عن الناس، و یسكن الخرابات و یمشی حافیا، و كان بعض الوزراء یری له و السنائی یأتیه فی أوقات، فإذا جاءه یقوم الوزیر و یجلسه مكانه فی دسته، و هو ربّما كانت رجله ملطّخة بالطین فقعد فی مسند الوزیر، و مدّ رجلیه لئلّا یتلطّخ المطرح بالطین. و حكی أن السنائی كان یمشی حافیا و لا یقبل من أحد شیئا، فاشتری له بعض أصدقائه مداسا و ألحّ علیه بالشفاعة أن یلبسه ففعل، فاتّفق أنّه تلاقاه فی الیوم الثانی و سلّم علی السنائی فخلع المداس و ردّه إلیه، فسئل عن ذلك فقال: سلامه فی الیوم الثانی ما كان یشبه السلام الذی كان قبل ذلك، و ما كان له سبب إلّا المداس!
و بها عین إذا ألقی فیها شی‌ء من القاذورات، یتغیّر الهواء و یظهر البرد و الریح العاصف و المطر فی أوانه و الثلج فی أوانه، و تبقی تلك الحالة إلی أن تنحّی عنها النجاسة. و حكی أن السلطان محمود بن سبكتكین لمّا أراد فتح غزنة كلّما قصدها بادر أهلها و ألقوا شیئا من القاذورات فی هذه العین، و لم تمكن الإقامة عندهم للعسكر. و كان الأمر علی ذلك حتی عرف السلطان ذلك منهم، و تلك العین خارج المدینة بقربها، فبعث أوّلا علی العین حفّاظا ثمّ سار نحوها فلم یر شیئا ممّا كان قبل ذلك، فافتتحها.

الغور

ولایة بین هراة و غزنة عامرة، ذات عیون و بساتین كثیرة خصبة جدّا، و الجبال محتویة علیها من جمیع جوانبها مثل الحظیرة، و نهر هراة یقطعها، یدخلها من جانب و یخرج من آخر. و إنّها شدیدة البرد جدّا لا تنطوی علی مدینة مشهورة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 430
و أكبر ما فیها قلعة یقال لها فیروزكوه، و حكی الأمیر عماد الدین والی بلخ أن بأرض الغور عینا یذهب الناس إلیها فی لیلة من السنة معلومة بقسیّ و سهام، و یرمی كلّ واحد إلیها نشّابة و علیها علامة، فإذا أصبحوا وجدوا النشابات خارجة من العین، و علی نصل بعضها رؤوس الحیوانات من الذهب، إمّا رأس طیر أو سمك أو إوزّ أو حیوان آخر، و بعض الناس لا یصیب علی نشابه شیئا، و اللّه أعلم بصحّته فی ذلك، و العهدة علی الراوی.
و بها السمندل، و هو حیوان كالفأر یدخل النار و لا یحترق، و یخرج و النار قد أزالت وسخه و صفّت لونه و زادته بریقا. یتّخذ من جلده منادیل الغمر للملوك، فإذا توسّخت تلقی فی النار لیزول وسخها.
ینسب إلیها أبو الفتح محمّد بن سام الملقّب بغیاث الدین. كان ملكا عالما عادلا مظفّرا فی جمیع وقائعه، و حروبه كانت مع كفّار خطّاء. و كان كثیر الصدقات جوادا شافعیّ المذهب، و قد بنی مدارس و رباطات و كتب بخطّه المصاحف وقفها علیها. و كان من عادته إذا مات غریب فی بلده لا یتعرّض لتركته حتی یأتی وارثه و یأخذها. و كان أوّل أمره كرامیّ المذهب و فی خدمته أمیر عالم عاقل ظریف شاعر، یقال له مباركشاه الملقّب بعزّ الدین، علم أن هذا الملك الجلیل القدر علی اعتقاد باطل، و كان یأخذه الغبن لأنّه كان محسنا فی حقّه، و كان فی ذلك الزمان رجل عالم فاضل ورع یقال له محمّد بن محمود المروروذی، الملقّب بوحید الدین، عرّفه إلی الملك و بالغ فی حسن أوصافه حتی صار الملك معتقدا فیه، ثمّ ان الرجل العالم صرفه عن ذلك الاعتقاد الباطل و صار شافعی المذهب.
و ینسب إلیها أبو المظفّر محمّد بن سام الملقّب بشهاب الدین. كان ملكا عادلا حسن السیرة. كان یقعد حتی یفصل قاضیه الحكومات بحضوره. و من مات أو قتل من ممالیكه و علیه دین لا یقطع معیشته حتی یستوفی الدین. و حكی أن صبیّا علویّا لقیه فی طریقه و قال له: إنی منذ خمسة أیّام ما أكلت شیئا!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 431
فغضب و حولق و عاد فی الحال و أخذ الصبیّ معه، و أطعمه أطیب الطعام و أعطاه من المال ما أغناه.

فراهان‌

قریة من قری همذان مشهورة، بها مملحة عجیبة، و هی بحیرة أربعة فراسخ فی أربعة، فإذا كان أیّام الخریف و استغنی الناس من أهل تلك الناحیة عن سقی المزارع و البساتین صوّبوها إلی تلك البحیرة. فإذا جاء الربیع و الصیف و احتاج الناس إلی الماء انقطع عن البحیرة انصبابه، فما بقی فیها یصیر ملحا یأخذه الناس و یحملونه إلی البلاد.
و من عجائبها أن الناس إن منعوا عنها لم تنعقد ملحا بل ینصبّ و لا یبقی له أثر، و إن لم یمنع الناس عنها تصیر ملحا؛ قال ابن الكلبی: إنّه طلسم من عمل بلیناس. و كان بفراهان سبخة یغوص فیها الراكب بفرسه و الجمل بحمله، فاتّخذ لذلك طلسما استراح الناس عنه.

فم الدبل‌

قریة من قری واسط علی شاطی‌ء شعبة من دجلة، منسوبة إلی الرفیعیة، و هم مشایخ تلك الناحیة و بیتهم بیت مبارك. عادتهم ضیافة الناس و خدمة الصلحاء و الفقراء المسافرین و القاطنین، و فی فقرائهم جمع قالوا یأكلون الحیّات، و قوم قالوا یدخلون النار، و غیر ذلك من الأمور العجیبة. و هم أقوام فی زیّ الفقراء براء من التكلّف، و لا أدب لهم إلّا خدمة الناس و لا یفرحون إلّا به.

فنك‌

قلعة حصینة علی قلّة جبل عال بقرب جزیرة ابن عمر، علی فرسخین منها، و علی القلعة قلّة مرتفعة عنها ارتفاعا كثیرا من صخرة كبیرة، و هی قلعة مستقلّة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 432
بنفسها، و إنّها بید الأكراد البشنویة من ثلاثمائة سنة، و هم قوم فیهم مروّة و عصبیة، یحمون من التجأ إلیهم. و كانت هذه القلعة فی شهور ستمائة بید رجل اسمه إبراهیم، و له أخ اسمه عیسی أراد أن ینتزعها من ید إبراهیم.
و كان إبراهیم مع خواصّه یسكن القلّة و باقی الأجناد فی نفس القلعة، فأطاع عیسی جمع من بطانة إبراهیم و فتح باب القلّة حتی صعدها نیف و عشرون رجلا، و قبضوا علی إبراهیم و من عنده و حبسوا إبراهیم فی بیت، و حبست زوجته فی بیت آخر. و لهذا البیت شباك إلی القلعة، فملك أصحاب عیسی القلّة و ینتظرون مجی‌ء عیسی، فقلعت زوجة إبراهیم الشباك، و كان عندها ثیاب خام فأوصلت بعضها ببعض و دلّتها إلی القلعة، و جعلت تسعی الرجال و لا علم لأصحاب القلّة بها. فحضر عیسی و أصحابه تحت القلعة فرأوا الرجال یصعدون القلّة بالحبل، فصاحوا إلی أصحاب القلّة لیعرفوا ذلك، فكلّما صاح أصحاب عیسی صاح أصحاب القلعة معهم لتتزاحم الأصوات فلا یفهم أصحاب القلّة كلامهم، حتی صعد بالحبل عشرون رجلا فأخرجوا إبراهیم من الحبس، و فتحوا باب القلّة حتی صعد إلیه أصحابه، و أهلكوا قوم عیسی و رجع عیسی خائبا، و بقیت القلعة إلی إبراهیم.

قاشان‌

مدینة بین قم و أصفهان. أهلها شیعة إمامیّة غالیة جدّا. و ألّف أحمد بن علیّ ابن بابه القاشانی كتابا ذكر فیه فرق الشیعة، فلمّا انتهی إلی الإمامیة و ذكر المنتظر قال: من العجب أن فی بلادنا قوما، و أنا شاهدتهم علی هذا المذهب، ینتظرون صباح كلّ یوم طلوع القائم علیهم، و لا یقنعون بالانتظار بل یركبون خیلهم متوشّحین بالسیوف شاكین السلاح، و یخرجون من مساكنهم إلی خارج البلد مستقبلین للإمام، كأنّهم قد أتاهم برید أخبرهم بوروده، فإذا طلع النهار عادوا متأسّفین و قالوا: الیوم أیضا ما جاء!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 433
و منها الآلات الخزفیّة المدهونة، و لهم فی ذلك ید باسطة لیس فی شی‌ء من البلاد مثلهم. تحمل الآلات و الظروف من قاشان إلی سائر البلاد.
بها مشمش طیّب جدّا یتّخذ منه المطوی المجفّف، و یحمل للهدایا إلی سائر البلاد، لیس فی شی‌ء من البلاد إلّا بها.
و بها من العقارب السود الكبار المنكرة ما لیس فی غیرها.

قرمیسین‌

بقرب كرمانشاهان، بلید بین همذان و حلوان علی جادة الحاج، ذكر ابن الفقیه أن قباذ بن فیروز نظر فی بلاده، فلم یجد بین المدائن و بلخ موضعا أطیب هواء و لا أعذب ماء و لا أصحّ تربة من قرمیسین، فاختاره لسكناه و بنی به قصرا یقال له قصر اللصوص.
و من عجائبه الدكّة التی كانت به مائة ذراع فی مائة ذراع، فی ارتفاع عشرین ذراعا مربّعا. و حجارتها كانت مهندمة مسمّرة بمسامیر الحدید لا تبین دروز الأحجار منها، و یظنّ الناظر انّها حجر واحد. اجتمع علیها ملوك الأرض عند كسری ابرویز و هم: فغفور ملك الصین و خاقان ملك الترك و داهر ملك الهند و قیصر ملك الروم. و كان فی هذا القصر أبواب و جواسق و خزائن بالنقوش و التصاویر، و كسری أبرویز اتّخذه متصدّیا لطیب هوائه و حسن مكانه.
حكی أن مطبخ كسری كان فی موضع بینها و بین هذا الموضع أربعة فراسخ، فإذا أراد أن یتغدّی اصطفّ الغلمان من القصر إلی المطبخ، و تناول الغضائر و الصحون بعضهم من بعض إلی محلّ جلوس الملك، و هذا بعید لأن الطبیخ لا یبقی حارّا إلی أن یحمل إلی فراسخ، فلعلّه قد فعل ذلك مرّة لیذكر ذلك من قوّة ملكه.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 434

قزوین‌

مدینة كبیرة مشهورة عامرة فی فضاء من الأرض، طیّبة التربة واسعة الرقعة كثیرة البساتین و الأشجار نزهة النواحی و الأقطار، بنیت علی وضع حسن لم یبن شی‌ء من المدن مثلها. و هی مدینتان: إحداهما فی وسط الأخری، و المدینة الصغری تسمّی شهرستان، لها سور و أبواب، و المدینة الكبیرة محیطة بها. و لها أیضا سور و أبواب، و الكروم و البساتین محیطة بالمدینة العظمی من جمیع الجوانب، و المزارع محیطة بالبساتین، و لها وادیان: أحدهما وادی درج و الآخر وادی اترك، و هذه صورتها:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 435
قال ابن الفقیه: أوّل من استحدث قزوین شابور ذو الأكتاف، و بناء شابور فی زماننا هذا یسمّی شهرستان. فلمّا اجتاز الرشید بأرض الجبال قاصدا خراسان اعترضه أهل قزوین، و أخبروه بمكانهم من أرض الدیلم، فسار إلی قزوین و بنی سور المدینة العظمی و جامعها سنة أربع و خمسین و مائتین. و أوّل من فتحها البراء ابن عازب الأنصاری، و قد وقع النفیر وقت كان الرشید بها، فرأی أهلها أغلقوا حوانیتهم و أخذوا أسلحتهم و خرجوا إلی وجه العدوّ مسرعین، فأشفق علیهم و بنی لهم السور، و حطّ عنهم خراجهم جاعلا إیّاه عشرة آلاف دینار فی كلّ سنة، و قد ورد فی فضائل قزوین أحادیث كثیرة تتضمّن الحثّ علی المقام بها لكونها ثغرا.
منها ما رواه علیّ بن أبی طالب، علیه السلام، عن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم: علیكم بالإسكندریّة أو بقزوین فإنّهما ستفتحان علی ید أمّتی، و إنّهما بابان من أبواب الجنّة، من رابط فیهما أو فی إحداهما لیلة خرج عن ذنوبه كیوم ولدته أمّه! و عن سعید بن المسیّب مرفوعا عن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم: سادات الشهداء شهداء قزوین! و أمثال هذه كثیرة.
و بین قزوین و بین الدیلم جبل كان ملوك الفرس یجعلون علیه رابطة إذا لم یكن بینهم هدنة، و ذلك الجبل هو الحاجز بین القزاونة و الإسماعیلیّة، أحد جانبیه لهؤلاء و الجانب الآخر لهؤلاء.
و بها مواضع یرجی فیها إجابة الدعاء، منها مسجد شالكان و مسجد شهرستانك و مسجد دهك و مسجد باب المشبّك الملصق بالسور، فإنّها مواضع یأتیها الابدال.
و من عجائبها مقصورة الجامع التی بناها الأمیر الزاهد خمارتاش، مولی عماد الدولة صاحب قزوین، فإن قبّتها فی غایة الارتفاع علی شكل بطیخ، لیس مثلها فی بلاد الإسلام و لا فی بلاد الكفر أكبر منها، و لا أحسن عمارة. و حكی أن الصّنّاع لمّا رفعوا قواعدها و أرادوا انضمام رأسها عجزوا عن ذلك لفرط سعتها و عمقها فلم یكن شی‌ء من الاجذاع و السلالیم یفی بها، فوقفت العمارة حتی مرّ بها صبیّ و قال: لو ملؤوها تبنا یمكنهم إتمامها! فتعجّب الصنّاع من حذقه
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 436
و قالوا: لا طریق لها إلّا ما ذكره الصبیّ! فملؤوها تبنا و تمّموها.
و من عجائبها أمر باغاتها، فإنّها لا تشرب فی السنة إلّا مرّة واحدة و تأتی بفواكه غضّة طریّة، و ربّما لا تشرب فی السنة و تأتی بعنب ضعیف.
و من عجائبها مقابر الیهود، فإنّها فضاء واسع لیس بها آثار القبور، فإذا و جعت بطون دوابهم قادوها إلیها و ذهبوا بها فی ذلك الفضاء یمنة و یسرة، فإنّه یزول و جعها.
و من عجائبها سوق الخیل بموضع یسمّی رستق الشعیر. ذكروا أن كلّ فرس یحمل إلیه للبیع، فإن كان به حران یظهر فی الحال.
و من عجائبها مقبرة باب المشبك، فإنّها مقبرة شریفة بها قبور العلماء و الشهداء و الصلحاء و الزهاد. یأتیها الناس لیلة الجمعة فیرون بها أنوارا عجیبة تصعد من القبور و تنزل فیها، و هذا أمر ظاهر یراه كلّ من یمشی إلیها صالحا أو طالحا. و لقد رأیت فی بعض اللیالی عجیبا، و هو انّه قد طلع من بعض القبور كرة قدر إبریق، و صعدت نحو الهواء أكثر من غلوة سهم و أضاءت الجوانب من نورها، و رآها غیری خلق كثیر شرعوا فی التكبیر و التهلیل، و ما كانت علی لون النار بل كانت علی لون القمر ضاربا علی الخضرة ثمّ عادت إلی مكانها.
ینسب إلیها الشیخ أبو بكر المعروف بشابان. كان شیخا عظیم الشأن یأتیه الابدال. كان له كرم و قطعة أرض و بقرة: یزرع قطعة الأرض حنطة، و یأخذ عنب الكرم و لبن البقرة و انّها شی‌ء یسیر یضیف بها من زاره. استشهد علی ید الفدایة یوم الجمعة فی جامع دمشق بعد الصلاة فی ازدحام الناس سنة إحدی و ستمائة عن اثنتین و تسعین سنة.
و ینسب إلیها أبو حاتم محمود بن الحسن القزوینی. كان فقیها أصولیّا، و كان من أصحاب القاضی أبی الطیب طاهر الطبری، له كتاب فی حیل الفقه مشهور.
و كان من أولاد أنس بن مالك و ابن عمّی.
و ینسب إلیها الشیخ أبو القاسم بن هبة اللّه الكمونی. كان عالما عابدا ورعا من
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 437
أولاد أنس بن مالك. حكی انّه جاء فی زمانه وال إلی قزوین، و بقزوین وادیا ماء و هما من السیل، و سقی كروم أهل قزوین من هذین الوادیین و هما مباحان، فأراد هذا الوالی أن یجعل علیهما خراجا، فشكا أهل قزوین إلی الشیخ، فذهب الشیخ إلی دار الوالی و قال لحاجبه: إن هذا الماء لم یزل مباحا لا یحل بیعه، و أصحاب هذه الكروم أرامل و أیتام، و الكروم ضعیفة لها فی السنة سقیة واحدة، حاصلها لا یفی بمال الخراج. فدخل الحاجب علی الملك و قال: ههنا شیخ ما یخلی ان هذا الأمر یتمشّی! فغضب الملك و سلّ سیفه و خرج بسیفه المسلول و قال: من الذی یمنع من بیع هذا الماء؟ فقام الشیخ و قال: أنا! فعاد الملك إلی داخل و قال:
افعلوا ما یقول هذا الشیخ! فإنّه لمّا قام رأیت علی یمینه و یساره ثعبانین یقصداننی! فبطل ذلك العزم و ذاك الماء مباح إلی الآن. و هذا الشیخ جدّی الخامس.
و ینسب إلیها أبو محمّد بن أحمد النجّار. كان عالما فاضلا أدیبا فقیها أصولیّا ذا فهم مستقیم و ذهن وقّاد، و كان عدیم المثل فی زمانه مع كثرة فضلاء قزوین.
كان أبوه نجّارا و هو أیضا كان بالغا فی صنعة النجارة، و صاحب قزوین كان یری له، و بنوا له بقزوین مدرسة و أصابه فی آخر عمره الفالج. و له تصانیف كثیرة كلّها حسن. و حكی أن صاحب قزوین أخذ قاصدا من الباطنیة و معه كتاب، فلمّا فتحوا كان الكتاب أبیض، فأخبر الشیخ أبو محمّد عن ذلك، فأمر أن یعرض علی النار، فلمّا عرضوه علی النار ظهر علیه كتابة كتبوها إلی رجل من أهل قها، و طلبوا منه الإبل و الحمام. وقها ناحیة من أعمال الریّ.
فقال الملك: الإشكال بعد بحاله لأنّه لیس بقها الإبل و لا الحمام! فقال الشیخ أبو محمّد: طلبوا القسیّ و النبال. فقیل له: من أین قلت؟ فقال: أما سمعتم تشبیه الإبل بالقسیّ فی قوله:
حوص كأشباح الحنایا ضمّر آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 438
و تشبیه النبل بالحمام فی قوله:
و إذا رمت ترمی تموّت طائر و ینسب إلیها الشیخ أبو القاسم محمّد بن عبد الكریم الرافعیّ. كان عالما فاضلا ورعا بالغا فی النقلیات كالتفسیر و الحدیث و الفقه و الأدب. و له تصانیف كثیرة كلّها حسن. كان یعقد مجلس العلم فی جامع قزوین كلّ یوم بعد العصر، و یحضر عنده أكثر من مائتی نفس یذكر لهم تفسیر القرآن. و من عجیب أحواله انّه جاء ذات یوم علی عادته، فلمّا فرغ من وظیفته بكی و قال: یا قوم قد وقعت لی واقعة ما وقعت لی مثلها، عاونونی بالهمّة! فضاقت صدور القوم و سأل بعضهم بعضا عن الواقعة فقالوا: ان تاجرا أودع عنده خمسمائة دینار و غاب مدّة طویلة، و الآن قد جاء و طلبها، فذهب الشیخ إلی مكان الودیعة ما وجدها، و الذی أخذها أمین لطول المدّة، فیخبر القوم حتی قال أحدهم: ان امرأة ضعیفة كانت خدامة لبیت الشیخ، و الآن تری حالها أحسن ممّا كانت. فطلبوا منها فوجدوا عندها، فجاء الشیخ فی الیوم الثانی و أخبر القوم بأن همّتهم أثرت و الواقعة اندفعت.
و حكی أن وزیر خوارزمشاه كان معتقدا فیه، فقبّل یده فقال له الشیخ:
قبّلت یدا كتبت كذا و كذا مجلدا تصنیفا! فوقع من الدابّة و انكسرت یمناه، و كان یقول: مدحت یدی فأبلانی اللّه تعالی بها! توفی سنة ثلاث و عشرین و ستّمائة عن نیّف و ستّین سنة.
و ینسب إلیها الشیخ أبو علیّ حسنویه بن أحمد بن حسنویه الزبیری، الملقّب بمعین الدین. كان شیخا معتبرا من أعیان قزوین. و من أعجب ما روی عنه أن أحدا إذا أصابه مس من الجنّ هو یحضر الجنّ و یشفع إلیهم و یخلونه.
و ینسب إلیها الشجاع باك باز. كان صاحب آیات و عجائب، و كان ذا هیبة.
من رآه یمتلی‌ء من هیبته، و كان الملك و الفقیر عنده سواء، یخاطب هذا كما یخاطب
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 439
ذاك. و إذا رأی أحدا یقول: معك دنانیر و زنها كذا، اخرجها للفقراء! فیخرجها فیكون كما قال.
و حكی انّه طلب یوما من رجل تاجر شیئا، و كان الرجل حنفیّا معتزلیّا لا یقول بكرامات الأولیاء، فتخاشن فی الجواب فحرد و شتم، فقال له: المال الذی مع ابنك فی السفر وقع علیه اللصوص الآن و أخذوه! فازداد الرجل غیظا و شتما. قال: و ابنك قد قتل علی ید الحرامیة! فأرخوا ذلك فجاء الخبر بأخذ المال و قتل ابنه.
و حكی انّه كان فی رباط اربل، فجاء الشیخ شهاب الدین عمر السهروردی إلی اربل، فاستقبله أهل اربل فجاء إلی الرباط و دخل بین الجماعة، و وقف علی المصلّی یصلّی ركعتین و الخفّ فی رجلیه. فلمّا رأی باك باز ذلك قال: أیّها الشیخ، كیف تقف مع الخفّ علی مصلّی المشایخ؟ ألیس هؤلاء القوم إذا رأوا منك ذلك اعتقدوا أنّه جائز فی الطریقة؟ فوثب علیه الصوفیة و هم تلامذة الشیخ و أسبغوه ضربا و مدّوه برجله إلی خارج الرباط. فلمّا عرف الشیخ ذلك أنكر علی الصوفیة و قال: انّه كان علی الصواب، مرّوا إلیه و اعتذروا منه! فمرّوا إلیه فإذا هو قاعد فی السوق علی دكّة، فاعتذروا مستغفرین فقال: ما جری شی‌ء یحتاج إلی العذر، و إن جری فأنتم فی أوسع الحال. فقالوا: ارجع إلی الرباط إن أنت راض. فقال: إنی كنت علی عزم السفر و توقّفی لإصلاح هذا المثقل لمداسی، و إذا فرغ منه لبست و سافرت!
فعاد القوم إلی الرباط فعرف الحال الملك، فأمر شیخ الرباط مع جمیع الصوفیّة بالمشی إلیه معتذرین، فذهبوا و ما أجابهم، فقال الملك: أنا أمشی! فركب و جاء إلی السوق، و هو قاعد علی دكّة و المثقل یعمل فی نعله، فقال: إنی قد جئت شفیعا، فاسلك مع القوم مسلك التصوّف وعد إلی المكان راضیا منافسا! فقال:
لا أرجع حتی تفعل ما أریده. فقال الملك: ما ترید؟ قال: أرید ثلاثمائة دینار! قال: لك ذلك! قال: احضره الآن! فأحضره و قال: أرید جوقتین من المغنین.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 440
فأحضروا و قال: أرید أن یحملنی فلان علی رقبته، و المغنون یغنون قدامی، و القوم خلفی و قدامی یؤدّوننی إلی الرباط علی هذه الحال! ففعلوا ذلك كلّه، فلمّا دخل الرباط و الذهب معه قال: من الذی ضربنی؟ فیقول كلّ واحد: أنا ما ضربت شیئا! فقال: من ضربنی ضربة فله دینار، و من ضربنی ثنتین فله دیناران، و من ضربنی ثلاثا فله ثلاثة دنانیر! فجاء كلّ واحد یقول: أنا لكمت كذا و كذا.
ففرّق الذهب علیهم و سافر. توفی فی نیف و عشرین و ستمائة.

قصران‌

اسم قریة من قری الری. و هی قسمان: یقال لأحدهما قصران الداخل، و للآخر قصران الخارج. قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض الری قریة تسمّی قصران بیرونی، عند بابها الأعلی یری كلّ لیلة سراج مشعل بحیث یبصره كلّ أحد من البعید من جمیع الجوانب، و إذا دنا منه لا یبین شی‌ء.
ینسب إلیها القصرانی المهندس. كان عالما بالهندسة، و كان عدیم المثل فی زمانه، و له كتب مصنفة فی الهندسة مشهورة.

قصر شیرین‌

بین بغداد و همذان فی فضاء من الأرض علی طرف نهر جار. بناها كسری أبرویز لشیرین و هی خطیبة كانت له من أجمل خلق اللّه تعالی، و الفرس یقولون:
كان لكسری أبرویز ثلاثة أشیاء لم تكن لملك قبله و لا بعده: خطیبته شیرین، و مغنیه بلهبد، و فرسه شبدیز، و قصر شیرین باق إلی الآن، و هی أبنیة عظیمة شاهقة و ایوانات عالیة و عقود و قصور و أروقة و متشرّفات، و اختلفوا فی سبب بنائه: ذكر فی كتب العجم أن شیرین كانت من بنات بعض ملوك أرمن، و كانت أجمل خلق اللّه صورة، ذكرت لكسری أبرویز و كان مشغوفا بالنساء، بعث إلیها من خدعها فهربت علی ظهر شبدیز. فلمّا وصلت إلی العراق و كان كسری
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 441
غائبا، فرأتها أزواج كسری و ولائده، علمن أن كسری یختارها علیهن، فأخذهن من الغیرة ما یأخذ الضرّات، فاخترن لها أرضا سبخة و هواء ردیّا و قلن:
ان الملك أمرنا أن نبنی لك هاهنا قصرا. و هی موضع قصر شیرین علی طرف نهر عذب الماء.
و حكی أن شیرین كانت تحبّ اللبن الحلیب، و كان القصر بعیدا عن مرعی المواشی، فإلی أن حمل إلی القصر زالت سخونته، فطلبوا الحیلة فی ذلك فاتّفق رأیهم علی أن یتّخذوا جدولا حجریّا من المرعی إلی القصر، فطلبوا صانعا یعمل ذلك، فدلّوا علی صانع اسمه فرهاذ، فطلبت اتّخاذ جدول مسافته فرسخان من المرعی إلی القصر علی أن یأتی اللبن منها إلی القصر بسخونته، و كان القصر علی نشز من الأرض و المرعی فی منحدر، فاتّخذ حائطا طوله أكثر من فرسخین و ارتفاعه عند المرعی عشرون ذراعا، و عند القصر مساویا لأرضه، و ركب علی الحائط جدولا حجریّا، و غطّی رأسه بالصفائح الحجریّة، و اتّخذ عند المرعی حوضا كبیرا، و فی القصر أیضا مثله، و هذا كلّه باق إلی زماننا، رأیته عند اجتیازی به لا شكّ فی شی‌ء منه.
و ذكر محمّد الهمذانی انّه كان سبب بناء قصر شیرین، و هو أحد عجائب الدنیا، أن كسری أبرویز، و كان مقامه بقرمیسین، أمر أن یبنی له باغ فرسخین فی فرسخین، و أن یجعل فیه من الطیور و الوحوش حتی تتناسل فیه، و وكّل بذلك ألف رجل أجری علیهم الرزق حتی عملوا فیه سبع سنین. فلمّا تمّ نظر إلیه الملك و أعجبه، و أمر للصنّاع بمال. فقال فی بعض الأیّام لشیرین: سلینی حاجة، فقالت: أرید أن تبنی لی قصرا فی هذا البستان لم یكن فی ملكك لأحد مثله، و تجعل فیه نهرا من حجارة یجری فیه الخمر! فأجابها إلی ذلك و نسی، و لم تجسر شیرین علی أن تذكره به، فقالت للبلهبد المار ذكره: حاجتی فی غناء، و لك ضیعتی التی بأصفهان! فأجابها إلی ذلك و عمل شعرا و صوتا فی ذلك. فلمّا سمع كسری قال له: لقد ذكرتنی حاجة شیرین. فأمر ببناء القصر و عمل النهر،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 442
فبنی علی أحسن ما یكون و أتقنه، و وفت شیرین للبلهبد بالضیعة فنقل إلیها عیاله، و له نسل بأصفهان ینتمون إلی بلهبد.
و دخل بعض الشعراء قصر شیرین فرأی تلك العمارات الرفیعة، و رأی ایوان شیرین و صورتها و صورة جواریها علی الحائط فقال:
یا طالبی غرر الأماكن‌حیّوا الدّیار ببرزماهن
و سلوا السّحاب تجودهاو تسحّ فی تلك الأماكن
واها لشیرین التی‌قرعت فؤادك بالمحاسن!
واها لمعصمها الملیح و للسّوالف و المغابن! فی كفّها الورق الممسّك و المطیّب و المداهن و زجاجة تدع الحكیم إذا انتشی فی زیّ ماجن و شغفت حین رأیتهاو اهتاج منی كلّ ساكن
فسقی رباع الكسرویّةبالجبال و بالمدائن
دان یسفّ ربابه و تناله أیدی الحواضن

قمّ‌

مدینة بأرض الجبال بین ساوة و أصفهان، و هی كبیرة طیّبة خصبة مصّرت فی زمن الحجّاج بن یوسف سنة ثلاث و ثمانین. أهلها شیعة غالیة جدّا و الآن أكثرها خراب. و میاههم من الآبار أكثرها ملح، فإذا أرادوا حفرها وسعوا فی حفرها و بنوا من قعرها بالأحجار إلی شفیرها، فإذا جاء الشتاء أجروا ماء وادیهم و میاه الأمطار إلیها، فإذا استقوه بالصیف كان عذبا طیّبا.
و بها بساتین كثیرة علی السواقی، و فیها الفستق و البندق. بها ملّاحة طلسمها بلیناس فی صخرة لیدوم جریان مائها، و لا ینقطع ما لم یخطر علیه، و ماء هذه العین ینعقد ملحا و یأخذه كلّ مجتاز.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 443
أخبرنی بعض الفقهاء أن بقرب قم معدن ملح، من أخذ منه الملح و لم یترك هناك ثمنه یعرج حماره الذی حمل علیه ذلك الملح. و بها معدن الذهب و الفضّة أخفوه عن الناس حتی لا یشتغلوا به و یتركوا الزراعة و الفلاحة. و بها طلسم لدفع الحیّات و العقارب، و كان أهل قم یلقون منها ضررا عظیما فانحازت إلی جبل هناك، فإلی الآن لا یقدر أحد أن یجتاز بذلك الجبل من كثرة الحیّات و العقارب.
من عجائبها أن العود لا یكون له فی هواء قم أثر كثیر، ولو كان من أذكی العود. و بها واد كثیر الفهود. و حكی أنّه أتاهم فی بعض الأوقات وال سنّی و قال لهم: بلغنی أنّكم لشدّة بغضكم صحابة رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، لا تسمّون أولادكم بأسمائهم، فإن لم تأتونی منكم بمن اسمه عمر أو كنیته أبو بكر لأفعلن بكم! فداروا فی جمیع المدینة و فتّشوا، ثمّ أتوا بواحد أحول أقرع كریه اللقاء معوج الأعضاء، و كان أبوه غریبا ساكن قم، فكنّاه أبا بكر. فلمّا رآه الوالی غضب و شتمهم و قال: إنّكم إنّما كنیتموه بأبی بكر لأنّه أسمج خلق اللّه منظرا! و هذا دلیل علی بغضكم لصحابة رسول اللّه. فقال بعض الظرفاء منهم: أیّها الأمیر، اصنع ما شئت فإن تربة قم و هواءها لا یأتی بصورة أبی بكر أحسن من هذا! فضحك الوالی و عفا عنهم. و لقاضیها قال الصاحب ابن عبّاد:
أیّها القاضی بقم‌قد عزلناك فقم
و كان القاضی یقول: أنا معزول السجع!

كران‌

بلدة بأرض الترك من ناحیة تبت؛ قال الحازمی: بها معدن الفضّة.
و بها عین ماء لا یغمس فیها شی‌ء من الجواهر المنطبعة إلّا ذاب.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 444

كرخ‌

قریة فوق بغداد علی میل منها. أهلها شیعة غالیة و یهود. و بها دكاكین الكاغد و الثیاب الابریسمیة.
ینسب إلیها أبو محفوظ معروف بن فیروز الكرخی. و كان من المشایخ الكبار مستجاب الدعوة، من موالی علیّ بن موسی الرضا. كان أستاذ السری السقطی، فقال له یوما: إذا كان لك إلی اللّه حاجة فأقسم علیه بی! و أهل بغداد یقولون:
قبر معروف تریاق مجرّب.
حكی أن زبیدة بنت جعفر عبرت علی معروف مع موالیها و خدمها، فدعا علیها بعض الحاضرین، فقال له معروف: یا رجل كن عون رسول الرحمن، و لا تكن عون رسول الشیطان، إن رسول الرحمن یرید نجاة الخلق كلّهم.
قال اللّه تعالی: و ما أرسلناك إلّا رحمة للعالمین. و رسول الشیطان یرید هلاك الخلق كلّهم. قال اللّه تعالی مخبرا عنه: بعزّتك لأغوینهم أجمیعن! إن الذی أعطاهم الدنیا علی هواهم قادر أن یعطیهم الآخرة علی مناهم.
و حكی إبراهیم الأطروش انّه قال لمعروف: أبا محفوظ، بلغنی أنّك تمشی علی الماء! فقال: ما مشیت علی الماء، و لكن إذا هممت بالعبور یجمع لی طرفها.
و حكی خلیل الصیّاد قال: غاب ابنی إلی الانبار فوجدت أمّه وجدا شدیدا، فذكرت ذلك لمعروف فقال: ما ترید؟ قلت: أن تدعو اللّه لیردّه علینا. فقال: اللهمّ إن السماء سماؤك و الأرض أرضك و ما بینهما لك فأت به! قال خلیل: أتیت باب الشام فإذا ابنی قائم منبهر یقول: الساعة كنت بالانبار.
و حكی محمّد بن صبیح انّه مرّ بمعروف رجل سقّاء ینادی: رحم اللّه من شرب! فشرب منه و كان صائما و قال: لعلّ اللّه أن یستجیب منه.
و حكی عبد اللّه بن سعید الأنصاری أنّه رأی معروفا فی النوم واقفا تحت العرش فیقول اللّه لملائكته: من هذا؟ فقالت الملائكة: أنت أعلم یا ربّنا،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 445
هذا معروف الكرخی قد سكر من حبّك لا یفیق إلّا بلقائك!
و حكی أحمد بن أبی الفتح قال: رأیت بشرا الحافی فی المنام قاعدا فی بستان و بین یدیه مائدة یأكل منها، فقلت: أبا نصر ما فعل اللّه بك؟ فقال: رحمی و غفر لی و أباحنی الجنّة بأسرها و قال: كل من ثمرها، و اشرب من أنهارها، و تمتّع بجمیع ما فیها لما كنت تحرم نفسك شهوات الدنیا! قلت: أین أحمد بن حنبل؟ قال: قائم علی باب الجنّة یشفع لأهل السنّة ممّن یقول القرآن كلام اللّه غیر مخلوق! قلت: و ما فعل معروف الكرخی؟ فحرّك رأسه و قال: هیهات! حالت بیننا و بینه الحجب، إن معروفا ما كان یعبد اللّه شوقا إلی جنّته و لا خوفا من ناره، و إنّما عبده شوقا إلیه، فرفعه اللّه إلی الرفیع الأعلی، و وقعت الحجب بیننا و بینه، ذاك التریاق المقدس المجرّب، فمن كانت له إلی اللّه حاجة فلیأت قبره و لیدع، فإنّه یستجاب له.
و حكی انّه قال: إذا متّ تصدّقوا بقمیصی فإنی أحبّ أن أخرج من الدنیا عریانا كما دخلتها. توفی سنة إحدی و مائتین.

كركان‌

قریة كانت بقرب قرمیسین؛ قال ابن الفقیه: كانت قریة كثیرة العقارب، و كان یقوم بها سوق فی كلّ سنة یتأذّی بها خلق كثیر من لدغ العقارب، فأمر بعض الأكاسرة بلیناس الحكیم أن یدفع عنها العقارب بطلسم، ففعل ذلك فلم یوجد بعد ذلك بها شی‌ء من العقارب أصلا. و من أخذ من ترابها و طیّن به حیطان داره فی أیّ بلد كان لم یر فی داره عقرب، و إذا لدغت عقرب أحدا یؤخذ من تراب هذه القریة و یطرح فی الماء و یشربه الملدوغ فیبرأ فی الحال، و من أخذ من هذا التراب شیئا و أخذ العقرب بیده لا تضرّه.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 446

كسكر

ناحیة بین واسط و البصرة علی طرف البطیحة. و هی نیف و ثلاثون فرسخا فی مثلها. و هذه البطیحة كانت قری و مزارع فی زمن الأكاسرة. و كان لها بثق، ففی السنة التی قتل فیها كسری اضطربت الأمور و تقاعدوا عن عمارة البثوق، و ظهر الماء علی تلك المواضع فصارت بطیحة، و الآن منابت القصب و مصید السمك و طیر الماء، یتولّد فیها أشكال من الطیور غریبة و صور غریبة لم یعرفها أحد، و لا یراها الناس كما قال تعالی: و یخلق ما لا تعلمون. فأسفلها میسان و أعلاها كسكر، و ربّما فصل المركب فی هذه البطیحة شهرا أو أكثر، و ربّما یأخذه اللصوص.
و یجلب من كسكر الرزّ الجیّد و السمك الشبوط و الجوامیس و الفراریج، و الجدی و البطوط و البقر و الصحناة و الربیثی، فإن هذه الأشیاء بكسكر فاقت أنواعها فی غیرها.

كشم‌

قریة من رستاق بشت من أعمال نیسابور، كانت بها سروة من غرس كشتاسب الملك، لم یر مثلها فی حسنها و طولها و عظمها، و كانت من مفاخر خراسان. جری ذكرها عند المتوكّل فأحبّ أن یراها و لم یقدّر له المسیر إلی خراسان، فكتب إلی طاهر بن عبد اللّه و أمره بقطعها، و حمل قطاع جذعها و أغصانها إلیه علی الجمال لتنصب بین یدیه حتی یبصرها، فأنكر علیه ذلك و خوّف بالطیرة فلم تنفع السروة شفاعة الشافعین، و حكی ان أهل الناحیة اجتمعوا و تضرّعوا و قدّموا مالا علی إعفائها، فلم ینفع فقطعت و عظمت المصیبة لمن حولها، و ارتفع الصیاح و البكاء علیها فلفّوها فی اللباد و بعثوها إلی بغداد علی الجمال، فقال علیّ بن جهم:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 447 قالوا: سری لسبیله المتوكّل‌فالسّرو یجری و المنیّة تنزل
ما سربلت إلّا لأنّ إمامنابالسّیف من أولاده متسربل
فقتل المتوكّل علی ید ممالیكه قبل وصول السرو، و الفأل علی ما جری.

كندر

قریة من قری خراسان كثیرة الخیرات وافرة الغلّات، ینسب إلیها الوزیر أبو نصر الكندری. كان وزیرا ذا رأی و عقل استوزره السلطان طغرلبك السلجوقی. و لمّا ملك الملوك السلجوقیة خراسان و أخذوها من ملوك بنی سبكتكین، لم یجسر أحد أن یدخل معهم خوفا من سلاطین بنی سبكتكین. فابتدأ أبو نصر الكندری فاستوزره طغرلبك، و كان قد هجاه أبو الحسن الباخرزی بأبیات أوّلها:
أقبل من كندر مسخرةللشّؤم فی وجهه علامات
فطلب أبا الحسن و أحسن إلیه و ولّاه و قال: إنی تفاءلت بشعرك، كان أوله أقبل. إلّا أنّه كان شیعیّا غالیا متعصّبا، و كان السلطان معتزلیّا فأمر بلعن جمیع المذاهب یوم الجمعة علی المنبر، فشقّ ذلك علی المسلمین، و فارق إمام الحرمین نیسابور و ذهب إلی مكّة، و كذلك الأستاذ أبو القاسم القشیری، و دخل علی الناس من ذلك أمر عظیم و أثار همّة صلحاء المسلمین. كانت أیّام طغرلبك أیّاما قلائل، مات و قام مقامه ابن أخیه ألب أرسلان بن داود.
و استوزره نظام الملك الحسن بن علیّ بن إسحق، و قبض علی الكندری و قتله سنة ستّ و خمسین و أربعمائة، و انقطع لعن المسلمین علی رؤوس المنابر، و عاد أرباب الدین إلی أماكنهم و شكروا اللّه تعالی.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 448

كنكور

بلیدة بین همذان و قرمیسین فی فضاء واسع، طیّبة الهواء عذبة الماء صحیحة التربة كثیرة الخیرات و الثمرات. و لذلك اتّخذها كسری ابرویز مسكنا، و أمر أن یبنی له قصر لا یكون لأحد من الملوك مثله. فاتّخذ للقصر أساسا مائة ذراع فی مائة ذراع فی ارتفاع عشرین ذراعا، یراه الناظر كأنّه حجر واحد، لا یظهر فیه أثر الدرز، و بنی فیه ایوانات و جواسق و خزائن علی اسطوانات حجریّة تحیّر الناظر فی صنعته و حسن نقوشه.
قال صاحب عجائب الأخبار: إذا أردت أن تری عجبا من العجائب فانظر إلی أسطوانات هذا القصر إلی رؤوسها و أسافلها، و تعجّب من تسخیر الحجر الصلد لهؤلاء الصنّاع.
و حكی انّه لمّا حضر عند كسری فغفور ملك الصین و خاقان ملك الترك و داهر ملك الهند و قیصر ملك الروم أحضرهم فی هذا القصر لیبصروا عجائبه و قوّة ملك بانیه، و صنعة صنّاعه و عجزهم عن بناء مثله.
و ذكر أن المسلمین لمّا وصلوا إلیها فی زمن أمیر المؤمنین عمر بن الخطّاب، سرقت دوابّهم فی ذلك المكان فسمّوه قصر اللصوص. و حكی انّه لمّا قتل كسری ابرویز بقی من هذا القصر بقیّة؛ قال الحاكی: نظرت إلی بعض أساطینها تحت أكثرها و هندم، و بقی أقلّها علی حاله، فسألت عنها فذكروا انّه لمّا قتل ابرویز انصرف الصنّاع عنها و تركوها ثمّ طلبوهم لإتمامها، فما كانت تعمل آلتهم فیها، و لا اهتدت فكرتهم إلیها، فعلموا أن تیسیر ذلك كان بهمّة كسری ابرویز.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 449

كوثی‌

قریة بسواد العراق قدیمة. ینسب إلیها إبراهیم الخلیل، علیه السلام، و بها كان مولده و طرح فی النار بها، و لذلك قال أمیر المؤمنین علیّ، رضی اللّه عنه:
من كان سائلا عن نسبنا فإنّا نبط من كوثی.
و من الاتّفاقات العجیبة اتّفاق عامل كوثی. حكی بعض أهلها: انّه جاءنا عامل و اشتدّ فی المطالبات، و كان للعرب عندنا مزارعة، و كان العمّال الذین قبله یسامحونهم. فهذا العامل طالبهم و أهانهم بالضرب، فانصرفوا إلی بنی أعمامهم شاكین، و توافقوا علی الكبس علی العامل لیلا، فورد الناحیة عامل آخر صارفا للأوّل و طالبا بالبقایا، فقبض علیه و قیّده و ضربه بالخشب و حمله إلی قریة أخری، و وكّل به عشرة من الغلمان. فلمّا أصبح المصروف دخل علیه غلامه و قال له:
أخرج رجلك حتی أكسر القید! قال: أین الموكلون؟ قال: هربوا و العرب الذین أخذت منهم الخراج كبسوا البارحة دار العمالة، و قتلوا العامل علی أنّه أنت، و لم یكن عندهم خبر صرفك. فقام الرجل و ورد بغداد و ذكر أن العامل الصارف أساء السیرة و أثار فتنة من العرب، فأقرّ علی حاله فی الناحیة و ضمّ إلیه جیشا، فعاد إلی كوثی و أرعب العرب و أرهب، و صالح ما بینه و بینهم و استقام أمره.

لنبان‌

قریة من قری أصفهان، ینسب إلیها الأدیب الفاضل البارع عبد العزیز الملقّب بالرفیع، له أشعار فی غایة الحسن و دیوان و رسائل. ورد جمال الدین الخجندی قزوین، و عقد مجلس الوعظ بالجامع، و ذكر هذه الأبیات علی المنبر، و ذكر أنّها للرفیع:
بأبی أین أنت ألقاك؟طال شوقی إلی محیّاك!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 450 ورد الورد یدّعی سفهاأنّ ریّاه مثل ریّاك!
و وقاح الأقاح یوهمناأنّه افترّ عن ثنایاك!
ضحك الورد هاتها عجلاقهوة مثل عبرة الباك
لست أدری لفرط خمرتهاأمحیّاك أم حمیّاك؟
هام قلبی بهذه و بذاك‌آه من هذه و من ذاك!
فهذه الأبیات حفظها أهل قزوین، و یقولون هدیّة جمال الدین الخجندی من أصفهان.
و حكی أن صدر الدین الخجندی عزل خازن دار كتبه، فأراد الرفیع اللّنبانی أن یكون مكانه، فكتب إلی صدر الدین: سمع العبد أن خازن دار الكتب اختزل حتی اعتزل، و خان حتی هان، و لم یزالوا یحرّفون الكلم عن مواضعه، و یستبدلون الذی هو أدنی بالذی هو خیر، و العبد خیر منه زكاة و أقرب رحما! و إن له أبا شیخا كبیرا فخذ أحدنا مكانه إنّا نراك من المحسنین.
و حكی أن الرفیع كان فی خدمة الخجندیة، فلمّا وقع الخلاف بین السلطان طغرل و أولاد أتابك محمّد كان صدر الدین الخجندی مع السلطان، فظفر أمیر من أمراء أتابك محمّد بجمع من أصحاب صدر الدین الخجندی، و كانوا یمشون من أصفهان إلی بغداد، و علیهم الرفیع، فظفر بهم قیماز الأتابكی فنهبهم و قتل الرفیع، فلمّا عرف أنّه كان رجلا فاضلا من أهل العلم ندم، و الرفیع كان قد نظم هذین البیتین:
جون كشته بینم دولت كرده فران‌و از جان تهی این قالب برورده بنان
بر بالینم نشین و می كوی بران‌ای من تو بكشته و نشیمان شده بان
فكان الفأل علی ما جری.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 451

لیخواست‌

قریة من قری نهاوند. كان بها صورة فرس من حشیش یراه الناس أخضر فی الشتاء و الصیف؛ قالوا: انّه كان طلسم الكلأ، و كانت أكثر بلاد اللّه كلأ و حشیشا.

ماذران‌

موضع بأرض قومس؛ قال مسعر بن مهلهل: بین سمنان و الدامغان فی بعض الجبال فلجة یخرج منها ریح شدیدة فی أوقات من السنة، فلا تصیب حیوانا إلّا أتلفته، ولو كان مشتملا بالوبر. و هذه الفلجة فرسخ واحد و فتحها نحو أربعمائة ذراع، و مقدار ما ینال أذاها فرسخان، لا تأتی علی شی‌ء إلّا جعلته كالرمیم. یقال لهذه الفلجة و ما یقرب منها ماذران؛ قال مسعر بن مهلهل:
كنت مجتازا بها فی قفل فیه نحو مائتی إنسان و دواب، فهبّت علینا الریح فما سلم منهم غیری و رجل آخر. كانت تحتنا دابّتان جیّدتان، فوافتا بنا ازج صهریج كان فی الطریق، فاستكنّا بالازج و سدرنا ثلاثة أیّام بلیالیهن، ثمّ رجعنا إلی حالنا و الدابتان نفقتا، و منّ اللّه علینا بالنجاة.

ماذروستان‌

موضع علی مرحلتین من حلوان، به ایوان عظیم و بین یدیه دكّة عظیمة و أثر بستان یقولون إنّه بستان بهرام بن جور، زعموا أن الثلج یقع علی نصفه الذی من ناحیة الجبال، و أمّا النصف الذی یلی جانب العراق فلا یقع به الثلج أبدا، و اللّه الموفق.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 452

ماهاباذ

قریة كبیرة قرب قاشان. أهلها شیعة امامیّة، ینسب إلیها الأستاذ الفاضل البارع الحسن بن علیّ بن أحمد، الملقّب بافضل الماهاباذی. كان بالغا فی علم الأدب عدیم النظیر فی زمانه. و كان یقصده الناس من الأطراف للاشتغال.
و كان عنده حلقة من الأدباء، و كان مخصوصا بلطافة الطبع مع وفور الذكاء و حسن الشعر، و یوصی تلامذته بتحصیل العلم و تحقیر المال. و من شعره:
یا ساعیا و طلاب المال همّته،إنی أراك ضعیف العقل و الدّین!
علیك بالعلم لا تطلب به بدلاو اعلم بأنّك فیه غیر مغبون
العلم یجدی و یبقی للفتی أبداو المال یفنی و إن أجدی إلی حین!
هذاك عزّ و ذا ذلّ لصاحبه!ماذا من البعد بین العزّ و الهون؟

ماوشان‌

كورة من كور همذان فی واد بسفح جبل أروند مسیرة أیّام، كثیرة الأشجار و المیاه و الثمار، ذكرها عین القضاة أبو المعالی عبد اللّه بن محمّد، رحمه اللّه، فی رسالته فقال: و كأنی بالركب العراقی یوافون همذان، و یحطون رحالهم فی محانی ماوشان، و قد اخضرّت منها التلاع و الوهاد، و ألبسها الربیع حبرة یحسدها علیها البلاد، و هی تفوح كالمسك أزهارها، و یجری بالماء الزلال أنهارها، فنزلوا منها فی ریاض مؤنقة، و استظلّوا بظلال أشجار مورقة، فجعلوا یكرّرون إنشاد هذا البیت، و هم یتنعمّون بنوح الحمام و تغرید الهزار: آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی ؛ ص452
حباك یا همذان الغیث من بلدسقاك یا ماوشان القطر من وادی
و من عادة أهل همذان الخروج إلی ماوشان فی الصیف، وقت إدراك المشمش،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 453
و أصحاب الأشجار لا یمنعون عنها أحدا، و یمكثون هناك أیّام المشمش للتفرّج و التنزّه و یأكلون من ثمارها، و یكسرون من أشجارها و لا یمنعهم مانع، فإذا انتهت أیّام المشمش رجعوا؛ و ذكر أن صاحب ماوشان منع الناس عنها فی بعض السنین، فلمّا كان من القابل لم تثمر أشجارها شیئا، فعادوا لإطلاق الناس فیها.

المدائن‌

كانت سبع مدن من بناء الأكاسرة علی طرف دجلة، و قیل: إنّها من بناء كسری الخیر أنوشروان. سكنها هو و ملوك بنی ساسان بعده إلی زمن عمر بن الخطّاب، رضی اللّه عنه. و إنّما اختار هذا الموضع للطافة هوائه و طیب تربته و عذوبة مائه؛ قال حمزة: هذا الموضع سمته العرب مدائن لأنّها كانت سبع مدن، بین كلّ واحدة و الأخری مسافة، و آثارها إلی الآن باقیة و هی: اسفابور، به اردشیر، هنبو سابور، دوزبندان، به از اندیو خسرو، نونیاباذ، كردافاذ.
فلمّا ملك العرب دیار الفرس و اختطّت الكوفة و البصرة انتقل الناس إلیهما، ثمّ اختطّ الحجّاج واسطا و كانت دار الامارة فانتقل الناس إلیها، فلمّا اختطّ المنصور بغداد انتقل أكثر الناس إلیها. فأمّا فی وقتنا هذا فالمسمّی بالمدائن بلیدة شبیهة بقریة فی الجانب الغربی من دجلة. أهلها فلّاحون شیعة إمامیّة. و من عادتهم أن نساءهم لا یخرجن نهارا أصلا.
و بها مشهد رفیع البناء لأحد العلویّین، و فی الجانب الشرقی منها مشهد سلمان الفارسی، رضی اللّه عنه، و له موسم فی منتصف شعبان، و مشهد حذیفة ابن الیمان مشیر رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم.
و كان للأكاسرة هناك قصر اسمه أبیض، كان باقیا إلی زمن المكتفی فی حدود سنة تسعین و مائتین، فأمر بنقضه و بنائه التاج الذی بدار الخلافة ببغداد، و تركوا منه الإیوان المعروف بإیوان كسری. ذكر أنّه من بناء انوشروان كسری
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 454
الخیر، و انه تعاون علی بنائه الملوك و هو من أعظم الأبنیة و أعلاها، و الآن قد بقی منه طاق الإیوان و جناحات و ازجة قد بنیت بآجرّ طوال عراض.
و حكی أن أنوشروان لمّا أراد بناء هذا القصر أمر بشری ما حوله، و أرغب الناس فی الثمن الوافر، و من جملتهم عجوز لها بیت صغیر قالت: لست أبیع جوار الملك بالدنیا كلّها! فاستحسن أنوشروان منها هذا القول و أمر بترك ذلك البیت علی حاله، و إحكام عمارته، و بناء الإیوان محیطا به. و إنی رأیت الإیوان، و فی جانب منه قبّة محكمة العمارة، یعرفها أهل الناحیة بقبّة العجوز. و كان علی الإیوان نقوش و صور بالتزاویق، و صورة مدینة أنطاكیة و انوشروان یحاصرها و یحارب أهلها راكبا علی فرس أصفر، و علیه ثیاب خضر و بین یدیه صفوف الفرس و الروم، و كانت هذه النقوش علی الإیوان باقیة إلی زمان أبی عبادة البحتری، فإنّه شاهدها و ذكرها فی قصیدته السینیة:
حضرت رحلی الهموم فوجّهت إلی أبیض المدائن عنسی
أتسلّی عن الخطوب و آسی‌لمحلّ من آل ساسان درس
حلل لم تكن كأطلال سعدی‌فی قفار من البسابس ملس
لو تراه علمت أنّ اللّیالی‌جعلت فیه مأتما بعد عرس
فإذا ما رأیت صورة أنطاكیّة ارتعت بین روم و فرس
و المنایا مواثل و أنوشرو ان یزجی الصّفوف تحت الدّرفس
فی اخضرار من اللّباس علی اصفر یختال فی صبیغة ورس
و عراك الرّجال بین یدیه‌فی خفوت منهم و إغماض جرس
من مشیح یهوی بعامل رمح‌و ملیح من السّنان بترس
تصف العین أنّهم جدّ أحیاءلهم بینهم إشارة خرس
و كأنّ الإیوان من عجب الصّنعة جوب فی جنب أرعن جلس
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 455 لم یعبه أن بزّ من بسط الدّیباج و استلّ من ستور الدّمقس
مشمخرّ تعلو له شرفات‌رفعت من رؤوس رضوی و قدس
و حكی أن غلمان الدار شكوا إلی أنوشروان و قالوا: إن العجوز تدخن فی بیتها، و دخانها یفسد نقوش الإیوان! فقال: كلّما أفسدت أصلحوها و لا تمنعوها من التدخین!
و كان للعجوز بقرة تأتیها آخر النهار لتحلبها، فإذا وصلت إلی الإیوان طووا فرشه لتمشی البقرة إلی باب قبّة العجوز، فإذا فرغت من حلبها رجعت البقرة و سوّوا البساط. و كان هذا مذهبهم فی العدل و الرفق بالرعایا، و لولا مخالفة النبوة التی شرفها اللّه تعالی و شرف بها عباده، كانت معدلتهم تقتضی دوام دولتهم.

مرو الرّوذ

ناحیة بین الغور و غزنة واسعة. ینسب إلیها القاضی الإمام العالم الفاضل حسین المروروذی عدیم النظیر فی العلم و الورع:
عقرت حوامل أن یلدن نظیره‌إنّ النّساء بمثله عقم
حكی أن رجلا جاء القاضی حسینا و قال له: إنی حلفت بالطلاق ثلاثا ان لیس فی هذا الزمان أعلم منك! فماذا تقول وقع طلاقی أم لا؟ فأطرق رأسه ساعة ثمّ رفع رأسه و بكی و قال: یا هذا لا یقع طلاقك، و إنّما ذلك لعدم الرجال لا لوفور علمی!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 456

مرو

من أشهر مدن خراسان و أقدمها و أكثرها خیرا، و أحسنها منظرا و أطیبها مخبرا. بناها ذو القرنین، و قهندزها أقدم منها. قیل: إنّه من بناء طهمورث. و روی بریدة بن الحصیب أن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، قال: یا بریدة إنّه ستبعث من بعدی بعوث، فإذا بعثت فكن فی بعث المشرق ثم فی بعث خراسان ثمّ فی بعث أرض یقال لها مرو، فإذا أتیتها فانزل مدینتها فإنّه بناها ذو القرنین و صلّی فیها عزیز، و أنهارها تجری بالبركة، علی كلّ نقب منها ملك شاهر سیفه یدفع عن أهله السوء إلی یوم القیامة. فقدمها بریدة غازیا و أقام بها إلی أن مات.
حكی أن قهندزها عمارة عظیمة، و لمّا أراد طهمورث الملك بناء قهندز مرو بنی بألف رجل، و أقام لها سوقا فیه ما یحتاجون إلیه، فكان إذا أمسی الرجل أعطی درهما فیشتری به ما یحتاج إلیه فتعود الدراهم إلی أصحاب الملك، حتی إذا تمّ لم یخرج علی البناء إلّا ألف درهم.
و حكی أبو إسحق الطالقانی قال: كنت علی الزربق فی مسجد العرب عند عبد اللّه بن المبارك، فانهار ركن من القهندز، فسقطت منها جماجم، فتناثرت من جمجمة أسنانها، فوزنت سنّان منها فكان فی كلّ واحدة منهما منوان، فجعل عبد اللّه بن المبارك ینقلهما بیده و یتعجّب منهما و یقول: إذا كانت هذه سنّهم فكیف تكون بقیّة أعضائهم؟ و قال:
أتیت بسنّین قد قدمامن الحصن لمّا أثاروا الدّفینا
علی وزن منوین إحداهمالقد كان یا صاح سنّا رزینا
ثلاثون أخری علی قدرهاتباركت یا أحسن الخالقینا
فماذا یقوم بأفواههاو ما كان یملأ تلك البطونا؟
إذا ما تذكّرت أجسامهم‌تصاغرت النّفس حتی تهونا
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 457 فكلّ علی ذاك لاقی الرّدی‌فبادوا جمیعا و هم خامدونا
و أمّا المدینة فطیّبة كثیرة الخیرات وافرة الغلّات. فی أهلها من الرفق و لین الجانب و حسن المعاشرة. و كانت كرسی ملك بنی سلجوق لهم بها آثار خیرات؛ حكی صاحب عجائب الأخبار انّه كان بمرو بیت كبیر، ارتفاعه قدر قامة، و كان محمولا علی صور أربع من الخشب فی جوانبه الأربعة، و كانت الصور تمثال رجلین و امرأتین، فزعم قوم أن ذلك البیت بیت ملكهم، فنقضوه و انتفعوا بأخشابه، فأصاب مرو و قراها جوائح و آفات و قحط متواتر، فعلموا أن ذلك البیت كان طلسما لدفع الآفات. و لیس لهذه المدینة عیب إلّا ما یعتری أهلها من العرق المدینی، فإنّهم فی شدّة عظیمة منه، قلّ ما ینجو منهم أحد فی كلّ عام.
ینسب إلیها عبد اللّه بن المبارك الإمام العالم العابد؛ حكی انّه كان بمرو قاض اسمه نوح بن مریم، و كان رئیسها أیضا، و كانت له بنت ذات جمال خطبها جماعة من الأعیان و الأكابر، و كان له غلام هندی ینطر بستانه، فذهب القاضی یوما إلی البستان و طلب من غلامه شیئا من العنب، فأتی بعنب حامض فقال له:
هات عنبا حلوا! فأتی بحامض فقال له القاضی: و یحك! ما تعرف الحلو من الحامض؟ فقال: بلی و لكنّك أمرتنی بحفظها و ما أمرتنی بأكلها، و من لم یأكل لم یعرف. فتعجّب القاضی من كلامه و قال: حفظ اللّه علیك أمانتك! و زوّج ابنته منه فولدت عبد اللّه بن المبارك المشهور بالعلم و الورع. كان یحجّ فی سنة و یغزو فی أخری.
و حكی انّه كان معاصرا لفضیل بن عیاض، و فضیل قد جاور مكّة و واظب علی العبادة بمكّة و المدینة، فقال عبد اللّه بن المبارك:
یا عابد الحرمین لو أبصرتنالعلمت أنّك بالعبادة تلعب
من كان یخضب خدّه بدمائه‌فنحورنا بدمائنا تتخضّب
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 458 و غبار خیل اللّه لّه فی أنف امری‌ءو دخان نار جهنّم لا یذهب
هذا كتاب اللّه یحكم بیننالیس الشّهید كغیره، لا تكذبوا
حكی عنه قال: خرجت للغزوة، فلمّا تراءت الفتیان خرج من صفّ الترك فارس یدعو إلی البراز، فخرجت إلیه فإذا قد دخل وقت الصلاة، قلت له: تنحّ عنی حتی أصلّی ثمّ افرغ لك! فتنحّی فصلّیت ركعتین و ذهبت إلیه فقال لی:
تنحّ عنی حتی أصلّی أنا أیضا! فتنحّیت عنه، فجعل یصلّی للشمس، فلمّا خرّ ساجدا هممت أن أغدر به فإذا قائل یقول: اوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا. فتركت الغدر. فلمّا فرغ من صلاته قال لی: لم تحرّكت؟ قلت:
أردت أن أغدر بك! فقال: لم تركته؟ قلت: لأنی أمرت بتركه. قال: الذی أمرك بترك الغدر أمرنی بالإیمان. و آمن و التحق بصفّ المسلمین.
و حكی الحسن بن الربیع انّه خرج ذات سنة مع جیوش المسلمین إلی الغزوة، فلمّا تقاتل الصفّان خرج من صفّ الكفّار فارس یطلب القرن، فذهب إلیه فارس من المسلمین، فما أمهل المسلم حتی قتله! فخرج إلیه آخر فما أمهله حتی قتله، ثمّ آخر فما أمهله، فأحجم الناس عن مبادرته و دخل المسلمین منه حزن.
فإذا فارس خرج إلیه من صفّ المسلمین و جال معه زمانا ثمّ رماه و حز رأسه، فكبّر المسلمون و فرحوا و لم یكن یعرفه أحد، فعاد إلی مكانه و دخل فی غمار الناس! قال الحسن: فبذلت جهدی حتی دنوت منه و حلفته أن یرفع لثامه، فإذا هو عبد اللّه بن المبارك، فقلت له: یا إمام المسلمین كیف أخفیت نفسك مع هذا الفتح الذی یسر اللّه علی یدك؟ فقال: الذی فعلت له لا یخفی علیه.
و حكی أن عبد اللّه بن المبارك عاد من مرو إلی الشام لعلم رآه معه بمرو صاحبه بالشام. ورئی سفیان الثوری فی المنام بعد موته فقیل له: ما فعل اللّه بك؟ قال:
رحمنی! فقیل: ما حال عبد اللّه بن المبارك؟ قال: هو ممّن یدخل علی ربّه كلّ یوم مرّتین. ولد سنة مائة و عشرین، و توفی سنة مائة و إحدی و ثمانین.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 459
و ینسب إلیها أبو زید المروزی، أستاذ أبی بكر القفّال المروزی، حجّ سنة فعادله أبو بكر البزّاز النیسابوری من نیسابور إلی مكّة. قال: ما علمت أن الملك كتب علیك خطیئة. قال أبو زید: فلمّا فرغت من الحجّ و عزمت الرجوع إلی خراسان قلت فی نفسی: متی تنقطع هذه المسافة و قد طعنت فی السنّ، لا أحتمل مشقّتها! فرأیت النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم، قاعدا فی صحن المسجد الحرام، و عن یمینه شابّ، قلت: یا رسول اللّه عزمت علی الرجوع إلی خراسان و المسافة بعیدة. فالتفت النبیّ، علیه السلام، إلی الشاب الذی بجنبه و قال: یا روح اللّه تصحبه إلی وطنه؛ قال أبو زید: فأریت انّه جبریل فانصرفت إلی مرو، و لم أحسّ بشی‌ء من مشقّة السفر.
و ینسب إلیها أبو بكر عبد اللّه بن أحمد بن عبد اللّه القفّال المروزی. كان وحید زمانه فقها و علما. رحل إلیه الناس و صنّف كتبا كثیرة، و انتشر علمه فی الآفاق. حكی أن القفّال الشاشی صنع قفلا و فراشة و مفتاحا وزنها دانق، فأعجب الناس ذلك و سار ذكره فی البلاد، فسمع به القفّال المروزی فصنع قفلا وزنه طسوج، فاستحسنه الناس و لكن ما شاع ذكره، فقال ذات یوم: كلّ شی‌ء یحتاج إلی الحظّ! قفل الشاشی طنّت به البلاد، و قفلی بقدر ربعه ما یذكره أحد! فقال له صدیق له: إنّما الشاشی شاع بعلمه لا بقفله. فعند ذلك رغب فی العلم، و هو ابن أربعین سنة، فجدّ فی طلب العلم حتی وصل إلی ما وصل و عاش تسعین سنة: أربعین سنة قفّالا و خمسین سنة عالما و متعلّما. و مات سنة سبع عشرة و أربعمائة. و ینسب إلیها أبو الحرث سریج المروزی. كان شیخا صالحا صدوقا.
جاء له ولد فذهب إلی بقّال بثلاثة دراهم: یرید بدرهم عسلا، و بدرهم سمنا، و بدرهم سویقا. فقال البقّال: ما عندی من ذلك شی‌ء، لكن احصله لك فی الغد.
فقال للبقّال: فتّش لعلّك تجد قلیلا! قال: فمشیت فوجدت البرانی و الجرار مملوءة، فأعطیته منها شیئا كثیرا. فقال: أو لیس قلت ما عندی شی‌ء منها؟
قلت له: خذ واسكت. فقال: لا آخذ حتی تصدقنی. فأخبره بالحال فقال:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 460
لا تحدث به ما دمت حیّا.
و حكی أبو الحرث قال: رأیت فی المنام كأنّ الناس وقوف بین یدی اللّه تعالی صفوفا، و أنا فی الصفّ الأخیر و نحن ننظر إلی ربّ العزّة فقال: أی شی‌ء تریدون أصنع بكم؟ فسكت الناس. قال أبو الحرث: فقلت فی نفسی: ویحهم! قد أعطاهم كلّ ذا من نفسه و هم سكوت! فجعلت أمشی حتی جزت الصفوف إلی الأوّل فقال لی: أیّ شی‌ء ترید؟ فقلت: یا رحمن إن أردت أن تعذّبنا فلم خلقتنا؟ فقال: خلقتكم و لا أعذبكم أبدا. ثمّ غاب فی السماء.

المشان‌

بلیدة قریبة من البصرة كثیرة التمر و الفواكه. و جری المثل فیها بعلّة الورشان تأكل رطب المشان، قیل: ان بعض الملوك مرض فأمره الأطباء بلحم الورشان، فأمر أن لا یمنع من یطلب له الوراشین فی البساتین من النخیل، و كان طالب الوراشین یمدّ یده إلی الاعذاق، فقالوا: بعلّة الورشان تأكل رطب المشان، و هی و خمة جدّا، و ممّا یحكی العوامّ: قیل للملك الموت أین نجدك؟ قال: عند قنطرة حلوان. قیل: فإن لم نجدك؟ قال: لا أبرح عن مشرعة المشان.
و إذا سخط ببغداد علی أحد من أهل الفساد ینفی إلی المشان، لیتأدب بالغربة و وخامة الهواء و ملوحة الماء و كثرة المرض.
و ینسب إلیها أبو محمّد القاسم بن علیّ الحریری صاحب المقامات الحریریّة التی هی من الأعاجیب. و من عجیب ما حكی عنه انّه كان مشغوفا بنتف اللحیة، و هو مرض من غلبة السوداء، فوكل به شخص یمنعه من ذلك. فلمّا عرض المقامات علی الوزیر، و أعجب الوزیر صنعته، سأله عن حاجته فقال:
ملّكنی لحیتی!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 461

المطیرة

من قری سامرّا أشبه أرض اللّه بالجنان من لطافة الهواء و عذوبة الماء و طیب التربة و كثرة الریاحین. و هی من متنزهات بغداد یأتیها أهل الخلاعة. وصفها بعض الشعراء فقال:
سقیا و رعیا للمطیرة موضعا!أنوارها الخیریّ و المنشور
فیها البهار معانقا لبنفسج‌فكأنّ ذلك زائر و مزور
و كأنّ نرجسه عیون كحلهابالزّعفران، جفونها الكافور
تحیا النّفوس بطیبها فكأنّهاوصل الحبیب یناله المهجور

الموصل‌

المدینة العظیمة المشهورة التی هی إحدی قواعد بلاد الإسلام، رفیعة البناء و وسیعة الرقعة محطّ رحال الركبان. استحدثها راوند بن بیوراسف الازدهاق علی طرف دجلة بالجانب الغربی. و الآن لها سور و فصیل و خندق عمیق و قهندز، و حوالیها بساتین. و هواؤها طیّب فی الربیع، أمّا فی الصیف فأشبه شی‌ء بالجحیم! فإن المدینة حجریّة جصّیة تؤثر فیها حرارة الصیف، تبقی كالشاخورة، و خریفها كثیر الحمّی تكون سنة سلیمة و الأخری موبئة، یموت فیها ما شاء اللّه. و شتاؤها كالزمهریر.
بها أبنیة حسنة و قصور طیّبة علی طرف دجلة. و فی نفس المدینة مشهد جرجیس النبیّ، علیه السلام. و فی الجانب الشرقی منها تلّ التوبة، و هو التلّ الذی اجتمع علیه قوم یونس لمّا عاینوا العذاب، و تابوا و آمنوا فكشف اللّه تعالی عنهم العذاب. و علی التلّ مشهد مقصود یقصده الناس كلّ لیلة جمعة و ینذر له النذور.
و بها بساتین نزهة. و فیها جواسق فی غایة الحسن و الطیب. و أهل الموصل
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 462
انتفعوا بدجلة انتفاعا كثیرا مثل شقّ القناة منها، و نصب النواعیر علی الماء یدیرها الماء بنفسه، و نصب العربات و هی الطواحین التی یدیرها الماء فی وسط دجلة فی سفینة، و تنقل من موضع إلی موضع، و فی الجانب الشرقی عند انتقاص الماء یبقی علی طرف دجلة ضحضاح علی أرض ذات حصباء. یتّخذ الناس علیها سررا و قبابا من القصب فی وسط الماء، یسمّونها السواریق و یبیتون فیها لیالی الصیف. یكون هواؤها فی غایة الطیب، و إذا نقص الماء و ظهرت الأرض زرعوا بها القثاء و الخیار، فتكون حول القباب مقثاة و یبقی ذلك إلی أوّل الشتاء.
و أهلها أهل الخیر و المروءة و الطباع اللطیفة فی المعاشرة و الظرافة، و التدقیق فی الصناعات، و ما فیهم إلّا من یحبّ المختطین؛ قال الشاعر:
كتب العذار علی صحیفة خدّه‌سطرا یلوح لناظر المتأمّل
بالغت فی استخراجه فوجدته‌لا رأی إلّا رأی أهل الموصل
ینسب إلیها جمال الدین الموصلی. كان من كرام الدنیا، أصله من أصفهان.
توزّر من صاحب الموصل، و كان یعطی أكثر من عبر الموصل، فعرف الناس أن عنده علم الكیمیاء، و كلّ من سأله أعطاه. و حكی أنّ رجلا صوفیّا قال له:
أنت الجمال الموصلی؟ قال: نعم. قال: اعطنی شیئا! قال له: سل ما شئت.
فنزع طرطوره و قال: املأ هذا دراهم! فقال: اتركه عندی و ارجع غدا خذه! فتركه عنده، فلمّا عاد أعطاه إیّاه مملوءا من الدراهم، فأخذه و خرج ثمّ عاد و قال:
ما لی إلی هذا حاجة، و إنّما أردت أن أجرّبك هل أنت أهل لهذه الصنعة أم لا، فعرفت أنّك أهل، و أنت ما تعرف إلّا عمل الفضّة، أرید أن أعلّمك عمل الذهب أیضا. فعلّمه و ذهب.
و حكی انّه استأذن من الخلیفة أن یلبس الكعبة فی بعض السنین، فأذن له فأخذ للكعبة لباسا أخضر، و نثر علی الكعبة مالا كثیرا، و أعطی أهل مكّة و ضعفاء الحاجّ أموالا و سار ذكره فی الآفاق.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 463
و حكی أنّه كان بینه و بین بعض الأمراء صداقة، فتعاهدا علی أن من مات منهما أوّلا فصاحبه یحمله إلی البقیع، فمات الجمال الموصلی أوّلا فی سنة خمسین و خمسمائة. فاشتری ذلك الأمیر جمالا كثیرة. و عیّن قوما من الصلحاء و أقواما من المقرئین، و أموالا للصدقة عنه فی كلّ منزل، و قال: الجمال الموصلی لا یبعث إلی البقیع إلّا هكذا. و دفنه بالبقیع بهذا الاحترام.
و ینسب إلیها الشیخ كمال الدین بن یونس. كان جامعا لفنون العلوم عدیم النظیر فی زمانه. فی أیّ باحثته فكأنّه صاحب ذلك الفنّ من المنقول و المعقول.
و أمّا فنّ الریاضیّات فكان فیه منفردا. و من عجیب ما رأیت منه أن الفرنج فی زمن الملك الكامل بعثوا إلی الشام مسائل أرادوا جوابها: منها طبیّة، و منها حكمیّة، و منها ریاضیّة. أمّا الطبیّة و الحكمیّة فأجاب عنها أهل الشام، و الهندسیّة عجزوا عنها. و الملك الكامل أراد أن یبعث جواب الكلّ، فبعثوا إلی الموصل إلی المفضّل ابن عمر الأبهری أستاذنا، و كان عدیم النظیر فی علم الهندسة، فأشكل الجواب علیه، فعرضه علی الشیخ ابن یونس، فتفكّر فیه و أجاب عنه، و المسألة هذه نرید أن تبیّن قوسا أخرجنا لها وترا، و الوتر أخرج من الدائرة عملنا علیه مربعا، تكون مساحة المقوّس كمساحة المربع. هذه صورتها:
فكتب برهانه المفضل و جعل رسالة بعث بها إلی الشام إلی الملك الكامل، فلمّا مشیت إلی الشام رأیت فضلاء الشام یتعجّبون من تلك الرسالة، و یثنون علی استخراج ذلك البرهان، فإنّه كان نادر الزمان.
و ینسب إلیها الشیخ فتح الموصلی. كان الغالب علیه الخوف و البكاء، و فی أكثر أوقاته كان باكیا. فلمّا توفی رئی فی المنام، قیل له: ما فعل اللّه بك؟
قال: أوقفنی بین یدیه و قال: ما الذی أبكاك؟ فقلت: یا ربّ الخجالة من ذنوبی! فقال: و عزّتی و جلالی، أمرت ملك الذنوب أن لا یكتب علیك أربعین سنة لبكائك من هیبتی!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 464

میسان‌

كورة كثیرة القری و النخیل بین البصرة و واسط، أهلها شیعة طغاة، بها مشهد عزیز النبی، علیه السلام، مشهور معمور یقوم بخدمته الیهود، و علیه وقوف و تأتیه النذور.
و حكی أن النعمان بن عدیّ كان من صلحاء الصحابة من مهاجرة الحبشة، و كان عمر بن الخطّاب یولّی أحدا من بنی النعمان لصلاحة میسان، فأراد النعمان أن یخرج معه زوجته فأبت، فكتب النعمان إلیها من میسان ما یحرّضها علی المجی‌ء إلی زوجها:
ألا هل أتی الحسناء أنّ حلیلهابمیسان یسقی من زجاج و حنتم؟
إذا شئت عنّینی دهاقین قریةو صنّاجة یجثو علی حرف میسم
فإن كنت ندمانی فبالأكبر اسقنی‌و لا تسقنی بالأصغر المتثلّم
لعلّ أمیر المؤمنین یسوءه‌ینادمنا فی الجوسق المتهدّم!
فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب فكتب إلیه: أمّا بعد فقد بلغنی قولك لعلّ أمیر المؤمنین یسوءه. وایم اللّه قد ساءنی و عزلتك! فلمّا قدم و سأله عن ذلك قال:
و اللّه ما كان من ذلك شی‌ء و ما شربتها قطّ، و إنّما كان ذلك فضل شعر! فقال عمر: أظنّ ذلك لكن لا تعمل لی عملا قطّ.

ناووس الظّبیة

موضع بقرب همذان؛ و قال ابن الفقیه: هذا الموضع عند قصر بهرام جور، و هو علی تلّ مشرف حوله عیون كثیرة و أنهار غزیرة، و من حدیثه: انّه خرج بهرام جور، و هو أحد الأكاسرة، متصیّدا، و كان حاذقا بالرمی، و أخرج معه جاریة من أحظی جواریه. فعنّ له سرب ظباء فقال لها: كیف تریدین أن أرمی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 465
ظبیة منها؟ فقالت: أرید أن تلصق ظلفها بأذنها! فتحیّر بهرام و قال فی نفسه:
إن لم أفعل قیل انّه شهّی جاریة و لم یف بها. فأخذ الجلاهق و عیّن ظبیة فرماها ببندقیة فأصاب أذنها، فرفعت رجلها تحكّ بها أذنها، فانتزع سهما فرماها فخاط به ظلفها بأذنها، ثمّ قتل الجاریة و دفنها مع الظبیة فی ناووس واحد، و بنی علیهما علما من حجارة و كتب علیها قصّتها و قال: إنّما قتلت الجاریة لأنها قصدت تعجیزی و كادت تفضحنی! قال ابن الفقیه: و الموضع معروف إلی وقتنا بناووس الظبیة.

نسا

مدینة بخراسان بقرب سرخس و ابیورد، بناها فیروز بن یزدجرد أحد الأكاسرة. و كان یقال لها شهر فیروز، و هی مدینة طیّبة كثیرة الأنهار و الأشجار إلّا أنّها و بئة و یكثر بها العرق المدینی، حتی انه فی الصیف قلّ من ینجو منه.
بها رباط بناه رئیسها عماد الدین حمزة النّسوی، و هو رباط عظیم خارج المدینة بین الباغات، لیس فی شی‌ء من البلاد مثله فی عظم العمارة و كثرة الخیر.
حكی عنه انّه قال: كنت علی عزم أن أبنی موضعا لأهل الخیر متردّدا فی أن أجعله مدرسة أو خانقاها، حتی رأیت فی نومی أن قائلا یقول: من آتاه اللّه روحا فأعطه الخیر! فأمر بعمارة بناء عظیم للفقهاء موضعا، و للصوفیة موضعا، و للقدریة موضعا، و للعلویین موضعا، و للقفل السابلة موضعا، و لدوابّهم موضعا.
و أجری الخبز و المأكول علی كلّ من له روح، و جعل فیها حمّامات و لها بساتین. و اشتری لها ممالیك برسم الفرش و الخدمة و الطبخ و فلاحة البساتین، فكلّ من نزل بها یمشی إلی مكانه و یقوم القوّام بخدمته. و لها قرّاء و مغنّون، و لا تزال قدورها علی النار، فربّما نزل بهم قفل عظیم أو جیش كثیف، فأخرجوا وظائفهم حتی لدوابهم و كلابهم. و من أراد من أهل المدینة خرج إلیها و تفرّج فی بساتینها، و استحمّ فی حمامها و تغدی أو تعشّی فیها و عاد إلی مكانه.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 466
و كان الأمر علی ذلك إلی ورود التتر. و الآن سألت بعض فقهاء خراسان عنها فذكر انّه بقی منها بقیّة.

نخشب‌

مدینة مشهورة بأرض خراسان. منها الأولیاء و الحكماء، ینسب إلیها الحكیم ابن المقفّع الذی أنشأ بنخشب بئرا یصعد منها قمر یراه الناس مثل القمر، و اشتهر ذلك فی الآفاق، و الناس یقصدون نخشب لرؤیته و یتعجّبون منه، و عوامّ الناس یحسبونه سحرا، و ما كان إلّا بطریق الهندسة و انعكاس شعاع القمر، لأنّهم وجدوا فی قعر البئر طاسا كبیرا مملوءا زئبقا، و فی الجملة قد اهتدی إلی أمر عجیب سار فی الآفاق، و اشتهر حتی ذكره الناس فی الأشعار و الأمثال، و بقی ذكره بین الناس.
و ینسب إلیها أبو تراب عسكر بن الحصین النخشبی، صاحب حاتم الأصمّ.
كان یقول: بینی و بین اللّه عهد أن لا أمدّ یدی إلی حرام إلّا و قد قصرت عنه؛ حكی انّه دخل بادیة البصرة یرید مكّة، فسئل عن أكله بمكّة فقال: خرجت من البصرة فأكلت بالنباج ثمّ بذات عرق و من ذات عرق إلیك.
و حكی عنه انّه قال: كنت فی بعض أسفاری فاشتهیت الخبز السمید مع بیض الدجاج، فعدلت عن طریقی و قصدت قریة لتحصیل ذاك، فإذا أنا فی الطریق إذ تعلّق بی شخص و قال: هذا لصّ قاطع الطریق، أخذ منی متاعی فی الطریق! فحملونی إلی رئیس القریة فضربنی سبعین خشبة، فإذا رجل منهم عرفنی و قال: هذا أبو تراب النخشبی، لیس من شأنه ما تدّعون علیه، فنزعنی من یدهم و أدخلنی بیته، و جعل بین یدیّ الخبز السمید و بیض الدجاج، فقلت لنفسی: خذ شهوتك مع سبعین خشبة! و تبت أن أشتهی بعد ذلك. توفی سنة خمس و أربعین و مائتین.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 467

نصراباذ

من قری خراسان، ینسب إلیها أبو القاسم إبراهیم بن محمّد النصراباذی، من مشایخ خراسان. صحب الشبلی و أبا علی الروذباری و المرتعش. حجّ ستّین حجّة، قال: فلمّا تممت الستّین أراد الشیطان أن یلقی إلیّ شیئا من العجب، فقال: من مثلك و قد حججت ستّین حجّة؟ فقام علی ملإ من الناس و نادی:
أیّها الناس من عرفنی فقد عرفنی، و من لم یعرفنی فأنا أبو القاسم النصراباذی، حججت ستّین حجّة، من یشتری ثوابها برغیفین؟ فقام واحد و قال: خذ ثمنها یا أبا القاسم. فأخذ منه ورماهما إلی كلب، فسمع هاتف یقول: غفرنا لك یا أبا القاسم و أثبتنا ثواب الحجّ لك و لمن اشتراها، و قبلنا حجّ كلّ من حجّ فی هذه السنة لأجلك!
جاور مكّة سنة ستّ و ثلاثین و ثلاثمائة. و توفی بها سنة سبع و ثلاثین و ثلاثمائة.

نصیبین‌

مدینة عامرة من بلاد الجزیرة بقرب سنجار. و هی كثیرة المیاه و الأشجار و البساتین، مسوّرة و لها قهندز. ذكر أن لها و لقراها أربعین ألف بستان، ظاهرها فی غایة النزاهة و باطنها یضادّ ظاهرها. و هی وخمة لكثرة میاهها و أشجارها مضرّة سیّما بالغرباء، فإنّه قلّما تخطی‌ء سهامها فی الغرباء. و حكی أن بعض التجّار أراد دخول نصیبین، و كان به عقابیل المرض و صفرة اللون، فتمسّك بكمّه بعض ظرفاء نصیبین و قال: ما أخلیك تدخل حتی تشهد علی نفسك شاهدین عدلین انّك ما دخلت نصیبین إلّا علی هذه الصفة، كیلا یقال امرضته نصیبین!
و روی عن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، انّه قال: رفعت لی لیلة أسری بی مدینة فأعجبتنی فقلت لجبریل: ما هذه المدینة؟ فقال: نصیبین. قلت:
اللهم عجل فتحها و اجعل فیها بركة للمسلمین!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 468
و من خاصّیة نصیبین أنّها لا تقبل العدل البتّة بل سوق الظلم بها قائم، ولو كان والیها كسری الخیر، و لهذا قال بعض الشعراء:
نصیب نصیبین من ربّهاولایة كلّ ظلوم غشوم!
فباطنها منهم فی لظی‌و ظاهرها من جنان النّعیم!
و عقارب نصیبین ممّا یضرب بها المثل؛ حكی أحمد بن الطیّب السرخسی أن أنوشروان حاصر نصیبین، فامتنع أهلها و لم یستطع فتحها، فأشار إلیه بعض الحكماء ان یحمل عقارب طیرانشاه، و هی قریة من أعمال شهرزور كثیرة العقارب، فی جرار، و تحمل إلی نصیبین و ترمی إلیها بالعرّادة، ففعل ذلك فانتشرت العقارب فی جمیع المدینة، و لدغت أهلها فأصابوا منها بلاء عظیما و تقاعدوا عن القتال ففتحها أنوشروان، و ذلك أصل عقارب نصیبین.
و حكی أن عامل معاویة بنصیبین كتب إلی معاویة أن جماعة كثیرة من المسلمین الذین كانوا معه أصیبوا بالعقارب، فكتب إلیه معاویة یأمره أن یوظّف علی كلّ أهل خیر من المدّة عدّة عقارب فی كلّ لیلة، ففعل ذلك، فهم یأتون بها و هو یأمر بقتلها حتی قلّت.

نضیراباذ

قریة من قری قزوین قریبة منها، كثیرة الخیرات و الغلّات، و كانت ملكا لفخر المعالی بن نظام الملك. و كان شیخ القریة رجلا ظریفا و فخر المعالی أیضا كذلك، كانا یتظارفان؛ حكی أن شیخ القریة دخل علی فخر المعالی فوجده یسرّح لحیته بمشط فقال: أیّها المولی، لم تسرّح اللحیة؟ فقال: لأنّه یزیل الغمّ. فقال: من كان له غمّ یسرّح لحیته فیزول غمّه؟ قال: نعم، فقد اتّفق انّه جاء ذات مرّة عسكر و أكلوا زرع القریة و نهبوها، فجاء شیخ القریة إلی فخر المعالی و قال: احضر المشط! قال: لم؟ قال: حتی أقول أنا و تسرّح أنت
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 469
فإنی جئت بغمّ كثیر.
و حكی أنه استقرض شیخ القریة من فخر المعالی شیئا من الحنطة، فقال فخر المعالی: ابعث إلیك. فبعث إلیه أحمالا من البعر! فلمّا كان وقت النیروز و عادتهم ان الاكرة یحملون إلی الدهخدا هدایا، من جملتها سلال فیها أقراص مدهونة و كلیجات و جرادق، فبعث شیخ القریة فی السلال أقراصا من السرجین، فلمّا رآها فخر المعالی غضب. قال له شیخ القریة: یا مولای، لا تغضب، انها من الحنطة التی بعثتها إلیّ! و لهم مثل هذا تظارف كثیرة یعرفها أهل قزوین و بهذا مقنع.

النّعمانیّة

بلیدة بین بغداد و واسط، كثیرة الخیرات وافرة الغلّات، و لها قری و رساتیق. بناها النعمان بن المنذر بن قیس بن ماء السماء. سكنها زمانا رافی‌ء الحال فارغ البال فی أیّام الأكاسرة إلی أن قضی اللّه تعالی ما شاء.
وصلت ذات مرّة إلیها فنزلت فی جامعها، فاجتمع علینا من النمل الكبیر الأسود شی‌ء كثیر، فقال بعض أهلها: نصف البلد هكذا، و النصف الآخر لا یوجد فیه شی‌ء منها.
و حكی أن النعمان كان له صاحبان: أحدهما عدیّ بن یزید العبادی. و الآخر الربیع بن زیاد. و الربیع كان أقرب إلیه حتی كان یأكل معه فی قصعة واحدة، فحسدهما الحاسدون. أمّا الربیع فرموه بالبرص لأن النعمان كان شدید التنفّر من البرص. كتبوا إلیه: یا ابن الملوك السادة الهبنقعه، الضاربین الهام تحت الخیضعه، مهلا أبیت اللعن لا تأكل معه! ان استه من برص ملمّعه، و انّه یدخل فیه إصبعه. كأنّه یطلب شیئا ضیّعه! فأبعده النعمان و تنفّر منه أشدّ التنفّر، فقال الربیع: أبیت اللعن! لا تسمع كلام الأعداء و قل لمن یبصرنی و یجرّبنی! فقال النعمان:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 470 شرّد برجلك عنّا حیث شئت‌و لا تكثر علیّ ودع عنك الأقاویلا
فقد رمیت بداء لست غاسله‌ما جاوز النّیل یوما شطّ ابلبلا
قد قیل ذلك إن حقّا و إن كذبافما اعتذارك عن قول إذا قیلا؟
و أمّا عدیّ بن زید فقد سعوا به حتی أبعده النعمان، و كان ابنه زید بن عدیّ كاتبا لكسری فی المكاتبات العربیّة، فذكر لكسری حبس أبیه، فبعث كسری إلی النعمان یأمره بالإفراج، فلمّا وصل الرسول بعث عدیّ إلی الرسول یقول:
أبصرنی قبل أن تمشی إلی النعمان حتی لا یقول النعمان انّه مات! فقال الرسول:
أخاف من مؤاخذة كسری، فإنّه ما بعثنی إلّا إلی النعمان. فلمّا أدّی الرسول الرسالة قال النعمان: عدی من زمان مات! و أمر بقتله.
و عرف الحال زید بن عدی فطلب فرصة لینتقم من النعمان، و كان كسری مشغوفا بالنساء، أیّ امرأة حسناء ذكرت عنده یرسل إلی تحصیلها، فكان یجری فی مجلسه ذكر النساء. قال زید بن عدی: ان لعبدك النعمان بنات فی غایة الحسن و الجمال، إن اقتضی رأی الملك یبعثنی إلیه أخطب بناته للملك! فبعثه كسری مع بعض خواصّه من العجم، فقال النعمان: إن للملك فی مها العجم لمندوحة عن سودان العرب! فقال زید للعجمی: احفظ ما یقوله حتی تقول لكسری! فلمّا عاد إلی كسری قال: ما معنی هذا الكلام؟ قال زید: یقول الملك له بقر العجم، ما له و لكحلاوات العرب؟ فتأذی كسری من هذا و بعث إلیه یطلبه، فهرب النعمان فی البریة، فما كان حیّ من الأحیاء یحویه خوفا من كسری.
و كلّما أتی علیه الوقت ذهب ماله و قلّ عدده، فرأی أن یأتی كسری تائبا.
فلمّا وصل أمر كسری بنصب القباب و إخراج جمیع جواریه یرقصن فی غناء عجمّی معناه: من له كلّنا أیّ حاجة له إلی البقر؟ فلمّا دخل دهلیز كسری قبض علیه و أمر بإلقائه تحت أرجل الفیل؛ قال الشاعر:
فأدخل بیتا سقفه صدر فیلةبساباط و الحیطان منه قوائمه
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 471

نهاوند

مدینة بقرب همذان قدیمة؛ قالوا: إنّها من بناء نوح، علیه السلام، و اللفظ دلّ علیه و أصله نوح اوند أی نوح وضع. بها عجائب. بها موضع یقال له وازوان البلاعة، به حجر كبیر فیه ثقبة فتحها أكبر من شبر، یفور منها الماء كلّ یوم مرّة، فیخرج و له صوت عظیم یسقی أراضی كثیرة، ثمّ یتراجع حتی یدخل ذلك الموضع الذی خرج منه.
و حكی ابن الكلبی أن هذا الحجر مطلسم، لا یخرج الماء منه إلّا وقت الحاجة، و یفور حتی یستغنی عنه؛ قال: و هذا مشهور فی تلك الناحیة.
و بها صخرة عظیمة فی جبلهم، من غاب له غائب أو أبق له آبق أو مرض له مریض أو سرق منه شی‌ء، فیأتی تلك الصخرة و یبیت عندها، فإنّه یری فی نومه حاصل ذلك الأمر من خیر و شرّ؛ قال صاحب تحفة الغرائب: بقرب نهاوند عین فی شعب جبل، من احتاج إلی الماء لسقی الأرض یمشی إلیها، و یدخل الشعب و یقول بصوت رفیع: إنی محتاج إلی الماء. ثمّ یمشی نحو زرعه فالماء یمشی نحوه، فإذا انقضت حاجته یرجع إلی الشعب نحو العین و یقول: قد كفانی الماء.
و یضرب برجله علی الأرض فالماء ینقطع؛ هذا كلام صاحب تحفة الغرائب.
و من عجائبها ما ذكره ابن الفقیه من أمر قصب الذریرة، فما دام بنهاوند أو شی‌ء من رساتیقها فهو بمنزلة الخشب لا رائحة له، فإذا حمل منها و جاوزوا به العقبة التی یقال لها عقبة الركاب فاحت رائحته، فإن سلكوا به غیر تلك العقبة یبقی بحاله لا یصلح إلّا للوقود.
و من عجائبها طین أسود یوجد علی حافات نهر نهاوند. له خواصّ كثیرة:
زعم أهل الناحیة أن ذلك الطین تخرجه السراطین من جوف النهر و تلقیه، ولو حفروا جمیع جوانب النهر و قراره لم یجدوا شیئا من ذلك الطین.
و حكی مسعر بن مهلهل أن علی جبل نهاوند ثورا و سمكة منحوتة من الحجر
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 472
فی أحسن صنعة؛ قالوا: إنّهما طلسمان لآفات المدینة. و یكثر بنهاوند شجر الخلاف ما فی شی‌ء من البلاد بكثرتها، تتّخذ منها الصوالج و تحمل إلی سائر البلاد.

النّهروان‌

كورة واسعة بین بغداد و واسط فی شرقی دجلة، كانت من أجمل نواحی بغداد و أكثرها دخلا، و أحسنها منظرا و أبهاها فخرا. أصابتها عین الزمان فخربت بسبب الاختلاف بین الملوك السلجوقیة و قتال بعضهم بعضا. و كانت ممرّ العساكر فجلا عنها أهلها و استمرّ خرابها، و الآن مدنها و قراها تلال و الحیطان قائمة، ثمّ بعد خرابها من شرع فی عمارتها من الملوك مات قبل تمامها، حتی اشتهر ذلك و استشعر الملوك من تجدید عمارتها و تطیروا بها إلی زمن المقتفی.
فأراد بهرور الخادم عمارتها فقالوا له: ما شرع فی عمارتها أحد إلّا مات قبل تمام عمارتها! فشرع فی عمارتها غیر ملتفت إلی هذا القول، فمات أیضا قبل تمامها، فبقیت علی حالها إلی زماننا هذا.
ینسب إلیها القاضی أبو الفرج بن المعافی بن زكریاء النهروانی. كان عالما فاضلا مشهورا وحید دهره. قال: حججت سنة فإذا أنا بمنی ینادی مناد یقول:
یا أبا الفرج! قلت: یطلب غیری. ثمّ قال: یا أبا الفرج بن المعافی! قلت:
لعلّ شخصا وافق اسمه و اسم أبیه اسمی و اسم أبی. ثمّ قال: یا أبا الفرج بن المعافی بن زكریاء! فما أجبت. ثمّ قال: یا أبا الفرج بن المعافی بن زكریاء النهروانی! فقلت: الآن اتّضح انی أنا المطلوب. فقلت: ها أنا ذا، ماذا ترید؟
فقال: لعلّك أنت من نهروان الشرق! قلت: نعم! قال: إنی أرید من هو من نهروان الغرب.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 473

نیسابور

مدینة من مدن خراسان، ذات فضائل حسنة و عمارة، كثیرة الخیرات و الفواكه و الثمرات، جامعة لأنواع المسرّات، و عتبة الشرق، و لم یزل القفل ینزل بها. و انّها كانت مجمع العلماء و معدن الفضلاء. و كان عمرو بن اللیث الصفّار یقول: أقاتل علی بلدة حشیشها الریباس، و ترابها البقل، و حجرها الفیروزج.
و إنّما قال ذلك لأن بها ریباسا لیس فی جمیع الأرض مثله، قد یكون واحدها خمسة أرطال و أكثرها رطلان أو ثلاثة. و هی صادقة البیاض كأنّها الطلع، و إنّما عنی بالبقل الطین المأكول الذی لا یوجد مثله فی جمیع الأرض. یحمل إلی أدانی الأرض و أقاصیها لتحفة الملوك، و ربّما بیع رطل منه بمصر بدینار واحد، و بالغ محمّد بن زكریاء فی خواصّ هذا الطین و منافعه. و قال أبو طالب المأمونی:
خذ لی من البقل فذاك الذی‌منها خلقنا و إلیها نصیر
كأنّه للعین لمّا بداأحجار كافور علیها عبیر
و بها معادن الفیروزج. ذكروا أن تلك المعادن آبار ظهر فیها العقارب فامتنع الناس عنها، و لمّا دخلها إسماعیل بن أحمد السامانی، و كان ملكا عادلا، قال:
یا لها من مدینة لو لم یكن بها عیبان! قیل: ما هما؟ قال: كان ینبغی أن تكون میاهها التی فی باطن الأرض علی ظاهرها، و مشایخها الذین علی ظاهرها فی باطنها.
و كانت نیسابور من أحسن بلاد اللّه و أطیبها. خرج الغزّ علی السلطان سنجر ابن ملكشاه السلجوقی، و كسروه و أسروه و بعثوا جمعا إلی مدینة نیسابور، و ذلك فی سنة ثمان و أربعین و خمسمائة، فقاتلهم أهل نیسابور أشدّ القتال لأنّهم كانوا كفّارا نصاری، فجاءهم ملك الغزّ و حاصرهم حتی استخلصها عنوة، و قتلوا كلّ من وجدوه و خربوها و أحرقوها، فانتقل الناس إلی الشاذیاخ و عمروها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 474
و سوّروها حتی بقیت مدینة طیّبة أحسن من المدینة الأولی، و صارت المدینة الأولی متروكة، و صارت مجامع أهلها مكان الوحوش و مراتع البهائم، فسبحان من لا یعتریه الزوال و كلّ ما سواه یتغیّر من حال إلی حال!
ینسب إلیها الإمام العلّامة رضی الدین النیسابوری، قدوة العلماء و أستاذ البشر. كان أصله من نیسابور و مسكنه بخاری، و كان علی مذهب الإمام أبی حنیفة، و كان فی حلقة درسه أربعمائة فقیه فضلاء، و انّه سلك طریقا لم یسلكه من كان قبله. و كان علم المناظرة قبله غیر مضبوط فأحدث له ضبطا و ترتیبا، و بذلك فاقت تلامذته جمیع علماء زمانهم. و له علی كلّ من یسمّی باسم الفقیه منّة، لأن الفقهاء بعده علی طریقه و ترتیبه.
و ینسب إلیها الأستاذ قدوة المشایخ أبو القاسم القشیری صاحب الرسالة القشیریة، كان وحید دهره علما و ورعا. حكی انّه إذا دخل علی نظام الملك الحسن بن علیّ بن إسحق، قام من مكانه و قعد بین یدیه، و إذا دخل علیه إمام الحرمین یقوم له و یقعده بجنبه، فسئل نظام الملك عن ذلك فقال: لأن أبا القاسم القشیری إذا دخل علیّ یذمّنی فیما أعمله. و أمّا إمام الحرمین فإنّه یمدحنی فیما أعمله. فیا للّه من شیخ إذا دخل علی وزیر المشرق و المغرب یذمّ أفعاله و لا یبالی بسلطنته! و یا للّه من وزیر من ذمّه فی أفعاله أكرم علیه ممّن مدحه!
و حكی أن الملك لمّا صار لطغرلبك السلجوقی و استوزر أبا نصر الكندری، كان السلطان معتزلیّا و الوزیر شیعیّا، أمرا بلعن جمیع المذاهب یوم الجمعة علی رؤوس المنابر. فعند ذلك فارق الأستاذ أبو القاسم مملكة طغرلبك و قال: لا أقیم فی أرض یلعن بها المسلمون! و إمام الحرمین أیضا ذهب إلی أرض الحجاز.
و توفی أبو القاسم سنة خمس و ستّین و أربعمائة.
ینسب إلیها من الحكماء عمر الخیّام. كان حكیما عارفا بجمیع أنواع الحكمة سیما نوع الریاضیّات. و كان فی عهد السلطان ملكشاه السلجوقی سلّم إلیه مالا كثیرا لیشتری به آلات الرصد و یتّخذ رصد الكواكب، فمات السلطان
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 475
و ما تمّ ذلك.
و حكی انّه نزل ببعض الربط، فوجد أهلها شاكین من كثرة الطیر و وقوع ذرقها و تنجّس ثیابهم بها، فاتّخذ تمثال الطیر من الطین و نصبه علی شرفة من شرفات الموضع فانقطع الطیر عنها.
و حكی أن بعض الفقهاء كان یمشی إلیه كلّ یوم قبل طلوع الشمس، و یقرأ علیه درسا من الحكمة، فإذا حضر عند الناس ذكره بالسوء، فأمر عمر بإحضار جمع من الطبالین و البوقیین و جباهم فی داره، فلمّا جاء الفقیه علی عادته لقراءة الدرس، أمرهم بدقّ الطبول و النفخ فی البوقات، فجاءه الناس من كلّ صوب، فقال عمر: یا أهل نیسابور هذا عالمكم یأتینی كلّ یوم فی هذا الوقت، و یأخذ منی العلم، و یذكرنی عندكم بما تعلمونی، فإن كنت أنا كما یقول فلأیّ شی‌ء یأخذ علمی، و إلّا فلأیّ شی‌ء یذكر الأستاذ بالسوء؟
و ینسب إلیها أبو حمزة الخراسانی. كان من أقران الجنید و أبی تراب النّخشبی و أبی سعید الخرّاز. قال: حججت فی بعض السنین، فبینما أنا أمشی فی الطریق إذ وقعت فی بئر، فنازعتنی نفسی أن أستغیث حتی یأتینی أحد، فخالفت النفس و قلت: و اللّه لا أستغیث؛ فما استتمّت هذه الخطرة حتی أتی برأس البئر رجلان أحدهما یقول للآخر: تعال حتی نسدّ رأس هذه البئر كیلا یقع إنسان فیها. فأتیا بقصب و باریة و سدّا رأس البئر، فهممت أن أصیح ثمّ قلت فی نفسی: أصیح إلی من هو أقرب منهما. فسكتّ. فبینما أنا بعد ساعة إذ جاء شی‌ء و كشف رأس البئر و أدلی رجلیه فكأنّه یقول فی همهمته: تعلّق بی! فتعلّقت به فأخرجنی، فإذا هو سبع، فهتف بی هاتف: ألیس هذا أحسن؟ نجیناك بالمتلف من التلف!
و ینسب إلیها أبو القاسم المنادی.
و ینسب إلیها أبو الطیب سهل الصعلوكی. تصدّر للقضاء و التدریس بنیسابور و اجتمع علیه فقهاء خراسان، و وضع فی مجلسه خمسمائة محبرة عند إملائه.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 476
قیل: جاء فی الحدیث عن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم. أن اللّه تعالی علی رأس كلّ مائة یبعث من یجدّد دینه. فذكر الأصحاب انّه علی رأس المائة عمر ابن عبد العزیز، و علی المائتین محمّد بن ادریس الشافعی، و علی الثلاثمائة أبو العبّاس أحمد بن سریج، و نظم هذا المعنی بعض أهل العلم فقال:
إثنان قد مضیا و بورك فیهما:عمر الخلیفة ثمّ خلف السّؤدد
الشّافعیّ الألمعیّ محمّدإرث النّبوّة و ابن عمّ محمّد
و ابشر أبا العبّاس إنّك ثالث‌من بعدهم، سقیا لتربة أحمد
فقام رجل فی مجلس أبی الطیب سهل الصعلوكی، و أنشد تلك الأبیات و ألحق بها:
و الرّابع المشهور سهل بعدهم‌أضحی إماما عند كلّ موحّد
لا زال فیما بیننا علم الهدی‌للمذهب المختار خیر مؤیّد
فسكت الشیخ و غمّه ذلك و توفی فی تلك السنة.
حكی أبو سعید الشحامی قال: رأیت أبا الطیب الصعلوكی فی النوم بعد وفاته فقلت: أیّها الشیخ! فقال: دع الشیخ! قلت: و تلك الأحوال التی شاهدتها؟
قال: لم تغن عنّا شیئا! قلت: ما فعل اللّه بك؟ قال: غفر لی بمسائل كانت تسألها العجائز!
و ینسب إلیها أبو سعید بن أبی عثمان الخركوشی. كان من مشاهیر علماء خراسان بالعلم و الزهد و الورع و حسن الطریقة. صنّف كتبا كثیرة فی العلوم الشرعیّة، و بنی مدرسة و دار مرضی، و وقف علیهما أملاكا كثیرة. و فی آخر عمره اختار الفقر، و كان یأكل من كسب یده: یعمل القلانس و یبیعها خفیة حتی لا یدری أنّها عمله.
حكی أبو الفضل محمّد بن عبد اللّه الصرام قال: رأیت الأستاذ أبا سعید
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 477
خرج مع القوم للاستسقاء و هو ینشد:
إلیك جئنا حسبنا ربّناو لیس ربّ سواك یغنینا
بابك رحب فناؤه كرم‌إرحم علی بابك المساكینا
ثمّ قال: اللهمّ اسقنا! فما أتمّ ثلاثا حتی سقینا كأفواه القرب.
و ینسب إلیها أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد المرتعش. كان عظیم الشأن، صحب الجنید، قیل له: إن فلانا یمشی علی الماء! فقال: عندی من مكنة اللّه تعالی من مخالفة الهواء ما هو أعظم من المشی علی الماء. توفی سنة ثمان و عشرین و ثلاثمائة.

نینوی‌

بلاد و قری كانت بشرقی دجلة عند الموصل. فی قدیم الزمان بعث اللّه تعالی إلیهم یونس النبی، علیه السلام، فدعاهم إلی اللّه تعالی فكذّبوه، فخوّفهم بعذاب اللّه فی وقت معین و فارقهم. فلمّا دنا ذلك الوقت و شاهدوا آثار عذاب اللّه خرجوا بالنساء و الذراری إلی تلّ هناك فی شرقی دجلة، و كشفوا رؤوسهم و تابوا و آمنوا، فكشف اللّه عنهم العذاب. و التلّ باق إلی الآن و یسمّی تلّ التوبة، و علیه مشهد مقصود ینذر له و یقصده الناس كلّ لیلة جمعة.
حكی صاحب تحفة الغرائب انّه كان بها طاحونة جمیع آلاتها من الحجر، و كانت سبیلا، فإذا أراد الطحّان وقوف الحجر قال: اسكن بحقّ یونس! فوقف الحجر و الماء یجری علی حاله، و لا تدور الرحی حتی یفرغ الطحّان من شغله، فإذا فرغ قال: إنی فرغت من شغلی، فشرع فی الدوران.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 478

واسط

مدینة بین الكوفة و البصرة من الجانب الغربی، كثیرة الخیرات وافرة الغلّات.
تشقّها دجلة. و إنّها فی فضاء من الأرض صحیحة الهواء عذبة الماء و كثیرا ما یفسد هواؤها باختلاف هواء البطائح بها فیفسده. و أمّا نفس المدینة فلا یری أحسن منها صورة، فإن كلّها قصور و بساتین و میاه، و عیبها أن حاصلها یحمل إلی غیرها، فلو كان حاصلها یبقی فی ید أهلها لفاقت جمیع البلاد.
بناها الحجّاج سنة أربع و ثمانین، و فرغ منها سنة ستّ و ثمانین، و سكنها إلی سنة خمس و تسعین و توفی فی هذه السنة.
و حكی عن سماك بن حرب انّه قال: استعملنی الحجّاج علی ناحیة نادوربا، فبینا أنا یوما علی شاطی‌ء دجلة إذا أنا برجل علی فرس من الجانب الآخر، فصاح باسمی و اسم أبی، فأجبت فقال: الویل لأهل مدینة تبنی ههنا! لیقتلن فیها ظلما سبعون ألفا! كرّر ذلك ثلاث مرّات ثمّ أقحم فرسه فی دجلة و غاب فی الماء.
فلمّا كان العام القابل ساقنی القضاء إلی ذلك الموضع، فإذا أنا برجل صاح بی كما صاح و قال كما قال و زاد: سیقتل ما حولها ما یستقلّ الحصی لعددهم! ثمّ أقحم فرسه فی الماء و غاب.
فلمّا بنی الحجّاج واسطا أحصی فی حبسه ثلاثة و ثلاثون ألف إنسان، لم یحبسوا فی دم و لا دین و لا تبعة، و أحصی من قتله صبرا فبلغوا مائة و عشرین ألف إنسان!
و حكی انّه كان یقرأ القرآن، فانتهی إلی قوله تعالی: انّه عمل غیر صالح.
فاشتبه علیه انّه قرأ اسما أو فعلا، فبعث إلی بعض المقرئین و أمر بإحضاره لیسأل عنه، فلمّا حضر المقری‌ء قام الحجّاج من مجلسه فقال الأعوان: كیف نعمل به و قد طلبه الحجّاج؟ فأوقفوه حتی یتبیّن أمره، فبقی فی الحبس ستّة أشهر إلی أن فرغ الحجّاج فی النظر إلی المحبوسین، فلمّا انتهی إلی اسمه سأل عن ذنبه
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 479
فقالوا: لا نعرف! فأمر بإحضاره و قال له: علی أیّ شی‌ء حبست؟ قال:
علی ذنب ابن نوح! فضحك الحجّاج و خلّی سبیله.
ینسب إلیها جماعات من القرّاء، یعرفون علم القراءة السبعة و العشرة و الشواذّ، منهم أبو العزّ القلانسی، حكی انّه جاءه رجل و قال له: أنت القلانسی المقری‌ء؟ قال: نعم. قال: إنی أرید أن أقرأ علیك قراءة القرآن.
قلت له: كیف اخترت هذه القراءة؟ قال: إنی سمعتها فی بعض أسفاری عن رجل فأعجبتنی. فقلت له: علی من قرأتها؟ قال: علی القلانسی. فكان یأتینی كلّ یوم آخر النهار. قلت: ائتنی أوّل النهار. فقال: أرضی شاسعة. فكنت أدخل داری و أغلق الباب و أصعد السطح، فأراه داخل الدار فأقول له: كیف دخلت و الباب مغلق؟ فیقول: ما كان مغلقا. فلمّا ختم قال لی: اكتب خطّك انی قرأت علیك. فقلت: ما لی عادة أكتب خطّی إلّا بخمسة عشر دینارا.
فجاءنی بجدع من العود و قال: خذ هذا و اكتب لی خطّك. فأخذت و كتبت و الجدع كان یسوی حمله. و كان زمن الناصر لدین اللّه، فأشهر هذا الحدیث و اشتری الجدع منی.
و ینسب إلیها أبو الحسین بنان بن محمّد بن حمدان الحمال. ذهب إلی مصر فأمر ابن طولون صاحب مصر بالمعروف، فغضب علیه و أمر بإلقائه بین یدی السبع، فكان السبع یشمّه و لا یضرّه. فلمّا أخرج من بین یدی السبع قالوا له:
ما الذی كان فی قلبك وقت یشمّك السبع؟ قال: كنت أتفكّر فی سؤر السبع و لعابه أطاهر أم لا؟
و حكی عمر بن محمّد بن عراك انّه كان لرجل علی رجل مائة دینار بوثیقة، فكان یطلب الوثیقة و لم یجدها، فجاء إلی بنان الحمال أن یدعو له فقال له بنان:
إنی رجل شیخ أحبّ الحلاوی، فاشتر لی رطل حلواء حتی أدعو لك! فذهب الرجل و اشتری الحلواء و جعله فی وسط القرطاس فجاء به، فقال له بنان: افتح القرطاس. ففتحه فإذا القرطاس فی وسطه الوثیقة. فقال: هذه وثیقتی! فقال له
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 480
بنان: خذ وثیقتك و اطعم الحلاوی صبیانك. توفی بمصر سنة ستّ عشرة و ثلاثمائة.
و حكی انّه احتاج إلی جاریة تخدمه، فانبسط مع إخوانه فجعلوا له ثمن جاریة و قالوا: إذا جاء السّفر تكون معه جوار نشتری لك منهم جاریة. فلمّا جاء السّفر و معه جوار اجتمعوا علی واحدة و قالوا: انّها صالحة له. فقالوا لصاحبها: بكم تبیعها؟ فقال: انّها لیست للبیع. فألحّوا علیه فقال: إنّها لبنان الحمال، بعثتها له امرأة من سمرقند، فحملت إلی بنان و ذكرت له القصّة.
و ینسب إلیها یزید بن هارون. كان عالما عابدا مقرئا محدّثا. قال: سافرت عن أهلی فی طلب الحدیث سنین كثیرة، فلمّا عدت إلی بغداد سمعت أن بعسكر أحد التابعین، فمشیت إلیه فقال: حدّثنی أنس بن مالك، رضی اللّه عنه، عن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم: من ابتلاه اللّه ببلاء فلیصبر ثمّ لیصبر ثمّ لیصبر! و قال: ما أحدّثك غیر هذا. قال: فعدت إلی واسط و وصلت لیلا، و وقفت علی بابی، كرهت دقّ الباب كراهة انزعاج القوم، فعالجت فتح الباب و دخلتها. و كان أهلی علی السطح فصعدت السطح فوجدت زوجتی نائمة و بجنبها شابّ، فأخذت حجرا و قصدت أضرب به فتذكّرت الحدیث الذی سمعت من العسكری، ثمّ قصدت ثانیا و ثالثا فتذكّرت الحدیث ثانیا و ثالثا، فانتبهت زوجتی فلمّا رأتنی أیقظت الشاب و قالت: قم إلی أبیك! إنی تركتها حاملا فعلمت أن ذلك من بركة حدیث العسكری.
و حكی أنّه رئی فی النوم بعد موته فقیل له: ما فعل اللّه بك؟ قال: غفر لی.
قیل: بأیّ شی‌ء؟ قال: بالقرآن و الحدیث و دعاء السحر. فقیل له: هل أخذ علیك شیئا؟ قال: نعم، قال لی تروی الحدیث عن حریز بن عثمان و هو یبغض علیّ بن أبی طالب. و أتانی الملكان و قالا: من ربّك؟ قلت: أنا یزید بن هارون، أما تریان هذه اللحیة البیضاء؟ تسألانی عن الذی كنت أدعو الناس إلیه سبعین سنة! فقالا: نم نومة العروس التی لا یوقظها إلّا من هو أحبّ إلیها.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 481

ورجند

قریة من أعمال همذان. من عجائبها أن من به علّة البواسیر، و الأطباء عجزوا عن معالجتها، یمشی إلی ورجند یعالجه أهلها فیبرأ بأیّام قلائل. قالوا:
إنّ لأهلها فی ذلك یدا باسطة، من مشی إلیها عالجوه، و ذلك برقیة عندهم و حشیش یدخنونه بالحشیشة، و یقرأون علیه الرقیة فینتفع فی أیّام قلائل. و هو مشهور عندهم.

هراة

مدینة عظیمة من مدن خراسان. ما كان بخراسان مدینة أجلّ و لا أعمر، و لا أحصن و لا أكثر خیرا منها. بها بساتین كثیرة و میاه غزیرة. بناها الاسكندر، و لمّا دخل بلاد الشرق ذاهبا إلی بلاد الصین أمر كلّ قوم ببناء سور یحصنهم عن الأعداء. و علم أن أهل هراة قوم شماس عندهم قلّة القبول، فعیّن لهم مدینة بطولها و عرضها و سمك حیطانها و عدد أبوابها، لیوفّیهم أجورهم عند عوده.
فلمّا رجع قال: ما أمرت علی هذه الهیئة؛ و أظهر الكراهیة و ما أعطاهم شیئا.
و من عجیب ما ذكر أن هراة كانت فی ید سلاطین الغور بنی سام، فجاءها خوارزمشاه محمّد نزل علیها یحاصرها، و كانت العجلة تمشی علی سورها لفرط عرضه. فأمر خوارزمشاه بنصب المنجنیق علیها، و أشار بمقرعته إلی برج من أبراجها، فكما أشار إلیه انهار ذلك البرج، فاستخلصها من ذلك الموضع و عدّ ذلك من عجیب آثار دولته.
و من عجائبها أرحیة مبنیّة علی الریح تدیرها الریح بنفسها كما یدیرها الماء، و یحمل منها إلی سائر البلدان كلّ ظریف سیما الأوانی الصفریّة المطعمة بالفضّة و أنواع الدبابیج و الحواصل، و من المأكول الزبیب و المشمش؛ قال الأدیب الزوزنی:
هراة أردت مقامی بهالشتّی فضائلها الوافرة:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 482 نسیم الشّمال و أعنابهاو أعین غزلانها السّاحره!
و لم تزل هراة من أحسن بلاد اللّه حتی أتاها عین الزمان عند ورود التتر، فخربوها حتی أدخلوها فی خبر كان، و حكی من كان بها أن التتر لمّا نزلوا علیها راسلهم أحد أعیان المدینة أن یفتح لهم بابا من أبوابها، علی شرط أن یأمن هو و أهله، فأجابوه إلیه. فلمّا فتح لهم دفعوا إلیه رجلا لیقف علی باب داره و یمنع التتر من دخولها. و كان لصاحب الدار نسیب بعث إلیه أن عجل إلی داری بأهلك فإنّها مأمن. فقال النسیب: ان حالوا بیننا و بینكم فأرسل الرجل التتری إلینا لیحملنا إلیكم. فأرسله إلیهم، فلمّا غاب عن باب داره نزل علیها قوم من التتر و قتلوا كلّهم، فلمّا جاء الرجل التتری بالنسیب وجد القوم قتلوا عن آخرهم، فتركهم و مرّ علی وجهه و قتل النسیب أیضا، و لم ینج منهم أحد.
و ینسب إلیها إبراهیم ستنبه من البراهمة الأربعة الذین یشفع بهم إلی اللّه تعالی و هم: إبراهیم بن أدهم بمكّة، و إبراهیم الخواص بالریّ، و إبراهیم شیبان بقرمیسین، و إبراهیم ستنبه بقزوین.
حكی إبراهیم بن دوحة قال: دخلت مع إبراهیم ستنبه بادیة مكّة، و كان معی دینار ذهب فقال لی: اطرح ما معك، فطرحته. ثمّ قال لی: اطرح ما معك، فما كان معی إلّا شسع نعل فطرحته. فما احتجت فی الطریق إلی شسع إلّا وجدته بین یدیّ، فقال: هكذا من یعامل اللّه صدقا!
و حكی بعضهم قال: كنّا عند مسجد أبی یزید البسطامی فقال لنا: قوموا نستقبل ولیّا من أولیاء اللّه تعالی، فمشینا فإذا هو إبراهیم ستنبه الهروی، فقال له أبو یزید: وقع فی خاطری أن أستقبلك و أشفع لك إلی ربّی! فقال له إبراهیم:
لو شفعت لجمیع الخلق ما كان كثیرا، فإنّهم كلّهم قطعة من طین، فتحیّر أبو یزید من حسن جواب إبراهیم و قال: اللهمّ ارفع درجاتهم و انفعنا بمحبّتهم و محبّة أمثالهم!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 483

همذان‌

مدینة مشهورة من مدن الجبال. قیل: بناها همذان بن فلوج بن سام بن نوح، علیه السلام. ذكر علماء الفرس أنّها كانت أكبر مدینة بأرض الجبال، و كانت أربعة فراسخ فی مثلها فالآن لم تبق علی تلك الهیئة، لكنها مدینة عظیمة لها رقعة واسعة، و هواء لطیف و ماء عذب و تربة طیّبة، و لم تزل محلّ سریر الملوك.
و لا حدّ لرخصها و كثرة الأشجار و الفواكه بها. أهلها أعذب الناس كلاما و أحسنهم خلقا و ألطفهم طبعا. و من خصائصها ألّا یكون الإنسان بها حزینا ولو كان ذا مصائب. و الغالب علی أهلها اللهو و الطرب لأن طالعها الثور، و هو بیت الزهرة، و الغالب علی أكثرهم البلاهة، و لهذا قال قائلهم:
لا تلمنی علی ركاكة عقلی‌إن تیقّنت أنّنی همذانی!
و حكی أن دارا لمّا تأهّب لمحاربة الإسكندر أحكم عمارة همذان، و جعل فی وسطها حصنا لحرمه و خزانته، و وكل بها اثنی عشر ألف رجل من ثقاته لحفظها متی قصدها قاصد، و ذهب إلی قتال الإسكندر. فلمّا قتل دارا فی القتال بعث الإسكندر إلی همذان قائدا اسمه صقلاب فی جیش كثیف، فحاصرها، فلمّا عجز عنها أخبر الإسكندر بحصانة الموضع و عجزه عنه، فكتب إلیه الإسكندر أن صوّر المدینة بجبالها و میاهها و عیونها و ابعث بالصورة إلیّ، و أقم هناك حتی یأتیك أمری. ففعل صقلاب ذلك فأرسلها الإسكندر إلی أستاذه أرسطاطالیس و قال له: دبّر لی فتح هذه المدینة.
فأمره أرسطاطالیس أن یحبس میاهها حتی یجتمع منها شی‌ء كثیر ثمّ یرسلها إلی المدینة. ففعل صقلاب ذلك كما قال، فهدم سورها و حیطانها فدخلها صقلاب و سبی و نهب، و بقیت المدینة تلّا، و أمّا المدینة الموجودة فی زماننا هذا فلا شكّ فی أنّها أحسن البلاد و أنزهها و أطیبها، و لهذا لم تزل محلّ الملوك، و لكلّ ملك من ملوك الجبال بها قصر یأتیه فصل الربیع و الصیف. فإنّها فی هذین الفصلین تشبه الجنّة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 484
فی طیب هوائها و برودة مائها، و كثرة فواكهها و أنواع ریاحینها؛ قال محمّد ابن بشّار:
و لقد أقول تیامنی و تشامی‌و تواصلی دیما علی همذان
فإذا تبجّست الثّلوج تبجّست‌عن كوثر شبم و عن حیوان
بلد نبات الزّعفران ترابه‌و شرابه عسل بماء قنان
فكسا الرّبیع بلادها من روضةیفترّ عن نفل و عن حوذان
حتی تعانق من خزاماه الّذی‌بالجلهتین شقائق النّعمان
بها ناحیة ماوشان، و هی كورة بقرب همذان. فراسخ فی فراسخ یمشی إلیها أهل همذان أوان الصیف وقت إدراك المشمش.
و حكی أن أعرابیّا أقام بهمذان سنین فسئل عن همذان فقال: أقمت بها سبعا كانوا یقولون الصیف یجی‌ء و ما جاء، و ذلك لأن الأعرابی رأی صیف الحجاز و صیف همذان یكون مثل شتاء الحجاز.
و حكی عبد القاهر بن حمزة الواسطی صفة همذان فی الشتاء فقال: خصّ اللّه همذان فی الشتاء من اللعن بأوفره و من الطرد بأكثره، فما أكدر هواءها و أشدّ بردها و أذاها و أكثر مؤونتها و أقلّ منفعتها! سلّط اللّه تعالی علیها الزمهریر الذی أعدّه للكفّار و العتاة من أهل النار، فإذا هاجت الریاح العواصف و حدثت البروق و الرعود القواصف وقعت الثلوج و الدمق، و عمّ الاضطراب و القلق، و انقطعت السبل و عمّ طرقاتها الوحل، فتری وجوه أهلهم متشقّقة و شعورهم من البرد متفتّقة، و أنوفهم سائلة و حواسهم زائلة، و أطرافهم خضرة و روائحهم قذرة، و لحاهم دخانیة و ألوانهم باذنجانیّة. و هم فی فی شتائهم فی الألیم من العذاب و الوجیع من الحظّ و العقاب. و أیّ عذاب أشدّ من مقاساة العدوّ الحاصر و الكلب الكلب الحاضر؟ قال أحمد بن بشّار یصف همذان:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 485 لقد أتی همذان البرد فانطلق‌و ارحل علی شعب شمل غیر متّفق
أرض یعذّب أهلوها ثمانیةمن الشّهور بأنواع من الوهق
فإن رضیت بثلث العمر فارض بهاو قد تعدّ إذا من أجهل الحمق
إذا ذوی البقل هاجت فی بلادهم‌من جربیائهم مشّاقة الورق
فالبرد یرمی سهاما لیس یمنعهامن المروق بلبس الدّرع و الدّرق
حتّی تفاجئهم شهباء معضلةتستوعب النّاس فی سربالها الیقق
أمّا الغنیّ فمحصور یكابدهاطول الشّتاء مع الیربوع فی نفق
و المملقون بها سبحان ربّهم‌ممّا یقاسون من برد و من أرق
فكلّ غاد بها أو رائح تعب‌ممّا یكابد من برد و من دمق
فالماء كالصّخر و الأنهار جامدةو الأرض عضّاضة بالضرس فی الطّرق
فإذا انتقلت الشمس إلی برج الحمل، و قد امتلأت دروبهم من الثلج حتی سدّ علیهم الطرق، جمعوا میاههم و أرسلوها إلی المدینة، و حیطانها كلّها صخریّة، فدخل الماء دروبهم، و یحمل ما فیه من الثلج و یذهب به، و یكون ذلك الیوم عیدا عظیما عندهم یسمّونه حمل بندان، فصعدوا سطوحهم بالغناء و الرقص فی كلّ محلّة، و اتّخذوا من الثلوج شبه قلاع یرقصون علیها، و الماء یدخل علیهم و یرمیهم، و هم علی تلّ الثلج، فیقعون فی وسط الماء و الثلج، فیدخل الماء دربا دربا حتی تنقی المدینة كلّها من الثلج.
و من عجائبها أسد من صخر علی باب المدینة عظیم جدّا. حكی الكیا شیرویه أن سلیمان بن داود، علیه السلام، اجتاز بموضع همذان، قال: ما بال هذا الموضع مع كثرة مائه وسعة ساحته لا تبنی به مدینة؟ قالوا: یا نبیّ اللّه إن ههنا لا یكون مقام الناس لأن البرد به شدید و الثلج به یقع قدر قامة رمح. فقال، علیه السلام، لصخر الجنی: هل من حیلة؟ فقال: نعم یا نبیّ اللّه؛ فاتّخذ
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 486
أسدا من صخر و نصبه طلسما للبرد و بنی مدینة همذان.
و قال غیره: إنّه من عمل بلیناس صاحب الطلسمات حین طلبه قباذ لیطلسم بلاده، و كان الفارس یغرق فی الثلج بهمذان، فلمّا عمل هذا الأسد قلّ ثلجها.
و قالوا: عمل علی یمین الأسد طلسما للحیّات فقلّت، و آخر للعقارب فنقصت، و آخر للبراغیث فهی قلیلة بها جدّا؛ قال ابن حاجب یذكر الأسد:
ألا أیّها اللّیث الطّویل مقامه‌علی نوب الأیّام و الحدثان
أقمت فما تنوی البراح بحیلةكأنّك بوّاب علی همذان
أراك علی الأیّام تزداد جدّةكأنّك منها آخذ بأمان
أقبلك كان الدّهر أم كنت قبله‌فنعلم أم ربّیتما بلبان؟
بقیت فما تفنی و آمنت عالماسطا بهم موت بكلّ مكان
فلو كنت ذا نطق جلست محدّثاتحدّثنا عن أهل كلّ زمان
ولو كنت ذا روح تطالب مأكلالأفنیت أكلا سائر الحیوان
أحبّبت شرّ الموت أم أنت منظرو إبلیس حتی یبعث الثّقلان؟
فلا هرما تخشی و لا الموت تتّقی‌بمضرب سیف أو شباة سنان
و حكی انّه لمّا كان سنة تسع عشرة و ثلاثمائة، عصی أهل همذان علی مرداویج الدیلمی، و كان صاحب الجبال، فدخل همذان و نهبها، و سأل عن الأسد فقیل: انّه طلسم لدفع الآفات عن المدینة. فأراد حمله إلی الری فلم یتمكّن من ذلك، فأمر بكسر یدیه بالفطّیس. و قیل: إنّما كسر یدیه لأن الدوابّ كانت تنفر منه.
و حكی أن المكتفی باللّه نظر إلیه فاستحسنه، فأمر بنقله علی عجلة تجرّها الفیلة إلی بغداد، فهمّ عامل البلد بذلك، فاجتمع وجوه تلك البلاد و قالوا:
هذا طلسم لبلدنا من آفات كثیرة. فكتب العامل بذلك إلی الخلیفة و صعب علیه بعثه فعفا عنهم.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 487
و حكی أن فی زماننا عدا رجل فی وسط همذان و یقول: یا قوم ادركوا الأسد فإنی رأیته یهرب. فخرج من المدینة خلق كثیر فرأوا الأسد بحاله، فیقول بعضهم: عدا من ثمّ إلی ههنا. و هذا دلیل علی بلاهة القوم.
و ینسب إلیها أبو الفضل بدیع الزمان. كان أدیبا فاضلا ظریفا، و المقامات التی جمعها دلّت علی غزارة فضله و فصاحة كلامه و لطافة طبعه. و لهذا قال أبو القاسم الحریری: إن البدیع سبّاق غایات و صاحب آیات.
و حكی أن صدیقا له كتب إلیه یشكو و یقول: إن الزمان قد فسد! فأجابه البدیع: أتزعم أن الزمان قد فسد؟ ما تقول لی متی كان صالحا: أفی الدولة العبّاسیّة و قد رأینا آخرها و قد سمعنا أوّلها؟ أم فی الأیّام المروانیّة و فی أخبارها ما یكسع الشول بأغبارها؟ أم فی الأیّام الحربیّة و السیف یغمد فی الطلی و الرمح یركز فی الكلی؟ أم فی الأیّام الهاشمیّة و علیّ، علیه السلام، یقول: لیت لی بعشرة منكم واحدا من بنی فراس بن غنم؟ أم فی أیّام عثمان و قد قام النفیر بالحجاز و شخصت العیون من الإعجاز؟ أم فی الخلافة العدویة و صاحبها یقول:
بعد النزول إلی النزول؟ أم فی الخلافة التیمیة و أبو بكر یقول: طوبی لمن مات فی نأنأة الاسلام؟ أم فی عهد الرسالة و قد قیل فیه: اسكتی یا فلانة فقد ذهبت الأمانة؟ أم فی الجاهلیة و لبید یقول:
ذهب الذین یعاش فی أكنافهم‌و بقیت فی خلف كجلد الأجرب؟
أم قبل الجاهلیة و أخو عاد یقول:
بلاد بها كنّا، و كنّا نحبّهاإذ النّاس ناس و البلاد بلاد؟
أم قبل ذلك و قد روی عن أبینا آدم، علیه السلام، أنّه قال:
تغیّرت البلاد و من علیهاو وجه الأرض مغبرّ قبیح؟
أم قبل خلق أبینا آدم و قد قالت الملائكة: أتجعل فیها من یفسد فیها؟ فاعلم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 488
أن الزمان ما فسد لكن القیاس قد اطرد. و قال البدیع:
همذان لی بلد أقول بفضله‌لكنّه من أقبح البلدان!
صبیانه فی القبح مثل شیوخه‌و شیوخه فی العقل كالصّبیان!
توفی البدیع سنة ثمان و تسعین و ثلاثمائة.
و أنشد عبد اللّه بن محمّد بن زنجویه لنفسه فی بعض الصور المطلسمة، و قد ذكرنا كلّ واحدة منها فی موضعها بشرحها:
أ أرقت للبرق اللّموع اللّائح‌و حمائم فوق الغصون صوادح؟
بل قد ذهلت بلیث غاب دائبامذ كان عن همذان لیس بنازح
موف علی صمّ الصّخور كأنّه‌یبغی الوثوب علی الغزال السّانح
تمضی الدّهور و ما تروم فریسةنعل الطّمرّ الكسرویّ القارح
شبدیز إذ هو واقف فی طاقه‌یعلوه برویز بحسن واضح
برویز عن شبدیز لیس برائح‌و اللّیث عن همذان لیس بنازح
و كذا بتدمر صورتان تناهتافی الحسن شبّهتا ببدر لائح
لا یسأمان عن القیام، و طالماصبرا علی صرف الزّمان الكالح
و بأرض عاد فارس یسقیهم‌بالعین عذبا كالفرات السّائح
فی الأشهر الحرم العظیمة حقّهایغنون عن شرب الزّعاق المالح
فإذا انقضی الشّهر الحرام تطفّحت‌تلك الحیاض بماء عین الدّافح
و بأرض وادی الرّمل بین مهامه‌یلقاك قبل الحتف نصح النّاصح
طرف هنالك باسط بیمینه‌أن لیس بعدی مسلك للسّائح
خذها إلیك مقالة من صادق‌فیها عجائب من صحیح قرائح
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 489

یل‌

ضیعة من ضیاع قزوین علی ثلاثة فراسخ منها.
بها جبل یقال له یله بشم؛ حدّثنی من صعد هذا الجبل قال: رأیت علیها صور حیوانات مسخها اللّه تعالی حجرا صلدا: منها راع متكی‌ء علی عصاه یرعی غنمه، و امرأة تحلب بقرة، و غیر ذلك من صور الإنسان و البهائم، مسخ اللّه تعالی كلّها حجرا؛ و هذا شی‌ء یعرفه جمیع أهل قزوین.
و بها عین تخرج من شعب جبل، و ماؤها غزیر حارّ جدّا یجتمع فی حوض هناك، یقصدها الزمنی و الجربی و غیرهم من أصحاب العاهات، ینفعهم نفعا بیّنا. و أهل تلك البلاد یسمّونها یله كرماب.

یمكان‌

مدینة حصینة فی وسط الجبال بقرب بذخشان، لا قدرة لأحد علیها، قهرت الصعوبة مسلكها.
بها معادن الفضّة و البلخش الذی یشبه اللعل؛ حكی الأمیر حسام الدین أبو المؤید بن النعمان أن الحكیم الناصر خسرو تحصّن بها، و كان ملكا لبلخ، فخرج علیه أهل بلخ، فانتقل إلی یمكان لحصانتها، و اتّخذ بها عمارات عجیبة من القصور و البساتین و الحمامات. و ذكر انّه نزل فی بعض تلك القصور فرأی فی إیوان عظیم صورا و تماثیل تتحرّك، فمنعه أهل القصر أن ینظر إلیها. و ذكروا أن من ینظر إلیها یصاب فی عقله أو بدنه. و قال: كان صغار ممالیك ینظرون إلیها یخبرون بأشیاء تأباها العقول! و قال: رأیت خلف ذلك القصر بستانا كنت طول اللیل أسمع منه أصواتا عجیبة، لا تشبه أصوات الحیوانات المعهودة، منها ما كان طیّبا و منها ما كان كریها.
و حكی أن بها حمّاما من عجائب الدنیا من بناء ناصر خسرو، لا یدری
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 490
كیف بناؤه، و لا یصدق السامع وصفها حتی یراها. و هی باقیة فی زماننا، و صفتها أن من دخل مسلخها رأی بیتا مربعا منقّشا بصور حیوانات لا یری باب الحمام، لكن یری علی حیطانها أربعا و عشرین حلقة مغلقة، فیسأل الحمامی عن باب الحمام فیقول: أی حلقة جذبتها ینفتح لك باب الحمام. فیجذب إحداها فینفتح باب و تنكسر صورة الحیوان التی علی الباب لأن بعضها علی الباب و بعضها علی الجدار؛ فلهذا لا یعرف الغریب باب الحمام، فإذا دخل من باب من تلك الأبواب أیّها كان، ینتهی إلی قبّة علی مثال المسلخ إلّا أن حلقها سبع عشرة، فأیّ حلقة یجذب یفتح له باب، فإذا دخله یفضی به إلی قبّة أخری علی مثال ما قبلها، إلّا أن حلقها اثنتا عشرة، فأیّ حلقة منها یجذب یفضی إلی قبّة علی مثال ما تقدّم، إلا أن فیها تسع حلق، فأی حلقة منها یجذب یفضی إلی قبّة إلی مثال ما قبلها، إلّا أن حلقها سبع حلق، و هی القبّة الأخیرة، أحد أبوابها یفضی إلی الحمام و ذلك یعرفه الحمامی: فإن فتح غیره یری نفسه فی المسلخ و هو البیت الأوّل المربّع.
و ذكر الأمیر أبو المؤید أنّه شاهد هذا الحمام مرارا علی هذه الهیئة، و أنّه أشهر شی‌ء بخراسان و هو باق إلی زماننا. و إنّما صار أمر هذا الحمام مشهورا بخراسان لأنّه عامّ لا یمنع أن یدخله أحد و یستحمّ به، فیدخله كلّ أحد للاستحمام و مشاهدة العجب و لا یؤخذ ممّن دخله أجرة الحمام. و له آلات من السطول و الطاسات و المآزر و الطین و الأمشاط و المناشف، و جمیع ما یحتاج إلیه المستحمّ.
فإذا استحمّ و خرج یؤتی له بجلاب و مأكول علی قدره، و لا یقبلون من المستحمّ شیئا و إن أصرّ علی ذلك، بل له أوقاف كثیرة و انّها بید أحفاد الناصر خسرو.
و من عجائبها أمر آخر و هو أن ثلاثین بیتا منها یضی‌ء بجام واحد، و لا یمكنون أحدا أن یری سطحها البتّة، و لا یهتدی أحد إلی كیفیّة بنائها إلّا من عرف ذلك بحقیقة.
و اللّه المستعان و علیه التكلان.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 491

الاقلیم الخامس‌

اشارة

أوّله حیث یكون الظلّ نصف النهار، إذا استوی اللیل و النهار، خمسة أقدام و ثلاثة أخماس قدم و سدس خمس قدم، و آخره حیث یكون الظلّ نصف النهار شرقا أو غربا ستّة أقدام، و نصف عشر و سدس عشر قدم. و یبتدی‌ء من أرض الترك المشرقین و یمرّ علی أجناس الترك المعروفین إلی كاشغر و فرغانة و سمرقند و خوارزم و بحر الخزر إلی باب الأبواب و برذعة و إلی میّافارقین و ارمینیة و بلاد الروم.
و أطول نهار هؤلاء فی أوّل الإقلیم أربع عشرة ساعة و نصف و ربع، و فی أوسطه خمس عشرة ساعة، و فی آخره خمس عشرة ساعة و ربع. و طول وسطه من المشرق إلی المغرب سبعة آلاف میل و ستمائة و سبعون میلا و بضع عشرة دقیقة، و عرضه مائتان و أربعة و خمسون میلا و ثلاثون دقیقة، و مساحتها مكسر ألف ألف و ثمانیة و أربعون ألفا و خمسمائة و أربعة و ثمانون میلا و اثنتا عشرة دقیقة، و لنذكر أحوال بعض المدن الواقعة فیه مرتبة علی حروف المعجم:

آمد

مدینة حصینة مبنیة بالحجارة من بلاد الجزیرة علی نشز من الأرض، و دجلة محیطة بها من جوانبها إلّا من جهة واحدة علی شكل الهلال. و فی وسطها عیون و آبار عمقها ذراعان. و إنّها كثیرة الأشجار و البساتین و الثمار و الزروع.
من عجائبها ما ذكره ابن الفقیه أن بأرض آمد جبلا من بعض شعابه صدع فیه سیف، من أدخل یده فی ذلك الصدع و قبض علی قائم ذلك السیف، اضطرب
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 492
السیف فی یده و ارتعد هو، و ان كان من أشدّ الناس. و ذكر أن هذا السیف یجذب الحدید أكثر من جذب المغناطیس، فإذا حكّ به سیف أو سكین جذبه، و حجارة ذلك الصدع ما یجذب؛ هذا ما ذكره ابن الفقیه و لست أعرف انّه باق إلی الآن أم لا.
و من العجب أن فی سنة سبع و عشرین و ستمائة انهزم جلال الدین خوارزمشاه عن التتر، فانتهی إلی آمد فجاءه من أخبره بأن التتر خلفك قریب منك. فقال:
إن هذا المخبر من عند صاحب آمد یرید إبعادنا من أرضه. فما أصبح إلّا و التتر محیط بهم، فانصبّوا إلی آمد هاربین من التتر فقتلهم أهل آمد من السور، و فی تلك الواقعة قتل جلال الدین خوارزمشاه. فلمّا رجع التتر جاء الملك الكامل بعساكره و حاصرها، و أخذها من صاحبها، و زال ملك صاحبها بشؤم ما عمل بالهاربین من التتر اللائذین به.

أبروق‌

موضع ببلاد الروم یزار من الآفاق؛ قال الهروی: بلغنی أمره فقصدته فوجدته فی لحف جبل یدخل إلیه من باب، و یمشی الداخل تحت الأرض إلی أن ینتهی إلی موضع مكشوف واسع تبین فیه السماء من فوقه، و فی وسطه بحیرة حولها بیوت الفلّاحین و مزروعهم خارج الموضع. و هناك مسجد و بیعة، فإن جاءهم مسلم یمشی إلی المسجد، و إن جاءهم نصرانی یمشی إلی البیعة. و الزوّار یأتون إلی هذا الموضع كثیرا، و یدخلون إلی بهو فیه جماعة مقتولون، فیهم آثار طعن الأسنة و ضرب السیوف، و منهم من فقدت بعض أعضائه، و علیهم ثیاب من القطن لم تتغیّر!
و هناك أیضا امرأة علی صدرها طفل حلمة ثدیها فی فیه، و خمسة أنفس قیام ظهورهم علی حائط الموضع، و هناك أیضا موضع عال علیه سریر، و علی السریر اثنا عشر رجلا فیهم صیّ مخضوب الیدین و الرجلین بالحنّاء، فالروم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 493
یزعمون أنّهم منهم، و المسلمون یقولون انّهم من الغزاة استشهدوا فی أیّام عمر بن الخطّاب، رضی اللّه عنه.

أرّان‌

ناحیة بین آذربیجان و أرمینیة و بلاد ابخاز. بها مدن كثیرة و قری. قصبتها جنزة و شروان و بیلقان. بها نهر الكرّ و هو نهر بین أرمینیة و أرّان، یبدأ من بلاد خزران ثمّ یمرّ ببلاد الأبخاز من ناحیة اللان، فیمرّ بمدینة تفلیس یشقّها، ثمّ بجنزة و شمكور و یجری علی باب برذعة، ثمّ یختلط بالرسّ، و الرس أصغر منه و ینصبّ فی بحر الخزر علی ثلاثة فراسخ من برذعة، موضع الشور ماهیج الذی یحمل إلی الآفاق مملّحا. و هو نوع من السمك طیّب مختصّ بذلك الموضع.
و زعموا أن الكرّ نهر سلیم أكثر ما یقع فیه من الحیوان یسلم. و من ذلك ما حكی بعض فقهاء نقجوان قال: وجدنا غریقا من الكرّ یجری به الماء، فبادر القوم إلی إمساكه فأدركوه و قد بقی فیه رمق، فحملوه إلی الیبس فاستقرّ نفسه و سكن جاشه. قال لنا: أی موضع هذا؟ قالوا: نقجوان. قال: إنی وقعت فی الماء فی موضع كذا، و كان بینه و بین نقجوان مسیرة خمسة أیّام أو ستّة، و طلب طعاما فذهبوا لإحضار الطعام فانقضّ علیه الجدار الذی كان قاعدا تحته، فتعجّب القوم من مسامحة النهر و تعدّی الجدار!

أرزنجان‌

بلدة من بلاد أرمینیة آهلة طیّبة كثیرة الخیرات، أهلها مسلمون و نصاری، و بها جبل فیه غار ینزل الماء من سقفه، و یصیر ذلك الماء حجرا صلدا.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 494

أرزن الروم‌

مدینة مشهورة من مدن ارمینیة بقرب خلاط قدیمة البناء. بینها و بین خلاط موضع یسمّی یاسی جمن، به عین یفور الماء منها فورانا شدیدا، یسمع صوته من بعید، فإذا دنا الحیوان منها یموت فی الحال. و حولها من الحیوانات الموتی ما شاء اللّه، و قد وكّلوا بها من یمنع الغریب من الدنو منها.
بها عین الفرات و هی عین مباركة مشهورة. زعموا أن من اغتسل بمائها فی الربیع یأمن من أمراض تلك السنة.

ارطانة

من قری بلنسیة. بها عین ارطانة، و هی عین ینبع ماؤها من غار علی فمه حوض، یظهر فی ذلك الحوض أنّه یكثر تارة و یقلّ أخری كالمدّ و الجزر، و ذلك یری فی كلّ یوم مرارا.

أرمیّة

بلدة كبیرة من بلاد آذربیجان، كثیرة الخیرات وافرة الغلّات. بقربها بحیرة تعرف ببحیرة أرمیّة، و إنّها كریهة الرائحة لا نبات علیها و لا سمك فیها.
استدارتها خمسون فرسخا، مادتها من أودیة من جبال تلك البلاد، و فی وسط البحیرة جزیرة، و علی تلك الجزیرة قلعة حصینة، و حوالیها قری و رساتیق و مزارع. و فی أكثر الأوقات كان صاحب تلك القلعة عاصیا علی ولاة آذربیجان، إذ لا سبیل إلیها قهرا. و یخرج من هذه البحیرة ملح بحلو شبه التوتیا، و علی ساحلها ممّا یلی الشرق عیون ینبع ماؤها و یستحجر إذا أصابها الهواء، و فیها حیوان یقال له كلب الماء.
و ینسب إلیها الشیخ أبو أحمد الملقّب بتاج الدین الأرموی، كان عدیم المثل
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 495
فی زمانه بالأصول و الفقه و الحكمة و الأدب، ذا عبارة فصیحة و تقریر حسن و طبع لطیف و كلام ظریف. كان الاجتماع به سببا للذّات النفس من كثرة حكایاته الطیّبة و الأمثال اللطیفة، و التشبیهات الغریبة و المبالغات العجیبة. و كثیرا ما كان یقول: ان دفع التتر عن هذه البلاد لكثرة صدقات الخلیفة المستنصر باللّه فإن الصدقة تدفع البلاء، و لولا ذلك لكان من دفع العساكر الخوارزمشاهیة كیف یقف له عسكر العراق؟ و كان الأمر كما قال. فلمّا مضی المستنصر و قلّت الصدقة جاؤوا و ظفروا.
و حكی أن الشیخ دخل یوما علی ابن الوزیر القمّی، و كان ابن الوزیر دقیق النظر كثیر المآخذ، قال للشیخ: أراك تقتنی الممالیك المرد و لیس هذا طریقة المشایخ! قال الشیخ: لا. قعودی بین یدیك من طریقة المشایخ، و إنّما هذا لذلك لولا میلی إلی شی‌ء من زینة الدنیا ما قعدت بین یدیك.

أرمینیة

ناحیة بین آذربیجان و الروم، ذات مدن و قلاع و قری كثیرة. أكثر أهلها نصاری. بها عجائب كثیرة ذكر أكثرها عند مدنها و قراها. و الذی نزیده ههنا: بها جبل الحارث و الحویرث، لا یقدر أحد علی ارتقائهما؛ قالوا: إنّهما مقبرة ملوك أرمینیة و معهم أموالهم و ذخائرهم. بلیناس الحكیم طلسمها لئلّا یظفر بها أحد.
و حكی ابن الفقیه انّه كان علی نهر الرسّ بأرمینیة ألف مدینة، فبعث اللّه تعالی إلیهم نبیّا اسمه موسی، و لیس بموسی بن عمران، فدعاهم إلی اللّه تعالی فكذّبوه و عصوا أمره، فدعا علیهم فحوّل اللّه تعالی الحارث و الحویرث من الطائف و أرسلهما علیهم، فیقال إن أهل الرسّ تحت هذین الجبلین.
و بها البحیرة؛ قال مسعر بن مهلهل: هذه البحیرة منتنة قلیلة المنافع، علیها قلاع حصینة و جانب من هذه البحیرة یأخذ إلی موضع یقال له وادی الكرد. فیه
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 496
طرائف من الأحجار و علیه ممّا یلی سیماس جمّة یقال لها عین زراوند، و هی جمّة شریفة جلیلة القدر كثیرة المنفعة، و ذلك لأن الإنسان أو الدابة إذا ألقی فیها و به كلوم و قروح یندمل و یلتحم، و إن كان فیها عظام موهّنة مرضّضة كامنة و شظایا غامضة، تتفجّر أفواهها و ینقّیها عن كلّ وسخ و یلحمها. قال مسعر ابن مهلهل: عهدی بمن تولّیت حمله إلیها و به علل من جرب و سلع و قولنج و حزاز، و ضربان فی الساقین و استرخاء فی العصب، و فیه سهم قد نبت اللحم علی نصله كنّا نتوقّع موته ساعة فساعة، فأقام بها ثلاثا فخرج النصل من خاصرته و عوفی من بقیّة العلل. قال: و من شرف هذه الجمّة أن الإنسان إذا شرب منها أمن الخوانیق و أسهل السوداء من غیر مشقّة.
و حكی صاحب تحفة الغرائب أن بأرض أرمینیة بیت نار، له سطح من الصاروج و میزاب من النحاس، و تحت المیزاب حوض كبیر من الرخام، و فی البیت مجاورون كلّما قلّ المطر بتلك الناحیة أوقدوا نارهم، و غسلوا سطح البیت بماء نجس حتی ینصبّ من المیزاب إلی الحوض، ثمّ یرشون البیت بذلك الماء النجس، فعند ذلك تستر السماء بالغمام و تمطر حتی یغسل السطح و المیزاب و الحوض، و یمتلی‌ء من الماء الطاهر.

الأشبونة

مدینة بالأندلس بقرب باجة طیّبة. بها أنواع الثمرات و ضروب صید البر و البحر. و هی علی ضفة البحر تضرب أمواج البحر حائط سورها؛ قال أحمد ابن عمر العذری، و هو صاحب الممالك و المسالك الأندلسیّة: علی أحد أبواب الأشبونة المعروف بباب الجمّة جمّة قریبة من البحر، یجری بماء حارّ و ماء بارد، فإذا فار البحر و اراها. و قال أیضا: بقرب الأشبونة غار عظیم تدخل أمواج البحر فیه، و علی فم الغار جبل عال، فإذا ترادفت أمواج البحر فی الغار تری الجبل یتحرّك بتحرّك الموج، فمن نظر إلیه رآه مرّة یرتفع و مرّة ینخفض.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 497
و بقربها جبل یوجد فیه حجر البرادی، و هو حجر یضی‌ء باللیل كالمصباح.
قال: أخبر من صعد هذا الجبل لیلا قال كان هذا الحجر فیه یضی‌ء كالمصباح.
قال: و هذا الجبل معدن الجزع.

اشبیلیة

مدینة بالأندلس بقرب لبلة كبیرة. تباینت بلاد الأندلس بكلّ فضیلة و امتازت عنها بكلّ مزیة من طیب الهواء و عذوبة الماء، و صحّة التربة و الزرع و الضرع و كثرة الثمرات من كلّ نوع و صید البرّ و البحر، بها زیتون أخضر یبقی مدّة لا یتغیّر به حال و لا یعروه اختلال، و قد أخذ فی الأرض طولا و عرضا فراسخ فی فراسخ، و یبقی زیته بعذوبته أعواما. و كذلك بها عسل كثیر جدّا و تین یابس.
ینسب إلیها الشیخ الفاضل محمّد بن العربی الملقّب بمحیی الدین. رأیته بدمشق سنة ثلاثین و ستمائة. و كان شیخا فاضلا أدیبا حكیما شاعرا عارفا زاهدا.
سمعت أنّه یكتب كراریس فیها أشیاء عجیبة. سمعت أنّه كتب كتابا فی خواصّ قوارع القرآن.
و من حكایاته العجیبة ما حكی انّه كان بمدینة اشبیلیة نخلة فی بعض طرقانها، فمالت إلی نحو الطریق حتی سدّت الطریق علی المارّین، فتحدّث الناس فی قطعها حتی عزموا أن یقطعوها من الغد؛ قال: فرأیت رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، تلك اللیلة فی نومی عند النخلة، و هی تشكو إلیه و تقول: یا رسول اللّه ان القوم یریدون قطعی لأنی منعتهم المرور! فمسح رسول اللّه، علیه السلام، بیده المباركة النخلة فاستقامت، فلمّا أصبحت ذهبت إلی النخلة فوجدتها مستقیمة، فذكرت أمرها للناس فتعجّبوا منها و اتّخذوها مزارا متبرّكا به!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 498

أفرنجة

بلدة عظیمة و مملكة عریضة فی بلاد النصاری، بردها شدید جدّا و هواؤها غلیظ لفرط البرد. و إنّها كثیرة الخیرات و الفواكه و الغلّات، غزیرة الأنهار كثیرة الثمار، ذات زرع و ضرع و شجر و عسل، صیودها كثیرة الأنواع.
بها معادن الفضّة، و تضرب بها سیوف قطاعة جدّا، و سیوف افرنجة أمضی من سیوف الهند.
و أهلها نصاری. و لهم ملك ذو بأس و عدد كثیر و قوّة ملك، له مدینتان أو ثلاث علی ساحل البحر من هذا الجانب فی وسط بلاد الإسلام، و هو یحمیها من ذلك الجانب، كلّما بعث المسلمون إلیها من یفتحها یبعث هو من ذلك الجانب من یحمیها. و عساكره ذوو بأس شدید لا یرون الفرار أصلا عند اللقاء، و یرون الموت دون ذلك، لا تری أقذر منهم و هم أهل غدر و دناءة أخلاق، لا یتنظّفون و لا یغتسلون فی العام إلّا مرّة أو مرّتین بالماء البارد، و لا یغسلون ثیابهم منذ لبسوها إلی أن تتقطّع. و یحلقون لحاهم و إنّما تنبت بعد الحلق خشنة مستكرهة.
سئل واحد عن حلق اللحی فقال: الشعر فضلة أنتم تزیلونها عن سوءاتكم فكیف نتركها نحن علی وجوهنا؟

أفسوس‌

مدینة مشهورة بأرض الروم، و هی مدینة دقیانوس الجبّار الذی هرب منه أصحاب الكهف، و بین الكهف و المدینة مقدار فرسخین، و الكهف مستقبل بنات نعش لا تدخله الشمس، فیه رجال موتی لم یتغیّروا و عددهم سبعة:
ستّة منهم نیام علی ظهورهم، و واحد منهم فی آخر الكهف مضطجع علی یمینه، و ظهره إلی جدار الكهف، و عند أرجلهم كلب میت لم یسقط من أعضائه شی‌ء، و هو باسط ذراعیه بالوصید كافتراش السباع، و علی الكهف مسجد یستجاب
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 499
فیه الدعاء، یقصده الناس، و أهل المدینة یرون باللیل علی الكهف نورا عظیما، و یعرفون أن ذلك النور من سكان الكهف.
و كان من بدایة أمرهم ما حكی وهب بن منبّه أن سلیمان بن داود، علیه السلام، لمّا قبض، ارتدّ ملك الروم إلی عبادة الأصنام، و دقیانوس أحد قواده رجع أیضا معه، و من خالفه عذّبه بالقتل و الحرق و الصلب. فاتّفق أن بعض الفتیان من أولاد البطارقة خرجوا ذات یوم لینظروا إلی المعذّبین من الموحّدین، فقدر اللّه هدایتهم و فتح أبصارهم، فكانوا یرون الرجل الموحّد إذا قتل هبطت إلیه الملائكة من السماء و عرجوا بروحه، فآمنوا و مكثوا علی ذلك حتی ظهر أمر إسلامهم. فأرسل الملك إلی آبائهم و عتب علیهم بسبب إسلام أولادهم، فقالوا: أیّها الملك، نحن تبرّأنا منهم شأنك و شأنهم! فأحضرهم الملك و قال لهم: لكم المهل ثلاثة أیّام، و إنی شاخص فی هذه الأیّام من البلد، فإن وجدتكم فی الیوم الرابع عند رجوعی مخالفین لطاعتی عذبتكم عذاب من خالفنی؛ فلمّا كان الیوم الثالث اجتمع الفتیة و قالوا: إنّما یومنا هذا هو و لیلته، و عزموا علی الهرب فی تلك اللیلة، فلمّا جنّهم اللیل حمل كلّ واحد شیئا من مال أبیه و خرجوا من المدینة یمشون، فمرّوا براعی غنم لبعض آبائهم فعرفهم فقال:
ما شأنكم یا سادتی؟ فأظهروا أمرهم للراعی و دعوه إلی التوحید، فأجابهم فأخذوه معهم.
و تبع الراعی كلبه، فساروا لیلتهم و أصبحوا علی باب كهف دخلوا فیه و قالوا للراعی: خذ شیئا من الورق و انطلق إلی المدینة، و اشتر لنا طعاما فإن القوم لا علم لهم بخروجك معنا. فأخذ الدراهم و مضی نحو المدینة و تبعه كلبه، و كان علی باب المدینة صنم لا یدخل أحد المدینة إلّا بدأ بالسجود لذلك الصنم قبل دخوله، فبقی الراعی متفكّرا فی السجود للصنم، فألهم اللّه الكلب ان عدا بین یدیه حتی دخل المدینة، و جعل الراعی یعدو خلفه و یقول: خذوه خذوه! حتی جاوز الصنم و لم یسجد. فلمّا انتهی إلی السوق و اشتری بعض حوائجه
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 500
سمع قائلا یقول: ان راعی فلان أیضا تبعهم. فلمّا سمع ذلك فزع و ترك استتمام ما أراد شراءه، و خرج من المدینة مبادرا حتی وافی أصحابه فأخبرهم بما كان من أمره. فأكلوا طعامهم و أخذوا مضاجعهم فضرب اللّه علی آذانهم.
فلمّا رجع الملك أخبروه بهربهم، فخرج یقفو آثارهم حتی انتهی إلی باب الكهف و وقف علی أمرهم فقال: یكفیهم من العذاب أن ماتوا جوعا! فأهلك اللّه دقیانوس و أنزل علی باب الكهف صخرة و بعث إلی أهل ذلك العصر ثلاثة عشر نبیّا، فدعوا الناس إلی التوحید، فأجابهم إلی ذلك خلق كثیر، و كان الملك الذی أحیا اللّه الفتیة فی أیّامه موحّدا. فلمّا كانت السنة التی أراد اللّه فیها احیاء الفتیة، انطلق رجل من أهل المدینة و أقام بذلك المكان یرعی غنمه، فأراد أن یتّخذ لغنمه حظیرة فأمر أعوانه بتنحیة الصخرة التی كانت علی باب الكهف، فعند ذلك قام الفتیة كمن یبیت لیلة صافیة الألوان نقیة الثیاب، و رأوا كلبهم باسطا ذراعیه بالوصید، و كان ذلك بعد ثلاثمائة سنة بحساب الروم، و زیادة تسع بحساب العرب، لأن حساب الروم شمسیّة و حساب العرب قمریّة، یتفاوت فی كلّ مائة سنة ثلاث سنین.
و كان انتباههم آخر النهار و دخولهم أوّل النهار، فقال بعضهم لبعض: كم لبثتم؟
قالوا: لبثنا یوما أو بعض یوم! لأنّهم رأوا الشمس غیر غاربة فقالوا بعض یوم، فلمّا نظروا إلی طول شعورهم و أظافیرهم قالوا: ربّكم اعلم بما لبثتم. فقالوا للراعی: إنّك أتیت البارحة بطعام قلیل لم یكفنا، فخذ شیئا من هذا الورق و انطلق إلی المدینة و اشتر لنا طعاما! فانطلق خائفا حتی أتی باب المدینة و قد أزیل عنه الصنم، ثمّ دخل المدینة و جعل یتصفّح وجوه الناس فما كان یعرف أحدا.
فانتهی إلی سوق الطعام و دفع إلیه الورق فردّه علیه و قال: هذا عتیق لا یروح الیوم! فناوله ما كان معه و قال: خذ حاجتك منها. فلمّا رأی صاحب الطعام ذلك همس إلی جاره و قال: احسب ان هذا قد وجد كنزا! فلمّا رآهما یتهامسان ظنّ أنّهما عرفاه فترك الدراهم و ولی هاربا، فصاح به الناس أن خذوه فإنّه
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 501
وجد كنزا، فأخذوه و انطلقوا به إلی الملك فأخبروا الملك بأمره و الدراهم، فتركه الملك حتی سكنت روعته ثمّ قال: ما شأنك یا فتی؟ أخبرنی بأمرك و لا بأس علیك! فقال الفتی: ما اسم هذه المدینة؟ قالوا: افسوس. قال: و ما فعل دقیانوس؟ قالوا: أهلكه اللّه منذ ثلاثمائة سنة! فأخبرهم بقصّته و قصّة أصحابه.
فقال الملك: أری فی عقل هذا الرجل نقصانا؛ قال الراعی: إن أردت تحقیق ما أقول انطلق معی إلی أصحابی لتراهم فی الكهف!
فركب الملك و عامّة أهل المدینة فقال الراعی: إن أصحابی إذا سمعوا جلبة الناس خافوا، فأذن لی أیّها الملك حتی أتقدّم و أبشّرهم. فأذن له فتقدّم حتی انتهی إلی باب الكهف، فدخل علیهم و أخبرهم بهلاك دقیانوس و ظهور الإسلام، و أن القوم فی ولایة ملك صالح، و ها هو قد أقبل إلیكم و معه عامّة أهل المدینة.
فلمّا سمعوا ذلك كبّروا و حمدوا اللّه، و وافاهم الملك و أهل المدینة. و الملك سلّم علیهم و سألهم عن حالهم و عانقهم. و عامة الناس سلّموا علیهم، فبادروا بذكر قصّتهم حتی إذا فرغوا من ذلك خرّوا موتی. فبنوا علی الكهف مسجدا، و اتّخذوا ذلك الیوم عیدا، و انّهم علی حالهم إلی زماننا هذا.

أفلوغونیا

مدینة كبیرة من نواحی أرمینیة، أهلها نصاری. من خواصّها إسراع الجذام إلی أهلها لأن أكثر أكلهم الكرنب و الغدد فیهم طبع، و فیهم خدمة للضیف و قری، و حسن الطاعة لرهبانهم، و الرهابین یلعبون بعقولهم. حكی انّه إذا مرض أحدهم أحضر الراهب و دفع مالا إلیه لیستغفر له. و یحضر القس و انّه یبسط كساء و یعترف المریض بذنب ذنب ممّا عمله، و القسّ قاعد یضمّ كفّیه، كلّما فرغ المذنب ینفض كفّیه فی الكساء إلی أن فرغ من تمام ذنوبه. و بعد فراغه یضمّ القسّ أطراف الكساء و یخرج بها و ینفض فی الصحراء، فیظنّون أن الذنوب قد انمحت بالصدقة و دعاء القسّ.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 502
و حكی أن فیهم من إذا تزوّج ببكر یرید أن یفترعها الراهب، لتكون مباركة علی زوجها ببركة الراهب.

إلبیرة

مدینة بالأندلس بقرب قرطبة. من أكرم المدن و أطیبها شدیدة الشبه بغوطة دمشق فی غزارة الأنهار و التفاف الأشجار و كثرة الثمار.
فی ساحلها شجر الموز، و یحسن بها نبت قصب السكر، و بها معادن الذهب و الفضّة و الحدید و النحاس و الرصاص و الصفر، و معدن التوتیا و مقطع الرخام، و تحمل هذه الأشیاء منها إلی سائر بلاد الأندلس.
و حكی أحمد بن عمر العذری: من أعمال البیرة موضع یسمّی لوشة، فیه غار یصعد إلیه أربعة أذرع ثمّ ینزل فی غار نحو قامتین، یری أربعة رجال موتی لا یعرف الناس حالهم، ألفوهم كذلك قدیما و الملوك یتبرّكون بهم و یبعثون إلیهم الأكفان، و لا ریب أنّهم من الصلحاء لأن بقاءهم علی حالهم مدّة طویلة، بخلاف سائر الموتی، لا یكون إلّا لأمر؛ قال العذری: حدّثنی من دخل علیهم و كشف عن وجه أحدهم فرأی درّاعة علی وجهه و قال: نقرت بإصبعی علی بطنه فصوّت كالجلد الیابس.

ألش‌

مدینة بالأندلس بقرب تدمیر. من خواصّها أن النخل لا ینجح بجمیع بلاد الأندلس إلّا بها. و یوجد بها زبیب لیس فی جمیع البلاد مثله، یحمل منها إلی سائر بلاد الأندلس. و بها صنّاع البسط الفاخرة و لیس مثلهم فی شی‌ء من بلاد الأندلس.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 503

الأندلس‌

جزیرة كبیرة بالمغرب فیها عامر و غامر. طولها دون الشهر فی عرض نیف و عشرین مرحلة، و دورها أكثر من ثلاثة أشهر. لیس فیها ما یتّصل بالبرّ إلّا مسیرة یومین، و الحاجز بین بلاد الأندلس و افرنجة جبل.
قال أحمد بن عمر العذری صاحب المسالك و الممالك الأندلسیّة: إن الأندلس وقعت متوسّطة بین الأرض كما هی متوسّطة بین الأقالیم، فبعضها فی الإقلیم الرابع، و بعضها فی الإقلیم الخامس. و بها مدن كثیرة و قری و أنهار و أشجار، و بها الرخص و السعة.
و بها معادن الذهب و الفضّة و الرصاص و الحدید فی كلّ ناحیة، و معدن الزئبق و الكبریت الأحمر و الأصفر و الزنجفر الجید و التوتیا، و الشبوب علی أجناسها و الكحل المشبه بالأصفهانی. و بها من الأحجار الیاقوت و البلور و الجزع و اللازورد و المغناطیس و الشادنج، و الحجر الذی یقطع الدم و الحجر الیهودی و المرقشیثا و حجر الطلق. و بها أصناف الریاحین حتی سنبل الطیب و القسط و الاشقاقل، و بها الانبرباریس و العود.
حكی العذری أن بعض الولاة ولّی ناحیة بشرة فشمّ رائحة العود، فوجدوا من دار رجل ضعیف و وجدوا عنده عودا كثیرا یتّقد به، فرأوه فإذا هو ذكی من عود الهند، فسئل عن موضع احتطابه فحملهم إلی جبل من جبال وفر، فحفروا و أخرجوا بقیّته و اشتهر بین الناس.
و أهل الأندلس زهاد و عبّاد و الغالب علیهم علم الحدیث، و یقع فی بلاد الأندلس من الخدم و الجواری المثمنات علی غیر صناعة بل علی حسنهم بألف دینار. و لأهلها إتقان فی جمیع ما یصنعونه إلّا أنّ الغالب علیهم سوء الخلق.
و من عجائب الدنیا أمران: أحدهما المملكة الإسلامیّة بالأندلس مع إحاطة الفرنج من جمیع الجوانب و البحر بینهما و بین المدد من المسلمین، و الآخر المملكة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 504
النصرانیّة بساحل الشام مع إحاطة المسلمین من جمیع الجوانب و البحر بینهما و بین المدد من الإفرنج.
قال العذری فی وصف الأندلس: إنّها شامیة فی طیبها و هوائها، یمانیة فی اعتدالها و استوائها، هندیة فی أفاویهها و ذكائها، اهوازیة فی عظم اجتنائها، صنفیة فی جواهرها، عدنیّة فی سواحلها.
بها آثار عجیبة و خواصّ غریبة تذكر فی مواضعها.
و بها البحر الأسود الذی یقال له بحر الظلمات، محیط بغربی الأندلس و شمالیه، و فی آخر الأندلس مجمع البحرین الذی ذكره اللّه فی القرآن. و عرض مجمع البحرین ثلاثة فراسخ، و طوله خمسة و عشرون فرسخا، و فیه یظهر المدّ و الجزر، فی كلّ یوم و لیلة مدّان و جزران، و ذلك ان البحر الأسود عند طلوع الشمس یعلو و یفیض فی مجمع البحرین، و یدخل فی بحر الروم، و هو قبلی الأندلس و شرقیها، و لونها أخضر و لون البحر أسود كالبحر. و إذا أخذته فی الإناء لا تری فیه السواد، فلا یزال البحر الأسود یصبّ فی البحر الأخضر إلی الزوال، فإذا زالت الشمس عاد الأمر معكوسا فیصبّ البحر الأخضر فی البحر الأسود إلی مغیب الشمس، ثمّ یعلو البحر الأسود و یفیض فی البحر الأخضر إلی نصف اللیل، ثمّ ینعكس الأمر فیعلو البحر الأخضر و یصبّ فی البحر الأسود إلی طلوع الشمس، و هكذا علی التواتر، ذلك تقدیر العزیز العلیم؛ و سئل رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، عن ذلك فقال: ملك علی قاموس البحر إذا وضع رجله فیه فاض و إذا رفعها غاض.
و بها جبل فیه غار لا یری أحد فیه النار، و إذا أخذت فتیلة مدهونة و شدّت علی رأس خشبة طویلة و أدخلت الغار، اشتعلت الفتیلة و تخرج مشتعلة.
و بها جبل بقرب الجبل الذی سبق ذكره، تری علی قلّته النار مشتعلة باللیل، و بالنهار یصعد منه دخان عظیم.
و بها جبل علیه عینان بینهما مقدار شبرین، ینبع من إحداهما ماء حارّ و من
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 505
الأخری ماء بارد. ذكرهما صاحب تحفة الغرائب و قال: أمّا الحار فلو رمیت فیه اللحم ینطبخ، و أمّا البارد فیصعب شربه لغایة برودته.
و بها جبل شلیر لا یفارقه الثلج صیفا و لا شتاء، و هو یری من اكثر بلاد الأندلس لارتفاعه و شموخه، و فیه أصناف الفواكه من التفّاح و العنب و التوت و الجوز و البندق و غیر ذلك، و البرد به شدید جدّا؛ قال بعض المغاربة و قد اجتاز بشلیر فوجد ألم البرد:
یحلّ لنا ترك الصّلاة بأرضكم‌و شرب الحمیّا و هی شی‌ء محرّم
فرارا إلی نار الجحیم، فإنّهاأخفّ علینا من شلیر و أرحم!
إذا هبّت الرّیح الشّمال بأرضكم‌فطوبی لعبد فی اللّظی یتنعّم
أقول و لا الحی علی ما أقوله‌كما قال قبلی شاعر متقدّم:
فإن كنت یوما فی جهنّم مدخلی‌ففی مثل ذاك الیوم طاب جهنّم!
و بها جبل الكحل. إنّه بقرب مدینة بسطة؛ قالوا: إذا كان أوّل الشهر أخذ الكحل یخرج من نفس الجبل، و هو كحل أسود لا یزال كذلك إلی نصف الشهر، فإذا زاد علی النصف نقص الكحل، و لا یزال الذی خرج یرجع إلی تمام الشهر.
و بها نهر ابره؛ قال أحمد بن عمر العذری صاحب المسالك و الممالك الأندلسیة:
مخرج هذا النهر من عین یقال لها فونت ایبرهی، و مصبّه فی البحر الشامی بناحیة طرطوشة، و امتداده مائتا میل و عشرة أمیال، یوجد فیه صنف من السمك عجیب یقال له الترحته لا یوجد فی غیره البتّة، و هو سمك أبیض لیس له إلّا شوكة واحدة؛ كلّ ذلك عن العذری صاحب الممالك و المسالك الأندلسیّة.
و بها نهر أنّه. مخرجه من موضع یعرف بفجّ العروس، ثمّ یغیض بحیث لا یبقی له أثر علی وجه الأرض، و یحرج بقریة من قری قلعة رباح یقال لها أنّه، ثمّ یغیض و یجری تحت الأرض، ثمّ یبدو هكذا مرارا فی مواضع شتی إلی أن
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 506
یغیض بین ماردة و بطلیوس، ثمّ یبدو و ینصبّ فی البحر المحیط. و امتداده ثلاثمائة و عشرون میلا؛ كلّ ذلك عن العذری.

أنقرة

مدینة مشهورة بأرض الروم، تقول العجم انكوریة، غزاها الرشید و فتحها؛ قال بسیل الترجمان: كنت مع الرشید لمّا فتحها. رأیت علی باب الحصن كتابة بالیونانیّة، فجعلت أنقلها و الرشید ینظر إلیّ، فإذا هی: بسم اللّه الرحمن الرحیم، الملك الحقّ المبین. یا ابن آدم غافص الفرصة عند إمكانها، و كل الأمور إلی والیها، و لا یحملنّك إفراط السرور علی ما تمّ، و لا تحملنّ علی نفسك همّ یوم لم یأتك، فإنّه إن لم یأت من أجلك یأت اللّه برزقك فیه، و لا تكن أسوة للمغرورین فی جمع المال، فكم قد رأینا من جمع لبعل حلیلته، علی أن یعتبر المرء علی نفسه توفیر الخوان غیرة.
و حكی أن فی زمن المعتصم تعدّوا علی رجل من أهل العراق بأرض أنقرة ینادی یا معتصماه! فقالوا: اصبر حتی یأتی المعتصم علی الابلق ینصرك! فوصل هذا القول إلی المعتصم، فأمر بشری كلّ فرس أبلق فی مملكته. و ذهب إلی الروم و نهب أنقرة، و كان علی باب مدینتها مصراعان من الحدید مفرطا الطول و العرض، حملهما إلی بغداد و هما الآن علی باب العامة، باب من أبواب حرم الخلافة.

باب الابواب‌

مدینة عجیبة علی ضفة بحر الخزر، مبنیة بالصخور، و هی مستطیلة یصیب ماء البحر حائطها. طولها مقدار ثلثی فرسخ و عرضها غلوة سهم. علیها أبواب من الحدید، و لها أبراج كثیرة، علی كلّ برج مسجد للمجاورین و المشتغلین بالعلوم الدینیّة، و علی السور حرّاس تحرس من العدوّ.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 507
بناها أنوشروان كسری الخیر، و هی أحد الثغور العظیمة لأنّها كثیرة الأعداء من الذین حفّوا بها من أمم شتّی، و إلی جانب المدینة جبل أرعن یعرف بالذنب، یجمع علی قلّته كلّ سنة حطب كثیر لیشعلوا فیه النار، إذا احتاجوا إلی إنذار أهل ارّان و آذربیجان و أرمینیة بمجی‌ء العدوّ. و كانت الأكاسرة شدیدة الاهتمام بهذا المكان لعظم خطره و شدّة خوفه.
و حكی أبو العبّاس الطوسی أن الخزر كانت تعبر علی ملك فارس حتی وصلوا إلی همذان و الموصل. فلمّا ملك أنوشروان بعث إلی ملك الخزر، و خطب إلیه ابنته علی أن یزوّجه ابنته و یتفرّغا لأعدائهما. فأجابه إلی ذلك، فعمد أنوشروان إلی جاریة من جواریه نفیسة فوجّه بها إلی ملك الخزر علی أنّها ابنته، و حمل معها ما یحمل مع بنات الملوك. و أهدی خاقان ملك الخزر إلی أنوشروان ابنته، فلمّا وصلت إلیه كتب إلی خاقان: لو التقینا أوجبنا المودّة بیننا! فأجابه إلی ذلك فالتقیا و أقاما أیّاما. و أنوشروان أمر قائدا من قواده یختار ثلاثمائة رجل من أشدّاء أصحابه، فإذا هدأت العیون أغار علی عسكر الخزر یحرق و یعقر و یرجع إلی مكانه، ففعل.
فلمّا أصبح بعث خاقان إلی أنوشروان أن أتیت عسكری البارحة.
فبعث إلیه أنوشروان انّه لم یأت من قبلنا فابحث و انظر. ففعل و لم یقف علی شی‌ء ثمّ أمهله أیّاما و عاد لمثلها حتی فعل ثلاث مرّات، و فی كلّها یعتذر، فدعا خاقان قائدا من قواده و أمره بمثل ما أمر به أنوشروان. فلمّا فعل أرسل أنوشروان:
ما هذا؟ استبیح عسكری اللیلة! فأرسل إلیه خاقان یقول: ما أسرع ما ضجرت! فقد عمل مثل هذا بعسكری ثلاث مرّات، و إنّما فعل بك مرّة واحدة. فبعث إلیه أنوشروان یقول: إن هذا عمل قوم یریدون إفساد ما بیننا! و عندی رأی ان قبلته و هو أن تدعنی أبنی بینی و بینك حائطا و أجعل علیه أبوابا، فلا یدخل بلادك إلّا من ترید، و لا یدخل بلادی إلّا من أرید. فأجابه إلی ذلك، و انصرف خاقان إلی مملكته.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 508
و أقام أنوشروان و شرع فی بناء حائط من الصخر و الرصاص، و جعل عرضه ثلاثمائة ذراع و علاه حتی ألحقه برؤوس الجبال ثمّ قاده فی البحر. فیقال: انّه نفخ فی الزقاق و بنی علیها حتی استقرّت علی الأرض، ثمّ رفع البناء حتی استوی مع الذی علی الأرض فی عرضه و ارتفاعه، فجعل أحد طرفیه فی البحر و أحكمه، و قد مدّة سبعة فراسخ إلی موضع أشب، و هو جبل و عر لا یتهیّأ سلوكه، و بنی بالحجارة المهندمة نقل أصغرها خمسون رجلا و أحكمها بالرصاص و المسامیر، و جعل فی هذه السبعة فراسخ سبعة مسالك، علی كلّ مسلك مدینة، و رتّب فیها قوما من مقاتلة الفرس علی كلّ مدینة مائة رجل یحرسونها، بعد أن كان محتاجا إلی مائة ألف رجل. ثمّ نصب سریره علی القید الذی صنعه علی البحر، و سجد شكرا للّه علی ما تمّ علی یده و كفاه شرّ الترك و هجومهم، و استلقی علی ظهره و قال: الآن استرحت. و مدینة باب الأبواب من تلك المدن. و العجم یسمّونه دربند.
و بها صور مطلسمة لدفع الترك، و كانت عساكر الترك لا تزال تأتی من تلك الجهة و تنهب بلاد إیران، فلمّا بنی أنوشروان ذلك السدّ و طلسیمه، لم یذكر أن دخل الترك من تلك الجهة بلاد إیران، منها صورة أسدین علی حائط باب الجهاد، فوق أسطوانتین من حجر و أسفل منهما حجران، علی كلّ حجر تمثال لبوءتین، و بقرب الباب صورة رجل بین رجلیه صورة ثعلب، فی فمه عنقود عنب لعلّه لدفع الثعلب عن أعنابهم! و إلی جانب المدینة صهریج له درجات، ینزل بها إلی الصهریج إذا قلّ ماؤه، و علی جنبی الدرجة صورتا أسدین من حجارة، یقولون: إنّهما طلسم اتّخذ للسور ما دام باقیا لا یصیب المدینة من الترك آفة.
و خارج المدینة تلّ علیه مسجد، فی محرابه سیف یقولون: إنّه سیف مسلمة ابن عبد الملك بن مروان. یزوره الناس، لا یزار إلّا فی ثیاب بیض، فمن قصده فی ثیاب مصبوغة جاءت الأمطار و الریاح و كاد یهلك ما حول التلّ. و علیه حفّاظ
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 509
یمنعون من یذهب إلیه بالثیاب المصبوغة. و بقرب هذا التلّ عین یخرج الناس إلیها كلّ لیلة جمعة، فیرون فی بعض ناشئة اللیل فی تلك العین ضیاء و نورا، حتی یتبیّن لهم الحصی و الحجر، و یسمّون تلك العین الثواب.

بتّم‌

حصن منیع بناحیة فرغانة. به معدن الذهب و الفضّة و النوشاذر الذی یحمل إلی سائر البلاد. و هو فی جبل شبه غار قد بنی علیه بیت یستوثق من بابه و كواه یرتفع منه بخار شبیه بالدخان فی النهار و بالنار فی اللیل، فإذا تلبّد هذا البخار یكون منه النوشاذر، و لا یتهیّأ لأحد أن یدخل هذا البیت من شدّة حرّه، إلّا أن یلبس لبودا یرطبها بالماء، ثمّ یدخله كالمختلس فیأخذ ما یقدر علیه و یسرع الخروج.

بجّانة

مدینة بالأندلس بقرب المریة. بها جمّة غزیرة الماء یقصدها الزمنی و یسكنون بها، و أكثر من یواظب علیها یبرأ من زمانته. و بها فنادق مبنیة بالحجارة لسكان قاصدی تلك الجمّة، و ربّما لم یوجد بها المسكن لكثرة قاصدیها. و علی الجمّة بیتان: أحدهما للرجال و هو علی الجمّة نفسها، و الآخر للنساء یدخله الماء من بیت الرجال. و قد بنی بیت ثالث مفروش بالرخام الأبیض، یأتیه الماء من قناة و یختلط بماء الجمّة حتی یصیر فاترا، و یدخله من لا یستطیع دخول ماء الجمّة، و تخرج فضلتها تسقی الزروع و الأشجار.

بخاری‌

مدینة عظیمة مشهورة بما وراء النهر قدیمة طیّبة. قال صاحب كتاب الصور:
لم أر و لا بلغنی أن فی جمیع بلاد الإسلام مدینة أحسن خارجا من بخاری.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 510
بینها و بین سمرقند سبعة أیّام و سبعة و ثلاثون فرسخا، هی بلاد الصغد، أحد متنزّهات الدنیا. و یحیط ببناء المدینة و القصور و البساتین و القری المتّصلة بها سور یكون اثنی عشر فرسخا فی مثلها، بجمیع الأبنیة و القصور و القری و القصبة فلا یری فی خلال ذلك قفار و لا خراب، و من دون ذلك السور علی خاص القصبة، و ما یتّصل بها من القصور و المحالّ و البساتین التی تعدّ من القصبة، و یسكنها أهل القصبة شتاء و صیفا، سور آخر نحو فرسخ فی مثله، و لها مدینة داخل هذا السور یحیط بها سور حصین.
روی حذیفة بن الیمان عن رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم: ستفتح مدینة خلف نهر یقال له جیحون، یقال لها بخاری، محفوفة بالرحمة ملفوفة بالملائكة، منصور أهلها، النائم فیها علی الفراش كالشاهر سیفه فی سبیل اللّه.
و خلفها مدینة یقال لها سمرقند، فیها عین من عیون الجنّة، و قبر من قبور الأنبیاء، و روضة من ریاض الجنّة، یحشر موتاها یوم القیامة مع الشهداء.
و فی الحدیث: أن جبریل، علیه السلام، ذكر مدینة یقال لها فاخرة و هی بخاری، فقال، صلّی اللّه علیه و سلّم: لم سمّیت فاخرة؟ فقال: لأنّها تفخر یوم القیامة علی المدن بكثرة شهدائها. ثمّ قال: اللهم بارك فی فاخرة و طهّر قلوبهم بالتقوی، و اجعلهم رحماء علی أمّتی! فلهذا یقال: لیس علی وجه الأرض أرحم للغرباء منهم.
و لم تزل بخاری مجمع الفقهاء و معدن الفضلاء و منشأ علوم النظر. و كانت الرئاسة فی بیت مبارك یقال لرئیسها خواجه إمام أجلّ. و إلی الآن نسلهم باق و نسبهم ینتهی إلی عمر بن عبد العزیز بن مروان، و توارثوا تربیة العلم و العلماء كابرا عن كابر، یرتبون وظیفة أربعة آلاف فقیه، و لم تر مدینة كان أهلها أشدّ احتراما لأهل العلم من بخاری.
ینسب إلیها الشیخ الإمام قدوة المشایخ محمّد بن إسماعیل البخاری صاحب الصحیح الذی هو أقدم كتب الأحادیث. كان وحید عصره و فرید دهره.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 511
حكی انّه لمّا جمع هذا الكتاب بحسنه و صحّته أراد أن یسمع منه أحد حتی یروی عنه بعد موته، فما كان أحد یوافقه أن یسمع منه ذلك، حتی ذهب إلی شخص یعمل طول نهاره علی بقر فقال له: أنا أقرأ هذا الكتاب و أنت تسمعه منی فلعلّه ینفعك بعد ذلك! و كان الشیخ یقرأ كتاب الصحیح و البقر یعمل و الفربری یسمع منه حتی أسمعه جمیع الكتاب. فلهذا تری كلّ من یروی صحیح البخاری تكون روایته عن الفربری.
و ینسب إلیها أبو خالد یزید بن هارون. كان أصله من بخاری و مقامه بواسط العراق. حكی عاصم بن علیّ أن یزید بن هارون كان إذا صلّی العشاء لا یزال قائما حتی یصلّی الغداة بذلك الوضوء، و داوم علی ذلك نیفا و أربعین سنة. و حكی أبو نافع ابن بنت یزید بن هارون قال: كنت عند أحمد بن حنبل، و كان عنده رجل قال: رأیت یزید بن هارون فقلت: یا أبا خالد ما فعل اللّه بك؟
قال: غفر لی و شفعنی و عاتبنی! فقلت له: فیم عاتبك؟ قال: قال لی یا یزید أتحدث عن جریر بن عثمان؟ فقلت: یا ربّ ما علمت منه إلّا خیرا! فقال:
إنّه كان یبغض أبا الحسن علیّ بن أبی طالب، رضی اللّه عنه.
و حكی آخر قال: رأیت ابن هارون فی المنام فقلت له: هل أتاك منكر و نكیر؟ قال: إی و اللّه! و سألانی: من ربّك و ما دینك و من نبیّك؟ فقلت: ألمثلی یقال هذا و أنا یزید بن هارون اعلّم الناس هذا سبعین سنة؟ فقال: صدقت، نم نومة العروس! توفی یزید بن هارون بواسط سنة ستّ و مائتین عن سبع و ثمانین سنة.

بذّ

كورة بین أرّان و آذربیجان، كثیرة الضباب قلّما تصحو السماء بها، منها كان مخرج بابك الخرّمی فی أیّام المعتصم باللّه. بها موقف رجل لا یقوم أحد فیه یدعو اللّه تعالی إلّا استجیب له. و منها یتوقّعون خروج المهدی، و ذكر أن تحتها نهرا عظیما، إن اغتسل فیه صاحب الحمّی العتیقة ذهبت حمّاه.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 512

برذعة

مدینة كبیرة بأرّان أكثر من فرسخ فی فرسخ. أنشأها قباذ الملك، و هی خصبة نزهة كثیرة الثمار. و بها القرنفل و البندق و الشاهبلوط، و بها صنف من الفواكه یقال له الدرقال علی قدر الغبیراء حلو الطعم، لا یوجد فی شی‌ء من غیر هذا الموضع.
و بقربها نهر الكرّ یصاد منه الشورماهیج، و یحمل منها إلی سائر البلاد.
و بها بغال فاقت بغال جمیع النواحی فی حسنها و صحة قوائمها. و بها سوق الكركی، یقام كلّ یوم أحد علی باب الأكراد مقدار فرسخ فی فرسخ، یجتمع الناس إلیه من كلّ وجه و أوب للتجارة، و هذه كانت صفتها القدیمة، و أمّا الآن فاستولی علیها الخراب إلّا أن آثار الخیر بها كثیرة. و بأهلها صعلكة ظاهرة و مثل هذا یذكر للاعتبار. فسبحان من یحیل و لا یحال، و یزیل و لا یزال.

بسطة

مدینة بالأندلس بقرب جیان، كثیرة الخیرات. بها بركة تعرف بالهوتة، فیها ما بین وجه الماء إلی الأرض نحو قامة، لا یعرف لهذه البركة قعر أصلا.
قال أحمد بن عمر العذری: بین بسطة و بیاسة غار یسمّی بالشیمة لا یوجد قعره. و بناحیة بسطة جبل یعرف بجبل الكحل، إذا كان أوّل الشهر برز من نفس الجبل كحل أسود، و لا یزال كذلك إلی منتصف الشهر، فإذا زاد علی النصف نقص الكحل، و لا یزال یرجع إلی آخر الشهر.

بلقوار

قریة من قری تدمیر بأرض الأندلس. بها حمّة شریفة حسنة، علیها دیماس للرجال و آخر للنساء، و أصل العین فی دیماس الرجال، یخرج منها ماء غزیر یفضل عن حاجة الدیماسین، و یسقی زرع القریة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 513

بلنسیة

مدینة قدیمة بأرض الأندلس، ذات خطّة فسیحة، جمعت خیرات البرّ و البحر و الزرع و الضرع، طیّبة التربة ینبت بها الزعفران و یزكو بها، و لا ینبت فی جمیع أرض الأندلس إلّا بها كأرض روذراور بأرض الجبال.

بیضاء

مدینة بالأندلس متقنة البناء بالحجر الأبیض المهندم؛ قالوا:
إنّها من بناء الجنّ، بنوها لسلیمان بن داود، علیه السلام، من عجائبها أن لا یری بها حیّة و لا عقرب، و لا شی‌ء من الهوام المؤذیة. حكی محمّد بن عبد الرحمن الغرناطی أنّ برستاقها صنفا من العنب، وزن الحبّة منه عشرة مثاقیل.

بیلقان‌

مدینة كبیرة مشهورة ببلاد أرّان، حصینة ذات سور عال، بناها قباذ الملك؛ قالوا: لیس بها و لا فی حوالیها حجر واحد. و لمّا قصدها التتر و رأوا حصانة سورها أرادوا خرابه بالمنجنیق، فما وجدوا حجرا یرمی به الحائط.
و رأوا أشجارا من الدلب عظاما قطعوها بالمناشیر، و تركوا قطاعها فی المنجنیق، و رموا بها السور حتی خرّبوا سورها، و نهبوا و قتلوا و الآن عادت إلی عمارتها.
ینسب إلیها مجیر البیلقانی. كان رجلا فاضلا شاعرا، وصل إلی أصفهان، و ذكر فی شعر له أن أهل أصفهان عمی، فسمع رئیس أصفهان ذلك و أمر لكلّ شاعر فی أصفهان أن یقول فیه شیئا، ففعلوا فجمعها فی مجلد و بعثه إلیه.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 514

تركستان‌

اسم جامع لجمیع بلاد الترك، و حدّها من الإقلیم الأوّل ضاربا فی المشرق عرضا إلی الإقلیم السابع، و أكثرهم أهل الخیام، و منهم أهل القری، و سنذكر بلادهم و قبائلهم فی الإقلیم السادس إن شاء اللّه تعالی، و إنّهم سكّان شرقی الأقالیم كلّها من الجنوب إلی الشمال، ممتازة عن جمیع الأمم بكثرة العدد، و زیادة الشجاعة و الجلادة و صورة السباع، عراض الوجوه فطس الأنوف عبل السواعد ضیقو الأخلاق، و الغالب علیهم الغضب و الظلم و القهر و أكل لحوم الحیوانات، لا یریدون لها بدلا، و لا یراعون فیها نضجا، و لا یرون إلّا ما كان اغتصابا كما هی عادة السباع. و لیس عیشهم إلّا شنّ غارة أو طلب ظبی نافر أو طیر طائر، حتی إذا ظنّ بهم الكلال رأیتهم علی نشاطهم الأوّل فی ركض الخیل، و تسنّم الجبال. و حسبك ما تری من كبر همّتهم أن أحدهم إذا سبی لا یرضی أن یكون زعیما أو متقدّما لعسكر سیّده، بل یرید انتزاع الملك من سیّده و القیام مقامه.
حكی بعض التجّار قال: خرج من خوارزم قفل عظیم، فلمّا ذهبوا أیّاما و بعدوا عن خوارزم ساروا ذات یوم، فلمّا نزل القوم رأوا ممالیكهم الترك خرجوا عن وسط القوم، و كان عددهم أكثر من عدد التجّار یرمون القوم بالنشاب. قالوا: ما شأنكم؟ قالوا: نرید نقتلكم و نأخذ هذه الأموال، نشتری منها الخیل و السلاح، و نمشی إلی خدمة السلطان! فقال القوم لهم: أنتم لا تحسنون بیع هذا القماش فاتركوه معنا حتی نحسن نشتری لكم منها الخیل و السلاح، و نجعل أحدكم أمیرا، و تمشون إلی خدمة السلطان! فخدعوهم و بعثوا إلی خوارزم من یخبر شحنة خوارزم بالحال، فما كان إلّا أیّام قلائل حتی وصل الشحنة.
قبض علی الممالیك، وردّ القفل إلی خوارزم، و صلب الممالیك، و نادی فی خوارزم أن لا یشتری من التجّار أحد مملوكا رجلا!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 515
و حسبك من غلبتهم فی الأمور و صعوبة جانبهم قوله، صلّی اللّه علیه و سلّم: اتركوا الترك ما تركوكم! و الترك لیسوا من الدیانات فی شی‌ء، فمنهم عبدة الكواكب، و منهم عبدة النیران، و منهم من علی مذهب النصاری، و منهم مانویة، و منهم ثنویة، و منهم سحرة، و صنعتهم الحرب و الطعن و الضرب الذی هو صنعة المریخ فإنّه صاحبهم.
و حكی أن هشام بن عبد الملك بعث رسولا إلی ملك الترك یدعوه إلی الإسلام؛ قال الرسول: دخلت علیه و هو یتّخذ بیده سرجا. قال للترجمان: من هذا؟
فقال: إنّه رسول ملك العرب. فأمرنی إلی بیت كثیر اللحم قلیل الخبز ثمّ بعد أیّام استدعانی و قال: ما بغیتك؟ فتلطّفت له و قلت: إن صاحبی یرید نصیحتك، و یری أنّك فی ضلال یرید أن تدخل فی دین الإسلام! فقال: ما الإسلام؟
فأخبرته بأركانه و شرائطه و حلاله و حرامه، فتركنی أیّاما ثمّ ركب ذات یوم مع عشرة أنفس، و مع كلّ واحد لواء و حملنی معه، فمضینا حتی صعدنا تلّا و حول التلّ غیضة. فلمّا طلعت الشمس أمر واحدا من أولئك أن ینشر لواءه ففعل، فوافی عشرة آلاف فارس متسلّحین ثمّ أمر غیره، فما زال واحد بعد واحد ینشر لواءه و یأتی عشرة آلاف حتی صار تحت التلّ مائة ألف مدجّج.
ثمّ قال للترجمان: قل لهذا الرسول ارجع إلی صاحبك و أخبره أن هؤلاء لیس فیهم إسكاف و لا حجّام و لا خیّاط، فإذا أسلموا و التزموا الشرائط للإسلام فمن أین مأكلهم؟
و حكی داود بن منصور الباذغیسی، و كان رجلا صالحا، قال: اجتمعت بابن ملك الغزّ فوجدته رجلا ذا فهم و عقل و ذكاء، و اسمه لقیق بن جثومة، و قلت له: بلغنا أن الترك یجلبون المطر و الثلج متی شاءوا، كیف سبیلهم إلی ذلك؟ فقال: الترك أحقر و أذلّ عند اللّه تعالی من أن یستطیعوا هذا الأمر، و الذی بلغك حقّ، و أنا أحدّثك به: بلغنی أن بعض أجدادی راغم أباه و كان أبوه ملكا، فاتّخذ لنفسه أصحابا و موالی و غلمانا، و سار نحو المشرق یغیر
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 516
علی الناس و یصید ما ظهر له، فانتهی به المسیر إلی موضع ذكر أهله أن لا مسیر له بعده، و كان عندهم جبل تطلع الشمس من ورائه، و تحرق كلّ شی‌ء وقعت علیه، و كان سكّانها فی الأسراب تحت الأرض و الغیران فی الجبال بالنهار. و أمّا الوحش فتلتقط حصی هناك قد ألهمها اللّه تعالی معرفتها، فتأخذ كلّ وحشیّة حصاة فی فیها و ترفع رأسها إلی السماء، فتظلّها غمامة عند ذلك تحجب بینها و بین الشمس، قال: فقصد أصحاب جدّی حتی عرفوا ذلك الحجر، فحملوا منه معهم ما قدروا إلی بلادنا، فهو معهم إلی الآن. فإذا أرادوا المطر حركوا منه شیئا فینشأ الغیم و یوافی المطر، و إن أرادوا الثلج زادوا فی تحریكها فیوافیهم الثلج و البرد؛ فهذه قصّة المطر و الحجر، و لیس ذلك من حیلة الترك بل من قدرة اللّه تعالی!
و حكی إسماعیل بن أحمد السامانی، و كان ملكا عادلا غازیا، قال:
غزوت الترك ذات مرّة فی عشرین ألف فارس من المسلمین، فخرج علیّ منهم ستّون ألفا فی السلاح الشاك، فواقعتهم أیّاما، و إنی لیوما فی قتالهم إذ جاءنی قوم من ممالیكی الأتراك و قالوا: إن لنا فی معسكر الكفّار قرابات، و قد أنذرونا بموافاة فلان و أنّه ینشی‌ء السحاب و المطر و الثلج و البرد، و قد عزم أن یمطر علینا غدا بردا عظیما لا یصیب الإنسان ألّا یقتله، فانتهرتهم و قلت:
هل یستطیع هذا أحد من البشر؟
فلمّا كان الغد و ارتفع النهار نشأت سحابة عظیمة من جبل كنت مستندا إلیه بعسكری، و لم تزل تتنشّر حتی أظلّت عسكری، فهالنی سوادها و ما رأیت فیها من الهول، و ما سمعت من الأصوات المزعجة، فعلمت أنّها فتنة، فنزلت عن دابّتی وصلّیت ركعتین و العسكر یموج بعضهم فی بعض، ثمّ دعوت اللّه تعالی معفّرا وجهی بالتراب و قلت: اللهم أغثنا فإن عبادك یضعفون عن محنتك! و إنی أعلم أن القدرة لك، و ان النفع و الضرّ لا یملكهما إلّا أنت! اللهم إن هذه السحابة إن أمطرت علینا كانت فتنة للمؤمنین و سطوة للمشركین، فاصرف عنّا
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 517
شرّها بحولك و قوّتك، یا ذا الحول و القوّة!
قال: و أكثرت من الدعاء رغبة و رهبة إلی اللّه تعالی و وجهی علی التراب، فبینا أنا كذلك إذ بادر إلیّ الغلمان یبشرونی بالسلامة، و أخذوا بعضدی ینهضونی.
و كنت ثقیلا من عدّة الحدید، فرفعت رأسی فإذا السحابة قد زالت عن عسكری.
و قصدت عسكر الترك و أمطرت بردا عظیما، فإذا هم یموجون و تنفر دوابّهم، و ما وقعت بردة علی أحد إلّا أوهنته أو قتلته. فقال أصحابی: نحمل علیهم؟
فقلت: لا فإن عذاب اللّه أدهی و أمرّ! فمات منهم خلق كثیر و لم یفلت إلّا القلیل. فلمّا كان من الغد دخلنا معسكرهم فوجدنا من الغنائم ما شاء اللّه، فحملناها و حمدنا اللّه تعالی علی السلامة.
بها جبل زانك؛ قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض تركستان جبل به جمع من أهل بیت یقال لهم زانك، و هم أناس لیس لهم زرع و لا ضرع، و فی جبالهم معدن الذهب و الفضّة، فربّما توجد قطعة كرأس شاة، فمن أخذ القطاع الصغار تمتّع بها، و من أخذ من الكبار یفشو الموت فی كلّ بیت فیه تلك القطعة. فإن ردّها إلی مكانها ینقطع عنهم الموت، ولو أخذها الغریب لا یضرّه شی‌ء.
و بها جبل النار؛ هذا الجبل بأرض تركستان فیه غار شبه بیت كبیر، كلّ دابّة تدخله تموت فی الحال لشدّة و هج النار فی ذلك البیت. آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی ؛ ص517
بها جبل كیلسیان؛ ذكر صاحب تحفة الغرائب أن بهذا الجبل موضعا، كلّ طیر طار مسامتا له یقع فی الحال میتا، فیری حوله من الحیوانات المیتة ما شاء اللّه.
و بها جبل ذكره أبو الریحان الخوارزمی فی كتابه المسمّی بالآثار الباقیة: إن بأرض الترك جبلا إذا اجتاز علیه الغنم شدّت أرجلها بالصوف لئلّا تصطكّ حجارة فیعقبها المطر.
و بها معدن البلحش و معدن اللازورد و البیجاذق؛ من خصائصها المسك الذكی الرائحة، و السنجاب و السمور و القاقم و الفنك و الثعالب السود و الأرانب
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 518
البیض، و البزاة الشهب و الحجر الیشب و الخیل الهمالیج و الرقیق الروقة.
و حكی بعض التجّار أن بأرض الترك موضعا یزرع فیه نوع من الحبّ، فیأتی بثمرة كالبطّیخ، فإذا ظهرت ثمرته یزرع حولها شی‌ء من الحشیش اللین حتی یكون عند إدراك الثمرة الحشیش موجودا، فعند ذلك تنشق الثمرة و یخرج منها رأس حمل، و یجعل یرعی من ذلك الحشیش الذی بقربه أیّاما حتی یقوی و یخرج من ذلك القشر، و قد حدّث من رأی من هذا الغنم و قال: انّه لا یخالف الغنم إلّا بطول القوائم و فقد الألیة، فإن عند ألیتها شبه ذنب، و تحدّث به كثیر من التجار الذین أسفارهم إلی أرض الترك. و اللّه الموفق.

تفلیس‌

مدینة حصینة لا إسلام وراءها. بناها كسری أنوشروان و حصّنها إسحق ابن إسماعیل، مولی بنی أمیّة. یشقّها نهر الكرّ. أهلها مسلمون و نصاری:
من أحد جانبی الكرّ یؤذنون، و من الجانب الآخر یضربون بالناقوس، و ذكروا أن المدینة كانت مسقّفة بالصنوبر، فلمّا أرسل المتوكّل إلیها بغا لقتال إسحق بن إسماعیل خرج إسحق لمحاربة بغا، فأمر بغا النفاطین فرموا المدینة بالنار و أحرقوها فاحترقت المدینة كلّها، لأنّها كانت من خشب الصنوبر، و هلك خمسون ألف إنسان.
و من عجائبها حمّام شدید الحرارة لا یوقد و لا یستقی له ماء، لأنّه بنی علی عین حارّة. و ذكر بعض التجّار أن هذا الحمّام یختصّ بالمسلمین لا یدخله كافر البتّة.
و الملّة النصرانیّة بها ظاهرة و المدینة فی إیالتهم، و بها من الصوامع و البیع و الدینار الذی یسمّونه بربره، و هو دینار حسن مفروغ مقعّر علیه كتابة سریانیة و صورة الأصنام، كلّ دینار مثقال ذهب جید لا یقدر أحد علی التلبیس به، و إنّه نقد بلاد الابخاز و ضرب ملوكهم.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 519
و یجلب من تفلیس الزئبق و الخلنج و العبید و الدواب الفرّه، و أنواع اللبود و الأكسیة و البسط الرقیقة و الفرش، و الصوف الرفیع و الخزّ و ما شابه ذلك.

جرجانیّة

قصبة ناحیة خوارزم. مدینة عظیمة مشهورة علی شاطی‌ء جیحون، من أمهات المدن جامعة لأشتات الخیرات و أنواع المسرّات. جاء فی فضائلها ما ذكره الزمخشری فی كتابه ربیع الأبرار عن ابن مسعود، عن النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم، أنّه قال: لیلة أسری بی رأیت علی السماء الرابعة قصرا مزخرفا، حوالیه قنادیل من نور. قلت: یا جبریل ما هذا القصر المزخرف؟ قال:
هذا رباط ستفتحه أمّتك بأرض خراسان حول جیحون. قلت: و ما جیحون؟
قال: نهر بأرض خراسان، من مات حول ذلك النهر علی فراشه قام یوم القیامة شهیدا. قلت: یا جبریل و لم ذاك؟ قال: لهم عدوّ یقال له الترك شدید كلبهم قلیل سلبهم، من وقع فی قلبه فزعة منهم قام شهیدا یوم القیامة من قبره مع الشهداء.
و عن الحسن: مدینة بالمشرق یقال لها خوارزم علی شاطی‌ء نهر یقال له جیحون ملعون الجانبین، ألا و إن تلك المدینة محفوفة مكفوفة بالملائكة، تهدی إلی الجنّة كما تهدی العروس إلی بیت زوجها، یبعث اللّه تعالی منها مائة شهید، كلّ شهید منهم یعدل شهید بدر.
و جرجانیة مدینة عظیمة كثیرة الأهل. و أهلها كلّهم أجناد حتی البقّال و القصّاب و الخبّاز و الحائك.
و حكی أن السلطان محمّد بن تكش أوقع به الخطأ فی بعض وقائعه و قتلوا من المسلمین مقتلة عظیمة، و ما أفلت منهم إلّا السلطان فی نفر یسیر، فدخل البلد لیلا لئلّا یری الناس قلّة عدده، و ركب أوّل النهار بثلاثین ألف فارس و ذهب إلی وجه العدو.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 520
و أهل جرجانیة كلّهم معتزلة، و الغالب علیهم ممارسة علم الكلام حتی فی الأسواق و الدروب یناظرون من غیر تعصّب بارد فی علم الكلام. و إذا رأوا من أحد التعصّب أنكروا علیه كلّهم و قالوا: لیس لك إلّا الغلبة بالحجّة، و إیّاك و فعل الجهّال!
و أهلها أهل الصناعات الدقیقة كالحدّاد و النجّار و غیرهما، فإنّهم یبالغون فی التدقیق فی صناعاتهم، و السكاكون یعملون الآلات من العاج و الآبنوس، لا یعمل فی غیر خوارزم إلّا بقریة یقال لها طرق من أعمال أصفهان. و نساؤها یعملون بالإبرة صناعات ملیحة كالخیاطة و التطریز و الأعمال الدقیقة.
و حكی أن السبب فی بناء هذه المدینة أن بعض الملوك غضب علی جمع من أصحاب مملكته، فأمر بنفیهم إلی موضع بعید عن العمارات، فنفوهم إلی هذا المكان و تركوهم، و كان موضعا منقطعا عن البلاد لا زرع به و لا ضرع. فلمّا كان بعد مدّة جری ذكرهم عند الملك، فأمر بكشف خبرهم فجاؤوا إلیهم فوجدوهم قد بنوا أكواخا و یتقوّتون بصید السمك، و كان عندهم حطب كثیر فقالوا لهم: كیف حالكم؟ قالوا: لنا هذا السمك و هذا الحطب. فسمّی الموضع خوارزم لأن بلغتهم خوار اللحم و رزم الحطب، فبعث الملك إلیهم أربعمائة جاریة من سبی الترك علی عدد الرجال المنفیین، فتوالدوا و تناسلوا فلهذا تری صورهم صور الأتراك و طباعهم طباع الترك. و فیهم جلادة و قوّة فعمروا ذلك الموضع حتی صار من أحسن بلاد اللّه تعالی و أكثرها عمارة، حتی لم یر بها خراب، فإنّها مع ما هی علیه من سباخة أرضها و كثرة برودها متّصلة العمارة متقاربة القری، كثیرة القصور و البیوت، و قلّما یقع النظر فی رستاقها علی أرض لا عمارة فیها، هذا مع كثرة الأشجار.
و الغالب علیها التوت و الخلاف لأجل دود القزّ، فإن لهم یدا باسطة فی تربیتها، و الخلاف لأجل العمارات، فإن عماراتهم من الاخصاص و الخلاف لأن أرضها كثیرة النزوز لا تحتمل البناء الثقیل، فإن الماء ینبع إذا حفرت ذراعین.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 521
و بها زحمة و غلبة شدیدة من كثرة الناس، حتی لا فرق بین أسواقها و رستاقها علی المارّین.
و أمّا البرد فإنّه شدید عندهم جدّا حتی ان الإنسان إذا أراد إكرام غیره یقول: بت عندنا فإن عندنا نارا طیّبة! و قد لطف اللّه تعالی بهم برخص الحطب، یكون حمل عجلة بدرهمین. و الغریب إذا خرج من بیته أوّل النهار مكشوف الوجه یضرب البرد وجهه فیسقط أنفه! و أمّا أهل المدینة فقد عرفوا ذلك فلا یخرجون إلّا مستوری الوجه.
و من عجائبها زراعة البطیخ، فإن المدینة تحیط بها رمال سائلة ثمانون فرسخا فی ثمانین فرسخا، شبه الرمال التی دون دیار مصر، تنبت شوكا طویل الإبر یقال له بالعجمیّة اشترغاز، و هو الشوك الذی یقع علیه الترنجبین بأرض خراسان، فإذا كان أوان زرع البطیخ یذهب أهل خوارزم إلیها، و یحجّر كلّ أحد قطعة من الأرض أیّ مقدار شاء لا ملك لأحد فیها، و یشقّ أصول هذا الشوك و قضبانه، و یدع فیها بزر البطیخ و یتركها؛ فإن البزر ینبت فیها بنداوة الشوك، و لا یحتاج أصحابها إلی السقی و لا إلی شی‌ء من أعمال الزراعة. فإذا كان أوان البطیخ ذهبوا إلیها و رأوا وجه الأرض ممتلئا من البطیخ الذی لا یوجد مثله فی شی‌ء من البلاد حلاوة و طیبا، و یكون رخیصا جدّا لكثرته و قلّة مؤونته، و قد یقدّد و یحمل إلی البلاد للهدایا.

جنبذق‌

قریة من أعمال المراغة، بینها و بین قلعة روین دز فرسخ. بها بئر عجیبة یخرج منها حمام كثیر، فنصب علی رأس البئر شبكة یقع فیها من الحمام ما شاء اللّه، و هی بئر لا یدری قعرها؛ حكی بعض فقهاء المراغة أنّهم أرسلوا فیها رجلا لیعرف حال الحمام، فنزل حتی زادت الحبال علی خمسمائة ذراع، ثمّ خرج فأخبر أنّه لم یر شیئا، و أحسّ بهواء قویّ، و رأی فی آخرها ضوءا و شیئا كثیرا من الحیوانات الموتی.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 522

جنزة

بلدة حصینة قدیمة من بلاد أرّان من ثغور المسلمین لقربها من الكرج، و هی مدینة كثیرة الخیرات وافرة الغلّات. أهلها أهل السّنّة و الجماعة أهل الصلاح و الخیر و الدیانة، و لا یتركون أحدا یسكن بلدهم إذا لم یكن علی مذهبهم و اعتقادهم حتی لا یشوش علیهم مذهبهم و اعتقادهم. و العالب علیهم ممارسة السلاح و استعمال آلات الحرب لكونهم فی الثغر بقرب أرض الكفّار.
بها نهر قردقاس مجیئه من حاجین ولایة الكرج، یجری ستّة أشهر و ینقطع ستّة أشهر، و مجیئه وقت معلوم و انقطاعه كذلك. و لأهلها ید باسطة فی تربیة دود القزّ و عمل الابریسم، و ابریسم جنزة یفوق ما لغیرها من البلاد حسنا.
و فی نفس المدینة قناة ینزل إلیها من طریقین: أحدهما موضع یعرف بباب المقبرة، و الآخر بباب البردعة. یؤخذ الماء من باب المقبرة و یجذب به الابریسم، تزید قیمته علی الابریسم الذی یجذب بماء باب البردعة، و إن حملوا ماء باب المقبرة إلی باب البردعة لا یفید شیئا، و إن حملوا ماء باب البردعة إلی باب المقبرة یفید و یخرج ابریسمه جیّدا.
و بها قلعة هرك علی مرحلة منها. حولها ریاض و میاه و أشجار. هواؤها فی الصیف طیّب، یقصدها أهل جنزة فی الصیف. لكلّ أهل بیت فیها موضع یقیم فیه حتی تنكسر سورة الحرّ، و لأعیان جنزة بها دور حسنة.
و إنّها علی نهر یقال له دروران، و النهر ینزل من جبل یسمّی مرا، و لا یزال علیه الضباب و هو شامخ جدّا. و ذكروا أن كلّ من علا القلعة یری الجبل، و من علا الجبل لا یری القلعة، و علی هذا الجبل شجرة لها ثمرة یقال لها الموز، لیس فی جمیع الدنیا إلّا بها، و هی شبیهة بالتوت الشامی، إلّا أنّها مدوّرة تنفع من أمراض الكبد. و علی طرف دروران صخرة عظیمة مدوّرة شبه قلعة تسمّی سنك نیم دانك، تصیبها نداؤة مثل الصدإ تخضب بها الأطراف تفعل فعل الحنّاء،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 523
و من العجب أن هذه النداوة لا تعمل هذا العمل إلّا إذا كان المختضب جالسا علیها، فإن حمل إلی موضع آخر لم یفد شیئا. و ذكر أن الناس یحملون العرائس إلیها إذا أرادوا أن یخضبوا أطرافهن.
و یجلب من جنزة إلی سائر البلاد الابریسم الجیّد و الأطلس و الثیاب التی یقال لها الكنجی، و العجم یسمّونها القطنی و العمائم الخزّ و نحوها.
ینسب إلیها أبو محمّد النظامی. كان شاعرا مفلقا عارفا حكیما. له دیوان حسن و أكثر شعره إلهیّات و مواعظ و حكم و رموز العارفین و كنایاتهم. و له داستان خسرو و شیرین، و له داستان لیلی و مجنون، و له مخزن الأسرار و هفت بیكر. و لما نظرم فخری الجرجانی داستان ویس و رامین للسلطان طغرلبك السلجوقی، و إنّه فی غایة الحسن، شعره كالماء الجاری كأنّه یتكلّم بلا تعسّف و تكلّف، أراد النظامی داستان خسرو و شیرین علی ذلك المنوال، و أكثر فیها من الإلهیّات و الحكم و المواعظ و الأمثال و الحكایات الطیّبة، و جعله للسلطان طغرل ابن أرسلان السلجوقی، و كان السلطان مائلا إلی الشعر و الشعراء، فوقع عنده موقعا عظیما، و اشتهر بین الناس و كثرت نسخه.
و أمّا داستان لیلی و مجنون فطلب منه صاحب شروان فقد نظمها له، و كان فی فنّه عدیم النظیر. توفی بقرب تسعین و خمسمائة.

ختلان‌

مدینة بأرض الترك مشهورة. حكی أن بها شعبا بین جبلین؛ قال صاحب تحفة الغرائب: یأتی فی كلّ سنة ثلاثة أیّام من ذلك الشعب فی وقت معلوم صید كثیر، فإذا كانت تلك الأیّام تمتلی‌ء دورهم و سطوحهم من الصید ثمّ ینقطع إلی سنة أخری؛ هكذا ذكره.
و یجلب منها خیل همالیج لیس فی شی‌ء من النواحی مثلها.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 524

خلاط

مدینة كبیرة مشهورة قصبة بلاد أرمینیة، ذات خیرات واسعة و ثمرات یانعة، بها المیاه الغزیرة و الأشجار الكثیرة. و أهلها مسلمون و نصاری. و كلام أهلها العجمیة و الأرمنیة و التركیة. ذات سور حصین، قصدها الكرج فی زمن الملك الكامل الأوحد و نزلوا علیها یحاصرونها، و كان خارج المدینة نهر علیه قنطرة، فأهل خلاط نقضوها و ستروها بشی‌ء من الحشیش، لیقع فیها من یجتاز علیها من الكرج، و جلسوا تحت القنطرة منتظرین لمن یقع فیها حتی یأخذوه. و كان لملك الكرج، و یقال له الإیوانی، منجّم فاضل جرّبه مرارا كان ذا حكم صحیح؛ قال للإیوانی: اركب الآن و حارب فإنّك فی آخر النهار تكون جالسا علی سریر خلاط. فقام و ركب و هو سكران، فأوّل من اجتاز فی القنطرة كان الإیوانی وقع فی القنطرة. اجتمعوا علیه و أخذوه؛ قال: لا تقتلونی فإنی أنا الإیوانی، فحملوه إلی خلاط و أجلسوه علی السریر فقال لهم: إن كنتم تخلّصوننی فافعلوا سریعا قبل أن یمشی الخبر إلی الكرج و یقیموا مقامی أحدا، و لكم كلّ ما سألتم. فطلبوا منه فكّ أساری المسلمین كلّهم و مالا عظیما عمروا به سور خلاط و عاهدوا بالمهادنة سنین كثیرة و خلّصوه. و من عجائبها بحیرتها التی یجلب منها السمك الطریخ إلی جمیع البلاد؛ قال ابن الكلبی: بحیرة خلاط من عجائب الدنیا، فإنّها عشرة أشهر لا تری فیها سمكة و لا ضفدعة، و شهران فی السنة تكثر بها حتی تقبض بالید، و تحمل إلی سائر البلاد حتی إلی بلاد الهند؛ قیل:
إنّه لطلسم عمله بلیناس الحكیم لقباذ الملك، و أمّا أهل خلاط فالفسق عندهم ظاهر، و صنّاعها یعملون أقفالا ما فی شی‌ء من البلاد مثلها.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 525

خوارزم‌

ناحیة مشهورة ذات مدن و قری كثیرة، وسیعة الرقعة فسیحة البقعة، جامعة لأشتات الخیرات و أنواع المسرّات؛ قال جار اللّه الزمخشری: «بخوارزم فضائل لا توجد فی غیرها من سائر الأقطار، و خصال محمودة لا تتّفق فی غیرها من الأمصار، قد اكتنفها أهل الشرك، و أطافت بها قبائل الترك، فغزو أهلها معهم دائم، و القتال فیما بینهم قائم، و قد أخلصوا فی ذلك نیاتهم، و أمحضوا فیه طویاتهم، و قد تكفّل اللّه بنصرهم فی عامة الأوقات، و منحهم الغلبة فی جمیع الوقعات، و قد خصّها بجیحون واد عسر المعبر بعید المسالك، غزیر الماء كثیر المهالك. و أهلها أصحاب قلوب جریّة، و نفوس أبیّة، و لهم السداد و الدیانة، و الوفاء و الأمانة، و دینهم محبّة الأخیار، و مقت الأشرار، و الإحسان إلی الغرباء، و التعطّف علی الضعفاء. و ممّا اختصّت به خوارزم أنواع الرقیق الروقة و الخیل الهمالیج الفرّهة، و ضروب الضواری من البزاة و الصقور، و أجناس الوبر و ألوان الثیاب، و ثمارها أطیب الثمار و أشهاها و ألذّها و أحلاها و أنماها و أمراها، و هواؤها أصحّ هواء، و ماؤها أعذب ماء، و ناهیك ببطّیخها الذی لا یوجد مثله.» انتهی كلام الزمخشری.
بها نهر جیحون؛ قال الأعمود: نهر جیحون یعرف بجریان یخرج من حدود بذخشان، و ینضمّ إلیها أنهار فی حدود الختل و وحش فتصیر نهرا عظیما، و ترتفع إلیها أنهار البتم و أنهار صغانیان، و ماء و حشاب الذی یخرج من بلاد الترك، و یصیر فی أرض وحش فی جبل هناك حتی یعبر قنطرة، و لا یعلم فی الدنیا ماء فی كثرته یضیق مثل ضیقه فی هذا الموضع، و هذه القنطرة هی الحدّ بین الختل و واشجرد، ثمّ یمرّ علی مدن كثیرة حتی یصل إلی خوارزم، و لا ینتفع شی‌ء من البلاد به إلّا خوارزم، فإنّها تستقلّ عنه ثمّ ینحدر عن خوارزم و ینصبّ فی بحیرة تسمّی بحیرة خوارزم، بینها و بین خوارزم ستّة أیّام.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 526
و حكی أن جیحون مع كثرة مائه یجمد فی الشتاء، و كیفیّة جموده أنّه إذا اشتدّ البرد و قوی كلبه جمد أوّلا قطعا، ثمّ تسری تلك القطع علی وجه الماء، و كلّما ماسّت قطعة من تلك القطاع أخری التصقت بها، و لا تزال تنضمّ حتی صار جیحون كلّه سطحا واحدا، ثمّ یثخن و یصیر ثخنه فی أكثر الأوقات خمسة أشبار؛ قال ابن فضلان فی رسالته: رأیت جیحون و قد جمد سبعة عشر شبرا. و اللّه أعلم بصحّته. ثمّ یبقی باقی الماء تحته جاریا فیحفر أهل خوارزم فیه آبارا بالمعاول حتی یخرقوه إلی الماء، ثمّ یسقون منها كما یسقی من البئر لشربهم، و یحملونه فی الجرار. و إذا استحكم جمود هذا النهر عبرت علیه القوافل و العجل الموقرة بالبقر، و لا یبقی بینه و بین الأرض فرق، و یتظاهر علیه الغبار كما یكون فی البوادی، و یبقی علی ذلك نحو شهرین. فإذا انكسرت سورة البرد عاد ینقطع قطعا كما بدا فی أوّل أمره إلی أن یعود إلی حاله الأولی. و هو نهر قتّال قلّما ینجو غریقه.
و بها جبل علی ثمانیة فراسخ من المدینة؛ قال أبو حامد الأندلسی: هذا الجبل فیه شعب كبیر، و فی الشعب تلّ عال، و علی التلّ شبه مسجد علیه قبّة له أربعة أبواب آزاج كبار، و یتراءی للناظر كأن بنیان ذلك المسجد من الذهب ظاهره و باطنه، و حوله ماء محیط بالتلّ راكد لا مادّة له إلّا من ماء المطر و الثلج زمان الشتاء. و إن ذلك الماء ینقص و یزید ذراعا فی الصیف و الشتاء فی رؤیة العین.
و الماء ماء عفن نتن علیه طحلب لا یستطیع أحد أن یخوضه، و من دخل فی ذلك استلبه الماء و لا یظهر أثره البتّة، و لا یدری أین ذهب. و عرض الماء مقدار مائة ذراع.
و حكی أن السلطان محمود بن سبكتكین وصل إلی هذا الموضع و أقام به زمانا و ألقی فیه الزوارق فغاصت فیه، فأمر السلطان جمیع عساكره بحمل التراب و الخشب و نفضها فی ذلك الماء، فكلّ شی‌ء ألقی فیه غاص و لم یظهر له أثر.
و قالوا: إن ذلك الماء إذا وقع فیه حیوان لم یقدر أحد علی إخراجه البتّة، و ان
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 527
كان مشدودا بالحبال و جرّه الرجال. و كلّ من سافر من خوارزم فی طریق سخسین یری ذلك الماء فی طریقه، و لا حیلة فی ذلك إلّا ما شاء اللّه و انّه من عجائب الدنیا.
و بقرب خوارزم علی ستّ مراحل منها بحیرة تستمدّ من جیحون. یخرج منها حجر علی صورة البطیخ یعرف بالحجر الیهودی. لهذا الحجر فوائد كثیرة ذكرت فی كتاب الخواص، و أشهرها ما یستعمله الأطبّاء لوجع الحصاة فی المثانة، نعوذ باللّه منه، و هو نوعان: ذكر و أنثی، فالذكر للرجال و الأنثی للنساء.

خویّ‌

مدینة معمورة من مدن آذربیجان، ذات سور حصین و میاه و أشجار، كثیرة الخیرات وافرة الغلّات، كثیرة الأهل. و أهلها أهل السنّة و الجماعات علی مذهب واحد، لیس بینهم اختلاف المذاهب. یعمل بها الدیباج الذی یسمّونه الجولخ.
بها عین كنكلة؛ حدّثنی بعض فقهاء خویّ أن هذه العین ینبع منها ماء كثیر جدّا بارد فی الصیف حارّ فی الشتاء.
ینسب إلیها القاضی شمس الدین الخوی. كان عالما فاضلا ذا فنون من العلم شرعیاته و عقلیاته، ذا تصانیف حسنة. فلمّا كان هجوم التتر هرب من خراسان و ذهب إلی الشام، و ما عرفوا قدره، رتّبوه معیدا فی مدرسة دمشق.
حكی أن ابن الجوزی بعث رسولا إلی الملك المعظم من دار الخلافة، فلمّا وصل إلی دمشق التمس أن یستدلّ بین یدی الملك المعظم، و كان الملك فقیها حنفیّا، فجمع له أعیان دمشق، و كان ابن الجوزی واعظا فصیحا قادرا علی الكلام، و ما كان فی القوم من یناقش بالمنوع الدقیقة. فلمّا قام قال: هذه مدینة حسنة لیس فیها فقیه! فتأذّی الملك المعظم من ذلك و قال: ان هذا یعتقد انّه قال شیئا!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 528
فقالوا له: ههنا فقیه عجمیّ جمع بینهما و تفرّج علیهما. فلمّا حضر ابن الجوزی طلبوا شمس الدین، فأراد تمشیة مقدمة معه فما قدر، ثمّ ان شمس الدین أخذ مقدماته و قلبها علیه ثمّ عارضه فی المقدمات و فی الحكم حتی جعله مبهوتا. فقال ابن الجوزی: هذا الفقیه فی أیّ شی‌ء شغل؟ قالوا: ما هو فی شی‌ء من الأشغال.
فقال: مثل هذا یترك عاطلا؟ فولّاه قضاء دمشق و تدریس العادلیة. توفی قریبا من أربعین و ستمائة شابّا، رحمة اللّه علیه.

خیوق‌

قریة من قری خوارزم. ینسب إلیها الشیخ الإمام قدوة المشایخ أبو الجناب، أحمد بن عمر بن محمّد الخیوقیّ المعروف بكبری. كان أستاذ الوقت و شیخ الطائفة و فرید العصر. له رسالة الهائم الخائف من لومة اللائم، من حقّها أن تكتب بالذهب، ما صنّف مثلها فی الطریقة. و من عجائبها ما ذكر أن للشیطان لطائف عجیبة فی اضلال الناس، فیضلّ كلّ واحد حسبما یلیق بحاله: أمّا الجهال فیضلّهم بجهلهم، و أمّا العلماء فیقول اشتغل بتحصیل العلوم، أما عرفت قول النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم: لفقیه واحد أشدّ علی الشیطان من ألف عابد؟
فاصرف عمرك فی تحصیل العلوم، فإذا كان آخر عمرك اشتغل بالعمل؛ فیأتیه الموت یعبه فجأة، فیكون له علم بلا عمل.
و حكی، رحمه اللّه، أنّه كان یجاهد نفسه، فجاء الشیطان لیوسوس علیه الحال فقال: إنّك رجل عالم تتبع آثار النبیّ، صلّی اللّه علیه و سلّم، فاشتغل بسمع أحادیث النبیّ و آثار المشایخ الكبار الحفّاظ، فإنّك إن اشتغلت بمجاهدة النفس فإن علیك إدراك المشایخ الكبار و الأستاذ العالی، و أمّا المجاهدة فلا تفوتك فیما بعد! فكدت أعمل بوسوسته فهتف بی هاتف:
و من یسمع الأخبار من غیر واسطحرام علیه سمعها بوسائط!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 529
فعرفت أن ذلك الخاطر من وساوسه فتركته. توفی الشیخ قریبا من سنة عشر و ستمائة.
و ینسب إلیها الشیخ الفاضل العالم شهاب الدین الخیوقی. كان نائب السلطان خوارزمشاه فی جمیع مملكته، و القضاة و المدرّسون و المفتون فی جمیع مملكة السلطان نوّابه، فإذا دخل مدینة كان المدرّسون و القضاة و العلماء یحضرون درسه، و كان شافعی المذهب متعصّبا لأصحابه، و كان من عادته انّه إذا دخل مدینة ذهب إلیه الفقهاء و قرأوا علیه محفوظهم، و كان الشیخ یولّیهم الأشغال من كان صالحا لها.

دیر برصوما

علی قلّة جبل ببلاد الروم بقرب ملطیة. و هذا دیر معتبر عند النصاری، فإنّهم یقولون ان برصوما كان من الحواریّین، و هو الدیر الذی ینادی بطلب نذره فی بلاد الروم و دیار بكر و ربیعة و الشام. فیه رهبان كثیر یؤدّون كلّ عام إلی صاحب الروم عشرة آلاف دینار من نذره.
حكی العفیف مرجی التاجر الواسطی قال: اجتزت بهذا الدیر قاصدا بلاد الروم، فسمعت كثرة ما ینذرون له، و ان النذر له لا یخطی‌ء، فألقی اللّه علی لسانی ان قلت: هذا القماش الذی معی مشتراه خمسة آلاف درهم، فإن بعته بسبعة آلاف درهم فلبرصوما من خالص مالی خمسون درهما! فدخلت ملطیة و بعته بسبعة آلاف درهم، فلمّا رجعت سلّمت إلی رهبانه خمسین درهما، و سألته عن برصوما فذكر أنّه مسجی علی سریر و أن أظافیره تطول كلّ عام، و انّهم یقلّمونها و یحملونها إلی صاحب الروم مع ما له علیهم من القطیعة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 530

الرّوم‌

بلاد واسعة من أنزه النواحی و أخصبها و أكثرها خیرا و عجائب ذكرت فی مواضعها. میاهها أعذب المیاه و أخفّها، و هواؤها أصحّ الأهویة و أطیبها، و ترابها أطیب الأتربة و أصحّها. و من خواصّها نتاج الدوابّ و النعم. و لیس فی شی‌ء من البلاد مثل مائها یحمل منها إلی سائر الآفاق، و كذلك أصناف الرقیق من الترك و الروم.
و أهلها مسلمون و نصاری. و شتاؤها یضرب المثل به حتی وصفه بعضهم فقال: الشتاء بالروم بلاء و عذاب و عناء! یغلظ فیها الهواء و یستحجر الماء، تذوی الوجوه و تعمش العیون و تسیل الأنوف و تغیّر الألوان و تقشف الأبدان، و تمیت كثیرا من الحیوان. أرضها كالقواریر اللامعة و هواؤها كالزنابیر اللاسعة، و لیلها یحول بین الكلب و هریره و الأسد و زئیره، و الطیر و صفیره، و الماء و خریره، و یتمنّی أهلها من البرد الألیم دخول حرّ الجحیم!
و بلاد الروم بلاد واسعة و مملكة عظیمة، و لبعدها عن بلاد الإسلام و قوّة ملكها بقیت علی كفرها كما كانت، و انّه أحد معجزات رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، انّه قال: أمّا فارس فلا نطحة أو نطحتان ثمّ لا فارس بعدها! و أمّا الروم فإنّها ذات قرون كلما مرّ قرن یخلفه قرن آخر!
و أهل الروم سكّان غربی الإقلیم الخامس و السادس، و لبرد بلادهم و دخولها فی الشمال تری الغالب علی ألوانهم البیاض، و علی شعورهم الشقرة، و علی أبدانهم الصلابة. و الغالب علی طبعهم مباشرة اللهو و الطرب، لأنّ المنجّمین زعموا ان الروم تتعلّق بالزهرة.
و حكی أن أهل الروم كانوا لا یملّكون إلّا من كان أكثرهم عقلا و أوفرهم علما و أصحّهم بدنا، و إذا اختلّ منه شی‌ء من هذه ملّكوا غیره و عزلوه، و كانوا علی هذا إلی أن أصاب ملكهم آفّة فهمّوا بعزله، فقال الملك: اصبروا
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 531
علیّ زمانا فإن داویت مرضی فأنا أولی من غیری، و إلّا فافعلوا ما شئتم! فذهب إلی بلاد الشام لیتداوی بحمة كانت بها، فرأی الملّة النصرانیّة قد ظهرت بها، فأخذ جمعا من القسوس و الرهابین و رجع بهم إلی الروم، و دعا الناس إلی الملّة النصرانیّة و لم یزل یجیب قوم بعد قوم حتی صاروا أمّة واحدة.
و حكی عن أهل الروم أنّهم یتّخذون صور الملوك و الحكماء و الرهابین یستأنسون بها بعد موتهم. و لهم فی التصویر ید باسطة حتی یصوّرون صورة الإنسان ضاحكا و باكیا، و صورته مسرورا و صورته حزینا.
و حكی أن مصوّرا دخل بلدا لیلا و نزل بقوم فضیّفوه، فلمّا سكر قال:
إنی صاحب مال و معی كذا و كذا دینارا، فسقوه حتی طفح و أخذوا ما كان معه و حملوه إلی موضع بعید منهم. فلمّا أصبح، و كان غریبا لم یعرف القوم و لا المكان، ذهب إلی و الی المدینة و شكا فقال له الوالی: هل تعرف القوم؟ قال: لا. قال:
هل تعرف المكان؟ قال: لا. قال: فكیف السبیل إلی ذلك؟ فقال الرجل:
إنی أصوّر صورة الرجل و صورة أهله فاعرضها علی الناس لعلّ أحدا یعرفهم! ففعل ذلك و عرض الوالی علی الناس، فقالوا: انّها صورة فلان الحمامی و أهله.
فأمر بإحضاره فإذا هو صاحبه فاستردّ منه المال.
و یقام بالروم سوق كلّ سنة أوّل الربیع أربعین یوما یقال لذلك السوق «بیله» یأتیها الناس من الأطراف البعیدة من الشرق و الغرب و الجنوب و الشمال.
و التجار یجهدون غایة جهدهم حتی یدركوا ذلك السوق، فمتاع أهل الشرق یشتریه أهل المغرب و بالعكس، و متاع أهل الشمال یشتریه أهل الجنوب و بالعكس.
و یقع فیه من الممالیك و الجواری التركیة و الرومیة، و من الخیل و البغال الحسنة، و من الثیاب الأطلس، و من السقلّاط و من الفراء الفندر و كلب الماء و البرطاس، و یدلسون تدلیسات عجیبة. و من عادة هذا السوق ان من اشتری شیئا فلا یردّه البتّة؛ و حكی أن بعض التجّار اشتری مملوكا حسن الصورة بثمن بالغ، فلمّا غاب عنه بائعه وجده جاریة مستحسنة!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 532
و بها الخانات علی طرق القوافل علی كلّ فرسخ خان، بنتها بنات السلاطین للثواب، فإن البرد بالروم ثمانیة أشهر و الثلج كثیر، و القفل لا ینقطع فی الثلج، فیمشون كلّ یوم فرسخا و ینزلون فی خان من الخانات، و یكون فیه من الطعام و الشعیر و التبن و الحطب و البزر و الاكاف و النعال و المنقل، و انّها خیر عظیم لم یبن مثلها فی شی‌ء من البلاد.
و من خواصّ الروم أن الإبل لا تتولّد بها، و إذا حملت إلیها تسوء حالها و تتلف.
بها جبل أولستان. فی وسط هذا الجبل شبه درب فیه دوران، من اجتاز فیه و فی حال اجتیازه یأكل الخبز بالجبن، و یدخل من أوّله و یخرج من آخره لا یضرّه عضّة الكلب الكلب، و إن عضّ إنسانا غیره فعبر من بین رجلی المجتاز یأمن أیضا غائلته. و هذا حدیث مشهور بالروم.
و بها عین النار بین أقشهر و انطاكیة، إذا غمست فیه قصبة احترقت.
حدّثنی من شاهدها أنه قد ذكر ذلك للسلطان علاء الدین كیخسرو عند اجتیازه بها، فوقف علیها و أمر بتجربتها، فكان الأمر كما قالوا.

رندة

مدینة حصینة بأرض الأندلس من أعمال تاكرنا قدیما. استجلب إلیها المیاه من ناحیة المشرق و ناحیة المغرب فتوافی المیاه داخلها.
بها نهر رندة، و هو نهر یتواری فی غار لا یری جریه أمیالا، ثمّ یخرج إلی وجه الأرض و یجری.
و بها نهر البرّادة، و هو نهر یجری فی أوّل الربیع إلی آخر الصیف، فإذا دخل الخریف یبس إلی أوّل الربیع من القابل، و هو علی فرسخین من رندة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 533

روین دز

قلعة فی غایة الحصانة علی ثلاثة فراسخ من المراغة فی فضاء من الأرض.
ضرب بحصانتها و إحكامها المثل. و هی بین ریاض علی یمینها نهر و علی یسارها نهر. و علی القلعة بستان یسمّی عمیداباذ، و مصنع بئر الماء من تحتها. و فیها عین فی صخرة صمّاء ینبع منها ماء یسیر. و بحذاء القلعة جبل، و فی ذلك الجبل عین غزیرة الماء ینزل عن الجبل و یصعد القلعة بطریق الفوارات بصنعة عجیبة، و منها شرب أهل القلعة، و القلعة لغایة حصانتها فی أكثر الأوقات لا یعطی صاحبها الطاعة لصاحب المراغة.

زمخشر

قریة من قری خوارزم. ینسب إلیها العالم الفاضل أبو القاسم محمود بن عمر جار اللّه الزمخشری. كان بالغا فی علم العربیّة و علم البیان، و له تصانیف حسنة لیس لأحد مثلها فی فصاحة الألفاظ و بلاغة المعانی مع إیجاز اللفظ، حتی لو أن أحدا أراد أن ینقص من كلامه حرفا أو یزید فیه بان الخلل. ذهب إلی مكّة و جاور بها مدّة فسمّی جار اللّه، و صنّف بمكّة كتاب الكشّاف فی الحرم الشریف حتی وقع التأویل حیث وجد التنزیل، و إنّه كتاب فی غایة الحسن لولا التعصّبات الباردة علی وقف الاعتزال، و انّه كان من أهل العلم و الفضل.
هذا منه عجیب.

سبتة

مدینة من بلاد الأندلس علی شاطی‌ء مجمع البحرین؛ قال محمّد بن عبد الرحیم الغرناطی: مدینة سبتة مدینة عظیمة كثیرة الأهل حصینة مبنیة بالحجر و فیها خلق كثیر من أهل العلم، و عندها كانت الصخرة التی قال یوشع لموسی،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 534
علیه السلام: أرأیت إذ أوینا إلی الصخرة فإنی نسیت الحوت و اتّخذ سبیله فی البحر عجبا. و هو الحوت الذی أكلا نصفه و النصف الآخر أحیاه اللّه تعالی، فوثب فی البحر و ارتفعت المیاه كالقنطرة، و الحوت یمشی تحتها، فلهذا قال:
و اتّخذ سبیله فی البحر عجبا.
و لها نسل فی ذلك الموضع إلی الآن، و هی سمكة أطول من ذراع و عرضها شبر نصفها عظام و شوك، علیها غطاء رقیق یحفظ أحشاءها. و من رآها من ذلك الجانب یحسب انّها میتة مأكولة، و النصف الآخر صحیح كما یكون السمك الصحیح، و الناس یتبرّكون بها و یهدونها إلی المحتشمین. و أمّا الیهود فإنّهم یشترونها و یقدّدونها و یهدونها إلی البلاد البعیدة.

سبری حصار

قلعة حصینة بالروم مشهورة علی مرحلتین من قونیة، بها بیعة كمنانوس.
حدّثنی بعض الفقهاء من أهلها أن الدابّة إذا احتبس ماؤها یطاف بها حول هذه البیعة سبعا فینفتح ماؤها، و ذلك أمر مشهور یعرفه أهل تلك البلاد كلّهم.

سرقسطة

مدینة كبیرة من أطیب بلاد الأندلس بقعة، و أحسنها بنیانا و أكثرها ثمارا و أغزرها میاها. حكی أحمد بن عمر العذری أنّها لا یدخلها حنش و لا یعیش بها.
و من أعمالها قریة یقال لها بلطش؛ قال العذری: بها عین یابسة العام كلّه، فإذا كان أوّل لیلة من شهر اغشت انبعثت بالماء تلك اللیلة، و من الغد إلی وقت الزوال، فعند ذلك یبدو فیها النقصان و إلی أوّل اللیل یجفّ، و یبقی كذلك إلی تلك اللیلة من العام القابل. و سرقسطة بید الإفرنج، ملكوها سنة اثنتی عشرة و خمسمائة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 535

سمرقند

مدینة مشهورة بما وراء النهر قصبة الصغد؛ قالوا: أوّل من أسّسها كیكاوس ابن كیقباذ، و لیس علی وجه الأرض مدینة أطیب و لا أنزه و لا أحسن من سمرقند.
عن أنس بن مالك أنّه قال: مدینة خلف نهر جیحون تدعی بسمرقند، لا تقولوا لها سمرقند و لكن قولوا المدینة المحفوظة. فقالوا: یا أبا حمزة و ما حفظها؟ قال: أخبرنی رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، أن مدینة خلف النهر تسمّی المحفوظة لها أبواب، علی كلّ باب خمسة آلاف ملك یحفظونها، و خلف المدینة روضة من ریاض الجنّة، و خارج المدینة ماء حلو عذب من شرب منه شرب من ماء الجنّة، و من اغتسل به خرج من ذنوبه كیوم ولدته أمّه، و من تعبّد فیها لیلة یقبل منه عبادة ستّین سنة، و من صام فیها یوما فكأنّما صام الدهر، و من أطعم فیها مسكینا لا یدخل الفقر منزله أبدا.
حكی أن شمر بن افریقیش بن أبرهة جمع جنوده خمسمائة ألف رجل، و سار نحو بلاد الصین، فلمّا وصل إلی الصغد عصی علیه أهل تلك البلاد، و تحصّنوا بسمرقند، فأحاط بها من جمیع الجهات و حاصرها، فلم یظفر بها. و سمع أن ملكها أحمق و له ابنة تدبّر أمر الملك، فأرسل إلیها هدیة عظیمة و قال:
إنی إنّما قدمت هذه البلاد لأتزوّج بك، و معی أربعة آلاف صندوق ذهبا و فضّة أدفعها إلیك و أمضی إلی الصین، فإن ملكت كنت امرأتی و إن هلكت فالمال لك! فأجابته إلی ذلك فأرسل إلیها أربعة آلاف صندوق فیها أربعة آلاف رجل، و لسمرقند أربعة أبواب إلی كلّ باب ألف صندوق، و جعل العلامة بینهم ضرب الجرس. فلمّا دخلوا باب المدینة ضربوا الجرس، فخرج الرجال و ملكوا الأبواب حتی اتّصل بهم جنود شمر و ملكوا المدینة و نهبوها، و قتلوا و هدموا فسمّیت شمركند، فعرّبته العرب و قالوا: سمرقند. ثمّ سار شمر نحو الصین
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 536
فمات فی الطریق هو و أصحابه عطشا.
فلمّا هلك تبّع بن أبی مالك أراد أن یأخذ بثأر جدّه، فسار نحو الصین، فلمّا وصل إلی سمرقند وجدها خرابا فأمر بعمارتها و ردّها إلی ما كانت و أحسن منها. فلمّا كان زمن الإسكندر وجدها موضعا شریفا فبالغ فی عمارتها، و بنی لها سورا محیطا بها استدارته اثنا عشر فرسخا، فیها بساتین و مزارع و ارحاء، و لها اثنا عشر بابا من الباب إلی الباب فرسخ، و علی أعلی السور آزاج و أبرجة للحرب. و إذا جزت المزارع جزت إلی الربض و فیه أبنیة و أسواق.
و بها الجامع و القهندز و مسكن السلطان. و فی المدینة الداخلة نهر من رصاص یجری علی مسنّاة عالیة من حجر، و یدخل المدینة من باب كشّ، و أكثر دروبها و دورها فیها الماء الجاری، و لا تخلو دار من بستان حتی لو صعدت قهندزها لا تری أبنیة المدینة لاستتارها بالبساتین و الأشجار. و أمّا داخل سور المدینة الكبیرة ففیه أودیة و أنهار و عیون و جبال. و بسمرقند أشیاء ظریفة تنقل إلی سائر البلاد: منها الكاغد السمرقندی الذی لا یوجد مثله إلّا بالصین؛ و حكی صاحب الممالك و المسالك انّه دفع من الصین إلی سمرقند سبی، و كان فیهم من یعرف صنعة الكاغد، فاتّخذها ثمّ كثرت حتی صارت متجرا لأهل سمرقند، فمنها تحمل إلی سائر البلاد.
بها جبل قال صاحب تحفة الغرائب: فی هذا الجبل غار یتقاطر منه الماء فی الصیف، ینعقد من ذلك الماء الجمد، و فی الشتاء من غمس یده فیه یحترق.
ینسب إلیها الإمام الفاضل البارع ركن الدین العمیدی أعجوبة الزمان، انتشر صیته فی الآفاق وفاق كلّ مناظر بالطبع السلیم و الذهن المستقیم. قال أستاذنا أثیر الدین المفضل بن عمر الأبهری: ما رأیت مناظرا مثل العمیدی فی فصاحة الكلام و بلاغة المعانی، و حسن التقریر و تنقیح البیان!
و حكی أن زین الدین عبد الرحمن الكشّی، و كان من فحول العلماء، استدلّ فی محفل، و كان العمیدی حاضرا فصبّ علیه من الملازمات حتی بهره فقال الكشّیّ:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 537
قل واحدا واحدا و اسمع جوابه! فلمّا شرع الكشّیّ فی الجواب كان العمیدی یزید علی الجواب أیضا. فلمّا أظهر القدرة خلّاه حتی تمّمه. و إذا حضر العمیدی مدینة حضر جمیع الفقهاء عنده، و اغتنموا حضوره و قرأوا تصانیفه.
و عزم الذهاب إلی بلاد العراق فقالوا للسلطان: إن هذا رجل عدیم المثل زینة لهذه البلاد؛ فمنعه من مفارقة تلك البلاد. فلمّا وصل إلی نیسابور قالوا له:
إن كان لك التماس من السلطان فالتمس و لا تخرج عن مملكته.
و حكی أنّه كان یباحث أحدا فنقل نقلا فأنكر المباحث ذلك النقل، فقام و دخل البیت حتی یأتی بالكتاب الذی فیه النقل فأبطأ الخروج فدخلوا علیه فإذا هو مفارق. و كان ذلك قریبا من سنة عشر و ستمائة.

سیواس‌

مدینة بأرض الروم مشهورة خصینة كثیرة الأهل و الخیرات و الثمرات.
أهلها مسلمون و نصاری، و المسلمون تركمان و عوام طلاب الدنیا و أصحاب التجارات، و علی مذهب الإمام أبی حنیفة، و أسباب الفسق و البطالة عندهم ظاهرة.
و حكی بعض الغرباء قال: دخلت سیواس فسألت عن مسجد آوی إلیه، فدلّونی علی بعضها فدخلته فإذا فیه دنان فیها خمور، فحولقت و أردت أن أریقها فقلت: أنا رجل غریب، هذا علی ید المحتسب أولی. فسألت عن دار المحتسب و سألت عنه قالوا: إنّه سكران نائم! فعجبت من هذا أیضا أن المحتسب یكون سكران، فصبرت حتی استیقظ و قلت له ما رأیت فی المسجد، فقال: هذا مسجد لا وقف له، و أثّر فیه الخراب فأكریناه من بعض الخمّارین و أخذنا الأجرة سلفا، و عمرنا المسجد بها! فقلت: ما أنت رجل مسلم؟ قال: بلی. قلت له:
اراقة الخمر واجب علیك فكیف تركت الواجب؟ فقال: یا هذا أریق خمور النصاری حتی یضمّنونی قیمتها؟ قلت: قالوا لی انّك سكران نائم فكیف یكون المحتسب سكران؟ فقال: إن القوم لقلّة دیانتهم یمزجون الماء بالنبیذ و یبیعونه،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 538
و أنا أذوق منه و أزجر من یفعل ذلك.
و حكی أن بسیواس وقفا علی علف الطیور شتاء، و ذلك عند وقوع الثلج عمّ جمیع وجه الأرض، فعند ذلك ینتقل صغار الطیور من الصحراء إلی العمران، فتشتری الحبوب بحاصل هذا الوقف و تنثر علی السطوح لتلتقطها الطیور الضعاف.

شاش‌

ناحیة من وراء نهر سیحون متاخمة لبلاد الترك. كانت أكبر ثغر فی وجه الترك، و كانت من أنزه بلاد اللّه و أكثرها خیرا. و كانت عامّة دورهم یجری فیها الماء و كلّها مستترة بالخضرة، فخربت فی زمن السلطان محمّد خوارزمشاه، بسبب اختلاف عساكره و عساكر خطا، فقتل ملوكها و جلا أهلها عنها لعجزه عن ضبطها، فبقیت تلك الدیار و الأنهار و الأشجار و الأزهار خاویة علی عروشها، و ذلك قبل ورود التتر.
ینسب إلیها أبو بكر محمّد بن علیّ بن إسماعیل القفّال الشاشی. كان عالما فقیها ذا تصانیف كثیرة. درس علی أبی العبّاس بن سریج، و هو الذی أنشأ علم المناظرة و أظهر مذهب الشافعی ببلاد ما وراء النهر. و كان أوّل أمره قفّالا، عمل قفلا وزنه دانق مع الفراشة و المفتاح، فتعجّب الناس من حذقه. و اختار مذهب الشافعی و عاد إلی ما وراء النهر، و انتشر فقه الشافعی بما وراء النهر مع غلبة الحنفیة هناك. و كان علّامة فی التفسیر و الفقه و الأدب و الجدل و الأصول.
و بها جبل اسبرة؛ قال الاصطخری: هی جبال یخرج منها النفط، و انّها معدن الفیروزج و الحدید و الصفر و الانك و الذهب. و منها جبل حجارته سود یحترق مثل الفحم، یباع منه وقر أو وقران بدرهم، فإذا احترق اشتدّ بیاض رماده فیستعمل فی تبییض الثیاب، و لا یعرف مثله فی شی‌ء من البلاد، و فی الطبیعة عجائب لا یعلم سرّها إلّا اللّه.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 539

شاطبة

مدینة كبیرة قدیمة فی شرقی الأندلس، یذكر أهلها بالشرّ و الظلم و التعدی؛ قال صفوان بن ادریس المرسی فی وصف شاطبة:
شاطبة الشّرق شرّ دارلیس بسكّانها فلاح
الظّلم عند الوری حرام‌و إنّه عندهم مباح!
ینسب إلیها المقرئ الشاطبی. عمل قصیدة طویلة لأمیّة، و ذكر القراءات فیها و أسماء القرّاء بالحروف المرموزة، و لم یقصّر فی جمیع ذلك و نظمه.

شاشین‌

جزیرة توازی حدّ الأندلس، طولها مسیرة عشرین یوما. و هی كثیرة الخیرات آهلة كثیرة المواشی جدّا، و غنمها بیض كلّها، لا یكاد یوجد بها شاة سوداء. و أهلها أكثر الناس تحلّیا بالذهب، فیكون الوضیع و الشریف یطوّق بالذهب، و لأشرافهم أسورة الذهب فی زنودهم، و ملوكهم یركّبون صفائح الذهب علی دروز الخیاطة من الثیاب.
بها نوع من الصوف فی غایة الحسن، لا یوجد مثلها فی شی‌ء من البلاد؛ قالوا سبب ذلك أن نساءها یدهنّ الصوف بشحم الخنزیر، فیجوّد عملها و لونها أبیض أو فیروزجیّ و انّها فی غایة الحسن.
و بها عجب لیس فی جمیع الدنیا، و هو أن علی شاطئ بحرهم شجرا فربّما انهارت الأجراف و وقعت الشجرة فی البحر، فیضطرب من الأمواج حتی یصیر علیه طخاء أبیض، فلا یزال كذلك و یصیر الطخاء زائدا حتی یصیر فی خلقه بیضة، ثمّ تخطط البیضة علی خلقة طائر فلا یحتبس إلّا رجلاه و منقاره، فإذا أراد اللّه نفخ الروح فیه یخلق ریشه و ینفصل الرجلان و المنقار من العود فیصیر
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 540
طائرا یسعی فی البحر علی سطح الماء، و لا یوجد حیّا أبدا، فإذا مدّ البحر حمله الماء إلی السواحل فیوجد میتا. و هو طائر أسود یشبه الطائر الذی یقال له الغطاسة.
و حكی أحمد بن عمر العذری أن بعض الناس أتی بعود، و قد تخلّق فیه حمل من البیض إلی بعض الملوك، فأمر الملك أن یبنی علیه قبّة شبه قفص و یترك فی الماء، فلم یزل علی الضفة حتی تبرأت الطیور من العود داخل القبّة.

شبلیّة

قریة من كور أسروشنة بما وراء النهر من أعمال بخاری. ینسب إلیها أبو بكر دلف بن جعفر الشبلی الزاهد العارف، أعجوبة الدهر و صاحب الحالات العجیبة؛ كان أبوه حاجب الموفق فورث منه ستّین ألف دینار، فحضر مجلس جبر النسّاج و أنفق ذلك المال علی الفقراء، و ذهب إلی ناحیة دماوند و قال لأهلها:
اجعلونی فی حلّ، فإنی كنت والی بلدكم، و قد فرطت منی فرطات. و حكی أبو علیّ الدقاق انّه كان للشبلی فی بدء أمره مجاهدات شدیدة حتی انّه كان یكتحل بالثلج و الملح حتی لا ینام، و كان فی آخره یقول:
و كم من موضع لوّمت فیه‌لكنت به نكالا فی العشیره
و حكی أن الشبلی سئل عن العارف و المحبّ، فقال: العارف إن تكلّم هلك، و المحبّ إن سكت هلك. ثمّ أنشد:
یا أیّها السّیّد الكریم،حبّك بین الحشا مقیم
یا دافع النّوم عن جفونی‌أنت بما حلّ بی علیم!
و كان بین یدیه مرآة ینظر فیها كلّ ساعة و یقول: بینی و بین اللّه عهد ان ملت عنه عاقبنی، و أنا أنظر كلّ ساعة فی المرآة لأعرف هل اسودّ وجهی أم لا.
و كان إذا اشتدّ به الوجد یقول:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 541 أنت سؤلی و منیتی‌دلّنی كیف حیلتی؟
قد تعشّقت و افتضحت و قامت قیامتی!
محنتی فیك أنّنی‌لا أبالی بمحنتی
یا شفائی من السّقام‌و إن كنت علّتی
تعبی فیك دائم‌فمتی وقت راحتی؟
و حكی انّه كان محبوسا فی المارستان، فدخل علیه جماعة فقال: من أنتم؟
فقالوا: أحبابك جئناك زائرین! فأخذ یرمیهم بالحجارة فأخذوا یهربون فقال:
لو كنتم أحبابی لصبرتم علی بلائی! توفی الشبلی سنة أربع و ثلاثین و ثلاثمائة عن سبع و ثمانین سنة.

شغنسة

مدینة بالأندلس بقرب وادی الحجارة؛ قال العذری: من عجائبها الجبل الذی هو مطلّ علیها، إذا كسر حجره یخرج من كسره زفت أسود شبه القار، و من أراد یجمع منه ما شاء. و لیس للهوامّ بها كثیر فعل.

شلب‌

مدینة بالأندلس بقرب باجة؛ قال العذری: لها بسیط یتّسع و بطائح تنفسح، و بها جبل عظیم منیف كثیر المسارح و المیاه.
من عجائبها ما ذكره خلق لا یحصی عددهم أنّه قلّ أن یری من أهل شلب من لا یقول شعرا و لا یتعانی الأدب، ولو مررت بالحرّاث خلف فدّانه و سألته الشعر لقرض فی ساعته أی معنی اقترحت علیه، و أیّ معنی طلبت منه صحیحا!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 542

شنترة

مدینة بالأندلس بقرب الأشبونة علی ساحل البحر، و علیها ضبابة دائمة لا تنقشع. من عجائبها تفّاحها، فإنّ بها تفّاحا دورة واحدة منها ثلاثة أشبار، و هی الآن بید الفرنج. ملكوها سنة ثلاث و أربعین و خمسمائة.

شنترین‌

مدینة بالأندلس بقرب باجة علی ساحل البحر. أرضها فی غایة الكرم. مبنیّة علی نهر باجة، و للنهر فیض فی بطائحها كفیض النیل بمصر. زرع أهلها علی نداوته فی مواضع فیضه بعد فوات أوان الزرع فی غیرها من البلاد، فیدرك بالعاجل.
و بها یوجد العنبر الجیّد الذی یقذفه البحر إلی ساحله فی بعض الأوقات، یحمل منها إلی سائر البلاد.
و من عجائبها ما ذكر أن دابّة تخرج من البحر هناك و تحتك بحجارة علی ساحل البحر فیسقط منها وبرة علی لون الذهب و لین الخزّ و هی قلیلة عزیزة جدّا فیجمعها الناس و ینسج منها الثیاب فیحجر علیها ملوكهم و لا تنقل من بلادهم إلّا بالخفیة، و تزید قیمة الثوب منها علی ألف دینار لحسنه و عزّته.

شنت مریّة

مدینة قدیمة بالأندلس. و معنی شنت مریة بلغة الفرنج مدینة مریم. و بها كنیسة؛ قال أحمد بن عمر العذری: انّها بناء رفیع و سوار عظیمة من فضّة، لم یر الراؤون مثلها فی طول مفرط و عرض لم یحزم الإنسان بذراعیه واحدة منها.
و بها عین ماء إذا رآها الناظر من البعد لا یشكّ فی أنّها جاریة، فإذا قرب منها و وقع البصر علی منبعها لم یرها جاریة أصلا، فإذا تباعد عنها رآها جاریة!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 543
و هذا أمر مشهور عنها لا یكاد یخفی علی أحد من تلك البلاد أو علی من دخلها، قال عبد اللّه البطلیوسی النحوی یهجوها:
أناخت بنا فی أرض شنت مریّةهواجس ظنّ خان و الظنّ خوّان
رحلنا سوام الحمد عنها لغیرهافلا ماؤها صاد و لا النّبت سعدان

شنقنیرة

أرض بالأندلس من أعمال لورقة. خصّها اللّه تعالی بالبركة و قوّة لم توجد فی غیرها من الأراضی. و هی ما ذكره الغرناطی الأنصاری أنّها حسنة المنظر و المخبر، كثیرة الریع طیّبة المرتع، الحبّة من زرعها تتفرّع إلی ثلاثمائة قصبة، و مسافة هذه الأرض أربعون میلا من قرطاجنة إلی لورقة، یرتفع من المكوك من بذره مائة مكوك. لیست هذه الخاصیّة لشی‌ء من أراضی غیرها.

صغد

كورة بین بخاری و سمرقند، إحدی جنان الدنیا؛ قالوا: جنان الدنیا أربع:
صغد سمرقند، و غوطة دمشق، و شعب بوّان، و أبلّة البصرة. أمّا صغد سمرقند فإنّها قری متّصلة، خلال الأشجار و البساتین، من سمرقند إلی قریب من بخاری، لا یتبیّن القریة حتی یأتیها لا لتحاف الأشجار بها. و هی أطیب أرض اللّه، كثیرة الأشجار متجاوبة الأطیار غزیرة الأنهار، و زادت علی غیرها من الجنان بلطافة الهواء و عذوبة الماء. و لیس بصغد سمرقند مكان إذا علاه الناظر یقع بصره علی صحراء غبراء أو جبال خالیة غیر شجراء.
و إنّها علی واد یمینا و شمالا، و مقدارها فی المسافة خمسة أیّام تشتبك الخضرة و البساتین و الریاض، و قد حفّت بالأنهار الدائم جریها، و الحیاض فی صدور ریاضها، و خضرة الأشجار و الزروع ممتدّة علی حافتی وادیها، من وراء الخضرة من الجوانب المزارع تكتنفها، و من وراء المزارع مراعی سوائمها.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 544
و فی كلّ مدینة و قریة قصورها و قهندزها تلوح فی أوساطها كالثوب الدیباج الأخضر و قد طرّز بمجاری میاهها، و زیّنت بتبییض قصورها. و هی أزكی بلاد اللّه و أحسنها أشجارا و أثمارا، و فی عامة مساكن أهلها البساتین و المیاه الجاریة.
و مساحة الصغد ستة و ثلاثون فرسخا فی ستة و أربعین فرسخا. قصبتها سمرقند.

طراز

مدینة فی أقصی بلاد الشاش ممّا یلی تركستان. و هی حدّ بلاد الإسلام لأنّك إذا جزتها دخلت فی خرقاهات الخرلخیة. و طراز مدینة طیّبة التربة عذبة الماء لطیفة الهواء كثیرة الخیرات، أشبه شی‌ء بالجنّة لأن أهلها فی غایة حسن الصورة لیس فی تلك النواحی أحسن منهم صورة، رجالهم و نساؤهم إلی حدّ یضرب بحسن صورتهم المثل؛ قال أبو الحسن بن زید البیهقی:
ظبی أباح دمی و أسهر ناظری‌من نسل ترك من ظباء طراز
للحسن دیباج علی وجناته‌و عذاره المسكیّ مثل طراز
مع طوق قمریّ و نغمة بلبل‌و جمال طاووس و همّة باز

طرطوشة

مدینة قدیمة بالأندلس بقرب مدینة بلنسیة مشتركة علی نهر ابره. و هی بریة و بحریّة، و هی مدینة داخلة فی مدینة، من عجائب المدینة الداخلة ما حكاه العذری أنّها لا یدخلها جیش أصلا. و ذكر أیضا أن البعوض ما كان یدخلها فیما مضی من الزمان، حتی ان الواقع علی سورها إذا أخرج یده عن السور وقع علیها البعوض، و إذا ضمّها سقط البعوض عنها.
و بها موضع یعرف بمغراوة به نار مستكنّة فی الأرض غیر بادیة للعیون، لكنه یبدو علی الموضع اواد، فمن أراد أن یحقّقه أدخل فی الموضع عودا، فإنّه یحترق فی ساعة و یصیر جمرة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 545
و بها جبل كثیر الخیر و البركة، و هو جبل منیف به جمیع أنواع الثمار، و فی أعلاه مروج كثیرة المیاه و المراعی، و به شجر یشبه خشبه خشب الساج تتّخذ منه الآلات و الظروف.
و بها معدن الكحل الطیب الذی هو غایة و معدن الزجاج. و فی وادیها الحوت الطیب من البوری و الشوری الذی یكون فی الواحد قنطار، و یخرج منه السمور و فیه أرحاء فی الغوارب یكون بیت الرحا فی الغارب، و الدولاب یدور خارج الغارب بالماء، فإن شاء صاحبها ینقل الغارب من موضع إلی موضع. و مثل هذا بالموصل كثیر فی دجلة، و هم یسمّونه الغربة.

طرّكونة

مدینة عظیمة قدیمة بالأندلس، علی شاطی‌ء البحر الشامی بقرب طرطوشة؛ قال العذری: تحت مدینة طرّكونة سرادیب واسعة، و فیها بنیان كثیرة، قال:
حدّثنی شیخ مسنّ یقال له ابن زیدان انّه نزل فی هذه البنیان، فضلّ فیها هو و أصحابه ثلاثة أیّام، فوجد فیها بیوتا مملوءة قمحا و شعیرا من الزمان الأوّل، و قد تغیّر لونها، و لولا ضوء رأوه فی الیوم الثالث ما خرجوا أبدا، و المدینة الآن مع الافرنج.

طلبیرة

مدینة قدیمة بقرب طلیطلة، مبنیة علی قلّة جبل عظیم، من عجائبها عین ینبع منها ماء كثیر، یدور علیه عشرون رحا.

طلیطلة

مدینة كبیرة بالأندلس، من أجلّ مدنها قدرا و أكثرها خیرا، تسمّی مدینة الملوك. و من طیب تربتها و لطافة هوائها تبقی الغلات فی مطامیرها سبعین سنة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 546
لا تتغیّر.
و بها القنطرة العجیبة التی وصفها الواصفون أنّها قوس واحد من أحد طرفی الوادی إلی الطرف الآخر، لم یر علی وجه الأرض قوس قنطرة أعظم منها إلّا قنطرة صور؛ قال محمّد بن عبد الرحیم الغرناطی: بقرب طلیطلة نهر عظیم، بنت الجنّ علی ذلك قنطرة من الصخر عالیة من الجبل إلی الجبل كأنّها قوس قزح، كلّ صخرة منها مثل بیت كبیر، و قد شدّت تلك الحجارة بجذوع من حدید، و أذیب علیه الرصاص الأسود و هی أزج واحد، یتعجّب الناظرون منها لجودة بنائها، و ماء ذلك النهر لا ینقطع أبدا.
و بها حجر المطر، و هو ما أخبر به بعض المغاربة أن بقرب طلیطلة حجرا إذا أراد القوم المطر أقاموه فلا یزال یأتی المطر إلی أن یلقوه. و كلّما أرادوا المطر فعلوا ذلك.
و بها صورة ثورین من حجر صلد؛ قال العذری: ان طارقا لمّا غزا طلیطلة ركب علی الثیران، و كان ذلك الموضع معسكره، فلعلّ ذلك شی‌ء من الطلسمات.
و كان بها بیت الملوك. كلّ من مات من ملوكها ترك تاجه فی ذلك البیت، و كتب علیه عمر صاحبه و مدّة ولایته، و كان بها بیت آخر من ملك من ملوكها قفل علیه قفلا، و وصّی لمن یكون بعده أن لا یفتح ذلك البیت، حتی انتهی الملك إلی رجل اسمه لذریق، دخل البیت الأوّل فوجد فیه أربعة و عشرین تاجا علی عدد ملوكهم، و وجد علی باب البیت الآخر أربعة و عشرین قفلا، ظنّ أن فیه مالا فأراد فتحه فاجتمعت الأساقفة و الشمامسة و عظموا ذلك، و سألوه أن یسلك مسلك الملوك الذین كانوا قبله، فأبی إلّا فتحه، فقالوا له: أیّها الملك، انظر فیما یخطر ببالك من مال تراه فیه لندفعه إلیك و لا تفتحه. فأبی إلّا فتحه.
فلمّا فتحه إذا فی البیت صور العرب علی خیولهم بعمائمهم و نعالهم، و إذا فیه مكتوب: الملك فینا ما دام هذا البیت مقفلا، فإذا فتح فقد ذهب الملك!
فندم لذریق علی فتح الباب، فدخلت العرب بلدهم فی السنة التی فتح فیها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 547
الباب فی أیّام الولید بن عبد الملك. و لمّا فتحوها وجدوا بها مائدة سلیمان بن داود، علیه السلام، من ذهب، فلم یمكن نقلها لعظمها. فأمر الولید أن یضرب منها حلی الكعبة و میزابها ففعل، و ما زالت بید المسلمین إلی أن استولی علیها الفرنج فی شهور سنة سبع و سبعین و أربعمائة، و إلی الآن بیدهم.

غرناطة

مدینة بالأندلس قدیمة بقرب البیرة، من أحسن مدن بلاد الأندلس و أحصنها، و معناها الرمانة بلغة الأندلسیّین، یشقّها نهر یعرف بنهر قلوم، و هو النهر المشهور الذی یلفظ من مجراه برادة الذهب الخالص.
بها جبل الثلج مطلّ علیها، علی ذروته توجد أیّام الصیف صنوف الریاحین و الریاض المونقة، و أجناس الأفاویه و ضروب العقاقیر. و بها شجرة الزیتون التی هی من عجائب الدنیا؛ قال أبو حامد الأندلسی: بقرب غرناطة بالأندلس كنیسة عندها عین ماء و شجرة زیتون، و الناس یقصدونها فی یوم معلوم من السنة، فإذا طلعت الشمس ذلك الیوم أخذت تلك العین بإفاضة الماء، ففاضت ماء كثیرا، و یظهر علی الشجرة زهر الزیتون ثمّ ینعقد زیتونا، و یكبر و یسودّ فی یومه ذلك الیوم، فیأخذ من ذلك الزیتون من قدر علی أخذه، و من ذلك الماء للتداوی.
و قال محمّد بن عبد الرحیم الغرناطی إنّها بغرناطة. و حدّثنی الفقیه سعید بن عبد الرحمن الأندلسی انّها بسقورة. و قال العذری: انّها بلورقة. و القائلون كلّهم أندلسیون، و المواضع المذكورة كلّها من أرض الأندلس، فجاز ان كلّ واحد منهم اضافه إلی موضع قریب منه.

غنجرة

مدینة فی داخل الروم. بها نهر یسمّی المقلوب لأنه آخذ من الجنوب إلی الشمال بخلاف سائر الأنهار. حكی عنها انّه وقعت بها فی سنة اثنتین و أربعین
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 548
و أربعمائة لیلة الاثنین الخامس من آب زلزلة هائلة، و تتابعت إلی الیوم. سقط منها أبنیة كثیرة، و خسف هناك حصن و كنیسة حتی لم یبق لهما أثر، و تبع من ذلك الخسف ماء حارّ كثیر شدید الحرارة، حتی غرق منه سبعون ضیعة، و هرب خلق كثیر من أهل تلك الضیاع إلی رؤوس الجبال، و بقی ذلك الماء علی وجه الأرض تسعة أیّام ثمّ نضب.

فاراب‌

مدینة من بلاد ما وراء النهر. ینسب إلیها الحكیم الأفضل أبو نصر بن طرخان الفارابی، و هو أوّل حكیم نشأ فی الإسلام. فهم كلام أرسطاطالیس و نقله إلی اللغة العربیّة، و قد خصّه اللّه تعالی بمزید فطانة حتی أحكم أنواع الحكمة حتی علم الموسیقی و الكیمیاء، فكان یمشی فی البلاد متنكّرا من خوف الملوك، فإنّهم كانوا یطلبونه، فإذا وصل إلی مدینة و أعجبته تلك المدینة سكنها مدّة، و یشتری بها دارا و بستانا و جواری و عبیدا، فإذا ملّ عنها زوّج الجواری من العبید و وهب الأملاك لهم و فارقها، و لا یرجع إلیها أبدا.
و كان معاصرا للصاحب بن عبّاد، وزیر مجد الدولة بن بویه، و كان الصاحب شدید الطلب له؛ حكی أن الصاحب أو غیره ظفر به ذات مرّة، و قد عرفوه و احترموا جانبه و أبو نصر انبسط معهم، و كان حاذقا بعلم الموسیقی فأخذ فی بعض مجالسهم شیئا من الملاهی، و ضرب ضربا فضحك القوم كلّهم، ثمّ ضرب ضربا فبكی القوم كلّهم، ثمّ ضرب ضربا فنام القوم كلّهم، ثمّ قام و فارقهم و هرب.
و قیل: ان الصاحب بن عبّاد كان بالری، فدخل علیه أبو نصر متنكّرا فما عرفه. و حكی أن أبا نصر كان فی قفل یمشی فی بلاد الشام، فوقع علیهم اللصوص فسلّم إلیهم ماله و خیله فأبوا إلّا قتله، فنزل عن الدابّة و تستّر بالمجن، و كان حاذقا فی الرمی، فقاتل حتی قتل فی سنة أربعین و ثلاثمائة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 549

فبرة

مدینة قدیمة بأرض الأندلس بقرب قرطبة، قال العذری: بها مغارة عجیبة لا یعرف قدرها البتّة یقال لها باب الریاح، إذا وقفت علیه و علقت فیه ثوبا رفعته الریح فی الجوّ. و قال أیضا: إن بعض ملوك بنی أمیّة أمر أن یردم ذلك الغار بالتبن، فحشدوا أهل الناحیة و أمروهم بذلك حتی استوی الردم إلی أعلی الغار، وقعد الناس علی فم الغار فتحرّك بهم الردم و ساخ من ساعته، و نجا الناس. و لم یعلم أین ذهب ذلك التبن، إلّا أنّهم رأوا بعض منابع ذلك الجبل أخرج منه بعض ذلك التبن.

فراغة

مدینة بالأندلس بقرب لاردة. و هی مدینة حسنة البنیان ذات میاه و بساتین كثیرة. و إنّها حسنة المنظر طیبة المخبر. بها سرادیب تحت الأرض كثیرة، و هی عندهم ملجأ من العدوّ إذا طرقهم. و صفتها أنّها بئر ضیّقة الرأس واسعة الأسفل، و فی أسفلها أزقّة كثیرة مختلفة كنافقاء الیربوع، فلا یوصل إلیها من أعلی الأرض و لا یجسر الطالب علی دخولها، و إن انتشر فیها الدخان دخلوا فی الأزقّة و سدّوا أبوابها حتی یرجع الدخان عنهم، و إن طمّوها یكون لها باب آخر خرجوا منه، و تسمّی هذه السرادیب عندهم الفجوج، و یخرج فی عملها الأموال بالوصیة و غیرها. و إن ذلك عندهم من أبواب البرّ.

فرمنتیرة

جزیرة فی البحر المحیط، طولها عشرون میلا و عرضها ثلاثة أمیال، و انّها فی وسط البحر. و هواؤها طیّب و تربتها كریمة و میاه آبارها عذبة. و بها عمارات و مزارع. و لطیب هوائها و تربتها لا یوجد فیها شی‌ء من الهوام أصلا، لأن
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 550
الهوامّ و الحشرات تولدها من العفونات، و لا عفونة بها. و حكی أن بها منبت الزعفران الجیّد الغایة الذی لا یوجد فی موضع خیر منه.

فهمین‌

قلعة بأرض الأندلس بقرب طلیطلة حصینة جدّا. بها بئر شرب أهل القلعة منها، و لم یعرف فیها علق أصلا، فكثر فیها الطین بطول زمان. فاحتاجوا إلی كسحها فأخرجوا منها طینا كثیرا، فكثر ماؤها إلّا انّه تولّد فیها علق كثیر تعذر معه شرب مائها، لأن العلق كان ینشب بحلق شارب الماء، فوجدوا فی وسط الطین المخرج منها علقا من النحاس، فرموه فی البئر فانقطع العلق منها.

قادس‌

جزیرة بقرب الأندلس، طولها اثنا عشر میلا. بها آبار میاهها عذبة، و فیها آثار قدیمة غیّرها الزمان: منها الطلسم المشهور الذی عمل لدفع البربر عن جزیرة الأندلس، و هو ما حكی أن صاحب هذه الجزیرة كان من ملوك الروم قبل الإسلام، و كانت له بنت ذات جمال، فخطبها ملوك تلك النواحی فقالت البنت: لا أتزوّج إلّا بمن یعمل فی جزیرتی طلسما یمنع البربر من دخولها أو یسوق الماء إلیها من البرّ بحیث یدور الرحا علیها! فشرع ملكان أحدهما فی عمل الطلسم و الآخر فی سوق الماء إلیها من البرّ، فقیل لها: بمن تتزوّجین؟ فقالت:
أتزوّج بالسابق منهما!
أمّا صاحب الماء فقد اتّخذ فی وسط البحر بناء محكما، وثقه بالحجارة و الرصاص بحیث لا یشرب شیئا من ماء البحر، و سرّح الماء إلیه من نهر من البرّ حتی وصل إلی جزیرة قادس، و أثره فی البحر إلی الآن ظاهر لكنّه مهدوم بطول المدّة.
و أمّا صاحب الطلسم فقد اتّخذ تمثالا من الحدید مخلوطا بالصفر علی صورة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 551
رجل بربری، له لحیة متلحّف بوشاح و رداء مذهّب قد تعلّق من منكبه إلی أنصاف ساقیه، و قد جمع فضلتیه بیده الیسری منضمة إلی صدره، و یده الیمنی ممدودة بمفتاح قفل فی یده، قابض علیه مشیرا إلی البحر كأنّه یقول: لا عبور! و هو قائم علی رأس بناء عال، طوله نیف و ستون ذراعا، و طول الصورة قدر ستّة أذرع، و ذكر أن البحر الذی تجاه الصورة، و یسمّی الابلایة، لم یر ساكنا و لا تجری فیه السفن بعد ذلك.
و حكی أن صاحب سوق الماء سبق صاحب الطلسم فقال صاحب الجزیرة:
لا تظهروا سبقه حتی لا یبطل علینا عمل الطلسم. فلمّا فرغ الصانع من الطلسم قیل له: قد سبقت! فالقی نفسه من أعلی الموضع الذی علیه الطلسم فمات.
فحصل لصاحب الجزیرة الماء و الطلسم فما زال الأمر علی ذلك. كان البحر مضطربا و الجزیرة محفوظة إلی سنة أربعمائة، فوقع المفتاح من ید الصورة، فحمل إلی صاحب مدینة سبتة فوزنه، فكان فیه ثلاثة أرطال، فسكن البحر حینئذ و عبرت السفن فیه. و ذكر أیضا أن الطلسم هدم فی سنة أربعین و خمسمائة، هدموه رجاء أن یوجد تحته شی‌ء من المال، فلم یوجد شی‌ء فیه.

قالیقلا

مدینة بأرمینیة تنسب إلی امرأة اسمها قالی، فكأنّه قال قالی بنت، كما یقال دارابجرد، و صوّرت صورة نفسها علی باب المدینة.
یجلب منها البسط و الزلالی التی یقال لها قالی. و لأهلها ید باسطة فی صنعتها، و منها تحمل إلی سائر البلاد.
بها بیعة الشعانین؛ قال ابن الفقیه: انّها بیعة للنصاری فیها بیت كبیر مخزن مصاحفهم و صلبانهم، فإذا كانت لیلة الشعانین یفتح باب فی ذلك الموضع معروف، یخرج منه تراب أبیض فلا یزال یخرج لیلته إلی الصباح فینقطع حینئذ، فیأخذه الراهب و یدفعه إلی الناس. و خاصیته دفع السموم و لدغ العقارب و الحیات،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 552
یداف منه وزن دانق فی ماء فیشربه الملسوع فیسكن فی الوقت ألمه.
و فیه أعجوبة أخری، و ذلك انّه ان بیع منه شی‌ء لم ینتفع به صاحبه، و یبطل عمله.

قرطبة

مدینة عظیمة فی وسط بلاد الأندلس. كانت سریر ملك بنی أمیّة، دورتها أربعة عشر میلا و عرضها میلان، علی النهر الأكبر الذی یعرف بوادی الكبیر و علیه جسران.
و مسجدها الجامع من أكبر مساجد الإسلام و أجمعها لمحاسن العمد و البنیان، طوله أربعمائة ذراع و عرضه ثلاثمائة، و عمده و رخام بنیانه بفسیفساء و ذهب، و بحذائه سقایات و حیاض فیها من الماء الرضراض.
و بها كنیسة الأسری، و هی مقصودة معتبرة عند النصاری؛ قال العذری:
إن المسلمین همّوا بفتح قرطبة فأسروا راعیا من رعاتها و سألوه عنها، فذكر أنّها حصینة جدّا إلّا أن فیها ثغرة فوق باب القنطرة. فلمّا جنّهم اللیل ذهبوا إلی تلك الثغرة و دخلوا منها، و جاؤوا إلی باب المدینة الذی یقال له باب القنطرة، و قتلوا الحراس و فتحوا الباب و دخلوا المدینة. فلمّا علم صاحب قرطبة أن المسلمین دخلوا خرج مع وجوه المدینة و تحصّن بهذه الكنیسة، فحاصرهم المسلمون ثلاثة أیّام. فبینا هم كذلك إذ خرج العلج علی فرس أصفر هاربا حتی أتی خندق المدینة، فتبعه أمیر المسلمین و اسمه مغیث. فلمّا رأی مغیثا حرّك فرسه فسقط و اندقّت رقبته فأسره مغیث و رجع إلی بقیّة العلوج فأسرهم و قتلهم، فسمیّت الكنیسة كنیسة الأسری.
و بها جبال معدن الفضّة و معدن الشادنج، و هو حجر یقطع الدم، و معدن حجر التوتیا و معدن الشبوب، و تجلب من قرطبة بغال قیمة واحد منها تبلغ خمسمائة دینار لحسن شكلها و ألوانها، و علوّها و صحّة قوائمها.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 553

قسطلونة

مدینة قدیمة بالأندلس بقرب بسطة. بها جبل فیه غار یتقاطر الماء من أعلاه فی حفیرة تحته لطیفة نقطة نقطة، و یجتمع فی تلك الحفیرة بذوبانها و لا یغیض، فإن شرب من ماء تلك الحفیرة عدد كثیر لم ینقص؛ قال العذری: أخبرنی بهذا جماعة شاهدوها، و هذا أمر شائع مستفیض فی ذلك الموضع؛ قال: و فی هذا الغار میت لا یغیّره طول الأزمنة و لم یعرف له خبر.

قلعة اللّان‌

إنّها قلعة فی غایة الحصانة بأرض اللان علی قلّة جبل. و هی من القلاع الموصوفة بالحصانة، تسمّی باب اللان؛ قالوا: لو أن رجلا واحدا یمنع جمیع ملوك الأرض عنها یصحّ له ذلك، لتعلّقها بالجوّ و عسر الطریق. و لها قنطرة عجیبة البناء عظیمة، و عجبها ممّا یبصر لا ممّا یذكر، فإن اللفظ لا یعطی معنی.
عجبها بناها سندباذ بن كشتاسف بن لهراسف، و القلعة علی صخرة صمّاء بها عین ینبع الماء العذب من الصخرة الصمّاء. بها عجیبان: القنطرة و العین فی وسط القلعة من الصخرة الصمّاء.

قیصریّة

مدینة عظیمة فی بلاد الروم، بناها ملك الروم من الحجارة، و هی كثیرة الأهل عظیمة العمارة، و الآن هی كرسی ملك بنی سلجوق و هم ملوك مسلمون.
بها آثار قدیمة یزورها الناس. و بها موضع یقولون انّه حبیس محمّد بن الحنفیة.
و بها جامع أبی محمّد البطّال، و كان بها حمام بناه بلیناس الحكیم لقیصر ملك الروم من عجائب الدنیا. كان یحمی بسراج.
و بها موضع بین قیصریة و اقصرا یشبه بیدرا مسخ حجرا، فصبرة الحنطة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 554
انقلبت حجرا أحمر، و صبرة التبن انقلبت حجرا أبیض اللون. و حولها تماثیل حجریّة تشبه تماثیل الحیوانات من الإنسان و الهائم، لكنها تغیّرت و فنیت بطول الوقت، و بقرب قیصریة جبل فیه من الحیات ما لا یحصی، إلّا أنّها لا تخرج منه لطلسم عمله الحكماء، فلا یخرج منه شی‌ء البتّة.

كشّ‌

مدینة بقرب سمرقند حصینة. لها قهندز و ربض؛ قال الاصطخری:
مدینة كش ثلاثة فراسخ فی مثلها جرومیة تدرك بها الثمار أسرع من سائر بلاد ماوراء النهر، غیر أنّها و بیئة، و عماراتها حسنة جدّا.
و فی عامة دورها الماء الجاری و البستان. بها شوك الترنجبین یحمل منها إلی البلاد كلّها. و فی جبالها العقاقیر الكثیرة. و منها یرتفع الملح المستحجر.
و من مفاخرها أبو إسحق الكشّیّ المشهور بالجود و الكرم. و من العجائب ما حكی عنه أنّ بعض أصدقائه شكا إلیه سوء حاله و كثرة دیونه، فسأله أبو إسحق عن مقدار دینه و وزن فی الحال و قال: اصرف هذا فی دینك! ثمّ وزن مثلها و قال: اصرف هذا فی مصالحة شأنك! و جعل یعتذر إلیه اعتذار المذنب.
فلمّا ذهب الرجل بكی بكاء شدیدا، فسئل عن بكائه فقال: بكائی علی غفلتی عن حال صدیقی حتی افتقر إلی رفع الحال إلیّ و الوقوف موقف السؤال.

كند

من قری خجند بما وراء النهر، یقال لها كند باذام، و باذام هو اللوز لأن بها لوزا كثیرا. بها اللوز الفریك، و هو لوز عجیب ینقشر إذا فرك بالید.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 555

لبلة

مدینة بالأندلس قدیمة بقرب اشبیلیة، كثیرة الخیرات فائضة البركات، بها آثار قدیمة، بها نهر لهشر، و بهذا النهر ثلاث عیون: إحداها عین لهشر و هی أغزرها ماء و أعذبها، و الثانیة عین الشبّ فإنّها تنبعث بالشبّ، و الثالثة عین الزاج فإنّها تنبعث بالزاج، فإذا غلبت عین ماء لهشر صار الماء عذبا، و إذا غلبت عین الشبّ أو الزاج حال طعم الماء.
قال العذری: سور المدینة قد عقد بناؤه علی تصاویر أربعة: صنم یسمّی دردیا و علیه صنم آخر، و صنم یسمّی مكیخا و علیه صنم آخر. و المدینة مبنیة علی هذه الأصنام و ما علا من البناء موضوع علی أعناقها. و مدینة لبلة انفردت بهذه البنیة علی سائر المدن.
و بها صید البرّ و البحر جمیعا. و یجلب منها العصفر الجید، و العنّاب الذی لا نظیر له فی الآفاق، و یعمل بها الأدیم الجید الذی یحاكی الطائفی.

لشبونة

مدینة بالأندلس قدیمة فی غربی قرطبة قریبة إلی البحر. بها جبال فیها أوكار البزاة الخلّص، و لا تكون فی غیرها. و لعسلها فضل علی كلّ عسل بالأندلس یشبه السكر، إذا لفّ فی خرقة لا یلوثها.
و بها معدن التبر الخالص، و یوجد بساحلها العنبر الفائق، ملكها الفرنج سنة ثلاث و أربعین و خمسمائة، و هی إلی الآن بیدهم.

لورقة

مدینة كبیرة بالأندلس، قاعدة كورة تدمیر. هی أكرم بقاع الأندلس و أكثرها خیرا سیما الفواكه، فإن بها من أصناف الفواكه ما لا یوجد فی غیرها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 556
حسنا و كثرة، سیما الكمثری و الرمان و السفرجل. و من قوّة أرضها ما ذكره العذری أن بها عنبا وزن العنقود منه خمسون رطلا بالبغدادی، و ان الحبّة من الحنطة تصیب هناك مائة حبّة.
و بأرض لورقة یسقی نهر كنیل مصر، یبسط علی الأرض فإذا غاض یزرع علیه، و یبقی طعامها فی المطامیر خمسین سنة و أكثر و لا یتغیّر، و كثیرا ما تصیبها آفة الجراد. و حكی انّه كانت فی بعض كنائسها جرادة من ذهب، و كانت لورقة آمنة من جائحة الجراد، فسرقت تلك الجرادة فظهر الجراد فی ذلك العام، و لم یفقد بعد ذلك. و أیضا لم توجد بها علّة البقر التی تسمّی اللقیس إلی أن وجد فی بعض الأساس ثوران من صفر، أحدهما قدام الآخر، یلتفت إلیه.
فلمّا أخذ من ذلك الموضع وقعت اللقیس فی ذلك العام.
و من عجائبها شجرة زیتونة فی كنیسة فی حومة جبل، فی كلّ سنة فی وقت معلوم تنوّر و تعقد و تسودّ و تطیب فی یوم آخر، و هی مشهورة عرفها الناس؛ حكی العذری أن هذه الشجرة قطعها أصحابها، و هم نصاری، و إنّما فعلوا ذلك لكثرة الواردة علیهم بسببها و تزاحم الناس، فبقیت مقطوعة زمانا ثمّ لقحت بعد ذلك، و هی الآن باقیة؛ كذا ذكره العذری فی شهور سنة خمسین و أربعمائة.
و قال أیضا: أخبرنی إبراهیم بن أحمد الطرطوشی قال: سمعت ملك الروم یقول إنی أرید أن أرسل إلی أمیر المؤمنین بالأندلس هدیة، فإن من أعظم حوائجی عنده انّه صحّ عندی أن فی الفاتحة الكریمة كنیسة، و فی الدار منها زیتونة إذا كانت لیلة المیلاد تورّقت و عقدت و أطعمت من نهارها. اعلم أن لشهیدها محلّا عظیما عند اللّه، فأتضرّع إلی معالیه فی تسلیة أهل تلك الكنیسة و مداراتهم حتی یسمحوا بعظام ذلك الشهید، فإن حصل لی هذا كان أجلّ من كلّ نعمة.
و بها وادی الثمرات؛ ذكر العذری أن هناك أرضا تعرف بوادی الثمرات یرد إلیه ماء واد هناك یسقیه، فینبت التفاح و الكمثری و التین و الزیتون و نحوها سوی شجر التوت من غیر غرس أصل؛ لقد حدّث بذلك جماعة من ثقات الناس.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 557

مالطة

جزیرة بقرب جزیرة الأندلس، عظیمة الخیرات كثیرة البركات، طولها نحو ثلاثین میلا، و هی آهلة و بها مدن و قری و أشجار و أثمار، غزاها الروم بعد الأربعین و الأربعمائة. حاربوهم و طلبوا منهم الأموال و النساء، فاجتمع المسلمون و عدّوا أنفسهم و كان عدد عبیدهم أكثر من عدد الأحرار، فقالوا لعبیدهم:
حاربوا معنا فإن ظفرتم فأنتم أحرار و ما لنا لكم، و إن توانیتم قتلنا و قتلتم! فلمّا وافی الروم حملوا علیهم حملة رجل واحد، و نصرهم اللّه فهزموهم، و قتلوا من الروم خلقا كثیرا، و لحق العبید بالأحرار، و اشتدّت شوكتهم فلم تغزهم الروم بعد ذلك أبدا.
ینسب إلیها ابن السمنطی الشاعر المالطی. كان آیة فی نظم الشعر علی البدیهة؛ قال أبو القاسم بن رمضان المالطی: اتّخذ بعض المهندسین بمالطة لملكها صورة تعرف بها أوقات ساعات النهار، و كانت ترمی بنادق علی الصناج، فقلت لعبد اللّه ابن السمنطی: اجز هذا المصراع: جاریة ترمی الضنج؛ فقال:
بها القلوب تبتهج كأنّ من أحكمها إلی السّماء قد عرج‌و طالع الأفلاك عن سرّ البروج و الدّرج
كأنّه یقرأها من حفظه.

ما وراء النهر

یراد به ما وراء نهر جیحون. من أنزه النواحی و أخصبها و أكثرها خیرا.
و لیس بها موضع خال عن العمارة من مدینة أو قری أو مزارع أو مراع. هواؤها أصحّ الأهویة و میاهها أعذب المیاه و أخفّها، و المیاه العذبة عمّت جمیع جبالها و ضواحیها، و ترابها أطیب الأتربة، و بلادها بخاری و سمرقند و جند و خجند.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 558
و أهلها أهل الخیر و الصلاح فی الدین و العلم و السماحة، فإن الناس فی أكثر ما وراء النهر كأنّهم فی دار واحدة، و ما ینزل أحد بأحد إلّا كأنّه نزل بدار نفسه من غریب و بلدی. و همّة كلّ امری‌ء منهم علی الجود و السماح فیما ملكت یده من غیر سابقة معرفة أو توقع مكافأة.
حكی الاصطخری انّه نزل منزلا بالصغد، فرأی دارا ضربت الأوتاد علی بابها، فقالوا: إن ذلك الباب لم یغلق منذ زیادة علی مائة سنة، و لم یمنع من دخوله و اصل لیلا و لا نهارا! و الغالب علیهم بناء الرباطات و عمارة الطرق، و الوقف علی سبیل الجهاد و أهل العلم، و لیس بها قریة و لا منهل و لا مفازة إلّا و بها من الرباطات ما یفضل عن نزول من طرقه. و قال: بلغنی أن بما وراء النهر أكثر من عشرة آلاف رباط، فی أكثرها إذا نزل الناس به طعام لهم و علف لدوابّهم إن احتاجوا.
و جمیع ما وراء النهر ثغر من حدود خوارزم إلی اسبیجاب، و هناك الترك الغزّیة من اسبیجاب إلی فرغانة الترك الخلخیة، و لم یزل ما وراء النهر علی هذه الصفة إلی أن ملكها خوارزم شاه محمّد بن تكش سنة ستمائة، و طرد الخطاة عنها و قتل ملوك ما وراء النهر المعروفین بالخانیة، و كان فی كلّ قطر ملك یحفظ جانبه، فلمّا استولی علی جمیع النواحی عجز عن ضبطها، فسلّط علیها عساكره حتی نهبوها و أجلی الناس عنها، فبقیت تلك الدیار التی و صفت بالجنان لحسنها خاویة علی عروشها، و میاهها مندفقة معطلة، و قد ورد عقیب ذلك عساكر التتر فی سنة سبع عشرة و ستمائة و خرّبوا بقایاها. و الآن بقی بعض ما كان علیها. فسبحان من لا یعتریه التغیّر و الزوال، و كلّ شی‌ء سواه یتغیّر من حال إلی حال!

مدینة النّحاس‌

و یقال لها أیضا مدینة الصفر. لها قصّة عجیبة مخالفة للعادة جدّا، و لكنی رأیت جماعة كتبوها فی كتب معدودة كتبتها أیضا و مع ذلك فإنّها مدینة
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 559
مشهورة الذكر.
قال ابن الفقیه: ذهب العلماء الأقدمون إلی أن مدینة النحاس بناها ذو القرنین و أودعها كنوزه و طلسمها، فلا یقف علیها أحد، و جعل فی داخلها حجر البهتة و هو مغناطیس الناس، فإن الإنسان إذا وقف حذاءه جذبه كما یجذب المغناطیس الحدید، و لا ینفصل عنه حتی یموت، و انّه فی مفاوز الأندلس.
و لمّا بلغ عبد الملك بن مروان خبر مدینة النحاس و خبر ما فیها من الكنوز، و ان إلی جانبها بحیرة فیها كنوز كثیرة و أموال عظیمة، كتب إلی موسی بن نصیر عامل المغرب، و أمره بالمصیر إلیه و الحرص علی دخولها، و ان یعرفه حالها، و دفع الكتاب إلی طالب بن مدرك، فحمله إلی موسی و هو بالقیروان، فلمّا قرأه تجهز و سار فی ألف فارس نحوها، فلمّا رجع كتب إلی عبد الملك: بسم اللّه الرحمن الرحیم. أصلح اللّه الأمیر صلاحا یبلغ به خیر الدنیا و الآخرة. أخبرك یا أمیر المؤمنین أنی تجهّزت لأربعة أشهر و سرت فی مفاوز الأندلس، و معی ألف رجل، حتی أو غلت فی طرق قد انطمست و مناهل قد اندرست، و عفت فیها الآثار و انقطعت عنها الأخبار، فسرت ثلاثة و أربعین یوما أحاول مدینة لم یر الراؤون مثلها، و لم یسمع السامعون بنظیرها. فلاح لنا بریق شرفها من مسیرة ثلاثة أیّام، فأفزعنا منظرها الهائل و امتلأت قلوبنا رعبا من عظمها و بعد أقطارها. فلمّا قربنا منها إذا أمرها عجیب و منظرها هائل، فنزلنا عند ركنها الشرقی ثمّ وجهت رجلا من أصحابی فی مائة فارس و أمرته أن یدور حول سورها لیعرف بابها، فغاب عنّا یومین ثمّ وافی الیوم الثالث فأخبرنی انّه ما وجد لها بابا و لا رأی إلیها مسلكا، فجمعت أمتعة أصحابی إلی جانب سورها و جعلت بعضها علی بعض لأنظر من یصعد إلیها فیأتینی بخبر ما فیها، فلم تبلغ أمتعتنا ربع الحائط لارتفاعه، فأمرت عند ذلك باتّخاذ السلالم و شدّ بعضها إلی بعض بالحبال، و نصبتها إلی الحائط، و جعلت لمن یصعد إلیها و یأتینی بخبر ما فیها عشرة آلاف درهم، فانتدب لذلك رجل من أصحابی یتسنّم و یقرأ و یتعوّذ. فلمّا صار علی سورها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 560
و أشرف علی ما فیها قهقه ضاحكا و نزل إلیها، فنادیناه أن أخبرنا بما فیها و بما رأیته فلم یجبنا. فجعلت لمن یصعد و یأتینی بخبر ما فیها و خبر الرجل ألف دینار، فانتدب رجل من حمیر و أخذ الدنانیر ثمّ صعد. فلمّا استوی علی السور قهقه ضاحكا ثمّ نزل إلیها، فنادیناه أن أخبرنا بما تری فلم یجبنا. فصعد ثالث و كان حاله مثل حال الرجلین، فامتنع أصحابی بعد ذلك من الصعود، فلمّا أیست عنها رحلت نحو البحیرة و سرت مع سور المدینة، فانتهیت إلی مكان من السور فیه كتابة بالحمیریة فأمرت بانتساخها فكانت:
لیعلم المرء ذو العزّ المنیع و من‌یرجو الخلود و ما حیّ بمخلود!
لو انّ حیّا ینال الخلد فی مهل‌لنال ذاك سلیمان بن داود
سالت له العین عین القطر فائضةفیه عطاء جزیل غیر مصرود
و قال للجنّ أنشوا فیه لی أثرایبقی إلی الحشر لا یبلی و لا یودی
فصیّروه صفاحا ثمّ میل به‌إلی البناء بإحكام و تجوید
و أفرغوا القطر فوق السّور منحدرافصار صلبا شدیدا مثل صیخود
و صبّ فیه كنوز الأرض قاطبةو سوف تظهر یوما غیر محدود
لم یبق من بعدها فی الأرض سابغةحتی تضمّن رمسا بطن أخدود
و صار فی قعر بطن الأرض مضطجعامضمّنا بطوابیق الجلامید
هذا لیعلم أنّ الملك منقطع‌إلّا من اللّه ذی التقوی و ذی الجود
قال: ثمّ سرت حتی وافیت البحیرة عند غروب الشمس، فإذا هی مقدار میل فی میل، كثیرة الأمواج، فإذا رجل قائم فوق الماء فنادیناه: من أنت؟
فقال: أنا رجل من الجنّ! كان سلیمان بن داود حبسه و الذی فی هذه البحیرة.
فأتیته لأنظر ما حاله، قلنا له: فما بالك قائما فوق الماء؟ قال: سمعت صوتا فظننته صوت رجل یأتی هذه البحیرة فی كلّ عام مرّة، و هذا أوان مجیئه، فیصلی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 561
علی شاطئهلا أیّاما، و یهلّل اللّه و یمجّده. قلنا: من تظنّه؟ قال: أظنّه الخضر، علیه السلام. فغاب عنّا فلم ندر كیف أخذ. قال: و كنت أخرجت معی عدة من الغوّاصین فغاصوا فی الماء، فرأوا حبّا من صفر مطبقا رأسه مختوما برصاص، فأمرت به ففتح، فخرج منه رحل من صفر علی فرس بیده رمح مطرد من صفر، فطار فی الهواء و هو یقول: یا نبیّ اللّه لا أعود! ثمّ غاصوا ثانیة و ثالثة فأخرجوا مثل هذا، فضجّوا خوفا من قطع الزاد. فأخذت الطریق التی سلكتها أوّلا حتی عدت إلی قیروان، و الحمد للّه الذی حفظ لأمیر المؤمنین أموره و سلم له جنوده و السلام.
قال: فلمّا قرأ عبد الملك كتاب موسی، و كان عنده الزهری، قال له:
ما تظنّ بأولئك الذین صعدوا السور؟ قال الزهری: یا أمیر المؤمنین لأن لتلك المدینة جنّا قد و كلوا بها! قال: فمن أولئك الذین یخرجون من الحباب و یطیرون؟
قال: أولئك مردة الجنّ الذین حبسهم سلیمان بن داود، علیه السلام، فی البحار؛ هذا ما رواه ابن الفقیه.
و قال أبو حامد الأندلسی: دور مدینة النحاس أربعون فرسخا و علوّ سورها خمسمائة ذراع فیما یقال. و لها كتاب مشهور فی كتابها أن ذا القرنین بناها، و الصحیح أن سلیمان بن داود، علیه السلام، بناها. و لیس لها باب ظاهر و أساسها راسخ، و انّ موسی بن نصیر وصل إلیها فی جنوده، و بنی إلی جانب السور بناء عالیا متّصلا به، و جعل علیه سلّما من الخشب متّصلا بأعلی السور، و ندب إلیه من أعطاه مالا كثیرا. و أن ذلك الرجل لمّا رأی داخل المدینة ضحك و ألقی نفسه فی داخل المدینة، و سمعوا من داخل المدینة أصواتا هائلة، ثمّ ندب إلیه آخر و أعطاه مالا كثیرا و أخذ علیه العهد أن لا یدخل المدینة و یخبرهم بما یری، فلمّا صعد و عاین المدینة ضحك و ألقی نفسه فیها، و سمعوا من داخلها أصواتا هائلة أیضا، ثمّ ندب إلیه رجلا شجاعا و شدّ فی وسطه حبلا قویّا، فلمّا عاین المدینة ألقی نفسه فیها فجذبوه حتی انقطع الرجل من وسطه. فعلم أن
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 562
فی المدینة جنّا یجرّون من علا علی السور فأیسوا منها و تركوها.
و ذكر أبو حامد الأندلسی فی وصف مدینة النحاس قصیدة منها:
و تقبّل الملكوت ربعی حیث مافلك البروج یجرّ فی سجداته
أرض بحیرة التی دانت بهاجنّ الفلا و الطّیر فی غدواته
و الرّیح یحمله الرّخاء فإنّماشهرین مطلعها إلی روحاته
كالطّود مبهمة بأسّ راسخ‌أعیا البریّة من جمیع جهاته
و القطر سال بها فصاغ مدینةعجبا یحار الوهم دون صفاته
حصن النّحاس أحاط من جنباتهاو علی غلوّ السّهم فی غلواته
فیها ذخائره و جلّ كنوزه‌و اللّه یكلأها إلی میقاته
فی الأرض آیات فلا تك منكرافعجائب الأشیاء من آیاته

مراغة

مدینة كبیرة مشهورة من بلاد آذربیجان قصبتها. و هی كثیرة الأهل عظیمة القدر غزیرة الأنهار كثیرة الأشجار وافرة الثمار. بها آثار قدیمة للمجوس و مدارس و خانقاهات حسنة.
حدّثنی بعض أهلها أن بها بستانا یسمّی قیامتاباذ، فرسخ فی فرسخ، و أن أربابه لا یقدرون علی تحصیل ثمرتها من الكثرة، فتتناثر من الأشجار. و بقرب قیامتاباذ جمّة یفور الماء الحارّ عنها، یأتیها أصحاب العاهات یستحمّون بها و تنفعهم. و هی عیون عدّة أكثر ما یأتیها الزمنی و الجربی. فإذا انفصل هذا الماء عن الجمّة، و یجری علی وجه الأرض، یصیر حجرا صلدا.
و خارج المدینة غار یدخله الإنسان، یری فیه شبه البیوت و الغرف، فإذا أمعن یری فیه شیئا صلیبا لا یقرب منه أحد إلّا هلك، یزعمون أنّه طلسم علی كنز، و اللّه أعلم.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 563
و بها جبل زنجقان، و هو جبل بقرب مراغة به عین ماء عذب، یعجن به الدقیق فیربو كثیرا، و یحسن خبزه و الخبّازون یخمّرون أدقّتهم به، و یصیر هذا الماء حجرا ینعقد منه صخور ضخام یستعملها الناس فی أبنیتهم.
و من مفاخرها القاضی صدر الدین المعروف بالجود و الكرم، و فنون الخیرات و صنوف المبرّات، من خیراته سور مدینة قزوین الذی عجز عن مثله أعظم ملوك زماننا، فإنّه بنی أبواب المدینة بالآجرّ فی غایة العلوّ، و بقیّة السور بالطین، و شرفاتها بالآجرّ، و المدینة فی غایة السعة.
و حكی أنّه أراد أن یتّخذ لنفسه قبرا بقرب حجرة رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، فبعث إلی أمیر المدینة و أعلمه ذلك، فشرط أن یبعث إلیه مل‌ء جراب ذهبا. فقال القاضی: ابعث إلیّ الجراب حتی أملأه ذهبا! فلمّا رأی أمیر المدینة كبر همّته و سماحة نفسه بعث إلیه اذن عناق، و مكنه من ذلك. فلمّا توفی دفن فی المدینة، و موضع رأسه قریب من قدم رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم.
و حكی الشیخ نور الدین محمّد بن خالد الجیلی، و كان من الابدال، فی كتاب صنّفه فی كراماته و عجائب حالاته قال: رأیت فوجا من الملائكة لا یدرك عددهم و معهم تحف و هدایا، فسألت: إلی من هذه الهدایا؟ قالوا: إلی قاضی مراغة. قلت: ما هو إلّا عبد مكرم! قالوا: ان هذه له لكرامته رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم.

مربیطر

مدینة بالأندلس بقرب بلنسیة، قال صاحب معجم البلدان: إن فیها الملعب ذا العجائب، لست أعرف كیف یكون ذلك، و ذاك أن الإنسان إذا نزل فیه صعد، و إذا صعد علیه نزل، إن صحّ ذلك فإنّه ذو العجائب جدّا.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 564

المستطیلة

قال أبو القاسم الجهانی: إنّها بلاد بأرض الروم علی ساحل البحر. المطر بها دائم صیفا و شتاء بحیث أهلها لا یقدرون علی دیاس بیادرهم، و إنّما یجمعونها فی السنابل و یفركونها فی بیوتهم. بها بزاة كثیرة عدد الغربان عند غیرهم، لكنها ضعیفة رخوة لا تقدر علی أخذ الدجاج و أمثالها.

المصّیصة

مدینة بأرض الروم علی ساحل جیحان. كانت من ثغور الإسلام، و هی الآن بید أولاد لیون، سمّیت بالمصّیصة بن الروم بن الیقن بن سام بن نوح، علیه السلام؛ قال المهلبی: من خاصیّة هذه المدینة الفراء المصیصیة التی لا یتولّد فیها القمل، و إذا غسلتها لم تتغیّر عن حالها و تحمل إلی سائر البلدان، و ربّما بلغت قیمة الفروة منها ثلاثین دینارا.

ملطیة

مدینة بأرض الروم مشهورة. بها جبل فیه عین؛ حدّثنی بعض التجار أن هذه العین یخرج منها ماء عذب ضارب إلی البیاض، یشربه الإنسان لا یضرّه شیئا، فإذا جری مسافة یسیرة یصیر حجرا صلدا.

موغان‌

ولایة واسعة بها قری و مروج بآذربیجان، علی یمین القاصد من اردبیل إلی تبریز، و هی جروم و آذربیجان كلّها صرود كانت منازل التركمان لسعة رفغها و كثرة عشبها، و الآن اتّخذها التتر مشتاة و جلا عنها تركمانها؛ قال أبو حامد الأندلسی: رأیت بها قلعة عظیمة لها رساتیق كثیرة، و قد هرب عنها أهلها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 565
لكثرة ما بها من الثعابین و الحیّات، و قال: رأیت عند اجتیازی بها شجاعا عظیما ففزعت منه.

میّافارقین‌

مدینة مشهورة بدیار بكر، كانت بها بیعة من عهد المسیح، علیه السلام، و بقی حائطها إلی وقتنا هذا. حكی أن ولایة هذه البلاد كانت لرجل حكیم اسمه مرّوثا من قبل قسطنطین الملك صاحب رومیة الكبری، فمرضت لشابور ذی الأكتاف بنت، و عجز أطباء الفرس عن علاجها، فأشار بعض أصحابه باستدعاء مرّوثا لعلاجها. فبعث إلی قسطنطین یسأله فبعثه إلیه فعالجها مرّوثا، ففرح بذلك شابور و قال له: سل حاجتك! فسأل مرّوثا الهدّنة بینه و بین قسطنطین، فأجابه إلی ذلك، و كان یجری بینهما محاربات شدیدة، و لمّا أراد الانصراف قال له شابور: سل حاجة أخری! فقال: إنّك قتلت خلقا كثیرا من النصاری، فأسألك أن تأمر بجمع عظامهم لی! فأمر له بذلك، فجمعوا من عظام النصاری شیئا كثیرا، فأخذها معه إلی بلاده و أخبر قسطنطین بالهدنة و جمع العظام، فسرّ بذلك و قال له: سل حاجتك! فقال: أرید أن یساعدنی الملك علی بناء موضع فی بلادی. فكتب قسطنطین إلی كلّ من یجاوره المساعدة بالمال و الرجال، فعاد إلی مكانه و بنی مدینة عظیمة، و جعل فی وسط حائط سورها عظام شهداء النصاری التی جمعها من بلاد الفرس، و سمّی المدینة مدور صالا، معناه مدینة الشهداء، و اختار لبنائها وقتا صالحا لا تؤخذ عنوة، و جعل لها ثمانیة أبواب:
منها باب یسمّی باب الشهوة، له خاصیّة فی هیجان الشهوة أو إزالتها، لم یتحقّق عند الناقل و لا ان هذه الخاصیة للدخول أو الخروج. و باب آخر یسمّی باب الفرح و الغم بصورتین منقوشتین علی الحجر. أمّا صورة الفرح فرجل یلعب بیده، و أمّا صورة الغم فرجل قائم علی رأسه صخرة فلا یری بمیّافارقین مغموم إلّا نادرا.
و فی برج یعرف ببرج علیّ بن وهب فی الركن الغربی القبلی فی أعلاه صلیب منقور
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 566
كبیر، یقال إنّه یقابل البیت المقدس، و علی بیعة قمامة بالبیت المقدس صلیب مثله، قیل إن صانعهما واحد، و بنی بیعة فی وسط البلد علی اسم بطرس و بولس، و هی باقیة إلی زماننا فی المحلّة المعروفة بزقاق الیهود، فیها جرن من رخام أسود فیه منطقة الزجاج، فیها دم یوشع بن نون، علیه السلام، و هو شفاء من كلّ داء، و إذا طلی به البرص أزاله، قیل: ان مرّوثا جاء به من رومیة الكبری، أعطاه إیّاه قسطنطین عند عوده.

هرقلة

مدینة عظیمة بالروم، كرسی ملك القیاصرة، بناها هرقل أحد القیاصرة.
غزاها الرشید سنة إحدی و تسعین و مائة. نزل علیها یحاصرها، فإذا رجل خرج من أهلها شاكی السلاح و نادی: یا معشر العرب، لیخرج منكم العشرة و العشرون مبارزة! فلم یخرج إلیه أحد لأنّهم انتظروا إذن الرشید، و كان الرشید نائما، فعاد الرومی إلی حصنه، فلمّا أخبر الرشید بذلك تأسّف و لام خدمه علی تركهم إیقاظه.
فلمّا كان الغد خرج الفارس و أعاد القول فقال الرشید: من له؟ فابتدر جلّة القوّاد، و كان عند الرشید مخلد بن الحسین و إبراهیم الفزاری، قالا: یا أمیر المؤمنین إن قوادك مشهورون بالبأس و النجدة، و من قتل منهم هذا العلج لم یكن فعلا كبیرا، و إن قتله العلج كانت و صمة علی العسكر كبیرة، فإن رأی الأمیر أن یأذن لنا حتی نختار له رجلا فعل. فاستصوب الرشید ذلك، فأشاروا إلی رجل یعرف بابن الجزری، و كان من المتطوّعة، معروف بالتجارب مشهور فی الثغور بالنجدة، فقال له الرشید: أتخرج إلیه؟ فقال: نعم، و أستعین باللّه علیه.
فأدناه الرشید و ودّعه و اتبعه و خرج معه عشرون من المتطوّعة. فقال لهم العلج و هو یعدّهم واحدا واحدا: كان الشرط عشرین و قد ازددتم رجلا، و لكن لا بأس! فنادوه: لیس یخرج إلیك إلّا واحد. فلمّا فصل منهم ابن الجزری
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 567
تأمّله العلج و قال له: أتصدقنی فیما أسألك؟ قال: نعم. قال: باللّه أنت ابن الجزری؟ قال: نعم. فقال: ملأ كفؤ! ثمّ أخذا فی شأنهما حتی طال الأمر بینهما، و كاد الفرسان ینفقان تحتهما، و زجّا برمحیهما و انتضیا بسیفیهما، و قد اشتدّ الحرّ، فلمّا أیس كلّ واحد منهما عن الظفر بصاحبه ولّی ابن الجزری، فدخل المسلمین كآبة و غطغط الكفّار، فاتبعه العلج فتمكّن ابن الجزری منه، فرماه بوهق و استلبه عن ظهر فرسه ثمّ عطف علیه، فما وصل إلی الأرض حتی فارقه رأسه، فكبّر المسلمون تكبیرا و انخذل المشركون و بادروا إلی الحصن، و أغلقوا الأبواب، فصبّت الأموال علی ابن الجزری فلم یقبل منها شیئا، و سأل أن یعفی و یترك بمكانه. و أقام الرشید علیها حتی استخلصها و سبی أهلها و خربها، و بعث فیسقوس الجزیة عن رأسه أربعة دنانیر، و عن كلّ واحد من البطارقة دینارین.

هزار اسب‌

مدینة كبیرة و قلعة حصینة بأرض خوارزم. الماء محیط بها و هی كالجزیرة لیس إلیها إلّا طریق واحد.
تنسب إلیها رحمة بنت إبراهیم الهزار اسبیة المشهورة بأنّها ما تناولت ثلاثین سنة طعاما. و حكی أبو العباس عیسی المروزی أنّها إذا شمّت رائحة الطعام تأذّت، و ذكرت أن بطنها لا صق بظهرها، فأخذت كیسا فیه حبّ القطن، و شدّته علی بطنها لئلّا یقصف ظهرها. و بقیت إلی سنة ثمان و ستین و مائتین.

وادی الحجارة

ناحیة بقرب طلیطلة؛ قال العذری: لا یدخلها أحد من غیر أهلها بصبی ابنا له و یعیش فیها، هذا قول العذری. و جاز أن یكون مراده أن الصبی لا یعیش و جاز أن یكون مراده أن الأب لا یعیش، و اللّه أعلم بصحة ذلك.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 568

وشلة

قریة بآذربیجان من قری خویّ. بها عین من شرب من مائها یسهل فی الحال جمیع ما فی بطنه، حتی لو تناول شیئا من الحبوب و شرب من ذلك الماء علیه یخرج فی الحال.

والوطة

مدینة بجزیرة میورقة، كبیرة حصینة طیبة الأرض، رخیصة الأسعار.
بها میاه غزیرة و أشجار كثیرة؛ قال العذری: بها أرحیة عجیبة و ذاك أن المیاه إذا قلّت لا تدیر الرحا، فعمدوا إلی عود غلظ دورته نحو عشرة أشبار، و طوله سبعة أذرع، و شقّوه بنصفین و یحفرون وسط الشقّین إلّا نصف ذراع من آخره، و یضمّون أحدهما إلی الآخر، و یفتحون فی آخره كوّة مقدار حافر حمار ثمّ ینصبونه علی الساقیة، و یقومونه علی الدولاب، فیخرج الماء من الثقبة التی فی العود بالقوّة، و یضرب أمشاط الدولاب و یدوّر الرحا.
و بقرب والوطة فتق كأنّه بئر ینزل الناس فیه بالمصابیح إلی أسفله، فیجدون فیه ساقیة ماء و بعدها ظلمة تأخذ بالنفس و لا یبقی فیها المصباح، و إذا ألقی فی تلك الساقیة شی‌ء یخرج إلی البحر و یوجد فیه.

یاسی جمن‌

موضع بین خلاط و ارزن الروم. به عین یفور منها الماء فورانا شدیدا، یسمع صوته من بعید، و إذا دنا منه شی‌ء من الحیوان یموت فی الحال، فیری حولها من الطیور و الوحوش الموتی ما شاء اللّه. و قد وكلوا بها من یمنع الغریب من الدنوّ منها.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 569

یونان‌

موضع كان بأرض الروم. به مدن و قری كثیرة، و إنّها منشأ الحكماء الیونانیّین، و الآن استولی علیها الماء. من عجائبها أن من حفظ شیئا فی تلك الأرض لا ینساه أو یبقی معه زمانا طویلا. و حكی التجار أنّهم إذا ركبوا البحر و وصلوا إلی ذلك الموضع یذكرون ما غاب عنهم. و لهذا نشأ بهذه الأرض الحكماء الفضلاء الذین لم یوجد أمتالهم فی أرض أخری إلّا نادرا.
ینسب إلیها سقراط أستاذ أفلاطون، و كان حكیما زاهدا فی الدنیا و نعیمها راغبا فی الآخرة و سعادتها. دعا الناس إلی ذلك فأجابه جمع من أولاد الملوك و أكابر الناس، فاجتمعوا علیه یأخذون منه غرائب حكمته و نوادر كلامه. فحسده جمع فاتّهموه بمحبّة الصبیان، و ذكروا أنّه یتهاون بعبادة الأصنام، و یدعو الناس إلی ذلك، وسعوا به إلی الملك و شهد علیه جمع بالزور عند قاضیهم، و حكم قاضیهم علیه بالقتل فحبس، و عنده فی الحبس سبعون فیلسوفا من موافق و مخالف یناظرونه فی بقاء النفس بعد مفارقة البدن، فصحّح رأیه فی بقاء النفس. فقالوا له: هل لك أن نخلّصك عن القتل بفداء أو هرب؟ فقال: أخاف أن یقال لی لم هربت من حكمنا یا سقراط؟ فقالوا: تقول لأنی كنت مظلوما! فقال:
أرأیتم أن یقال ان ظلّمك القاضی و العدول فكان من الواجب أن تظلمنا و تفرّ من حكمنا، فماذا یكون جوابی؟ و ذاك أن القوم كان فی شریعتهم أنّه إذا حكم عدلان علی واحد یجب علیه الانقیاد و ان كان مظلوما، فلذلك انقاد سقراط للقتل، فازمعوا علی قتله بالسمّ. فلمّا تناول السمّ لیشربه بكی من حوله من الحكماء حزنا علی مفارقته. قال: إنی و إن كنت أفارقكم إخوانا فضلاء فها أنا ذاهب إلی إخوان كرم حكماء فضلاء! و شرب السمّ و قضی نحبه.
و ینسب إلیها أفلاطون أستاذ أرسطاطالیس، فكان حكیما زاهدا فی الدنیا و یقول بالتناسخ. فوقع فی زمانه و باء أهلك من الناس خلقا كثیرا، فتضرّعوا إلی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 570
اللّه تعالی من كثرة الموت و سألوا نبیّهم، و كان من أنبیاء بنی إسرائیل، عن سبب ذلك، فأوحی اللّه تعالی إلیه أنّهم متی ضعّفوا مذبحا لهم علی شكل المكعب ارتفع عنهم الوباء، فأظهروا مذبحا آخر بجنبه و أضافوه إلی المذبح الأوّل فزاد الوباء.
فعادوا إلی النبیّ، علیه السلام، فأوحی اللّه تعالی إلیه أنّهم ما ضعّفوا بل قرنوا به مثله، و لیس هذا تضعیف المكعب. فاستعانوا بأفلاطون فقال: إنّكم كنتم تردّون الحكمة و تمتنعون عن الحكمة و الهندسة فأبلاكم اللّه تعالی بالوباء عقوبة، لتعلموا أن العلوم الحكمیة و الهندسیّة عند اللّه بمكانة. ثمّ لقن أصحابه انّكم متی أمكنكم استخراج خطّین من خطّین علی نسبة متوالیة توصّلتم إلی تضعیف المذبح، فإنّه لا حیلة فیه دون استخراج ذلك، فتعلّموا استخراج ذلك فارتفع الوباء عنهم.
فلمّا تبیّن للناس من أمر الحكمة هذه الأعجوبة تلمذ لأفلاطون خلق كثیر، منهم أرسطاطالیس، و استخلفه علی كرسی الحكمة بعده، و كان أفلاطون تاركا للدنیا لا یحتمل منه أحد و لا یعلم الحكمة إلّا من كان ذا فطانة و نفس خیّرة، و التلمیذ یأخذ منه الحكمة قائما لاحترام الحكمة.
و حكی أن الإسكندر ذهب إلیه و كان أفلاطون أستاذ أستاذه، فوقف إلیه و هو فی مشرقة قد أسند ظهره إلی جدار یأوی إلیه، فقال له الإسكندر: هل من حاجة؟ فقال: حاجتی أن تزیل عنی ظلّك فقد منعتنی الوقوف فی الشمس! فدعا له بذهب و كسوة فاخرة من الدیباج و القصب، فقال: لیس بأفلاطون حاجة إلی حجارة الأرض و هشیم النبات و لعاب الدود، و إنّما حاجته إلی شی‌ء یكون معه أینما توجّه.
و ینسب إلیها أرسطاطالیس، و یقال له المعلّم الأوّل، لأنّه نقّح علم الحكمة و أسقط سخیفها و قرّر إثبات المدّعی و طریق التوجیه، و كانوا قبله یأخذون الحكمة تقلیدا. و وضع علم المنطق و خالف أستاذه أفلاطون و أبطل التناسخ، قیل له: كیف خالفت الأستاذ؟ فقال: الأستاذ صدیقی و الحقّ أیضا صدیقی،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 571
لكن الحقّ أحبّ إلیّ من الأستاذ.
و كان أستاذ الإسكندر و وزیره فأخذ الإسكندر برأیه الأرض كلّها. حكی أن أرسطاطالیس سئل: لم حركة الإقبال بطیئة و حركة الإدبار سریعة؟ فقال:
لأن المقبل مصعد، و الصعود یكون من مرقاة إلی مرقاة، و المدبر كالمقذوف من علو إلی سفل.
و حكی الحكیم الفاضل أبو الفتح یحیی السهروردی الملقّب بشهاب الدین فی بعض تصانیفه: بینا أنا بین النائم و الیقظان رأیت فی نور شعشعانی بمثل إنسانی، فإذا هو المعلّم، فسألته عن فلان و فلان من الحكماء فأعرض عنی، فسألته عن سهل بن عبد اللّه التستری و أمثاله فقال: أولئك هم الفلاسفة حقّا، نطقوا بما نطقنا فلهم زلفی و حسن مآب!
و حكی أن الإسكندر قال لأرسطاطالیس: قد ورد الخبر بفتح المدینة التی أنت منها فماذا تری؟ قال أرسطاطالیس: أری أن لا یبقی علی واحد منهم كیلا یرجع أحد یخالفك! فقال الإسكندر: أمرت أن لا یؤذی أحد فیها احتراما لجانبك. فكلام الوزیر عجب و كلام الملك أعجب منه.
و ینسب إلیها دیوجانس، و كان حكیما تاركا للدنیا، مفارقا لشهواتها و لذّاتها، مختارا للعزلة و لا یرضی باحتمال منه من أحد، حكی أنّه كان نائما فی بستان فی ظلّ شجرة، فدخل علیه بعض الملوك فركله برجله و قال له: قد ورد الخبر بفتح بلدتك! فقال: أیّها الملك فتح البلاد عادة الملوك، لكن الركل من طباع الدوابّ! و حكی أنّه رأی صیّادا یكلّم امرأة حسناء فقال له: أیّها الصیّاد، احذر أن تصاد! و حكی أنّه رأی امرأة حسناء خرجت للنظارة یوم عید فقال:
هذه ما خرجت لتری إنّما خرجت لتری! و حكی انّه رأی رجلا مع ابنه، و الابن شدید الشبه بأبیه، فقال للصبی: نعم الشاهد أنت لأمّك! و حكی انّه نظر إلی شابّ حسن الصورة قبیح السیرة فقال: بیت حسن فیه ساكن قبیح!
و ینسب إلیها بطلیموس صاحب العلم المجسطی الذی عرف حركات الأفلاك
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 572
و سیر الكواكب بالبراهین الهندسیّة، فذكر أن بعض الأفلاك یتحرّك من المغرب إلی المشرق، و بعضها من المشرق إلی المغرب، و بعضها سریع الحركة، و بعضها بطی‌ء الحركة، و بعضها یدور رحویة، و بعضها یدور دولابیة، و بعضها یدور حمائلیة. و ان حركات الكواكب تابعة لحركات أفلاكها، و من الأفلاك بعضها محیطة بكرة الأرض و بعضها غیر محیطة، و بعضها مركزها مركز الأرض و بعضها مركز خارج من مركز الأرض. و أقام علی ذلك كلّه البراهین الهندسیّة و مسح الأفلاك برجا برجا، و درجة درجة، و ثانیة ثانیة حتی یقول: فی یوم كذا و فی ساعة كذا یكون الكسوف أو الخسوف، و یقع كما قال. و أعجب من هذا أنّه یبیّن بالبراهین الهندسیّة أن ما بین السماء و الأرض من المسافة كم یكون میلا، و أن كلّ فلك من الأفلاك تحتها كم یكون میلا، و دورتها كم تكون میلا، و قطرها كم یكون میلا. و من أعجب الأشیاء وضع الاصطرلاب و التقویم.
فسبحان من علّم الإنسان ما لم یعلم!
و ینسب إلیها بطلمیوس صاحب الأحكام النجومیّة. یزعم أنّه حصل له بالتجربة مرّة بعد أخری وقوع الحوادث بحركات الأفلاك و سیر الكواكب، و لیس علی ذلك برهان كما فی المجسطی، لكن هو یزعم غلبة الظن، و أنّه موقوف علی مقدمات و شرائط كثیرة قلّما تحصل لأحد فی زماننا. و من أراد شیئا من ذلك فلینظر فی أحكام جاماسب وزیر كشتاسف، ملك الفرس، فإنّه كان قبل مبعث موسی، علیه السلام، و حكم بمبعث موسی و عیسی و نبیّنا، علیه السلام، و بإزالة الملّة المجوسیّة و خروج الترك، و أمثال ذلك من الحوادث الكثیرة.
و ینسب إلیها بلیناس صاحب الطلسمات. و إنّها مأخوذة من أجرام سماویة و أجرام أرضیّة فی أوقات مخصوصة، و كتابنا هذا كثیر فیه من ذكر الطلسمات.
و ینسب إلیها فیثاغورس صاحب علم الموسیقی. زعموا أنّه وضع الألحان علی أصوات حركات الفلك بذكائه و صفاء جوهر نفسه. استخرج أصول النغمات و هو أوّل من تكلّم فی هذا العلم، و فائدته أن المریض الذی عدم نومه أو قراره
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 573
یلهی بهذه الأصوات، فربّما یأتیه النوم أو یخفّ عنه بعض ما به بسبب اشتغاله بسماع تلك الأصوات، و كذلك الحزین الذی یغلب علیه الحزن یشغل بشی‌ء من هذه الألحان، فیخفّ علیه بعض ما به.
و ینسب إلیها اقلیمون، و هو صاحب الفراسة، و الفراسة هی الاستدلال بالأمور الظاهرة علی الأمور الخفیّة، و إنّها كثیرة تظهر للإنسان علی قدر ذكائه كما قال تعالی: إن فی ذلك لآیات للمتوسّمین. فإنّك إذا رأیت إنسانا مصفرّ اللون تری أنّه مریض، فإن لم تجد آثار المرض تعلم انّه خائف. و إذا رأیت رجلا كبیر الرأس تعلم انّه بلید تشبیها بالحمار، و إذا رأیت رجلا عریض الصدر دقیق الخصر تعلم أنّه شجاع لأنّه شبیه بالأسد. و من هذا الطریق و هذا علم منسوب إلی الحكیم اقلیمون.
و ینسب إلیها أوقلیدس واضع الأشكال الهندسیّة و البراهین الیقینیّة، و المقالات العجیبة و الأشكال الموقوفة. بعضها علی بعض علی وجه لا یفهم الثانی ما لم یفهم الأوّل، و لا الثالث ما لم یفهم الثانی، و علی هذا الترتیب فلا یستعدّ لهذا الفن من العلوم إلّا كلّ ذی فطانة و ذكاء، فإنّه من العلوم الدقیقة.
و ینسب إلیها أرشمیدس واضع علم أعداد الوفق علی وجه عجیب، و هو أن یخرج شكلا جمیع أضلاعه متساویة طولا و عرضا و أقطاره كذلك، و یكون جمیع سطوره متساویة بالعدد. زعموا أن لهذه الأشكال خواص إذا ضربت فی أوقات معیّنة. و أمّا شكل ثلاثة فی ثلاثة فمجرب لسهولة الولادة، و هو أوّل الأشكال و آخرها ألف فی ألف. قال أیضا مجرب لظفر العسكر إذا كان ذلك علی رایتهم.
و ینسب إلیها بقراط صاحب الأقوال الكلیّة فی قوانین الطبّ، لأن تجربته دلّت علی ذلك، و الذی اختاره من القواعد فی غایة الحسن قلّما ینتقض شی‌ء منه.
و كان خبیرا بعلم الطب بكلیاته و جزئیاته.
و ینسب إلیها جالینوس صاحب علم الطب و المعالجات العجیبة بذكاء نفسه
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 574
و ألقی إلیه فی نومه. حكی أنّه رأی طیرا سقط من الجوّ یضرب بجناحیه ثمّ أخذ شیئا من الماء فی منقاره، و صبّ ذلك فی منفذ ذرقه فانفصل منه ذرقه و طار، فوضع الحقنة علی ذلك عندما یكون الاحتباس فی الامعاء. و حكی انّه كان علی إصبعه جرح، بقی مدّة لم یقبل المعالجة، فرأی فی نومه أن علاجه فصد عرق تحت كتفه من الجانب المخالف، ففعل ذلك فعوفی. و حكی أنّه قیل لجالینوس:
كیف خرجت علی أقرانك بوفور العلم؟ فقال: لأن ما أنفق أولئك فی الخمر أنا أنفقت فی الزیت.
و حكی أنّه أصابه فی آخر غمره إسهال شدید فقیل له: كیف عجزت عن حبس هذه و أنت أنت؟ فدعا بطشت ملأه ماء فرمی فیه دواء انعقد الماء فیه فقال: أقدر علی حبس الماء فی الطشت، و ما أقدر علی حبس بطنی، لتعلموا أن العلم و التجربة لا ینفعان مع قضاء اللّه تعالی! قال الشاعر:
أرسطو مات مدفوقا ضئیلاو أفلاطون مفلوجا ضعیفا
مضی بقراط مسلولا ضعیفاو جالینوس مبطونا نحیفا
هؤلاء فضلاء الناس، ماتوا أسوأ میتة، لتعلموا أنه هو القاهر فوق عباده.
و اللّه الموفق.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 575

الاقلیم السادس‌

اشارة

أوّله حیث یكون الظلّ نصف النهار عند الاستواء سبعة أقدام و ستّة أعشار و سدس عشر قدم، و یفضل ظلّ آخره علی أوّله بقدم واحد فقط. و یبتدی‌ء من مساكن ترك المشرق من قانی و تون و خرخیز و كیماك و التغزغز و أرض التركمان و بلاد الخزر و اللان و السریر، یمرّ علی القسطنطینیّة و الرومیة الكبری، و بلاد المان و افرنجة و شمال الأندلس، حتی ینتهی إلی بحر المغرب. و أطول نهار هؤلاء فی أوّل الإقلیم خمس عشرة ساعة و نصف، و آخره خمس عشرة ساعة و نصف و ربع. و طوله فی وسطه من المشرق إلی المغرب سبعة آلاف میل و مائة و خمسة و سبعون میلا، و ثلاث و ستّون دقیقة. و عرضه مائتا میل و خمسة عشر میلا و تسع و ثلاثون دقیقة. و تكسیره ألف ألف میل و ستّة و أربعون ألف میل و عشرون میلا، و كذا دقائق، و لنذكر شیئا من أحوال المدن الواقعة فیه مرتبة علی حروف المعجم. و اللّه الموفق.

أبولدة

مدینة بأرض الفرنج عظیمة مبنیة بالحجارة. لا یسكنها إلّا الرهبان و لا تدخلها امرأة لأنّه أوصی شهیدها بذلك، و اسم شهیدها باج الب، زعموا أنّه كان أسقفا بافرنجة، فتشاجر أهلها و أتی هذا الموضع، و بنی هذه المدینة. و هی كنیسة عظیمة معتبرة عند النصاری؛ حكی الطرطوشی قال: ما رأیت فی جمیع بلاد النصاری أعظم منها و لا أكثر ذهبا و فضّة. و أكثر أوانیها كالمجامر و الكؤوس و الأباریق و القصاع من الذهب و الفضّة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 576
و بها صنم من فضّة علی صورة شهیدها، وجهه إلی المغرب، و بها صنم آخر من ذهب وزنه ثلاثمائة رطل، ملصق ظهره بلوح واسع عریض جدّا، قد كلّل بالیاقوت و الزمّرد، و هو مفتوح الیدین علی شكل المصلوب، و هو صورة المسیح، علیه السلام. و بها من صلبان الذهب و الفضّة و ألواح الآثار كلّها من الذهب و الفضّة قد كلّل بالیاقوت.

اشت‌

مدینة بأرض الإفرنج، حكی العذری أن بهذه المدینة عادة عجیبة، و هی أن أهلها إذا اشتروا متاعا كتبوا ثمنه علیه و تركوه فی دكانهم، فمن وافقه بذلك الثمن أخذه و ترك ثمنه مكانه. و لحوانیتهم حرّاس، فمن ضاع منه شی‌ء غرّموا الحارس قیمته.

أفرنجة

أرض واسعة فی آخر غربی الإقلیم السادس. ذكر المسعودی أن بها نحو مائة و خمسین مدینة. قاعدتها باریس. و إن طولها مسیرة شهر و عرضها أكثر، و إنّها غیر خصبة لكونها ردیئة المحرث قلیلة الكرم معدومة الشجر. و أهلها الإفرنج و هم نصاری، أهل حرب فی البرّ و البحر، و لهم صبر و شدّة فی حروبهم لا یرون الفرار أصلا، لأن القتل عندهم أسهل من الهزیمة، و معاشهم علی التجارات و الصناعات.

افش‌

مدینة فی بلاد الإفرنج مبنیة بالصخور المهندمة علی طرف نهر یسمّی نهر افش. بها جمّة غزیرة الماء جدّا. علیها بیت واسع الفضاء یستحمّ فیه أهلها علی بعد من الجمّة، خوفا من شدّة سخونة الماء الذی یفور من الجمّة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 577

انطرحت‌

مدینة بأرض الفرنج عظیمة واسعة الرقعة. أرضها سبخة لا یصلح فیها شی‌ء من الزروع و الغراس، و معاشهم من المواشی و درّها و أصوافها. و لیس ببلادهم حطب یشعلونه بحاجاتهم، و إنّما عندهم طین یقوم مقام الحطب، و ذاك أنّهم یعمدون فی الصیف إذا خفّت المیاه إلی مروجهم، و یقطعون فیها الطین بالفؤوس علی شكل الطوب، فیقطع كلّ رجل منها مقدار حاجته و یبسطه فی الشمس ینشف، فیكون خفیفا جدّا، فإذا عرض علی النار یشتعل، و تأخذ فیه النار كما تأخذ فی الحطب. و له نار عظیمة ذات و هج عظیم كنار كیر الزجّاجین، و إذا احترقت قطاعة لا جمر لها بل لها رماد.

ایرلاندة

جزیرة فی شمالی الإقلیم السادس و غربیه؛ قال العذری: لیس للمجوس قاعدة إلّا هذه الجزیرة فی جمیع الدنیا، و دورها ألف میل، و أهلها علی رسم المجوس و زیّهم، یلبسون برانس قیمة الواحد منها مائة دینار. و أمّا أشرافهم فیلبسون برانس مكلّلة باللآلی‌ء.
و حكی أن فی سواحلها یصیدون فراخ الأبلینة، و هو نون عظیم جدّا، یصیدون أجراءها یتأدّمون بها. و ذكروا ان هذه الأجراء تتولّد فی شهر أیلول فتصاد فی تشرین الأوّل و الثانی و كانون الأوّل و الثانی، فی هذه الأشهر الأربعة، و بعد ذلك یصلب لحمها فلا یصلح للأكل.
أمّا كیفیّة صیدها فقد ذكر العذری أن الصیّادین یجتمعون فی مراكب، و معهم نشیل كبیر من حدید ذو أضراس حداد، و فی النشیل حلقة عظیمة قویّة، و فی الحلقة حبل قویّ، فإذا ظفروا بالجرو صفّقوا بأیدیهم و صوّتوا، فیتلهّی الجرو بالتصفیق و یقرب من المراكب مستأنسا بها، فینضمّ أحد الملّاحین إلیها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 578
و یحكّ جبهته حكّا شدیدا، فیستلذّ الجرو بذلك، همّ یضع النشیل وسط رأسه و یأخذ مطرقة من حدید قویّة، و یضرب بها علی النشیل بأتمّ قوّة ثلاث ضربات، فلا یحسّ بالضربة الأولی و بالثانیة، و الثالثة یضطرب اضطرابا شدیدا، فربّما صادف بذنبه شیئا من المراكب فیعطبها، و لا یزال یضطرب حتی یأخذه اللغوب.
ثمّ یتعاون ركاب المراكب علی جذبه حتی یصیر إلی الساحل. و ربّما أحسّت أمّ الجرو باضطرابه فتتبعهم، فیستعدّون بالثوم الكثیر المدقوق و یخوّضون به الماء، فإذا شمّت رائحة الثوم استبعثتها و رجعت القهقری إلی خلف، ثمّ یقطعون لحم الجرو و یملّحونه. و لحمه أبیض كالثلج و جلده أسود كالنقس.

باكویه‌

مدینة بنواحی دربند بقرب شروان. بها عین نفط عظیمة تبلغ قبالتها فی كلّ یوم ألف درهم، و إلی جانبها عین أخری تسیل بنفط أبیض كدهن الزئبق، لا تنقطع نهارا و لا لیلا، تبلغ قبالتها مثل الأولی.
من عجائبها ما ذكر أبو حامد الأندلسی أن بها أرضا لیس فی ترابها حرارة كثیرة یجدها الإنسان، و الناس یصیدون الغزلان و غیرها و یقطعون لحمها و یجعلونه فی جلودها مع الملح و ما شاؤوا من الأبازیر، و یأخذون أنبوبة من القصب الغلیظ النافذ، و یشدّون القصب علی جلد الصید و یدفنونه تحت ذلك التراب، و یتركون القصب خارجا فتخرج مائیة اللحم كلّها من القصبة، فإذا نفدت المائیة علموا أن اللحم قد نضج فیخرجونه و قد تهرّأ.
و حكی بعض التجّار انّه رأی بها نارا لا تزال تضطرم و لا تنطفی‌ء لأن موضعها معدن الكبریت. و حكی أبو حامد الأندلسی أن بقرب باكویه جبلا أسود فی سنامه شقّ طویل، یخرج منه الماء و یخرج مع ذلك الماء مثل صناج الدانق من النحاس و أكبر أو أصغر، یحملها الناس إلی الآفاق للتعجّب.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 579

بانی و أریشة

مدینتان بأرض الفرنج، سمّیتا باسم بانیهما: أمّا بانی فاسم ملك تلك الناحیة فی قدیم الدهر، و أریشة اسم زوجته. أمّا مدینة البانی فمدینة شریفة فی وسطها ساریة من رخام، و علی تلك الساریة صورة بانی كأنّه ینظر إلی البحر إلی إقبال مراكبه من إفریقیة. و علی میل من مدینة بانی مدینة أریشة، و فی وسط المدینة ساریة من رخام علیها صورة أریشة، صوّر جمیعا من رخام تذكرة لهما، و سمّیت المدینتان باسمیهما. و اللّه الموفق.

برذیل‌

مدینة بناحیة افرنجة كثیرة المیاه و الأشجار و الفواكه و الحبوب. أكثر أهلها نصاری. بها بنیان منیفة علی سوار عظیمة، و فی سواحل هذه المدینة یوجد العنبر الجیّد. و حكی أنّهم إذا أصابهم كلب الشتاء و امتنع علیهم ركوب البحر، مشوا إلی جزیرة بقربهم یقال لها انواطی، بها نوع من الشجر یسمّی مادقة، فإذا أصابهم الجوع قشروا هذه الشجرة فوجدوا بین لحائها و خشبها شیئا أبیض فاقتاتوا بها الشهر و الشهرین و أكثر حتی یطیب الهواء.
بها جبل مشرف علیها و علی البحر المحیط و علیه صنم، و ذلك كأنّه یخبر الناس بترك التعرّض لسلوك البحر المحیط، لئلّا یطمع أحد ممّن خرج من برذیل بركوب البحر الذی عنده طمع فی سلوكه.

برطاس‌

ولایة واسعة بالخزر مفترشة علی نهر اتل، أهلها مسلمون، لهم لغة مغایرة لجمیع اللغات، أبنیئهم من الخشب یأوون إلیها فی الشتاء، و أمّا فی الصیف فیفرشون فی الخرقاهات.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 580
بها نوع من الثعالب فی غایة الحسن، كثیر الوبر أحمر اللون، جلودها الفراء البرطاسیّة. و اللیل عندهم قلیل فی الصیف یكون مقدار ساعة، لأن السائر لا یتهیّأ له أن یسیر فیه أكثر من فرسخ.

بلاد بجناك‌

هم قوم من الترك فی الإقلیم السادس فی شمالیه قرب الصقالبة. و هم قوم طوال اللحی اولو اسبلة طویلة. عندهم كثرة و قوّة و منعة، لا یؤدّون الخراج إلی أحد أصلا، و یغیر بعضهم علی بعض كالسباع، و یفترشون نساءهم بمرأی الناس، لا یستقبحون ذلك كالبهائم، و مأكولهم الدخن. و بلادهم مسیرة اثنی عشر یوما.

بلاد بجا

هم قوم من الترك، بلادهم مسیرة شهر، و هم مشركون یسجدون لملكهم و یؤدون الاتاوة إلی الطحطاح، و یعظّمون البقر و لا یأكلونها تعظیما لها. و بلادهم كثیرة العنب و التین و الزعرور الأسود، و فیها ضرب من الشجر لا تأكله النار، و لهم أصنام من ذلك الخشب، یأخذ الطرقیون من النصاری ذلك الخشب، و یزعمون أنّه من الجذع الذی صلب علیه عیسی، علیه السلام.

بلاد بغراج‌

قوم من الترك لهم اسبلة بغیر لحی، و بلادهم مسیرة شهر، لهم ملك عظیم الشأن یذكر أنّه علویّ من ولد یحیی بن زید، و عندهم مصحف مذهب علی ظهره أبیات فی مرثیة زید، و هم یعبدون ذلك المصحف، و زید عندهم ملك العرب، و علیّ بن أبی طالب إله العرب، و لا یملّكون أحدا إلّا من نسل ذلك العلوی. و إذا استقبلوا السماء فتحوا أفواهم و شخصوا أبصارهم و یقولون:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 581
إن إله العرب ینزل منها و یصعد إلیها. و معجزة هؤلاء الملوك الذین هم من نسل زید طول اللحیة، و قیام الأنف، وسعة العین.
و لهؤلاء القوم عساكر فرسان و رجالهم كثیرة، و صنعتهم عمل السلاح، یعملون منه آلات حسنة جدّا. و غذاؤهم دخن و لحوم الضأن الذكر، و لیس فی بلادهم بقر و لا معز أصلا. و لباسهم اللبود لا یلبسون غیرها. و لهم عادة أن من اجتاز بهم یأخذون عشر ماله.

بلاد تاتار

هم جیل عظیم من الترك سكّان شرقی الإقلیم السادس، أشبه شی‌ء بالسباع فی قساوة القلب و فظاظة الخلق و صلابة البدن، و غلظ الطبع و حبّهم الخصومات و سفك الدماء و تعذیب الحیوان، و خروجهم من معجزات رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، و هو ما رواه أبو بردة عن أبیه قال: كنت جالسا عند رسول اللّه، علیه السلام، فسمعته یقول: إن أمّتی یسوقها قوم عراض الوجوه صغار الأعین كأن وجوههم المجانّ المطرقة ثلاث مرّات حتی یلحقوهم بجزیرة العرب، أمّا السابقة فینجو من هرب منهم، و أمّا الثانیة فیهلك بعض و ینجو بعض، و أمّا الثالثة فیهلك كلّهم. قالوا: من هم یا رسول اللّه؟ قال: هم الترك، أما و الذی نفسی بیده لتربطن خیولهم إلی سواری مساجد المسلمین!
و عنه، صلّی اللّه علیه و سلّم: ان للّه جنودا بالمشرق اسمهم الترك ینتقم بهم ممّن عصاه، فكم من حافیات حاسرات یسترحمن فلا یرحمن، فإذا رأیتم ذلك فاستعدّوا للقیامة، و أمّا الدیانات فلیسوا منها فی شی‌ء و لیس عندهم حلّ و لا حرمة، یأكلون كلّ شی‌ء وجدوه و یسجدون للشمس و یسمّونها إلها، و لهم لغة مخالفة لسائر الأتراك و قلم یكتبون به مخالف لسائر الأقلام.
حكت امرأة قالت: كنت فی أسرهم مدّة، فاتّفق أن الرجل الذی سبانی مرض فقال أقاربه فیما قالوا: لعلّ هذه المرأة أطعمته شیئا. فهمّوا بقتلی و المریض
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 582
كان یمنعهم من قتلی، فاجتمعوا یوما اجتماعا عظیما و أحضروا معزا أركبونی علیها، و جاءت امرأة ساحرة بمنجل فی یدها تدیره، و تقرأ شیئا و الجمع قیام عندی بالسیوف المسلولة، فإذا المعز تحتی صاحت صیحة، فرجع القوم و خلّوا سبیلی و قالوا: لیس هذا كما ظننّا.

بلاد التغزغز

هم قوم من الترك، بلادهم مسیرة عشرین یوما، و لیس لهم بیت عبادة.
یعظّمون الخیل و یحسنون القیام علیها، و یأكلون المذكی و غیر المذكی، و یلبسون القطن و اللبود، و لهم عید عند ظهور قوس قزح. و لهم ملك عظیم الشأن له خیمة علی أعلی قصره من ذهب، تتسع لألف إنسان تری من خمسة فراسخ.
و بها حجر الدم، و هو حجر إذا علق علی إنسان كصاحب الرعاف أو غیره ینقطع دمه.

بلاد جكل‌

هم قوم من الترك، مسیرة بلادهم أربعون یوما، و بلادهم آمنة ساكنة، و فیهم نصاری. و هم صباح الوجوه یتزوّج الرجل منهم بابنته و أخته و سائر محارمه، و لیسوا مجوسا لكن هذا مذهبهم، و یعبدون سهیلا و الجوزاء و بنات نعش، و یسمّون الشعری الیمانیة ربّ الأرباب. و عندهم دعة لا یرون الشرّ، و جمیع قبائل الترك یطمع فیهم للینهم و دعتهم. و مأكولهم الشعیر و الجلبان و لحوم الغنم، و لیس فی بلادهم الإبل و لا البقر، و لباسهم الصوف و الفراء لا یلبسون غیرها. و بها حجر الفادزهر، و لا ملك لهم، و بیوتهم من الخشب و العظام.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 583

بلاد الختیان‌

هم قوم من الترك، بلادهم مسیرة عشرین یوما، و هم قوم أصحاب عقول و آراء صحیحة بخلاف سائر الترك. یتزوّجون تزویجا صحیحا، و لا ملك لهم بل كلّ جمع لهم شیخ ذو عقل و رأی یتحاكمون إلیه. و لیس لهم جور علی من یجتاز بهم و لا اغتیال عندهم. و لهم بیت عبادة یعتكفون فیه الشهر و الأكثر و الأقلّ. و مأكولهم الشعیر و الجلبان و لا یأكلون اللحم إلّا مذكی، و لا یلبسون مصبوغا.
و بها مسك ذكی الرائحة جدّا ما دام فی أرضهم، فإذا حمل عنها تغیّر و استحال.
و بها جبل فیه حیّات من نظر إلیها مات إلّا أنّها فی ذلك الجبل لا تخرج عنه البتّة.
و بها حجر یسكن الحمی لكنه لا یعمل إلّا فی أرضهم، و عندهم فادزهر جیّد، و علامته أن فیه عروقا خضراء، و عندهم بقول كثیرة لها منافع.

بلاد خرخیز

هم قوم من الترك، بلادهم مسیرة شهر. لهم ملك مطاع عالم بمصالحهم، لا یجلس بین یدیه إلّا من جاوز الأربعین. و لهم كلام موزون یتكلّمون به فی صلاتهم، و یصلّون إلی جانب الجنوب. و لهم فی السنة ثلاثة أعیاد. و لهم أعلام خضر ینشرونها فی الأعیاد. و یعظّمون زحل و الزهرة، و یتطیّرون بالمریخ.
و السباع بأرضهم كثیرة جدّا.
و مأكولهم الدخن و الأرز و لحوم البقر و الغنم و غیرها إلّا لحم الجمال.
و لهم بیت عبادة و قلم یكتبون به. و لهم رأی و نظر فی الأمور و لا یطفئون السراج بل یخلّونه حتی ینطفی‌ء بنفسه. بها حجر یسرج باللیل یستغنون به عن المصابیح.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 584

بلاد الخرلخ‌

قوم من الترك، بلادهم مسیرة خمسة و عشرین یوما. و هم أهل البغی و الظلم یغیر بعضهم علی بعض، و الزنا عندهم ظاهر.
و هم أصحاب قمار یقامر أحدهم صاحبه فی زوجته و أخته و أمّه و ابنته، فما داموا فی مجلس القمار فللمقمور أن یفادی، فإذا انفصلا عن مجلس القمار فقد حصل له ما قمر، یبیعها من التجار كما یرید.
و نساؤهم ذوات الجمال و الفساد، و رجالهم قلیلو الغیرة: تأتی امرأة الرئیس و أخته إلی القوافل و تختار أحدا منهم، و تمشی به إلی بیتها و تنزله عندها و تحسن إلیه، و زوجها و أقاربها یساعدونها و یتحرّكون فی حوائجها، و ما دام الضیف عندها فان الزوج لا یدخل علیها.
و مأكولهم الحمص و العدس و یتّخذون من الدخن الخمر، و لا یأكلون اللحم إلّا مغمّسا بالملح، و لباسهم الصوف. و لهم بیت عبادة فی حیطانه صور متقدمی ملوكهم، و البیت من خشب لا تأكله النار، و من هذا الخشب فی بلادهم كثیر.
بها معدن الفضّة یستخرجونها بالزئبق، و عندهم شجر یقوم مقام الاهلیلج قائم الساق، إذا طلیت عصارته علی الاورام الحارّة أبرأها لوقتها. و لهم حجر أخضر یعظّمونه و یذبحون له الذبائح تقرّبا إلیه.
بها نهر فیه حیّات إذا وقع علیها عین شی‌ء من الحیوان غشی علیه.

بلاد الخزر

هم جیل عظیم من الترك، بلادهم خلف باب الأبواب الذی یقال له الدربند، و هم صنفان: صنف بیض أصحاب الجمال الفائق، و صنف سمر یقال لهم قرا خزر. و أبنیتهم خرقاهات إلّا شی‌ء یسیر من الطین. و لهم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 585
أسواق و حمّامات.
و نزولهم علی شطّ نهر آتل، و لهم ملك عظیم یسمّی بلك. و فیهم خلق كثیر من المسلمین و النصاری و الیهود و عبدة الأوثان. و إذا عرض لقوم منهم حكومة یبعثهم إلی حاكمهم، و الملك لا یدخل بینهم. و لكلّ قوم من الأقوام حاكم.
و لملكهم قصر من الآجرّ بعید من نهر آتل، و لیس لأحد بناء من الآجرّ إلّا له.
و حكی أن ملكهم لا یركب إلّا فی أربعة أشهر مرّة، و إذا ركب یكون بینه و بین الأجناد قدر میل، و إذا رآه أحد یخرّ ساجدا، و لا یزال كذلك حتی یعبر الملك.
و إذا بعث سریة فانهزمت قتل الهاربین كلّهم، و یحضر نساءهم و أولادهم و قماشهم یهبها لغیرهم و یقتلهم. و حكی أن ملكهم إذا جاوز الأربعین عزله أو قتله خاصّته، و قالوا: هذا قد نقص عقله لا یصلح لتدبیر الملك!

بلاد خطلخ‌

هم قوم من الترك، مسیرة بلادهم عشرة أیّام، و هم أشدّ شوكة من جمیع قبائل الترك، یغیرون علی من حولهم، و لهم رأی و تدبیر فی الأمور و ینكحون الأخوات. و المرأة لا تتزوّج إلّا زوجا واحدا، فإن مات عنها لا تتزوّج باقی عمرها. و من زنی عندهم أحرقوا الزانی و المزنی بها، و لا طلاق لهم، و مهر المرأة جمیع ما یملكه الزوج. و یأكلون الشعیر و الجلبان و البرّ و سائر اللحوم غیر المذكاة. و إذا تزوّج رجل امرأة لا مال لها فمهرها خدمة الولی سنة. و القصاص عندهم مشروع، و الجروح مضمونة بالارش، فإن أخذ الارش و مات بالجراحة هدر دمه. و ملكهم ینكر الشرّ أشدّ الانكار و لا یرضی به، و من شرط ملكهم أن لا یتزوّج فإن تزوّج قتل!
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 586

بلاد الرّوس‌

هم أمّة عظیمة من الترك، بلادهم متاخمة لبلاد الصقالبة، حكی المقدسی أنّهم فی جزیرة و بیئة تحیط بها بحیرة، هی حصنهم و تمنع عنهم عدوّهم.
قال أحمد بن فضلان فی رسالته: رأیت الروسیة و قد وافوا بتجاراتهم علی نهر آتل، فلم أر أتمّ بدنا منهم كأنّهم النخل، شقر بیض، لهم شریعة و لغة مخالفة لسائر الترك، لكنهم أندر خلق اللّه، لا یتنظّفون و لا یحترزون عن النجاسات. و من عادة ملكهم أن یكون فی قصر رفیع كبیر، و معه أربعمائة رجل من خواصّه أهل الثقة عنده یجلسون تحت سریره. و له سریر عظیم مرصّع بالجواهر یجلس معه علیه أربعون جاریة لفراشه، و ربّما یطأ واحدة بحضور أصحابه و لا ینزل عن سریره البتّة. فإن أراد قضاء الحاجة یقرب إلیه الطشت، و إن أراد الركوب تقرّب الدابّة إلی جنب السریر. و له خلیفة یسوس الجیوش و یدبّر أمر الرعیّة و یواقع الأعداء.
و من عاداتهم أن من ملك عشرة آلاف درهم اتّخذ لزوجته طوقا من ذهب، و إن ملك عشرین ألفا اتّخذ طوقین، و علی هذا فربّما كان فی رقبة واحدة أطواق كثیرة، و إذا وجدوا سارقا علّقوه فی شجرة طویلة، و تركوه حتی یتفتّت!

بلاد الرّوم‌

هم أمّة عظیمة. و هم سكّان غربی الإقلیم الخامس و السادس؛ قالوا: آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی ؛ ص586
من نسل عیصو بن إسحق بن إبراهیم، علیه السلام. بلادهم واسعة و مملكتهم عظیمة، منها الرومیة و القسطنطینیة. بلادهم بلاد برد لدخولها فی الشمال، و هی كثیرة الخیرات وافرة الثمرات كثیرة البهائم من الدواب و المواشی.
و كانوا فی قدیم الزمان علی دین الفلاسفة إلی أن ظهر فیهم دین النصاری.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 587
و من عاداتهم الخروج فی أعیادهم بالشعانین و السباسب و الدنح بالزینة للهو و الطرب و المأكول و المشروب، صغیرهم و كبیرهم و فقیرهم و غنیهم علی قدر مكنته و قدرته. و من عاداتهم إخصاء أولادهم لیكونوا من سدنة بیوت عبادتهم، لكنّهم لا یتعرّضون للقضیب و یحدثون الخصی بالأنثیین، لأنّهم كرهوا لرهبانهم احبال نسائهم. و أمّا قضاء الوطر فلا یكرهونه، و قیل: ان الخصی یبلغ فی ذلك مبلغا لا یبلغه الفحول لأنّه یستحلب لفرط المداومة جمیع ما عند المرأة و لا یفتر، فإذا تزوّج أحدهم و أراد الزفاف، تحمل المرأة إلی القسّ حتی یكون القسّ مفترعها و ینالها بركته، و الزوج أیضا یمشی معها لیعلم أن الاقتضاض حصل بفعل القسّ!
و ملوك الروم و هم القیاصرة كانوا من أوفر الملوك علما و عقلا، و أتمّهم رأیا و أكثرهم عددا و عددا، و أوسعهم مملكة و أكثرهم مالا، و من عاداتهم أن لا یأخذوا عدوّهم مغافصة، بل إذا أرادوا غزو بلاد كتبوا إلی صاحبها:
نحن قاصدون بلادك فی السنة الآتیة، فاستعدّ و تأهّب لالتقائنا!

بلاد الغزّ

أمّة عظیمة من الترك، و هم نصاری كانوا فی طاعة سلاطین بنی سلجوق إلی زمن سنجر بن ملكشاه، فبعث إلیهم من یستوفی الخراج منهم فتجاوز الجابی للخراج فی الرسم و العادة، فضربه ملكهم و كان اسمه طوطی بك، فمات الجابی فبعث إلی السلطان یتعذّر، و السلطان وافق علی قبول عذره لكن الحواشی أرادوا النهب و السبی و تحصیل المال؛ قالوا: هؤلاء لا یقبل عذرهم فإنّه إهانة بالسلطان و جرأة علیه، فلنوقع بهم حتی لا یقدم غیرهم علی مثل هذا الفعل القبیح! فذهب السلطان بعساكره إلیهم فتضرّعوا و تذلّلوا و قالوا للسلطان: ارحم عوراتنا و ذرّیاتنا و خذ منّا دیة المقتول أضعافا مضاعفة، و ضاعف علینا الخراج. فلان السلطان و أبی أصحابه.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 588
فلمّا أیسوا من أمنهم تأهّبوا للقتال و قالوا: نحن كلّنا مقتولون فلا نقتل إلّا فی المعركة بعدما قتل كلّ منّا بدله! فركبوا برجالهم و نسائهم و حملوا علی المسلمین حملة رجل واحد، و كشفوهم كشفا قبیحا و هزموهم، و أخذوا السلطان و دخلوا بلاد خراسان و خرّبوها، و نهبوا و سبوا. و كان ذلك سنة ثمان و أربعین و خمسمائة و السلطان بقی فی أسرهم سنة ثمّ هرب.
و حكی مسعر بن مهلهل أن لهم مدینة من الحجارة و الخشب و القصب، و لهم بیت عبادة، و لهم تجارات إلی الهند و الصین. و مأكولهم البرّ و لحم الغنم، و ملبوسهم الكتان و الفراء.
بها حجر أبیض ینفع من القولنج، و حجر أحمر إذا أمرّ علی النصل لم یقطع شیئا. و بلادهم مسیرة شهر واحد.

بلاد كیماك‌

هم قوم من الترك، بلادهم مسیرة خمسة و ثلاثین یوما، و بیوتهم من جلود الحیوان. مأكولهم الحمص و الباقلّی و لحم الذكران من الضأن و المعز، و لا یأكلون الاناث. بها عنب نصف الحبّة أبیض و نصفها أسود، و بها حجارة یستمطر بها متی شاؤوا. و عندهم معادن الذهب فی سهل من الأرض یجدونه قطاعا.
و عندهم الماس یكشف عنه السیل. و عندهم نبات ینوّم و یخدر.
و لیس لهم ملك، و لا بیت عبادة. و لهم قلم یكتبون به. و من یجاوز منهم ثمانین سنة عبدوه إلّا أن یكون به عاهة.
بها جبل یسمّی منكور، به عین فی حفرة، قال أبو الریحان الخوارزمی فی كتابه الآثار الباقیة: إن هذه الحفرة مقدار ترس كبیر، و قد استوی الماء علی حافاتها، فربّما یشرب منه عسكر كثیر لا ینقص مقدار إصبع، و عند هذه العین صخرة علیها أثر رجل إنسان، و أثر كفّیه بأصابعهما و أثر ركبتیه كأنّه كان ساجدا، و أثر قدم صبی و حوافر حمار. و الأتراك الغزیة یسجدون لها إذا رأوها لأنّهم نصاری، ینسبونه إلی عیسی، علیه السلام.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 589

بلدة بهی‌

هی بلدة من بلاد الترك آهلة غنّاء، أهلها مسلمون و نصاری و یهود و مجوس و عبدة الأصنام، و لهم أعیاد كثیرة لأن لكلّ قوم عیدا مخالفا للآخرین. و مسیرة مملكة بهی أربعون یوما. و لهم ملك عظیم ذو قوّة و سیاسة یسمّی بهی.
بها حجارة تنفع من الرمد، و حجارة تنفع من الطحال، و عندهم نیل جیّد؛ أخبر بهذه كلّها، أعنی بلاد الترك و قبائلها، مسعر بن مهلهل فإنّه كان سیّاحا رآها كلّها.

بیقر

قلعة حصینة من أعمال شروان. علی هذه القلعة صور و تماثیل من الحجر لم تعرف فائدتها لتقادم عهدها. و بها دار الإمارة مكتوب علی بابها: فی هذه الدار أحد عشر بیتا، و الداخل لا یری إلّا عشرة بیوت و إن بذل جهده، و الحادی عشر وضع علی وجه لا یعرفه أحد، لأن فیه خزانة الملك.

تركستان‌

قد ذكرنا أن كلّ إقلیم من الأقالیم السبعة شرقیة مساكن الترك، و بلادهم ممتدّة من الإقلیم الأوّل إلی السابع عرضا فی شرقی الأقالیم، و قد بیّنّا أنّهم أمّة عظیمة ممتازة عن سائر الأمم بالجلادة و الشجاعة، و قساوة القلب و مشابهة السباع، و الغالب علی طباعهم الظلم و العسف و القهر، و لا یرون إلّا ما كان غصبا لطبع السباع، و همّهم شنّ غارة أو طلب ظبی أو صید طیر. و عندهم من كبر انّه لو سبی أحدهم و تربی فی العبودیّة، فإذا بلغ أشدّه یرید أن یكون زعیم عسكر سیّده، بل یرید أن یخالفه و یقوم مقامه و ینسی حقّ التربیة و الانعام السابق.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 590
و نفوس الترك نفوس مائلة إلی الشرّ و الفساد الذی هو طاعة الشیطان، فتری أكثرهم عبدة الأصنام أو الكواكب أو النیران أو نصاری، و ما فیهم عجیب یذكر إلّا سحرهم و استمطارهم المطر بالحجر الذی یرمونه فی الماء، و ذكر انّه من خاصیّة الحجر و قد مرّ ذكره مبسوطا.
حكی صاحب تحفة الغرائب أن بأرض الترك جبلا لقوم یقال لهم زانك، و هم ناس لیس لهم زرع و لا ضرع، و فی جبالهم ذهب و فضّة كثیرة، و ربّما توجد قطعة كرأس شاة، فمن أخذ القطاع الصغار ینتفع بها، و من أخذ القطاع الكبار یموت الآخذ و أهل كلّ بیت تلك القطعة فیه، فإن ردّها إلی مكانها انقطع الموت عنهم، ولو أخذه الغریب لا یضرّه شی‌ء.
و حكی أن بتركستان جبلا یقال له جبل النار، فیه غار مثل بیت كبیر، كلّ دابّة تدخله تموت فی الحال.

رذوم‌

مدینة بأرض الفرنج مبنیة بالحجارة المهندمة علی نهر شعنة. لا تفلح بها الكروم و الشجر أصلا، لكن یكثر بها القمح و السلت، یخرج من نهرها حوت یسمّونه سلمون، و حوت آخر صغیر طعمه و رائحته كطعم القثاء، و ذكر أن هذا الحوت یوجد فی نیل مصر أیضا و یسمّی العیر.
و حكی الطرطوشی أنّه رأی برذوم حدثا بلغت لحیته ركبتیه، فمشطها فهبطت عن ركبتیه بأربع أصابع، و كان خفیف العارضین، فحلف انّه لم یكن علی وجهه شعر قبل ذلك بستّة أعوام!
و حكی انّه یخرج فی الشتاء برذوم عند البرد الشدید نوع من الاوزّ أبیض، أحمر الأرجل و المناقیر، یسمّی عایش، و هذا النوع لا یتفرّخ إلّا فی جزیرة عاهق، و هی غیر مسكونة، فربّما انكسرت المراكب فی البحر، فمن تعلّق بهذه الجزیرة یقتات ببیض هذا الطیر و فراخه الشهر و الشهرین.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 591

رومیة

مدینة رئاسة الروم و علمهم. و هی فی شمالی غربی القسطنطینیّة، و بینهما مسیرة خمسین یوما، و هی فی ید الفرنج، و یقال لملكهم ملك المان. و بها یسكن البابا الذی تطیعه الفرنج، و هو عندهم بمنزلة الإمام الذی یكون واجب الطاعة.
و مدینة رومیة من عجائب الدنیا لعظم عمارتها و كثرة خلقها خارج عن العادة إلی حدّ لا یصدّقه السامع؛ ذكر الولید بن مسلم الدمشقی أن استدارة رومیة أربعون میلا، فی كلّ میل منها باب مفتوح، فمن دخل من الباب الأوّل یری سوق البیاطرة، ثمّ یصعد درجا فیری سوق الصیارفة و البزازین، ثمّ یدخل المدینة فیری فی وسطها برجا عظیما واسعا، فی أحد جانبیه كنیسة قد استقبل بمحرابها المغرب، و ببابها المشرق، و فی وسط البرج بركة مبطنة بالنحاس، یخرج منها ماء المدینة كلّه. حكی أن فی وسطها عمودا من حجارة علیه صورة راكب علی بعیر، یقول أهل المدینة: إن الذی بنی هذه المدینة یقول لا تخافوا علی مدینتكم حتی یأتیكم قوم علی هذه الصفة، فهم الذین یفتحونها!
و ثلاثة جوانب المدینة فی البحر، و الرابع فی البرّ، و لها سوران من رخام، و بین السورین فضاء طوله مائتا ذراع، و عرض السور ثمانیة عشر ذراعا، و ارتفاعه اثنان و ستّون ذراعا. بها نهر بین السورین یدور ماؤه فی جمیع المدینة، و هو ماء عذب یدور علی بیوتهم و یدخلها، و علی النهر قنطرة بدفوف النحاس، كلّ دفّة منها ستّة و أربعون ذراعا. إذا قصدهم عدوّ رفعوا تلك الدفوف فیصیر بین السورین بحر لا یرام، و عمود النهر ثلاثة و تسعون ذراعا فی عرض ثلاثة و أربعین ذراعا، و بین باب الملك إلی باب الذهب اثنا عشر میلا، و سوق ممتدّ من شرقیها إلی غربیها بأساطین النحاس، و سقفه أیضا نحاس، و فوقه سوق آخر فی الجمیع التجار و أصحاب الأمتعة. و ذكر أن بین یدی هذا السوق سوقا آخر علی أعمدة نحاس، كلّ عمود منها ثلاثون ذراعا. و بین هذه الأعمدة نقیر
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 592
من نحاس فی طول السوق من أوّله إلی آخره، فیه لسان من البحر تجری فیه السفن، فتجی‌ء السفینة فی هذه النقرة، و فیه الأمتعة حتی تجتاز علی السوق بین یدی التجار، فتقف علی تاجر تاجر فیختار منها ما یرید ثمّ ترجع إلی البحر.
و بها كنیسة داخل المدینة بنیت علی اسم مار بطرس و مار بولس، و هما مدفونان فیها، یقصدهما الروم، و لهم فیهما اعتقاد عظیم و یذكرون عنهما أشیاء عجیبة. و طول هذه الكنیسة ألف ذراع فی خمسمائة ذراع فی سمك مائتی ذراع.
و بها كنیسة أخری بنیت باسم اصطافنوس رأس الشهداء. طولها ستّمائة ذراع فی عرض ثلاثمائة ذراع فی سمك مائة و خمسین ذراعا. و سقوف هذه الكنیسة و حیطانها و أرضها و بیوتها و كواها كلّها حجر واحد. و فی المدینة كنائس كثیرة.
و فیها عشرة آلاف دیر للرجال و النساء، و حول سورها ثلاثون ألف عمود للرهبان. و فیها اثنا عشر ألف زقاق، یجری فی كلّ زقاق منها نهران: أحدهما للشرب، و الآخر للحشوش. و فیها اثنا عشر ألف سوق، فی كلّ سوق قبانان، و أسواقها كلّها مفروشة بالرخام الأبیض، منصوبة علی أعمدة النحاس، مطبقة بدفوف النحاس. و فیها ستّمائة و ستّون ألف حمّام. و إذا كان وقت الزوال یوم السبت ترك جمیع الناس أشغالهم فی جمیع الأسواق إلی غروب الشمس یوم الأحد، و هو عید النصاری.
و بها مجامع لمن یلتمس صنوف العلم من الطبّ و النجوم و الحكمة و الهندسة و غیر ذلك؛ قالوا: انّها مائة و عشرون موضعا.
و بها كنیسة صهیون. شبهت بصهیون بیت المقدس، طولها فرسخ فی عرض فرسخ فی سمك مائتی ذراع، و مساحة هیكلها ستّة أجربة. و المذبح الذی یقدس علیه القربان من زبرجد أخضر، طوله عشرون ذراعا فی عرض عشرة أذرع، یحمله عشرون تمثالا من ذهب، طول كلّ تمثال ثلاثة أذرع، أعینها یواقیت
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 593
حمر، و فی الكنیسة ألف و مائتا أسطوانة من المرمر الملمع، و مثلها من النحاس المذهب، طول كلّ أسطوانة خمسون ذراعا، لكلّ أسطوانة رجل معروف من الأساقفة. و لها ألف و مائتا باب كبار من النحاس الأصفر المفرغ، و أربعون بابا من الذهب، و أمّا الأبواب من الآبنوس و العاج فكثیرة. و فیها مائتا ألف و ثلاثون ألف سلسلة من ذهب معلّق من السقف ببكر تعلّق منها القنادیل، سوی القنادیل التی تسرج یوم الأحد.
و بها من الأساقفة و الشمامسة، و غیرهم ممّن یجری علیه الرزق من الكنیسة خمسون ألفا، كلّما مات واحد قام مقامه آخر. و فیها عشرة آلاف جرّة، و عشرة آلاف خوان من ذهب، و عشرة آلاف كأس، و عشرة آلاف مسرجة من ذهب. و المنائر التی تدار حول المذبح سبعمائة منارة، كلّها ذهب، و فیها من الصلبان التی تقوم یوم الشعانین ثلاثون ألف صلیب، و أمّا صلبان الحدید و النحاس المنقوشة و المموّهة فممّا لا یحصی، و من المصاحف الذهبیة و الفضّیّة عشرة آلاف مصحف. و قد مثل فی هذه الكنیسة صورة كلّ نبیّ بعث من وقت آدم إلی عیسی، علیه السلام، و صورة مریم، علیها السلام، كان الناظر إذا نظر إلیهم یحسبهم أحیاء.
و فیها مجلس الملك حوله مائة عمود، علی كلّ عمود صنم، فی ید كلّ صنم جرس علیه اسم أمّة من الأمم جمیعا. زعموا أنّها طلسمات إذا تحرّك صنم عرفوا ان ملك تلك الأمّة یریدهم فیأخذون حذرهم.
و بها طلسم الزیتون، بین یدی هذه الكنیسة صحن یكون خمسة أمیال فی مثلها، فی وسطه عمود من نحاس ارتفاعه خمسون ذراعا، و هو كلّه قطعة واحدة، و فوقه تمثال طائر، یقال له السودانی، من ذهب، علی صدره نقش و فی منقاره شبه زیتونة، و فی كلّ واحدة من رجلیه مثل ذلك. فإذا كان أوان الزیتون لم یبق طائر فی تلك الأرض إلّا أتی و فی منقاره زیتونة و فی رجلیه
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 594
زیتونتان یلقیها علی ذلك الطلسم، فزیت أهل رومیة و زیتونهم من ذلك؛ قالوا:
هذا من عمل بلیناس صاحب الطلسمات. و علی هذا الطلسم أمناء و حفظة من قبل الملك، و أبواب مختومة فإذا ذهب أوان الزیتون و امتلأ الصحن من الزیتون یجتمع الأمناء، و یعطی الملك البطارقة منه و من یجری مجراهم علی قدرهم، و یجعل الباقی لقنادیل الكنیسة. و هذه القصّة، أعنی طلسم الزیتون، رأیتها فی كتب كثیرة قلّما تترك فی شی‌ء من عجائب البلاد.
و قد روی عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنّه قال: من عجائب الدنیا شجرة برومیة من نحاس، علیها صورة سودانیة، فی منقارها زیتونة، فإذا كان أوان الزیتون صفرت فوق الشجرة، فیوافی كلّ طیر فی تلك الأرض من جنسها ثلاث زیتونات فی منقاره و رجلیه، و یلقیها علی تلك الشجرة فیعصرها أهل رومیة فتكفیهم لقنادیل بیعهم و أكلهم جمیع الحول.
و بها طلسم آخر و هو أنّه فی بعض كنائسهم نهر یدخل من خارج المدینة، و فیه من الضفادع و السلاحف و السرطانات شی‌ء كثیر، و علی الموضع الذی یدخله الماء من الكنیسة صورة صنم من حجارة، فی یده حدیدة معتّقة كأنّه یرید أن یتناول بها شیئا من الماء، فإذا انتهت إلیه هذه الحیوانات المؤذیة رجعت و لم یدخل الكنیسة شی‌ء منها البتّة.
و هذه كلّها منقولة من كتاب ابن الفقیه، و هو محمّد بن أحمد الهمذانی، و أعجب من هذه كلّها أن مدینة هذه صفتها من العظم ینبغی أن تكون مزارعها و ضیاعها إلی مسیرة أشهر، و إلّا لا یقوم بمیرة أهلها. و ذكر قوم من بغداد أنّهم شاهدوا هذه المدینة قالوا: انّها فی العظم و السعة و كثرة الخلق ممّا یقارب هذا، و الذی لم یرها یشكل علیه.
و حكی أن أهل رومیة یحلقون لحاهم و وسط هاماتهم، فسئلوا عن ذلك فقالوا: لمّا جاءهم شمعون الصفا و الحواریون دعوهم إلی النصرانیّة، فكذّبوهم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 595
و حلقوا لحاهم و رؤوسهم، فلمّا ظهر لهم صدق قولهم ندموا علی ما فعلوا، و حلقوا لحی أنفسهم و رؤوسهم كفّارة لذلك.

زره كران‌

معناه صناع الدرع: قریتان فوق باب الأبواب علی تلّ عال، و حوالیه قری و مزارع و رساتیق و جبال و آجام. أهلها طوال القدود شقر الوجوه خزر العیون، لیس لهم صنعة سوی عمل الدروع و الجواشن. و هم أغنیاء أسخیاء یحبّون الغرباء لا سیّما من یعرف شیئا من العلوم أو الخطّ، أو یعرف شیئا من الصناعات، و لا یقبلون الخراج لأحد لحصانة موضعهم. و لیس لهم ملّة و لا مذهب.
و فی كلّ قریة من تلك القری بیتان كبیران تحت الأرض مثل السرادیب:
أحدهما للرجال، و الآخر للنساء.
و فی كلّ بیت عدّة رجال معهم سكاكین، فإذا مات أحدهم فإن كان رجلا حملوه إلی بیت الرجال، و إن كانت امرأة إلی بیت النساء، فیأخذه أولئك الرجال و یقطعون أعضاءه، و یعرقون ما علیها من اللحم، و یخرجون ما فیها من النقی ثمّ یجمعون تلك العظام و ما فیها من بلل و لا درن فی كیس، إن كان من الأغنیاء فی كیس دیباج، و إن كان من الفقراء فی كیس خام، و یكتبون علی الكیس اسم صاحب العظام و اسم أبویه، و تاریخ ولادته و وقت موته، و یعلقون الكیس فی تلك البیوت، و یأخذون لحم الرجال إلی تلّ خارج القریة و علیه الغربان السود فیطعمونها ذلك اللحم، و لا یخلون طیرا آخر یأكله، فإن جاء طیر آخر لیأكله رموه بالنشاب، و یأخذون لحم النساء إلی مكان آخر و یطعمون الحدأة و یمنعون غیرها من الطیور.
و حكی أبو حامد الأندلسی أنّه سمع أهل دربند أنّهم جهّزوا ذات مرّة العساكر، و ذهبوا إلی زره كران فذهبوا حتی دخلوا القریة، فخرج من تحت الأرض رجال دخلوا تلك البیوت، فهبّت ریح عاصف و جاء ثلج كثیر حتی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 596
لم یعرف أحد من تلك العساكر صاحبه، فجعل بعضهم یقتل بعضا، و ضلّوا عن الطریق و هلك منهم خلق كثیر، و نجا بعضهم بعدما عاینوا الهلاك.
و ذكروا أن صاحب شروان، و كان ملكا جبّارا صاحب شوكة و قوّة، قصدهم ذات یوم طمعا فیهم فأصابه مثل ما أصاب أصحاب دربند، فامتنع الملوك عن غزوهم.

سدّ یأجوج و مأجوج‌

قیل: یأجوج و مأجوج ابنا یافث بن نوح، علیه السلام. و هما ولدا خلقا كثیرا فصاروا قبیلتین لا یعلم عددهم إلّا اللّه. روی الشعبی أن ذا القرنین سار إلی ناحیة یأجوج و مأجوج فاجتمع إلیه خلق كثیر و قالوا: أیّها الملك المظفر، إن خلف هذا الجبل خلقا لا یعلم عددهم إلّا اللّه، یخربون علینا بلادنا و یأكلون ثمارنا و زروعنا! قال: و ما صفتهم؟ قالوا: قصار ضلع عراض الوجوه.
قال: و كم صنفا؟ قالوا: أمم كثیرة لا یحصیهم إلّا اللّه! ثمّ قالوا: هل نجعل لك خرجا علی أن تجعل بیننا و بینهم سدّا؟ معناه تجمع من عندنا مالا تصرفه فی حاجز بیننا و بینهم لیندفع عنّا أذاهم. فقال الملك: لا حاجة إلی مالكم فإن اللّه أعطانی من المكنة ما لا حاجة معها إلی مالكم، لكن ساعدونی بالآلة و الرجال، و أعینونی بقوّة أجعل بینكم و بینهم ردما. فأمر بالحدید فأذیب و اتّخذ منه لبنا عظاما، و أذاب النحاس و اتّخذه ملاطا لذلك اللبن، و بنی به الفج الذی كانوا یدخلون منه، فسوّاه مع قلّتی الجبل فصار شبیها بالمصمت. و روی أن ذا القرنین إنّما عمّر السدّ بعد رجوعه عنهم، فتوسّط أرضهم ثمّ انصرف إلی ما بین الصدفین، فقاس ما بینهما و هو مقطع أرض الترك فوجد ما بینهما مائة فرسخ، فحفر له أساسا بلغ به الماء و جعل عرضه خمسین فرسخا، و جعل حشوه الصخور و طیّنه بالنحاس المذاب، فصبّ علیه و صار عرقا من جبل تحت الأرض، ثمّ علاه و شرّفه بزبر الحدید و النحاس المذاب، و جعل خلاله عرقا من نحاس
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 597
أصفر فصار كأنّه برد محبّر من صفرة النحاس و سواد الحدید.
و من الأخبار المشهورة حدیث سلّام الترجمان؛ قال: إن الواثق باللّه رأی فی المنام أن السدّ الذی بناه ذو القرنین بیننا و بین یأجوج و مأجوج مفتوح، فأرعبه هذا المنام فأحضرنی و أمرنی بالمشی إلی السد و النظر إلیه، و الرجوع إلیه بالخبر، و ضمّ إلیّ خمسین رجلا، و وصلنی بخمسة آلاف درهم، و أعطانی دیتی عشرة آلاف درهم، و مائتی بغل تحمل الزاد و الماء. قال: فخرجنا من سرّ من رأی بكتاب إلی صاحب أرمینیة إسحق بن إسماعیل، و كان إسحق بمدینة تفلیس، فأمره بإنفاذنا و قضاء حوائجنا، فكتب إسحق إلی صاحب السریر، و صاحب السریر كتب إلی طرخان صاحب اللان، و صاحب اللان إلی فیلانشاه، و فیلانشاه كتب إلی ملك الخزر، و ملك الخزر بعث معنا خمسة نفر من الأدلّاء.
فسرنا ستّة و عشرین یوما فوصلنا إلی أرض سوداء منتنة الرائحة، و كنّا حملنا معنا خلّا لنشمّه لدفع غائلة رائحتها بإشارة الادلّاء، و سرنا فی تلك الأرض عشرة أیّام ثمّ صرنا فی بلاد خراب مدنها. فسرنا فیها سبعة و عشرین یوما فسألنا الادلّاء سبب خرابها، فقالوا: خربها یأجوج و مأجوج. ثمّ صرنا إلی حصن قریب من الجبل الذی یقوم السدّ فی بعض شعابه، و منه جزنا إلی حصن آخر و بلاد و مدن فیها قوم مسلمون یتكلّمون بالعربیّة و الفارسیّة، و یقرأون القرآن، و لهم مساجد، فسألونا: من أین أقبلتم و أین تریدون؟ فأخبرناهم أنّا رسل الأمیر. فأقبلوا یتعجّبون و یقولون: أشیخ أم شاب؟ قلنا: شاب. فقالوا: أین یسكن؟ قلنا: بأرض العراق فی مدینة یقال لها سرّ من رأی. فقالوا: ما سمعنا بهذا قطّ.
ثمّ ساروا معنا إلی جبل أملس لیس علیه شی‌ء من النبات، و إذا هو مقطوع بواد عرضه مائة و خمسون ذراعا، فإذا عضادتان مبنیتان ممّا یلی الجبل من جنبتی الوادی، عرض كلّ عضادة خمسة و عشرون ذراعا، الظاهر من ثخنها عشرة أذرع خارج الباب، كلّه مبنی بلبن حدید مغیّب فی نحاس فی سمك خمسین ذراعا، و إذا دروند حدید طرفاه فی العضادتین طوله مائة و عشرون ذراعا قد
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 598
ركب علی العضادتین، علی كلّ واحد مقدار عشرة أذرع فی عرض خمسة أذرع. و فوق الدربند بناء باللبن الحدید و النحاس إلی رأس الجبل. و ارتفاعه مدّ البصر، و فوق ذلك شرف حدید، فی طرف كلّ شرف قرنان ینثنی كلّ واحد منهما إلی صاحبه، و إذا باب حدید مصراعان مغلقان، عرض كلّ مصراع ستّون ذراعا فی ارتفاع سبعین ذراعا فی ثخن خمسة أذرع، و قائمتان فی دوارة علی قدر الدربند، و علی الباب قفل طوله سبعة أذرع فی غلظ باع، و ارتفاع القفل من الأرض خمسة و عشرون ذراعا، و فوق القفل نحو خمسة أذرع غلق طوله أكثر من طول القفل، و علی الغلق مفتاح مغلق طوله سبعة أذرع له أربعة عشر دندانكا، كلّ دندانك أكبر من دستج الهاون، مغلق فی سلسلة طولها ثمانیة أذرع فی استدارة أربعة أشبار، و الحلقة التی فیها السلسلة مثل حلقة المنجنیق، و ارتفاع عتبة الباب عشرة أذرع فی بسط مائة ذراع سوی ما تحت العضادتین، و الظاهر منها خمسة أذرع، و هذا الذرع كلّه ذراع السواد.
و رئیس تلك الحصون یركب كلّ یوم جمعة فی عشرة فوارس، مع كلّ فارس مرزبة حدید یدقّون الباب، و یضرب كلّ واحد منهم القفل و الباب ضربا قویّا مرارا لیسمع من وراء الباب ذلك، فیعلمون أن هناك حفظة و یعلم هؤلاء أن أولئك لم یحدثوا فی الباب حدثا. و إذا ضربوا الباب وضعوا آذانهم فیسمعون وراء الباب دویّا عظیما. و بالقرب من السدّ حصن كبیر یكون فرسخا فی مثله، یقال انّه كان یأوی إلیه الصنّاع زمان العمل. و مع الباب حصنان یكون كلّ واحد منهما مائتی ذراع فی مثلها، و علی باب هذین الحصنین شجر كبیر لا یدری ما هو، و بین الحصنین عین عذبة، و فی أحد الحصنین آلة البناء الذی بنی به السدّ من قدر الحدید و المغارف، و هناك بقیّة اللبن الحدید و قد التصق بعضه ببعض من الصدإ، و اللبنة ذراع و نصف فی سمك شبر.
قال: فسألنا أهل تلك البلاد هل رأیتم أحدا من یأجوج و مأجوج؟ فذكروا أنّهم رأوا منهم عددا فوق الشرف ذات مرّة، فهبّت ریح سوداء فألقتهم إلینا،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 599
فكان مقدار الواحد منهم فی رأی العین شبرا و نصفا. فهممنا بالانصراف فأخذنا الادلّاء نحو جهة خراسان، فسرنا حتی خرجنا خلف سمرقند بسبعة فراسخ، و أخذنا طریق العراق حتی وصلنا. و كان من خروجنا من سرّ من رأی إلی رجوعنا إلیها ثمانیة عشر شهرا.

سقسین‌

بلدة من بلاد الخزر عظیمة آهلة، ذات أنهار و أشجار و خیرات كثیرة.
ذكروا أن أهلها أربعون قبیلة من الغزّ. و فی المدینة من الغرباء و التجار ما لا یحصی عددهم، و البرد عندهم شدید جدّا، و لكلّ واحد دار فیحاء كبیرة، و فی الدار خرقاه مغطاة باللبود من البرد. و أهلها مسلمون أكثرهم علی مذهب الإمام أبی حنیفة، و منهم من هو علی مذهب الإمام الشافعی. و فیها جوامع لكلّ قوم جامع یصلّون فیه، و یوم العید تخرج منابر لكلّ قوم منبر یخطبون علیه و یصلّون مع إمامهم. و الشتاء عندهم شدید جدّا. و سقوف أبنیتهم كلّها من خشب الصنوبر.
بها نهر عظیم أكبر من دجلة، و فیه من أنواع السمك ما لم یشاهده أحد فی غیره، یكون السمك حمل جمل، و فیها صغار لا شوك فیها كأنّها الیة الحمل محشوة بلحم الدجاج، بل أطیب، و یشتری من هذا السمك مائة منّ بنصف دانق، یخرج من بطنها دهن یكفی للسراج شهرا، و یحصل منها الغراء نصف منّ و أكثر. و إن قدّد یكون من أحسن قدید.
و معاملات أهل سقسین علی الرصاص كلّ ثلاثة أمنان بالبغدادی بدینار، و یشترون بها ما شاؤوا كالفضّة فی بلادنا. و الخبز و اللحم عندهم رخیص، تباع الشاة بنصف دانق، و الحمل بطسوج، و الفواكه عندهم كثیرة جدّا.
حكی الغرناطی أن نهرهم قد جمد عند الشتاء، و أنا مشیت علیه فكان عرضه ألف خطوة و ثمانمائة و نیفا و أربعین.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 600

شابر

بلیدة بناحیة باب الأبواب. بها جبّ بیجن، و إنّها جبّ عمیقة. لما ظفر افراسیاب ملك الترك ببیجن مقدم الفرس، كره أن یقتله لكثرة ما نال منه فی الوقائع و أراد تعذیبه فكبله و حبسه فی هذه الجبّ، و ألقی علی رأسها صخرة عظیمة، فذهب رستم الشدید إلیها خفیة و سرقه، و رفع الصخرة من رأس الجبّ و رمی بها، و أتی به إلی بلاد الفرس، و عاد بیجن إلی ما كان یأخذ العساكر و یوقع بالترك و یبلیهم بالبلاء. و الصخرة التی كانت علی رأس الجبّ ملقاة هناك، یتعجّب الناس من كبرها و رفع رستم إیّاها.
و بها دجلة الخنازیر التی جری ذكرها فی كتاب شاه نامه فی قصّة بیجن.

شروان‌

ناحیة قرب باب الأبواب؛ قالوا: عمرها أنوشروان كسری الخیر، فسمّیت باسمه و أسقط شطرها تخفیفا. و هی ناحیة مستقلّة بنفسها یقال لملكها اخستان. ذهب بعضهم إلی أن قصّة موسی و الخضر، علیهما السلام، كانت بها، و ان الصخرة التی نسی یوشع، علیه السلام، الحوت عندها بشروان، و البحر بحر الخزر، و القریة التی لقیا فیها غلاما فقتله قریة جیران، و القریة التی استطعما أهلها فأبوا أن یضیفوهما فوجدا فیها جدارا یرید أن ینقضّ فأقامه باجروان، و هذه كلّها من نواحی أرمینیة قرب الدربند، و من الناس من یقول انّها كانت بأرض افریقیة.
و بها أرض مقدار شوط فرس، یخرج منها بالنهار دخان و باللیل نار، إذا غرزت فی هذه الأرض خشبة احترقت، و الناس یحفرون فیها حفرا و یتركون قدورهم فیها باللحم و الأبازیر فیستوی نضجها؛ حدّثنی بهذا بعض فقهاء شروان.
و بها نبات عجیب یسمّی خصی الثعلب؛ حكی الشیخ الرئیس أنّه رآه بها
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 601
و هو یشبه خصیتین إحداهما ذابلة و الأخری طریة، ذكر أن من عرضه علیه قال: الذابلة تضعف قوّة الباه و الطریة تعین علیها.
ینسب إلیها الحكیم الفاضل أفضل الدین الخاقانی، كان رجلا حكیما شاعرا.
اخترع صنفا من الكلام انفرد به، و كان قادرا علی نظم القریض جدّا، محترزا عن الرذائل التی تركبها الشعراء، محافظا علی المروءة و الدیانة، حتی ان صاحب شروان أراد رجلا یستعمله فی بعض أشغاله فقال له وزیره: ما لهذا الشغل مثل الخاقانی! فطلبه و عرض علیه، فأبی و قال: إنی لست من رجال هذا الشغل! فقال الوزیر: الزمه به إلزاما! فحبسه علی ذلك فبقی فی الحبس أیّاما لم یقبل، فقال الملك للوزیر: حبسته و ما جاء منه شی‌ء! فقال الوزیر: ما عملت شیئا، حبسته فی دار خالیة وحده و هو ما یرید إلّا هذا، احبسه فی حبس الجناة! فحبسه مع السراق و العیارین فیأتیه أحدهم یقول: علی أیّ ذنب حبست؟ و یأتیه الآخر یقول: انشدنی قصیدة! فلمّا رأی شدّة الحال و مقاساة الأغیار یوما واحدا، بعث إلی الملك: إنی رضیت بكلّ ما أردت، كلّ شی‌ء و لا هذا! فأخرجه و ولّاه ذلك الشغل.

شلشویق‌

مدینة عظیمة جدّا علی طرف البحر المحیط. و فی داخلها عیون ماء عذب.
أهلها عبدة الشعری إلّا قلیلا، و هم نصاری لهم بها كنیسة.
حكی الطرطوشی: لهم عید اجتمعوا فیه كلّهم لتعظیم المعبود و الأكل و الشرب، و من ذبح شیئا من القرابین ینصب علی باب داره خشبا و یجعل القربان علیه، بقرا كان أو كبشا أو تیسا أو خنزیرا، حتی یعلم الناس انّه یقرّب به تعظیما لمعبوده. و المدینة قلیلة الخیر و البركة. أكثر مأكولهم السمك فإنّه كثیر بها. و إذا ولد لأحدهم أولاد یلقیهم فی البحر لیخفّ علیه نفقتهم.
و حكی أیضا أن الطلاق عندهم إلی النساء، و المرأة تطلق نفسها متی شاءت.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 602
و بها كحل مصنوع إذا اكتحلوا به لا یزول أبدا، و یزید الحسن فی الرجال و النساء، و قال: لم أسمع غناء أقبح من غناء أهل شلشویق. و هی دندنة تخرج من حلوقهم كنباح الكلاب و أوحش منه.

شناس‌

بلیدة من بلاد لكزان علی طرف جبل شاهق جدّا، لا طریق إلیها إلّا من أعلی الجبل، فمن أراد أن یأتیها أخذ بیده عصا و ینزل یسیرا یسیرا من شدّة هبوب الریح، لئلّا تسفره الریح. و البرد عندهم فی غایة الشدّة سبعة أشهر.
فیها كلبة و ینبت عندهم نوع من الحبّ یقال له السلت، و شی‌ء من التفاح الجبلی.
و أهلها أهل الخیر و الصلاح و الضیافة للفقراء و الإحسان إلی الغرباء، و صنعتهم عمل الأسلحة كالدروع و الجواشن و غیرها من أنواع الأسلحة.

ظاخر

مدینة كبیرة آهلة علی ستّ مراحل من جنزة، و هی قصبة بلاد لكزان.
البرد بها شدید جدّا. حدّثنی الفقیه یوسف بن محمّد الجنزی أن ماءها من نهر یسمّی ثمور، یكون جامدا فی الشتاء و الصیف، یكسرون الجمد و یسقون الماء من تحته، فإذا اسقوا و جعلوه فی جرّة تركوها فی غطاء من جلد الغنم، لئلّا یجمد فی الحال. و قوتهم من حبّ یقال له السلت، یشبه الشعیر فی صورته، و طبعه طبع الحنطة، و لا تجارة عندهم و لا معاملة، بل كلّ واحد یزرع من هذا الحبّ قدر كفایته، و یتقوّت به و بدرّ غنیمات له و رسلها و یلبس من صوفها.
و لا رئیس بل عندهم خطیب یصلّی بهم، و قاض یفصل الخصومات بینهم علی مذهب الإمام الشافعی. و أهل المدینة كلّهم شافعیة، بها مدرسة بناها الوزیر نظام الملك الحسن بن علیّ بن إسحق، و فیها مدرّس و فقهاء، و شرط لكلّ فقیه فیها كلّ شهر رأس غنم و قدر من السلت، و ذكر أنّهم نقلوا مختصر المزنی إلی لغة اللكزیة، و كذلك كتاب الإمام الشافعی، و یشتغلون بهما.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 603

فاراب‌

ولایة فی تخوم الترك بقرب بلاد ساغو، مقدارها فی الطول و العرض أقلّ من یوم، إلّا أن بها منعة و بأسا. و هی أرض سبخة ذات غیاض.
ینسب إلیها الأدیب الفاضل إسماعیل بن حمّاد الجوهری، صاحب كتاب صحاح اللغة، و كذلك خاله إسحق بن إبراهیم، صاحب دیوان الأدب، و من العجب أنّهما كانا من أقصی بلاد الترك، و صارا من أئمّة العربیّة!

فرغانة

ناحیة بما وراء النهر متاخمة لبلاد الترك كثیرة الخیرات وافرة الغلات؛ قال ابن الفقیه: بناها أنوشروان كسری الخیر. نقل إلیها من كلّ أهل بیت و سمّاها هرخانه، بها جبال ممتدّة إلی بلاد الترك، و فیها من الأعناب و التفاح و الجوز و سائر الفواكه، و من الریاحین الورد و البنفسج و غیرهما، كلّها مباح لا مالك لها، و فیها و فی أكثر جبال ما وراء النهر الفستق المباح. و بها من المعادن معدن الذهب و الفضّة و الزئبق و الحدید و النحاس، و الفیروزج و الزاج و النوشاذر و النفط و القیر و الزفت، و بها جبل تحترق حجارته مثل الفحم، یباع، و إذا احترق یستعمل رماده فی تبییض الثیاب؛ قال الاصطخری: لا أعرف مثل هذا الحجر فی جمیع الأرض. و بها عیون ماؤها یجمد فی الصیف عند شدّة الحرّ، و فی الشتاء یكون حارّا جدّا حتی یأوی إلیها السوام لدف‌ء موضعها.

قسطنطینیّة

دار ملك الروم، بینها و بین بلاد المسلمین البحر الملح، بناها قسطنطین بن سویروس صاحب رومیة، و كان فی زمن شابور ذی الأكتاف، و جری بینهما محاربات استخرج الحكماء وضعها. لم یبن مثلها قبلها و لا بعدها، و الحكایة عن عظمها و حسنها كثیرة، و هذه صورتها:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 604
و الآن لم تبق علی تلك الصورة، لكنها مدینة عظیمة. بها قصر الملك یحیط به سور دورته فرسخ، له ثلثمائة باب من حدید، فیه كنیسة الملك، و قبّتها من ذهب، لها عشرة أبواب: ستّة من ذهب، و أربعة من فضّة. و الموضع الذی یقف فیه الملك أربعة أذرع فی أربعة أذرع، مرصّع بالدر و الیاقوت، و الموضع الذی یقف فیه القس ستّة أشبار من قطعة عود قماری.
و جمیع حیطان الكنیسة بالذهب و الفضّة، و بین یدیه اثنا عشر عمودا، كلّ عمود أربعة أذرع، و علی رأس كلّ عمود تمثال، إمّا صورة آدمی أو ملك أو فرس أو أسد أو طاووس أو فیل أو جمل. و بالقرب منه صهریج، فإذا
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 605
أرسل فیه الماء امتلأ، یصعد الماء إلی تلك التماثیل التی علی رؤوس الأساطین، فإذا كان یوم الشعانین، و هو عیدهم، فی الصهریج حیاض ملؤها حوض زیتا و حوض خمرا و حوض عسلا، و حوض ماء وردا و حوض خلّا، و طیبوها بالمسك و القرنفل، و حوض ماء صافیا. و یغطی الصهریج بحیث لا یراه أحد فیخرج الماء و الشراب و المائعات من أفواه تلك الصور، فیتناول الملك و أصحابه و جمیع من خرج معه إلی العید.
و بقرب الكنیسة عمود طوله ثلاثمائة ذراع و عرضه عشرة أذرع، و فوق العمود قبر قسطنطین الملك الذی بنی الكنیسة، و فوق القبر تمثال فرس من صفر، و علی الفرس صنم علی صورة قسطنطین، علی رأسه تاج مرصع بالجواهر، ذكروا أنّه كان تاج هذا الملك، و قوائم الفرس محكمة بالرصاص علی الصخرة، ما عدا یده الیمنی فإنّها سائبة فی الهواء، و ید الصنم الیمنی فإنّها فی الجوّ كأنّه یدعو الناس إلی قسطنطینیة، و فی یده الیسری كرة، و هذا العمود یظهر فی البحر من مسیرة بعض یوم للراكب فی البحر، و اختلفت أقاویل الناس فیها: فمنهم من یقول فی ید الصنم طلسم یمنع العدوّ عن البلد، و منهم من یقول: علی الكرة التی بیده مكتوب: ملكت الدنیا حتی صارت بیدی هكذا، یعنی كهذه الكرة، و خرجت منها مبسوط الید هكذا. و اللّه أعلم.
و من عجائب الدنیا ما ذكره الهروی، و هو منارة قسطنطینیة، و هی منارة موثقة بالرصاص و الحدید، و هی فی المیدان إذا هبّت ریاح أمالتها جنوبا و شمالا و شرقا و غربا من أصل كرسیها. و یدخل الناس الخزف و الجوز فی خلل بنائها فتطحنها.
و بها فنجان الساعات: اتّخذ فیه اثنا عشر بابا، لكلّ باب مصراع طوله شبر علی عدد الساعات، كلّما مرّت ساعة من ساعات اللیل أو النهار انفتح باب و خرج منه شخص، و لم یزل قائما حتی تتمّ الساعة، فإذا تمّت الساعة دخل ذلك الشخص وردّ الباب، و انفتح باب آخر و خرج منه شخص آخر علی هذا المثال.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 606
و ذكر الروم انّه من عمل بلیناس الحكیم، و علی باب قصر الملك طلسم و هو ثلاثة تماثیل من صفر علی صورة الخیل، عملها بلیناس للدواب لئلّا تشغب و لا تصهل علی باب الملك.
قال صاحب تحفة الغرائب: فی حدّ خلیج قسطنطینیة قریة فیها بیت من الحجر و فی البیت صورة الرجال و النساء و الخیل و البغال و الحمیر و غیرها من الحیوانات، فمن أصابه و جع فی عضو من أعضائه یدخل ذلك البیت، و یقرب من مثل صورته و یمسح بیده مثل العضو الوجع من الصورة، ثمّ یمسح العضو الوجع فإن وجعه یزول فی الحال.
و بها قبر أبی أیوب الأنصاری صاحب رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم.
حكی أنّه لمّا غزا یزید بن معاویة بلاد الروم، أخذ معه أبا أیوب الأنصاری، و كان شیخا همّا، أخذه للبركة فتوفی عند قسطنطینیة، فأمر یزید أن یدفن هناك و یتّخذ له مشهد. فقال صاحب الروم: ما أقلّ عقل هذا الصبی! دفن صاحبه ههنا و بنی له مشهدا، ما تفكّر فی أنّه إذا مشی نبشناه و رمیناه إلی الكلاب! فبلغ هذا القول یزید بن معاویة قال: ما رأیت أحمق من هذا، ما تفكّر فی أنّه إن فعل ذلك ما نترك قبرا من قبور النصاری فی بلادنا إلّا نبشناه، و لا كنیسة إلّا خربناها! فعند ذلك قال صاحب الروم: ما رأینا أعقل منه و لا ممّن أرسله! و هذه التربة عندهم الیوم معظّمة، یستصحبون فیها و یكشفون سقفها عند الاستسقاء إذا قحطوا فیغاثون.

القلیب‌

أرض قریبة من بلاد الصین. ذكروا أن بعض التبابعة أراد غزو الصین، فمات فی طریقه، فتخلّف عنه أصحابه و أقاموا بهذه الأرض فوجدوها أرضا طیبة كثیرة المیاه و الأشجار. لهم بها مصایف و مشات، یتكلّمون بالعربیّة القدیمة لا یعرفون غیرها، و یكتبون بالقلم الحمیری و لا یعرفون قلمنا، و یعبدون الأصنام
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 607
و ملكهم من أهل بیت قدیم، لا یخرجون الملك عن أهل ذلك البیت، و ملكهم یهادی ملك الصین. و لهم أحكام و حظر الزنا و الفسق، و مملكتهم مسیرة شهر واحد، أخبر بذلك كلّه مسعر بن مهلهل عن مشاهدتها.

كرتنة

قال العذری: إنّها مدینة كبیرة بأرض الفرنج، یسكنها قوم نصف وجه كلّ واحد منهم أبیض فی بیاض مثل الثلج، و النصف الآخر معتدل اللون.

كرمالة

حصن بأرض الفرنج؛ قال العذری: حكی نصاری تلك الناحیة أنّه مرّ بهذا الحصن شیث مرّتین، فخرجت علیه امرأة كانت زوجة سلّاب علی الطریق، هی و زوجها یسلبان ثیاب المارّین. فخرجت المرأة علی شیث مرّتین، و كان مستجاب الدعوة، فجردته عن ثیابه و هو مطاوع لها و أعطاها حتی بلغت به نزع السراویل، فعند ذلك دعا علیها فمسخت حجرا صلدا من ساعتها، فأدخل فی فمها زرجونة فصارت الزرجونة مطعمة. و كلّ من أكل من أصل تلك الزرجونة لم یولد له ولد.

مدینة النساء

مدینة كبیرة واسعة الرقعة فی جزیرة فی بحر المغرب؛ قال الطرطوشی:
أهلها نساء لا حكم للرجال علیهن، یركبن الخیول و یباشرن الحرب بأنفسهن، و لهن بأس شدید عند اللقاء، و لهن ممالیك یختلف كلّ مملوك باللیل إلی سیّدته، و یكون معها طول لیلته، و یقوم بالسّحر و یخرج مستترا عند انبلاج الفجر، فإذا وضعت إحداهن ذكرا قتلته فی الحال، و إن وضعت أنثی تركتها. و قال الطرطوشی: مدینة النساء یقین لا شكّ فیها.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 608

مغانجة

مدینة عظیمة جدّا، بعضها مسكون و الباقی مزروع. و هی بأرض الفرنج علی نهر یسمّی رین. و هی كثیرة القمح و الشعیر و السلت و الكروم و الفواكه.
بها دراهم من ضرب سمرقند فی سنة إحدی و اثنتین و ثلاث مائة، علیها اسم صاحب السكة و تاریخ الضرب؛ قال الطرطوشی: أحسب أنّه ضرب نصر بن أحمد السامانی.
و من العجائب أن بها العقاقیر التی لا توجد إلّا بأقصی الشرق، و انّها من أقصی الغرب كالفلفل و الزنجبیل و القرنفل و السنبل و القسط و الخاولنجان، فإنّها تجلب من بلاد الهند و إنّها موجودة بها مع الكثرة.

نیقیة

قال ابن الهروی: إنّها من أعمال استنبول. و هی المدینة التی اجتمع بها آباء الملّة المسیحیّة، فكانوا ثلاثمائة و ثمانیة عشر. آباء یزعمون أن المسیح كان معهم فی هذا المجمع، و هو أوّل المجامع لهذه الملّة، و به أظهروا الأمانة التی هی أصل دینهم. و فی بیعتها صور هؤلاء، و صورة المسیح علی كراسیهم. و فی طریق هذه المدینة تلّ علی رأسه قبر أبی محمّد البطال. و اللّه الموفق.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 609

الاقلیم السابع‌

اشارة

أوّله حیث یكون النهار فی الاستواء سبعة أقدام و نصف و عشر و سدس قدم، كما هو فی الإقلیم السادس، لأن آخره أوّل هذا، و آخره حیث یكون الظلّ نصف النهار فی الاستواء ثمانیة أقدام و نصفا و نصف عشر قدم. و لیس فیه كثیر عمارة إنّما هو من المشرق غیاض و جبال، یأوی إلیها فرق من الأتراك كالمستوحشین، یمرّ علی جبال باشغرت و حدود التحماكیة و بلدی سوار و بلغار، و ینتهی إلی البحر المحیط. و قلیل من وراء هذا الاقلیم من الأمم مثل ویسو و ورنك و یورة و أمثالهم. و وقع فی طرفه الأدنی الذی یلی الجنوب حیث وقع الطرف الشمالی فی الإقلیم السادس. و أطول نهار هؤلاء فی أوّل الإقلیم خمس عشرة ساعة و نصف و ربع ساعة، و أوسطه ستّ عشرة، و آخره ستّ عشرة و ربع، و طوله من المشرق إلی المغرب ستّة آلاف میل و سبعمائة و ثمانون میلا و أربع و خمسون دقیقة، و عرضه مائة و خمسة و ثمانون میلا و عشرون دقیقة، و تكسیره ألف ألف میل و مائتا ألف میل و أربعة و عشرون ألف میل و ثمانمائة و أربعة و عشرون میلا و تسع و أربعون دقیقة. و آخر هذا الإقلیم هو آخر العمارة لیس وراءه إلّا قوم لا یعبأ بهم، و هم بالوحش أشبه. و لنذكر شیئا ممّا فی هذا الإقلیم من العمارات. و اللّه الموفق.

باشغرت‌

جیل عظیم من الترك بین قسطنطینیة و بلغار. حكی أحمد بن فضلان رسول المقتدر باللّه إلی ملك الصقالبة لمّا أسلم فقال: عند ذكر باشغرت وقعنا فی بلاد
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 610
قوم من الترك، وجدناهم شرّ الأتراك و أقدرهم و أشدّهم إقداما علی القتل، فوجدتهم یقولون: للصیف ربّ، و للشتاء ربّ، و للمطر ربّ، و للریح ربّ، و للشجر ربّ، و للناس ربّ، و للدوابّ ربّ، و للماء ربّ، و للیل ربّ، و للنهار ربّ، و للموت ربّ، و للحیاة ربّ، و للأرض ربّ، و للسماء ربّ، و هو أكبرهم إلّا أنّه یجتمع مع هؤلاء بالاتّفاق و یرضی كلّ واحد بعمل شریكه.
و حكی أنّه رأی قوما یعبدون الكراكی فقلت: إن هذا من أعجب الأشیاء! و سألت عن سبب عبادتهم الكراكی فقالوا: كنّا نحارب قوما من أعدائنا فهزمونا، فصاحت الكراكی وراءهم فحسبوها كمینا منّا فانهزموا، و رجعت الكرة لنا علیهم، فنعبدها لأنّها هزمت أعداءنا.
و حكی فقیه من باشغرت أن أهل باشغرت أمّة عظیمة، و الغالب علیهم النصاری، و فیهم جمع من المسلمین علی مذهب الإمام أبی حنیفة، و یؤدون الجزیة إلی النصاری كما تؤدی النصاری ههنا إلی المسلمین. و لهم ملك فی عسكر كثیر. و أهل باشغرت فی خرقاهات، لیس عندهم حصون، و كانت كلّ حلّة من الحلل اقطاعا لمتقدّم صاحب شوكة. و كان كثیرا ما یقع بینهم خصومات بسبب الإقطاعات، فرأی ملك باشغرت أن یسترد منهم الإقطاعات، و یجری لهم الجامكیات من الخزانة دفعا لخصوماتهم، ففعل.
فلمّا قصدهم التتر تجهّز ملك باشغرت لالتقائهم؛ قال المتقدّمون: لسنا نقاتل حتی تردّ إلینا إقطاعاتنا! فقال الملك: لست أردّ إلیكم علی هذا الوجه، و أنتم إن قاتلتم فلأنفسكم و أولادكم! فتفرّق ذلك الجمع الكثیر، و دهمهم سیف التتر بلا مانع، و تركوهم حصیدا خامدین.

باطن الرّوم‌

بها جیل كثیرون علی ملّة النصاری. و هم كبنی أمّ واحدة، بینهم محبّة شدیدة یقال لهم الطرشلیة؛ ذكر العذری أن لهم عادات عجیبة، منها أن أحدهم
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 611
إذا شهد علی الآخر بالنفاق یمتحنان بالسیف، و ذلك بأن یخرج الرجلان الشاهد و المشهود علیه بإخوتهما و عشیرتهما، فیعطی كلّ واحد سیفین یشدّ أحدهما فی وسطه و یأخذ الآخر بیده، و یحلف الذی نسب إلی النفاق أنّه بری‌ء ممّا رمی به بالأیمان المعتبرة عندهم، و یحلف الآخر أن الذی قال فیه حقّ، ثمّ یسجد كلّ واحد علی بعد من صاحبه نحو المشرق، ثمّ یبرز كلّ واحد إلی صاحبه و یتقاتلان حتی یقتل أحدهما أو ینقاد.
و منها محنة النار، فإذا اتّهم أحد بالمال أو الدم تؤخذ حدیدة تحمی بالنار، و یقرأ علیها شی‌ء من التوراة و شی‌ء من الإنجیل و یثبت فی الأرض عودان قائمان، و تؤخذ الحدیدة بالكلبتین من النار، و تنزّل علی طرفی العودین، فیأتی المتّهم و یغسل یدیه و یأخذ الحدیدة و یمشی بها ثلاث خطوات ثمّ یلقیها و یربط یده برباط، و یختم علیه و یوكّل به یوما و لیلة، فإن وجد به فی الیوم الثالث نفاطة یخرج منها الماء فهو مجرم، و إلّا فهو بری‌ء.
و منها محنة الماء، و هی أن المتّهم تربط یداه و رجلاه و یشدّ فی حبل، و القسیس یمشی به إلی ماء كثیر یلقیه فیه، و هو یمسك الحبل، فإن طفا فهو مجرم، و إن رسب فهو بری‌ء بزعمهم أن الماء قبله! و لا یمتحنون بالماء و النار إلّا العبید، و أمّا الأحرار فإن اتّهموا بمال أقلّ من خمسة دنانیر یبرز الرجلان بالعصا و الترس، فیتضاربان حتی ینقاد أحدهما، فإن كان أحد الخصمین امرأة أو اشلّ أو یهودیّا، یقیم عن نفسه بخمسة دنانیر، فإن وقع المتّهم فلا بدّ من صلبه و أخذ جمیع ماله، و یعطی المبارز من ماله عشرة دنانیر.

بجنة

موضع ببلاد الترك، بها جبل علی قلّته شبه خرقاه من الحجر، و داخل الخرقاه عین ینبع الماء منها، و علی ظهر الخرقاه شبه كوة یخرج الماء منها و ینصبّ من الخرقاه إلی الجبل، و من الجبل إلی الأرض، و تفوح من ذلك الماء رائحة طیّبة.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 612

برجان‌

بلاد غائطة فی جهة الشمال، ینتهی قصر النهار فیها إلی أربع ساعات و اللیل إلی عشرین ساعة و بالعكس. أهلها علی الملّة المجوسیّة و الجاهلیّة، یحاربون الصقالبة. و هم مثل الإفرنج فی أكثر أمورهم، و لهم حذق بالصناعات و مراكب البحر.

بلغار

مدینة علی ساحل بحر مانیطس؛ قال أبو حامد الأندلسی: هی مدینة عظیمة مبنیة من خشب الصنوبر، و سورها من خشب البلّوط، و حولها من أمم الترك ما لا یعدّ و لا یحصی. و بین بلغار و قسطنطینیة مسیرة شهرین و بین ملوكهم قتال.
یأتی ملك بلغار بجنود كثیرة و یشنّ الغارات علی بلاد قسطنطینیّة، و المدینة لا تمتنع منهم إلّا بالأسوار.
قال أبو حامد الأندلسی: طول النهار ببلغار یبلغ عشرین ساعة و لیلهم یبقی أربع ساعات، و إذا قصر نهارهم یعكس ذلك. و البرد عندهم شدید جدّا لا یكاد الثلج ینقطع عن أرضهم صیفا و شتاء.
حكی أبو حامد الأندلسی أن رجلا صالحا دخل بلغار، و كان ملكها و زوجته مریضین مأیوسین من الحیاة، فقال لهما: إن عالجتكما تدخلان فی دینی؟ قالا:
نعم! فعالجهما فدخلا فی دین الإسلام، و أسلم أهل تلك البلاد معهما، فسمع بذلك ملك الخزر فغزاهم بجنود عظیمة، فقال ذلك الرجل الصالح: لا تخافوا و احملوا علیهم و قولوا اللّه أكبر اللّه أكبر! ففعلوا ذلك و هزموا ملك الخزر، ثمّ بعد ذلك صالحهم ملك الخزر و قال: إنی رأیت فی عسكركم رجالا كبارا علی خیل شهب یقتلون أصحابی! فقال الرجل الصالح: أولئك جند اللّه! و كان اسم ذلك الرجل بلار، فعرّبوه فقالوا بلغار؛ هكذا ذكر القاضی البلغاری فی
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 613
تاریخ بلغار، و كان من أصحاب إمام الحرمین، و ملك بلغار فی ذلك البرد الشدید یغزو الكفّار و یسبی نساءهم و ذراریهم. و أهل بلغار أصبر الناس علی البرد، و سببه أن أكثر طعامهم العسل و لحم القندر و السنجاب.
و حكی أبو حامد الأندلسی أنّه رأی بأرض بلغار شخصا من نسل العادیین الذین آمنوا بهود، علیه السلام، و هربوا إلی جانب الشمال، كان طوله أكثر من سبعة أذرع، كان الرجل الطویل إلی حقوه، و كان قویّا یأخذ ساق الفرس فیكسرها، و لا یقدر غیره أن یكسرها بالفأس. و كان فی خدمة ملك بلغار، و هو قرّبه و اتّخذ له درعا علی قدره و بیضة كأنّها مرجل كبیر، و یأخذه معه فی الحروب علی عجلة لأن الجمل ما كان یحمله، و یمشی إلی الحرب علی عجلة كیلا یتعب من المشی، و یقاتل راجلا بخشبة فی یده طویلة لا یقدر الرجل الواحد علی حملها، و كانت فی یده كالعصا فی ید أحدنا، و الأتراك یهابونه إذا رأوه مقبلا إلیهم انهزموا، و مع ذلك كان لطیفا مصلحا عفیفا.
و فی كتاب سیر الملوك أن القوم الذین آمنوا بهود، علیه السلام، و هربوا إلی بلاد الشمال، و أمعنوا فیها توجد بأرض بلغار عظامهم؛ قال أبو حامد: رأیت سنّا واحدة عرضها شبران و طولها أربعة أشبار، و جمجمة رأسه كالقبّة، و توجد تحت الأرض أسنان مثل أنیاب الفیلة بیض كالثلج، ثقیلة فی الواحدة منها مائتا منّ، لا یدری لأیّ حیوان هی، فلعلّها سنّ دوابهم تحمل إلی خوارزم.
و القفل متّصلة من بلاد بلغار إلی خوارزم إلّا أن طریقهم فی واد من الترك، و یشتری من تلك الأسنان فی خوارزم بثمن جیّد، تتّخذ منها الأمشاط و الحقاق و غیرهما، كما تتّخذ من العاج بل هی أقوی من العاج لا تنكسر البتّة.
و حكی من الأمور العجیبة أن أهل ویسو و یورا إذا دخلوا بلاد بلغار ولو فی وسط الصیف برد الهواء، و یصیر كالشتاء یفسد زروعهم؛ و هذا مشهور عندهم لا یخلّون أحدا یدخل بلغار من أهل تلك البلاد.
و بها نوع من الطیر لم یوجد فی غیرها من البلاد؛ قال أبو حامد: هو طیر
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 614
ذو منقار طویل، یكون منقاره الأعلی مائلا إلی الیمین ستّة أشبار، و إلی الیسار ستّة أشبار مثل لام ألف، و عند الأكل ینطبق. ذكر أن لحمه نافع لحصاة الكلی و المثانة، و إذا وقعت بیضته فی الثلج أو الجمد أذابته كالنار.

شوشیط

حصن بأرض الصقالبة، فیه عین ماء ملح، و لا ملح، بتلك الناحیة أصلا.
فإذا احتاجوا إلی الملح أخذوا من ماء هذه العین، و ملأوا منه القدور و تركوها فی فرن من حجارة، و أوقدوا تحتها نارا عظیمة، فیخثر و یتعكّر ثمّ یترك حتی یبرد فیصیر ملحا جامدا أبیض، و بهذه الطریقة یعمل الملح الأبیض فی جمیع بلاد الصقالبة.

صقلاب‌

أرض صقلاب فی غربی الإقلیم السادس و السابع. و هی أرض متاخمة لأرض الخزر فی أعالی جبال الروم؛ قال ابن الكلبی: روم و صقلاب و أرمن و فرنج كانوا اخوة، و هم بنو لیطی بن كلوخیم بن یونان بن یافث بن نوح، علیه السلام، سكن كلّ واحد بقعة من الأرض فسمّیت البقعة به. و الصقالبة قوم كثیرون صهب الشعور حمر الألوان ذوو صولة شدیدة.
قال المسعودی: الصقالبة أقوام مختلفة بینهم حروب، لولا اختلاف كلمتهم لما قاومتهم أمّة فی الشدّة و الجرأة، و لكلّ قوم منهم ملك لا ینقاد لغیره: فمنهم من یكون علی دین النصرانیّة الیعقوبیّة، و منهم من یكون علی دین النسطوریّة و منهم من لا دین له و یكون معطلا، و منهم من یكون من عبدة النیران. و لهم بیت فی جبل ذكرت الفلاسفة أنّه من الجبال العالیة، و لهذا البیت أخبار عجیبة فی كیفیّة بنائه، و ترتیب أحجاره، و اختلاف ألوانها، و ما أودع فیه من الجواهر، و ما بنی من مطالع الشمس فی الكوی التی تحدث فیه و الآثار المرسومة التی زعموا
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 615
أنّها دالّة علی الكائنات المستقبلة، و ما تنذر به تلك الجواهر من الآثار و الحوادث قبل كونها، و ظهور أصوات من أعالیه و ما كان یلحقهم عند سماع ذلك!
حكی أحمد بن فضلان لمّا أرسله المقتدر باللّه إلی ملك الصقالبة، و قد أسلم، حمل إلیه الخلع. و ذكر من الصقالبة عادات عجیبة منها ما قال: دخلنا علیه و هو جالس علی سریر مغشی بالدیباج، و زوجته جالسة إلی جانبه، و الأمراء و الملوك علی یمینه، و أولاده بین یدیه، فدعا بالمائدة فقدّمت إلیه و علیها لحم مشوی، فابتدأ الملك: أخذ سكینا فقطع لقمة أكلها ثمّ ثانیة ثمّ ثالثة ثمّ قطع قطعة دفعها إلیّ: فلمّا تناولتها جاؤوا بمائدة صغیرة و وضعت بین یدیّ، و هكذا ما كان أحد یمدّ یده إلی الأكل حتی أعطاه الملك، فإذا أعطاه الملك جاؤوا له بمائدة صغیرة وضعت بین یدیه، حتی قدم إلی كلّ واحد مائدة لا یشاركه فیها أحد.
فإذا فرغوا من الأكل حمل كلّ واحد مائدته معه إلی بیته.
و منها أن كلّ من دخل علی الملك من كبیر أو صغیر حتی أولاده و إخوته، فساعة وقوع نظرهم علیه أخذ قلنسوته و جعلها تحت إبطه، فإذا خرج من عنده لبسها، و إذا خرج الملك لم یبق أحد فی الأسواق و الطرقات إلّا قام و أخذ قلنسوته من رأسه و جعلها تحت إبطه، حتی إذا جاوزهم تقلنسوا بها.
و منها أنّه إن رأوا أحدا علیه سلاحه و هو یبول أخذوا سلاحه و ثیابه و جمیع ما معه، و حملوا ذلك علی جهله و قلّة درایته، و من جعل سلاحه ناحیة حملوا ذلك علی درایته و معرفته و لم یتعرّضوا له.
و منها ما ذكر أنّه قال: رأیت الرجال و النساء ینزلون فی النهر و یغتسلون عراة، لا یستتر بعضهم من بعض و لا یزنون البتّة. و الزنا عندهم من أعظم الجرائم، و من زنی منهم كائنا من كان ضربوا له أربع سكك و شدّوا یدیه و رجلیه إلیها، و قطعوا بالفأس من رقبته إلی فخذیه، و كذلك بالمرأة، و یفعلون مثل ذلك بالسارق أیضا.
و منها ما ذكره أبو حامد الأندلسی أن أحدهم إذا تعرّض لجاریة الغیر أو
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 616
ولده أخذ منه جمیع ما یملكه، فإن كان فقیرا یباع علیه أولاده، فإن لم یكن له أولاد یباع علیه نفسه، فلا یزال یخدم لمولاه حتی یفدی أحد عنه. و إذا عامل أحد منهم غریبا و أفلس یباع علیه أهله و ولده و مسكنه و نفسه، و یقضی دین الغریب، و هؤلاء نصاری نسطوریة.
و منها أنّه یظهر فی كلّ عشرین سنة عندهم السحر من العجائز، فیقع بسبب ذلك فساد كثیر بین الناس، فیأخذون كلّ عجوز وجدوها فی بلادهم و یشدّون أیدیهن و أرجلهن، و لهم نهر عظیم یلقونهن فی ذلك النهر، فالتی طفت علی الماء علموا أنّها ساحرة فأحرقوها، و التی رسبت علموا أنّها لیست بساحرة فسیّبوها.
و منها أن الرجل إذا صار صاحب ولد قام بأمره حتی یحتلم، فإذا احتلم دفع إلیه قوسا و نشاشیب و یقول: مرّ احتل لنفسك! و یخرجه من عنده و یجعله بمنزلة الغریب الأجنبی.
و منها أن بناتهم الأبكار یخرجن مكشوفات الرأس و یراهن كلّ أحد، فمن رغب فی واحدة منهنّ ألقی علی رأسها خمارا، فصارت زوجة له فلا یمنعه عنها أحد، فیتزوّج عشرین أو أكثر، و لهذا عددهم كثیر لا یحصی.
بها نهر ماؤه أسود مثل ماء بحر الظلمات، إلّا أنّه عذب و لیس فیه شی‌ء من السمك. و به الحیات الكبار السود، و لیس فیها أذیّة. و فی هذا النهر السمور، و هو حیوان أصغر من السنور، شعره فی غایة النعومة یقال له سنور الماء، و فی هذا النهر منه كثیر جدّا، یحمل جلده إلی سقسین و بلغار یتعاملون علیه، و إنّه فروة ناعمة جدّا.

مشقّة

مدینة واسعة فی بلاد الصقالبة علی طرف البحر، بین آجام لا یمكن مرور العساكر فیها. اسم ملكها مشقّة، سمّیت باسمه، و هی مدینة كثیرة الطعام و العسل و اللحم و السمك، و لملكها أجناد رجالة لأن الخیل لا تمشی فی بلادهم.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 617
و له جبایات فی مملكته یعطی لأجناده كلّ شهر أرزاقهم، و عند الحاجة یعطیهم الخیل و السرج و اللّجم و السلاح و جمیع ما یحتاجون إلیه، فمن ولد أجری الملك علیه رزقه، ذكرا كان أو أنثی، فإذا بلغ المولود فإن كان ذكرا زوّجه و أخذ من والده المهر، و سلّمه إلی والد المرأة. و المهر عندهم ثقیل، فإذا ولد للرجل ابنتان أو ثلاث صار غنیّا، و إن ولد له ابنان أو ثلاثة صار فقیرا. و التزویج برأی ملكهم لا باختیارهم، و الملك یتكفّل بجمیع مؤوناتهم و مؤونة العرس علیه، و هو مثل الوالد المشفق علی رعیته، و هؤلاء غیرتهم علی نسائهم شدیدة بخلاف سائر الأتراك.

واطر بورونة

حصن حصین بأرض الصقالبة، قریب من حصن شوشیط، بها عین ماء عجیبة تسمّی عین العسل، و هی فی جبل بقرب شعرا، مذاق مائها فی المبدإ مذاق العسل، و عند مقطعه فیه عفوصة اكتسبت ذلك الطعم من الأشجار النابتة حولها.

ورنك‌

موضع علی طرف البحر الشمالی. و ذلك أن البحر المحیط من جانب الشمال خرج منه خلیج إلی نحو الجنوب، فالموضع الذی علی طرف ذلك الخلیج یسمّی به الخلیج یقال له بحر ورنك. و هو أقصی موضع فی الشمال، البرد به عظیم جدّا و الهواء غلیظ و الثلج دائم. لا یصلح للنبات و لا للحیوان. قلّما یصل إلیه أحد من شدّة البرد و الظلمة و الثلج. و اللّه أعلم.

ویسو

بلاد وراء بلاد بلغار، بینهما مسیرة ثلاثة أشهر. ذكروا أن النهار یقصر عندهم حتی لا یرون شیئا من الظلمة، ثمّ یطول اللیل حتی لا یرون شیئا من
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 618
الضوء. و أهل بلغار یحملون بضائعهم إلیها للتجارة، و كلّ واحد یجعل متاعه فی ناحیة، و یعلم علیه و یتركه ثمّ یرجع إلیه فیجد إلی جنبه متاعا یصلح لبلاده، فإن رضی بها أخذ العوض و ترك متاعه، و إن لم یرض أخذ متاعه و ترك العوض، و لا یری البائع المشتری البائع كما ذكرنا فی بلاد الجنوب بأرض السودان.
و أهل و یسو لا یدخلون بلاد بلغار لأنّهم إذا دخلوها تغیّر الهواء و ظهر البرد، و إن كان فی وقت الصیف، فیهلك حیوانهم و یفسد نباتهم. و أهل بلغار یعرفون ذلك فلا یمكنونهم من دخول بلادهم.

یأجوج و مأجوج‌

قبیلتان عظیمتان من الترك من ولد یافث بن نوح، علیه السلام. مسكنهم شرقی الإقلیم السابع. روی الشعبی أن ذا القرنین لمّا وصل إلی أرض یأجوج و مأجوج اجتمع إلیه خلق كثیر، و استغاثوا من یأجوج و مأجوج و قالوا: أیّها الملك المظفّر إن وراء هذا الجبل أمما لا یحصیهم إلّا اللّه، یخربون دیارنا و یأكلون زروعنا و ثمارنا، و یأكلون كلّ شی‌ء حتی العشب، و یفترسون الدوابّ افتراس السباع، و یأكلون حشرات الأرض كلّها، و لا ینمو خلق مثل نمائهم، لا یموت أحدهم حتی یولد له ألف من الولد! قال ذو القرنین: كم صنفهم؟ قالوا:
هم أمم لا یحصیهم إلّا اللّه. و أما من قربت منازلهم فستّ قبائل: یأجوج و مأجوج و تأویل و تاریس و منسك و كمادی. و كلّ قبیلة من هؤلاء مثل جمیع أهل الأرض، و أمّا من كان منّا بعیدا فإنّا لا نعرفهم. قال ذو القرنین: و ما طعامهم؟ قالوا:
یقذف البحر إلیهم فی كلّ عام سمكتین، و یكون بین رأس كلّ سمكة و ذنبها أكثر من مسیرة عشرة أیّام، و یرزقون من التماسیح و الثعابین و التنانین فی أیّام الربیع، و هم یستمطرونها كما یستمطر الغیث، فإذا مطروا بذلك أخصبوا و سمنوا؛ و إذا لم یمطروا بذلك أجدبوا. و هزلوا. قال ذو القرنین: و ما صفتهم؟ قالوا:
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 619
قصار ضلع، عراض الوجوه، مقدار طولهم نصف قامة رجل مربوع، و لهم أنیاب كأنیاب السباع، و مخالب مواضع الأظفار، و لهم صلب علیه شعر، و لهم أذنان عظیمتان: إحداهما علی ظاهرها وبر كثیر و باطنها أجرد، و الأخری علی باطنها وبر كثیر و ظاهرها أجرد، تلتحف إحداهما و تفترش الأخری. و علی بدنهم من الشعر مقدار ما یواریه، و هم یتداعون تداعی الحمام و یعوون عواء الكلب، و یتسافدون حیث التقوا تسافد البهائم.
جاء فی بعض الأخبار أن یأجوج و مأجوج ینحتون السدّ كلّ یوم حتی یكادون یرون الشمس من ورائه، فیقول قائلهم: ارجعوا سوف ننقبه غدا، فیرجعون فیعیده اللّه تعالی لیلتهم كما كان، ثمّ یحفرونه و ینحتونه من الغد كذلك كلّ یوم و لیلة، إلی أن یأتی وقت خروجهم فیقول قائلهم: ارجعوا سننقبه غدا إن شاء اللّه تعالی! فیبقی رقیقا إلی أن یعودوا إلیه من غدهم فیرونه كذلك، فینقبونه و یخرجون علی الناس فیشربون میاه الأرض حتی ینشّفوها، و یتحصّن الناس بحصونهم فیظهرون علی الأرض و یقهرون من وجدوه، فإذا لم یبق أحد لهم رموا بالنشاب إلی السماء، فترجع إلیهم و فیها كهیئة الدم، فیقولون: قد غلبنا أهل الأرض و علونا أهل السماء! ثمّ إن اللّه تعالی یبعث إلیهم دودا یقال له النغف، یدخل فی آذانهم و مناخرهم فیقتلهم، قال، صلّی اللّه علیه و سلّم: و الذی نفسی بیده، إن دواب الأرض لتسمن من لحومهم!
روی أبو سعید الخدری قال: سمعت رسول اللّه، صلّی اللّه علیه و سلّم، یقول: یفتح سدّ یأجوج و مأجوج فیخرجون علی الناس كما قال تعالی: و هم من كلّ حدب ینسلون. فیغشون الأرض كلّها، فینحاز المسلمون إلی حصونهم و یضمّون إلیهم مواشیهم، فیشرب یأجوج و مأجوج میاه الأرض، فیمرّ أوائلهم بالنهر فیشربون ما فیه و یتركونه یابسا، فیمرّ به من بعدهم و یقولون: لقد كان ههنا مرّة ماء! و لا یبقی أحد من الناس إلّا من كان فی حصن أو جبل شامخ أو وزر، فیقول قائلهم: قد فرغنا من أهل الأرض، بقی من فی السماء. ثمّ
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 620
یهزّ حربته فیرمی نحو السماء، فترجع إلیهم مخضوبة بالدم للبلاء و الفتنة فیقولون:
قد قتلنا أهل السماء! فبینا هم كذلك إذ سلّط اللّه تعالی علیهم دودا مثل النغف یدخل آذانهم، و قیل ینقب آذانهم أو أعناقهم، فیصبحون موتی لا یسمع لهم حسّ و لا حركة البتّة! فیقول المسلمون: ألا رجل یشری لنا نفسه فینظر ما فعل هؤلاء؟ فیتجرّد رجل منهم موطن نفسه من القتل فینزل إلی الأرض فیجدهم موتی بعضهم فوق بعض، فینادی: یا معشر المسلمین، ابشروا فقد كفاكم اللّه عدوّكم! فیخرجون من حصونهم و معاقلهم.
و روی أن الأرض تنتن من جیفهم فیرسل اللّه مطرا یسیل منه السیول، فیحمل جیفهم إلی البحار. و روی أن مدّتهم أربعون یوما، و قیل سبعون یوما، و قیل أربعة أشهر. و قال، صلّی اللّه علیه و سلّم: هؤلاء الذین لا یقوم لهم جبل و لا حدید، و لا یمرّون بفیل و لا خنزیر و لا جمل و لا وحشی و لا دابّة إلّا أكلوه، و من مات منهم أكلوه أیضا، مقدمتهم بالشام و ساقیهم بخراسان، یشربون أنهار المشرق و بحیرة طبریّة.

یورا

بلاد بقرب بحر الظلمات. قال أبو حامد الأندلسی: قال بعض التجار:
النهار عندهم فی الصیف طویل جدّا، حتی ان الشمس لا تغیب عنهم مقدار أربعین یوما. فی الشتاء لیلهم طویل جدّا حتی تغیب الشمس عنهم مقدار أربعین یوما، و الظلمات قریبة منهم. و حكی أن أهل یورا یدخلون تلك الظلمة بالضوء فیجدون شجرة عظیمة مثل قریة كبیرة، و علیها حیوان یقولون انّه طیر، و أهل یورا لیس لهم زرع و لا ضرع بل عندهم غیاض كثیرة، و أكلهم منها و من السمك، و الطریق إلیهم فی أرض لا یفارقها الثلج أبدا.
و حكی أن أهل بلغار یحملون السیوف من بلاد الإسلام إلی ویسو، و هی سیوف لم یتّخذ لها نصاب و لا حلی، بل تصل كما تخرج من النار و تسقی، فإن
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 621
علق السیف بخیط و نقر بإصبع سمع له طنین، فذلك السیف یصلح أن یحمل إلی بلاد یورا و یشتریه أهل یورا بثمن بالغ، و یرمونه فی البحر المظلم. فإذا فعلوا ذلك أخرج اللّه لهم من البحر سمكة مثل الجمل العظیم، تطردها سمكة أخری أكبر منها ترید أكلها، فتهرب منها حتی تقرب من الساحل فتصیر فی موضع لا یمكنها الحركة فیه، فتشبّث بالرمل فیعرف أهل یورا فیذهبون إلیها فی المراكب فكلّ من ألقی السیف یجتمع علیها و یقطع من لحمها. و ربّما یكثر ماء البحر بالمدّ، فترجع السمكة إلی البحر بعدما قطع منها من اللحم ما یملأ ألف بیت، و ربّما تبقی عندهم زمانا طویلا مؤونتهم فیقطعون منها، و إذا لم یبق فی البحر من تلك السیوف لم تخرج لهم السمكة، فیكون عندهم الجدب و القحط.
و حكی أن فی بعض السنین خرجت علیهم هذه السمكة، فاجتمع القوم علیها و نقبوا أذنها و جعلوا فیها حبلا و مدّوها إلی الساحل، فانفتحت أذن السمكة و خرجت من داخلها جاریة تشبه الآدمیّین، بیضاء حمراء سوداء الشعر عجزاء من أحسن النساء وجها، فأخذها أهل یورا و أخرجوها إلی البرّ، و هی تضرب وجهها و تنتف شعرها و تصیح، و قد خلق اللّه تعالی فی وسطها جلدا ضعیفا كالثوب من سرّتها إلی ركبتها لستر عورتها، فبقیت عندهم مدّة. و أهل یورا إن لم یلقوا السیف فی البحر لا تخرج السمكة فیجوعون لأن قوتهم من هذا.
إلی ههنا انتهی علم أهل بلادنا، و اللّه أعلم بما وراء ذلك من البلاد و البحار.
و لیكن هذا آخر الكلام.
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 623

فهرس الأعلام‌

أ

آدم، علیه السلام 114، 189، 224، 229، 277، 487
إبراهیم الآجری 423
إبراهیم الأصیلی 103
إبراهیم الأطروش 444
إبراهیم بن أحمد بن الأغلب 199
إبراهیم بن أحمد الطرطوشی 556
إبراهیم بن أدهم العجلی 196، 288،
332، 333، 482
إبراهیم بن إسحاق الموصلی 89
إبراهیم بن المولد 336
إبراهیم الحربی 373
إبراهیم الخلیل، علیه السلام 108، 113، 114، 116، 118، 120، 138،
156، 166، 183، 187، 259، 277، 422، 449
إبراهیم الخواص 482
إبراهیم بن دوحة 482
إبراهیم بن شیبان 482
إبراهیم ستنبه 482
أبرهة بن الصباح 20، 52، 111، 116
ابن أبی زكریاء الطمامی 180
ابن أبی لیلی 206
ابن الأثیر الجزری 57، 148
ابن الأشعث 255
ابن البشار 163
ابن البصری 198
ابن جنی 256، 257
ابن الجوزی 527، 528
ابن حاجب 486
ابن الحایك 45
ابن حمدیس 215
ابن حوقل الموصلی 158، 164
ابن خوارزمشاه ركن الدین غورسایحی 293
ابن دارة 77
ابن رطلین 259
ابن الزبیر 114
ابن زولاق 263، 267، 274
ابن الزیانت 219
ابن زیدان 545
ابن سكرة الهاشمی 257
ابن شاس 400
ابن الصباغ 238
ابن طولون 223، 479
ابن عاصم 197
ابن عباس، رضی اللّه عنه 27، 28، 85، 107، 109، 112، 160،
175، 366، 420
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 624
ابن عباس الهمذانی 250
ابن عطاش أحمد بن عبد الملك 396
ابن العمید وزیر آل بویه 219
ابن فضلان 526
ابن فنجویه 68
ابن قطیفة 425
ابن الكلبی 51، 131، 250، 375، 424، 431، 471، 524، 614
ابن الكیس النمری 63
ابن اللمغانی 406
ابن لنكك 257، 310
ابن مسعود 519
ابن المعتز 386
ابن المعلم 312
ابن المقفع 466
ابن هبیرة 368
ابن الهروی 608
ابن الوزیر القمی 495
أبو أحمد الملقب بتاج الدین الأرموی 494
أبو أحمد المغازلی 422
أبو إسحق إبراهیم بن أحمد الخواص 379، 380، 381
أبو إسحق إبراهیم الفیروزابادی 237، 238
أبو إسحق الشیرازی 217
أبو إسحق الطالقانی 456
أبو إسحق الكشی 554
أبو الأعور 214
أبو أمیة شریح بن الحرث القاضی 254، 255
أبو أیوب الأنصاری 606
أبو بكر أحمد البیهقی 339
أبو بكر الأشعری 313
أبو بكر البزاز النیسابوری 459
أبو بكر البناء 223
أبو بكر بن الطیب الباقلانی 312
أبو بكر بن عبد العزیز المروزی 339
أبو بكر بن علی الهروی 218
أبو بكر بن عیاش 422
أبو بكر بن فورك 297
أبو بكر الجعابی 219
أبو بكر الخطیب 314
أبو بكر الخوارزمی 189، 232
أبو بكر دلف بن جعفر الشبلی 540
أبو بكر شابان 436
أبو بكر الصدیق، رضی اللّه عنه 28، 35، 85، 103، 108، 119، 121، 320، 402، 421، 487
أبو بكر الطاهری 288
أبو بكر عبد اللّه بن أحمد بن عبد اللّه القفال
المروزی 319، 459
أبو بكر محمد بن داود 211
أبو بكر محمد بن سیرین 311
أبو بكر محمد بن الطیب الباقلانی 377
أبو بكر محمد بن علی بن إسماعیل القفال
الشاشی 538
أبو بكر النحوی البنارقی 158
أبو بكر النحوی البنارقی 158
أبو تراب عسكر بن الحصین النخشبی 334، 466
أبو تمام حبیب بن أوس الطائی 75، 76
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 625
أبو جابر الرحبی 373
أبو جعفر محمد بن جریر الطبری 405
أبو الجناب 528
أبو حاتم محمود بن الحسن القزوینی 436
أبو حامد أحمد بن حضرویه 334
أبو حامد أحمد الكرمانی 248
أبو حامد الأسود 381
أبو حامد الأندلسی 179، 182، 201، 225، 284، 291، 526، 547، 561، 562، 564، 578، 595، 612، 613، 615، 620
أبو حامد الغزالی 330، 353، 377، 387، 405، 407، 413، 417
أبو الحرث سریج المروزی 459، 460
أبو الحسن أحمد بن فارس 218
أبو الحسن الأهوازی 153
أبو الحسن الباخرزی 338، 447
أبو الحسن بن زید البیهقی 544
أبو الحسن بن مقلة 327
أبو الحسن الجزری 149
أبو الحسن السعدی 337
أبو الحسن السری بن المغلس السقطی 323
أبو الحسن السیرافی 204
أبو الحسن علی بن أبی طالب 511
أبو الحسن علی بن عبد العزیز الجرجانی 350
أبو الحسن علی بن محمد المزین الصغیر 325
أبو الحسن علی بن الموفق 423
أبو الحسن علی بن یوسف 279
أبو الحسن القرمطی الجنابی 180
أبو الحسن المعروف بالكیا الهراسی 405
أبو الحسن اللمغانی 405
أبو الحسن المتكلم 104
أبو الحسن المهتدی 217
أبو الحسین بنان بن محمد بن حمدان الحمال 479
أبو الحسین الثوری 329، 330
أبو الحسین سمنون بن حمزة 422، 423
أبو الحكم الأندلسی 359
أبو حمزة الثمالی 250
أبو حمزة الخراسانی 475
أبو حنیفة الإمام 231، 235، 252، 253، 414، 422، 474، 537، 599، 610
أبو خالد یزید بن هارون 511
أبو الخیبری 76
أبو الخیر أحمد بن إسماعیل 402
أبو الخیر البنانی 336
أبو داود القاضی 318
أبو الدرداء 236
أبو دلف العجلی 341
أبو ذر الغفاری 236
أبو الربیع سلیمان الملتانی 57، 112، 148، 208، 273
أبو الریحان الخوارزمی 12، 29، 145، 237، 270، 349، 384، 404، 517، 588
أبو زكریاء التبریزی 340
أبو زیاد الكلابی 106
أبو زید المروزی 459
أبو سعید أحمد بن عیسی الخراز 326
أبو سعید إسماعیل بن أحمد الجرجانی 350
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 626
أبو سعید بشر بن الحسین الداودی 212
أبو سعید بن أبی الخیر 361
أبو سعید الحسن بن أبی الحسن البصری 311
أبو سعید بن أبی عثمان الخركوشی 476
أبو سعید الخدر 619
أبو سعید الشحامی 476
أبو سعید القرمطی 78
أبو سعید اللوطی 318
أبو سفیان بن حرب 98
أبو سلیمان داود بن نصیر الطائی 74، 75
أبو سلیمان عبد الرحمن بن عطیة الداری 188
أبو سلیمان المكتب 349
أبو سنان الخفاجی 282
أبو الصلت 267
أبو الضلع السندی 128
أبو طالب المأمونی 473
أبو طاهر الخاتونی 387
أبو طاهر القرمطی 78
أبو الطیب أحمد المتنبی 209، 211، 256، 257، 394
أبو الطیب سهل الصعلوكی 475، 476
أبو الطیب طاهر الطبری 217، 436
أبو عبادة البحتری 454
أبو العباس أحمد بن سریج 211، 373، 377، 476، 538
أبو العباس أحمد بن محمد الحویزی 358
أبو العباس الطوسی 253، 507
أبو العباس عیسی المروزی 567
أبو العباس المبرد 369
أبو عبد الرحمن حاتم بن یوسف الأصم 362
أبو عبد الرحمن طاووس بن كیسان الیمانی 69
أبو عبد اللّه أحمد بن عطاء الروذباری 374
أبو عبد اللّه أحمد بن محمد بن حنبل 318
أبو عبد اللّه بن الحسن العسكری 320
أبو عبد اللّه بن سلامة القضاعی 268
أبو عبد اللّه الحرث بن أسد المحاسبی 322
أبو عبد اللّه السابوری 200
أبو عبد اللّه سعید بن جبیر 255، 256
أبو عبد اللّه سفیان بن سعید الثوری 253، 254
أبو عبد اللّه السنبسی 281
أبو عبد اللّه الشعبی 164
أبو عبد اللّه محمد بن أحمد القمی 303
أبو عبد اللّه محمد بن خفیف 166، 167، 212، 325
أبو عبد اللّه محمد بن عمر الرازی 377
أبو عبد اللّه نصر المروزی 231
أبو عبد اللّه وهب بن منبه 72
أبو عبید البكری 102
أبو عبید الجوزجانی 299، 300
أبو عبیدة بن الجراح 121
أبو العتاهیة 361
أبو عثمان إسماعیل الحیری 360
أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ 125، 185، 310، 371
أبو العلاء أحمد بن عبد اللّه المعری 272
أبو علی أحمد بن محمد الروذباری 373
أبو علی بن خیران 320
أبو علی التنوخی 224
أبو علی حسنویه بن أحمد بن حسنویه
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 627
الزبیری 438
أبو علی الحسن بن یحیی 216
أبو علی الحسین بن عبد اللّه بن سینا 299، 300، 301، 387
أبو علی الدقاق 172، 200، 540
أبو علی الروذباری 467
أبو العز القلانسی 479
أبو عمرو الزجاجی 324
أبو علی شاذان 360
أبو علی النسوی 257
أبو علی عمر بن یحیی العلوی 118
أبو عمرو بن العلاء 88
أبو عمرو عامر بن شراحیل الشعبی 48
أبو علی الفضیل بن غیاض 289
أبو العنبس 400، 401
أبو غالب المغربی 261
أبو الفتح عامر الساوی 414
أبو الفتح محمد بن سام الملقب بغیاث الدین 430
أبو الفتح یحیی السهروردی الملقب بشهاب
الدین 571
أبو الفتوح محمد بن الفضل الاسفرایینی 295
أبو الفتوح محمد بن یحیی 394
أبو الفرج الأصفهانی 297، 370
أبو الفرج بن عبد الرحمن الأردبیلی 284
أبو الفرج بن المعافی بن زكریاء النهروانی 472
أبو الفرج الزنجانی 384
أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزی 316، 320
أبو الفضل بدیع الزمان 487، 488
أبو الفضل محمد بن عبد اللّه الصرام 476
أبو القاسم إبراهیم بن محمد النصراباذی 467
أبو القاسم بن برهان 312
أبو القاسم بن رمضان المالطی 557
أبو القاسم بن كج 165
أبو القاسم بن هبة اللّه الكمونی 436
أبو القاسم الجنید بن محمد بن الجنید 322
323، 324، 329، 330
أبو القاسم الجهانی 564
أبو القاسم الحریری 487
أبو القاسم الخرقانی 363
أبو القاسم علی بن حسن بن عساكر 377
أبو القاسم القشیری 297، 447، 474
أبو القاسم محمد بن عبد الكریم الرافعی 438
أبو القاسم محمود بن عمر 533
أبو القاسم المنادی 475
أبو المحاسن الرویانی 330، 374
أبو محفوظ معروف بن فیروز الكرخی 444
أبو محمد البطال 553، 608
أبو محمد بن أحمد النجار 437
أبو محمد الجزری 324
أبو محمد الحسین بن مسعود الفراء البغوی 330
أبو محمد رویم بن أحمد البغدادی 326
أبو محمد سلیمان بن مهران الأعمش 422
أبو محمد عبد اللّه بن محمد المرتعش 477
أبو محمد القاسم بن علی الحریری 460
أبو محمد النظامی 523
أبو مسعود الثقفی 111
أبو مسلم 25
أبو المظفر الخوافی 364
أبو المظفر محمد بن سام الملقب بشهاب الدین 430
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 628
أبو المعالی عبد اللّه بن محمد 352، 452
أبو منصور معمر الأصفهانی 373
أبو المؤید بن النعمان 286، 363، 411
أبو ناشر ینعم 278
أبو نافع ابن بنت یزید بن هارون 511
أبو نصر الإیراوی 303
أبو نصر بشر بن الحرث الحافی 321، 322
أبو نصر بن أبی عبد اللّه الخیاط 212
أبو نصر بن طرخان الفارابی 300، 548
أبو نصر الكندری 338، 353، 447، 474
أبو نصر المیمندی 283
أبو نعیم الأصفهانی 297
أبو نواس الحسن بن هانی‌ء 327، 328، 418
أبو هریرة 70، 108، 377
أبو یزید البسطامی 295، 308، 381، 482
أبو یزید الخارجی 276
أبو یعقوب بن لیث الصفار 172
أبو یعقوب بن یوسف ملك المغرب 204
أبو یوسف القاضی 228، 317
الأبیوردی 415
أبی بن كعب 159
أتابك سعد بن زنكی 154
أتابك شیركیر 284
أتابك محمد 450
أثیر الدین المفضل بن عمر الأبهری 536
أحمد بن أبی الفتح 445
أحمد بن بشار 484 آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی ؛ ص628
مد بن حرار 319
أحمد بن الحسین بن القاسم بن إسمعیل بن
علی بن أبی طالب 65
أحمد بن حنبل 319، 321، 322، 445، 511
أحمد بن الطیب السرخسی 390، 468
أحمد بن علی بن بابه القاشانی 432
أحمد بن عمر بن محمد الخیوقی المعروف بكبری 528
أحمد بن عمر العذری 216، 240، 496، 502، 503، 504، 505، 506، 512، 534، 540، 541، 542، 545، 546، 547، 549، 552، 553، 555، 556، 567، 568، 576، 577، 607، 610
أحمد بن فضلان 586، 609، 615
الأحنف بن قیس بن الهیثم 332
أحمد بن محمد بن إسحق الهمذانی 63، 209، 294، 343، 393
أحمد بن محمد بن محمد الغزالی 415
أحمد بن نصر البار 224
أحمد بن واضح 187
أحمد بن یحیی بن جابر 181
الأدیبی 271
أردشیر بن بابك 181، 303، 341، 371
ارسطاطالیس 32، 82، 95، 143، 158، 234، 341، 483، 548، 569، 570، 571
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 629
ارشمیدس 573
ازبك بن محمد بن ایلدكز 384
أساف بن عمرو 116
إسحق المتطبب 199
أسد المحاسبی 322
أسعد المیهنی 361
إسكندر بن دارا بن بهمن 143، 234
الإسكندر ذو القرنین 12، 80، 82، 84، 95، 143، 296، 341، 456، 481، 483، 536، 559، 561، 570، 571، 596، 597، 618
أسماء بنت أبی بكر 108
إسمعیل، علیه السلام 114، 119، 120، 121
إسماعیل بن أحمد السامانی 473، 516
إسماعیل بن حماد الجوهری 603
إسماعیل بن محمد بن خالد التستری 169
الأسود بن غفار 132، 133
الأسود بن یعفر 186
الأشتر بن الأشجع 214
الأشتر النخعی 221
الأشعث بن قیس 214
أصحمة النجاشی 20، 22
اصطافنوس 592
الإصطخری 61، 90، 95، 101، 121، 125، 148، 181، 188، 203، 244، 426، 538، 554، 558، 603
الأصمعی 38، 65، 97، 131، 309
الأعشی 60
الأعمش 305
أفراسیاب ملك الترك 138، 600
افریدون النبطی 12، 233
أفضل البامیانی الحكیم 154
أفضل الدین الخاقانی 601
أفلاطون 569، 570
اقلیمون 573
الب ارسلان السلطان 148، 412، 447
الیاس النبی، علیه السلام 156
إلیسع، علیه السلام 270
امرؤ القیس بن حجر الكندی 73، 90
الأمین 314
أمیه بن أبی الصلت 51، 203
أنطاكیة بنت الروم بن الیقن بن سام بن نوح 150
أنس بن مالك 163، 227، 311، 436، 437، 480، 535
انقلمس صاحب العراق 302
الأنوری الشاعر 361
أنوشروان بن قباذ كسری 141، 234، 454، 455، 507، 508، 600، 603
أوحد المقری الغزنوی 365
أوس بن ثعلبة 170
أوقلیدس 573
أوقلیم الملك 23
أویس بن عامر القرنی 70، 71، 72
إیاس بن معاویة 192
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 630
الإیوانی ملك الكرج 524
أیوب العطار 321

ب‌

بابك الخرمی 319، 511
بابكین 287
باج الب 575
باورد بن جودرز 289
البحتری 76، 205، 400، 401
بختنصر 27، 296
البراء بن عازب الأنصاری 435
بریدة بن الحصیب 456
بزرجمهر بن بختكان 235
البساسیری 418
بسر بن أرطاة 260
بسیل الترجمان 506
البشاری 93، 200، 306
بشر بن عبد اللّه 70
بشر بن غیاث 262
بشر الحافی 326، 351، 445
بطلمیوس 572
بطلیموس 571
بغا 518
بقراط 573
بكتمر صاحب أرمن 302
البكری 278، 280
بلال بن حمامة 107
بلبهد المغنی 235، 343، 440، 441، 442
بلیناس الحكیم 431، 442، 445،
486، 495، 524، 553، 572، 594، 606
بهرام بن یزدجرد (بهرام جور) 234، 352، 451، 464
بهرام الفیلسوف الهندی 84
بهرور الخادم 472
بیجن مقدم الفرس 600

ت‌

تأبط شرا 48، 86، 87، 92
تاج الدین كمالان 389
تاج الطرقی 408، 409
تبع بن أبی مالك 536
تدمر بنت حسان 170
تدورة الساحرة 139
توقیر بن یقطن بن حام بن نوح 94

ث‌

الثعالبی 257، 275
ثعلب 373

ج‌

جاماسب وزیر كشتاسف 234، 572
جالوت 163
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 631
جالینوس 22، 474، 573
جبریل، علیه السلام 27، 119، 467، 510، 519
جریر بن الخطفی 111
جذیمة الأبرش 424
جعفر بن محمد الرازی 375
جعفر بن محمد الصادق 250، 342، 421
جعفر بن یحیی البرمكی 315
جعفر الخلدی 324، 325
الجلال الخواری 363
جلال الطبیب 384
جلندی بن كركر 235
جمال باده 348
جمال الدین الخجندی 449، 450
جمال الدین الموصلی 462، 463
جمال عبد الرزاق 297
جمشید الملك 148
جنید البغدادی 212، 253، 373، 379
جوهر غلام المعز سعد بن إسماعیل 240
الجیهانی 242، 275

ح‌

حاتم الطائی 76
الحازمی 443
الحافظ بن النجار 304
حامد بن العباس 168
حبة العرنی 250
حبیب بن ثابت 110
حبیب العجمی 363
الحجاج بن یوسف الثقفی 78، 99، 113، 117، 222، 250، 252، 255، 256، 305، 311، 421، 422، 442، 453، 478
الحدس بن الدلهاث 355
حذیفة بن الیمان 453، 510
الحرث بن ظالم الغسانی 74
حریز بن عثمان 480، 511
حزقیل النبی 366، 369
حسام الدین أبو المؤید بن النعمان 80، 299، 489
حسان بن تبع الحمیری 133
حسان بن عمرو 39
الحسن البصری 56، 256، 363
الحسن بن إبراهیم المصری 225
الحسن بن بویه 303
الحسن بن الربیع 458
الحسن بن زید العلوی 404
الحسن بن علی بن أحمد 452
الحسن بن علی بن اسحق (نظام الملك) 301، 302، 338، 353، 397، 411، 412، 447، 474، 602
الحسن بن علی، رضی اللّه عنه 251
الحسن بن محمد المهلبی 193، 209
الحسن بن مروان 322
حسن الصباح 301، 302
الحسین بن علی، رضی اللّه عنه 222، 421، 422
الحسین بن منصور الحلاج 165، 166، 168
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 632
حسین المروروذی 455
حفص بن عمر الجعفی 75
حماد بن سلمة 254
حمار بن مویلع 34
حنظلة بن راهب 110
حنظلة الطائی 427، 428

خ‌

خاتم الأصم 333
خالد ملك الخزر 46، 433، 448، 507
خالد بن خلیفة 256
خالد بن عبد اللّه القسری 255
خالد بن الولید 135، 185
خالد الفیاض 344
خره زاد أم أردشیر 303
خرهید 39
خزیمة بن ثابت 110
خصیب 327
الخضر 172، 600
خمارویه 220
خوارزمشاه محمد بن تكش 236، 292، 334، 348، 389، 438، 481، 492، 529، 558
خواجه امام أجل 510
خورزاد 222

د

دارا 483
دانیال النبی 171، 420
داهر ملك الهند 433، 448
داود، علیه السلام 153، 159، 160، 398، 411، 421
داود بن أحمد الطیبی 417
داود بن منصور الباذغیسی 515
دعبل الخزاعی 392
دقیانوس الجبار 498، 500، 501
دلوكة 139
دیسم بن إبراهیم 285
دیوجانس 571

ذ

ذو جدن الهمدانی 51
ذو حرث الحمیری 34
ذو النون المصری بن إبراهیم الإخمیمی 140، 326
ذو یزن 20

ر

راز بن خراسان 375
رافع بن اللیث بن نصر بن سیار 392
راوند بن بیوراسف 461
الربیع بن زیاد 469
الربیع بن سلیمان 231
الربیع صاحب المنصور 252، 253
رتك، المصارع 389
رحمة بنت إبراهیم الهزار اسبیة 567
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 633
رستم بن زال الشدید 202، 234، 246، 600
الرشید 109، 147، 227، 228، 231، 274، 289، 309، 314، 317، 327، 357، 358، 392، 435، 506، 566
رضی الدین النیسابوری 377، 407، 474
الرضی الموسوی 273
رفیع فارسی دبیر 297
الرفیع اللنبانی 450
ركن الدین الطاووسی 377
ركن الدین العمیدی 377، 536
روبیل بن یعقوب 270
روم بن لیطی 614
ریاح بن مرة 133، 134

ز

الزباء بنت ملیح بن البراء (فارغة) 424، 425
زبیدة زوجة الرشید 317
زبیدة بنت جعفر 444
زبیدة بنت الحرث الحافی 321
الزبیر بن بكار 109
الزبیر بن العوام 236
الزجاجی 183
زرادشت نبی المجوس 94، 399
زرقاء الیمامة 133، 134
زغر بنت لوط 93
زكریاء بن محمد بن خاقان 31
زكریاء بن محمد بن محمود القزوینی 5
زلیخا 225
الزمخشری 519، 525، 533
زهر الدولة الجیوشی 223
زیاد ابن أبیه 255
زید بن عدی 470
زید بن محلف (أبو رغال) 111
زین الدین عبد الرحمن الكشی 536

س‌

سابور بن اردشیر 200، 280
سارة، علیها السلام 188
الساعاتی الدمشقی 237
سالم بن عبد اللّه المغربی 140
سبأ بن یشجب بن یعرب بن قحطان 40
سبكتكین 300
سجستان بن فارس 201
سرخس بن جودرز 390
السری بن عبد الرحمن الأنصاری 109
السری السقطی 324، 326، 422، 444
سدید الدین السرندیبی 43
سعد بن أبی وقاص 251
سعدی بنت تبع 137
سعد بن معاذ 110
سعد المغنی 389
سعید بن جبیر 100
سعید بن السائب 100
سعید بن عبد الرحمن الأندلسی 547
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 634
سعید بن المسیب 435
السفاح 312
سفیان بن عیینة 289
سفیان الثوری 100، 324، 458
سقراط 569
سكینة الأبهریة 288
سكینة بنت الحسین 252
سلام الترجمان 597
سلمان الفارسی 453
سلیمان بن أبی الحسن القرمطی الجنابی 180
سلیمان بن أحمد بن یوسف الطبرانی 218، 219
سلیمان بن داود، علیه السلام 67، 102، 113، 144، 147، 148، 156، 159، 160، 162، 164، 169، 218، 225، 279، 280، 398، 404، 420، 485، 499، 513، 547، 560، 561
سلیمان بن عبد الملك 63، 98
سلیمان بن نعیم 99
سلیمان الملتانی 175
سلیم بن منصور 337
سماك بن حرب 478
السموأل بن عادیا الیهودی 73
سنان الخفاجی 248
سنجر بن ملكشاه 386، 396، 415، 473، 587
سندباذ بن كشتاسف بن لهراسف 553
سند بن توقیر بن یقطن بن حام بن نوح 127
سندی بن شاهك 291
سنی بن عبد اللّه المراكشی 112
سهل بن عبد اللّه التستری 171، 172، 571
سوریل 268
سیاوش بن كیكاوس 137
سیف بن ذی یزن 51

ش‌

الشابشتی 195، 197
شابور بن أردشیر 170، 294، 355، 356، 435، 565، 603
الشبلی 288، 467، 541
الشجاع باك باز 438
شداد بن عاد 15، 17، 143، 146
شریك بن خباسة 206
شریك بن عمرو بن شراحیل الشیبانی 427، 428
شرف شفروه 297
الشعبی 49، 178، 254، 309،
596، 618
شعیب، علیه السلام 261
شقیق البلخی 362
شمر بن افریقیش بن أبرهة 535
شمس الطبسی الشاعر 407
شمس الدولة 301
شمس الدین الخوی 527
شمعون الصفا 594
الشنفری 48، 86، 87
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 635
شهاب الدین الحیوقی 529
شهاب الدین عمرو السهروردی 439
الشهرستانی 398
شیث بن آدم 417، 607
شیراز بن طهمورث 210
شیرین 235، 342، 343، 440، 441

ص‌

الصاحب أبو القاسم بن عباد 298، 443، 548
صافورا بنت شعیب 249
صالح، علیه السلام 102
صالح بن أحمد 319
صالح بن كالوة 38
صخر الجنی 485
صد بن عاد 36
صدر الدین عبد اللطیف الخجندی 298
صدر الدین الوزان 363
صعصعة بن صوحان 214
صفوان بن ادریس المرسی 539
الصفی كانون الشطرنجی 389
صقلاب، القائد 483، 614
صلاح الدین یوسف بن أیوب 155، 222، 223، 224، 259
صنعاء بن ازال بن عنبر بن عابر بن شالح 50
صهیون 592
الصولی 45

ض‌

الضحاك بیوراسب 233
ضرار بن عمرو 352
الضیزن بن معاویة 355

ط

طالب بن مدرك 559
طالوت 398
طاهر بن عبد اللّه 446
طاهر بن محمد النیسابوری 231
طاهر بن اللیث بن طاهر الصفار السجستانی 204
طباری ملك الروم 218
الطبری 406
طرسوس بن الروم بن الیقن بن سام بن نوح
219
الطرطوشی 575، 590، 601، 607، 608
طریفة الكاهنة 40
طسم بن لاوذ بن إرم بن لاوذ بن سام بن طریفة الكاهنة 40
طسم بن لاوذ بن إرم بن لاوذ بن سام بن نوح 131
طغرلبك السلجوقی 418، 447، 450، 474، 523
طهمورث 456
طوطی بك 587
طیماث الحكیم 20

ظ

ظافر الإسكندری 269
ظاهر بن اللیث الصفار 428
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 636

ع‌

عاد بن عوض بن سام بن نوح 37
عاصم بن الأفلح 109
عاصم بن علی 511
عائشة زوجة النبی، صلّی اللّه علیه و سلم 108، 117، 313
عباسة بنت أحمد بن طولون 220
عبادة بن الصامت 236
عباس بن الأحنف 392
العباس بن عمرو الغنوی 78، 393
عبد الجلیل بن محمد 334
عبد الرحمن بن أبی لیلی 72
عبد الرحمن بن الحكم 66
عبد الرحمن بن عوف 121
عبد الرحمن القشیری 206
عبد العزیز بن مروان 146
عبد العزیز الملكی 262
عبد القاهر بن حمزة الواسطی 484
عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجانی 351
عبد اللّه البطلیوسی النحوی 543
عبد اللّه بن اباض 456
عبد اللّه بن حمزة الزیدی 65
عبد اللّه بن الزبیر 98، 99، 113، 117، 251
عبد اللّه بن زر 368
عبد اللّه بن سعید الأنصاری 444
عبد اللّه بن السمنطی 557
عبد اللّه بن شعیب بن شیبة 118
عبد اللّه بن طاهر بن الحسین 315، 395، 396
عبد اللّه بن عامر بن كریز 95، 181، 331
عبد اللّه بن عباس 118، 119، 253
عبد اللّه بن عبد الرحمن المقری 368
عبد اللّه بن عمر 156، 227
عبد اللّه بن عمرو بن العاص 59، 205، 594
عبد اللّه بن علی 170
عبد اللّه بن قلابة 17
عبد اللّه بن المبارك 252، 419، 420، 456، 457، 458
عبد اللّه بن محمد بن زنجویه 488
عبد اللّه بن النامر 126، 127
عبد اللّه الثقفی 263
عبد اللّه المهدی 94
عبد المدان بن الریان الحرثی 126
عبد المطلب 21، 120
عبد الملك بن صالح الهاشمی 274
عبد الملك بن عمیر 251
عبد الملك بن مروان 48، 49، 88، 99، 113، 163، 251، 559، 561
عبد المؤمن بن علی 112، 277
عبد الوهاب بن محمد العسكری 222
عبید بن الأبرص الأسدی 426، 427
عبید اللّه بن زیاد ابن أبیه 251، 310
عثمان بن أبان بن عثمان بن عفان 286
عثمان بن صالح 274
عثمان بن عفان، رضی اللّه عنه 37، 51، 95، 113، 121، 151، 214،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 637
311، 331، 487
عدة القاضی 388
عدن بن سنان بن إبراهیم 101
عدی بن حاتم 76
عدی بن زید 355، 356، 359، 385، 469، 470
عروة بن الزبیر 109
عروة الصعالیك 92
عزیر، علیه السلام 160، 464
عز الدین محمد بن عبد الرحمن الوارنی 402
عز شفروه 297
العسجدی 416
عضد الدولة 204، 209، 211، 212، 244، 245، 246، 258، 312
العفیف مرجی التاجر الواسطی 529
عقبة بن نافع القرشی 242
عقرقوف بن طهمورث 425
علاء الدولة 301
علاء الدین كیخسرو 532
علی بن أبی طالب، كرم اللّه وجهه 37، 38، 70، 71، 72، 74، 116، 117، 120، 121، 185، 202، 214، 221، 250، 254، 311، 320، 421، 426، 435، 449، 480، 487، 580
علی بن جهم 446
علی بن رزین الطبری 345، 405
علی بن عبد اللّه بن حمدان (سیف الدولة) 219، 224، 257، 281، 393
علی بن عبد اللّه المغربی الجنجانی 24، 25، 58، 199
علی بن عیسی 320، 321
علی بن عیسی بن ماهان 333
علی بن اللیث الصفار 428
علی بن المهدی الحمیری 58
علی بن موسی الرضا 351، 392، 444
علی بن الموفق 424
علی بن هلال الخطاط 326، 327
علی بن وهب 565
علی الجرجرائی 351
علی الیونانی 292
عماد الدین حمزة النسوی 465
عماد الملك 348، 389
عمارة بن عقیل 314
عمار بن الخصیب 375
عمار بن یاسر 214
عمان بن بغان بن إبراهیم الخلیل 56
عمران بن أبی الحسن 51
عمران بن الحصین 270
عمران بن شاهین 393
عمران بن عامر 40
عمر بن الخطاب، رضی اللّه عنه 70، 71، 72، 100، 108، 113، 117، 121، 127، 171، 193، 206، 222، 227، 233، 251، 254، 265، 270، 287، 304، 362، 402، 426، 448، 453، 464، 493
عمر بن سهلان 387
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 638
عمر بن عبد العزیز 100، 211، 377
476، 510
عمر بن عتاب بن أسید 318
عمر بن محمد بن عراك 479
عمر بن هبیرة 252
عمر التسلیمی 336
عمر الخیام 474
عمر الكندی 203
عمر الملقب برشید الدین الفرغانی 236
عمرو بن براق 86، 87
عمرو بن العاص 98، 236، 265، 266، 270
عمرو بن عبید 312
عمرو بن عدی بن أخت جذیمة 424، 425
عمرو بن لحی 98
عمرو بن اللیث الصفار السجستانی 204، 428، 473
عملیق بن حیاش 131
العنصری 416
عیسی بن عیسی 295
عیسی بن مریم، علیه السلام 41، 82، 142، 151، 159، 166، 234، 247، 271، 372، 422، 565، 572، 580، 588، 593، 608
عیسی بن یونس 422
عیصو بن اسحاق بن إبراهیم 586

غ‌

الغرناطی 144، 599
الغضنفر بن الحسن بن عبد اللّه بن حمدان (ناصر الدولة) 394
غفیرة بنت غفار 132

ف‌

فارس بن الأشور بن سام بن نوح 232
فارس بن طهمورث 233
فاطمة بنت قیس 178
الفتح بن خاقان 401
فتح الموصلی 463
فخر الدین الرازی 377، 395
فخر المعالی بن نظام الملك 468، 469
فخری الجرجانی 523
فراس بن غنم 487
الفربری 511
الفرخی 416
الفردوسی، الحكیم 415، 416، 417
الفرزدق 64
فرعون موسی 182، 224، 274
فرعون یوسف، علیه السلام 182
فرنج 614
فرهاذ 235، 342، 343، 441
الفضل بن الربیع 227
الفضل بن علان 141
فضیل بن عیاض 457
فطرس بن سنمار 343، 344
فغفور ملك الروم 219، 433، 448
فیثاغورس 572
فیروز بن یزدجرد 237، 291، 465 آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی ؛ ص638
سقوس 567
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 639

ق‌

قابوس بن وشكمیر 300، 330، 331
قابیل 189
القائم بأمر اللّه 418
قباذ بن دارا 194
قباذ بن فیروز 141، 433، 486، 512، 513، 524
قرواش بن المقلد 393
قس بن ساعدة 85
قسطنطین بن سویروس 565، 566، 603، 605
القصرانی المهندس 440
قصیر (وزیر جذیمة الأبرش) 424
القضاعی 265
قطب الدین 417
قطر الندی 220
قیس بن الرقیات 263
قیماز الأتابكی 450

ك‌

كالب بن یوفنا 143، 174
كالیجار بن بویه 210
كرز بن وبرة 349
كرمان بن فارس بن طهمورث 247
كرورس 268
كسری أبرویز 239، 342، 385، 433، 440، 441، 448
كسری أنوشروان 110، 131، 235، 343، 387، 446، 453، 468 470، 518
كشاجم 183، 264
كشتاسف بن لهراسف 234، 399،
446
كعب الأحبار 37، 207
كمال اسماعیل 297
كمال زیاد 297
كمال الدین بن یونس 463
كوتوال الموت 302
كوش بن كنعان بن حام 22
كوشك الملك الفارسی 160
الكیا شیرویه 485
كیكاوس بن كیقباذ 137، 535
كیومرث، الملك الفارسی 233، 375، 416

ل‌

لبید بن الأعصم الیهودی 109
لذریق 546
لقمان الحكیم 218
لقیق بن جثومة 515
اللیث 63
لیطی بن كلوخیم بن یونان بن یافث بن نوح 614
لیون 564
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 640

م‌

مأجوج بن یافث بن نوح 596
ماروت 304، 305
المازیار 356
مالك بن كنانة 21، 52
المأمون 220، 252، 262، 264، 270، 314، 317، 318، 347، 392
ماهان بن بحر السیرافی 30
ماه أخت شابور الملك 355
ماهید 39
مباركشاه الملقب بعز الدین 430
المتوكل علی اللّه 314، 368، 373، 386، 400، 446، 447، 518
مجاهد 120
مجد الدولة بن بویه 548
مجدود بن آدم السنائی 429
مجیر البیلقانی 513
محمد بن أبی الطیب المتنبی 258
محمد الأمین 328
محمد بن ابراهیم الضراب 345
محمد بن أبی بكر 221
محمد بن أبی عبد اللّه 55، 418
محمد بن أحمد البشاری المقدسی 161
محمد بن أحمد الهمذانی (ابن الفقیه) 46، 50، 55، 62، 68، 120، 141، 142، 149، 187، 188، 192، 202، 219، 247، 346، 405، 433، 435، 441، 445، 464، 465، 471، 491، 492، 495، 551، 559، 561، 594، 603
محمد بن ادریس الشافعی 69، 211، 227، 228، 231، 232، 240، 377، 387، 414، 476، 599، 602
محمد بن اسحق السراج 423
محمد بن اسماعیل البخاری 510
محمد بن اسماعیل بن جعفر 302
محمد بن ایلدكز اتابك 298
محمد بن بحر الذهبی 202
محمد بن بشار 484
محمد بن تكش 519
محمد بن حسن 228، 386
محمد بن الحنفیة 88، 98، 553
محمد بن خالد الملقب بنور الدین 354
محمد بن ذی العقار العلوی المرندی 285
محمد بن زكریاء الرازی 29، 30 33، 42، 50، 285، 473
محمد بن السائب 39
محمد بن سوار 171
محمد بن صبیح 444
محمد بن عبد الرحیم الغرناطی 513،
533، 546، 547
محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم، صلّی اللّه علیه و سلم 5، 21، 22، 27، 37، 41، 43، 56، 70، 71، 72، 74، 78، 85، 90، 91، 98، 103، 107، 108، 109، 111،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 641
112، 113، 115، 116، 117، 119، 121، 126، 134، 135، 156، 162، 163، 164، 178، 193، 205، 217، 222، 227، 231، 234، 242، 256، 260، 270، 280، 284، 290، 318، 367، 377، 386، 400، 402، 403، 414، 415، 421، 422، 435، 443، 453، 456، 459، 467، 476، 480، 497، 504، 510، 519، 528، 530، 535، 563، 570، 572، 581، 606، 619، 620
محمد بن العربی الملقب بمحیی الدین 269، 497
محمد بن الفضل القرمطی 61، 126
محمد بن مروان 25
محمد بن محمود المروروذی 430
محمد بن منصور 231
محمد خوارزمشاه 538
محمد الواعظ المعروف بشجویه 388
محمود بن سبكتكین 96، 101، 300، 415، 429، 526
المختار بن عبید 251
مدین بن إبراهیم الخلیل 261
المرتعش 467
مرثد بن شداد 17
مرداس بن عمرو 148
مرداویج بن وشكمیر 330
مروان بن محمد 169، 170
مروثا الحكیم 565
مریم بنت عمران، علیها السلام 159، 162، 277، 313، 593
المسترشد 302، 316
المستعصم 302
المستعین 386
المستنصر باللّه 236، 302، 314، 316، 495
مسروق بن عبد اللّه 255
مسعر بن مهلهل 45، 81، 94، 97، 104، 105، 106، 121، 122، 124، 194، 281، 345، 365، 397، 398، 399، 451، 471، 495، 496، 588، 589، 607
المسعودی 23، 53، 130، 144، 147، 151، 267، 576، 614
مسعود بن محمود السلجوقی 367
المسكوی الطبیب 389
مسلم بن عقیل بن أبی طالب 251
مسلمة بن عبد الملك بن مروان 508
مسیلمة الكذاب 134، 135
مصر بن مصرایم بن حام بن نوح 263
مصعب بن الزبیر 251، 252
المصیصة بن الروم بن الیقن بن سام بن نوح 564
مطیع بن إیاس 357
المطیع بن المقتدر 118، 321
مظفر الدین كوكوبری بن زین الدین علی
الصغیر 290
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 642
معاویة بن أبی سفیان 17، 66، 68، 214، 221، 222، 227، 242، 468
المعتصم باللّه 75، 314، 316، 318، 319، 385، 386، 506، 511
المعتضد باللّه 220، 386
المعتمد بن المتوكل 78
معروف الكرخی 323، 445
المعری 259
معن بن زائدة 428
مغیث 552
مغیرة بن شعبة 98
المفضل بن عمر الأبهری 463
المقتدر باللّه 168، 316، 320، 321، 331، 609، 615
المقتفی 367، 472
المقداد بن الأسود 236
المقدسی 586
المقلد بن المسیب 394
المقوقس 270
المكتفی باللّه 453، 486
مكرم بن معاویة بن الحرث بن تمیم 222
المكعبر عامل كسری 110
ملكشاه بن الب ارسلان السلجوقی 280، 393، 396، 415
ملیح الملاح 411
المنذر بن امری‌ء القیس بن ماء السماء 226، 426، 427، 428
المنصور أبو جعفر العباسی 113، 120، 124، 253، 254، 312، 314،
357، 375
منصور بن عبد اللّه الهروی 379
منصور بن عمار 337
منصور الثعالبی 428
منعم بن ادریس 70، 72
منوجهر بن ایرج بن افریدون 331، 356
المهدی 25، 75، 113، 118، 254، 276، 314، 375، 511
مهلب بن عبد اللّه 347
المهلبی 564
موسی الأشعری 171
موسی بن حماد 190
موسی بن المبارك السیرافی 33
موسی بن نصیر 559، 561
موسی كلیم اللّه، علیه السلام 27، 28، 142، 144، 162، 172، 174، 197، 201، 207، 213، 234، 235، 240، 249، 275، 279، 311، 533، 572، 600
الموفق 540
میمون بن الإصبع 318

ن‌

النابغة الذبیانی 169
الناصر خسرو 489، 490
الناصر لدین اللّه 316، 405، 408، 479
الناصر لدین اللّه 316، 405، 408، 479
نائلة بنت سهیل 116
نبط 420
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 643
نجران بن زیدان بن سبأ بن یشجب 126
نصر بن أحمد السامانی 608
نصیب الشاعر 89
النصیرة بنت الضیزن 355
النعمان بن المنذر بن قیس 186، 187، 359، 385، 427، 464، 469
النعمان بن عبد اللّه 141
نوح، علیه السلام 22، 269، 393، 471
نوح بن مریم 457
نوح بن نصر السامانی 299
نور الدین صاحب الشام 207
نور الدین محمد بن خالد الجیلی 295، 563

ه

هابیل 189
هاجر 120
هاروت 304، 305
الهادی 314، 317
هارون، علیه السلام 101، 207
هارون بن عبد اللّه 122
هرجیت 268
هرقل 566
هرمس الأول 269
هشام بن الحكم 421
هشام بن عبد الملك 70، 198، 515
هشام بن محمد الكلبی 34، 126
همام السلولی 351
همذان بن فلوج بن سام بن نوح 483
هند بن توقیر بن یقطن بن حام بن نوح 127
هوشنج 375
هود، علیه السلام 16، 37، 38، 613
الهیثم بن عدی 92

و

الواثق باللّه 314، 386، 597
و بار بن إرم بن سام بن نوح 63
وفادار بن خودكام 358
الولید بن حسان 211
الولید بن عبد الملك بن مروان 108، 113، 145، 146، 190، 255، 547
الولید بن مسلم الدمشقی 591
وهب بن منبه 499
و هرز عامل كسری 110

ی‌

یأجوج بن یافث بن نوح 596
یافث بن نوح 80، 618
یحیی بن أكثم 317، 348
یحیی بن زید 580
یحیی بن زكریاء، علیه السلام 151، 162
یحیی بن محمد بن هبیرة 367
یحیی بن معاذ الرازی 381، 382
یحیی بن معمر 421، 422
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 644
یزدجرد بن شهریار 233، 416
یزید بن معاویة 88، 116، 170، 606
یزید بن المهلب بن أبی صفرة 348
یزید بن هارون 480، 511
یشرخ بن یحصب 51
یعقوب بن إسحاق السراج 31، 32
یعقوب البغدادی 154
یعقوب بن اللیث الصفار 428
یعقوب بن یوسف 112
یعقوب، علیه السلام 142، 154، 188، 203، 205
یمن مكی 297
یوسف بن اسباط 69
یوسف بن الحسین 140
یوسف بن صبیح 177
یوسف بن محمد الجنزی 602
یوسف الصدیق 142، 154، 155، 203، 205، 221، 225، 238، 240، 254، 265، 311
یوشع بن نون 143، 174، 201، 533، 566، 600
یونس النبی، علیه السلام 477
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 645

فهرس الأماكن‌

أ

آبه 283
آتل (نهر) 579، 585، 586
آذربیجان 233، 283، 284، 285، 291، 293، 314، 339، 412، 493، 384، 391، 399، 412، 493، 494، 495، 507، 511، 527، 562، 564، 568
آرشت 286
آمد 420، 491، 492
آمل 286
أبخاز 493
أبروق 492
أبرقوه 137
ابره (نهر) 544، 505
أبسوج 138
الأبلق الفرد 73
الأبلة 189، 232، 286، 287، 543
أبهر 287، 288، 383، 390
الأبواء 125
أبولدة 575
أبیار 138
أبیورد 289، 465
أجر 139
أحد 110
الأحساء 118، 180
إخمیم 139
ارام 77
إربل 248، 290، 369، 397، 439
أردبهشتك 290
أردبیل 284، 291، 292، 564
الأردن 141، 142، 223، 249، 259
أردهن 293
أران 284، 384، 412، 493، 507، 511، 512، 513، 522
أرجان 141، 188، 209، 241، 283
أرزنجان 493
أرزن الروم 494، 568
أرض التركمان 575
أرض الجبال 383
ارطانة 494
ارسلان كشاد 292
إرم ذات العماد 15
أرمن 412، 614
أرمیة 293، 391، 494
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 646
ارمینیة 233، 284، 314، 421، 491، 493، 494، 495، 501، 507، 524، 551، 597، 600
اریحا 142، 143
اریشة 579
اسبیجاب 558
أستوناوند 293
استنبول 608
إسعرت 360
اسفابور 453
أسفجین 294
أسفرایین 295، 304، 341
الإسكندریة 137، 138، 143، 144، 145، 193، 236، 263، 435
أسوان 263
أسیوط 147
الأشبونة 496، 542
إشبیلیة 497، 555
اشت 576
اشتروین 295
اشروسنة 540
إصطخر 147، 148، 233، 281
أصفهان 219، 222، 245، 246، 296، 298، 299، 301، 302، 342، 348، 391، 396، 397، 406، 408، 413، 432، 441، 442، 449، 450، 462، 513، 520
الاغرسان 233
افرنجة 498، 503، 575، 576، 579
افریقیة 94، 137، 139، 148، 149، 159، 173، 175، 199، 215، 226، 242، 244، 260، 276، 277، 278، 579، 600
أفسوس 498، 501
أفش 576
أفشنة 299
افلوغونیا 501
أفیق 149
أقشهر 532
أقصرا 553
إلبیرة 502، 547
ألش 502
الأنبار 444
الأندلس 179، 278، 283، 496، 497، 503، 504، 509، 512، 513، 532، 533، 534، 539، 541، 542، 543، 544، 545، 547، 549، 550، 552، 553، 555، 556، 557، 559، 563، 575
أنصنا 149، 271
أنطاكیة 150، 151، 219، 249، 262، 454، 532
انطرحت 577
أنطرطوس 151
أنقرة 506
الأهواز (خوزستان) 137، 152، 170، 218، 222
أورم الجوز 151
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 647
ایذج 302
إیران 508
إیراوه 303
ایرلاندة 577
ایلابستان 304
أیلة 174، 207، 263
إیلیا: راجع بیت المقدس‌

ب‌

باب الأبواب 491، 506، 508، 584، 600
بابل 304، 305
باجة 541، 542
باجرمی 370
باجروان 600
باخرز 338
باریس 576
الباسیان 194
باشزی 307
باشغرت 609، 610
باطن الروم 610
باعشیقا 383
باكویه 578
بالس 306
بامیان 154، 365، 390
بانیاس 218
بانی 579
بتم 509، 525
بدا 154
بجا 580
بجانة 509
بجایة 208، 273
البجة 18، 20
بجناك 580
بجنة 611
بحر إفریقیة 261
البحر الأسود 504
بحر الخزر 217، 301، 341، 353، 374، 403، 491، 493، 506
بحر الروم 205
بحر الشام 217، 222، 223، 258، 261
بحر الظلمات 620
بحر فارس 180، 195، 233، 243، 351، 421
بحر القلزم 180، 195، 233، 243، 351، 421
بحر القلزم 15، 153، 174، 178
بحر مانطیس 612
بحر المغرب 15، 158، 179، 575
البحر الملح 419
بحر الهند 82، 299
البحرین 73، 77، 110، 111
بخاری 299، 301، 377، 378، 407، 408، 474، 509، 510، 511، 540، 543، 557
بدر 78
بذخشان 283، 306، 489، 525
بذ 511
براق 155
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 648
بربر 102، 163، 199، 413
بردی (نهر) 191
برجان 612
برذعة 491، 493، 512
برذیل 579
برطاس 579
برقة 137، 163، 263
برقعید 306، 307
برهوت 175
بروجرد 307
بست 390
بسطام 295، 308، 363
بسطة 505، 512، 553
بشت 446
البشمور 155
البصرة 77، 152، 250، 254، 286، 287، 309، 310، 312، 358، 369، 400، 419، 420، 421، 446، 453، 460، 464، 466، 478
البطحاء 380
بطلیوس 506
البطیحة 446
بعلبك 147، 156
بغداد 158، 195، 212، 217، 238، 257، 258، 262، 295، 297، 304، 313، 315، 316، 318، 321، 324، 326، 329، 334، 340، 351، 357، 367، 385، 386، 402، 403، 405، 409، 413، 418، 420، 422، 425، 440، 444، 446، 449، 450، 453، 460، 461، 469، 472، 480، 506، 594
بغراج 580
بغشور 329
بكیل 18
بلبیس 213
بلد 336
بلخ 233، 299، 331، 332، 333، 361، 382، 430، 433، 489
بلرم 158
بلطش 534
بلغار 609، 612، 613، 616، 618، 620
بلقاء 156، 162، 275
بلقوار 512
بلنسیة 494، 513، 544، 563
بلور 283، 336
بلینا 158
بنارق 158
بناكان 299
بنان 336
بنزرت 159
بهی 589
به اردشیر 453
به از اندیوخسرو 453
بوشنج 337
بیاسة 512
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 649
بیت الأبیات 189
بیت لحم 159
بیت لهیا 189
بیت المقدس 93، 126، 141، 142، 159، 163، 187، 197، 207، 250، 279، 288، 296، 566، 592
بئر بضاعة 108
بئر ذروان (بئر كملی) 109
بئر زمزم 120، 121
بئر عروة 109
بئر غرس 103
بئر الكنود 408
البئر المعطلة 101
البیضاء 164، 513
بیقر 589
بیلقان 493، 513
بیهق 339

ت‌

تاتار 581
تاهرت 169
تبت 79، 80، 283
التبر 18، 42، 57
تبریز 339، 391، 564
تبوك 90، 91، 261، 325
تدمر 169
تدمیر 502، 512، 555
تركستان 514، 517، 544، 589، 590
تریم 35
تستر 165، 170، 171
تغارة 25
التغزغز 575، 582
تفلیس 493، 518، 519، 597
تكرور 26
تكریت 354، 385، 420
تكناباذ 80
تلمسان 172
تهامة 15، 73، 88، 154
تهران 340
توصی 280
تونس 173، 174
تون 575
تیز 273
التیه 174

ث‌

الثرثار 368

ج‌

جابرسا 27
جابلق 27
الجابیة 175
جاریح 247
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 650
جاجرم 341
جاجلی 80
جاشك 175
جالطة 175
جاوة 29
الجبال 287، 330، 341، 412
جبال الأثالث 91
جبال وفر 503
جبرین 279
جبل أبی قبیس 70، 118
جبل أجأ 74
جبل أروند 342، 452
جبل اسبرة 538
جبل أولستان 532
جبل بزاو 384
جبل بیستون 235، 342
جبل ثبیر 119
جبل الحارث 495
جبل الحدید 86، 87
جبل حراء 119
جبل الحویرث 495
جبل ربوة 191
جبل رضوی 88
جبل زانك 517
جبل زكار 273
جبل زنجقان 563
جبل ساوة 346
جبل سبلان 284، 399
جبل السراة 88، 174
جبل سلمی 74
جبل السماق 207، 249
جبل شبام 68
جبل الشب 52، 68
جبل شلیر 505
جبل طارق 404
جبل طبرك 375
جبل الطیر 271
جبل عرفات 289 آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی ؛ ص650
ل عروان 98
جبل قاسیون 189
جبل قدقد 119
جبل قصریانه 216
جبل قنا 89
جبل الكحل 505، 512
جبل كركس كوه 346
جبل كلستان 362
جبل الكهف 197
جبل كوكبان 68
جبل كیلسیان 517
جبل لبنان 208
جبل اللكام 206
جبل معروجا 74
جبل المقطم 270
جبل منكور 588
جبل النار 101، 517، 590
جبل یسوم 89
جبل یله بشم 347
جبلی طی‌ء (أجأ و سلمی) 205
جبل 347، 348
الجحفة 108
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 651
جدة 113، 116
جرباذقان 348
جرجان 283، 304، 348، 349، 397
جرجانیة 349، 519، 520
جرجرایا 351
جزائر الخالدات 29
جزیرة ابن عمر 372، 420، 431
جزیرة انواطی 579
جزیرة برطاییل 81
جزیرة تنیس 176، 177، 193
جزیرة جابة 82
جزیرة الجساسة 178
جزیرة الرامنی 29
جزیرة زانج 30، 33، 81
جزیرة سرندیب 15، 42، 43، 83
جزیرة سقطری 82
جزیرة سكسار 31
جزیرة السلامط 83
جزیرة سیلان 83
جزیرة الشجاع 83
جزیرة صقلیة 158
جزیرة قادس 550
جزیرة القصار 32
جزیرة القصر 84
جزیرة قیس 175، 243
جزیرة الكنیسة 179
جزیرة النساء 33
جزیرة واق واق 33
الجزیرة 283، 351، 491
جفار 179
جكل 582
جنابة 180، 419
جنبذق 521
جند 557
جنزة 493، 522، 523، 602
جور 181
جوف 34
جوین 352
جیحان 421، 564
جیحون 510، 519، 525، 526، 527، 535
جیران 600
جیرفت 181
الجیزة 182، 198
جیلان 353، 402
جیان 512

ح‌

حاجین 522
الحبشة 15، 20، 22، 24، 45، 52، 266، 413
الحجاز 73، 74، 84، 86، 89، 92، 98، 131، 202، 353، 474، 484، 487
الحجر 90
حران 351، 368، 373
حرث 34
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 652
حصن الطاق 356
حصن كیفا 420
الحضر 354
حضرموت 15، 17، 35، 37، 38، 58، 60، 61، 66، 102، 175
حلب 151، 155، 183، 207، 208، 219، 221، 224، 248، 249، 257، 272، 282، 395
حلوان 342، 357، 419، 433، 451
حماة 272
حمص 151، 184، 185، 208
حوران 185، 260
الحویزة 358
الحیرة 186، 343، 359، 398، 424
حیزان 360

خ‌

الخابور (نهر) 368، 373
خاوران 360
خبیص 187
ختلان 523
الختن 283
الختیان 583
خجند 554، 557
خراسان 32، 127، 154، 217، 232، 247، 283، 289، 295، 331، 332، 333، 334، 336، 337، 338، 339، 341، 352، 353، 355، 357، 360، 361، 362، 364، 382، 383، 392، 395، 396، 398، 411، 412، 413، 428، 435، 446، 447، 456، 459، 465، 466، 467، 473، 475، 481، 490، 519، 521، 527، 588، 599، 620
خربة الملك 187
خرخیز الملك 187
خرخیز 575، 583
خرقان 363
الخرلخ 584
خرمیثن 299
خزران 493
الخزر 575، 579، 584، 599
خطلخ 585
خط هجر 91
خلاط 494، 524، 568
خلخال 383
الخلیج البربری 20
خوار 363
خوارزم 349، 377، 398، 412، 491، 514، 519، 520، 521، 525، 527، 528، 533، 558، 567، 613
خواف 364
الخورنق 186، 343، 359
خوزستان 194، 232، 281، 302،
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 653
341، 358، 368، 417
خوست 365
خوی 527، 568
خیبر 92، 108
خیوق 528

د

دارابجرد 188، 259
دامسیان 365
دامغان 308، 365، 366، 451
داوردان 366
دجلة 158، 168، 286، 287، 309، 314، 315، 316، 348، 351، 359، 368، 370، 371، 385، 420، 421، 431، 453، 461، 462، 472، 477، 478، 491، 545، 599
دجیل 367
دربند 578، 595، 596
الدروب 60
دروران (نهر) 522
دزدان 398
دلان 38
دمشق 50، 156، 175، 185، 188، 189، 191، 196، 203، 217، 232، 263، 288، 497
دمندان 192
دموران 38
دمیاط 176، 193، 209
دنباوند 192، 293، 397
دندرة 194
دنقلة 39
دنیسر 259
دور 367
دوراق 368
دورق 194
دورقستان 195
دوزبندان 453
دیار بكر 368، 420، 565
الدیبل 95
دیر أبی هور 195
دیر أتریب 196
دیر أیوب 196
دیر برصوما 529
دیر الجب 369
دیر الجماجم 255
دیر الجودی 369
دیر حزقیل 369
دیر الخنافس 370
دیر سعید 370
دیر سمعان 196
دیر طور سینا 197
دیر الطیر 197
دیر العذاری 370، 371
دیر قلمون 268
دیر قنی 158
دیر القیارة 371
دیر كردشیر 371
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 654
دیر متی 372
دیر مرتوما 372
دیر مر جرجیس 372
دیر مر جرجیس 372
دیر نهیا 198
الدیلم 330، 435
الدینور 346

ذ

ذات الشعبین 39
ذات عرق 466
ذمار 38، 39
الذهب (نهر) 208

ر

رأس العیس 373
رحا بطان 92
رحبة الشام 373
رذوم 590
الرزیق (نهر) 362
الرس (نهر) 285، 493، 495
الرصافة 198
الرقادة 199
الرقة 109، 198، 214، 418، 421
رندة 532
رودس 283
روذبار 301، 302، 373
روذراور 374، 513
الروس 586
الروم 413، 530، 586
رومیة 32، 565، 575، 586، 591 594
رویان 374، 375
روین دز 521، 533
الری 293، 342، 346، 363، 365، 371، 375، 376، 403، 410، 437، 440، 482، 548
رین (نهر) 608

ز

الزابین 290
زاوه 382
زر نرود (نهر) 299
زره كران 595
زراعة 383
زز 383
زغر 93
زكندر 199
زكویر (نهر) 285
زمخشر 533
زنجان 383، 384، 390، 394، 399
الزنجبار 266
الزنج 15، 20، 22، 24، 266
زویلة 94، 276
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 655

س‌

ساباط 385
سابور 200
ساغو 603
سامرا 314، 385، 386، 461، 597، 599
ساوة 283، 284، 386، 442
سبأ 40
سبتة 201، 533
سبران 390
سبری حصار 534
سجستان 94، 137، 201، 202، 246، 267، 428
سجلماسة 19، 42، 57
سجن عارم 98
سخا 202
سخسین 527
سدوم 202
سرجهان 390
سرخس 289، 390، 465
سرقسطة 534
سر من رأی: راجع سامرا
سریاقوس 195
السریر 575
سفالة 44
سقسین 599، 616
سقورة 547
سلماس 391
سلوان 163
سلوق 45
سمرقند 289، 491، 510، 535، 536، 543، 544، 554، 557، 599، 608
سمنان 365، 451
سمندور 95، 125
سمنود 203
سمیساط 421
سمهر 45
سمیرم 391
سناباذ 392
سنجار 236، 354، 393، 467
سنجة (نهر) 271
سنجل 203، 205
سندابل 45
السند 73، 94، 95، 97، 124، 127، 137، 273، 413
سنون 204
سهرورد 394
سوبلا 204
السودان 24، 94
سوق ذی المجار 85
سوق عكاظ 85، 86
سوق مجنة 85
سومناة 95
سیحان 421
سیحون (نهر) 538
سیراف 204، 419
سیرجان 204
السیروان 260
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 656
سیماس 496
سیلون 205
سیواس 537، 538

ش‌

شابر 600
شاذیاخ 395، 396
شاش 538
شاشین 539
شاطبة 539
الشام 17، 73، 84، 90، 92، 114، 137، 141، 142، 146، 147، 150، 153، 154، 169، 174، 184، 189، 198، 202، 205، 206، 208، 227، 261، 274، 275، 279، 288، 368، 383، 412، 413، 458، 463، 504، 527، 548، 620
شاه دز 396
شبام 35
شبلیة 540
الشحر 47، 63
الشراة 156
شرشال 208
شروان 493، 523، 578، 596، 600
شطا 209
شعب 48
شعب بوان 189، 209، 232، 286، 543
شعرا 617
شعنة (نهر) 590
شغنسة 541
شكمبة 397
شلب 541
شلشویق 601، 602
شلف (نهر) 148
شمخ 49
شمكور 493
شناس 602
شنترة 542
شنترین 542
شنت مریة 542
شنقنیرة 543
شهرزور 397
شهرستان 398، 434
شوشیط (حصن) 614، 617
شیراز 181، 204، 210، 212، 237، 243، 244، 258، 297، 391
شیرین 442
شیز 399
شیلا 50

ص‌

صاهك (قریة) 241
الصعید 147، 158، 213، 262، 271
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 657
صغانیان 525
صغد سمرقند 189، 200، 232، 286، 543، 558
الصفا 119
صفت 213
صفین 214
صقلیة 215، 216، 283
صقلاب 614
صنعاء 15، 17، 40، 50، 52، 55، 60، 62، 63، 65، 68
صنف 97
صور 217، 223، 546
صیمرة 400
صیمور 97
الصین 15، 29، 30، 33، 42، 45، 50، 53، 54، 55، 59، 73، 79، 83، 97، 121، 137، 143، 283، 314، 413، 535، 536، 588، 606

ط

طاب (نهر) 141
طالقان 402
الطاهریة 403
الطائف 97، 98، 100، 111
طبرستان 217، 250، 283، 286، 300، 331، 348، 356، 374، 376، 397، 403، 404،
405، 406
طبرقة 175
طبرمین 216
طبریة 141، 179، 203، 217، 218، 249، 261، 275، 277، 620
طبس 303، 406
طخارستان 306
طرابلس 408
طراز 544
طرخان 597
طركونة 545
طرزك 409
طرسوس 219، 220، 240، 314، 319
طرطوشة 505، 544، 545
طرق 408، 520
طروز 410
طلبیرة 545
طلیطلة 113، 217، 545، 546، 550، 567
طمغاج 411
طور سینا 207
طور هارون 207
طوس 314، 392، 411، 413، 415
طیب 417
طیزناباد 417، 418
طیفند 101
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 658

ظ

ظاخر 602
ظفار 55، 61

ع‌

عانة 418، 421
عاشوراء 422
عبادان 419، 420
العباسة 220
عبد الرحمن (قریة) 241
عبد اللّه اباذ 419
عدن 15، 35، 47، 66، 82، 101، 102
العراق 99، 217، 220، 244، 283، 304، 327، 341، 368، 383، 412، 419، 420، 428، 449، 495، 506، 537، 597، 599
العراقین 137
العریش 205، 221، 263
عزاز 221، 249
عزان 424
عسقلان 222، 227، 279
عسكر مكرم 195، 222، 369
عقبة بن عامر 59
عقرقوف 425
عكة 222، 223، 224
عمان 47، 56، 58، 59، 61،
65، 77، 179
عموریة 316، 319
عیذاب 18
عیساباد 314
عین باذخانی 366
عین البقر 224
عین التمر 355
عین جارة 224
عین زراوند 496
عین الزاج 555
عین زغر 179
عین سیاه سنك 349
عین الشب 555
عین الشمس 224، 225
عین الصرار 373
عین ضارج 89، 90
عین العقاب 130
عین فراوور 362
عین كنكلة 527
عین المشقق 90
عین الناطول 270
عین النیلوفر 383
عین الهرماس 368

غ‌

غانة 42، 57
غدامس 57
غرشستان 425، 426
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 659
غرناطة 547
الغریان 226، 426، 428
الغز 587
غزة 222، 227
غزنة 154، 297، 425، 428، 429، 455
غمدان 51
غنجرة 547
الغور 283، 365، 412، 425، 429، 430، 455
غوطة دمشق 209، 232، 286، 543

ف‌

فاراب 548، 603
فارس 127، 137، 141، 147، 152، 164، 181، 188، 200، 209، 210، 232، 235، 241، 244، 247، 257، 275، 281، 412، 428
فاس 102
فبرة 549
الفرات 205، 214، 241، 304، 306، 309، 314، 351، 359، 368، 418، 420، 421، 424
فراغة 549
فراهان 431
فرغانة 235، 491، 509، 558، 603
فرماء 176
فرمنتیرة 549
فزان 59
الفسطاط 224، 236، 237، 240، 267، 270، 274.
فلسطین 102، 179، 203، 222، 277
فم الدبل 411
فنك 431
فهمین 550
الفیافی 22
فیروزاباد 237
فیصور 103
فیلانشاه 597
الفیوم 238، 239

ق‌

القادسیة 233، 239، 417، 419
قاشان 432، 452
قاع 58
قالیقلا 421، 551
القاهرة 240
قبا 103
قبرس 240
قردقاس (نهر) 522
قران 106
قرطاجنة 543
قرطبة 502، 549، 552، 555
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 660
قرمیسین 433، 441، 445، 448، 482
قزدار 104
قزوین 43، 69، 285، 286، 288، 290، 292، 295، 296، 301، 330، 342، 347، 353، 365، 374، 376، 390، 391، 394، 402، 403، 409، 410، 419، 434، 435، 437، 438، 449، 450، 468، 469، 482، 489، 563
قسطلونة 553
القسطنطینیة 240، 278، 575، 586، 591، 603، 605، 606، 609، 612
قشمیر 104، 283، 336
قصران 440
قصر شیرین 440
قصر طمار 251
قفط 241
قلعة الشرف 58
قلعة اللان 553
قلعة النجم 241، 421
قلوم (نهر) 547
القلیب 206، 606
القلیس (كنیسة) 52
قمار 105
قم 346، 371، 432، 442، 443
قندهار 80
قنینة 189
قها 437
قهستان 283، 284، 341، 348، 352، 361، 363، 391، 402
قومس 283، 308، 403، 451
قونیة 534
قیدسجان 413
القیروان 139، 177، 199، 242، 276، 278، 559، 561
قیصریة 553، 554

ك‌

كابل 137، 243، 283، 390
كابیل 24، 39
كبك (نهر) 130
كاشغر 412، 491
كاریان 244
كازرون 244
كاكدم 58
كدال 244
كران 443
كرتنة 607
الكرج 522، 524
كرخ 444
كردافاذ 453
كرد فناخسرو 244
الكر (نهر) 493، 512، 518
كركان 445
كركویه 246
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 661
كرمالة 607
كرمان 94، 137، 181، 187، 192، 204، 232، 247، 248، 299، 412، 428
كرمانشاهان 433
كرم الرهط 98
كسكر 446
كش 536، 554
كشم 446
الكعبة 52، 111، 113، 114، 115، 116، 120، 126، 180، 331، 462، 547
كفرطاب 248
كفرمندة 249، 261
كفرنجد 249 آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی ؛ ص661
با 105
كلز 249
كله 59، 105
كنام 59
كند 554
كندر 447
كنزة 106
كنكور 448
كهن 366
الكوبة 224
كوثی 449
كوزا 250
الكوفة 118، 186، 226، 239، 250، 251، 252، 253، 254، 255، 309، 359، 417، 421 426، 453، 478
كولم 55، 106
كوار 59
الكیا 406
كیسوم 271
كیماك 575، 588

ل‌

لاردة 549
اللاذقیة 258 اللان 412، 493، 575، 597
لباك 280
لبلة 497، 555
اللجون 259
لیخواست 451
لشبونة 555
لكزان 602
لنبان 449
لنجویة 59
لهشر (نهر) 555
لورقة 543، 547، 555، 556
لوشة 502

م‌

ماذران 451
ماذروستان 451
مأرب 60
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 662
ماردة 506
ماردین 259
مازندران 374
ماسبذان 260، 314
مالطة 557
المان 575
ماهاباذ 452
ما وراء النهر 557
ماوشان 452، 453، 484
مجانة 260
مجمع البحرین 504، 533
محجة 260
المحرزی 419
محقة 174
المدائن 433، 453
مدین 207، 261
المدینة 78، 90، 92، 103، 107، 108، 109، 125، 126، 179، 252، 261، 291، 422
مدینة النحاس 58، 558، 559، 561، 562
مدینة النساء 607
یثرب: راجع المدینة 107
مذیخرة 61
المراغة 399، 521، 533، 562، 563
مراكش 111، 112، 199، 204
مرباط 61
مربیطر 563
مرسی الخرز 261
المرقب 261
مرند 285
مرو 233، 318، 361، 362، 390، 456، 457
مرو الروذ 329، 425، 455
المروة 119
المریة 509
مریة 262
مریوط 263
المزة 263
المستطیلة 564
مسور 62
المشان 460
مشقة 616
المشقر 110، 111
مصر 24، 25، 32، 95، 113، 137، 138، 139، 140، 142، 143، 146، 149، 155، 174، 179، 187، 193، 195، 196، 197، 198، 202، 203، 209، 213، 220، 221، 224، 226، 227، 231، 236، 238، 239، 240، 241، 262، 263، 264، 265، 266، 267، 269، 270، 271، 274، 281، 301، 302، 327، 374، 393، 413، 418، 479، 521، 542
المصیصة 564
المطریة 271
المطیرة 461
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 663
معرة النعمان 248، 272
معقل (نهر) 400
مغانجة 608
المغرب 25، 27، 29، 42، 57، 58، 73، 102، 111، 143، 148، 163، 169، 172، 173، 182، 199، 201، 208، 215، 273، 278، 559
مغمس 111
مقری 62، 189
مكران 247، 273
مكة 15، 20، 21، 43، 70، 71، 78، 84، 86، 89، 97، 107، 108، 111، 112، 113، 115، 116، 118، 119، 121، 123، 125، 126، 179، 249، 255، 262، 263، 280، 289، 308، 318، 321، 325، 349، 353، 380، 414، 418، 447، 457، 459، 462، 466، 467، 482، 533
ملتان 95، 121، 125
ملطیة 421، 529، 564
ملیبار 123
ملیانة 273
منبج 274
مندل 124
مندورفین 124
المنصورة 95، 124، 125
منف 265، 274
منی 119، 123، 289، 472
منیة هشام 275
المهدیة 94، 276
مهران (نهر) 95، 124، 125
مهرة 62
مهیمة 125
الموت 301
مؤتة 275
مورجان 275
الموصل 76، 306، 336، 351، 368، 369، 370، 371، 372، 383، 393، 419، 420، 461، 462، 463، 477، 507، 545
موغان 564
میسان 446، 464
میورقة 568
میافارقین 372، 420، 491، 565

ن‌

نابلس 203، 205، 277
ناشقین 286
ناصرة 277
ناووس الظبیة 464، 465
النباج 466
نجد 73
نجران 65، 110، 126
نخشب 466
الندهة 127
نسا 300، 364، 465
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 664
نصراباذ 467
نصیبین 259، 306، 368، 373، 393، 398، 467، 468
نضیراباذ 468
النعمانیة 158، 347، 469
نفزاوة 278
نقجوان 493
نهاوند 324، 346، 413، 451، 471، 472
النهروان 253، 472
النوبة 15، 22، 24، 25، 39، 266
النوبندجان 209
نونیاباذ 453
نیسابور 167، 297، 334، 349، 353، 361، 363، 365، 382، 390، 392، 395، 398، 406، 411، 412، 446، 447، 459، 473، 474، 475، 537
نیقیة 608
النیل 15، 24، 32، 45، 73، 95، 138، 139، 149، 158، 176، 182، 187، 193، 194، 197، 198، 213، 237، 238، 264، 265، 266، 271، 421، 542، 556، 590
نینوی 370، 372، 477

ه

هجر 56، 111، 280
هراة 281، 329، 361، 425، 429، 481، 482
هرقلة 566
هركند 42
هزار اسب 567
همذان 294، 300، 301، 307، 342، 348، 352، 357، 374، 383، 388، 397، 409، 419، 431، 433، 440، 448، 452، 464، 471، 481، 483، 484، 485، 486، 487، 507
هنبوسابور 453
الهند 15، 29، 30، 45، 55، 59، 73، 77، 79، 80، 83، 94، 95، 96، 97، 101، 103، 104، 105، 106، 121، 123، 124، 127، 128، 129، 130، 131، 137، 243، 314، 333، 413، 428، 498، 588، 608
هندیان 281
هندیجان 281
هیت 281، 418، 421

و

وادی اترك 434
وادی برهوت 38
وادی الثمرات 556
وادی الحجارة 541، 567
وادی درج 434
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 665
وادی الرمل 278
وادی القری 90، 156
وادی القصر 310
وادی الكرد 495
وادی موسی 279
وادی النمل 279
واسط 100، 347، 358، 417، 420، 421، 431، 446، 453، 464، 469، 472، 478، 480، 511
واطر بورونة 617
واقصة 280
والوطة 568
وبار 48، 63، 86
وج الطائف 98
ورجند 481
ورنك 617
ورور 65
ودان 280
وشلة 568
ونجر 294
ویسو 613، 617، 618، 620

ی‌

یابسة 282
یأجوج و مأجوج 596، 597، 598، 618، 619
یاسی جمن 494، 568
یاقد 282
یبرین 63
یترب 131
یزد 282
یله بشم 489
یل 347، 489
الیمامة 99، 106، 131
یمكان 489
الیمن 15، 16، 18، 20، 22، 34، 35، 37، 38، 39، 40، 45، 48، 49، 50، 52، 56، 58، 62، 63، 65، 66، 68، 84، 88، 89، 91، 99، 101، 126، 131، 227، 302
یونان 569
یورا 613، 620، 621
آثار البلاد و اخبار العباد،قزوینی، ص: 667
آثار البلاد و مآثر العباد زكریا بن محمد بن محمود القزوینی 3
مقدمة المؤلف 5
المقدمة الأولی: فی الحاجة الداعیة إلی إحداث المدن و القری 7
المقدمة الثانیة: فی خواص البلاد 9
المقدمة الثالثة: فی أقالیم الأرض 12
الاقلیم الأوّل 15
الاقلیم الثانی 73
الاقلیم الثالث 137
الاقلیم الرابع 283
الاقلیم الخامس 491
الاقلیم السادس 575
الاقلیم السابع 609
فهرس الأعلام 623
فهرس الأماكن 645

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.